روايات

رواية غوثهم الفصل الثامن 8 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثامن 8 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء الثامن

رواية غوثهم البارت الثامن

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثامنة

“يــا صـبـر أيـوب”
__________________
ياربِّ إِن عَظُمَت ذنوبي كَثرَةً
‏فَلَقَد عَلِمت بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَم
‏إِن كان لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ
‏فَبِمَن يَلوذ ويَستَجيرُ المُجرِمُ
‏أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرت تَضَرعاً
‏فَإِذا رَدَدت يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ
‏ما لي إِلَيك وَسيلَةٌ إِلّا الرَجا
‏وَجَميل عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ
_النقشبندي
__________________
مُحاربٌ فُرضت عليه الحرب وهو بدونِ سلاحِ لم يقوْ على النزالِ فَحُسِبَ جبانًا وماهو بِمُستسلمٍ، قُرعت فوق سمعه طبول الحرب وهو يصرخ بينهم لكنه أمامهم كأنه ليس بِمُتكلمٍ، وُضِعَ في متاهات الدُنيا وطُلبَ منه أن ينجو بنفسه وحينما خارت قواه تم إيلامه علىٰ جُرمه وماهو بمجرمٍ، بدت له الحياةِ مدرسةً وهو بها كان وحيدًا ولم يجد من يرشده أو حتى لم يكن بمُعلمٍ، أتترك الدنيا الجاني وتحكم على المَجني عليه، فما جُرم المجني عليه وهو ليس بمجرمٍ؟.
وصلهم صوت طرقات على باب المكتب عقبها فتح الباب بأخر من توقعوا تواجده أمامهم، فابتسم هو بثقةٍ ثم رفع كفه يُشير به على رقم ثلاثة قائلًا بزهوٍ بعدما استمع لحديث الأخر قبل أن يلج لداخل المكتب:
_أبويا الله يرحمه قالي:
ثلاثة لا تلتفت إليهم مهما علا صوتهم، الكلب إذا نبح، والحمار إذا نهق، والسفيه إذا تكلم.
كان يُشير بإصبعه على كلٍ منهم في مرةٍ، ثم أضاف بضحكةٍ مُتشفية وهو يرى علامات الصدمة جليةً على وجوههم بوضوحٍ:
_وزيادة عليهم من عند “يوسف الراوي” متستناش من ابن الرقاصة يفكر.
كعادته دومًا ينصبون له الفخ ويهرب منه بثباتٍ وكأن كل الظروف التي تأمرت ضده بمجرد علمها هويته تتراجع بقهرٍ خاضعةً له، ليعلن نفسه أنه الوحيد الذي أجبر الظروف على الانحناء له حتى وإن كانت وليدة الصُدف، فهو يمتلك من العِز الكثير مما يجعله قادرًا على تربيتها، لذلك خطى نحوهم ثم سحب المقعد الجلدي المُلاصق للعمود وجلس عليه بوضعٍ مُعاكس في تسليةٍ واضحة أظهرتها مُقلتاه؛ خاصةً وهو يتنهد بيأسٍ زائفٍ ثم قال بعبثٍ:
_الحقيقة مش قادر أحدد إذا كان دا تفكير ابن الرقاصة ولا حفيدها، بس عمومًا فيه شغل عوالم في الموضوع، نجيبها دوغري بقى ؟؟ بصراحة كانت حلوة بس نسيتوا تفصيلة صغيرة كانت هتفرق معاكم.
انتبهوا له بصمتٍ تام وكأن الطير يُحلق فوق رؤوسهم وقد بدت علامات الارتباك جليةً بوضوحٍ على أوجههم، لذا لمسته غُمرة انتشاء جعلته ينفخ أوداجه ثم أضاف مُتكئًا على أحرف كلماته:
_نسيتوا أني تربية نزلة السمان، يعني زي ما بيقولوا كدا لامؤاخذة في الكلمة، جايبها من تحت أوي لحد سقفها، بس العيب مش عليكم، العيب على البيه المحترم اللي سمح لتربية العوالم تعمل كدا.
كان يقصد بحديثه “عاصم” تحديدًا وهو يشير عليه برأسه، فابتسم “عاصم” بزاوية فمه ثم أضاف بتهكمٍ:
_أنا معرفش بتتكلم عن إيه أصلًا، والحقيقة وقتي مفيهوش جزء حتى أضيعه عليك ولو لمجرد التفكير فيك، فـ قَصر وهات من الأخر وقول اللي عندك.
ابتسم “يوسف” بخفةٍ ثم تحرك من المقعد ليقترب من مكتب “عاصم” ينحني عليه ليصبح في مستوى جلوس الأخر مُستندًا بكفيه على سطح المكتب وهو يُضيف:
_لأ أنتَ عارف كويس فـمتحورش عليا، ومع ذلك برضه مش هريحك وأقولك حصل إيه، هسيبك تفتخر إنك اعتمدت على “نادر” وهسيبك تتأمل ملامحي اللي كلها صورة منه بس بنسخة أصعب.

 

أشار بحديثه على والده المتوفي لتتجمد ملامح الأخر بنظراتٍ حاقدة في الحال من مجرد ذكر أخيه، فلاحظ “يوسف” نظراته لذلك اقترب منه أكثر يَنطق بنبرةٍ أقرب إلى فحيح الأفعى بقوله مَغلولًا:
_وش “مُصطفى الراوي” اللي عشت عمرك كله بتكرهه وبتكره نجاحه وكل حاجة وصلها، يوم ما مات سابلك نسخة تانية منه تفكرك إنك معرفتش تعمل حاجة من اللي هو عملها، ربنا اداك إشارة تتعظ بيها لما جيتلك يتيم بدل حرمانك من الخِلفة، وكانت النتيجة إنك قهرتني، مستني الكاس يدور علشان أشوف قهرتك أنتَ كمان، وإن مدارش الكاس دا، أنا بنفسي هطفحهولكم.
لم ينكر “عاصم” خوفه من توعده وحديثه الذي بدا مُخيفًا ونظراته التي توعدت بأشد انتقام، لكنه تصنع الثبات ورسم ابتسامة باردة على شفتيه لينطق بنبرةٍ فاترة:
_لو خلصت شوف وراك إيه وخُد الباب في إيدك.
أبتسم له “يوسف” بنفس البرود الذي رسمه الأخر على وجهه ثم اعتدل في وقفته ليصبح شامخًا كما الخيل الجامح لم يُخفض عِليته مهما عاندته الظروف، ثم وزع نظراته على الاثنين الأخرين ليبتسم بزاوية فمه مُتهكمًا ثم قال بنبرةٍ ساخرة:
_صحيح يا “نادر” يا حبيبي بما إنك قبطان بحري وعاملي فيها أمير البحار، قولي جيبت الحشيش منين ؟؟.
بَهُتَ وجه “نادر” أكثر من ذي قبل ووزع نظراته بارتباكِ ملحوظ على أوجه البقية، فمال عليه “يوسف” ينطق بخبثٍ أعرب عن ثقته التي لم تتزعزع من محلها:
_اللي جابهالك غشك، لما تعوز قولي أعرفك يتجاب منين.
ثم التفت بعد حديثه ينظر لـ “سامي” ليرتسم على وجهه المرح الخبيث خاصةً والأخر يحاول الهروب بنظراته منه ليقول ساخرًا:
_لأ بجد مش معقول، قاعد ساكت كدا ؟؟ يا راجل دا أنا كنت هاخدك غياب، بس نقول إيه بقى، ابقى علم إبنك الرجولة وقوله يبطل يجيب أي هبل وخلاص، وياريت تهتم بأخلاقه شوية، ربـيه.
رفع كتفيه وهو ينطق كلمته الأخيرة وكأنها الحل الأمثل والأخير أمامه، ثم التفت مُغادرًا للمكانِ لكنه عاد من جديد يهتف مُتذكرًا:
_آاه صح كنت هنسى، أصل أنا اتربيت على الأصول ومن ضمن الأصول دي إن اللي يبصلي بعين ابصله باتنين، علشان كدا دي تحية مني ليكم.

 

فور انتهاء حديثه أخرج من جيبه سجائر عددهم ثلاثة، ملفوفة يدويًا تحتوي على مُخدر “الحشيش” وقد اتضح ذلك من شكلها المختلف عن الأخرى الطبيعية كما أن حجمها بدا أكبر من الأخرى بشكلٍ ملحوظ، انتاب القلق قلوبهم من تهوره الغير محدود، فيما اتسعت ابتسامته وهو يقول:
_انتوا جيبتوهالي خضرا، ومحسوبكم جابهالكم بني، معلش بقى بس معرفتش ادخل بالمَزة علشان عيب، سلام عليكم.
ألقى لهم السجائر على سطح المكتب ثم تحرك عائدًا للخارج من جديد كما دلف واثقًا وشامخًا وكأنه أسدٌ لم تهزمه الضِباع.
وزع “عاصم” نظراته المُهينة لهما ثم قال بسخريةٍ:
_كنا ناقصين احنا حوارات معاه؟؟ نفسي مرة اعتمد عليكم وتفيدوني بس هقول إيه، نسخة من أبوه كل الظروف بتتفق معاه هو وكأنه مراودها، ربنا يستر بس وميتهورش تاني.
نظر كلٌ مِن للأخر بتوترٍ وكأنه يخشىٰ الإدلاء بخوفه، لكنه حتمًا كُتب عليهم وهذا ما اتضح لهم في نظراته، ليرسل لهم أن القادم ليس بيسيرٍ.
______________________
“في شارع المُعز”
التفت “أيوب” لصاحبة الصوت الذي حفظه هو منذ الوهلةِ الأولىٰ لكنه ظنه مجرد خيالات تعصف في ذهنه من كثرة تفكيره بها، لكنها بتواجده أمامه ضربت بخيالاته عرض الحائط ليردد هو مُستنكرًا حينما أبصرها أمامه:
_آنسة “قـمـر” ؟؟
بدا التوتر على وجهها صريحًا فحاولت هي حفظ ماء وجهها وهي تتقدم خطوةً للأمام تهتف بصوتٍ مُهتز الوتيرة:
_أنا…أنا آسفة أني جيت بدون مناسبة بس أنا محتاجة مساعدة حضرتك وعشمانة متردنيش خايبة الرجا، ممكن؟؟.
لاحظ ارتجافة صوتها ونظراتها الزائغة وكأنها تهرب منه، فسحب هو نفسًا عميقًا ثم أشار لها بصوته الرخيم قائلًا:
_طب اتفضلي يا آنسة “قـمر” تعالي.
توجهت ببصرها نحو موضع إشارته حيث المقعد المُقابل لمكتبه ثم حركت رأسها موافقةً وتقدمته بخجلٍ تقدم قدمًا وتؤخر الأخرىٰ تود الهروب على أخر لحظةٍ وكأنها سَتلقىٰ حتفها هُنا، وقد لاحظ هو توترها فدعمها بصوته الدافيء يقول:
_اتفضلي متقلقيش.

 

تحدثت بتوترٍ أخرج حروفها مُتقطعة:
_ها !! لأ أنا مش قلقانة، بس…بس.
توقفت عن الحديث حينما وقفت بجوار المقعد فأشار لها من جديد بالجلوس لتجلس على المقعد، فجلست هي أخيرًا بعدما وجدت أن هذا هو الحل الأمثل ليجلس هو مُقابلًا لها مرفوع الرأس يحاول بقدر الإمكان أن يغض بصره عنها وفي تفس الآن يحاول أن يمعن لها بكامل تركيزه فبدت تلك المهمة صعبةً عليه لذلك توسل للمولىٰ أن تنتهي تلك المقابلة بأقل الأثام عليه.
لاحظ طيلة صمتها فبادر بسؤالها مُتلهفًا:
_خير يا آنسة ؟؟ فيه حاجة مُهمة، أنا سامعك.
رفعت عينيها المُرتبكتين نحوه وهي تقبض بكفيها على حقيبتها بكفيها تتلمس منها قوةً زائفةً ثم سحبت نفسًا عميقًا داخل رئتيها وقالت بثباتٍ:
_بخصوص امبارح واللي حضرتك شوفته دا أنا كنتـ…
بتر هو حديثها حينما تذكر وعاد الضيق يُخيم عليه من جديد وهو يتذكر لمسة الأخر لها ليهتف بخشونةٍ لم يقصدها وقد ظنها آتيةً لتعتذر منه:
_مش عاوزك تعتذري، دا شيء مفروغ منه خلاص وأكيد أنـ…
اندفعت هي تقول بلهفةٍ تقاطع استرسال حديثه:
_اسمعني من فضلك، اللي حضرتك شوفته امبارح دا يبقى “علاء” كان خطيب بنت خالي “فضل” وسابها بس للأسف هو عاوز ينتقم مني وياخد حقه علشان أنا كشفته قدامهم، صدقني أنا مش وحشة والله وعمري ما أعمل حاجة غلط زي دي، بس هو بيهددني.
اتسعت عيناه بدهشةٍ وردد خلفها مُستنكرًا:
_بيهددك ؟؟ ليه هي سويقة ملهاش حد يقفله؟؟
حركت رأسها نفيًا وهي تقول بصوتٍ مُحشرجٍ وقد داهم البُكاء عينيها:
_هو عارف أني مش هعرف اتصرف، هخاف أقول لخالي، وهخاف على “عدي” علشان متهور وممكن يروح يموته ويضيع نفسه، وأنا مليش حد غير ماما، ممكن أكون اتسرعت بس أنا كنت خايفة على بنت خالي، صدقني أنا متخلبطة ومش عارفة أعمل إيه.
لاحظ هو تخبط حديثها وتشوشها، لذلك حاول أن يتخذ طريق الهدوء وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_طب بالراحة وقوليلي حصل إيه، واحدة واحدة كدا وكل حاجة اسمعها منك بالهداوة بس قبلها تشربي إيه؟؟
انتبهت له فحركت رأسها نفيًا تهتف بنبرةٍ خافتة:
_متشكرة لحضرتك، مش عاوزة حاجة.
رد عليها بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مُبتسمٍ:
_لا إزاي، حضرتك ضيفة هنا لازم تشربي حاجة، تشربي ليمون بالنعناع ؟؟ أنا اللي عامله بنفسي.
عقدت ما بين حاحبيها من تحويله بتلك الطريقة فتحرك هو نحو الثلاجة الصغيرة الموضوعة بمحله ثم أخذ زجاجةً منها وعاد لها من جديد يقوم بسكب ما حاوته بداخلها في كأسين من الفخار من صناعة يده ثم جلس أمامها من جديد يقدمه لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:

 

_دا حلو و هيهدي أعصابك علشان تقدري تتكلمي.
أشار لها على كأسها فأمسكته وقد جف حلقها حقًا فيما تتبع هو المكان بنظراته هروبًا من سلطة تواجدها أمامه التي تجبره على النظر لها بشخصيتها التي دومًا شكلت له محض اهتمام.
ارتشفت من الكأس رشفة صغيرة ثم بدأت في سرد الحكاية حينما وجدته مُمعنًا لها بكامل تركيزه حتى أدق التفاصيل التي دارت بينها وبين “أسماء” زوجة خالها، كان تارةً يشعر بالضيق وتارةً أخرىٰ بالغضب حتى أنهت هي السرد فتكلم هو بنبرةٍ أقرب للانفعال:
_يعني أنتِ كنتي بتكلميه في التليفون ؟؟ و بتمثلي عليه علشان تسحبي منه الكلام ؟؟.
حركت رأسها موافقةً بخزيٍ جعله يزفر بضيقٍ وهو يقول:
_يـا صـبر أيـوب !!
انتبهت هي لنبرته الجامدة فأضاف هو بنفس الخشونة:
_ما هو طريقتك نفسها غلط، مينفعش ست تتكلم مع راجل غريب عنها بتودد مهما كان الغرض، أصلًا قعدتنا هنا دي موضع خطأ، بس علشان أنتِ هنا ضيفة ومضطرين، رغم إن سيدنا عمر بن الخطاب قال:
“لا تُجالس إمرأةٍ بمفردها حتى وإن كنت تعملها القُرآن”
مابالك بواحدة تعمدت تتكلم مع واحد زي دا، ليه تديله فرصة زي دي يستغلها ضدك.
تفاخم شعور الذنب لديها لذلك هتفت بانزعاجٍ تحاول كبح جماح دموعها التي هددت بالفضح عن نفسها:
_كنت مُضطرة والله العظيم، هو سمعته زفت وهي متعلقة بيه وفكراه اتغير، أنا كنت بلحقها بس متخيلتش أنه يوصل للدرجة دي بتفكيره، نيتي مكانتش شر والله العظيم أنا كنت بجيب دليل ضده.
هتف باستخافٍ بعد حديثها الأخير:
_الغاية تُبرر الوسيلة !! برضه غلط، إحنا بعدنا عن الدين علشان كدا بقى الحرام قصادنا مُتاح وسهل في أننا نروحله وصعب في نتيجته، بس ياريت تحافظي على نفسك وأي حاجة زي دي تدخلي فيها الرجالة أفضل بكتير.
هتفت بلهفةٍ تُدلي أمامه بمخاوفها:
_صدقني خوفت والله، ملناش غير خالي وابنه.
رد عليها بثباتٍ يؤكد لها صدق حديثه:
_طب أهيه الأمور راحت في حتة تانية خالص، بقى فيها سُمعة وشرف، يعني تطير فيها رقاب بجد، بس متخافيش طالما ربنا دلك على طريقي إن شاء الله هساعدك.

 

سألته بلهفةٍ وقد عاد لها الأمل من جديد:
_بجد !! يعني مش علشان زعلان مني هترفض تساعدني؟
انتبه لتلقائيتها في الحديث حينما رفع عينيه نحوها، فتحدثت هي بصوتٍ مُرتبكٍ:
_اقصد يعني أنا بالنسبة ليك غلطانة وأكيد هتقول تستاهل.
حرك رأسه نفيًا ثم نطق بثباتٍ:
_لأ يا آنسة، يبقى حضرتك كدا متعرفيش أنا مين، لا يمكن أقبل بالغلط لو على رقبتي، طريق الحق أنا أمشي فيه لو على رقبتي حتى، الإمام علي بن أبي طالب قال:
“لا تستوحشوا طريق الحقّ لقلة سالكيه”
لو كل الناس مشيت في طريق الباطل وأنا أمشي في طريق الحق ومتأكد أنه بموتي يبقى مستحيل أرجع منه، هديكي ورقة تكتبي فيها كل المعلومات عنه، اسمه، أفراد أسرته، رقمه مكان شغله حتى، كل شيء يخصه، تمام ؟؟
حركت رأسها موافقةً فسحب هو القلم والورقة يضعهما أمامها على المكتب ثم انتظرها حتى تكتب له كل المعلومات التي بصددها قد يستطيع التعامل مع ذلك المدعو “علاء”.
في تلك اللحظة دلفت فتاةٌ تهتف بحماسٍ شديد:
_أنا جيت يا “أيوب” يلا علشان توصلني معاك.
رفع رأسه نحو مصدر الصوت و “قمر” أيضًا لتجد فتاةً تقاربها في العمر ترتدي الملابس الشرعية وخمار رأسها يُغطي جسدها من أعلى رأسها حتى منطقة الكتفين، فيما انتبهت لها الفتاة فرمقتها باهتمامٍ كأنها تتفحصها، بينما “أيوب” تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ متحفظة:
_أهلًا يا آنسة “جنة” اتفضلي.
اقتربت منه تقول بنبرةٍ حاولت صبغها بالهدء رغم حدتها:
_لو وراك شغل أو مش فاضي ممكن اروح أنا عادي.
تنهد بعمقٍ ثم قال بقلة حيلة:
_اتفضلي اقعدي يا آنسة، شوية وهنمشي.
حركت رأسها موافقةً ثم جلست أمام “قمر” التي خجلت من تواجدها فيما تحرك “أيوب” يجلس على مقعد مكتبه يوزع نظراته بينهما حتى قدمت له “قمر” الورقة ثم هبت واقفةً تقول بحرجٍ:
_أنا همشي دلوقتي وهكلم حضرتك من عند خالي.

 

انتبه لما تتفوه به فرمقتها الفتاةُ بتعجبٍ من حديثها أنها ستهاتفه مرةً أخرىٰ، فهب “أيوب” يحل عُقدة موقفه بقوله لِكلتيهما:
_مش حضرتك قريبة من حارة العطار ؟؟ وحضرتك يا آنسة “جنة” ساكنة في حارة العطار ؟؟ أنا هوصلكم في طريقي، اتفضلوا.
قبل أن تهم أيًا منهما بالرفضِ وابداء اعتراضها على ما يقول، كان هو الاسرع في التحدث حينما نطق:
_من غير مناقشة، أكيد مش هأمن أنكم تمشوا لوحدكم وأنا موجود ورايح نفس المكان، نسيت اعرفكم صحيح، دي الآنسة “قمر” خالها يبقى صاحب والدي وليه غلاوة عندنا، ودي الآنسة “جنة” جارتنا من حارة العطار و والدها يبقى صاحب والدي برضه.
نظرت لها “قمر” بوجهٍ مبتسمٍ فيما رمقتها الأخرى بفتورٍ لتمد “قمر” كفها لها تقول بوجهٍ بشوشٍ:
_اتشرفت بمعرفتك يا آنسة “جـنة”
مدت الأخرى كفها تبتسم لها بسماجةٍ بدت واضحة وقد لاحظها “أيوب” لذلك أشار لهما بالتقدم أمامه.
وقف بجانب سيارته وقبل أن تقترب “جنة” وتجلس بجوار مقعد القيادة أشار لها وهو ينطق بنبرةٍ خشنة:
_حضرتك هتقعدي ورا يا آنسة، جنب الآنسة “قمر”.
رمقته بغيظٍ ثم اقتربت من الفتاةِ تجاورها، بينما “قمر” بدت مُتحيرة وهي تتابع الفتاة التي تصرفاتها تتنافىٰ مع هيئتها التي تدل على التزامها، وبالطبع صفاتها تنعكس على صفات “آيات” تلك الفتاة التي اتضح عليها الإلتزام بحق.
جلس “أيوب” على مقعد القيادة ثم حمحم بخشونةٍ وهتف:
_قولوا ورايا دعاء الركوب، ربنا يديم ستره علينا إن شاء الله، ونوصل بالسلامة.
ابتسمت “قمر” وانتبهت له الأخرى، فقال هو بنبرةٍ هادئة:
_سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له بمقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله الحمد لله، الله أكبر الله أكبر، اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، بسم الله الرحمن الرحيم.
بدأ في القيادة بعدما رددت كلتاهما خلفه الدعاء، وقد استحوذ بشخصيته تلك على تفكير “قمر” التي ابتسمت بفخرٍ وهي ترى شخصيته أمامها، فيما رمقتها “جنة” من طرف عينها تحاول ربط الأمور ببعضها لتفهم طبيعة وجود تلك الفتاة معه.
_”جنة بهجت”

 

فتاة في العام العشرون من عمرها لازالت في فترة الدراسة الجامعية، عيناها باللون الأخضر الزيتوني وبشرتها بيضاء اللون، تسكن بحارة العطار وجارة “أيوب” وتحاول دومًا التقرب من العائلة لتصل إلى هدفها وهو “أيوب”، مدللة أبيها الوحيدة لذلك حصلت على جم الإهتمام من أفراد أسرتها.
زفر “أيوب” مطولًا وظل يستغفر طوال طريق سيره فيبدو أن كل الظروف تعارضه، ألم يحق له أن يبقى زاهدًا بنفسه دون أن يتورط فيما يقع على عاتقه؟؟ تنهد بعمقٍ ثم نطق بنبرةٍ هادئة يرجو بث الصبر لنفسه قبل أن تنفلت أعصابه:
_يـا صـبـر أيـوب.
________________________
في منطقة نزلة السمان.
وصل “يوسف” ومعه “إسماعيل” إلى حديقة البيت ليجدا “نَـعيم” جالسًا على أريكته الخشبية عتيقة الطراز وما إن ابصرهما يقتربان منه هتف ساخرًا يُقلل منهما:
_لأ جامدين بحق، قال إيه ساعة زمن وهنكون عندك والبهوات بقالهم فوق الأربع ساعات بيقضوا مشوار، العريس فطر مرتين وأنتم لسه برة !!.
اقترب “يوسف” يجلس بجواره و “إسماعيل” مقابلًا له وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_والله لو على الجمدان فاحنا جامدين فعلًا ومشوارك ماخدش مننا ساعة، الراجل عرف إننا من طرفك طلع الفلوس وجاب ورا، إنما “يوسف” بقى كان هيتعمل معاه السليمة.
انتبه “نَـعيم” لِما يُقال في نفس الآن الذي اقترب به “إيهاب” يهتف بتعجبٍ غلفه الاستنكار:
_سليمة !! مين دا اللي فكر يعمل معاه حاجة.
تحدث “يوسف” بتهكمٍ:
_هيكون مين غيرهم يعني ؟؟ بس مش عليا.
سأله “نَـعيم” بغضبٍ تفاخم لديه حتى بدت نبرته مُحتدة:
_عملوا إيه خلصوا هتنقطوني بالكلام !!.
نظر له “يوسف” بقلة حيلة ثم بدأ في السرد بقوله:
_الصبح أنا و “إسماعيل” جهزنا علشان نروح المشوار دا زي ما قولت، وأول ما ركبنا العربية.
(عودة إلى الصباح)
ركب كلاهما السيارةِ وبدأ “يوسف” في القيادة ثم أخرج علبة سجائره يضع واحدةً منهم بين شفتيه ثم بحث عن قداحته ليشعلها لكنه نساها، فتح دُرج التابلوه يبحث فيه عن قداحةٍ أخرى دون أن تنتبه عيناه لذلك، فرفع “إسماعيل” أنفه يُشمشم في السيارة ثم التفت لـ “يوسف” يسأله بتكهنٍ:

 

_يوسف أنتَ بتعك من ورايا ؟؟.
انتبه له الأخر فكرر مُستنكرًا:
_بعك !! إيه يا “إسماعيل” أنتَ هتخيب ولا إيه؟؟
رد عليه الأخر مُفسرًا:
_العربية ريحتها حاجة مش مظبوطة، حاجة كدا لامؤاخذة زي الحشيش، من ورايا يا “يوسف”.
عقد “يوسف” مابين حاجبيه وهو يقول بتعجبٍ:
_حشيش !! ما أنتَ عارف الزفت دا مبيدخلش بوقي، هي مرة شربتها معاك الحج عرف محصلتش تاني لحد ما كلمنا هو، أخري السجاير وخلاص.
أرهف “إسماعيل” حاسة الشم لديه ثم قام بالبحث بنفسه حتى فتح الدُرج وحصل على مُبتغاه فابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
_ودي إيه بقى ؟؟ حلاوة طحينية ؟؟.
انتبه له “يوسف” فأوقف السيارة ثم سأله بنبرةٍ جامدة:
_إيه دي ؟؟ مش بتاعتي، بتاعة مين دي؟؟
قام “إسماعيل” بنزع الكيس من على القطعة البُنية ثم قربها من أنفه فابعد وجهه سريعًا يقول متأفأفًا:
_إيه دي، دي حتة مضروبة يابا متعملش حاجة.
حرك “يوسف” رأسه مستنكرًا بعد حديث الأخر، فضغط عليها “إسماعيل” بيده يقوم بفركها ثم نطق بسخريةٍ:
_دي حتة مضروبة، طالما متفركتش معايا وجت بالناعم، يعني من الأخر دي محطوطة كمين ليك.
سأله “يوسف” مُنفعلًا بغضبٍ جام:
_يا “إسماعيل” مش فاهم منك حاجة.
أخرج “إسماعيل” قداحته ثم أشعلها ومررها على قطعة الحشيش فخرجت منها رائحة زكية ضربت في أنفه كما ضربة الهواء البارد، فسعل بخفةٍ ثم نطق مُردفًا:
_بص حتة الحشيش الأصلي تتفرك معاك من غير ولاعة، إنما دي لامؤاخذة مضروبة كتامين، يعني ريحة عالية على الفاضي اللي يشمها يعرف أنها موجودة، بيدربوا بيها الكلاب، دي خشنة كدا وكل الغرض منها بس إنك تلبس.
فهم “يوسف” على الفور من المُتسبب في ذلك لذا أظلمت عيناه بغضبٍ ونطق بإيجازٍ يتنافى مع سؤاله:
_معاك ورق تلفها ؟؟
نظر له الأخر بتعجبٍ أظهر استنكاره حينما أرجع رأسه للخلف، فيما ضغط “يوسف” على قبضته فتحدث “إسماعيل” بنبرةٍ هادئة:
_بقولك إيه الطريق الجديد فيه كمين، أنا هخفي الحتة دي وأنتَ ولع سيجارة تخفي الريحة دي.
نظر له “يوسف” فوجده يضعها في حذاءه الرياضي الأبيض ثم نطق بزهوٍ بعدما أخفى أثرها:
_كدا تمام، متقلقش كله تحت السيطرة.
بعد مرور ربع ساعة من القيادة أوقفهما ضابط المرور وأمر بتفتيش السيارة حتى لفت نظره قطعة غريبة من الأحجار الكريمة فسألهما بتعجبٍ:
_دي إيه دي إن شاء الله ؟؟

 

نظر كلٌ منهما للأخر بتعجبٍ يُبديان حيرتهما، فيما ابتسم “يوسف” بتكلفٍ ثم نطق مُردفًا:
_دا حجر كريم من شمال سينا، حاجة كدا أصلي واخدها ذكرى من على الشط.
ابتسم الضابط ثم قلبها بين أنامله يتفحص لونها الأزرق ثم نطق بنبرةٍ لينة يحاول إضفاء المرح لهما:
_طب ابقى افتكر حبيبك بواحدة كدا، أصل حبيبك غاوي.
ابتسم له “يوسف” ثم اقترب من السيارة يفتحها وقدم له واحدةً أخرى كان يضعها في مرآة السيارة ثم قال بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مُبتسمٍ:
_دي هدية مني ليك لحد ما نتقابل تاني.
نظر له الضابط بترددٍ، فتحدث “إسماعيل” يمازحه:
_إيه يا باشا خايف يعتبروها رشوة وينقلوك؟؟.
ابتسم له الضابط بسخريةٍ وهتف يزيد من تلك السخرية:
_هينقولني أكتر من كدا هروح فين يعني ؟؟ شرطة الموسيقى ؟؟ بس هدية مقبولة منك.
اخذها من بين أنامل “يوسف” ثم أشار لهما بالتحرك بعدما تم تفتيش السيارة كمجرد اجراءات روتينية على الطريق الجديد، فتحركت السيارة بسرعةٍ كبرى خاصةً أن السيارة كانت غالية وهيئتهما النظيفة لم تثير الشكوك نحوهما.
( عودة إلى تلك اللحظة)
سرد “يوسف” ماحدث معهما صباحًا بكافة تفاصيله فتحدث “إيهاب” بنبرةٍ جامدة يعبر عن غضبه مُنفعلًا:
_مكسرتش المكتب على دماغ أبوهم ليه يا عمنا ؟؟ ممسكتش الواد الملزق دا جيبته هنا يترمي جنب فتحي اطلع غُلب السنين فيهم.
تحدث “نَـعيم” بثباتٍ:
_خلاص يا “إيهاب” اللي حصل حصل، إيه عاوزه يضيع نفسه علشانهم؟؟ كويس أنه متهورش وضيع نفسه.
هدأت ثورة “إيهاب” حينما اقتنع بحديث “نَـعيم” فيما قرر هو مشاكستهما بقوله:
_بس إيه يا “إسماعيل” الصياعة دي كلها، عرفت كل دا منين ؟؟
تحدث “إيهاب” بتهكمٍ يجاوب نيابةً عن أخيه:
_البركة في “اشرف الموجي” بقى.
تحدث “إسماعيل” بنبرةٍ خافتة:
_الله يرحمه بقى، متجوزش عليه غير الرحمة.
اتقدت عينا “إيهاب” بشررٍ وهو يقول بغضبٍ:
_الله يرحمه !! بتترحم على دا ؟! لأ يا حبيبي متجوزش عليه الرحمة، اللي زي دا مرحمش حد علشان اتمناله الرحمة.
غضب “إسماعيل” من حديث أخيه عن والده لذلك تأهب يرد عليه بنفس الغضب المشتعل:
_غصب عننا أبونا يا “إيهاب” مش بإيدنا نغير الحقيقة دي، يا جدع اترحم عليه يمكن ربنا يجعلنا سبب في تخفيف عذابه.
انتفض “إيهاب” ووقف أمامه ينطق بنبرةٍ جامدة من بين أسنانه يذكره بماضيهما:

 

_لو نسيت اللي حصل زمان أنا مش ناسي يا “إسماعيل” لو نسيت أنه كان بيأجرك للشيوخ علشان يسخروك وتنزل تجيب الآثار من تحت الأرض من غير شفقة عليك أنا مش ناسي، لو ناسي إن بسببه الحَنش لف على جسمك تحت الأرض وأنتَ بتصرخ من الخوف وهو سابنا وجري و أنا اللي نزلت أجيبك أنا مش ناسي، لو ناسي أني جريت بيك على كتفي بعد ما الحَنش عضك لحد ما جيت هنا قدام بيت الحج بعدما ربنا قفل كل الطرق في وشي أنا مش ناسي، لو ناسي إنك بسببه الكل بيخاف منك علشان البيه من غير رحمة سلمك للدجالين يطلعوا بيك الآثار من غير ذرة ندم واحدة وأنك فضلت عمرك كله تتعاير إنك ملبوس رغم إن دا مش بإيدك، لو ناسي يا ابن أمي فأخوك مش ناسي ومبينساش، فــاهم !! مش هــنـسـى إنك كنت هتضيع مني بسببه هو.
ركل الأريكة بقدمه ثم تحرك نحو الداخل بجم غضبه بعدما أشعلت تلك الذكريات لهيب الحقد داخل صدره، فيما جلس “إسماعيل” بعينين زائغتين يحاول الهروب من الماضي الأليم الذي عايشه كلاهما، فاقترب منه “يوسف” يربت على كتفه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_متزعلش نفسك، أكيد هيروق ويفهم إنه زعلك، دا “إيهاب” يعني مستحيل يزعلك أصلًا دي روحه فيك أنتَ، هو حقه مينساش كل دا وحقك أنتَ أكتر منه يا “إسماعيل”.
تنهد “إسماعيل” بضجرٍ ثم مسح وجهه وتحرك من مكانه ورافق حركته تلك قوله بحديثٍ مُقتضبٍ:
_عن اذنكم هلف شوية بالخيل.
تحرك بدون أن يرد أيًا منهما فيما تنهد “نَـعيم” بضجرٍ ورمق “يوسف” بيأسٍ من تلك الحالة التي زارت بيته تقضي على مرحهم وتُنافي فرحتهم بالأمس.
دلف “إيهاب” شقته بغضبٍ مكتومٍ وصدره يعلو ويهبط، فلاحظت “سمارة” حالته لذا اقتربت منه تسأله بلهفةٍ:
_مالك يا “إيهاب” ؟؟ أنتَ روحت عند “فتحي” تاني؟؟
رفع صوته أمامها بقوله:
_متجبيش سيرة الزفت دا على لسانك قصادي، أنا دماغي مش فيا وكلمة زيادة هنزل أجيب رقبته اعلقها على باب البيت.
اتسعت عيناها بهلعٍ لذلك رفعت جسدها وهي تقف على أناملها ثم اقتربت من أذنه تهمس بنبرةٍ خافتة:
_الله أكبر الله أكبر، انصرف، انصرف.
لاحظ ما تهمس به فحرك رأسه نحوها يسألها بتعجبٍ:
_أنتِ بتعملي إيه يا “سمارة” ؟ هو أنا ملبوس قصادك؟
ردت عليه بلهفةٍ:
_بعد الشر عليك يا حبيبي، أنتَ محسود، عين النسوان اللي تتعمي كانت هتاكلك امبارح، ربنا يحرسك منهم، ابقى فكرني ابخرك قبل ما تنزل.
رفع حاجبيه مستنكرًا تصرفاتها الغريبة، فيما قالت هي بنبرةٍ خافتة وكأنها تتردد في سؤاله:
_اتخانقت مع أخوك ليه؟؟ دا ملهوش غيرك أنتَ.

 

رد عليها بنبرةٍ خشنة وجمودٍ:
_علشان غبي، لسه بيقول عليه أبوه بعد كل اللي حصل، مش مستوعب أنه كان هيموت وإن بسببه الناس كلها كرهته وبقت تخاف منه، طب بلاش نسي أني كنت بموت علشانه لما كان هيموت من القرصة ؟؟.
سألها بصوتٍ دل على هزيمته فقالت هي بتأثرٍ:
_”إسماعيل” عمره ما كان قليل الأصل، اللي يحافظ على أمانة أخوه ويحميها بروحه مستحيل يكون قليل الأصل، بس هو قلبه طيب غصب عنه بيحن، يمكن عامل زيي لما بفتكر أبويا وهو ساكت على عمايل مراته فيا، رغم أني بكرهه وبدعي ربنا يجحمه، برجع تاني وأقول بس أهو كنت مستورة في بيته تحت ضله، مشوفتش المرمطة غير لما مات ونزلت الشارع.
سألها باهتمامٍ حينما أبصر دموعها تترقرق في مقلتيها:
_وبعـديـن ؟؟
مسحت دموعها بظهر كفها ثم أجبرت شفتيها على الابتسام وهي تقول:
_بعدها قابلتك أنتَ في الشارع، علشان تحميني من القرب قبل الأغراب، مليش غيرك أنا يا “إيهاب” والله العظيم ماليا غيرك، بالله عليك روق على نفسك.
بكت وهي تحدثه فضمها إليه يربت على رأسها بكفه دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة كعادته الصامتة دومًا، فاستكانت بين ذراعه وصدره وهي تتلمس من حضوره المهيب الأمان المتسلل إليها من تواجده، فارتسم الخبث على ملامحه وهو يهتف بخشونةٍ كعادته:
_بت يا “سمارة” !!
رفعت عينيها له تطالعه باستفسارٍ فابتسم بخبثٍ وهو يقول:
_مفيش واحدة سي “إيهاب” من بتوع زمان، بتكيفني.
ابتسمت بدلالٍ وهي تقول:
_نعم، نعم يا سي “إيهاب”.
اتسعت ابتسامته أكثر ثم حملها على ذراعيه يقول بنبرةٍ عابثة تشكلت على ملامحه يحاول تقليد طريقتها:
_تعالى بقى بخريني من عيون النسوان اللي تتعمي.
ضحكت بصوتٍ عالٍ ثم استغلت استرخاءه وسألته:
_هتراضي أخوك ؟؟.
حرك رأسه موافقًا بقلة حيلة ثم هتف بصدقٍ:
_مليش غيره دا.
شهقت بطريقةٍ سوقية وهي تسأله بتبرمٍ:
_نـعم ؟؟ أومال أنا إيه ياخويا ؟؟ نيش هنا ولا إيه؟؟
ابتسم بيأسٍ منها ثم قال بصوتٍ رخيم:

 

_أنتِ البيت كله بكل حاجة فيه.
حركت قدميها بدلالٍ وهو يحملها وقد بدت شامخةً أمامه فلفت نظره ذلك السوار الذي ترتديه في قدمها فسألها بتعجبٍ وهو يسير بها:
_بت !! هو فيه مُهرة هربانة هنا ؟؟ إيه الصوت دا؟؟
ردت عليه بتعالٍ أعرب عن ثقتها في نفسها اللامحدودة ودلالها الأنثوي الفطري:
_دا خُلخال، لبساه علشانك، وماليك عليا حلفان الحِزن الأسود اللي شوفته في حياتك دا آخره معايا أسبوع واحد وهخليك تنساه خالص يا سي “إيهاب”
ابتسم لها وكأنه يؤكد صدق ما تفوهت به، فهاهي البداية واستطاعت امتصاص غضبه الذي لو كان في ماضيه بدونها لأحرق الوديان العامة وكأن الصبي يعود لينتقم من المدينة التي حرقت فؤاده.
_____________________
قام “أيوب” بتوصيل “قمر” أولًا إلى حيث بيتها أولًا قبل أن تلج من السيارة أوقفها بقوله:
_متقلقيش يا آنسة، إن شاء الله كل حاجة هتكون بخير.
حركت رأسها موافقةً ثم وزعت بصرها بينهما وقالت بنبرةٍ خافتة:
_إن شاء الله أنا عشمي في ربنا كبير.
تحركت من السيارة وهو يراقبها، بينما الأخرى قبل أن تتحرك من محلها أوقفها بقوله:
_خليكي مكانك يا آنسة، أكيد مش هتيجي تقعدي جنبي.
بررت موقفها بتوترٍ وهي تقول:
_أنا بس قولت علشان عيب اقعد ورا وأنتَ تسوق يا “أيوب” مش قصدي حاجة يعني.
تنهد بعمقٍ ثم هتف بنبرةٍ هادئة وهو يشخص ببصره للجهةِ الأخرى يهرب من تركيزها معه:
_آنسة “جنة” أنا مراعي إن إحنا جيران وإن من صغرنا سوا مع بعض، بس فيه حدود مينفعش تتشال مابينا، “إذا رُفعت الكُلفة حَلت الأُلفة” ودا كله احنا في غِنا عنه، اتمنى تكوني فهمتيني.
حركت رأسها موافقةً ثم نظرت من النافذة فيما أخرج هو الورقة التي أعطتها له “قمر” يُمعن تركيزه بها ثم توجه نحو حارة العطار.
أوصل الفتاة على بعدٍ من بيتها ثم عاد إلى محل أبيه بضجرٍ تفاخم لديه وهو يقول بنبرةٍ جامدة دلت على ضيقه:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا حج.
انتبه له والده، فترك الدفتر الذي يمسكه ثم قال بتعجبٍ:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مالك ؟؟
رد عليه مندفعًا بدون تعقل:
_حج أنا مش هوصل حد معايا تاني، بلاش تدبسني في مشاوير زي دي، أنا أخدم برموش عينيا بس من غير ما أخد في الخدمة دي ذنوب أنا مش حملها.
عقد “عبدالقادر” حاجبيه مستنكرًا ما يُقال له، فيما أضاف “أيوب” مُفسرًا:
_وياريت لما حد يطلب حاجة من النوع دا ترفضها.
تنهد والده ثم تحدث بنبرةٍ هادئة:
_ابوها اللي طلب وقال إن بنته عاوزة تجيب حاجة من شارع المعز وإنك أولى من الغريب، وأنا سكت علشان هو عارف إنك هتأمن عليها كأنها منك، يعني مش بكيفي يابن “عبدالقادر” وخف شوية عليا أنا ملييش ذنب.
حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم تذكر أمر “قمر” لذلك تحرك من مكانه ثم عدل سترته السوداء وهو يقول:
_أنا هعدي على “أيهم” ورايح مشوار مهم بعدها، عن اذنك.

 

حرك رأسه موافقًا وهو يتابعه، فيما تحرك الأخر بسيارته نحو محل أخيه فوجده يجلس مع “بيشوي” ألقى عليهما التحية، ثم جلس بضيقٍ ظهر لهما، فتحدث “أيهم” بسخريةٍ يقول:
_طب البيه و”جابر” منكد عليه حضرتك مالك ؟؟
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ فاترة:
_مفيش حاجة مضغوط شوية، ماله أستاذ “بيشوي” ؟؟
اندفع الأخر بسخطٍ يقول:
_”جابر” بيستهبل يا “أيوب” بيلاعبني، ابقى متفق معاه وألاقيه رايح يجيبلها عريس ؟؟ كأني مش مالي عينه ؟؟ أنا اللي مسكتني كلمة الحج “عبدالقادر” وأنه كبيري، غير كدا كان زماني خربت الدنيا فوق دماغه.
تنهد “أيوب” ثم نطق بثباتٍ يُعبر عن تفكيره:
_مفيش حد مش عارف إن “جابر” بيكرهنا، والناس كلها عارفة إن أنتَ بالنسبة لينا أخ تالت، لكن هو خايف معرفش ليه، وكرهه ليا أنا تحديدًا بلا سبب، الحقيقة مش قادر استوعب اللي بيكرهوني دول سبب كرههم ليا إيه.
نظر كلاهما له، فيما تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
_أنا هتحرك بقى علشان عندي طالعة مهمة، عاوزين حاجة؟؟
تحدث “أيهم” بسخريةٍ:
_اتفضل يا حبيبي، بس ابقى خلي بالك مش هنجري وراك كتير، ورانا عيال يا حبيبي.
ابتسم لهما ثم تحرك من مكانه، فيما شرد الأخر أمامه، فسأله “أيهم” باهتمامٍ:
_سرحت فين يا عمنا ؟؟ واد يا “بيشوي” ؟؟
رد عليه ولازال نظره مُثبتًا على اللاشيء أمامه:
_بفكر أخطف “مهرائيل” الأول ولا أخلص على “جابر”؟
لوى “أيهم” فمه يُمنةً ويسرى بتهكمٍ مما آل إليه تفكير الأخر.
_______________________
ركب “إسماعيل” خيله يركض به وسط الرمال في سكون الليل وما يصل لسمعه فقط صوت قدم الخيل على الأرض وهو يركض بخيلاءٍ كما صاحبه، والأخر شاردًا في ماضيه وهو يلهث بقوةٍ لتلوح في أفق عقله ذكرةً ستظل خالدة مادام حيًا طوال عمره.
(منذ زمنٍ بعيد)
كان “إسماعيل” في الحادية عشر من عمره يقف مذعورًا أمام ذلك البيت القديم الذي بدا اثريًا أو ما شابه ذلك بمفرده والرجال خلفه يكبلون أخيه “إيهاب” الذي حاول التملص من بين أيديهم لكن قوته البدنية التي بدأت لتوها في الظهور مقارنةٍ بهم تخسر بل تُفنى بالكامل.
وقف ذلك الرجل الذي زعم أنه شيخٌ له كرمات في العالم الأخر مُستغلًا الحالة التي يُعاني منها “إسماعيل” حينما يُكشف عنه الحجاب الحاجز بين العالم الأخر، ثم نطق يستدرج ذلك الصغير بقوله:
_يلا يا “إسماعيل” يلا يا حبيبي أنا مجهزك، متخافش.

 

تلك المرة كان “إسماعيل” يشعر بالخوف حقًا حيث أنه كان يشعر بكل ما حوله على عكس عادته، وذلك إن دل على شيءٍ فهو يدل على عدم قدرة الأخر في التعامل معه، فتحدث بنبرةٍ أعربت عن ارتجافة صوته:
_بس … بس أنا خايف
اتقدت عينا والده بشررٍ وهو ينطق بفظاظةٍ:
_نعم يا حيلة أمك ؟؟ أنزل يالا بدل ارميك أنا.
صرخ “إيهاب” بنبرةٍ عالية يردع أخيه عن ذلك الفعل:
_بلاش يا “إسماعيل” أجري ياض وأنا هحصلك.
قبل أن يتخذ “إسماعيل” قراره اقترب والده منه يمسكه من عضده يضغط عليه ثم هدر من بين أسنانه:
_لو منزلتش أنا هاخدك البيت أعلقك على الحيطة لحد ما تخرج روحك، أنزل يا روح أمك، أنا هعلف فيك ؟؟.
دفعه لداخل البيت فوجد قدميه تنزلقان في حُفرةٍ عميقة ازداد الظلام من حوله وازدرد لُعابه وبدلًا من أن يتغيب عقله عن واقعه، تبعه للأسفل هذا الشيخ المزعوم وحينما لاحظ خوف الصغير دعمه بقوله:
_متخافش أنا معاك هنا، يلا يا “إسماعيل”
ازدرد لُعابه فوجد الشيخ يدفعه نحو الداخل حتى دلف لتلك الحُفرة العميقة مر بمررٍ ضيق تحت الأرض والظلام يحاوطه لتصله أصواتٌ مُرعبة علمها على الفور، فازدادت ضربات قلبه بينما الأخر رأى تلك الحشرات التي تقوم بحراسة المقبرة الأثرية ترك الصغير بمفرده وركض للخارج بخوفٍ حتى لم يلحظه الأخر من فرط خوفه، فيما تسمر “إسماعيل” محله حينما رأى ذلك الحيوان الغريب رفع صوته بصراخٍ يستنجد بأخيه صارخًا:
_يــــا “إيــهاب” الــحـــقــني، هـيعـضـنـي.
انتبه شقيقه في الخارج لصوته، فوجد الرجال البقية يهربون بأنفسهم، بينما “أشرف” رفع صوته يسأل بغلظةٍ:
_يعني إيه ؟؟ والفلوس اللي صرفناها ؟؟؟
رد عليه الشيخ بقلقٍ وسط صدى صرخات الأخر الذي تيبس جسده:
_يعني المقبرة عليها رصد بالتعابين، ودي عاوزة تحضيرات تانية، أجروا قبل ما اللي جوة يطلعوا علينا.
ركض الشيخ وخلفه “أشرف” بينما “إيهاب” اندفع وقرر التضحية بنفسه فإذا نجا بحياته مع شقيقه كان ذلك من حظهما، وإذا مات فهو إذًا مات مع أخيه، لذلك بدون ذرة تعقل اندفع لشقيقه الذي يستغيث به تزامنًا مع اختفاء صدى صوت أخيه، ليكتشف أن ذلك المُلقب بالحنش قام بلدغه من ذراعه، حينها أمسك قالب الطوب يضربه به في وجهه ببسالةٍ اكتسبها من بيئته التي فرضت عليه المخاطر ثم حمل أخيه وخرج به من ذلك البيت والآخر أوشك على لفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه.
ركض به “إيهاب” بعد خروجه من البيت في منطقة نزلة السمان وقد شُل عقله عن العمل فلم يتذكر سوى بيت “نَـعـيم” الذي عُرف عنه بأنه يد العون للجميع.
(عودة لتلك اللحظة الحالية)
توقف “إسماعيل” عن الركض بالخيل ليبقى أخر ما بذهنه يربط المواضيع ببعضها استيقاظه بعد عدة أيامٍ في بيت “نَـعـيم” بعدما قُدمت له الرعاية المطلوبة ولحسن حظه قرب ذلك البيت من الأخر الذي حوى بداخله مقبرةً.
نزل من على الخيل يلهث بقوةٍ من فرط المجهود ثم أشعل سيجارته لعلها تعاونه قليلًا فيما يشعر به من نيرانٍ متأججة بداخل صدره، اقترب منه “يوسف” يقول بسخريةٍ:
_قلود أوي أنتَ يا سُمعة، كدا ارتاحت يعني ؟؟
التفت له الأخر فابتسم بخفةٍ وقال بصوتٍ رخيم:

 

_المصيبة أني كل مرة أزعله مني كدا وبعدها افتكر اللي التاني عمله فيا، ابقى مكسوف اروحله بعدما رمى نفسه في النار علشاني، فاكرني ناسي وأنا مراحش عن بالي الليلة دي ولا عمرها هتروح، “إيهاب” فاكرني زعلان علشان أبويا، بس ماخدش باله إن هو أبويا.
ربت “يوسف” على كتفه ثم نطق بنبرةٍ هادئة:
_ربنا يخليكم لبعض، أنا مروح، هروح قبل ما يعملولي مصيبة تانية اديك شايف، خلي بالك من نفسك ومتزعلش أخوك منك، سلام.
رحل من المكان يتوجه إلى بيت الزمالك لكي يلحق ما يمكن إلحاقة قبل أن تنهار الأمور فوق رأسه.
______________________
وصل “أيوب” لمقر تلك الشركة الخاصة بتوريد العطور وتصديره، التفت حوله فوجده يقف مع إحدى الفتيات يتوددان لبعضهما، زفر بقوةٍ ثم اقترب منه بخطى ثابتة يحمحم بخشونةٍ يُجلي حنجرته لفتت أنظار الأخر الذي نظر له بدهشةٍ، فيما ابتسم “أيوب” بثقةٍ وهو يقول:
_ السلام عليكم يا أستاذ “علاء” مفاجأة حلوة مش كدا؟؟
انتبه له الأخر فأظلمت نظراته، بينما “أيوب” قال بثباتٍ:
_ياريت تتفضل معايا برة نتكلم على إنفراد، علشان منظرك.
تحرك هو أولًا وخلفه “علاء” حتى وقفا في الخارج فتنفس “أيوب” بعمقٍ ثم نطق بنبرةٍ جامدة:
_اسمع يا أخينا علشان أنا مش جاي أهزر، أنا جاي أقولك كفاية لحد كدا وياريت نخلص من الصداع، وعيلة أستاذ “فضل” كلها برة دماغك، لأني مش هقف مسالم زي ما شكلي باين، أنا هفاجئك برد فعل يفاجئنا إحنا الاتنين، فاسمع مني بقى المفيد، الكلام اللي هددت بيه الآنسة “قمر” تنساه خالص ودا حفاظًا على سمعتك أنتَ وسمعة حُرمة بيتك.
ابتسم الأخر باستفزازٍ وعقب ببرودٍ آثار حفيظته:
_لو خلصت عاوز اقولك أعلى مافي خيلك أركبه، وملكش فيه أنتَ طلع نفسك من الحوار دا، علشان كدا كدا هاخد حقي، وكلها ساعات وكل حاجة هتنزل وتنور على النت، ولو مصمم تدخل يبقى أهلًا بيك يا أخويا في الفضيحة، ويبقى الشيخ الفاضل ماشي مع بنت لامؤاخذة بقى.
ضُربت أسنان “أيوب” ببعضهما من شدة ضغطه عليهما، لذلك رفع سبابته يحذره بقوله:
_أنا كدا جيت مرة بالحُسنى، الباقي بقى متزعلش منه.
التفت يغادر المكان فرفع الأخر صوته يثير استفزازه بنبرةٍ أوضحت قدر استفزازه:
_نورت يا شيخنا، معلش بقى معندناش مسك.
التفت له “أيوب” يقول بثقةٍ:
_طبيعي، أنتَ هتبيع حاجة طاهرة زي دي إزاي يعني؟؟

 

التفت من جديد يغادر المكان بعدما تفاخم شعور المقت لديه تجاه ذلك السمج البغيض، فلولا ما سوف يعانيه بسبب هيئته لكان قضى على وقاحته تلك، لكنه فضل التعقل في التعامل متوكلًا على المولىٰ.
_______________________
وصل “يوسف” لبيت الزمالك فوجده على عكس المعتاد شاغرًا من سكانه، وعمته تجلس على الأريكة أسفل الإضاءة الخافتة، فلم يُحجم فضوله واقترب منها يسألها بنبرةٍ بدت جامدة له ومهتمة لها:
_مالك ؟؟ حصل حاجة ؟؟
انتبهت له فرفعت عينيها نحوه تقول بلهفةٍ:
_لأ يا حبيبي، أنا بس قاعدة مخنوقة شوية وسرحت.
حرك رأسه موافقًا ثم التفت حوله يبحث عن سكان البيت وهو يقول بنبرةٍ ساخرة:
_اومال فين عفاريت الدار ؟؟ متقوليش ناموا !!
ازدردت لُعابها وهي تقول بنبرةٍ هادئة لكنها مُضطربة:
_النهاردة عيد ميلاد “شاهي” علشان كدا كلهم خرجوا يحتفلوا بيه، بس أنا مرضيتش أروح معاهم علشـ….
بترت حديثها حينما قاطعها هو بقوله:
_أنا مسألتكيش، علشان دي حاجة متخصنيش.
لمعت العبرات في مُقلتيها فورًا وسألته باهتمامٍ:
_تاكل طيب ؟؟ أنا عاملة أكل حلو أوي.

 

رد عليها يرفض بثباتٍ:
_لو على موتي مش هاكل حاجة من هنا، وفري عروضك السخية دي وجهزي العشا لابنك لحد ما ييجي.
قبل أن ترد على طريقته الباردة، خرجت الممرضة من الغرفة تهتف بلهفةٍ:
_يا مدام “فاتن”… المدام “حكمت” فاقت وندهت على اسم واحد اسمه “يوسف” فاقت والله.
نظر كلاهما للأخر بدهشةٍ وخاصةً هو، فهل من الممكن أن تذكر تلك البغيضة اسمه هو، وهو عدوها وابن عدوها وحفيد عدوتها كما سبق وأخبرته، هل هي ماتت حقًا لكي تفيق على ذكر اسمه هو ؟؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى