روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل التاسع 9 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل التاسع 9 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء التاسع

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت التاسع

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة التاسعة

“جميلة….قوية… عنيدة….ورغم كل دا لسه عني بعيدة”
*************************
أوشك “مصعب” على الخروج من غرفته فأوقفه صوت هاتفه، حينها عاد يأخذه من جوار الفراش وهو يقول بسخريةٍ:
“بتقفلي في وشي يا نعامة ؟؟ تصدقي يا بت صدق اللي سماكي نعامة فعلًا، تدفسي راسك في الرمل، أخس عليكي”
تنهدت بضجرٍ ثم قالت بلهفةٍ:
“يابني اسكت بقى !! خليني اقولك الكلمتين قبل ما بابا يقفش عليا، اليوم دا أنا شوفت ماجد اللي كان خاطب أختك واقف عند عربيته مع فكري ابن عم رائف، وطبعًا أنا عارفة فكري بما أنه كان صاحب أخويا، بس مش غريبة يعني ؟؟ وبعدين تفتكر دي صدفة يعني انهم يكونوا سوا وبعدها المحل يولع؟”
نظر “مصعب” أمامه بشرودٍ فيما نطقت هي اسمه عدة مرات تلفت انتباهه لكن دون جدوىٰ حيث تحولت نظراته إلى أخرى عدائية.
_”يا مُصعب…يابــنــي !!”
صرخت بها عبر الهاتف حينما طال صمته، بينما هو انتبه لها وخرج من دوامة شروده يقول بنبرةٍ حروفها ضائعة:
“أنا….أنا معاكِ أهو يا إنعام”
تنهدت بضجرٍ ثم قالت بتوترٍ طغى على حروف كلماتها:

 

“مش عارفة يا مُصعب بس مش عاوزة أكون ظالمة، الفكرة كلها إن…إن لو فكري دا فعلًا عمل كدا تبقى كارثة”
رفع كفه يمسح وجهه ثم أعاد خصلاته للخلف بعدما شدد مَسكته على فروة رأسه، ثم سألها بلهفةٍ يتطلب منها التأكيد:
“إنعام !! الحاجات دي مش فيها هزار، متأكدة أنه كان فكري مع ماجد ؟؟ ولا تهيؤات !!”
ردت عليه بتأكيدٍ تخالطه المعاتبة و اللوم:
“وأنا هكدب عليك ليه يا مصعب ولا هتبلىٰ عليهم ليه ؟؟؟ الفكرة كلها إني شوفتهم فعلًا ودا اللي لفت نظري، ولو مش واثق فيا ممكن تسأل مودي”
عقد ما بين حاجبيه ثم قال مُندفعًا بنبرةٍ أوشكت على نفاذ الصبر بها:
“أكيد واثق فيكي طبعًا، بس أنا بتكلم إن دي جناية كدا، وعلشان مش عاوز نظلم حد، بس طالما كدا يبقى رائف لازم يعرف، على الأقل ياخد احتياطه”
سألته بلهفةٍ تحذره، بعدما ظنت أنه قد يتهور ويذكر اسمها:
“مُصعب !! مش هوصيك بلاش اسمي يتذكر أنتَ عارف بابا صعب ازاي، علشان محد…..”
أوقفها عن الاسترسال بنفاذ صبرٍ ثم أضاف مُستطردًا:
“أنا مش عاوز غباء منك !! إزاي يعني هقول اسمك واحطك في مشكلة !! متقلقيش الموضوع بعيد عنك تمامًا، أكيد يعني مش هسمح يعني إن سيرتك تيجي، يلا سلام وخلي بالك من نفسك”
سألته باندفاعٍ دون ذرة تعقل في الحديث:
“يا سلام !! أنا قاعدة في البيت أخلي بالي من إيه ؟؟”

 

كور قبضته بغيظٍ منها ثم قال من بين أسنانه يحاول كظم غيظه:
“من الدبش !! خلي بالك من الطوب اللي بيتحدف علينا من بوقك دا”
ضحكت بصوتٍ عالٍ بينما هو ازداد غيظه منها لذلك أغلق الهاتف في وجهها، ثم تحرك من الغرفة وهو يُغمغم بكلماتٍ مُـبهمة يُخرج بها غيظه منها.
*************************
جلست “مـنـة” في غرفتها بعدما وضعته في قائمة الحظر و أوصدت في وجهه كل سُبل الوصال، تحاشت النظر لهاتفها حتى لا يزداد ضعفها و تضطر آسفةً إلى إعادته كما كانا من قبل، تنهدت بعمقٍ ولاح على شفتيها ظل ابتسامة أوشكت على الظهور وهي تتذكر مقلبه السخيف مثله، لكن للحق لم تنكر أنه يملك من روح الدعابة كثيرًا تتميز به شخصيته.
تنهدت وهي تبتسم بهيامٍ ثم قالت بنبرةٍ ضاحكة:
“عسل…. والله العظيم عسل”
*************************
في شقة “رائف” كان يجلس بجوار والدته و في يده الملعقة يأكل من الحلويات التي طلب منها أن تُعدها له، وبعدما قامت بِصُنعها بات يأكل بنهمٍ و شهيةٍ واسعة.
كانت “كريمة” ترمقه بحيرةٍ من لامبالاته وخصيصًا وهو يأكل بدون انتباه، حيث فقط تعلقت نظراته بالفيلم الانجليزي المُذاع على الشاشة أمامه، و الطبق الثاني في يده، بعدما أنهى الأول.

 

دون أن ينتبه لما يفعله ولازال في شروده كما هو ترك الطبق الفارغ وحينما امتد كفه نحو الطبق الثالث أمسكت “كريمة” كفه تردع حركته ورافق حركتها تلك قولها بجمودٍ:
“لأ بقى !! فيه إيه يالا أنتَ ؟؟ ما تعبرني و قولي حصل إيه، عمال تاكل تاكل وسايبني أكل في نفسي، معندكش ريحة الدم”
رد عليها بسخريةٍ:
“وتاكلي في نفسك ليه؟؟ كلي من أم علي اللي أنتِ عملاها دي حلوة اوي و هتعجبك”
ضربت فخذيها بتحسرٍ على بروده وعلى نمط شخصيته الغريب، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم أغلق الشاشة و التفت لها يقول بقلة حيلة:
“ما قولتلك الحمد لله ربنا كرمني و شركة التأمين هتتكفل بكل حاجة، التجديد و التلاجات اللي باظت بالبضاعة بتاعتها كمان، و زي ما أنا بدفع الأقساط بتاعة التأمين، يعني هي هي و كأن اللي حصل دا محصلش أصلًا، غير إن فيه مبلغ هيتصرف ليا أنا علشان التأمين على الحياة، ودا برة الحِسبة أصلًا بس علشان خاطر رامز هيصرفولي المبلغ دا، يعني كرم بزيادة”
زفرت بارتياحٍ ثم قالت بوجهٍ مبتسمٍ:
“علشان طول عمرك ابن حلال واللي في إيدك مش ليك أبدًا، فاكر أبوك كان بيقولك إيه يا رائف ؟؟ طول ما النية خير يبقى أكيد هتلاقي الخير، الحمد لله على كرمه و رحمته بيك والحمد لله أنه عوضك بسرعة كدا، شكل هنية رضيت عليك من قلبها بجد”
انتبه لجملتها الأخيرة عند ذِكر مَن هي مِن المُفترض أن تكون “حماته” لذلك ردد خلفها مُستنكرًا:
“هـنـية !! مالها ؟؟ و إيه علاقتها”

 

طفق الحماس على وجهها و ابتسامتها اتسعت شيئًا فَـشيئًا، ثم أضافت بلهفةٍ وكأنها تخبره عن موعد تلاقيهم مع الفرحة وليس مجرد موقفٍ عابر من تلك المرأة.
قامت بسرد الموقف و قصت عليه حديثها و عرضها للمبلغ المالي لمساعدته، وحينما انتهت من السرد سألها مُستنكرًا:
“يعني هنية جت هنا تعمل كدا !! حَِكم والله، طلعت قلبها طري زي أم علي كدا ؟؟ كسبنا رضاها عقبال رضا بنتها علينا”
ردت عليه والدته بقلة حيلة:
“تقول إيه بقى ؟؟ ومش بس كدا دي كمان عاوزاك إنك تشد حيلك شوية علشان تصالح بنتها”
ابتسم بسخريةٍ حينما تذكر ما حدث منذ قليل، ثم أطلق زفيرًا قويًا يعبر مدىٰ استياءه، ثم تبعه بقوله:
“عارفة مشكلة هنية إيه ؟؟ عاملة زي التاجر اللي عنده بضاعة حلوة ومن كتر ماهو عارف إنها حلوة أوي عمال يعرض فيها للناس علشان عارف إنها كدا كدا هتتاخد، ميهموش بقى اللي هياخدها هيحافظ عليها ولا لأ، بس اللي همه إن بضاعته تتاخد علشان ميتقالش في حقها حاجة لما تتركن شوية، لحد ما ييجي واحد عامل نفسه بيفهم ياخدها وبعدما بمفيش يرجعهاله تاني، ساعتها يقوله العيب فيك ويفضل كل واحد فيهم يرمي العيب على التاني، هي بقى مش مقدرة قيمة اللي معاها”
ابتسمت “هنية” على تشبيهه الغريب بينما هو أضاف مُكملًا حديثه:

 

“من أهم الحاجات اللي خدتها في التسويق إن مهما كان المنتج اللي عندك أوعى تقلل من قيمته و تعرضه للكل و ترخصه، لازم تعززه و تعمله قيمة، حتى لو محدش هياخده خالص أو هيفضل معاك بس متبيعهوش رخيص أو ترخص قيمته، هنية مش فاهمة كدا، خلت منة تقلل من نفسها قصاده، لحد ما أفتكر إنها متاحة في كل وقت، رغم أنها غالية و عزيزة و اللي يعرف قيمتها يشيلها في عنيه”
وضعت “كريمة” كفها أسفل ذقنه وقالت بحبٍ له:
“لما بشوف كلامك عنها بفتكر أبوك الله يرحمه، عيشت معاه عمر كامل عمره ما زعلني، وعمره ما ضايقني، ولما اهلي رغم وحاشتهم احتاجوه وقف معاهم، فيك منه كتير يا رائف، ربنا يكتبلك راحة البال يابني”
وضع رأسه على فخذها يتنهد بعمقٍ فيما رفعت “كريمة” كفها تربت على رأسه ثم مسدت على خصلاته وهي تسأله بنبرةٍ ظهر بها أثر ضحكتها المكتومة:
“صالحتها يا واد ولا لسه ؟؟”
أصدر صوتًا من حلقه يدل على النفي ثم تنهد بثقلٍ واضاف بنبرةٍ ناعمة:
“حاولت بس هي اتقفلت مني، رزعتني بلوكات من كل حتة جابت أجلي”
شهقت “كريمة” بفزعٍ فيما أضاف هو بإصرارٍ ولازال كما هو على قدم والدته:
“بس مش هيأس أنا عرفت هعمل معاها إيه، فهمت دماغها هيتيجي ازاي”
توقف كفها عن السير في رأسه ثم سألته بترددٍ من قولها الآتي:
“طب …مش يمكن يعني بعدما سيبتها و طردتها من هنا هي شالت منك و كرهتك ؟؟ كلامك معاها كان رخم أوي”
تنهد بضجرٍ ثم رفع رأسه يقول بثباتٍ و إصرارٍ:

 

“أنا قولتلها كدا من غُلبي يا ماما، بس عينها مقالتش إنها كرهاني، بالعكس باين خوفها عليا وباين إنها عاوزاني، بس أنا اللي غبي”
تنهدت “كريمة” بيأسٍ و قلة حيلة، بينما هو طلب منها بلهفةٍ:
“بقولك إيه يا ماما ؟؟ ما تجيبي موبايلك كدا عاوزه ثواني”
سألته بتعجبٍ:
“ليه ؟؟ هتعمل بيه إن شاء الله؟”
رد عليها بلهفةٍ:
“عاوزه بس يا ستي متقلقيش”
سحبته من المقعد المجاور لها ثم مدت يدها له وهي تتشدق بنذقٍ:
“اتـــفـضـل”
سحبه منها ثم دلف غرفته يهرب من أمامها، ثم أغلق الغرفة على نفسه وقد جلس على الفراش و نظرات التسلية تلمع في مقلتيه.
أخرج هاتفها ثم أرسل لها صورة طقمين باللون الأسود يناسبها كليهما تقريبًا ثم كتب اسفل الصور مُتصنعًا للحزن:
“اختاري الطقم اللي هتيجي تعزيني فيه، شايف إن اللي فوق أحلى”

 

فتحت الرسالة وقد تعجبت من ظهور رقم والدته بينما هو ازداد العبث في نظراته خاصةً حينما وجدها تكتب له، انتظر لمدة ثوانٍ مرت سنون حتى وصلته رسالتها فوجد بها الآتي:
“البقاء لله يا سيدي، برضه مليش لازمة علشان احضر العزا، خليه بقى لبنت الحلال اللي هتليق بيك، أنا مش نفعاك خلاص”
تنهد بثقلٍ ثم أرسل لها بسرعةٍ:
“مين ابن الكداب اللي قال كدا، أنا مش نافعني غيرك أنتِ”
قرأت رسالته وقد ارتسمت البسمة الهادئة على وجهها، بينما هو اختتم رسالته بمقطع موسيقيِّ ثم أرسل لها كتابةً:
“اسمعيه قبل ما تعمليلي بلوك”
رافق رسالته تلك رمزًا تعبيريًا يدل على الغضب وكأنه يأمرها، بينما انتظرت هي تحميل المقطع الصوتي ثم أضافت رقم والدته لقائمة الحظر لكي تعانده فقط.
فتحت المقطع ظنًا منها أنه رومانسيًا يعبر به عن حبه لها، لتتفاجأ بالمقطع كلماته:
“قاسي قاسي قاسي وجرح احساسي ، راح اسيبه يقاسي وراح ابكي عنيه…ناسي ناسي ناسي حبي واخلاصي….”
شهقت “مـنة” بقوةٍ فور استماعها لتلك الكلمات ثم قالت بتوعدٍ:
“أنا قاسي !! أقسم بالله قولت توكسيك محدش صدقني، ماشي…. ماشي يا رائف…. يا توكسيك”
صرخت بها في الهاتف وكأنه أمامها، بينما والدتها دلفت الغرفة بعدما طرقت طرقات خفيفة، فتركت “مـنـة” الهاتف ثم قالت بأدبٍ:
“تعالي يا ماما خير فيه حاجة؟”

 

جلست على الفراش مقابلةً لها ثم سألتها وهي مبتسمة الوجه:
“آه، عاوزة اتكلم معاكِ ممكن؟؟”
حركت رأسها موافقةً ثم اعتدلت في جلستها تجمع ساقيها أسفل جسدها، بينما “هنية” استجمعت شجاعتها ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
“أنا ملاحظة إنك حابة رائف يا منة، صح ؟؟ خدت بالي إنك حباه و إنك عاوزاه، صح ؟؟”
أخفضت رأسها تهرب من استجواب والدتها بل تتحاشىٰ الجواب، لذلك رفعت “هنية” رأسها حتى تتواجه نظراتهما، فقالت “هنية” بنبرةٍ هادئة:
“حباه يا منة، أنتِ حابة رائف وباين في عينيكِ، لو كدا ربنا يكرمك يابنتي أنتِ وهو وخدوا خطوة مع بعض”
تنهدت “مـنة” ثم قالت بنبرةٍ مختنقة:
“مصيبتي أني حبيته، أو جايز كنت بحبه أصلًا، رائف معايا بتلقائيته، وأنا معاه كنت على طبيعتي، حسيت أني مش خايفة، وحسيت أني مبسوطة، طول ما أنا مع ماجد بفكر في كل حاجة، بخاف حتى من الكلمة اللي بقولها، بس رائف مش كدا، هو غبي و متهور بس كفاية أن هو بيطمني، في فرق بينهم يا ماما، يوم واحد بس مع رائف بكل الأيام اللي مع ماجد، لو هختار بينهم يبقى نار رائف ولا جنة ماجد”
ابتسمت “هنية” لها ثم قبلت قمة رأسها وقالت بنبرةٍ هادئة:
“لما شوفتك فرحانة بسبب رائف و ضحكتك منورة و لما شوفت خوفك وقوفك قدام ماجد علشانه عرفت إنك حباه من قلبك و عاوزاه، ساعتها بس خدت بالي إن منة دي غير منة دي، لو عليا عاوزة اللي كانت مع رائف علطول”
ابتسمت “مـنة” ثم سألتها بحماسٍ:

 

“يعني أنتِ راضية عنه؟؟ موافقة أني أكون معاه خلاص ؟؟”
ابتسمت لها ثم قالت بقلة حيلة:
“موافقة ياختي….عقبالك لما توافقي أنتِ كمان”
احتضنتها “مـنة” بحماسٍ تبتسم بسعادةٍ بالغة وكأنها طفلة صغيرة حازت على موافقة والدتها في نزهة بعيدة عن البيت، بينما “هنية” ربتت على ظهرها ثم قالت بتمني:
“ربنا يسعدك يا بنتي وإن كان من نصيبك ربنا يكرمك بيه إن شاء الله، و يكتبلك الفرح معاه هو”
_”يا رب يا ماما….يا رب”
*************************
حل الليل و أسدل ستائره على الجميع لتغطي عتمته الدروب و ظهرت بها النجوم، وقف “رائف” في الشرفة يستند بكفيه على درابزون الشُرفة يستنشق الهواء الطلق ويدخله مباشرةً داخل رئتيه، بينما “مـنة” خرجت تقف في الشرفة بعدما زارها الأرق من كثرة التفكير في شتىٰ الأمور المُختلفة و قد حاز “رائف” و الصغير “مالك” جزءًا كبيرًا من تفكيرها.
لاحظها “رائف” من شرفته فابتسم بمرحٍ ثم حمحم بخشونةٍ وقال:
“بِس بِس….عندكم مَشابيك ؟؟”
رفعت رأسها تطالعه بفزعٍ وحينما وجدته مُبتسمًا زفرت بقوةٍ ثم دلفت و أغلقت الباب بعنفٍ حتى وصله الصوت فضحك رغمًا عنه وهو يقول بسخريةٍ:
“عنيفة منة دي، شكلها كدا عاوزة الشبابيك و الأبواب الوميتال”
*************************

 

في غرفة “مُصعب” بعد عودته من الأسفل ظل يتقلب على الفراش في حيرةٍ كونه غير قادرًا على إخبار “رائف” بما علمهُ هو، أخرج زفيرًا قويًا ثم رفع جسده على الفراش يقول بضجرٍ:
“خلاص أقوله وهو يتصرف، ماهو ممكن حد منهم يأذيه على الأقل ياخد أحتياطه منهم”
أخذ قراره ثم أغلق الضوء و ألقى جسده على الفراش بعدما قرر الاستسلام أخيرًا لتلك الفكرة يُسكت بها عقله.
*************************
في صباح اليوم التالي المُثير من حيث القادم و الأحداث، نزل “مُصعب” لعمله مُقررًا التحدث مع “رائف” بعد عودته من العمل، و كذلك ذهبت “مـنـة” لعملها كعادتها لكن ذلك اليوم اعتلى الضيق و الحزن ملامحها حزنًا على الصغير كونه أكثر الطلاب قُربًا منها.
كانت في الفصل الدراسي بعدما أنهت الشرح للصغار وقد شارف وقت تناول الطعام، فجلست على المقعد وقبل أن تخبرهم بتناول الطعام، دلفت المساعدة التي تعمل بالمكان وهي تقول بنبرةٍ هادئة و أدبٍ:
“ميس منة، فيه واحد برة عاوز حضرتك بيقول الموضوع حياة أو موت”
عقدت حاجبيها وبدا التعجب واضحًا على معالم وجهها وهي تسأل باستنكارٍ:
“واحد !! غريبة يعني، علطول اللي بتيجي هنا بتكون واحدة”
ابتسمت الفتاة بخفةٍ فيما تحركت “مـنـة” تترك المقعد ثم قالت للفتاة:
“خلي بالك منهم يا جنىٰ معلش”
حركت الفتاة رأسها موافقةً فخرجت “مـنة” من الروضة فوجدته أمامها يبتسم باستفزازٍ، شهقت بقوةٍ ثم اقتربت منه تسأله بهمسٍ حانقةً على تواجده:
“أنتَ بتعمل إيه هنا !! خير”
رد عليه بمشاكسىةٍ:
“جاي أطل على النجوم”
زفرت بقوةٍ ثم عضت شفتها بغيظٍ منه، بينما هو رمقها باستخفافٍ يقلل منها ثم قال بتهكمٍ:
“بعدين ازاي متجيش العزا !! إيه قلة الأصل دي ؟؟ علشان تعرفي أني أجدع منك ومن عيلتك كلها”
رفعت حاجبها فزفر هو ثم رفع كفيه بحقيبتين بلاستيكيتين فسألته بتعجبٍ:
“إيه دا ؟؟ بتوع مين دول ؟؟”
رد عليها مُفسرًا بملامح ساخرةً:
“دا بــاتــيه”

 

“إيــه ؟؟!”
نطقتها باستنكارٍ فابتسم هو لها ثم أضاف بنبرةٍ ضاحكة:
“مش هقولك ألعب بليه بقى وشغل العيال الصغيرة اللي زيك كدا، بس بِـ لغة أمك هنية دا كرواسون”
تبدلت نظرتها إلى التوعد، فأضاف هو مفسرًا ببراءةٍ:
“دا باتيه رحمة ونور على روح المرحوم اللي أنتِ السبب في موته”
لم تستطع الصمود أمامه أكثر من ذلك، حتى اختفت نظرة الجدية و القسوة التي حاولت الاتصاف بها، وما إن أوشكت على الابتسام له بل و الضحك أيضًا التفتت على الفور تُخفي نفسها عنه، ليصلها صوته من خلفها يقول بمرحٍ:
“يا سلام !! هو دا الكلام”
لقد ازداد الأمر سوءًا و ارتفع صوت ضحكاتها و افتضح أمرها، حينها التفت يقف أمامها يهتف بصدق:
“عارف إنك زعلانة و عارف أني عكيت الدنيا و يعتبر اتخليت عنك، بس والله كان من غُلبي، كل اللي عاوزه فرصه منك يا مـنـة، ممكن ؟؟؟”
استطاع بصدق حديثه أن يلفت قلبها نحوه فلم تقوى على تصنع الجمود أكثر من ذلك، بينما هو مد يديه لها بالحقائب وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
“امسكي بقى دول خلي العيال تاكل و تتبسط”
عاد عنادها لها من جديد وقالت بإصرار:

 

“لأ شكرًا مش عاوزة منك حاجة، اتفضل كفي نفسك بقى”
ضيق جفونه ثم سألها مُغيرًا مجرى الحديث من الأساس:
“ثانية واحدة !! فُكي البلوك”
حركت رأسها نفيًا فأضاف بتأكيدٍ:
“فكي البلوك بقولك أحسنلك”
حركت رأسها نفيًا بإصرارٍ ثم أضافت بنبرةٍ ثابتة:
“مش بمزاجك، بمزاجي أنا، صحيح هديلك فرصة بس مش دلوقتي لما احدد”
تحولت نظراته و نبرته إلى الهمس الحانق وهو يقول:
“أقسملك بالله لو ما فكيتي البلوك لأدخل للعيال الصغيرة اللي جوة دي أقولهم إنك كنتي ماشية معايا و دلوقتي عاوزة تخلعي مني، تحبي تجربي حظك؟”
اتسعت عينيها بهلعٍ بينما انتظر هو أن تقوم بأية رد لفعله، وحينما طال صمتها تقدم بجسده خطوةً واحدة لكي يدخل للداخل، حينها تحركت هي بجسدها تمنع دخوله وهي تقول بلهفةٍ:
“خلاص خلاص هفكه أهو”
أخرجت هاتفها لكي تنفذ ما أراده هو وقبل أن تفعل ذلك هتفت كاذبةً:
“مش معايا نت، الباقة خلصت”
تحولت نظرته إلى الخبث المُغلف بالغموض وهو يطالعها:
“بسيطة هفتحلك أنا hot spot مجيتيش في جمل يعني”
حاولت التحكم في نفسها ألا تنفجر في وجهه ثم قامت بتنفيذ ما أراد هو وصدر من قِبله ثم أدارت الهاتف في وجهه وهي تقول بضجرٍ:
“اتفضل أهو فكيته”

 

أسبل عيناه نحو الهاتف ثم ابتسم بظفرٍ ما إن تأكد من تنفيذ ما أرادته، لذلك مد يده لها بالحقائب وهو يتشدق بنذقٍ:
“يا شيخة تعبتيني، امسكي بقى الباتيه دا علشان شكله بايت باين كدا وأنا مش هقدر آكل كل دا”
ضحكت رغمًا عنها من طريقته وسخريته، بينما أشار في وجهها بسبابته يحذرها بقوله:
“أكلي العيال بطلي طفاسة أنتِ”
ازدادت ضحكتها أكثر بينما التفت يغادر المكان وقبل أن يفعل ذلك أوقفته بقولها المُتلهف حينما خطرت ببالها فكرةٌ:
“رائف !! ينفع تيجي معايا نتطمن على مالك ابن باسل قريبك بعدما أخلص ؟؟ وقبل ما ترد عليا دا طفل صغير ملهوش علاقة بأي خلافات بينكم، غير كدا أنا وهو صحاب أوي و يعتبر من أقرب الاطفال هنا ليا، ممكن ؟؟؟”
تنهد “رائف” بضجرٍ وحينما لاحظت تردده قالت بثباتٍ:
“دا أول طلب أطلبه منك يا رائف، ممكن تيجي معايا وافتكر أنه عيل صغير !!”
أخرج زفيرًا قويًا ثم أضاف:
“بس خلي بالك !! دي أول مرة أخلف عهد وارجع في كلمتي، لأني قطعت عهد أني مدخلش ليهم بيت، بس هعمل كدا علشانك أنتِ وعلشان متكونيش هناك لوحدك”
ابتسمت له بينما هو ترك المكان وخرج بعدما ابتسم لها، فنظرت في أثره بحبٍ وهي تفكر في إصراره ومحاولاته للوصول لها و الحصول عليها وهي من اعتادت دومًا أن تكون في محله، وتصر لأجل الأخرين، لكن تلك المرة هو يصر ويحارب لأجلها.
*************************
أنهت “مـنـة” عملها بعد رحيله ثم نزلت من الروضة فوجدته أمامها ينتظرها في الأسفل وقد بدل ثيابه بأخرى عبارة عن سترة قطنية “تيشيرت” باللون الاسود نصف ذراع “كُــم” ظهرت من أسفله عضلات جسده الطبيعية التي لم تكن مبالغًا بها، واسفلها البنطال باللون الزيتي و الحذاء باللون الابيض به خطوط من نفس لون البنطال.
ابتسمت حينما رأته أمامها بتلك الهيئة فاقتربت منه تسأله بتعجبٍ:
“إيه الشياكة دي أومال فين الطقم التاني ؟؟”
رد عليها بزهوٍ في نفسه:
“أنا راجل نزيه بحب أدلع نفسي، عندك اعتراض يا ست ؟؟”

 

حركت رأسها نفيًا فأشار لها أن تتقدمه في السير وقد سار بجانبها بعدما تحركت هي، فسألته باهتمامٍ بعدما لاحظت صمته:
“مالك ساكت ليه ؟؟”
حرك كتفيه ببساطةٍ ثم أضاف:
“عادي مش حابب فكرة أني أروح عند باسل وخايف تقولي أني قلبي جامد، بس لما فكرت قولت على رأيك يعني دا عيل صغير ملهوش دعوة بحاجة، ربنا يشفيه هو واللي زيه وكل مريض”
ابتسمت بعد حديثه ثم قالت:
“طب ما أنتَ هادي أهو و عاقل أومال مصدرلي الجنان ليه طيب؟”
ابتسم رغمًا عنه بينما استمر السير بينهما في صمتٍ حتى وصلا إلى أسفل بيت “باسل” فتنهد بضجرٍ يعبر عن مدى استياءه، فقالت له بنبرةٍ هادئة تحثه على الاستكمال:
“علشان خاطري شوية و هننزل”
حرك رأسه موافقًا ثم صعد معها نحو الأعلى بعدما قد سبق وسألت هي حارس العقار عن رقم الشقة، وقفت هي أمام الباب تطرقه وهو بجوارها وقبل أن يُفتح الباب قال هو بنبرةٍ هامسة:
“لو هو مش جوة مش هينفع أدخل، هتطمن عليه من على الباب و أمشي تاني”
حركت رأسها موافقةً وقد فُتِح لهما الباب و طَلَّ منه “فكري” الذي نظر لهما بدهشةٍ حتى بدا وقوفهما أمامه ماهو إلا حُلمًا، ولكن في وجود “رائف” بالطبع هو أبشع كابوس قد يواجهه على الإطلاق.
حينما رآه “رائف” تقدم بجسده يخفيها خلفه ثم قال باستفزازٍ:
“باسل موجود !!”
زاغ بصر “فكري” عليها ثم عليه هو وحينما لاحظ نظرات “رائف” أشار لهما بالدخول وهو يقول:
“آه اتفضلوا…”

 

دلف “رائف” أولًا وهي خلفه تُخفض رأسها باستحياءٍ فقد انتظر “رائف” حتى جاورته فأشار لها أن تتقدمه، ثم التفت يحذر الأخر بقوله:
“لو عينك اترفعت فيها، هقفلهالك”
تحرك بعد جملته حيث غرفة الصغير الذي رقد على الفراش وما إن طلت عليه “مـنـة” شهق الصغير بفرحةٍ وهو يقول بغير تصديق:
“مــيـس مــنـة !!”
ابتسمت له ثم قالت التحية للجميع ناطقةً بتهذيبٍ:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”
ردوا عليها التحية جميعهم و كذلك جد الصغير و جدته أيضًا، فيما اقتربت هي تقبل رأسه ثم قالت محاولةً اخفاء تأثرها:
“ايوا ميس منة، شوفت غلاوتك عندي بقى خلتني أجيلك هنا و أنتَ عارف إن دا معاد نومي، بس يلا أبسط كسرت القاعدة علشانك”
ابتسم الصغير لها ثم فارق ذراعيه عن بعضهما لكي يحتضنها، وقد وصل “رائف” في تلك اللحظة ليبتسم على علاقتها بذلك الصغير، لاحظوا البقية وقوفه وهو الغير متوقع على الإطلاق بل من العجائب أن يقف “رائف” هنا، لكنه قال بنبرةٍ هادئة:
“السلام عليكم”
لاحظه “مالك” فكرر ما فعله مع “منة” وهو يقول مستنكرًا تواجده هنا:
“عمو رائف !! أنتَ جيت علشاني”
ابتسم له “رائف” ثم تحاشى النظر في أوجه البقية و اقترب منه يقبل كفه ثم قال له:
“ولو مجيتش علشانك هاجي علشان مين يعني ؟؟ بذمتك حد من الأشكال دي ينفع أجيله ؟؟”
ظهرت الهمهمات المُضجرة من قوله من “فكري” و “كرم” والده، بينما “باسل” ابتسم رغمًا عنه حتى تفاجأ بقول صغيره يقول ببراءةٍ:
“آه…ميس مـنـة تستاهل، هو أنتَ جاي معاها إزاي ؟؟ هي بقت صاحبتك أنتَ كمان زيي ؟؟”
ابتسموا على برائته، فيما قال “رائف” يشاكسه:

 

“لأ المصاحبة دي للعيال الصغيرة اللي زيك كدا، إنما أنا هتجوزها عقبالك كدا لما تكبر وتحب و تتجوز اللي عاوزها وهي كمان عاوزاك”
كان يرسل بكلماته رسالةً ذات مغزى يريد هو إيصالها لهم حتى يتأكدوا من اختيارهما لبعضهما.
تحدث الصغير موجهًا حديثه لها:
“ميس منة الواجب خلصته خدوا حاجة جديدة النهاردة ؟؟”
حركت رأسها نفيًا ثم جاوبته مبتسمة:
“لأ متخافش راجعت على القديم لحد ما ترجع تاني يا بطل وتنور الحضانة، كلهم هناك مستنينك على فكرة”
ابتسم لها ثم قال بفرحةٍ:
“ماما وخالتو ميادة قالولي إن الدكتور هيخليني انام و مش هحس بحاجة خالص، صح !!”
حركت رأسها موافقةً، فاقترب منه “رائف” يضع في يده ظرفًا وهو يقول بهدوء:
“دي علشان تجيب حاجة حلوة ليك، لحد ما إن شاء الله أفتح المحل تاني و اجيبلك منه حاجة حلوة”
رد عليه الصغير بمرحٍ:
“جدو كرم برضه اداني فلوس أجيب حاجة حلوة، هحطهم مع دول”
نظر “رائف” بسخريةٍ لخاله ثم نظر للصغير يقول بتهكمٍ:
“حبيبي !! جدو كرم اسمه وصفاته زي الرز بلبن والملح كدا ملهمش علاقة ببعض، علشان متتعشمش بس لا سمح الله”
زفر “كرم” ثم قال تشدق بنذقٍ:
“اللهم طولك يا روح، الصبر يارب”
تحدث “باسل” مُلطفًا للأجواء:
“بس نورتنا يا رائف، نورتي يا آنسة منة، تسلم رجليكم”
رد عليه “رائف” بهدوء:
“متقولش كدا يا باسل، ربنا يقومه بالسلامة إن شاء الله و يحوش عنه، عن اذنكم بقى…يلا يا منة”
حركت رأسها موافقةً ثم فتحت حقيبتها تخرج منها كراسة ألوان خاصة بالصغار تقدمها له وهي تقول بوجهٍ مبتسمٍ:
“دي علشانك، ولما تقوم تاني عاوزاك تجيبهالي كلها متلونة، هستناها منك يا مالك”
حرك رأسه موافقًا ثم أرسل لها قبلةً هوائية، فربتت على خصلاته ثم قالت:
“ألف سلامة عليك يا رب”

 

تحركت بعدما تحدثت مع الصغير نحو “دنيا” والدته ثم ربتت على كفها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
“ربنا يطمن قلبك عليه و يخرج بألف سلامة إن شاء الله، بإذن الله ربنا هيشيل عنه التعب”
حركت “دنيا” رأسها ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ تحاول منع البكاء:
“يارب يا منة، يارب ادعيله بالله عليك”
خرجت نحو الخارج فوجدت “رائف” ينتظرها وبجواره “باسل” فقال الأخير ممتنًا له:
“ألف شكر يا رائف، ربنا يكرمك يارب و نجيلك في الفرح إن شاء الله”
رد عليه “رائف” بثباتٍ:
“لا شكر على واجب، مالك ابن اخويا حتى لو أبوه مش عاوز كدا، ربنا يشفيه إن شاء الله”
سأله “باسل” بأسىٰ:
“عملت إيه في المحل يا رائف ؟؟ ربنا يعوض عليك إن شاء الله”
حرك كتفيه ثم قال:
“أهو اللي فيه الخير يقدمه ربنا”
ربت على كتفه وهو يقول:
“إن شاء الله خير يا رائف، ربنا يعوضك إن شاء الله، لو عاوز الفلوس اللي قولتلك عليها ممكن اسحبهم من السوق، بس تقوم من تاني”
حديثه ونبرته الصادقة جعلت “رائف” يباغته بقوله مندفعًا:
“باسل !! بالله عليك أنتَ معملتش كدا فيا ؟؟ مش أنتَ اللي عملتها”
وقفت “منة” مصدومة تتابع حديثه مع قريبه، بينما “باسل” تنهد بعمقٍ ثم قال:

 

“عارف إنك حقك تفكر كدا ومش هلوم عليك يا رائف علشان اللي عملته يخليك تفكر فيا كدا، بس اتطمن حتى لو عملت كدا حقك وصل وابني أهو بيضيع مني”
اقتربت “مـنـة” تقول بأسفٍ:
“رائف مش قصده كدا يا أستاذ باسل، هو بس مصدوم و اللي حصل كان صعب ومش صدفة خالص، ربنا يقوملك مالك بالسلامة إن شاء الله”
قبل أن يرد عليها “باسل” أو حتى ينطق “رائف” صدح صوت الهاتف الموضوع على الطاولة العالية “حاوية الأحذية” بجوار باب الشقة فوقع بصر “رائف” على اسم المتصل دون قصد فوجده مُسجلًا باسم “مـاجد”، حينها وزع بصره بين الهاتف وبين “باسل” الذي نظر له بتعجبٍ من نظرته الغريبة تلك.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى