روايات

رواية غوثهم الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء الثاني والعشرون

رواية غوثهم البارت الثاني والعشرون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثانية والعشرون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثاني وعشرون”
“يــا صـبـر أيـوب”
______________________
فـؤادي غدا مـن شـدة الـوجد فـي ظمأ
إلى نـحو من فوق السماوات قـد سما
ولـولاه ما أشـتـقـت لـحطيم وزمزما
شـغـفـت وقـلبي مات فـي الحب مغرما
_”يوسف البهتيمي”
__________________________________
•الحب ذنب…العشق إثم….الشوق جُرم
أذنبت وأثمت وارتكبت جُرمًا في حق قلبي، فلا أنا بتائبٍ ولا بقيت زاهدًا، أن بين الإثنين متأرجحًا، عَفُفت نفسي وحفظت قلبي من كل فتن الدنيا، وأتت عيناها وأغوت تائبًا صام عن الزاد والهوىٰ، فملكت بحسنها قلبي وأعلنت أن سطوتها دائمةً على دربي وماحوىٰ، ليس لنا في دروب العشق بابًا لكن عيناها بها كل الطُرق وليس لها سوىٰ.
<“أنا هُنا يا أمي…لكن أين أنتِ”>
كما ورقة الخريف الخَشِنة تم دهسه أسفل الأقدام، بكل قسوة حُرِم من الحياة، لم يتم الرأف بحاله ولو لثوانٍ عابرة، تحمل وجهه العديد من الصفعات ونفسه الكثير من الأزمات وقلبه حمل الكدمات، وروحه صرخت من عذاب الويلات، وهنا يتم الدهس على قلبه من جديد في مشهدٍ كان يتوقع صعوبته لكن ليس لهذه الدرجة التي أدمت قلبه، مشهد يتمنى أن يعيشه ويتذوق عناق أمه، في كل مرّةٍ يصاب بالبلاء كان يفكر في وجودها معه.
نزلت دموعه بغير هوادة وهو يجد “يوسف” يشدد عناقه لوالدته يبكي مثل طفلٍ صغير بشهقاتٍ وقد تنازل عن صموده وقوته وصلابة سامحًا لنفسه بالإنهيار التام بين ذراعي أمه حتى ارتخى جسدها وجسده يرتمي عليها ليجلسان معًا على الأرض ولازالت تعانقه وتبكي معه وهي تردد بقلبٍ مكلومٍ على فلذة كبدها:
_بس يا حبيبي….حقك على قلبي، بس يابني.
كانت تتوسله بالتوقف لكي يَكُفْ عن البُكاء، لكي تهدأ روحها بعدما تقتبس الهدوء منه، لكن الأخر وضع رأسه على صدرها ممنيًا نفسه بلحظاتٍ تضرع بكل قلبه أن تبقى طول الأمد.
وقفت “قمر” تبكي هي الأخرىٰ بوجعٍ لاتصدق صعوبة هذه المشاعر المتباينة، لا تعلم أيتوجب عليها أن تفرح بعودة بطلها المغوار كما تلقبه أم تحزن بسبب الفراق الذي كُتِبَ عليهم ؟؟ هل بهذه السرعة استطاع “أيوب” أن يأتي به؟؟ عند ذكره في فكرها توجهت له ببصرها لتجده يبكي كما طفلٍ صغير حُرِم من سبب سعادته، قلبها انبئها بمشاعره وفهمت ما يدور بخلده، كيف لا تعرف وقلبها صفا له ؟؟ لذا اقتربت تأخذ المحارم الورقية ثم اقتربت منه تقول بنبرةٍ محبوحة:
_اتفضل…. ادعيلها ربنا يرحمها.
رفع عينيه الباكيتين نحوها بذهولٍ وهو يفكر كيف فهمت سبب حزنه وتأثره، فحركت هي رأسها موافقةً وأشارت بعينيها نحو العُلبة ليأخذ منها المحارم الورقية ثم تنهد بعمقٍ، وهتف بنبرةٍ مُحشرجة بالكاد وصلتها:
_شكرًا…ألف شكر.
حركت رأسها موافقةً وهتفت وهي تتابعهما بعينيها:
_أظن كدا هما هيرتاحوا سوا، هتروح عليا في حضن “غالية” خلاص.
كانت تتحدث بتأثرٍ ليطالعها هو بلهفةٍ، أراد أن يخبره بانتظاره لها وأنها استطاعت ببراءة تصرفاتها وعفويتها والعديد الذي لم يكتشفه بعد أنها امتلكت فتنة الزاهد، أراد قلبه أن يخبرها:
“اتركيهم لبعضهما وأضيئي حياتي يا “قمر الليالي” أنا هنا في حاجةٍ لكِ”.
لكن كالعادة أتى”أيوب” الأخر له ينهره بقوله:
“تعلمت فنون الاستغلال يا وغد ؟؟ أم أنك تتخلى عن مبادئك، تفرح وعيناك مُثبتة عليها، وتسعد وهي تنظر لك، والآن تريد التحدث معها بكل صراحةٍ؟؟”
دلف في دوامة صراع بين هذا وذاك، لينجح العقل أخيرًا وقد أشاح “أيوب” برأسه للجهةِ الأخرى يهرب من النظر إليها هل حبها ؟؟ الأمر تخطى الإعجاب بفتاةٍ صفاتها النقية ملموسة وواضحةِ للعيان، لمشاعر أخرى لم يظن أن قلبه يحملها لإحداهن ذات يومٍ.
ابتعد “يوسف” عن صدر والدته يرفع عينيهوالباكيتين وحمراوتين نحوها، لقد أنهار حقًا ؟؟ أين ما تربى عليه وأين خشونته وصلابته؟؟ لا يهم يا “يوسف” كل هذا، انظر من تعانقك ؟؟ إنها هي ذاتها مالكة القلب الأولى، يا الله !! ملامحها رقيقة كما هي، بشرتها البيضاء بنعومةٍ و وجنتاها يسكوهما الاحمرار، عيناها بلون العسل الفاتح، يا الله كما هي بريئة وجميلة، لكن ما هذا يا “غالية” ؟؟ ظهر الشيب على خصلاتك؟؟ هل ترك الزمن اثاره عليكِ؟؟ على كلٍ كما أنتِ فقط الأمر كله في خصلات يتم عدها على أصابع اليد الواحدة.
أروىٰ ظمأ روحه المتعطشة لها من خلال تَتبُع ملامحها ومقدمة خصلاتها التي ظهرت من أسفل حجابها، جال بنظره في ملامحها كما الغائب الذي عاد لوطنه وهام بشوارعه يشبع رغبة هواه في الارتواء من وطنه، وهاهي وطنك…أمنك…حمايتك، رفع نفسه يقبل رأسها وهتف من جديد بنبرةٍ باكية:
_مكانك لسه زي ماهو ماحدش ملاه ولا غيره.
احتضنت وجهه بكفيها وهي تقول ببكاءٍ ولوعةٍ مزقت نياط قلبه:
_وأنتَ زي ما أنتَ حبيب عيوني.
هذا اللقب المُحبب له، يسمعه من جديد ومنها هي ؟؟ غاليته !! سيدة القلب ؟؟ إن كان هذا حلمًا لا أستطيع الايقاذ منه على ألمٍ، من يؤكد له أنها حقيقة ومن يخبره أنه عاد لها من جديد وأنها على قيد الحياة هي وقمره !!
رفع عينيه نحو “قـمر” وهتف بحشرجةٍ حينما عادت له في ذهنه من جديد:
_تعالي….تعالي في حضني.
فرق ذراعيه عن بعضهما ينتظرها ترتمي بينهما، فاقتربت منه بتروٍ وجلست على الأرض أمامه تقول بنبرةٍ مختنقة:
_أنتَ فاكرني صح؟؟ قالولي إنك كنت بتحبني أوي.
فرت دمعة هاربة من عينيه أعلنت عصيانها وقال بنبرةٍ باكية..مكسورة…. حزينة:
_كنت !! حُبك في قلبي هو اللي خلاني أكمل، “قـمر” اللي اسمها ملازم كل حاجة عندي، انساكي إزاي وأنا عليل بيكم؟؟ أخف إزاي من مرض حبكم اللي عشش جوايا.
ارتمت عليه تعانقه وهتفت ببكاءٍ موجع وهي تتذكر حاجته له في كل تفاصيل حياتها وفي كل مرةٍ زارها الخوف:
_أنا كمان بحبك أوي، عيشت عمري كله علشان اللحظة دي، احتاجتك كتير وماكنتش معايا، قولي إنك مش هتمشي وتسيبني تاني، لو هتمشي خدني معاك.
ربت على رأسها وضمها إليه قائلًا بإصرارٍ:
_مش همشي، الحاجة الوحيدة اللي هتفرقني عنك تاني هي الموت زي ما حكم وفرقنا قبل كدا، غير كدا “يوسف” مش هيسيب “قمره” و “غاليته”.
على الجهةِ الأخرى وقف “أيوب” مصدومًا من قولها وهو يفكر أنه خسرها لا محالة، إذا أمر شقيقها بالرحيل أو حتى رفض تواجده في حياتهم، هي ستوافق، ما يتوجب عليه فقط هو الرحيل، يكفيه ما تلقنه اليوم من صفعاتٍ موجعة نبشت بمخالبها في خيوط قلبه، لذا تنحنح يُجلي حنجرته وأخفض بصره أرضًا يهتف بنبرةٍ خافتة:
_أنا كدا عملت اللي عليا، الحمد لله الذي بكرمه ورحمته أراد أن يجمع شملكم من جديد، وأحب اقولكم حاجة واحدة بس قبل ما أمشي ويا عالم اللقاء التاني إمتى، بس أظن أنكم لازم تسمعوا الكلام دا.
توجهت الأبصار نحوه فثبت هو نظره على “يوسف” وهتف بلهجةٍ قوية العزيمة والإصرار:
_ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:
قال تعالى:
{وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
سكت عن الحديث وقد وجد تأثير الآية واضحًا عليهم، فأضاف من جديد مُتابعًا قوله:
_الله يعلم…. وأنتم لا تعلمون؛
الخير فيما يختاره الله وما يختاره الله لنا هو خيرٌ لنا حتى لو كان عكس رغبتنا لا تكره شيئًا اختاره الله لك فعلى البلاء تؤجر وعلى المرض تؤجر وعلى الفقد تؤجر وعلى الصبر تؤجر فرب لا يأتي إلا بالخير، وأظن الخير بان أهو برجوع الغايب ولم الشَمل من جديد، عن إذنكم، هسيبكم مع بعض.
وقفت “قمر” بلهفةٍ تبتعد عن أخيها ثم اقتربت منه تقول بامتنانٍ وقد ضوت عيناها كما نجوم السماء في ليلٍ مُعتم:
_شكرًا…شكرًا بجد علشان كل حاجة، شكرًا على حمايتك ليا وشكرًا على دفاعك عني وشكرًا على محاولتك ترجيع أخويا، شكرًا ليك و للصدفة اللي عرفتنا عليك.
تنهد بعمقٍ وهو يحاول الهروب من أمامها، تشكره وتُثني عليه وهو الآن تأكد من فراقهما !! نظر لأخيها الذي تابع ملامحه بفراسةٍ يُدرسها ليجد “أيوب” يبدو كما طيرٍ كُسِرَ جناحه، هو يعرف هذه النظرة جيدًا، نظرة الانكسار وفقد الأمل !! الأمر تخطى مافكر هو به، وزاد تأكده حينما قال “أيوب” بنبرةٍ ثابتة الوتيرة وهو يتابع “يوسف” بنظراته:
_اشكريه هو مش أنا، كفاية أنه اتحمل كتير لحد ما وصل هنا، وقبلها اسجدي شكر لله إنه مَنَّ عليكم بفضله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحرك من مكانه بعد انتهاء حديثه، فوقفت “قمر” تتتبع تحركه وقد نطقت بعد اختفاء أثره قائلة:
_يا بخت ناسك بيك.
استمع “يوسف” لجملتها فنظر لوالدته التي تنهدت بعمقٍ ثم أمسكت رأسه تضمها لعناقها من جديد وهتفت بنبرةٍ مختنقة:
_تعالي يا “قمر”.
اقتربت منهما لتجد والدتها تعانقها هي الأخرى بحمايةٍ فرفع “يوسف” يحتضن وجنة شقيقته وهو يردد بغير تصديق وكأنه يجبر كل ذرةٍ به على تصديق ما يراه:
_”قـمر مصطفى الراوي” حبيبة قلب “يوسف مصطفى الراوي”
ابتسمت “قمر” له بدورها تشبع عينيها منه وهي تراه نسخة أخرى تشبه والدها صاحب الصورة الموجودة معها، لكن هذا أوسم ؟؟ أجمل ؟؟ هذا جميل و وسيم وأنيق، ماهذا تغازلين أخاكِ يا بلهاء ؟؟ لما لا فهو حقًا وسيم كما “أيوب” !! هنا تدخل القلب يخبرها بخبثٍ:
_أنا مقولتش “أيوب” أنتِ اللي قولتي أهو.
ظهر التخبط على ملامحها وهي تستمع لمشاجرة بين قلبها وعقلها في صراعٍ أمدي ليزول بمجرد ما قربها “يوسف” منه يضمها إليه حتى استقرت بين ذراعيه و “غالية” تحتويهما وهي تبكي بحرقةٍ على حرمانها من عناقه وتواجده معها وعدم بقاءه بجوارها.
__________________________________
<“فـرِضَ علينا الاختيار…. وفُرِضَت عليكم التهنئة”>
في شقة “تَـيام” دلفها بجسدٍ مُنهك بعد يومٍ شاق في العمل وهو يتابع سير العمال في حركتهم، وقد رفع صوته عاليًا ينادي على والدته بقوله:
_”نوجة” !! “نجلاء” !!
صمت فور وقوع بصره عليها تجلس بجوار خالته فابتسم بحماسٍ وقال يشاكسها بمرحٍ:
_مش معقول ؟؟ خالتو “نيفين” عندنا ؟؟.
رمقته خالته بازدراءٍ وهتفت باقتضابٍ:
_أهلًا….لسه فاكر إنك ليك خالة ؟؟.
تنهد مُطولًا وعلم من ملامح والدته أنها تلقت منها درسًا قاسيًا لذا تنهد بعمقٍ من جديد واقترب يقول بنبرةٍ هادئة:
_مش هنساكي أكيد يا خالتو يعني، بس أنتِ عارفة المشاغل وعجلة الحياة زي التروس بتلف واحنا فيها، بس منورانا.
ابتسمت والدته له بحبٍ، فهتفت خالته من جديد بنفس الجمود:
_ألف مبروك يا حبيبي، عرفت إنك كلها يومين وتخطب.
حرك رأسه موافقًا وأضاف بوجهٍ مبتسمٍ وهو يعلم سبب ضجرها منه:
_الله يبارك فيكِ يا خالتو، عقبال بناتك إن شاء الله.
لوت فمها باستهجانٍ وهتفت باندفاع من يطالب بحقه:
_ولما سيادتك فاكر إني عندي بنات، رايح تبص برة ليه؟؟ العيلة عندنا مش وحشة يا حبيبي ولا بناتها وحشين، مش كنت أنتَ أولىٰ بيهم وهما أولىٰ بيك ؟؟.
لم يعجبه تحدثها وطريقتها لذا نظر لوالدته أن تتدخل فوجدها تنظر له بقلة حيلة، حينها قال بثباتٍ يرفض هو الإتصاف به في شخصيته المرحة:
_دا نصيب يا خالتو، بعدين بناتك أو بنات خالتي التانية اخواتي من صغري، ومش هقدر أكون ليهم غير كدا، هاتيلي مرة اتأخرت عن واحدة فيهم في حاجة، ولا حتى حوشت نفسي عنهم وعن طلباتهم، بلاش جواز القرايب يا خالتي أحسن.
وضعت كفًا فوق الأخر وهتف بنزقٍ تتهكم به:
_ليه يا أخويا إن شاء الله ؟؟.
ابتسم ببرودٍ وهو يقول بمراوغةٍ:
_علشان العيلة مش ناقصة معاتيه، فيها اللي مكفيها، بعدين أنا عليا أختار وانتم عليكم تباركوا.
شهقت والدته ونظرت له تؤنبه، فزفرت خالته بحنقٍ حتى وجدته يسأل مغيرًا للموضوع برمته:
_المهم بقى !! عاملة لينا أكل إيه يا ماما ؟؟ خالتو لازم تتغدى معانا.
هتفت بنبرةٍ خافتة قبل أن يثور في وجهها:
_عاملة لحمة وسلطة وبصارة لخالتك علشان بتحبها من أيدي.
عض شفته السُفلى بضيقٍ ثم التفت يقول بسخريةٍ في استعدادٍ منه للرحيل خارج الشقة مرة أخرى:
_منورانا يا خالتو، ألف هنا وشفا.
خرج من الشقة بعدما أغلق الباب بعنفٍ ووقف يهتف خارج الشقة مع نفسه بسخريةٍ:
_ما أكيد لازم تحب البصارة، واحدة زي دي هتحب إيه يعني ؟؟ الكرواسون ؟؟.
في الداخل بعد تحركه وقبل أن تقوم “نجلاء” بتجهيز الطعام اوقفتها “نيفين” تقول بخبثٍ تحاول تسريب القلق لقلب شقيقتها:
_وهي بقى المحروسة اللي اختارها اسم النبي حارسه وصاينه، تبقى مين ؟؟ نعرفها ؟؟
تنهدت “نجلاء” بعمقٍ تنهيدة ثقيلة بدلًا من أن تريحها أصابت قلبها بالقلق وهي تقول:
_تبقى “آيات عبدالقادر العطار” بنت الحج “عبدالقادر”.
شهقت “نيفين” بجمودٍ وهتفت بغير تصديق:
_”آيات” بنت الحج اللي جوزك كان شغال عنده محامي؟؟
حركت رأسها موافقةً بتأكيدٍ فوجدت شقيقتها تندفع في الحديث بقولها:
_وهو ياختي ابنك قدهم ؟؟ دي تلاقيها عاوزة جهاز وشقة بملايين، ابنك هيجيب منين ؟؟.
جاوبتها “نجلاء” بدفاعٍ عن صغيرها:
_تَـيام” عنده الشقة بتاعته في عمارة من بتوع أبوها، “صبري” كان جايبها من الحج وقال تكون ليه كأنه كان حاسس يا حبة عيني أنه هيكمل الطريق من غيره، وابني ربنا يكرمه شطبها وخلصها فاضل بس الوش الأخير وتشطيب الكهربا، جمعية صغيرة كدا وكله هيبقى تمام.
لوت فمها باستهجانٍ من جديد وقالت تبخ سمها كما الأفعى تظهر من أسفل مياه التِبن ليتشعب سمها في الأنحاء:
_ياختي وهي بنت واحد زي دا هتقبل بكدا ؟؟ دا بيتهم اللهم صل على النبي، واخد أربع نواصي والحارة كلها بتتباهى بيه، هتقبل بشقة في عمارة وكمان بتوع أبوها ؟؟ ياختي إيه الرُخص دا ؟؟؟
أثارت حفيظة شقيقتها لذا هتفت “نجلاء” بنبرةٍ جامدة تسألها:
_عاوزة توصلي لإيه يا “نيفين”؟؟ ماله كلامك كدا؟
بنفس الفحيح هتفت الأخرى تتصنع الخوف عليهما:
_خايفة عليكم ياختي، أكيد بت زي دي متدلعة وطلباتها أوامر غير كدا هتفرض سيطرتها على ابنك وحيدك، وأنتِ مطلعتيش من الدنيا دي كلها غير بيه هو، حاسبي ابنك يعشم نفسه وفي الأخر يكسروا قلبه، حكم دول تلاقيهم كل اللي يهمهم الحسب والنسب، متأخذنيش ياختي، الحال من بعضه وكلنا على قد حالنا، بس….
بترت حديثها واختها تطالعها بنظرةٍ حائرة من توقف استرسال التحدث لتضيف هي بمكرٍ:
_بس المثل بيقولك على قد لحافك مد رجليك، وابنك ألف واحدة تتمناه بصحيح بس خلي بالك من بنت “عبدالقادر” البت دي تلاقيها عنيها نايمة كدا وسهتانة على نفسها.
هتفت “نجلاء” بحدةٍ بالغة تبريء الفتاة:
_البت زي الفل ياختي وكله يشهد ليها، الحارة كلها تتمنى بناتهم يكونوا ربعها، أدب وجمال وأخلاق وحسب ونسب، فوق كل دا متدينة ولابسة خمار وبتحفظ البنات الصغيرة قرآن وتديهم دروس دين، يعني زي الجنيه الدهب، ألف شكر ياختي، خوفك وصل.
حركت رأسها وابتسمت بإصفرارٍ وهي تقول:
_وماله يا حبيبتي، ربنا يهني سعيد بسعيدة.
نظرت لها شقيقتها بطرف عينها ثم هتفت بنبرةٍ خافتة:
_استغفرك ربي و أتوب إليك.
__________________________________
<“تصنع خيرًا….. يأتيك خيرٌ”>
وصل “أيوب” لبيته بعدما هاتف والده وأخبره بما فعله ثم منها هرب من الجميع بداخل غرفته يغلقها على نفسه، نظر في ساعة يده فوجد الوقت شارف على العاشرة مساءً، حمد الله أنه أنهى فروضه وأغلق المسجد قبل أن يخضع لسلطان الراحة.
خلع ثيابه وارتدى بنطالًا وظل عاري الجذع ثم رفع ذراعيه يضعهما خلف عنقه وهو يحاول غلق جفونه، لتأتيه صورتها من جديد وهي تشكره وتبتسم له بعينيها اللامعتين، يا الله ألم تتركه وشأنه ؟؟ لما لا تنفك عن عقله؟؟ منذ عامين وهي تتردد على عملهم تضع الأمانة وترحل في صمتٍ، عامان كاملان يراها من بعيد يتصنع اللامبالاة وهي تمر مرور الكرام أمام الجميع وتأتي عنده تفتنه، ذاك الخائن الذي أقسم بالزُهدِ عن دروب الهوىٰ أتى عند عينيها وهوىٰ.
وصله طرقاتٌ فوق باب غرفته جعلته يتنفس الصعداء ثم سحب سترته وارتداها على عُجالةٍ واتجه بخطواتٍ وئيدة للباب يتفحه فوجد والده يسأله بلهفةٍ ما إن رآه أمامه:
_أخبارك إيه يا حبيبي، كويس ؟؟
حرك رأسه موافقًا وهتف بنبرةٍ خافتة عكست وجعه الحي:
_الحمد لله زي الفل، تعالى نورني في اوضتي.
أشار لوالده بالدخول، فدلف “عبدالقادر” بثباتٍ ثم جلس على الأريكة الموضوعة بجوار الطاولة الصغيرة، بينما الأخر أتجه نحو البراد الصغير الموضوع بغرفته وسأله بنبرةٍ هادئة:
_تشرب إيه يا بابا ؟؟ عصير ؟؟
ابتسم “عبدالقادر” وردد بسخريةٍ:
_هتضايفني في أوضتك؟؟ خلاص ناويت تعزل نفسك تاني؟؟
تجمدت أطراف “أيوب” وأغلق البراد ثم توجه لوالده يجلس بجواره ونطق بنبرةٍ هادئة:
_لأ…..بس ناويت أرتاح شوية واريح نفسي من الضغط دا.
سأله والده بتقريرٍ وكأنه فهم عليه:
_هتمشي ؟؟
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بقلة حيلة:
_مش عارف أفضل هنا وحاسس أني مش مبسوط، هناك هرتاح شوية وأرجعلك وبالمرة اتطمن عليهم هناك ولو عاوزين حاجة أعملها.
لمعت العبرات في عيني “عبدالقادر” وهتف بنبرةٍ مختنقة:
_بس أنا برتاح بوجودك هنا، إيه اللي مزعلك وأنا أشيله من سكتك خالص، مين بس هنا ضايقك ؟؟
تنهد مُطولًا وهتف يسخر من حاله بوجعٍ:
_اللي مضايقني وأنتَ عاوز تشيله من طريقي هو نفسه اللي مش هيكمل من غيره طريقي، بس خلينا واقعيين، مين هترضى بواحد راح معتقل مرتين؟؟ و كل شوية يتاخد على هناك يتسلوا عليه ويخرجوه؟؟ إزاي كنت ناسي حاجة زي دي؟؟ هي محتاجة أخوها وغالبًا كدا أنا وهو مش هينفع نكون سوا في حياتها، هو أحق مني بيها.
سأله “عبدالقادر” باهتمامٍ جليٍ وقد ألمه وجع صغيره:
_طب ليه أنتَ زعلان ؟؟ مش دي الدنيا اللي عمرها ما همتك ؟؟ مش دي اللي قولت عنها عاوزة الزاهد علشان يرتاح؟؟.
نظر “أيوب” أمامه وهتف بشرودٍ وكأنما يحدث حاله:
_بس أنا توهت، لا عرفت أكون زاهد، ولا قدرت أصد الغواية، بقيت متعلق، والقلب عاصي، يموت في هوىٰ الفتنة.
سأله “عبدالقادر” بعدما أمعن النظر في وجهه:
_هترجعلي إمتى ؟؟ بس ترجعلي مرتاح.
رفع عينيه لوالده وهتف بنبرةٍ هادئة:
_لما قلبك يناديلي هجيلك، بس دلوقتي هي وحشتني.
ربت “عبدالقادر” على موضع قلب صغيره وهتف بتأثرٍ:
_وهي هنا، قلبك حتة من قلبها، بس ليا عندك طلب، أمشي بعدما “تَـيام” يتقدم لأختك، هتهون عليك تسيبها..؟
حرك رأسه نفيًا وهتف مؤكدًا بثباتٍ:
_مستحيل….إن شاء الله اتطمن على فرحتهم وهمشي، كدا كدا المكان مش بعيد يعني، كلها ٣ ساعات من هنا.
ضمه أبوه إلى حضنه وربت على رأسه وهو يقول بشرودٍ حينما جال بخاطره هيئته بالمشفىٰ أثناء مرضه:
_الحمد لله إنك لسه معايا، الحمد لله على كل مرة دوقت فيها حلاوة رجوعك ليا من تاني، قلبي راضي عنك لأخر يوم في عمري، وربنا يريح قلبك يا خير ناسك.
ابتسم “أيوب” ورفع رأسه يغير الموضوع بقوله:
_الست “فاتن” عمة “يوسف” لوحدها الليلة دي، نعملها إيه ؟؟ ابعت حد يوديها عندهم ولا نبعت حد يتطمن عليها؟؟
رد “عبدالقادر” بلهفةٍ يردع تصرفه:
_لأ لأ…ملناش دعوة إحنا، هو لو عاوز يرجع عمته ليهم، كويس بس إنك عرفتني علشان ابعتلها حاجات، هتلاقيها متعرفش حاجة و “يوسف” الله يهنيه بقى، هينسى الدنيا كلها.
تنهد “أيوب” وتذكر المشهد من جديد لتدمع عيناه مرةٍ أخرى وهو يتذكر بكاء “يوسف” لوالدته ذكره بطفلٍ صغير خرج من بيته ليذهب لأول يومٍ في حياته الدراسية، وسط عالمٍ موجعٍ يكسر الجناحين ليتركه طيرًا ضعيفًا، وقد تردد على سمعه من جديد:
_داسوني من غيرك…داسوني والله.
أخرج زفيرًا قويًا يُعرب عن مشاعره وكل ما يعتل به صدره، فلازال يشعر بمشاعر غريبة عليه وخاصةً حينما تذكر نظرته لها وهو يودعها.
__________________________________
<“ليست مجرد عودة…إنما بمثابة حياة”>
هكذا فكر “يوسف” أن عودته إلى هنا لم تكن عودة في اسمها الفعلي، إنما هي عودة الروح لجسدٍ فارقته الحياة، ففي شقة “غالية” جلس “يوسف” على الأريكة بجوار “قَمر” التي أخذت تثرثر بغير هوادة تارةٍ عنه وتارةٍ أُخرىٰ عنها هي، حتى خرجت “غالية” من المطبخ تمسك في يدها العصير وهي تقول بيأسٍ:
_يابت كفاية صداع بقى !! بقالك ٣ ساعات مسكتيش ؟؟
التفت لها “يوسف” ينطق بلهفةٍ يمنعها من مقترحها:
_لأ، خليها تتكلم أنا فرحان أوي، دي الروح بترد فيا كل ما تتكلم، اتكلمي يا “قمر”.
لمعت العبرات في عينيها وهي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
_اتكلم أنتَ بقى، أنا قولت كتير.
تنهد مُطولًا ورفع كفه يعانق صفحة وجهها وهو يقول بنبرةٍ مختنقة وهو يحاول الثبات بقدرٍ كافٍ أمامهما:
_معنديش حاجة أقولها غير أني ميت رجع للحياة.
أقتربت منه “غالية” تعانقه وربتت على ظهره تتنفس الصعداء وهي تقول بأسفٍ وندمٍ:
_أنا أسفة والله، حقك عليا، كل حاجة كانت غصب عني، بس والله يابني حاولت بكل طاقتي، مبقاش عندي أي حاجة أعملها ومعملتهاش، أنا….تعبت من غيرك، قلبي هيقف من فرحته بيك.
نزلت دموعه وطالعها بغير تصديق، فهاهي تُبدد ظنونه بعدما ظنها نسته وعاشت بدونه، وهذه الأخرى صاحبة الخصلات البُنية الناعمة، والوجه المُستدير، لم تسناه !! تتذكره وتحبه، خالط تفكيره صوت “غالية” تسأله بتعجبٍ من شروده:
_مالك يا حبيبي ؟؟ فيه حاجة زعلتك ؟؟
حرك رأسه نفيًا وهتف بصوتٍ منكسر:
_كنت خايف، كنت خايف تكوني نسياني وخايف “قمر” تكون مش عرفاني، لو أعرف أني هاجي ألاقي الوضع كدا كنت قلبت الدنيا بنفسي عليكم من غير ماحد يساعدني.
هتفت “قمر” باندفاعٍ في نفس اللحظة:
_ازاي بتقول كدا ؟؟ أنا عيشت على ذكرياتك وماما كل يوم لازم تحكيلي عنك وعن حياتك وعن شقاوتك، عيشت على ذكرياتي معاك، أنا بحبك اوي وكل حياتي بقول أني عندي أخ كبير بس مسافر، المسافر رجع خلاص.
رفع نفسه يقبل وجنتها بقبلةٍ خاطفة ثم ضمها إليه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
_حلو برضه الحضن الحلال دا، مسموح بيه دا ؟؟
ردت عليه تؤكد بمشاكسىةٍ:
_ومش مسموح أخرج منه، خش في حضن أختك يا واد.
ضحكت “غالية” بفرحةٍ تراقصت في قلبها وكأن أنامل السعادة تعزف على أوتار فؤادٍ أكلته الدنيا، لتزيد تلك الأوتار بصوت طرقات الباب بطرقاتٍ عالية يلازمها صوت “أسماء” تقول بضجرٍ:
_افتحي يا “غالية” احنا رجعنا وجايبينلك سبوع أهو.
انتفضت “قمر” بلهفةٍ وهي تضحك بسعادةٍ جعلته يحرك رأسه بتعجبٍ وقبل أن يأخذ رد فعل وجد زغروطة عالية تنتشر في الأرجاء اجفلت جسده وعقبها دخول “أسماء” وخلفها عدة أشخاصٍ أخرين، يا الله هل “سمكة” لازالت حية كما هي ؟؟ حقًا كما هي بدفعتها وعفويتها وجدها تركض له تقول بفرحةٍ:
_واد يا “يوسف” ؟؟ حمدًا لله على سلامتك يا واد ؟؟ فاكرني ؟؟.
حرك رأسه نفيًا وهو يطالعها بذهولٍ ليجد بسمتها تلاشت وتهجم وجهها وهي تسأله بخيبة أملٍ:
_خالص ؟؟ مش فاكرني خالص ولا أي حاجة؟؟ من اللي كانت بينا ؟؟ طب البسبوسة طيب وعمايل ايديا؟؟
حرك رأسه نفيًا من جديد فوجدها تبصق في وجهه وتبعت فعلتها الرعناء بقولها:
_اتفو عليك عيل قليل الأصل، هتجيبه من برة يعني، جينات عيلة أبوك العرر متأصلة فيك.
قفز من الأريكة يقول بنبرةٍ ضاحكة بعدما انفجر في ضحكاته:
_و أنا هنسى برضه شبشب “سمكة” اللي كان بينزل عليا كل خميس ؟؟، أقسملك بالله كل ما أحاول انساكي لسعة الشبشب تفكرني.
هتفت بلهفةٍ تسأله باندفاعٍ:
_بجد يا واد فاكرني ؟؟ أنا قولت جينات “مصطفى” متروحش هدر أبدًا، تعالى في حضن “سمكة” يا واد.
نظر لوالدته يسألها ببلاهةٍ:
_احضنها عادي ؟؟
ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة هي الأخرى:
_مرضعاك أساسًا مع “عُدي” احضن عادي.
فرق ذراعيه عن بعضهما وهو يقول بمرحٍ:
_خشي في حضني يا “سمكة”.
احتضنته وهي تضحك بسعادةٍ وربتت على ظهره ولمعت العبرات في عينيها وهي تقول بنبرةٍ مختنقة:
_حمدًا لله على سلامتك يا حبيبي، أنا مصدقتش نفسي لما “غالية” قالتلي قولت يعيني الولية مُخها فوت خلاص.
ضحك رغمًا عنه فوجد “ضحى” تركض لهما وهي تقول بحماسٍ:
_وأنا وأنا، فاكرني ؟؟.
ابتسم لها وقال بنبرةٍ هادئة:
_فاكر إنك كنتي زنانة ورخمة.
تلاشت بسمتها فيما تدخل “عدي” يقول بنبرةٍ مرحة:
_ياسطا هي لسه زنانة هي بطلت يعني ؟؟.
انتبه له “يوسف” فاقترب منه يسأله بلهفةٍ:
_”عُـدي” !! أنتَ صح ؟؟
حرك رأسه موافقًا فعانقه “يوسف” وهو يقول بحبٍ له:
_أنتَ بالذات عمري ما هنساك، كنت ضهري.
تأثر “عُـدي” وربت على كتفه هو الأخر ونطق بنبرةٍ مختنقة:
_وأنا كان نفسي كتير تكون في ضهري، عيشنا على سيرتك وزكرياتك واستنينا رجوعك كلنا، نورت بيتك ودنيتنا.
ابتعد عنه “يوسف” ينظر في عينيه بتأثرٍ وقد ترقرق الدمع في الأعين كافة، كل ردود الأفعال خالفت توقعاته، كلهم يتذكروه وكلهم لم ولن ينسوه، وجد نفسه مرحبًا به هنا، وكأنه صاحب البيت ؟؟ ماهذا ؟؟ لو اقنعه أحدهم أنه حُرمَ منهم لكي يتذوق هذه المشاعر، حينها سيصدق أنه محقٌ.
دلف “فضل” بخطواتٍ راكضة وانفاسٍ مُتقطعة، لم يقو على الانتظار، لذا ركض يسأل بأنفاسٍ مُتقطعة:
_هو فين ؟؟ الغالي فين ؟؟
انتبه له “يوسف” فالتفت يطالعه بتعجبٍ ليجد “فضل” يبكِ رغمًا عنه فور وقوع عينيه عليه لذا ركض يخطفه بين ذراعيه يطوقه بهما فيما رفع “يوسف” كفيه يحتضنه وهو يقول بنبرةٍ باكية:
_فاكرني ؟؟ صح؟؟
ضغط “فضل” عليه بين ذراعيه وهتف بلوعةٍ:
_مقدرش أنساك، مقدرش وأنا قلبي عاش على أمل رجوعك.
تنهد “يوسف” براحةٍ أخيرًا بعد عناءٍ دام طويلًا وطويلًا، فهل ستدوم راحته للأبد أم أن هناك ما يؤرق راحته هذه.
__________________________________
<“أحببنا الحياة….وهي لم تُحبنا”>
جلست “آيات” في حديقة البيت ليلًا وقد نام “إياد” بين ذراعيها وهي تلعب في خصلاته بأناملها فوصلها صوت يشبه مواء القطة وحينها التفتت حولها تنظر في المكان لتجد أحدهم يجلس على سور البيت فشهقت بخوفٍ وركضت تجاه هذا الشخص لتجد “تَـيام” يجلس براحةٍ وما إن رأها قال بمرحٍ:
_ياترى جيتي علشاني ولا جيتي علشان القطة؟؟
سألته بخوفٍ وقد سقط قلبها بسبب فعلته:
_فيه حد يعمل كدا ؟؟ بتعمل إيه هنا ؟؟
تنهد مُطولًا وقال بثباتٍ:
_جاي أسرق توت، عندكم في الجنينة توت؟؟.
ضحكت رغمًا عنها فوجدته يتنهد بعمقٍ وقال بثباتٍ:
_كنت رايح أجيب عشا قولت اعدي كدا أطل طلة، قوليلي إيه اللي مقعدك هنا ؟؟ بيمسحوا اوضتك ولا إيه ؟؟
ردت عليه بقلة حيلة وقد قررت مجاراته في الحديث:
_لأ يا سيدي بس “إياد” فضل يلعب لحد ما نام هنا.
حرك رأسه موافقًا وقبل أن ينطق من جديد وصله صوت “أيهم” ينطق بنبرةٍ جامدة بعدما رأه:
_انزل يا صايع من عندك، فاكر نفسك على ابن الجنايني ؟؟ أنزل يلا بدل ما أجيب سلاح افرغه فيك وأنتَ عندك.
غمز له “تَـيام” بعبثٍ وهو يشير نحو “آيات” يقول بعبثٍ:
_طب حيث كدا بقى رُدَ لي قَلبي.
ركض “أيهم” نحوهما بغضبٍ جعل “تَـيام” يقفز من محله وركض للخارج فيما ضحكت “آيات” رغمًا عنها وهي تقول لأخيها بقلة حيلة:
_معلش هو لاسع شوية، بس طيب.
ضحك “أيهم” وأضاف بمرحٍ:
_بس واد عسل، ياختي هتكونوا اتنين مؤدبين، خليه يدردحك شوية.
في الخارج وصل “تَـيام” لأحد محلات البقالة في الحارة و وقف خلف صاحب المكان فوجده يصيح بنبرةٍ عالية في الهاتف:
_يا “منة” والله شوية وجاي، ياستي متناميش خليكِ صاحية، حاضر يا ستي، هجيب معايا اللي عاوزاه، سلام يلا.
أغلق المكالمة مع زوجته فوجد كرة قدم تلتصق بظهره جعلته يلتفت وهو يسب المتسبب في هذا وما إن وقع بصره على “تَـيام” هتف بنبرةٍ جامدة:
_طب تصدق أني كنت هشتم بالأب ولما شوفتك هشتم بالأب والأم سوا ؟؟ عاوز إيه يا تنح ؟؟.
اقترب منه “تَـيام” يبتسم ببرودٍ وقال:
_عاوز منك كل خير يا “رائف” ادخل هاتلي تُمن رومي وتُمن حلاوة وتُمن لانشون.
سأله “رائف” بوجهٍ ممتعضٍ:
_يع !! تُمن إيه يا معفن أنتَ ؟؟ عازم فار على العشا؟؟ خد أرباع يلا وبطل بكاسة بقى.
تحدث “تَـيام” بضجرٍ يحثه على التحرك:
_ياعم يلا بطل رخامة شوية، يلا يا “رائف” إحنا أيتام زي بعض بقى.
هتف “رائف” بتهكمٍ وهو يضرب كفيه ببعضهما:
_أيتام إيه يا شحط أنتَ ؟؟ أمشي ياض.
أقترب منهما “بيشوي” في هذه اللحظة وعندما وجدهما سويًا نطق بسخريةٍ:
_”رائف العزايزي” و “تيام الشامي” مع بعض؟؟ أستر يا رب، الحارة هتولع.
اقترب منهما فرحب به “رائف” وهتف بنبرةٍ هادئة:
_خير يا “بيشو” ؟؟ أي رياحٍ طيبة أتت بكَ إلى عندنا.
تنهد “بيشوي” بيأسٍ وقال بقلة حيلة:
_ادخل يا “رائف” اعملي شنطتين زي بتوع المرة اللي فاتت، بس أتوصىٰ شوية بالحاجات الغالية.
سأله “رائف” بتعجبٍ من حديثه:
_هو انتم بتعملوا إيه بالحاجات دي ؟؟ ناويين تفتحوا محل وتحطوا عليا ولا إيه ؟؟.
تدخل “تيام” يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_ياعم من ساعة ما جددت المحل وأنتَ حاطط على حارة العطار كلها، هو فيه سوبر ماركت شغال زيك ؟؟
فرد “رائف” كفه في وجه “تيام” وهتف بنبرةٍ جامدة ينهره:
_قل أعوذ برب الفلق، عينكم بتعمل كوارث وأخوكم شقيان مش وارث، عرفت المحل ولع من إيه؟؟
تحدث “بيشوي” بنبرةٍ ساخرة ينفي بها حديث الأخر:
_بس أنتَ وارث يا “رائف”، المحل دا بتاع جدك أصلًا.
سأله بتعجبٍ من حديثه الغريب:
_بجد والله ؟؟.
أضاف “تَـيام” مؤكدًا:
_بجد والله، أنا مستغرب أصلًا إنك عايش الدور.
فرد كتفيه وهو يقول بمرحٍ يقصد ممازحتهما:
_طب أومال مالي بقى في إيه، اترزع ياض يا “تيام” هنا لحد ما أمشي “بيشوي” باشا اقبض منه وبعدها اجيبلك أكل الفئران بتاعك دا.
بعد مرور دقائق صعد “بيشوي” شقة “فاتن” فوجدها تسأله من خلف الباب بخوفٍ من قدوم غريبٍ في هذا التوقيت:
_مين ؟؟.
هتف بتوترٍ وخجلٍ من موقفه:
_أنا “بيشوي” يا مدام وجاي تبع الحج “عبدالقادر” فيه حاجات معايا جاية ليكِ ممكن أسيبها عند الباب وأمشي وحضرتك افتحي الباب خديهم.
فتحت الباب بسرعةٍ وقالت بتوترٍ:
_لأ أنا واثقة فيك، متشكرة جدًا، بس هو “يوسف” فين؟
رد عليها بنبرةٍ هادئة بعدما تنفس بعمقٍ:
_”يوسف” في مشوار مهم وممكن ميجيش الليلة دي، لو حضرتك محتاجة حاجة ممكن تبلغيني، أو لو محتاجة تكلمي حد، معلوماتي إنك قافلة موبايلك.
هتفت بلهفةٍ تتوسله:
_ممكن تكلملي “يوسف” ؟؟ عاوزة اتطمن عليه.
حرك رأسه موافقًا ثم نفذ لها مطلبها وهاتفت هي “يوسف” وكان الحديث مقتضاه أنه أخبرها بسلامته وصحته واطمئن عليها واخبرها أن تجلس مع “عهد” لكي يطمئن عليها.
رحل “بيشوي” فيما جلست هي في الشرفة وقد شعرت بالجوع والشوق وأول من اشتاقت له هو “نادر”، لذا فتحت الهاتف على صورته في زفافه وتنهدت بعمقٍ ثم عانقت الهاتف وكأنها تعانقه هو، حالتها غريبة وسلبيتها أغرب لكنها في نهاية الأمر أم، قلبها يدق ويرق لصغيرها.
__________________________________
<“لم أحب الحياة…لكنها وضعتني تحت الإقامة الجبرية”>
جلس “إيهاب” على مقعد السُفرة ينتظر الرسالة التي يتتوق شوقًا للحصول عليها وما إن وصلته أمسك هاتفه بلهفةٍ وانفرجت شفتاه عن بعضهما ببسمةٍ راضية جعلته يشعر بالانتشاء يضرب في عروقه وسارت القشعريرة في جسده، لذا تحرك بخطواتٍ واسعة بعدما خطف هاتفه.
كانت “سمارة” تقف في مطبخها تقوم بتعبئة الطعام في علب الحفظ فوجدته يعانق خصرها بكفيه معًا ثم وضع رأسه على كتفها يستند بذقنه ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_بتعملي إيه، مش المفروض إنك تعبانة؟؟
هتفت تجاوبه بنبرةٍ هادئة على عكس طبيعتها لكن وجوده معها بهذه الطريقة جعلها تشعر بالارتخاء:
_علشان تعبانة يعني اخلي الأكل يبوظ؟؟ دي نعمة ربنا هنتحاسب عليها، قولي بس رايق ليه يا عمهم؟؟.
شدد مسكته لها وهتف بارتخاءٍ:
_رايق أوي فوق ما تتخيلي، تعرفي ليه؟؟.
كان يسألها عن السبب فحركت رأسها نفيًا بعدما حركتها نحوه لتتقابل نظراتهما سويًا فابتعد عنها وأخرج هاتفه يفتحه ثم وضعه نصب عينيها فشهقت هي بتفاجؤٍ، ليضيف هو من جديد:
_دي صورة الكلب “فتحي” وهو متشوه، حقي وحق مراتي ميباتش برة، طول ما أنتِ ملزومة مني محدش هييجي جنبك غير لما ياخد اللي فيه النصيب.
نزلت دموعها وهتفت بقلقٍ:
_”إيهاب” أنا خايفة عليك، بلاش تودي نفسك في داهية علشاني، ياخويا أولع أنا، بس بلاش تعمل كدا، مين اللي عمل كدا.
تنهد مُطولًا وهتف بنبرةٍ هادئة يحاول طمئنتها:
_مش أنا، أنا بس رميته طُعم لواحد مغلول منه وهو قام بالواجب وزيادة، متخافيش وأنتِ معايا، أنا هنا علشانك.
وضعت رأسها على كتفه وهي تقول ببكاءٍ:
_أنا مليش غيرك، والله معرفش يعني إيه الدنيا من غيرك، بخاف يجرالك حاجة، متأذيش حد علشاني وأنا قابلة بأي حاجة وأنتِ معايا.
ربت على ظهرها ونظر أمامه بشرٍ فكيف يخبرها أن هذه فقط هي البداية؟؟ وأن القادم في الثأر سيشعل نيرانًا تحرقهم.
على جهةٍ أخرىٰ في الطريق العمومي، كان “إسماعيل” يقود سيارته مقررًا العودة إلى بيته بعدما تأكد من كافة الأمور الخاصة بالحفل، كان يشعر بالتعب والإرهاق يصارع الطريق لكي يعود وينعم بالراحة، وهل مثله كُتِبَت له الراحة؟؟.
قبل أن يستغرق في التفكير أكثر من هذا وجد أربع سيارت دفع رُباعي تعترض طريقه حتى أوقف هو سيارته فورًا قبل أن يصطدم بأيٍ منها، فوجد أحدهم يفتح باب سيارته ويسحبه منها فرفع كفيه مستسلمًا وهتف بحدةٍ:
_إيدك يا غالي لاتوحشك، على الهادي يا رايق.
دفعه الرجل بالسلاح، فزفر بقوةٍ وتمم على مديته الصغيرة في جيبه فوجد باب إحدى السيارات يُفتَح ونزل منه رجلّ أشقر يبتسم بسماجةٍ جعلت “إسماعيل” يبستم بسخريةٍ وهو يقول:
_الخواجة بنفسه ؟؟ يحرقك ويحرق معرفتك يا بعيد.
اتسعت إبتسامة الأخر وهتف باستفزازٍ بلغة عربية ركيكة:
_معلش يا “إسماعيل”…هحطك تحت الإقامة الجبرية.
اتسعت عينا “إسماعيل” بخوفٍ وخاصةً وهو يجد الرجال يتجهون نحوه، فالقادم لم يكن يسيرًا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى