روايات

رواية غمرة عشقك الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء السادس والثلاثون

رواية غمرة عشقك البارت السادس والثلاثون

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة السادسة والثلاثون

بعد السلامات المتبدلة بينهم جلس برفقة صديقة على الاريكة بداخل غرفة الجلوس الفخمة
الشاسعه…..
نظر كرم حوله بحرج تقريباً فرش تلك الغرفة
بالتحف الباهظة واللوحات الفنية الثمينة مايعادل
ثمن معيشة عائلية لمائة سنة قادمة…..
اسبل جفنيه ربما تلك الحسبه تقام داخله فقط لأجل ان يخمد صراع داخلي اهوج يحسب حسابات
وهمية اغلبها الحب والمشاعر النبيلة تراهات لا تكسب مال ولا تباع لربح مال !!……
هل توفيق الشامي رجل أحمق ليعطي ابنته لشاب مثله مزال طالب وحتى ان تخرج…… انه سيعمل
في الشركة التي يملكها والدها باي وجه حق
يذهب ليطلب ابنته وهو يعمل عنده… واين تلك الامكانيات المادية التي يمتلكها كي تعيش ابنته
في نفس المستوى….
رفع كرم عيناه للسقف ثم لوى شفتيه بتهكم
محدث نفسه بسخرية……
(اي مستوى يا كرم….. بالله عليك… تعقل و انظر
حولك لا لتمتع عينك بل لتقهر قلبك ، انها صعبة المنال…… بل انها مستحيلة كقصة خيالية صعب ان ان تختلط بالواقع…..نور مستحيلة………انسى
يا كرم…… انت لا تناسبها ولا هي……كفى وتعقل..)
انتفض انتفاضة طفيفه حينما هزه يوسف وهو
يقول باستغراب……
“مالك يابني متخشب كدا ليه……بقالي ساعة بكلمك…….”
ممر يده على شعره المجعد الكبير وهو يقول بحرج……
“معلش يايوسف…… سرحت شويه……”
ربت يوسف على كتفه وهو يميل للامام
بقلق….
“ولا يهمك…….. قولي ماله أحمد…..”
هز كرم راسه وهو يقول
بحنق…
“حاله مش عجبني بقاله فترة…..”
رد يوسف بيقين…..
“دا عارفينه…. أحمد مش مظبوط من ساعة
الفرح.. يكونش زعلان هو ومنى……… البنت اللي كانت بترقص قدامه….. مش هي دي البنت اللي
بيحبها……”
اوما كرم براسه وهو يلوي شفتيه ساخراً…..
“تقريباً….. المهم انهم سابوا بعض…. وهو بقا ماشي في سكه شمال……..”
عقد يوسف حاجبه متسائلاً….
“سكة إيه دي………. بيعمل اي أحمد…”
كان على وشك التحدث لولا طرق رقيق على الباب
وبعدها طلت نور بصنية المشروبات…..
خفق قلبه وابتلع ريقه تاثراً من اطلالتها الخاطفة لانفاسه… الفتاة الوحيدة التي عند دخولها يضطرب قلبه ويصاب بخلل في الخفقات…… خلل مقبول……
متعب وعلاج التعب قرب غير مسموح به إلا في احلامه فقط……….
اغمض عيناه وعبق عطرها يغزو انفه…. وشعور
جميل حاني سكر حواسه كلها حينما همست
بنعومة اليهم…..
“جبتلكم العصير بنفسي……ازيك ياكرم….. عامل
إيه……..”
فتح كرم جفنيه لتظهر عيونه البنية الامعه مزيج
من الوسامة مع بشرته السمراء وشعره المجعد
الكبير ذي القصة الشبابية العصرية التي
تليق عليه جداً وتزيده وسامه وتميز……
رمش بعيناه عدت مرات وهو يبتسم اليها
بمجاملة…
“الحمدلله يا نور…. انتي اي أخبارك….” مرتا عيناه
عليها سريعاً قبل ان يبعدهم عنها بصعوبة….
فكانت ترتدي بنطال جينز وقميص ابيض ضيق كان شعرها الأسود طليق…..حر بشكلاً جبار فزادها
فتون وتألق وهي يتدلى لبعد خصرها
بدلال…….
عليه ان يذكر واحداً من اكثر الاشياء التي تستفزة
في هيئة اميرته الجميلة….ان شعرها الطويل حينما تطلقه حراً خلف ظهرها يكن ملفت أكثر من هيئتها الناعمة الفاتنة……حقاً كم شخص جذبه طول شعرها فنظر ليحدد الى اي مدى يصل عندها !……….
جز على اسنانه وهو يسمعها ترد السلام وعيناها السوداء تبرق اعجاباً وانبهراً به…..
اغتاظ من تلك النظرة رغم خيانة المشاعر وخفقات القلب بقربها…… مزالت نظراتها تستفزة ود لو يصرخ بها ان تتوقف عن النظر اليه بتلك الطريقة ولكنه
كان يعجز عن توبيخها عن شيءٍ ان توقفت عنه
ستقتل اخر الآمال في قلبه !……
سمع يوسف يقول بهدوء…..
“سبينا لوحدنا شوية يانور…..وخدي الباب في ايدك…….”
اومات لشقيقها وهي تنظر لكرم نظرة أخيرة…حينما خرجت واغلقت الباب سمعت سؤال اخيها من الداخل مما جعلها تتسمر مكانها بقلق وهي
تسترق السمع عند الباب….
“سكة إيه ياكرم…… فهمني…….”
رد كرم بوجوم…..وكبت واضح……
“احمد بيشرب حاجة…… يابرشام ياحشيش…..”
توسعت عينا نور من خلف الباب بصدمة ووضعت يدها على فمها وهي تنسحب سريعاً من امام باب الغرفة……….
سريعاً دخلت لغرفتها واجرت اتصال بحبيبة… التي
فتحت الخط وحدثتها بصوتٍ باهت منهك…
“ايوا يانور…….”
قالت نور بلهفة مفعمه بالقلق…..
“حبيبة… في اخبار مش حلوة خالص عن أحمد….”
لوت حبيبة شفتاها قائلة بقرف…..
“رجع لمُنى ولا رجع يصيع تاني مع البنات…..”
قالت نور… “انيل…..”
زمت حبيبة شفتاها
بقنوط….
“هو في انيل من كده…….”
قالت نور سريعاً….
“بمراحل…….. احمد بيشرب مخدرات……”
انتفض صوت حبيبة بقلق….
“اايه….. انتي بتهزري…. مين قالك الكلام ده….”
قالت نور سريعاً وهي تفكر معها
بصوتٍ عالٍ……….
“كرم تحت عندنا… وانا سمعتهم من ورا الباب… تقريباً كرم لسه عارف النهاردة… وجاي يقول
ليوسف عشان يشوفه حل يوقفوه عن اللي
بيعمله في نفسه……. معقول يضيع نفسه بالشكل ده… تفتكري عامل في نفسه كده عشان سبته
بعض… ولا هو حب يجرب زي غيره…… او ممكن يكون حبى يصاحب شباب تانيه وطلعوا مش كويسين فبقا زيهم……”
ارجعت حبيبة شعرها للخلف قائلة….
“نور ينفع تقفلي……”
سالتها نور بارتياع….. “مالك انتي كويسه…….”
قالت حبيبة بنفياً حزين….
“تفتكري بعد اللي سمعته هكون كويسه….”
عضت نور على شفتها وهي تلعن غباءها فهي
اتصلت بها سريعاً واشيه على أحمد كالبلهاء دون اعتبار لشعورها…..كان من الممكن توصيل الخبر بشكلاً الطف واخف مراعية لشعورها…..لكنها
اخبرتها مباشرةً دون مقدمات……..
اعتذرت نور بحرج……
“انا اسفه ياحبيبة…. انا بس قولت اعرفك….. اكيد هيفرق معاكي تعرفي…….”
قالت حبيبة بنبرة شجن…
“اكيد هيفرق يانور… حتى لو سبنا بعض…. انا لسه بحبه ومش هقدر أشوفه بيضيع نفسه وقف ساكته…….”
سالتها نور بفضول……
“هتعملي إيه طيب…..”
خرجت الكلمات بانفعال ولم تقدر السيطرة على نفسها قائلة…….
“لازم اكلمه…. لازم يبطل القرف ده… ويعقل ويكون
قد المسؤوليه لو مره واحده….. امه لو عرفت او اخته……… هتبقا مصيبه…….حرام اللي بيعمله فينا ده…… حراااام……”
قالت نور بهدوء محاولة تخفيف
انفعالها….
“اهدي ياحبيبة……… اكيد ميقصدش……”
صاحت حبيبة منفعله اكثر وهي تقول
بازدراء……..
“ميقصدش !!….. ليه هو نغه……..حقيقي قرفت منه
ومن نفسي اكتر……ازاي سمحت لنفسي احب
واحد زي ده….ازاي اديته فرصة يكلمني في التلفون ونتقابل…. إزاي سنة ونص مع بعض… إزاي مخدتش بالي انه كداب وخاين وجبان….. وفوق كل ده اثبتلي النهاردة انه انسان ضعيف والغلط اسهل حاجة عنده………. ماهو اللي يعمل الصغيرة هيعمل
الكبيرة…….. منتظرة ايه انا من أحمد.. منتظرة
ايه غير كده…. ”
حاولت نور مجدداً التخفيف عنها قائلة
بهدوء…..
“اهدي ياحبيبة…….بكره يفوق…..”
نزلت دموع حبيبة وقالت بصوتٍ متهدج من شدة انفعالها……….
“احمد بيضيع نفسه واسهل حاجة عنده انه يغلط ويوجعني……ويوجع اللي حوليه…….”
بعد مدة اغلقت الخط مع صديقتها و وقفت في شرفة غرفتها بشغف هائمة العينين منتظرة
ظهوره على احر من الجمر……
مرت اكثر من نصف ساعة وهي مزالت تنتظر بدون ان تمل حتى طل أخيراً عليها…. بعد ان خرج من الفيلا مودع اخيها عند الباب….
سار في الحديقة الشاسعه مولي ظهره لها…. تمتمت
نور وهي تقبض على سور الشرفة بقوة ومشاعرها كلها في حالة اشتهاء ، راغبه في نظرة اخيرة منه
قبل ان يرحل…. فالقاء بينهما صعب وصدف تاتي
بين الحين والاخر بنفس صعوبة القاء !!…..
“بص ياكرم…….. ارفع عينك عشان خاطري……”
مطت شفتيها بيأس حينما وجدته على وشك تجاوز الباب الرئيسي……
رمشت بعيناها عدت مرات وهي تحفز نفسها ان هذا اللقاء كافي لتغذية الشوق لحين حدوث صدفه
اخرى قريبة بينهما……
خفق قلبها بقوة المتها وهز كيانها بأكمله في لحظة حينما وجدته يرفع عيناه مباشرة على شرفة غرفتها وكانه كان على علم انه تحت المراقبة ورغم ادعاء اللا مبالاة وقتها قد قادته في النهاية مشاعره
ولبى نداء قلبها ونظر اليها نظرة اخيره مودعها
مؤقتاً……
تبسمت شفتاها اليه ولوحت له بحماسية وسعادة غريبة لا تخلو من الانبهار بشخصه…..
ابتلع ريقه من هالة الرقة والجمال المحيطه بها… ثم
عند ابتسامتها الناعمة البريئة شعر انه يريد المبادلة
معها ولو بشيءٍ بسيط….
فرد الابتسامة اليها بوداع لطيف…… ومكان عليها إلا ان ضحكت بسعادة اكبر وهي تزيد في التلويح اليه بيدها كالبلهاء……..
ابتسم كرم اكثر وهو يهز راسه باستياء ثم تابع
طريقه للخارج………
صاحت نور بسعادة بعد ان اختفى…. وكانت
تقفز كالمجانين قائلة…..
“بيحبني والله…… yes…. yes…. yes…
بيحبني…… ”
………………………………………………………………
جلس على اول درجات سلم السطح من الأعلى….
اخرج سجارة صغيرة غليظة غريبة الشكل تفوح
منها رائحة أغرب تعمل على تسكير الحواس والانتشاء لفترة مع دخانها المتراقص الذي
يخرجه من فمه وانفه ببطء واستمتاع
غريب…….
لوى شفتيه وهو يخرج هاتفه من جيبه…ثم اجرى
اتصالاً وهو يسحب من سجارته بتلذذ…..
اتى صوتها المائع باللهفة…..
“أحمد…………….أخيراً رنيت…….”
اخرج دخان سجارته وهو يقول بابتسامة
ساخره…
“كنتي مستنيه اتصالي مش كده………بعد ما بعتي التسجيل لحبيبة……”
اتى صوتها الئيم متململه بميوعه…..
“تسجيل !…..تسجيل إيه…انا مبعتش حاجة….”
اسفتزه ردها فسبها…… “يابت ال****…….”
صاحت مُنى بغيظٍ منه…
“الله ما تلم نفسك انت متصل بيا عشان تهزقني…”
اتاها صوته الغاضب قائلاً بشر….
“لا يروح امك انا متصل بيكي عشان اقولك ان احنا كده خلصين…….”
سالته بتوجس….
“خلصين !……….ازاي يعني……”
لمعة عيناه بالقسوة ومزال ينفث بسجارته بقوة
وتلذذ غريب……..ثم قال بشرٍ…..
“انتي بعتي لحبيبة التسجيل ووقعتي بيني
وبينها……. وانا بعت لابوكي نفس التسجيل
بس مش عشان اوقع بينك وبينه…لا…. لا…
مش كده انا…..انا بعته عشان يلحق شرفه اللي
اتمرغ في الوحل…….عشان يعرف ان بنته مقرطساه
وماشيه مع اي دكر خلقه ربنا….. واي حاجة شمال
جايه فيها…..”ابتسم بسادية مضيف….
“بتحبي الشمال اوي يامُنى…..عشان انتي شمال و*****…… واحد بنت****…….”
صاحت مُنى بانفعال وهي على وشك البكاء
خوفاً…..
“اخرس يازباله ياحيوان….الله يخربيتك….انت بجد بعتلوا التسجيل…..يانهار اسود……الله يخربيتك…دا
ممكن يموتني……”ضربت على وجنتها برعب وقلبها
يكاد يتوقف من شدة الهلع……..
بينما رد احمد عليها باستهانه…..
“بصراحه حقه….لو مغسلش عاره بايده يبقا راجل مش تمام…….”
صاحت مُنى بخوف وهي تبكي…..
“اخرس يا أحمد….اخرس…حسبي الله ونعم وكيل
فيك…… منك لله…….”
ضحك احمد بقوة انهارت اعصابها رعباً مع
ضحكاته المفعمة بالغضب والشر والازدراء…….
بلعت ريقها وهي تسمعه يقول هازاً بعد ان خفت ضحكاته الانفعالية……….
“والله ضحكتيني افتكرتي ربنا دلوقتي…..عارفه انا لو وسخ زيك مكنتش استكفيت بس باني اعرف ابوكي وسختك دا انا كنت فضحتك في الحته
كلها واجيب العيال اللي ماشيه معاهم وبقرشين
بس هخليهم يحفله عليكي انتي واللي جبوكي………..ويخلوا فضيحتك بجلاجل……. ياشماااال….. ”
صرخت بانفعال ساخرة…..
“مش انا لوحدي اللي شمال…انت كمان وسخ وزباله
والطيور على اشكالها تقع…… ياشيخ أحمد…..”
هدر احمد عبر المكالمة بغضب قاتم…….
“و رحمة ابويا يامُنى لو قربتي مني تاني او
جيتي على سكتي لا هسفلت وش امك ده خالص وفضحك في الحته كلها……….يارب ابوكي يطلع راجل ويقدر عليكي والاهم ينضف وسختك…..”
“انا وسخه يابن الـ………
اغلق الخط في وجهها ولم يسمع باقية الجملة التي بالطبع لن تعجبه الباقي منها…..
اغمض عيناه بتعب واستقلى بظهره على درجات السلم وهو ينظر للسماء وبين اصابعه السجارة التي
قاربت على الانتهاء………
نظر للسماء من فوقه ثم للسجارة ودخانها الداكن المنبعث منه يتراقص مع الهواء العابر…….
لماذا تنزلق اكثر في القاع…..هل اعجبك هذا الدور
هل ترضى عن نفسك……ومتى ستتوقف عن كل هذا
متى……….انت تنتقم من نفسك………متى ستتوقف
والاهم هل لديك رغبة في العودة للحياة دون وجودها………..هل انت ضعيف لتلك الدرجة….
تحب الهروب صحيح….اخبرتك سمر سابقا انك
يوماً ما ستواجه شيءٍ صعب الجوء للهرب
منه..
وحينما وجهت الصعب فضلت الهروب والاختباء
بل والانغماس فيما يذهب العقل ويسكر الالم
ولو للحظات !……..
حينما انتهت السجارة اغلق عيناه وفرد ذراعيه محاول اخذ قسط من الراحة……
فحسابات النفس واهيه !!……
……………………………………………………………
اتكات باصابعها المرتجفة على سحابة حقيبة اليد تحركها ببطىء وارتباك واضح شاعره بتموج غريب
يتخلل جسدها مع خفقات قوية متعبه لصدرها
بينما تهدج انفاسها مستمر من وقت جلوسها
جواره في سيارته……
ستعود معه للفيلا……..ستعود رغماً عن انفها…ستعود
لأجل قطعة منه ومنها تحملها بين احشائها…ستعود
لانها حقه ومابينهما أحقّ بهما معاً………..
اغمضت عينيها ومزالت تحرك السحابة بعصبية واضطراب مصدرة خشخشه مزعجه مع كل مرة
تفتحها وتعيد غلقها…….
هل عليها ان تاخد خطوة وتقرب منه….هل حقاً يجب ان تصلح العلاقة بينهما وتعطي له فرصة…..
هل تسامح دون ان يطلب هو ذلك….جرحها كثيراً ويوم زفاف اخته كان اسواء الأيام عليها واشدها قسوة وقهر داخلها…..هل تغفر اوجاع تلك الليله….هل هي قادرة على لملمت اوجاع تلك الليله والليالي التي أتت بعدها في بعده وتجاهلها……
اثناء قيادة عز الدين للسيارة نظر لها بطرف عيناه
بحنق….واصبح على حافة الانفجار بها…فصوت
الذي تصدره جواره يستفز حواسه…..
مط شفته ومالى للامام مخرج علبة عصير والقاها بحجرها بصمت……..
زمت حنين شفتيها وهي تنظر للعبلة المستقرة في حجرة ثم عادت إليه بصمت..فنظر لها نظرة فاترة
كمعاملته التي تستفزها خلال هذا الأسبوع…..
معاملة مهذبة هادئة……كهدنة اتخذها معها سبيلاً
للقادم من حياتهما معاً !……
عليها ان تكن اكثر صراحه مع نفسها معاملته الهادئه
تستفزها واوقات تود ان تستفزة ليخرج من قوقعة التحضر والتهذيب هذا فهو لا يليق عليه إلا قلة التهذيب وسفالة والتبجح …..
ان عاد لهم ستشعر انه بالف خير…..لكن تلك المعاملة ان استمرت ستحاول البحث عن طبيب يعالج
له خلل عقله !…….
زمت شفتيها وانفها أكثر للإمام بحركة عصبية
فبدت تشبه نقار الخشب بشكلا مضحك……
نظرت اليه مجدداً بهذا الشكل وجدته يتجاهلها
وهو يضع سماعة الهاتف ويجري مكالمة عمل…
اطبقت على اسنانها وهي تفتح علبة العصير
وتغرز بقوة الشاليمو……..
ثم مدت يدها في تلك الكيسة التي احضرها لها واخرجت علبة متوسط الحجم تحتوي على عدت
قطع حلوى متنوعة الشكل والطعم……
بدات باكلها لعلها تجد بعضٍ من السعادة بها او
تبدد تلك المرارة التي تحتل حلقها دوماً من يوم
ان ابتعدت عنه……..
كان مزال عز الدين منشغل بالحديث عبر الهاتف
وعيناه مثبته على الطريق يقود بشكلا انيق
رتيب……….بينما طريقة تحاوره مع المتصل
تعطي له هيبة وجدية جذابة يزداد معها
وسامة اكثر مما يمتلك……..فتقع في حبه
اكثر من المتوقع……..
تشفط اكثر من الشاليمو وهي منشغلة في مراقبته عن كثف واضح وباليد الأخرى تاخذ قطعة
قطعة من الحلوى وتاكلها بنهم واضح………
اثناء مراقبتها وشرودها به كانت معلقة مصاصة العصير بين شفتاها تسحب منها بتمهل ولكنها
مع الشرود به والانغماس مع تفاصيله الرجوليه
المنحوتة بوسامة غير طبيعية لعيناها…. اصدرت
صوته غريب مزعج…. مقرف….. محرج….. مما
جعله يعقد حاجبيه ويدير راسه لها….
فتوسعت عينيها واضطربت انفاسها ولم تفهم معنى نظراته الثاقبة عليها فسحبت من الشاليمو مما جعلها
تصدر صوتٍ أعلى معلن ان العصير انتهى وكفى غباءاً وقرفٍ رجاءاً……
توسعت عيناها اكثر بفزع ونظرت اليه ثم لعلبة العصير…
مما جعله يبتسم من حركتها العفوية الاقرب للغباء الانثوي المقبول ولذيذ بشكلاً يجعلك تود الانقضاض على تلك الشفاه الناعمة على حين غرة كي تتلذذ في
طعم العفوية وعدم الاستيعاب الاقرب للغباء منها
كتلك القبلة التي اخذها منها يوم زفاف شقيقته…
ماجمل التقبيل على سهوة من الحبيب… ما جمل
عدم الإدراك في قبله لا يترجمها العقل ولا يحتضر
لها بينما القلب والمشاعر في لهفة لها قبل حتى ان تلتحم الشفاه ببعضها……..
حينما راته يبتسم شبه ابتسامة بسيطه ارتاح قلبها
بشكلا غريب بل انها بادلته متناسيه الموقف الغبي
المحرج التي وضعت نفسها فيه……
حينما راى عز الدين ابتسامتها الجميلة أدرك انه غبي
لدرجة تثير غضبه من نفسه….. هل ابتسم لها
للتو !! بعد كل ما فعلته….. مزال يبتسم في وجهها……. لو حكى القصة لأحد سيتهمه بالجنون فمن هذا العاقل الذي يقبل بالهدنة مع أمرأه تؤذي مشاعره وتهين رجولته بهذا الشكل…. مهم حاول وقدم لأجل عيونها تقدم هي العكس له وجع
وتنازل عنه…. وخيبة امل فيها وفي حبها الهش
ككل مابها……..وأخيراً الغدر….. غدرت به….
واخفت حقيقة طفله الذي ينمو بداخل احشائها.. ولولا الصدف ما كان علم انه سيكون اب بعد أشهر
ماتلك القسوة اهذ هو الحب ياحنين……
ترك عيناها ونظر لبطنها وبداخله شعور متناقض مع غضبه منها….. بداخله رغبة قوية في ملامست بطنها
يريد ان يشعر بابنه ويشعر هو به…….
حرمت على قلبه لذة الفرحة بخبر حملها… حينما احبها تمنى بداخله ان يحظى بطفل منها هي…. وتخيل كثيراً مقتطفات خياليه كثيرة عن خبر
حملها وانه سيكون اول من يعرف بعد معرفتها
مباشرةً……..
حرمت على قلبه الفرحة…. وكانت قاسية وهي تعترف له عن صورته المشوهة في مخيلتها…
متى رسمت تلك الصورة… وهل هو من ساعد في رسمها على نحو بشع قبيح…….
لو تعلمي ان صورتك داخلي هي الأجمل والأروع شكلا وفي عمق المعاني هي الاكثر دفئاً واقل اماناً
هي اجتياح مشاعر…..واستيلاء وطن……رغم الحب
انتِ مؤذيه حبيبتي….ورغم ذلك لم اشوه صورتك
يوماً……….لكن انتِ فعلتِ ببساطه……و تسببتِ في ايذاء مشاعري بعد رؤية الصورة واضحه
في عيناكِ الشفافتين……..الصريحتين…..الجميلتين
رغم الأذى العميق بهم !………
سحب من بين يدها علبة العصير واعطاها علبة جديده وخز الشاليمو بها وقدمها لها…..بصمت….
قالت حنين بامتناع….
“مش عايزه شكراً…………..”
ثم اشاحت بوجهها للنافذة وبدات باكل قطع الحلوى
واثناء مضغها كانت تترقرق عيناها بدموع رغماً عنها
تختنق من تلك المعاملة…..لو صرخ او تحدث ولو بكلمة واحده كان سيخفف عنها تلك المشاعر الكئيبة
القاتمة التي تخيم على قلبها…….
تشعر بالاختناق من تلك الهدنة….السلام بتلك الطريقة يتعبها فتشعر انها على وشك الانفجار
امامه يوماً…..معترفه ببساطه انها تريده…..
تريده ان يعود ويغرقها في انهار حبه واهتمامه…….
تلك الهدنة الباردة تكرهها كما تكره صمته والفتور الذي يتحلى به……..
سمعت صوتها اخيرا يسالها بهدوء…..
“بتعيطي لي ياحنين……..”
ردت وهي تمسح عيناها هاربه من نظراته
“مش بعيط………”
قال بقلق وهو ينظر لها….
“انتي كويسه…..حسى بتعب نطلع المستشفى طيب………نطمن……”
قالت له بغلظة….
“انا كويسه متقلقش على ابنك……”
لم يترجم كلماته وهو
يقول….
“انا قلقان عليكم انتوا الإتنين……”
نزلت دموعها اكثر ولم تنظر إليه….مما جعله يطبق على اسنانه سائلاً بنفاذ صبر…….
“ممكن افهم انتي بتعيطي ليه…..”
رفعت عينيها المبلله اليه قائلة
ببرود
“انت عارف ومع ذلك بتسال……..”
لم يرف له جفن ولم يتأثر بجوابها الصريح بل
قال بفتور……..
“بس انا مرتاح كدا ياحنين…….ومع الوقت
هتتعودي كده احسن لينا…….”
صاحت بانفعالٍ…..
“لا مش احسن ليا………”
زادت نظراته قساوة وهو يقول بحدة……
“لو اتكلمت هتزعلي ياحنين…..يمكن اخسرك لو قولت اللي عندي………كلامي هيوجعك وانا مش عايز كده…….”
لوت شفتاها ساخرة…… وعقبت…..
“وانت كده مش بتوجعني…..”
رد بفتور…..
“قولتلك كده احسن……”
“فعلاً احسن…….”عادت للنافذة مغتاظة ثم مسكت قطعة من الحلوى ودستها بفمها ومضغتها بعصبية تحت ضروسها بقوة وبشهية مفقودة …..ثم
اخذت واحده أخرى بعصبية فوجدته يسحبها
منها ويضعها بفمه……
رفعت عيناها الدامعه إليه بصدمة….فقال بفتور
يجمد حواسها…….
“كفايه كده عشان تعرفي تتغدي……انا قولتلهم يحضره الغدا على ما نوصل……..خلتهم يعملولك كل الاكل اللي بتحبيه……”
رفعت حاجبها وقالت ساخرة….
“وعرفت منين الاكل اللي بحبها……”
اجاب بنبرة عادية….اصابت قلبها بخيبة
أمل…..
“بسيطه مامتك ساعدتني…………”
نظرت للامام بصمت وهي تفكر بوجوم في
أمها…….
فوالدتها الحمدلله تحسنت عن السابق واستعادت صحتها بعد رعاية الاطباء وعادت لبيتها اليوم وقد جلب عز الدين لها خادمة ترعاها وتلبي طلباتها هي والصغار وستظل في خدمتها طوال الوقت وعند أخذ
اجازة ستاتي من تبدل معها باستثناء الممرضة كذلك المسؤوله عن حالتها الطبيبة والمشرف على عملها افضل الأطباء….وكل هذا بفضل عز الدين…..
لو لم يكن في حياتها البائسه ماذا كان سيحدث
لها ؟!….
مدت يدها في علبة الحلوى وقدمت له قطعة محاولة تلطيف الجو المشحون بينهما وبداية الود معه بعد ان تذكرت ما فعله وما يفعله دوماً معها…. رغم انها لا تقدم له إلا اذى…. وغباء…. وضعف…. وخيبة أمل…..
“خد دي ياعز مني……”
هز راسه بامتناع وهو ينظر امامه بهدوء….. اطبقت على شفتيها وهي تتجرأ مائلة نحوه بكليتها وقربت يدها اكثر من فمه….. بينما نظر لها قائلاً بامتناع…
“قولتلك مش عايـ…….”
توقف عن الكلام بعدما دست قطعة الحلوى بفمه…
نظر لها بدهشة فابتسمت اليه بحب بينما نظراتها
كلها وداعه وللطافة كقطة تدلل على صاحبها كي
يرضى عنها وتكن المفضلة لديه……
(انتِ المفضلة دون منازع…. لكن الرضا انا غير قادر
على الشعور به معكِ…….)
قالتها عيناه وعجز اللسان عن نطقها…… سمعها تقول بهدوء…..
“كانت اخر حته في العلبة………. وانت قولت كفايه عشان الغدى فقولت يعني تاكلها انت……”
اوما بصمت ونظر امامه…..
مدت يدها ومالت مجدداً عليه وهي تمسح بابهامها احد زاويا شفتاه…….
نظر لها عز الدين بدهشة وبدأ تظهر عليه بوادر التاثر بقربها….. وهو يسألها بصوتٍ متحشرج قليلاً….
“بتعملي اي ياحنين……”
مسحت نقطة بسيطه من الشوكلاته كانت معلقة بجانب شفتيه.. ثم رفعت ابهامها وقربتها من فمه
قائلة ببراءة….
“واضح ان نيلتك لم حطيت الدونتس في بؤك مرة واحده…. آسفه……..” ثم امام عيناه الثاقبة مصت بواقي الشوكلاته من على ابهامها وهي تنظر اليه ببراءة تكشف عن خداعها وخبثها من خلال تعابير
ملامحها وعينيها الشفافتين…
اخذ نفساً عميقاً مغتاظاً بينما نظراته مشتعله نحوها ومشاعره مختلطه بفوضى غير قابله للاصلاح…..
قال من بين اسنانه المطبق عليهم
بقوة……
“ارجعي ورا ياحنين وقعدي عدل…….”
سالتة بلؤم….. “ليه يعني……”
نظر لها بقوة قائلاً بانفعال غريب……
“عشان انا عايز كده…… قعدي عدل واياكي
تقربي تاني…….”
“ممم… تمام…. اللي تشوفه…..” ورغم خضوعها إلا انها تشعر بلذة غريبة في امتلاك سلاح فتاك كهذا لرضخه لها……
…………………………………………………………….
اوقف السيارة بعد دخولها الساحة الخضراء…..
ترجلت حنين من السيارة وهو لحق بها كذلك….لكنه توقف قائلاً بهدوء وهو يرفع هاتفه على اذنه……
“اطلعي انتي ياحنين…..غيري هدومك ونزلي عشان تتغدي…….”
سالته وهي عاقدة الحاجبين…
“وانت مش هتتغدى معايا…….”
رد بفتور يتعب قلبها…..
“اكيد هتغدى معاكي……….”
اومات براسها وهي تستدير زافرة بتعب…ماذا عليها
ان تفعل انه عنيد وعند الخصام يتحول للوح ثلج وعقله سبحان الله يكن اصلب من الحجر……..
كيف ستخترق حصونه……وكيف ستمحي هذا الفتور
بينهما………والأهم الى متى سيظل يهرب منها وتهرب منه……الن يجتمعا في مكانا وآحد يوماً؟!…..
دخلت الغرفة واغلقت بابها ثم سريعاً اخرجت ملابسا
من الخزانة وتوجهت للحمام……..
تخلصت من ملابسها ووقفت تحت الماء البارد للحظات طويله……محاولة مع الماء ازالت التعب الأرق والتفكير……والاهم إيجاد حل وسط خرير
الماء المنساب على جسدها……….
رفعت وجهها في مواجهة صنبور الماء اعلاها هبطت المياة بقوة على وجهها كاتمه انفاسها للحظات بينما كان عقلها يعيد مقتطفات من حياتها السابقة وحياتها الان معه كشريط ذكريات يمر امام عيناها المغمضة بسرعة وأحياناً بتريث………
للحظات شعرت بالاختناق فابعدت وجهها عن الماء وهي تاخذ انفاسها المسلوبه منها……بينما دموعها بدات بالهبوط…….
الحقيقة اقرب للحالة الاختناق التي انتابتها للتو….
بدونه هي تختنق وتحتضر الموت !!…….
بعد قليل خرجت من الحمام بعد ان ارتدت فستان بيتي انيق قصير بنصف كم…..خرجت بشعر مبلل
ولم تمرر عليه المجفف بل اكتفت بتجفيف المنشفة
فقط……..بينما وجهها ناضراً رغم شحوبة البسيط
واحمرار عينيها من البكاء… وكل هذا لم يشكل فارقاً
امام عيناه الثاقبة التي تخفي للهفة مشتعلة وحب نحو تلك المرأة التي كانت له بمثابة درسٍ ابسطه
(لا تعطي الأمان لامراءةٍ….. ولا تترك قلبك في يد بائسة……….)
شعرت بالارتباك لوجوده بالغرفة….وكانه كان ينتظرها……بلعت ريقها وهي تقول بهدوء…
“شكلي اتاخرت عليك…….”
نهض من مكانه وقال بهدوء وهو يقترب منها…
“لا متاخرتيش……….تعالي……”مسك يدها برفق
واجلسها على مقعد امام مرآة الزينة…..سالته بأستغراب……
“بتعمل اي ياعز……”
رد باختصارٍ….
“هنشفلك شعرك ده……عشان متبرديش……”
توسعت عيناها بدهشة لتجده يشغل المجفف ويوجهه على شعرها برفق وتريث…..
نظرت له عبر المرآة بغرابة….لماذا يفعل كل هذا
معها ؟!………
وجدته يترك المجفف ويمسك الفرشاة ويمشط شعرها البني الداكن ناعم الخصلات ، راضخ بانسياب
خلف ظهرها…….
قالت بنبرة مرتبكه…..
“مش لازم ياعز….. انا هسرح شعري…….”
نظر لوجهها عبر المرآة بينما يداه تمشط شعرها بحنان…… سالها بهدوء أجش…..
“شكلك تعبانه…….. الحمل تعبك اوي كده……”
افترت شفتاها في ابتسامة ناعمة وهي تخبره
بهدوء……..
“شوية………. اغلب الوقت بيكون تعب نفسي كسل وارهاق….. وزهق وحاجات كتير متشقلبه فوق
بعضها……..”
تخلل باصابعه شعرها الناعم المنساب خلف ظهرها بجمال ثم قال بتفهم وصوتٍ حاني…..
“فاهم……. الدكتور قال كده عشان الحمل …. الهرمونات بتبدأ تتغير فلازم تاثر على جسمك ونفسيتك…….”
اومات بهدوء فوجدته يحرك المقعد الجالسه عليه قليلاً ثم جثى بركبته امامها ووجهه مقابل وجهها
ثم قال امام عيناها بتردد لأول مرة….يسالها
وعيناه توزع النظرات بينها وبين بطنها……..
“هو انتي حسى…….حسى بيه ياحنين…….”
ارتجف قلبها بداخل صدرها وهي تنظر اليه بدهشة وعادت لسعة الدموع تداهم مقلتاه وهي ترمقه ببلاها……ثم ردت بهدوء وعيناها لا تبرح
عيناه العسلية الضارية……
“اكيد حسى بيه………مش ابني حته مني……”
سالها بغباء….. “بيتحرك………”
“هات ايدك……..”مسكت كفه الكبير ووضعته على بطنها ثم اغمضت عيناها بضعف فحقاً أشتقت إليه
لدرجة تهلك صبرها وتبخر خجلها المتبقي معه..
تحسس عز الدين بطنها بتأني حاني من فوق ملابسها وكانتا عيناه تعانق عينيها بقوة وعذاب….بلعت
ريقها وهي تقول بهدوء…..
“هو انا مش هحس بحركته دلوقتي تقريباً بعد
الشهر السابع………..هيبدأ يفرك ويتعبني…….”
اخذت نفساً عميقا ومزال كف يده يعانق سطح بطنها……قالت بهدوء كي تقتل الصمت بينهما
وتخفف شعلة المشاعر التي تحرق اجسادهما……..
“تفتكر هيطلع ولد ولا بنت……… حسى انها بنت….”
رد وعيناه مثبته على وجهها
الجميل…..
“ولد……………. ولد وقوي كمان……..”
تبسمت برقة قائلة بمرح طفيف…..
“زي ابوه…….. تفتكر هيطلع شقي……….”
رد بنبرة خشنة…..
“اكيد هيطلعلي في كل حاجة……إلا حاجة واحده
بس مش عايزه ياخدها مني…. ”
سالته بعينيها الشفافة ….فرد بهدوء يحمل
بين طياته أوجاع…….
“انه ميحبش…..ولو حب ميضعفش قدام اللي
بيحبها……..”
انتشر خطٍ من الحزن بعينيها..
وهي تسأله بشجن….
“وانت امتى ضعفت قدامي ياعز……..”
تاوه بخفوت وهو يقول امام عيناها
بسخرية….
“آه ياحنين قولي امتى مضعفتش قدامك…..انتي الوحيدة اللي كُنتي درس كبير وقاسي اوي
عليا.. ”
نزلت دموعها امام كلماته فلعقت شفتاها
قائلة بحرج….
“انا عارفه اني وجعتك…..بس وجعي انا كمان اكبر…….”
زادت اوجاعه بحديثها فقال بصوتٍ باهت عاحز
باسم الحب……فهو رغم كل شيء مزال يعشقها
بهوس……..
“أكبر !!……انا اللي باعت…….ان اللي بعدت ان اللي هربت طب انا اللي قسيت وخبيت ان في طفل بيربطنا انا اللي ظلمتك وحطيتك في صورة
بعيد اوي عن الحقيقة وعن كل اللي كان بينا….
ازاي قدرتي تعملي كده فيا…….وليا سمحت
لنفسي احب واحده محبتنيش…..”
مسكت كفه الذي كان يضعه على بطنها ثم قالت
بقوة تبث له برهان العشق…..
“اقسم بالله حبيتك ياعز……..والله…والله لسه بحبك……..”
اتى صوته المعاتب برفق محاول ان يتماسك ولا ينفجر في وجهها……..
“عملتي اي عشان يثبت كده….اتمسكتي بيا…..طب
حسيستيني اني فرقلك في مرة……..ولا اي حاجة
ولا عملتي اي حاجة……..حلك العياط البعد…..الظلم
وانك تعلقي غلطاتك على شماعة عز الدين…ماهو وحش بقا وجوز الاربعه…….مهما قال انه عايزك مهما قال انه مستكفي بيكي ومش عايز اي حد غيرك……. مهما قال انه بيحبك……. بيفضل وحش
وكداب وخاين حتى لو عمره ما خانك ولو
بنظرة….. ”
نزلت دموعها وهمست باسمه وهي تتكأ على
يده باعتذار وضعف…..
“عز……”
سحب يده من بين يداها برفق قائلاً بصوتٍ
رخيم بعد رؤية دموعها…….
“انا مش عايز اتكلم ياحنين قولتلك اني
هوجعك…. وهوجع نفسي معاكي…..انا عارف نفسي
اللي جوايا لو طلع هيبقا صعب عليكي وعليا….عشان
انا معنديش استعداد تاني اوجعك ولا اوجع نفسي
اني وجعتك بكلامي…….بلاش نتكلم…….”
صاحت فجأه بانفعال…. “لازم نتكلم…….”
تحلى بالصبر باعجوبة وهو يرد عليها….
“مش لازم لان مفيش منه فايدة صدقيني
ياحنين مفيش فايدة……….”نهض بهدوء قائلا برفق….
“يلا عشان تاكلي……هستناكي تحت على السفرة…”
قالت بتبرم كطفلة عنيدة….
“مش عايزة أطفح……”
احتدت نظراته نحوها ولكنه حافظ على هدوءه
قائلاً…….
“هتاكلي مش عشانك…عشان اللي في بطنك….”
نهضت هي أيضاً وامامه عقدت ساعديها قائلة
وهي تهتز بانفعال…..
“ويترى بتتعامل معايا بالهدوء والاحترام ده عشان
برضو اللي في بطني…….”
الان بدا ينفجر رويداً رويداً مع افعالها الحمقاء
فقال بحزم……
“ايوا………..واحمدي ربنا انه منعني عنك……..”
عضت حنين على شفتيها وهي تقول
بتهكم….
“ولو مكنش موجود كنت هتعمل إيه يعني…..”
وصل معها لحافة الغضب فاجابها
بقسوة…
“على نظامك ده…… اكيد مكناش هنرجع أبداً……”
استدار بشموخ قائلاً…..
“هستناكي تحت………متتاخريش…….”
نظرت لاثره بدهشة……..وهي تحاول استيعاب ما
قيل للتو……..
………………………………………………………………
هبطت على السلالم بوجها شاحب حزين وعيونها
حمراء باهته النظرات……..
دلفت لغرفة الطعام ورفعت عيناها عليه فوجدته
بانتظارها……
عادت بعيناها للطعام المرصوص امامه يغطي جزءاً بسيط من سطح الطاولة الكبيرة والممتدة
بشكلا مبالغ فيه ككل شيءٍ فخم كبير بتلك
الفيلا……
خطت نحوه وامام نظراته الثاقبة وعند وقوفها امامه
وجدها تبتسم له ببرود ثم تخلصت من الحذاء امام عيناه الجامدة وخطت بقدمها على المقعد ومنه لسطح الطاولة وجلست ناحية الجزء الفارغ ولان
الثوب التي كانت ترتديه قصير جلست بجانبها على حافة الطاولة تأرجح ساقيها المكشوفة باغراء…..
نظر عز الدين لساقيها ثم لعيناها بتسأل..فقالت ببساطه وهي تبدأ في الأكل……
“انا عايزه اكل كده….في مشكله……”
نظر لساقاها العارية….. ثم لقربها المهلك
وقال بانزعاج……
“ايوا عندي مشكله………….. مينفعش……”
مدت المعلقة في الحساء واخذت رشفة بصوتٍ عالٍ مقصود…..ثم حركت حاجبيها ببراءة……
“لي بقا مينفعش…..افهم……”
جز على اسنانه وهو يجدها تشرب الحساء مرة أخرى بصوتٍ عالٍ مقرف……..صاح بجزع وهو يفتح اول ازرار القميص باختناق…..
“ممكن تشربي الشربة عدل…….”
زمت شفتيها بمكر انثوي…..
“الله وانا بشربها ازاي يعني ياعز……”
مالت امامه بالقرب منه لتاخذ قطعة من اللحم بيدها
مما جعل مفاتنها تبرز ثم تتحرك بتراقص مع حركاتها العفوية…….غمغم بنفاذ صبر وهو ينظر لسقف الغرفة….
“يا صبر أيوب……..”
رفعت حاجبها باستفهام وهي تاكل
بميوعة…
“بتقول اي ياعز…….”
خرج عن المألوف قائلا بانفعال…..
“أنزلي ياحنين قعدي على الكرسي…..عشان اعرف اطفح…….”
قالت بعناد وتحدي……
“الله هو انا قعده على قلبك…ما تاكل براحتك….”
نظر لها بتهكم ثم قال ببرود……
“إزاي وانتي قعده كده… انزلي بامؤدبة وكفايه كده
حركاتك كلها مهروشه…….”
شهقت حنين بصدمة فهي لم تتوقع أبداً الرد
الصريح منه…… نعم هو بجح وصريح لكن ليس
بتلك الصورة….انهُ اصابها في مقتلها وتموت الآن
بداخلها حرجاً …. لكن لوهله حاولت التماسك
قائلة بلؤم……
“حركات اي مش فاهمه…. واحده قعده بتاكل اي
المشكله عندك……”
“المشكله هنا……” مد يده عند مفاتنها في لحظه خاطفة ثم ابعد يده ببساطه بعد ان اشار عليهم
بلمسه بسيطه……
شهقت حنين بقوة وهي تصيح بخجل….وقد انتصر عليها الوقح في لحظة وبحركة سافلة منه تبخرت
شجاعتها الزائفة والاغراء الميؤوس منه….
“انت ازاي تمد ايدك كده ها……. انت قليل الادب…”
لملمت الفستان من عند الصدر بغيظ فالتوت
شفتي عز الدين وقال بتعجب……
“قليل الأدب !!…. انتي ناسيه اني جوزك…..”
قالت بقنوط وهي تحاول التحكم في بلبلة
مشاعرها بعد لمساته……
“ايوا جوزي بس ده يديك الحق تعمل كده….”
رد عز الدين بخشونة صريحه….
“واعمل اكتر من كده طالما بتستفزني……. الموضوع
ده مش هيحل حاجة متحوليش…….”
نزلت من عن الطاولة ووقفت على الارض وهي
توليه ظهرها قائلة بحنق وهي تشعر بالمهانة
معه…..
“مش شايف انك بتذلني بكلامك….. وكاني انا اللي غصباك على العيشه معايا……”
نهض هو الاخر لكنه حافظ على مسافة بينهما ومن خلف ظهرها قال ببساطة رغم حرارة المعاني
بها…..
“بالعكس انا اللي غصبك…. وعملت اللي في
بطنك حجه عشان ترجعليلي……”
استدارت حنين سريعاً ناظره اليه بصدمة…فما كان من عز الدين الا التقدم خطوتين منها وقال بنبرة حانيه تحمل بين طياتها اوجاع…….
“بتبصيلي كدا ليه… مش عيب اني اقول اني بحبك ولسه بحبك……. وبرضو دا مش هيمنع انك غلطي جامد في حقي……… واللي بتفكري فيه مش هيصلح
حاجة بينا….. انا عايز اكتر من كده…….”
نظرت له بتوجس متسائلة….
“عايز إيه…..”
رد بنبرة حانيه لكنها قوية في الاثر……
“عايزك تصدقي اني بحبك…… عايزك تحبيني بجد مش كلام…… عايزك تتمسكي بيا…. عايز اكون كل
حياتك……واهم حاجة عندك……..اكون انا
كل حاجه واهم حاجة في يومك…..”
سالته بوجوم….. “وانا بقا عندك كده……”
رد عز الدين بنبرة عاطفيه رغما
عنه….
“انتي عندي اكتر من كده…….انتي عيوني……”
عند صمتها واهتزاز حدقتيها بخجل اشار
بهدوء الى سفرة الطعام قائلاً……
“كملي اكلك……”
هزت راسها بامتناع……
“مش عايزه شبعت……..”
“انتي مكلتيش حاجة تعالي……”مسك يدها نحو الطاولة فقالت بانزعاج….
“قولتلك شبعت…مش عايزة هو بالعافية……..”
اجلسها بالجبار على المقعد ورد وهو يشاركها الجلسة……
“آآه بالعافية……”
اشار على الطعام بصرامة….
“كُلي عشان اللي في بطنك……..”
هزت راسها بعناد قائلة بتحدي….
“لا………مش هاكل وريني هتغصبني إزاي……”
“وان قولتلك عشان خاطري……”قالها بصوتٍ حاني وهو يمد معلقة الارز لفمها فنظرت له بتردد فقال
بنفس الهدوء وكانه يراضي طفله…..
“افتحي شفايفك الحلوين دول واسمعي كلامي…. ”
مطت شفتيها وبصعوبة وبعد دقيقة تصميم عنيد منها واصرار قوي منه رضخت اليه كالعادة و فتحت فمها بتبرم…..غمغم بجزع وهو يقطع بشوكة وسكين
قطعة لحم لها……
“ربنا يهديكي…….”
عقبت بتعجب منه….
“يهديني !!……..ليه ملبوسه انا…….”
مد قطعة بشوكة نحو فمها وهو يقول
بوجوم…..
“ياريت……..اهو هيكون ليكي عذرك…….”
اكلت ما في الشوكة من يده وهي ترد عليه
بغيظ……
“انت مستفز………واعصابك تلاجه…. ”
قطع مره اخرى بشوكة وسكينه لها وقال
ببرود……
“طبيعي اللي يعرفك لازم يحط مراوح على
قلبه…….”
عضت على شفتها وهي تسحب الشوكة من بين
يده وتدس قطعة اللحم بفمها بقوة ثم تقول
هاكمه…..
“انا بعرف اكل لوحدي مش نغه انا……”
مط شفتيه قائلاً بسخرية……
“لسه فاكره……دا انا كنت لسه هلفت نظرك اني
مليش في رومانسيه الهابطه دي…….”
شعرت انها تلقت لكمة قويه في معدتها
بعد حديثه فرفعت حاجبها قائلة
بغضب….
“يسلام امال ليك في اي بقا……”
مرتا عيناه على جسدها في لحظه خاطفة ثم قال بسفالة………
“انتي عارفه مفيش أجمل ولا اصدق من الأفعال خصوصاً بين راجل ومراته…. إزاي يقدر يقولها
كل حاجة من غير ما يتكلم……..”
حاولت العب على اعصابه قليلاً فقالت بمراوغه
وهي ترفع حاجبها كعلامه هازئة من حديثه الغير موثوق فيه……..
“وهتقدر فعلاً تقول كل حاجه من غير ما تكلم…….”
“قولتلك متستفزنيش……..” شدها من ذراعها بقوة
وفي لحظة وقبل ان تترجم جملته وجدته يهجم
على شفتيها بقوة يبث بها شوقه وحرمانه منها لأشهر……وقد انفجرت المشاعر المكبوته في
لحظة على شفتيها اللينه ملمساً…. والمسكرة
مذاقاً….
غرقت حنين معه مستسلمة لتلك القبلة العميقة القوية المليئة بالمشاعر الصاخبة رغم عمقها الناعم
تخللت باصابعها شعره البني بخصلاته الشقراء
الناعمه تجذب راسه اكثر اليها بضعف واشتهاء
له…..
اغمضت عينيها وهي تئن بعذاب….فكلما تعمقت القبلات زاد عمق الاحساس جمالاً وشفتيه…آآه من دفئها وتسلطها انها دوماً تفرض ملكيتها الحصرية بقوة عليها…….
تركها عز الدين بصعوبة وهو يأخذ انفاسه
بتحشرج وينظر اليها بقوة ثم قال دون
مقدمات……
“اعملي حسابك……اخر الاسبوع ده في حفلة كبيرة هتتعمل هنا في الفيلا…..اغلب الناس الموجوده قريبي وصحابي……….ووجودك مهم الحفلة معموله على شرفك….. ”
سالته بارتباك…… “حفلة !!…….. ليه……”
رد بهدوء وعيناه تنظر لشفتيها المنتفخة الحمراء
اثر هجومه عليها…..
“هعرفك عليهم اكتر…….مش دا اللي انتي عيزاه…”
هزت راسها بامتناع وهي تخفي خجلها
بعد نظراته المتفحصه بقوة لشفتيها…
“لا انا مقولتش كده……ومطلبتش حاجة زي دي…”
قال عز الدين بنبرة خشنة موثقة….فهو بات
يعرفها اكثر من نفسها…..وهذا العمق الذي لم
يختبره مع أمرأه غيرها…….
“من غير ما تطلبي…….عينك قالت كل حاجة…..”
اطرقت براسها بحرج…….فوجدته يمسك ذقنها
ويرفع وجهها اليه قائلاً بهدوء موضحاً…….
“محتاج اطمنك واطمن نفسي…..اني مش ناوي ابعد
ولا هسمحلك تبعدي طول مافي طفل بينا…..”
اهتزّت حاجبيها بصدمة وسألت سريعاً
بما يجيش بصدرها الآن بعد حديثه…..
“بس عشان اللي في بطني هتعمل كده…..”
بعد جملتها اغمض عيناه بقوة و زفر بتعب
يئن بيأس قائلاً…
“آآه ياحنين…..مفيش فايدة فيكي…….”فتح
عيناه ثم قال بهدوء…….
“كملي اكلك……..انا هطلع اعمل مكالمة شغل مهمه وجاي………..”ثم نهض مبتعداً عنها وهو ينوي التدخين في غرفة مكتبه لعل الدخان يريح
اعصابه او يحرقها !!….
………………………………………………………………
فتحت زينب الباب وعقدت حاجبيها سريعاً بدهشة عند رؤية سمر امامها في هذا الصباح الباكر….
قالت تلقائياً بفزع…….
“مالك ياسمر…… انتي اتخنقتي مع جوزك ولا إيه….”
هزت راسها وهي تتخطى امها داخله الشقة… ثم اغلقت الباب بيدها قائلة…..
“لا يازوزو…. مفيش حاجة انا جايه قعد معاكي
شويه وفطر معاكي…..اصل ابراهيم نزل الشغل بدري…. ” ثم بحثت عيناها في أرجاء الصالة سائلة
بهدوء……
“هو فين أحمد……..”
اجابت زينب بفتور…….
“في الحمام….. بيستحمى وخارج……..” ثم اتجهت الى المطبخ قائلة……
“قعدي طيب على ما حضر الفطار عشان تفطره انتوا الاتنين سوا………”
حينما اختفت والدتها في المطبخ امام عيناها الغاضبة عادت لباب الحمام في لمحة خاطفة لتسمع
خرير الماء العالي………
عضت على شفتيها وهي تدلف للغرفة بحرص وقلق كالسارقين……..
عند دخولها اغلقت الباب سريعاً بهدوء ثم وضعت
يدها على صدرها وهي تلتقط انفاسها بصعوبة
وسريعا ودن الانتظار أكثر….. بدات بتفتيش
في ارجا الغرفة كالمخبرون……
اسفل الوسادة اسفل السرير…. في الخزانة في ملابسه المعلقة……..عند المنضدة الموضوع عليها
الحاسوب وكافة اشياءه…. في الإدراج……عند التسريحه وادراجها……….
توسعت عيناها وهي تجد قطعه صغيرة مغلفة في حجم عقلة الإصبع…….وقع قلبها وهي تمزق الغلاف
بعصبية ثم ترى قطع اشبه ببلح العجوه…..
انها اعشاب ذات لون رمادي مخضر…..لكن الرائحة
ابعد من ما يكون عن اعشاب طبيعية……عبقها
غريب مسكر يخدر الحواس لبرهة………..
بلعت ريقها وهي تنزل القطعه عن انفها بوجع لترمقها بخزي للحظات وقد عجز عقلها عن التصرف…. ولم تلاحظ الباب الذي فتح خلفها وطل منه احمد بملابسه الداخلية البيضاء وكان يجفف شعره بالمنشفة وحينما انتبه لها جاثيه على ركبتها امام احد ادرج منضدة الزينة حتى سالها بارتباك
طفيف…..
“بتعملي اي عندك ياسمر……..”

“بتعملي اي عندك ياسمر……..”
نزلت دموعها ومزالت متخشبه مكانها بانحناء… كجبل خار من كثرة الأثقال……. لأول مرة تشعر بضعف…….. ضعف انها غير قادرة على المواجهة
الانتكاسه التي تشعر بها اصعب مما ظنت…. لطالما
كان احمد بمثابة الابن لها اكثر من أخ……. لطالما
كانت ترى فيه سندها رغم تخليه عنها دوماً…..
حتى المعافرة في الحياة كانت لأجله… لأجل
ان تراه في احسن مكان بشهادة لم تحصل عليها
وعمل لم تطمع به……. كانت تود رؤيته بمكانه
أعلى تستحق عناء السنوات……..لعل ياتي اليوم
التي تقف فيه امام المرآه وتخبر نفسها ان
التعب لم يضيع هباءاً وان الله عوضنا خيراً….
مسحت دموعها بظهر يدها ونهضت بتكاسل وصعوبة وهي تقف امامه بمواجهة لابد منها…..مهم كانت مرارة المشاعر وحسرة الموقف التي لم تتوقعه
يوماً ولا حتى في اسواء الكوابيس…
رفعت يدها بقطعة المخدرات في مواجهة لعيناه
وسألت بنبرة قوية غاضبة….
“اي دا يا احمد……”
نظر للقطعه ثم عاد لعيناها بهدوء ولم يجيب… فصرخت وهي تتقدم منه وتمسك ذراعه بقوة…
“ساكت ليه انطق…. اي ده…… اي ده……انت بتشرب
بتشرب….. ”
صرخ بتبجح وهو يسحب ذراعه بقوة من بين
يدها…
” آآه بشرب……. انتي مالك…… ملكيش دعوة بيا… اعمل اللي عايزة هاخد اوامر منك انا ولا إيه….
خليكي في بيتك مع جوزك وسبيني في حالي… ”
هبط كفها بقوة على صدغه وصوت الصفعه عمل ضجه قويه بالغرفة مما جعل والدتها تصرخ داخله إليهما………..
وضع احمد يده على وجنته وهو ينظر لها بصدمة وقد برقت عيناه واحمرت بانفعال وهو يرمقها
بغضب وخذلان….
لكزته سمر في صدره هادره بغضب امام عينا امها…
“بعد كل اللي عملته عشانك تطلع وسخ بشكل ده
شقى وتعب ومرمطت سنين عشان خاطر تتعلم زي البنادمين وتدخل الجامعه…….وتتخرج وتبقا انسان محترم……محملتكش فوق طاقتك لا انا ولا امك…
دلعناك وكل طلباتك كانت مجابه…….كل ده بس
عشان تطلع احسن مننا وترفع راسنا قدام الناس
كلها…….”نزلت دموعها وهي تقول بصوتٍ
باكي مقهور…….
“بس انت عملت إيه ولا حاجة…….طلعت
عيل ومش مقدر النعم اللي في إيدك……..
عجباك الصياعه صح…..عايز تشرب حشيش
وقريب اوي هتضرب بودره….وقريب اوي هلقيك مقتول على ايد واحد من الصيع اللي ماشي
معاهم……”
ضربت زينب على صدرها وهي تنظر اليه بزعر صارخه في ابنها بصدمة….
“انت بتشرب يا احمد….بتشرب يا احمد….ياخبتك
يازينب…..ياحظك الاسود يازينب…الواد اللي طلعتي بيه من الدنيا هيضيع نفسه يازينب……”
صرخ احمد في اخته وهو يتجه للخزانة
ليرتدي ملابسه بعجلة…..
“عجبك كده………..ارتاحتي……”
“مين اللي ارتاح انا ولا انت……”اتجهت اليه حينما راته انتهى من ارتداء ملابسه وعلى وشك الخروج
مسكته من ياقة قميصه صارخة بقوة….
“اقسم بالله لو ما رجعت عن القرف اللي بتشربه ده لـ….”
قاطعها احمد بنزق وهو يبعد يداها عنه بقوة ….
“هتعملي اي يعني…..قولتلك اني مبقتش صغير…ولي
عايزه هعمله وانتي ملكيش دعوة باي حاجة تخصني……..”
توسعت عيناها هادره
بتشنج….
“دلوقتي مبقاش ليا دعوة……”
رد بعصبية وهو ينظر اليها باستهانه….
“ايوا…… واي فلوس صرفتيها عليا انا هرجعهالك عشان نخلص من الاسطوانه بتاعتك دي……..”
اشارت على نفسها بدهشة وهي تشعر بصدأ الكلمات
في حلقها سائلة…..
“اسطونه……..بتقولي انا الكلام دا يا احمد……”
لوح بيده بتشنج هادراً بتهور…..
“آآه بقولهولك ياسمر…….ارحميني وسبيني في حالي……..انتي مش ولي امري…..انا حر اعمل اللي
انا عايزة………”
ابتسمت سمر ساخرة بينما عينيها كانت ترمقه
بازدراء…….وحسرة…..
زفر بغضب عند تلك النظرة فاستدار
خارجاً من الغرفة…….
“انا ماشي………ومش راجع هنا تاني……”
مسكت زينب معصمه بقوة وهي تهدر
بغضب…..
“ماشي رايح فين…..اترزع مكانك مفيش خروج
من البيت بعد كده……لحد ما يتصلح حالك…
وترجع لعقلك….. ”
صرخ أحمد في وجه امه بانفعال قائلاً…..
“ماحط طرحه على راسي وقعد جمبك احسن…. سبيني……” سحب يده بقوة من يد امه وابتعد
صاحت سمر من خلفه بقرف وخزي لأجل تعلق الأماني على شاب مستهتر مثله لا يصلح لشيءٍ
غير الهروب……….
“إياك ترجع هنا تاني……خليك برا….اللي زيك مكانه في شارع………امك وخالك والبيت ده نعمه واللي زيك ميستحقهاش…….”
اغمض أحمد عيناه وجز على اسنانه وهو يفتح الباب بقوة ثم صفقه خلفه بقوة انتفض على أثرها قلب
سمر بوجع اكبر بعد رحيله……..
………………………………………………………………
وصل لأحد مباني الحي القديم الذي كان يقطن به سابقاً……….وقف عند احد المباني المتهالكه ورفع
راسه للاعلى ثم سحب نفساً من سجارته وهو يصعد للأعلى حيث سطح تلك البناية…..
وقف امام غرفة صغيرة سقفها من خشب……طرق على الباب وهو يلقي سجارته أرضا ويدهسها بحذاءه
فتح الباب في تلك الاوقات فطل منه (ماندو….)
نظر له ماندو بغرابة فقال احمد دون مقدمات…
“اتخنقت معاهم في البيت ومش لاقي حته ابات فيها…….ادخل ولا… ”
“اي ياعم المسلسل الهندي ده….ماتدخل ياسطا البيت بيتك……..”سحبه ماندو من ذراعه مضيفاً بترحيب
“ادخل يابو الصحاب نورت بيت أخوك……”
سعل احمد حينما اشتم رائحة الغرفة المكتومه الممزوجه مع رائحة الخمر والمخدرات المتنوعه…
“اي ياعم ده…. انت ما بتهويش امها خالص…..”
ضحك ماندو والذي كان يرتدي سروال بيتي قصير
وعليه فانلة داخليه سوداء……..اما عن ملامحه فكان
شاب في اواخر العشرينات فوضوي الشعر وسيم الملامح لكن اثار الشرب والمخدرات جعلت تلك الوسامة تحصل على جزء اخر ينفر منه البعض
كان نحيف الجسد يعلق في عنقه سلاسل فضية باشكل غريبة وخواتم اغرب في اصابع معينه في
يداه……
قال ماندو بوقاحه وهو يلملم ملابسه من على الاريكة الصغيرة……
“اصل اخوك كان معاه فرسه انما إيه…..”قبل اصابعه قائلاً……
“لووووز متقشر وحياتك…….”
القى أحمد جسده على الاريكة قائلاً
بخبث…..
“يعني اتشقيت ياصاحبي…….”
نظر له ماندو قائلاً بقنوط…..
“احلى شقاوة……..قولتلك تعالى انت اللي وش فقر…….”
هز احمد راسه بفتور…..
“لا انا مليش في الكلام ده الحمدلله……”
ابتسم الآخر ساخر وقال…
“ياسطا طول مانت معايا هتجرب كل حاجة….”
قال أحمد ببرود رغم صرامة كلماته….
“اطلع من دماغي ياماندو……انا اعمل اللي انا عايزة مش اللي انت عايزة……”
رد ماندو بطريقة سوقية……
“ياصاحبي بشوقك….انا كان قصدي ابسطك وطلعك من اللي انت فيه…عمتا…… منين ما تعوز انا حريمي كتير……”
حك احمد في راسه قائلاً بقرف…..
“والله مانت راجع غير لما تقع على جدور رقبتك…”
رد ماندو ببساطة ممزوجه بفخر غريب….
“ياسطا هنفضل ابطالها لحد ما نبطلها……خلصانه..”
نظر أحمد للاعلى قائلاً بوجوم….
“خلصانه فعلاً……”
نظر له ماندو لبرهة ثم اقترح بهدوء…..
“اعملك شاي ولا فطار…..ولا تاخد الاصطباحه….”
مد يده في الطبق جواره واعطاه سجار
محشو…… اخذها منه أحمد قائلاً بنزق…
“دي كفايه اوي…….”
راقبه ماندو وهو يشعل السجارة ويسحب نفساً عميقا
منها ثم اخرجه ببطئ وهو يرجع راسه للخلف بغضب
وضياع…….
ساله ماندو باستغراب وهو ينظر لحالة المقلوب
بارتياب….
“ما تقولي اي اللي شقلب حالك كده….يعني انت طالب في كليه هندسه وكلها اربع سنين وتتخرج وتبقا مهندس قد الدنيا……اي اللي يرميك على صحبتي……..غير لو كنت عايز تضيع زيي…”
ساله احمد وعيناه معلقة على السقف
باستخفاف……
“وانت بقا ضعت إزاي……”
لوح ماندو بالقداحه قبل ان يتكأ عليها ويشعل
هو الاخر سجارةٍ محشوه وينفث بها
بحنق…….
“ياعم ما تمسكش في الكلمة انا طول عمري ضايع…
انا بس صعبان عليا اللي بتعمله في نفسك….انا مستجدعك يابو الصحاب ومفيش حد عاقل
يدوس على النعمة برجليه……”
ساله ببرود…… “مش فاهم……”
قال ماندو بجدية وهو يخرج دخان
سجارته…..
“يعني عندك ام وخال واخت…..عندك حياتك ومستقبلك اللي بينك وبينهم كام خطوة……اي
بقا اللي يخليك يازميلي تضيع كل ده اوعي يكون اللي بالي بالك…..”
ساله مجدداً ببرود….. “اللي هو…..”
رد ماندو هازئاً…….
“الحب يازميلي انا عارفه انيل من المخدرات في الجسم……..”
نظر احمد اليه وساله
بفضول……
“انت عمرك حبيت ياماندو……..”
اشار ماندو على قلبه بوله…..
“حبيت مين بس………دي كانت العشق…..”
ابتسم احمد بتشكيك قائلاً…..
“وراح فين العشق ده…..”
رد الآخر بقنوط…..
“اتجوزت يابو الصحاب وخلفت تلات عيال ورابع جاي في سكه…….”
انفجر احمد ضاحكا وقد بدأ مفعول الاعشاب في الجسد حيث الاسترخاء والانتشاء…….
“متاكد انها العشق…….”
“وربي دي العشق الغالي كمان….دا انا داقق اسمها على دراعي…..”اشار ماندو على ذراعه ليرى أحمد اسم(رانيا….)مكتوب على ذراعه بوشم اخصر……..
تمتم احمد ساخراً وهو ينظر اليه بتشكيك….
“واضح بامارة ليلة امبارح……يعني مش شايفك
متاثر عايش حياتك ودنيا حلوة……”
اخرج الاخر دخان سجارته قائلاً باستهتار…
“ونكد على نفسي لي ياصاحبي ماهي اتجوزت وهتجيب العيل الرابع………واحنا برضو مع
بعضينا يعني…… ”
مط احمد شفتيه بتقزز…معقباً….
“الله يقرفك معاها وهي متجوزه…….”
ضحك الاخر مشير الى قلبه
ببساطه….
“ماقولتلك العشق الغالي……. الله…….”
رفع أحمد مجددا عيناه للسقف وهو يسند
راسه على ظهر الاريكة…….قائلاً بقرف…
“الله ياخدك…….انا اي اللي خلاني اصاحبك ياجدع…….”
مط ماندو شفتاه قائلاً ببساطه…..
“ياعمي بكرة تفوق وتدينا ضهرك زي اللي قبلك…”
اخرج احمد تنهيدة عميقة طويلة وهو يقول
بعدها بلوعة……..
“انا بحبها اوي ياماندو……..هموت وسمع صوتها….”
حاول ماندو مساعدته فاقترح بهدوء……..
“طب ما ترن عليها او ابعتلها رسالة حلوة….فجر مشاعرك كلها في الرسالة هتلاقيها بترن عليك
وتقولك انا اسفه ياحمادة…….”
لوى احمد شفتاه في ابتسامة ساخرة
وعقب…….
“انت هتجيب اللي بحبها لرانيا بتعتك……”
ساله ماندو بفضول…. “هي اسمها إيه……”
انزل احمد راسه وهو ينظر اليه ببرود
مجيباً بازدراء……
“هطلعلها شهادة…….مالك انت ومال اسمها…..”
“خلاص ياعم الحمش دا سؤال عادي…..المهم انت سبت البيت ليه……”
رمقه احمد بقوة وتحذير…ضحك ماندو وهو
ينهض بعدما سمع صوت الباب يطرق……
“خلاص ياعم الغامض مش عايز اعرف حاجة عنك……. ”
اتجه ماندو للباب ثم فتحه ليجد من يدفعه
ويدلف للداخل بغضب……
“مين عندك جوا يا ماندو…….”
صاح ماندو بحنق وهو يلحق بها….
“نرجس…………في اي يانرجس……اي دخلت المخبرين دي…… ”
عقد احمد حاجبيه وهو يرمق تلك المرآة الواقفه امامه بعباءه سوداء شعبية باحته مفتوحه من المنتصف تظهر ثوب قصير ملتصق بجسدها….كانت أمرأه في اواخر الثلاثينات تقريباً بشعر اشقر
مصبوغ وتضع وشاح على راسها بعشوائية اما عن وجهها فهو في حالة هرج من كثرة الاصباغ المضافه فيه بمبالغة……
حينما ابصرت نرجس هذا الشاب الوسيم الجالس على الاريكة ينفث في السجارة بتاني وهدوء وعيناه ترمقها بغرابة وتسأل….. كان جذاب وعنفوان شبابه واضح….. وعيناه آآه منها كان بها من العبث دفء يرضي اي أمرأه…… تبسمت شفتاها قائلة
بميوعه…..
“الله هو انت عندك حد هنا ياماندو مش تقول….”
عقب ماندو بدهشة وهو يوزع النظرات عليهما
بمزاح ساخر…….
“صلاة النبي احسن….انت جاي تقطع علينا ولا اي يابو الصحاب……”
ضحك احمد بخبث وهو ينظر للمرأة مشيرا
بعيناه بمزاح…….
“مين الحلوة………..رانيا…..”
سالته نرجس متخصرة بغيرة….
“مين رانيا دي ياماندو…..”
رد أحمد ضاحكا بسخرية…..
“دي العشق الغالي……”
ضحك ماندو وهو يجلس جواره على الاريكة
قائلاً…
“ياعم مش كده ياعم…….هتبوظ علاقتي بالبت بتاعتي……..”
وضعت نرجس يدها في خصرها قائلة بقرف….
“على اساس اني معرفش اللي بتعمله من ورايا…..
دا انت مسبتش واحده غير لما…..”
اوقفها ماندو سريعاً وهو يقول بمداعبه…..
“ماخلاص ينرجس قلبك ابيض….برجعلك في الاخر
برضو ولا إيه……..كلهم فيك الا انتي كاب كيك
ياغاليه…”
لوت شفتيها ساخرة….فضحك أحمد….ليجد ماندو يغمز لها قائلاً وهو يشير بعيناه على الجزء
المتبقي من الاريكة……
“ياواخد قلبي مش هتيجي تقعد جمبي……”
ابتسمت نرجس وهي تنظر لاحمد باعجاب….
“انا ممكن اجي قعد جمب صاحبك….لكن انت لا….”
امتنع احمد قائلاً ببؤسٍ واضح……
“لا ونبي صاحبه قرفان من الحريم وبطل الصنف
من زمان…….”
جلست نرجس جواره مما جعل ماندو ينهض جالسا على الأرض وهو يلف سجارة أخرى بتاني ومزاجٍ
عالي………
“ومين بنت المؤذيه اللي عملت في القمر ده كده…”
نظر لها احمد قائلا بصرامه….
“عندك بقا……متهلفطيش بكلام….عشان مزعلكيش…”
مسكت نرجس ذقنه بجرأه قائلة
بخبث وعيناه تسير على ملامحه الوسيمة
بحرية لا تخلو من الإعجاب….
“واضح انك شرس………مع انك صغنون……”
ابعد يدها عنه قائلا بنزق…..
“ايدك بقا ياطنط……..لحسان اعضك……”
ضحكت نرجس بميوعه قائلة….
“ونبي عسل دي تبقا هبله اللي تفكر تسيب واحد عسل وروش كده زيك…….”
عقب احمد هازئاً……
“انا حاسس اني بتشقط…..”ثم نظر لماندو
قائلاً بقرف…..
“اي ياسطا الموزه دي مش تبعك……”
اغلق ماندو السجارة بالسانه قائلا بوقاحه….
“ياعم خد راحتك……..عادي……دا احنا صحاب… ”
وجد نرجس تقترب منه اكثر في جلستها فضحك أحمد وهو يقول……..
“لا حول ولاقوة الابالله…..بصي انا مش بتاع كده خالص…….”
ابتسمت نرجس
متسائلة…..
“امال انت بتاع إيه ياحليوه…….”
ضحك أحمد بقوة من اثر الانتشاء والاسترخاء الذي يشعر به بعد ان انهى سجارته…..اجابها باستهزاء..
“انا كان اخري مكالمة تلفون……ويوم ما مشيت
عوج خسرت كل حاجة……تصوري بتعاقب عشان
كلمتين قولتهم في ساعة شيطان….”
ضحكت نرجس وهي تقول بوقاحة…..
“يالهووي…..كلمتين في ساعة شيطان….دا انا الشيطان ذات نفسه قعد تحت السرير عندي…..”
عقد احمد حاجبه متسائلا
ببراءة……
“ودا بيعمل اي تحت سريرك……”
ضحك ماندو وهو يشعل سجارته ثم
اجابه بلؤم…
“يازميلي دا بيسجل الاهداف التاريخية…..اصل ما حسوبتك بتشجع المنتخب……”اشار بعيناه على
نرجس……..بينما قال احمد بامتعاض بعد ان
فهم المغزى……..
“آآه…….. ربنا يسهلك ياست…..”
داعبت نرجس شعره قائلة
بمكر…..
“وانت بقا بتحب الكورة…….”
ابعد احمد يدها قائلاً ببرود…..
“بكرها….. بكره الكورة…..واي حاجة فيها جوان……”
لوت نرجس شفتيها بامتعاض وملل وهي تنهض مبتعده عنه……
“ملكش في الطيب نصيب….خدني جمبك ياماندو…”
“تعالي ياحب احنا زي بعضينا……”شاركت ماندو الجلسة أرضاً بينما غمز ماندو لصديقه….
قائلاً بامتنان………
“تشكر يابو الصحاب….كنت عارف ان عينك مليانه……”
ثم نظر ماندو لنرجس متسائلاً بخفوت…
“انتي جوزك هيرجع امتى من الشغل…….”
ركله احمد في ظهره وهو يصيح
بزهول……
“الله ينعل ابو شكلك…..”
تحسس ماندو ظهره ثم سال أحمد
بصدمة……. “آآه…… اي ياعم……”
مط احمد شفتيه بامتعاض قائلاً…..
“اي ياعم…….دا انت مُقرف يالا………”
همست نرجس متسائلة…..
“هو بيهزقني ولا اي ياماندو…..”
رد عليها ماندو بهمس…….
“سيبك منه……….الواد ده نضيف بزيادة…..”
سمع احمد يطلب منه بفتور…..
“بقولك ياماندو انا عايز ادق على دراعي…..”
ضحك ماندو بلؤم قائلاً…..
“أخيراً هنعرف اسمها…..”
تأتا بشفتيه بملل قائلاً……
“ريح نفسك بقا…..اسمع هدق على دراعي
حرف H…ماشي……”
نهض ماندو سريعاً وهو يقترح….
“ماشي……أجيب الابرة وعملهالك…..تحب تاخد
حاجة تسكن الوجع……”
هز أحمد راسه بامتناع قائلاً…..
“لا لا……….انا هستحمل……”
“شبح يابو الصحاب……ماشي هي كده كده هتنمل بعد شكتين تلاته……”اتجه ماندو لأحد الأركان….
بينما تاوهت نرجس بحسرة قائلة وهي تنظر
نحو أحمد بميوعه…
“عقبال مأبو سمير يكتب اسمي على دراعه
ولو حتى حرف منه……”
لوى احمد شفته قائلاً باستهزء…..
“مش لما تطردي الشيطان من تحت السرير
الأول….. ”
ضحكت نرجس بميوعه قائلة باستخفاف…..
“بحاول…..بس بعيد عنك في ناس بتدمن المخدرات وفي ناس بتدمن ذنب مهما حاولت تكفر عنه
بترجعله تاني……..”
على آثار حديثها تذكر أحمد نظراته في زفاف شقيقته وكيف كان ينظر للفتيات وهي موجوده
معه…..بل والاهم انه احبها واخد ميثاق على نفسه انه لن يخون ولو حتى بنظرة….. وقد فعل وخان نفسه وخانها وخسر كل شيءٍ بعدها…….ومزال
يخسر نفسه كلما زاد عناداً وتحدياً……بات ينزل
للقاع أسرع مما ظن…
من كان يصدق ان بعد صحبة يوسف وكرم سيكون هنا مع شاب فاسد مدمن مخدرات وامرأة زانيه تعشق الحرام وتخون زوجها بنفسٍ راضيه…..
عاد ماندو اليه وجلس جواره وبدا بعمل وشم على كتفه من الأعلى على شكل(H..)…….
اغمض احمد عيناه بوجع ومزال يسمع صدى كلماتها القاسية وصوتها الباكي وهي تودعه للأبد……وجد
ماندو يقول بهدوء وهو يغز جلده بالابرة …
“فوق ياصاحبي…..اللي باعك بيعه…واوعى تندم
يوم عليه…….”
فتح احمد عيناه ووزع نظراته بينهما فوجد ماندو يعمل على الوشم بتاني وحرص اما نرجس فكانت جالسه تبعث في هاتفها وهي تتبسم… ويبدو انها
وجدت سريعاً لعبه مسلية حتى ينهي ماندو وشم احمد ويركز معها……فهي رغم اعجابها باحمد إلا
انها للاسف لا تحب الرجل البأس مهم كان
يمتلك من وسامة تهلك العيون وخفة ظل
تسعد القلب………
مسح ماندو كتف احمد بالمنديل ثم
قال……
“خلصنا يابو الصحاب……..اي رايك…..”
نظر أحمد لكتفه وللوشم الصغير الذي كان عبارة
عن حرف(H)مرسوم بشكلاً جميل……قال
بلطف…
“فنان ياماندو…….”
ربت ماندو على كتفه وهو ينهض…..
“اي خدمة……..ريح بقا على الكنبه دي……
وانا شويه وهصاحيك…. اكون نزلت جبت غدى… ”
هز احمد راسه قائلاً بامتناع وهو ينهض…..
“لا لا……..انا تمام…..انا بس عايز انام شوية…..”
ربت ماندو على كتفه قائلاً
بمحبة….
“نام يابو الصحاب المكان مكانك……”
القى احمد جسده على الاريكة بتعب….ثم اغمض عيناه ذاهب في ثباتٍ عميق…….
…………………………………………………………….
وضعت المفتاح في باب الشقة ثم دفعته بتعب وهي تجر قدميها جر في سيرها…… القت الحقيبه على اقرب مقعد باهمال ثم جذبت بقوة المشبك الذي يلملم شعرها والقته أرضا بغضب….ثم فركت في راسها بتعب وهي تلقي نفسها على اقرب مقعد امام
طاولة مستديرة…….
فردت ذراعيها على الطاولة ودفنت بينهم وجهها وهي تبكي……وجسدها كله ينتفض بوجع……
الكلمات تنحر في صدرها……..كصدا تشعر بها في حلقها لاذعه مره كمرارة العلقم………
تلك هي كلمة شكراً التي لم انتظرها يوماً منك…
هل هذه هي نهاية الجزاء ان تضيع نفسك وتقهر
قلبي وتحرق قلب امك عليك…….هل تلك الرجوله التي كنت انتظرك ان تتشرب منها ولو قليل حتى تكن سندي وسند امك في الحياة……ماذا فعلت
انت حينما صرت رجل…..تتعاطى الممنوعات
وكثرت علاقاتك العاطفية مع الفتيات…….
لم تكن تلك من شيم الرجولة ياخي….ان تخطاء
و تستهتر……ان تنزلك في القاع من أول تجربة
حب فاشلة………ان يكون عنوانك هو الفساد
وسفالة فقط لانك تذوقت مذاق الرفض
والهزيمة امام من أحببت……..لم تكن تلك
من شيم الرجولة ياخي…….ولم استحق منك انا وامك كل هذا الوجع والخزي…….كانت الاماني
معلقه عليك والحب والحنان لك وحدك يامدلل
العائلة…… لكن ماذا قدم مدلل العائلة لنا غير
الخذلان وصدمة فيه……. صدمة كسرت قلبي
وقلب امك يا أحمد…… لماذا ياحبيب اختك ياطفلها
المدلل لماذا تصل بك الدرجة لاسوء مكان
في القاع…….. ولماذا انكرت النعم ولماذا
وتتعامل مع كل شيءٍ بجبن……. مع انك
قوي وذات معدن اصيل لكن الجبن
يجري في عروقك وانا اعلم وانت تعلم انك
جبان رغم قوتك ؟!……
نزلت دموعها أكثر واهتز جسدها اثار بكاءها المرير
ولم تنتبه أبداً لباب الشقة الذي فتح ودلف منه ابراهيم……..
بعد ان اغلق ابراهيم الباب أنتبه لها ولصوت بكاءها العالي…..اتجه اليها سريعاً والقى هاتفه والمفاتيح
على سطح الطاولة ثم رفعها من ذراعيها بقلق….
“مالك ياسمر….بتعيطي كدا ليه……”
نظرت اليه بعينيها السوداوين الحمراوين من اثار البكاء المرير المتواصل
تفقدها ابراهيم بصدمة….فكان وجهها شاحب
بوجنتين حمراوين وعينين خلابتين رغم حزنهم
الطاغي والنظرة المطعونة بالالم التي اصابته في مقتله عند رؤيتها……..
سالها وهو يجلس جوارها على المقعد ويده تتحسس
وجنتها المبللة…..
“مالك ياحبيبتي….اي اللي حصل……”
قالت بخفوت بلا تعبير مقروء…..
“مفيش……انا…..انا كويسه…..هقوم اعملك حاجة
خفيفه تكلها….انا لسه جايه من عند امي…معلش
ملحقتش اعمل اكل…..”نهضت من مكانها فمسك ابراهيم يدها واجلسها بالقوة قائلاً بصوتٍ هادئ
بين طياته نبره فولاذيه…….
“قعدي ياسمر…….اكل اي اللي بتكلمي فيه…انا عايز اعرف مالك…….”
مسحت دموعها وهي تقول بنبرة هادئة
قوية…
“انا كويسه يابراهيم……. مفيش حاجة……”
سحب نفساً طويلا قبل ان يقول بعدها بنبرة خشنة
جادة……..
“اسمعي مش عايزة تحكيلي حاجة براحتك في نهاية
دي حاجه تخص اهلك مش تخصك انتي…..واكيد انا مش هزعل لان حتة تشاركيني مشاكل اهلك او تعرفيني اللي وجعك منهم او عليهم دي برضو بتاعتك انتي…….بس متكدبيش……عشان انتي مش كويسه ياسمر…….قولي انك مش عايزة تحكي…..
اكتر من كده مش عايز اسمع……..”
عفت نفسها من الرد عليه….. وهي تنهض قائلة
بصوتٍ باهت…..
“انا هقوم اعملك تاكل……”
منعها وهو يمسك ذراعها برفق وقال بملاطفة
“لا انا مش عايز اكل….ادخلي اوضتك ارتاحي ياسمر…….كل مشكلة وليها حل….وعياطك وزعلك
مش هيحلو حاجة…….”
القت عليه نظرة حزينة قبل ان تحني راسها وتذهب لغرفتها بصمت ممتنعه عن النقاش……
زفر ابراهيم بغيظٍ ممن كان سبب دموعها وبكاءها المرير….. وفي نفس الوقت يخفق قلبه بوجع نحوها
ومن حالة الضعف التي انتباتها في لحظة….
اين جبله الشامخ…. اين الشرسة…… اين تلك المرأة التي لا تقهر رغم الالم في قلبها والاحمال الثقيلة
على عاتقها……. اين انتِ حبيبتي ومن سبب تلك
الحالة…… ومن اوجعك لاوجع قلبه لأجل ان
ترضي……..وتعودي لعهدك…….
القى جسده على الاريكة بتعب… وهو يرجع راسه للخلف…. وعقله لا يتوقف عن التفكير……
سمع صوت باب الغرفة يفتح من جديد وتخرج منه سمر بعد ان بدلت ملابسه وارتدت منامة بسيطه
وعقدت شعرها بكعكة فوضوية ومزالت عينيها
حمراء ومبلله بدموع…….. وجهها احمر كدماء
والحزن ساكن بعينيها السوداء… وكسرة النفس
تلوح في نظرتها…..
عقد ابراهيم حاجبيه وهو ينظر بحيرة لوقوفها
امامه بهذا الشكل….. وجدها تبكي وهي تقول من بين بكاءها بحزن كطفلة…….. والله كانت في تلك اللحظة طفلة ضعيفة بائسه بريئة…… لم يراها يوماً طفلة إلا الآن وهي تقول……
“احمد قال اني مش وليت امره…واي فلوس صرفتها عليه هيرجعهالي….قالي كمان اني مليش دعوة بيه
خليني في بيت ومع جوزي….وسيبه في حاله….”
قد تحولت وسامة ابراهيم الى شراسة ضارية بينما
بدت عيناه كعاصفتين هاجتين وهو يرمقها بصدمة
لا تخلو من الغضب نحو اخيها……..
تابعت بحرج وانهزام وهي تنظر لشيءٍ اخر غير عيونه….
“احمد طلع بيشرب…… انا…. انا مش عارفه اعمل إيه……..”
كان قد نهض ابراهيم اثناء حديثها ووقف امامها ومد يده ومسك ذقنها ورفع عيناها اليه وهو يسالها بلين
رغم جمود ملامحه…….
“لي مخبية عينك عني ياسمر……”
نزلت دموعها وهي تنظر لعيناه بخزي….
“شايف انها حاجة تشرف لما اجي اقولك اني اخويا بيشرب حشيش……… وان قالي كلام زي ده…… لما ليقت القرف ده في اوضته…….. وان ساب البيت ومهنش عليه حرقة قلب امه عليه….. اقولك
إيه……”
تابع ابراهيم الحديث عنها بسلاسة وجدية…….
“قوليلي……. قوليلي اللي انتي عيزاه….. هتقولي
لمين غيري ياسمر…….. وبتهربي من عيني ليه…..” نظر لعيناها بقوة قائلاً بنبرة حانيه….
“انا ستر وغطا عليكي ياهبلة…. انا جوزك…..حبيبك..
اللي ميهونش عليه يشوف دمعه واحده نزله من عيونك…….محروجه من اي ياسمر…. اخوكي هو اخويا وامك هي امي ولي يصيب اهلك كانه
صبني ولي يفرحهم كانه فرحني……” ربت
على وجنتها وهو يحديثها برفق…..
“الجواز مش اتنين بس اتجوزوا…. الجواز عبارة عن عيلتين بقوا عيلة واحده…. اهلك هما اهلي….. واهلي هما أهلك…….وكلنا عيله واحده…….فهماني… ”
اومات وهي تبكي مجدداً شاعره بغصة قوية بحلقها…….. شعرت بذراعيه القوية تجذباها
الى صدره الرحب…..اغمضت عينيها وهي تتشبث بقميصه بحزن زاد انين البكاء….
ضمها اكثر لصدره وهو يربت على ظهرها بحنان بينما شفتيه تسير على جبينها وشعرها بحنان وتمهل…..
“بس ياحبيبتي….عشان خاطري بس….اهدي كل حاجة هتتحل أوعدك……”
قالت وهي بين احضانه بضعف…..
“انا مش عارفه اعمل إيه….اول مرة احس اني مشلوله قدم مشكلة……”
ابعدها عنه برفق ناظرا لعيناها وهو يطمئن قلبها بنبرة متمهلة……
“بس بطلي الكلام الاهبل ده………كل حاجة هتتحل……..كفايه عياط…..”
اومات براسها فوجدته يميل عليها ويطبع قبلة حانية على جبينها…….ثم مسح وجنتيها المبللة بيداه وهو
يخبرها برفق…..
“قعدي ارتاحي وهدي كده……وانا هدخل اعمل حاجة خفيفة ناكلوها سوا……”
امتنعت سمر سريعاً وهي تقول….
“لا لا يابراهيم…….انا هدخل اعمل بسرعة انت لسه جاي من شغلك تعبان…….”
“مين قال اني تعبان انا كويس……اسمعي الكلام وقعدي مكانك……..”ثم حاول المزاح معها قائلاً..
“بس متخديش على كده….النهاردة استثنائي
بس ياشبح عشان صعبت عليا……”
حاولت التبسم لكنها فشلت وهي تقول
بصوتٍ خالي من الفرح…..
“يسلام بصعب عليك جامد اوي انا……”
“آآه بتقطعي قلبي……”خرجت الجملة منه بمزاح
لكن واقعها على الاثر قوي….فهذا هو المعنى
الحرفي لمشاعره حينما يرى انهزمها وبكاءها……. وكان جيشه كله مات في الحرب ولم يبقى إلا
هو وسلاح فارغ من الطلقات…….هذا هو شعوره
حينما يراها ضعيفة تنحني بانهزام ؟!….
لا تعرف كم مر من الوقت وهي جالسة هكذا على الاريكة كانت تتكور في جلستها ضامه ركبتيها
لصدرها بذراعيها وتسند جانبها على ظهر الاريكة بينما عيناها متعلقة على التلفاز بتيه… فكان عقلها في مكاناً آخر……….
شعرت بدخول ابراهيم بصنية متوسطة الحجم وضع عليها ثلاث اطباق اول طبقين يحتويا على المكرونة
بصوص الصلصة الحمراء الذيذة… والطبق الثلاث كان عبارة عن شرائح من اللحم غارقة في صوص بني شهي الشكل والرائحة…..
شعرت بالجوع بعد استنشقها رائحة الطعام الشهي.. وهناك أيضاً رغبة فضولية عند اي زوجة في هذا
الموقف الاستثنائيّ هو كيف سيكون مذاق الطعام
الذي اعده زوجها لها …..
جلس ابراهيم على الاريكة جوارها وهو يقول بمزاح……
“الطبقين دول بتوعي على فكرة……”
ضحكت وهي تقول ببساطه….
“بالف هنا ياسيدي…….كاني كلت بظبط…….”
ابتسم ابراهيم وهو يقرب منها طبق المكرونة
وطبق شرائح اللحم الغارق في الصوص……
“اخجلتم توضعنا……..طب يلا كُلي وقوليلي رايك…
دي اول مرة تاكلي من ايدي……واخر مرة…متخديش على كده النهاردة بس……”
ضحكت وهي تقول بمزاح طفيف…..
“ربنا يستر بس ومنبتش النهاردة في المستشفى…”
رد ابراهيم بمناغشة وهو ياخذ معلقة من
المكرونة…..
“عيب عليكي دول هيعملولك غسيل معدة كمان ساعة……”
ضحكت سمر وهو ترفع المعلقة على فمها….. ثم اغمضت عينيها بعد التذوق واخرج همهمات
الاستمتاع وتلذذ…. ووللحظة قد تناست كل شيءٍ
من حولها… ووقف العالم عند هذا الطعم الذي بدد المرارة بحلقها بحلاوة مذاقه وتوابله المتراقصة
في فمها بسعادة……
توسعت بسمة سمر وهي تاخذ معلقة اخرى من المكرونة تشاركها قطعة من اللحم وصوص الغارق فيه……..ليزيد الطعم حلاوة والمذاق خرافياً بنسبة لها……… تكاد تجزم ان هذا اشهى شيءٍ اكلته
منذ فترة طويلة……. فجدد شغفها للحياة
بشكلاً سريع…….
فتجدها الآن تاكل وهي تبتسم بسعادة ورضا غريب
ارتاح قلبه قليلا عند رؤية تحسنها عن السابق
ولو قليلا…..
قالت سمر بحماسيه وسعادة تلمع بعيناها….
“الاكل تحفة يابراهيم…… انت اتعلمت الحاجات دي فين الاستيك يجنن…… ابقى اديني الوصفة….”
رد ابراهيم بهدوء وهو يشاركها الطعام بتمهل عكسها تماماً كانت تاكل بنهم غريب عليها… وكانها تضع كل الضغوطات في الطعام…… والمذاق مكلف باسعادها
ولو بجزء بسيط……….
“زمان قبل ما شتغل في مكتب الشحن…. كنت شغال مساعد شيف في مطعم كويس…… بس مكملتش فيه
يعني مكانتش جايبه همها……..بس من كتر وقفتي في المطبخ مع الشفات لقط كام وصفه كده……
واهي ماشيه…….”
مررت سمر يدها على ركبته وهي تقول بامتنان…
“تسلم ايدك ياحبيبي….الأكل حلو اوي…تقريباً
قدامه نسيت كل حاجة…..”
مسك كف يدها بين يداه قائلا بصوتٍ حاني…
“ودا المطلوب انك تنسي…..وكل حاجة هتتحل بس
بهدوء من غير عياط وزعل……اتفقنا ياشبح.. ”
تبسمت شفتاها وهي تومأ بانصياع….. مد ابراهيم طبقه لها قائلا بهدوء…..
‘كملي ده انا شبعت……… هروح اشرب سجارة
في البلكونة وجاي….. ”
منعته قبل ان ينهض قائلة…..
“استنى بس كمل اكلك الاول…. انا شبعت
على فكرة…….”
مط شفتاه قائلاً بمناكفة…..
“يعني انا سايبه عشانك… انا كمان شبعت…. شويه وجيالك ياشبح تكون لمتلنا الدنيا دي…. وعملتلنا
كوباية شاي من ايدك الحلوين…..”
نظرت اليه وقالت
بحب….
“من عنيا ياحبيبي……”
حينما اختفى عن ابصارها مسكت طبق المكرونة الخاص به وبدات في التهامه وهي تتمتم بحسرة
خوفاً على جسدها من الزيادة…..
“استحاله اخليه يطبخ تاني…….استحاله…..”
ثم اخرجت همهمات متلذذه وهي
تقول بحسرة مضحكة….
“حلو اوي الاكل…………. اوي……..”
بعد قليل كانت تنام في احضانه على (الركنة..)
يداعب شعرها باصابعه وهم يتابعون مسرحية
قديمة كوميدية……اقترح ابراهيم تشغيلها كي
يخفف عنها قليلاً الضغط……
سحبت سمر نفساً عميقا وهي تمرر اصابعها على صدره قائلة بنبرة ناعمة مسترخية…..
“تفتكر لو مكنتش في حياتي….. كنت عملت إيه…”
رد بمناغشة وهو يتخلل شعرها
باصابعه….
“تقريباً كنت هتفضل شبح زي مانت……”
لكزته في صدره بمزاح…. “بطل هزار……”
طالت الابتسامة في عينا ابراهيم وهو يقول
بحيرة…..
“عايزه الحق….. السؤال ده المفروض انا اللي اساله لنفسي… لو مكنتيش انتي معايا كنت هبقا مع
مين ويترى اللي هبقا معاها دي هحبها زي كده
ولا لا….”
رفعت راسها وهي تنظر لعيناه بغيرة….
“لا طبعاً………مكنتش هتقدر تحب حد غيري….”
قرص وجنتها قائلاً…… “ياواثق من نفسك انت…..”
قالت بتعالي انثوي جميل……
“طول عمري ياستاذ…. انا الاولى والاخيرة….”
نظر لعيناها بعمق قائلاً…..بهمساً……
“بحبك يابت……….”
ضحكت وهي تسند جبينها على خاصته…..
قائلة…..
“وانا بموت فيك يا هيما……..ياجمل واحلى عوض
ربنا ادهوني……. ”
لم يجد كلمات تنافس كلماتها ومشاعرها فاكتفى بالتقاط شفتيها في قبلة حانية كانت كالمخدر
المسكر لجروحها…..وقد وقف كل شيءٍ عند
تلك اللحظة لتجده فوقها ينهال من رحيق
عسل شفتيها الناعمة…. ويغرق راسه بين احضانها
مسحور امام فتنة جمالها…… متناسي هو وهي
بلايا الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي…….تاركين كل
شيءٍ خلفه كي يرويا قلوبهم من مشاعر
حميمية دافئة يحتاج لها الاثنان اكثر من اي
شيءٍ اخر……
…………………………………………………………….
في اليوم الثاني صباحاً صدح هاتفه برنة مميزة…..
خفق قلبه باللهفة وهو يلتقط الهاتف عن الفراش
بعدما ارتدى ملابس الخروج وهندم مظهره
عازم النيه على الذهاب للعمل أليوم……
فتح الخط ووضعه على اذنه ورغم رجفت قلبه شوقاً
لملكة الثلج إلا انه تريث وانتظار بفارغ الصبر حتى
تبادر هي بالحديث….. كما بادرت في الاتصال به
بعد اخر مكالمة وداع بينهما……اتى صوتها
عالياً وهي تساله…..
“انت فين……… وبايت برا البيت ليه…..”
نظر للمرآة بحنق وهو يسالها بوجوم….
“عايز اي ياحبيبة…… وبتزعقي كدا ليه…..ما براحه
انا سامع مش اطرش…. ”
هدأت من حدتها قليلاً قائلة….
“انا عايز اشوفك يا احمد…..”
سالها ببرود….. “عشان….”
زفرة وهي تقول
بجزع…..
“لم اشوفك هتعرف…..”
اوما بنبرة فاترة…
“تمام هنتقابل فين……”
قالت سريعاً بتردد……
“في مدخل البيت بتاعنا….. انا مش هعرف اخرج
قبلني هناك…… انا هستناك……”
“ماشي……….ربع ساعة وهبقا عندك…..” اغلق الخط
سريعاً ثم اتجه نحو الاريكة النائم عليها ماندو وهزه
برفق وهو يقول……
“ماندو….. ولا….. انا ماشي….. عايز حاجة……”
ادار ماندو راسه للناحية الأخرى
قائلاً…
“لا….. لا…….. مش عايز سبني انام……”
القى أحمد عليه نظرة استياء وهو يقول
بتهكم….
“مانت لو نايم بدري هتقوم تشوف حالك…… خليك
موركش غير النسوان وسهر معاهم طول الليل….”
فتح احمد الباب ثم اغلقه خلفه بهدوء………
كانت المسافة بينه وبين بيتها شارعين تقريباً فقطع المسافة سريعاً و وصل لها…….ودلف وهو يتنحنح
لمدخل البيت الكبير حيث برهة صغيرة تحتوي
على سلم طويل يوصل للطوابق الاخرى حيثُ
شقتها وشقة زوجة عمها وشقة ابراهيم والاخير
السطح…..
ابصرها تقف في احد الاركان تستند على الحائط
مرتدية اسدال صلاة و الحجاب ملفوف حول
وجهها الناعم بلفه متقنة وجميلة تزيدها حلاوة ونضج وحياء انثوي يليق بها….
كانت جميلة رقيقة كاجمل شيءٍ تراه في
الصباح وتتفائل به في أول ساعات اليوم……..
ويظل وجهها الصباحي الرقيق اجمل ذكرى تداهم عقلا يابس………ساكن الان امام حضرة
حضورها…….
تاملته أيضاً حبيبة لبرهة…..فقد تغير في تلك الاسابيع…..لم تراه من يوم الزفاف….واليوم تراه
متغير عن السابق…..رغم الجاذبية التي يتمتع
بها وطاقم الكلاسيكي الشبابي الذي يرتديه
كل هذا لم يخفي تغيراته…….ذقنه الغير حليقه
عيناه الغائرة الحمراء….فقد وزنه بشكل ملحوظ
وزاد صلابة وقوة………وكسب مع هذا التغيير
نظرات باردة هادئة يلقيها عليها الآن
ببساطه وكانه يريد ان يجمدها الآن قبل اي شيء………..
استفزتها نظراته الهادئه فاشتعلت نظراتها
بصرامة ممزوجه بالغضب نحوه……
بينما استدار أحمد واغلق البوابة الحديديّة الكبيرة
عليهما وكان حريصاً حتى لا يراهم احد من المارة…..
ثم عاد اليها واقفا بهدوء وهو يسالها ببساطه
وعيناه تتشرب من زيتونتين عينيها……بينما
قلبه يروي ظمأ الايام الماضية في بعدها…..
” في اي ياحبيبة عايز إيه وبتبصيلي كدا ليه…. ”
اعتدلت حبيبة في وقفتها واتجهت اليه خطوتين ثم
وقفت امامه عاقدة الذراعين وهي تساله بهدوء…
“انت بتشرب فعلاً يا أحمد………”
عقد حاجبه بتعجب متسائلاً….
“بشرب!!…..بشرب إيه………. مش فاهم……”
قالت حبيبة بنبرة كالفولاذ الصلب…..
“لا انت فاهم……….. انا عرفت كل حاجة….”
سالها بملل…… “وبعدين……”
توسعت عيناها وهي تنظر اليه
بدهشة….
“هو اي اللي وبعدين……”
هتف أحمد بنبرة كالجليد المسنن……
“ايوا عايز إيه يعني بشرب ولا بتنيل انتي مالك…
مالك ها…. مش خلاص فركشنا…. وقولتيلي كل
واحد يروح لحالة خلاص بقا…. طلعيني من دماغك……”
صاحت بغيظ…..
“مانا فعلاً طلعتك من دماغي…….”
لوى شفتيه هازئاً وهو يقول….
“لو فعلاً طلعتيني من دماغك…. جيباني هنا ليه..”
مررت يدها على حجابها بعصبية وهي تبرر
موقفها بتلعثم……..
“عشان….عشان اللي انت بتعمله دا مينفعش….
مينفعش تضيع نفسك…….. ”
صاح احمد بعصبية امام تبريرها الاهوج……
“برضو انتي مالك ياحبيبة… اضيع نفسي اولع في نفسي انتي مالك……. مش سبتيني…… سبتيني وانا
بحلفلك في التلفون ان المكالمة كانت قديمة وان
والله ما خانتك…… سبتيني وانا بتحايل عليكي
متبعديش…. مستعد أقبل باي عقاب الا انك
تسبيني عملتي اي انتي…. ولا اي حاجة…… كل
شيء قسمة ونصيب…… مينفعش…. مستقبلنا…”
دفعها في كتفها بظهر يده بخفة وهو يقول
ساخراً…
“خليكي انتي يابشمهندسة في مستقبلك… وسبيني انا ادمر اللي باقي منه……”
توسعت عينيها بصدمه من دفعته رغم خفتها
إلا انها اوجعتها وكانه صفعها بقوة مع حديثه
السام……….كحبه تماماً…….عقبت بقرف……
“واضح انا الزفت اللي بقيت بتشربه بدأ يشتغل وبدات ايدك تطول…….”
لوى شفتيه بضجر قائلاً…..
“معلش…………..هبقا اغير الصنف…….”
القت عليه نظرة ازدراء وهي تقول
باقتضاب……
“ومالك بتكلم بكل فخر كدا ليه…..”
هدر من بين اسنانه بغيظٍ منها…..
“عيزاني اتكلم ازاي انا حُر…. اعمل اللي انا عايزة…
مش اللي انتوا عايزينه……”
اخذت نفساً عميقا وهي تحاول التحدث
معه بهدوء…….
“احنا خايفين عليك…….. احمد اسمعيني اللي بتعمل ده غلط……. انت ازاي مستهتر كده…….”
عزم النيه على الخروج وهو يقول بصوتٍ ماتت التعابير فيه……
“حبيبة ممكن تسبيني في حالي… وتبعدي عني زي ما اخترتي………”
مسكت ذراعه وهي تترجاه بقلبٍ موجوع مدله بحبه…….
“لا مش هسيبك…….. اللي بتعمله دا غلط….. ايوا احنا
سبنا بعض…….. بس دا مش معناه انك مش هتبقى فرقلي…… انت طول الوقت فارق معايا يا أحمد…
ارجوك بطل الزفت اللي بتشربه ده…. لو كنت فعلاً بتحبني…….. ارجوك يا أحمد…….”
نظر لها ذاهلاً وردد الجملة بمرارة التعجب……
“لو كنت فعلاً بحبك !!……. لا انا حبيتك
بجد….. ومكنتش بلعب بيكي لما قولتها…….لكن وقتها كنت اعمى…..اني رامي نفسي عليكي وانتي ولا الهوا………”
رق قلبها فقالت بضعف امام عيناه…….
“مكنش ينفع نكمل بعد اللي عرفته…. حتى لو بحبك……..”
صرخة قوية باسمها هزت الجدران من حولهما… فانتفض جسد حبيبة باكمله وهي تنظر لدرج السلم
لتجد ابراهيم يقف عنده بشموخ مرعب وقد
تحولت وسامته الحادة لشراسة ضارية……
والنار متاججة بعيناه…….. نظراته نحوهم
مؤذية تكاد تكون حادة مسننه تقارب على شطر اجسادهما لنصفين من شدة قوتها…..
حتى وجهه من شدة الانفعال قد تحول للون القاتٍ بشكلاً يدب الفجع في قلوبهما………..
أصبح في تلك اللحظة يشبه السفاح الذي قد
قارب على سفك دماء ضحايا……
شعرت حبيبة بالوهن يدب في اوصولها….لدرجة انها من شدة الرعب والخزي من الموقف التي تعيشه اختبات خلف ظهر أحمد برهبة وهي تمسك ذراعه
بقوة طالبه منه الدعم والحماية……
بادلها احمد بنظرة هادئة مطمئنة وكانه قراء
مشاعرها بلمسه ؟!….لم يصل أحمد لنفس حالة الرهبة
التي وصلت لها حبيبة سريعاً من صرخة واحده من أبراهيم…….كان عكسها تماماً هادئ بارد النظرات متمهلاً…..
لكن داخله كان يشعر بالحرج من المواقف الذي
وضعوا انفسهما فيه امام ابراهيم………مهما عاند
الآن امامه هو أخطاء وتجاوز حدوده معها…واليوم
هو السبب في ان تعيش هذا الموقف المخزي معه امام ابن عمها ….

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

‫13 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى