روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثالث 3 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثالث 3 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري البارت الثالث

رواية سجينة جبل العامري الجزء الثالث

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة الثالثة

“جزيرة العامري موضع لكل اشتباه جال بخاطرها”
دارت عيونها السوداء على الجميع وكأنها تائهة بينهم تضل طريق العودة إلى واقعها، أو تضل المرسى لفهم ما يحدث حولها، وقد كان هذا صحيح فهي تقف بينهم وكأنها خيال.. الجميع يعلم ويفهم ما الذي سيحدث بعد قليل ولما الشرطة مُتجهة إلى الجزيرة إلا هي.. هي فقط من يجهل الأسباب..
أضاف “جبل” على كلمات “عاصم” بقسوة وصرامة:
-مش عايز أشوف حارس واحد من اللي بره معانا.. صرفهم لحد ما نخلص
أجابه الآخر قائلًا بجدية شديدة وهو يصب تركيزه كله معه:
-كده هنحتاج رجالة كتير
عقب سريعًا يُكمل حديثه مُجيبًا بملامح قاسية لأنه أدرك أن هناك خائن بينهم:
-رجالة الجزيرة موجودين
تقدم منه “عاصم” قائلًا بعملية:
-جبل!
نفى الآخر برأسه وهو يحركها يمينًا ويسارًا ثم تفوه:
-لأ.. الجزيرة يا عاصم
أكمل قائلًا بعملية شديدة وهو يتقدم معه إلى الأمام للخروج من القصر:
-لسه في وقت نقدر ننقل محتاجين مش أقل من تلت ساعات علشان يوصلوا الجزيرة.. إلا لو جايين بطايرات
أجابه الآخر وهو يسرع في التقدم مثله ليحاولوا إنقاذ الموقف الذي وضعوا به:
-لأ حملة طالعة من المدرية بري
اومأ إليه “جبل” وهم يخرجون من القصر إلى الحديقة بسرعة كبيرة فقط ليجعل الأمر طبيعي وعلى ما يرام.. في كل مرة لا أحد يستطيع أن يفعل معه شيء أو تقدم إليه أي من التُهم لأنه على قدر عالي من الذكاء ومر عليه الكثير مثل هذه المواقف ولكن الوقت هو الوحيد الذي يزعجه.. ثم بعد ذلك سيكون حساب ذلك الخائن الذي بينهم عسير.. والجميع يعلم كيف يُحاسب “جبل العامري” وهناك من يشهد على ذلك، وتُخلد هذه الشهادة داخله
تسائلت “إسراء” بعيون تتلهف لمعرفة ما الذي يحدث وهي تنظر إلى “فرح”:
-هو ايه اللي بيحصل
أجابتها شقيقته بتكبر وهي تبتعد لتخرج من الغرفة قائلة:
-مافيش حاجه
ابتعدت “زينة” بنظرها إلى ابنتها “وعد” الصغيرة وأشارت إليها بيدها لتتقدم منها الفتاة فقامت والدتها باحتضانها بسرعة ورفعت رأسها تكرر سؤال شقيقتها على والدته:
-هو في ايه يا طنط
وقفت والدته هي الأخرى على قدميها وقد بدا القلق على ملامحها بوضوح، وظهر التوتر في نبرة صوتها ومع خروج كلماتها من فمها:
-مافيش حاجه يا زينة.. مافيش
تقدمت لتخرج من الغرفة على عجلة من أمرها ولكن “زينة” أوقفتها وهي تقف مثلها تتقدم منها لتقف قبالتها تكرر بحدة أكبر مطالبة أن تعلم ما الذي يجري:
-مافيش إزاي؟ البوليس جاي الجزيرة ليه ومال ابنك اتخض وطلع يجري.. مش هو لوحده كلكم
نظرت إليها والدته بحدة هي الأخرى وقالت بجدية ونبرة قوية:
-قولتلك مافيش يا زينة.. ولو في حاجه وإحنا مقولناش يبقى متخصكيش
طالعتها بغرابة شديدة وتمسكت بيد ابنتها بقوة، أهي قاربت على فهم ما يحدث!..
خرجت “وجيدة” من الغرفة لتصعد عاليًا كي تستطيع أن ترى ما الذي يحدث في الخارج من الأعلى على الرغم من أن المنطقة بعيدة قليلًا عن سكان الجزيرة ولكن “جبل” لديه تلسكوب في غرفته يراقب به كل ما يحدث بين أهل الجزيرة..
وقفت “زينة” في مكانها لم تعد تعلم ما الذي من المفترض أن تفعله، غير أن تدعي أن يمر ذلك الأسبوع بسلام كي تاخد مالها وترحل من هنا دون رجعة أبدًا، لقد رأت كل ما هو غريب هنا، وحقًا كل ما هو غريب، الخدم يقولون ألقاب تعتقد أنها لم تعد موجودة من الكثير، الحرس كثيرون بطريقة مبالغ بها، المنطقة بأكملها غريبة بطريقة مُريبة، وهو ذلك “الجبل” الشامخ أمامها يخيفها بكل ما فيه.. لحظات لا تهتز ولو شعرة واحدة منها ولحظات ترى أن قلبها سيفقد نبضه بسبب الخوف من نظراته مع تذكر كل ما كان يقوله لها زوجها عنه..
الأمر هنا أغرب من الغرابة نفسها..
❈-❈-❈
مر الوقت وصعدت إلى الأعلى مع ابنتها وشقيقتها في غرفتهم التي ينامون بها سويًا، وإلى الآن لم تفهم ما الذي يحدث، ولكنها استمعت إلى الخدم في مطبخ القصر يتساهمون مع بعضهم بالكلمات..
باشياء غريبة لو كانت كما فهمتها فسيكون عليها الرحيل من هنا في أسرع وقت..
كانت تقول الخادمة أن كل ما كان في مخازن العائلة تم توزيعه على الأهالي في الجزيرة! وكل منهم لديه مخبأ سري داخل بيته يخفون فيه الأشياء الذي يريد “جبل” أن يُخفيها ولا يوجد هناك أحد يستطيع الاعتراض بل الجميع يستمع إليه حبًا وتعاون!..
أتت الشرطة وقامت بالتفتيش في القصر والمخازن ولم تجد شيء فرحلت!، لم تفهم ما محتوى هذه الأشياء الذي يخفونها والجميع يعلم بها، الناس على الجزيرة والحرس والخدم وأهل القصر، هي فقط من لا يعرف إذا هناك شيء يخفونه عليها وربما يكون هذا الشيء غير قانوني ويخافون منها لذا سيحاولون الإسراع في إجراءات الميراث لكي ترحل من هنا..
تنهدت بصوت عالي وهي تشعر بالراحة عندما توصلت إلى هذا الحل فهي لا يهمها إن كان قانوني أو غيره كل ما تريده الابتعاد عن هنا مع حقها وليذهب الجميع من بعد ذلك إلى الجحيم..
أغمضت عينيها، وأراحت رأسها إلى ظهر الفراش تستند عليه وهي جالسة فوقه ممدة القدمين، غامت على عقلها ذكرى راحله منذ أكثر من السبع سنوات..
“أقتربت من زوجها “يونس” في الفراش بعد أن وضعت فتاتها الصغيرة في فراشها لقد أرهقتها كثيرًا وهي تحاول معها أن تجعلها تنام لتجعلها هي الأخرى تأخذ بعض الوقت الذي تريح به جسدها..
كان يضع نظارات طبية يتمسك بالحاسوب النقال الخاص به يدقق بما يعرض أمامه، استمع إلى صوتها وهي تستقر على الفراش جواره:
-بس أخوك ده صعب أوي يا يونس.. إتم كده مش بيضحك مش بيتكلم ولا بيعمل أي حاجه غير يخرج ويدخل وهو مكشر
أجاب على حديثها بجدية وعينيه مازالت على حاسوبه:
-هو جبل كده على طول بتاع شغل وبس
ضيقت عينيها عليه وقالت بفتور:
-هو شغال ايه
حرك رقبته للناحية اليمنى ثم اليسرى وقال بلا مبالاة وبساطة:
-محامي.. بيشتغل محامي
رفعت حاجبها الأيمن وهي تنظر إليه تلوي شفتيها باستغراب:
-ده محامي؟ غريبة أوي
-اشمعنى!
-ده مش شكل محامي خالص ولا طريقة محامي.. مش أسلوب يعني وبعدين عمري ما شوفته داخل ولا طالع بشنطه ولا حتى عنده مكتب وبعدين مكتب ايه ومحامي ايه هو المكان اللي هما فيه ده محتاج محامي ده فيه مدرسة بالعافية
رفع بصرة من على الحاسوب تاركًا إياه جواره على الكومود وأبعد نظارته الطبية عنه:
-وفي وحدة صحية كمان
ارتفعت ضحكاتها فجأة غير مُسيطرة على نفسها ثم وضعت يدها على فمها عندما تذكرت الصغيرة النائمة وتفوهت بسخرية:
-يا شيخ؟ وحدة صحية بحالها دا مكان أسري بقى
تابعها بنظراته ولم يهتم بحديثها المهمين على مكان معيشة أهله ولكنه قال بجدية:
-طبعًا واحدة زيك هتقول ايه غير كده عايشة في دبي في منطقة راقية مرات راجل مقتدر وشايفة الدنيا على كيفك.. بس أحب أقولك إن الجزيرة فعلًا فيها مكان أثري
اعتدل على الفراش مثلها يمدد قدميه مُستندًا برأسه إلى الخلف واستمع إلى تفوها المتأكد:
-الجبل
اومأ إليها برأسه دون الحديث فسألته بجدية ناظرة إليه بعمق:
-ليه منعتني أقرب منه
اعتدل مرة أخرى وجلس على الفراش ناظرًا إليها بجدية وحزم وبدا على وجهه أن ما يقوله لا يسمح بالنقاش:
-علشان الجبل ده مش لينا.. ولا أنا ولا أنتي ولا ممكن أبدًا نقرب منه مهما كانت الظروف الجبل محدش بيروح عنده ولا بيدخله ولو بيحصل غير كده بردو أنا وأنتي لأ ولو حصل نصيب ورجعنا هناك تاني إياكي تروحي جنبه
تسائلت باستغراب عندما رأت تحوله المفاجئ:
-ليه كل ده
أكمل قائلًا بنفس نبرته القوية الحازمة:
-علشان ده خاص بجبل أخويا وأي حاجه خاصة بيه أبعدي عنها.. جبل مش سهل واللي بيقرب من حاجته بياكله أكل
صاحت وهي تشيح بيدها تجاهه بعصبية:
-ايه ايه اهدا الله هو كان اشتراه بفلوسه ولا مكتوب بإسمه مش بتقول مكان أثري يعني بتاع الكل
نفى برأسه وهو يأكد عليها:
-لأ بتاع جبل.. اومال فكرك اسمه جبل ليه
لوت شفتيها وحركت رأسها وهي تقول بملل:
-ماهو أكيد اسمه محمد مثلًا إبراهيم كمال وطلع عليه جبل ده
تابع النظر في عينيها مباشرة وابتسم بسخرية قائلًا:
-لأ يا أنصح أخواتك اسمه جبل.. جبل العامري نسبة للجبل اللي على الجزيرة
تمددت على الفراش ونظرت إلى سقف الغرفة قائلة باستغراب:
-وده ليه؟ وليه ممكن باباك يسميه جبل
أطال النظر إليها، يعلم أنها فضولية للغاية وتود معرفة كل شيء وما السبب وراءه وما النتيجة من بعده وهذا سيتعبه ويتعبها كثيرًا، يحمد الله أنه بعيد عن الجزيرة كل البعد
أردف بجدية وقوة وهو يخرج الكلمات من شفتيه بحزم وداخله خوف لأنه يعلم زوجته جيدًا:
-زينة أهم حاجه زي ما قولتلك مالكيش دعوة بجبل نهائي، لو شوفتيه من بعيد متقربيش منه خليكي بعيدة زي ما أنتي.. أنا قولتلك جبل مش سهل ومش أي حد يقدر عليه أخويا الكبير وأنا عارفه
استدارت بوجهها للناحية الأخرى تتثائب وتسحب عليها الغطاء:
-وأنا هشوفه فين بس يا يونس.. نام يا حبيبي
تنهد بعمق وهو ينام جوراها ويغمض عينيه قائلًا كلمات لم يكن يعلم أنها حقيقية إلى هذه الدرجة في وقتها:
-مين عارف اللي مستخبيلنا.. محدش يعرف الأيام فيها ايه يا زينة”
استفاقت من تلك الذكرى التي لعبت بعقلها، لقد كان “يونس” زوجها يعرف الكثير عن شقيقه! يعلم أنه صعب للغاية وقال لها هذا الحديث وحذرها، هي إلى الآن لم تقابل أي شيء صعب منه بل قابلت أفعال رديئة يمكنها ابتلاعها إلى أن تذهب..
ولكن ما في رأسها الآن هناك شيء غير قانوني يحدث في هذه الجزيرة حقًا وكان يعلم به “يونس”.
هل أخفى عنها حقيقة شقيقة وعائلته؟ ولما قد قال أنه يعمل محامي ووالدته قالت أنه كبير الجزيرة وينوب أهلها! هل كل هذه الشكوك في رأسها هي فقط وعقلها الذي يوسوس إليها بهذا أم أنه صحيح وواقعي..
تعلم أن عقلها سوداوي وكل أمر بسيط يعقده ويجعله أقرب إلى المستحيل حدوثه وكل أزمة تمر بها يكبرها ويجعلها على وشك أن تكون متهمة بها ولكن هناك إحساس هذه المرة ينبعث من قلبها يتفق مع عقلها بقول أن هناك الكثير من الأشياء المخفية والكثير بخصوص ذلك “جبل” الذي أخذت التحذير الكافي بخصوصه من زوجها ولم تأخذه على محمل الجد بل وتهاونت به أيضًا..
تشعر أنها تائهة بين عقلها وقلبها على متن هذه الجزيرة التي تقع في مُنتصف النيل، لا يدري بوجودها بشر ولا سبيل للنجاة منها إلا الهرب أو الغرق..
❈-❈-❈
مر الأسبوع الذي انتظرته بفارغ الصبر، لقد كان أشبه بالعام وليس بضع أيام تخلد للنوم بها وتستيقظ وتجدها انتهت، كانت أشبه بأوقات السجن المملة، تعتبر نفسها سجينة داخل زنزانة وتنتظر لحظة الإفراج وإخلاء سبيلها.. وهذا ما كان بالضبط يحدث لقد كانت تنتظر على أحر من الجمر كي تذهب من على هذه الجزيرة عائدة إلى مكانها مرة أخرى وبحوزتها الأموال الذي تجعلها سعيدة هي وابنتها وشقيقتها..
الإنتظار كان قاتل ولكنها تحملت فقط من أجل أن لا يضيع كل هذا هباء ويذهب تعبها في الوصول إلى هنا ومعاناتها السابقة مع الرياح..
ولكن الحقيقة أن مخاوفها كانت تزداد يوم بعد يوم أثناء وجودها هنا بالأخص عندما أتت الشرطة إلى الجزيرة وعندما تذكرت حديث زوجها واستمعت إلى حديث العاملين بالقصر.. ظلت الأفكار تتهاتف على عقلها بكثير وتأتي من هنا وهنا وتجعلها تشعر بالخوف والرهبة على ابنتها وشقيقتها في هذا المكان..
لقد كانت ستضيع منها شقيقتها بسبب سوء فهم من أحد الحراس إذًا هم يعتادون على ذلك وعلى أهبة الاستعداد دائمًا لقتل أي شخص يقف في مواجهتهم..
وكل ما كان يشغل رأسها أيضًا مع هذا هو أنه لو كان صحيح زوجها يعلم وتركها هكذا تضل ما يحدث؟ ماذا لو حدث لهم شيء ألم يكن خائف على ابنته وزوجته؟ أم أنه كان خائف من أن يقوم بفضح عائلته أمامها!..
على أي حال لقد انتهت المدة التي طالبت بها والدته الآن عليهم أن يوفروا لها حقها هي وابنتها، عليهم أن يجعلوها تنال الراحة ولو قليلًا فهي تحمل على عاتقها مسؤولية أكبر منها هي شخصيًا.. قد تبدو جامدة حادة صالبة أمام الجميع ولكن داخلها هش للغاية يبحث عن الأمن والدفء الذي ينعم به ولو حتى لدقائق..
أنها الشخص الكبير في أسرتها وهي الأمن بالنسبة إليهم كل منهم يرتمي في أحضانها في السعادة والحزن والشدة والضعف.. ولكن هي ليس لديها من ترتمي في أحضانه وتلقي عليه بعض من تلك الهموم التي تحملها وحدها..
فقط عندما تأخذ المال وتعود إلى دبي لن يكون هناك مشاكل ولن تحتاج إلى أن يكون جوارها من ترتمي بأحضانه.. سيغنيها المال عن أي شخص ويحل محل المشكلات العويصة كالتي واجهتها..
❈-❈-❈
في لحظة ما شعرت أن حياتها انتهت وقلبها توقف عن النبض، كل ما فعلته هو التجول في مكان غريب وجديد عليها ولكن لم تكن تتوقع أبدًا ما سيحدث لها داخل قصر العامري، شعرت أن حياتها رخيصة للغاية ولا ثمن لها.. في لمح البصر كانت ستُقتل ولن يكن لها دية عندهم ومنذ أن حدث ذلك وهي متوترة وقلقه بشأن وجودها هنا في هذا المكان..
فهم يتعاملون معهم على أنهم بمنتهى البرود والبساطة وكأن حياتهم ليس لها أي قيمة.. لقد اؤذيت نفسيتها كثيرًا مما حدث وشعرت بالقلق والخوف المبالغ به حتى أنها لم تخرج من بوابة القصر أبدًا من حينها وكأن قابض الأرواح ينتظرها بالخارج غير أن ذلك الغبي نعتها بألفاظ بشعة وشكك بها وكأنها فتاة رخيصة تفعل أي شيء دون حساب ولم تحصل على الأدب في حياتها يومًا ما..
بكائها والحلف بيمين الله لم يشفع لها ولم يرق قلبه ناحيتها ذلك المعتوه الأهبل الذي يماثل الأصنام في طولها وحجمها الكبير الذي يبتلع البشر..
جلست في الخارج وهي تطمئن أن الجميع علم بوجودها فلا خوف بعد ذلك منهم هؤلاء الحراس الأغبية..
نظرت حولها وهي تجلس على المقعد وكأنها في بيت رجل عصابات أو مافيا ليس في مكان قذر كهذا.. البوابة الخارجية عليها حارسان والداخلية عليها حارسان وهناك غرفة للحرس بجوار البوابة من الأساس غير هؤلاء الست أو السبع حراس المتناثرين في الحديقة وكل منهم يحمل سلاح!.. لما كل هذا؟
لوت شفتيها باستغراب وعدم معرفة ثم فتحت جوالها الخاص ورفعته أمام وجهها ليبدأ البث بينها وبين أحد الأصدقاء لها..
تحدثت صديقتها على الناحية الأخرى باللغة الإنجليزية مُبتسمة:
-Hello Israa, how are you
“مرحبًا إسراء، كيف حالك”
أجابتها الأخرى بابتسامة تماثلها على وجهها وهي تُجيب بحماس:
-Hi Laura, I’m fine, I missed you so much
“مرحبًا لورا، أنا بخير لقد افتقدتك كثيرًا
قابلتها الأخرى بسعادة وتساؤل:
-Me too, really, I’ve had a hard time reaching you since you left here
“وأنا أيضًا حقا، لقد واجهت صعوبة في الوصول إليك منذ أن رحلتي
أومأت إليها “إسراء” باستياء بسبب عدم وصول الشبكة إلى هنا دائمًا:
-Yes, the situation here is very bad and there is no internet
“نعم الوضع هنا سيء للغاية ولا يوجد انترنت”
تفاجات صديقتها وتغيرت تعابيرها وهي تتسائل بجدية وذهول:
-Oh, how can you endure without the Internet? Is there any place left in the world now without the Internet?
“اوه، كيف يمكنك الصمود دون انترنت، هل بقي مكان في العالم دون وجود انترنت
أومأت إليها ضاحكة بسخرية على حالها:
-Yes, here there is no, and here many things happen that you will not believe. I will tell them to you when I return to Dubai
“نعم هنا وهناك الكثير من الأمور تحدث لن تصدقينها سوف اقصها عليكي عندما أعود إلى دبي”
تسائلت الأخرى بحماس:
-when you will come back
“متى ستعودين”
لوت شفتيها بعدم معرفة ولكن أجابتها:
-I don’t know, but soon the situation here will be unbearable
“لا أعلم ولكن قريبًا الوضع هنا لا يحتمل”
ثم أدارت كاميرا الهاتف لصديقتها وقامت برصد الحراس المسلحين لها لتريها الوضع الذي تجلس به، شهقت الأخرى بفزع عندما رأتهم وتسائلت بخوف عليها:
-Oh my God what is this
“يا إلهي ما هذا”
تحدثت “إسراء بهدوء وبساطة:
-These are the guards of the palace we live in. I miss Dubai and touring around here is truly another life
“هذه حراسة القصر الذي نعيش به، لقد اشتقت إلى دبي والتجول بها حقا هنا حياة أخرى
استمعت إلى صوت خشن حاد فوق رأسها:
-مش المفروض أننا نصور حراسة القصر كده بتخالفي القوانين تاني
وقفت سريعًا لتستدير ناظرة إليه بخوف وتوتر، نظرت إلى صديقتها تنهي معاها المكالمة سريعًا:
-Laura, I’ll talk to you later
“لورا سأحدثك لاحقًا”
أغلقت الهاتف سريعًا ونظرت إليه قائلة بجدية شديدة وقلبها يدق بعنف:
-أنا مكنش قصدي.. دي صاحبتي مش حد غريب
ابتسم “عاصم” بتهكم وهو يقول لها بجدية شديدة وعيونه حادة عليها:
-أنتي نفسك غريبة
تحركت بقدميها للأمام بعد أن تلبكت بسبب حديثه ونظراته وهتفت وهي تتحرك:
-عن اذنك
جذبها من ذراعها بقوة لتعود وتقف أمامه مرة أخرى، خلعت ذراعها من بين يده القوية ونظرت إليه باستغراب فاستمعت إليه:
-أنا بعتذر عن اللي عملته معاكي.. مكنتش أعرف أنك دخلتي القصر فكرتك حد تاني
نظرت إليه، تابعته بعينيها الزرقاء وبقيت صامتة فاستغل هذه الفرصة وأبحر داخل جمالها الأخذ في وسط النهار وهو ظاهر بوضوح للجميع.. التهم ملامحها الرائعة الجميلة عينيها الزرقاء وشفتيها الوردية وبشرتها البيضاء الغريبة..
أكل بعينيه كل ملامحها ومفاتنها ورائحتها!.. تنبعث منها رائحة نظيفة رائعة يفتقدها في مثل هذه الجزيرة.. والحق يقال هو يفتقد فتاة جميلة بريئة مثلها..
يبدو عليها الإرتباك والغباء أيضًا، ضعيفة وسلبية للغاية يظهر ذلك عليها بوضوح وعلمه وتيقن منه عندما ارتمت داخل أحضان شقيقتها ولم تستطع الحديث بينما الأخرى ذات المخالب هي من تحدثت..
غريبة هذه الفتاة بكل تفاصيلها ولا يبدو أنها شقيقة الأخرى عادية الجمال.. هل يحقق بها؟ هل عينيه تجوب وجهها مرة بعد مرة؟ هل وقف أمام عيونها الزرقاء ولم يعد يستطيع أن يزحزح عينيه عنها؟ هل يدق قلبه الآن؟!
تنهد سريعًا ومحى هذه الأفكار الغبية من رأسه، أخفى كل ما شعر به في دقيقة واحدة إن كان أظهره من الأساس ونظر إليها قائلًا بصوت رجولي أجش:
-قبلتي اعتذاري!
اومأت برأسها إليه بخوف أكثر من السابق بعد أن استغرق كل هذه المدة في النظر إلى وجهها فتابع قائلًا وهو يسترسل معها في الحديث دون دراية أنه يفعل ذلك:
-اسمك ايه بقى
خرج صوتها مبحوح لا تدري من هيبة الموقف أو من تذكر شكله المخيف تلك الليلة:
-إسراء مختار
ابتسم ناظرًا إليها بعمق يقول بحس لا يميل للفكاهة:
-انتوا عيلة موسيقية ولا ايه ده اسم موسيقي
وجدها جامدة الملامح تنظر إليه باستغراب ربما لا تستطيع أن تفهم ما الذي يحدث الآن فسألها:
-هو أنتي لسه خايفة
حركت رأسها للأمام بنعم ثم سريعًا حركته يمينًا ويسارًا نافية ولكنه عندما رآها تفعل هذا بجسد صلب ووجه جامد انفرط في الضحك بصوت عالي.. بدأ مظهرها غبي فعلًا وضعيف، متوترة وتتمسك بهاتفها بيدها بقوة ولو لم يكن معدن صلب لكان كُسر بيدها من كثرة الضغط عليه..
وقف ثابتًا وتفوه بجدية وابتسامة:
-متخافيش إحنا مش بنأذي حد وأنا مكنتش هعمل فيكي حاجه.. ده كان مجرد تهديد وبعدين أنتي شكلك عيله صغيرة يعني متخافيش
خرج صوتها هذه المرة بقوة وصوت واضح وهي تنفي كلمته بغيظ وانزعاج:
-أنا مش عيله
تابع انزعاجها بنصف عين وأدرك أنها طفلة للغاية ويستطيع أن يقسم على ذلك ولكنه تعامل معاها بنفس أسلوبها واسترد:
-عندك كام سنة
أجابته بفخر وهي تبتسم قائلة:
-اتنين وعشرين
فهم ما الذي سيجعلها تسترسل معه في الحديث بعد تلك الابتسامة فتابع معها وهو يتحدث بما يهواه عقلها:
-ياه دا أنتي كبيرة كده فعلًا
أشارت بيدها إليه بحماس وابتسامة واسعة:
-شوفت بقى إني كبيرة ومش بحب حد يقول إني صغيرة
تابع على نفس النحو باستهزاء من داخله ولكنه يكمل معها:
-لأ مالهمش حق يقولوا كده طبعًا
أكمل وهو يقدم يده إليها وهو يشعر بالكثير من الأمور الثائرة داخله على بعضها البعض ولكنه لا يستطع الإبتعاد أو تحريك نظرة عنها:
-أنا عاصم.. رئيس الحرس وصاحب جبل
نظرت إلى يده الممدودة إليها بتردد ثم قدمت يدها إليه ووضعتها بها قائلة بابتسامة واسعة:
-وأنا إسراء أخت زينة مرات يونس الله يرحمه
حرك رأسه ومازال ممسكًا بيدها قائلًا:
-مش زعلانه من اللي عملته أكيد
حركت رأسها بالنفي مجيبة عليه:
-لأ خلاص مش زعلانه كده
ترك يدها وابتسم باتساع، لا يدري ما الذي يحدث له يُقسم على أن كل ما حدث بينهم الآن من حديث وانجذابات ليس له يد به كل هذا حدث دون دراية منه ودون إرادة، ينجدب نحوها كالمسحور وقلبه يدق بعنف ناحيتها وكأنه في مشادة قتالية مع أحدهم..
لقد رحلت من أمامه ودلفت إلى الداخل وهو مازال ينظر في أسرها يحاول فهم ما الذي حدث منذ قليل وما هذه الفتاة الرائعة في الجمال والطفولة للغاية في حديثها وأفعالها..
❈-❈-❈
كانت الأيام الماضية من أسوأ الأيام الذي مرت على “جبل العامري” ومن أسوأ الليالي الذي حظى بها وحده، لقد أشعلت والدته داخله نيران لا تنطفئ إلا بشيء واحد يعرفه جيدًا ولكنه يأبى فعله..
أشعلت النيران وأمسكت بالبنزين ساكبة إياه عليه ولا تريده أن يشتعل بل تريد أن يمر كل شيء بسلام كيف وهي من فعلت ذلك؟..
لقد كان يعيش بهدوء وحده ولا يفكر في هذه الفكرة الغبية الخبيثة التي قالتها له، لم يكن ينوي فعلها ولم يتوجه إليها يومًا ما منذ أن أصبح “جبل” الآن..
هي أيقظت الفكرة وأتت بمن سينفذها أمامه وتدفعه لفعلها.. كلما مرت زوجة شقيقه أمامه شعر بنيران تلتهب داخله وتأكل خلاياه وتشعل الرغبة به..
مرة بعد مرة لا يستطيع التحكم في نفسه فيذهب سريعًا من محيط مكانها يبتعد ليكون وحده غير قادرًا على التحمل، لقد اشتعلت شهواته مع النيران وطالبت بالرحمة والمغفرة وأن يعفو عنها سامحًا بوجود امرأة بحياته كي يقتل كل ذلك الألم الذي يقتله وحده..
وجود هذه المرأة التي تتغنج أمامه كالغزال بخصلاتها السوداء الطويلة يصيبه باللعنة، لا يستطيع السيطرة على نفسه في حضرتها ولا يستطيع أن يتوقف عن التفكير في ذلك الأمر في غيابها.. ما الذي يقوله عن والدته فهي المتسبب الوحيد في كل ما يحدث هذا..
أنه يفكر في عيونها القناصة الذي تصيبه في لمح البصر كلما نظرت إليه وقابلت عيناه، تبعدهم كلما تقابلوا سويًا ولكن أثرها عليه عجيب ويجعله يشعر بالخوف من وجودها..
الآن هو يريدها، بكل جوارحه يريدها هي بالأخص فهي من ولدت أمامه واهتاج جسده ناحيتها فلا يريد غيرها ليكون موضع لكل آنه ألم تخرج منه..
أمامه حل من الاثنين، الأول أن يقتل كل هذه المشاعر الجياشة داخله ويتحكم بنفسه وجسده ويعطيها ما لها عنده ويجعلها ترحل دون رجعه ويعود هو الآخر إلى وضعه الطبيعي ويمحي فكرة وجود النساء في حياته.. وفي هذه الحالة ستغضب والدته وتثور وتفعل ما لا يحمد عقباه وربما تقف فيما يفعل ولن تجعله ينجح أبدًا ولن يستطيع قول شيء لها
والثاني أن يفعل مثلما طلبت والدته ويلبي طلب أعضائه واحتياجاته ويقوم بقتل ذلك الاشتياق الذي يدعي بقربها منه ويتزوجها وهنا لا يضمن وجودها على الجزيرة ما الذي ممكن أن يفعله خاصة أنها لا يبدو عليها من النساء المطيعات ولكنه يستطع أن يجعلها منهن..
وقفت أمامه في الصالون تنظر إليه بابتسامة مشرقة وهي تعتقد أنه استدعاها لأجل أن يقول لها أنه تم الانتهاء من إجراءات الميراث وستذهب!.. يا لها من طموحات وأحلام بسيطة ولكنها صعبة المنال في حالتها..
وضع يده الاثنين بجيب بنطاله الأبيض ووقف شامخًا يبدو عليه أنه حقًا كبير الجزيرة وقال بصوت أجش خشن:
-مدام زينة.. أنا عايز اتجوزك
محت الابتسامة سريعًا من على وجهها ونظرت إليه بذهول واستغراب بعد أن اتسعت عينيها عليه، لقد قالها بمنتهى العنجهية والتكبر وخرجت من بين شفتيه بنبرة ناهية وكأنه لا يطلب ذلك بل قرر أنه سيحدث..
لم تستطع شفتيها أن تتحرك بالحديث بل بقيت تحت تأثير الصدمة تنظر إليه ولا تعرف ما الذي من المفترض فعله..
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى