روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الرابع 4 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الرابع 4 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري البارت الرابع

رواية سجينة جبل العامري الجزء الرابع

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة الرابعة

“أنهارت حصونها ووقعت فريسة سهلة الصيد”
بقيت صامتة، تنظر إليه فقط بعيون مُتسعة مُستغربة مما استمعت إليه منه، لقد ألقى عليها صاعقة لم تكن مُستعدة لمواجهتها، أهو جن؟ هل هو أحمق؟ نعم مجنون وأحمق الاثنين معًا من يفعل شيء كهذا يكون مجنون ومختل عقليًا..
هي زوجة شقيقه! كيف يفكر بها بهذه الطريقة؟ كيف يرى أنها من الممكن أن توافق أن تكون زوجة رجل مثله غامض وغريب الأطوار..
صمتها طال أمامه وهي واقفة تفكر في كل الأبعاد لهذه الكلمة الوحيدة التي خرجت منه وكأنه مجنون.. أهو يفعل ذلك حتى لا تأخد مالها هي وابنتها؟ هل يطمع في حقها وميراث طفلة يتيمة مثل هذه.. إنها لا تطالب بشيء غريب ولا تطالب بحق ليس لها وهو يملك الكثير والكثير لما قد يفعل ذلك..
لما قد يفكر في زوجة أخيه زوجة له؟
حرك عينيه عليها ليحثها على الحديث بعد صمت طال بينهم، حركت رأسها وعينيها هي الأخرى بطريقة عفوية مُطالبة بالشرح أكثر من هذا:
-نعم!
أقترب منها إلى الداخل ومازالت يده بجيوب بنطاله، يقف كما هو بنفس العنجهية والتكبر الذي رأتهم به واستمعت إليه يقول:
-قولت عايز نتجوز
ابتسمت بسخرية وهي تضع يدها الاثنين أمام صدرها قائلة باستياء:
-وأنت بقى بتاخد رأيي ولا قررت
بادلها الابتسامة الساخرة وعلم مقصدها وفهم أن ما أراد أن يوصله إليها قد وصل فقال ببرود:
-أحب اسمع رأيك.. ده لو عندك
تنفست بعصبية وهي تبعد يدها إلى جوارها بعد أن استفزها حديثه وكأنه يقول أنه قرر بالفعل وسيستمع إلى كلماتها لمجرد الاستماع فقط:
-رأيي هو إني رافضة.. طلبك مرفوض
ابتسم وتقدم إلى الداخل أكثر ليقف قبالتها مباشرة، ينظر إلى سحر عينيها الغاضب من طلبه، ينظر إلى شراسة إمرأة مكبوتة داخلها لأنها تخاف من أن تخرجها في مكان لا أحد معها به وهي الحامي الوحيد لعائلتها..
هتف ببساطة واستلذ بالحديث معها:
-هسيبك تفكري.. بس خدي بالك في الآخر كلامي هيتنفذ
تحولت نظرتها نحوه للغضب الذي ظهر عليها فجأة وقالت بتهكم:
-ليه لوي دراع؟
سار داخل الغرفة، أخذها نقطة الدائرة وأصبح يلف حولها بجسده ثم وقف أمامها وثبت عينيه الخضراء عليها قائلًا بقسوة:
-أنا مبلويش دراع حد.. أنا بقطعه
ابتلعت غصة تكونت في حلقها وتابعت في تمثيل الشجاعة والغضب تهتف:
-المفروض أخاف!؟
ابتسم ناظرًا إليها وهو يقف أمامها لا يفصل بينهم إلا نسمات الهواء المارة:
-شيء يرجعلك
رأت نظرته نحوها في هذه اللحظة!.. رغبة خالصة نابعه من داخله.. أنها تعرف هذه النظرات جيدًا ألم تكن متزوجة لمدة ثلاثة أعوام!..
أيعتقد أنها سهلة المنال إلى هذه الدرجة؟ لقد فكر في وجود إمرأة في حياته ولم يجد إلا هي! أو أنه لم يفكر من الأساس بل وجودها أمامه جعله يريدها ليفرغ بها شحنته المتكونة داخله.. هذا يظهر عليه بوضوح!.. إنه لا يستطيع اخفاءه
ابتلعت ريقها ورفعت يدها إلى صدرها مرة أخرى ووقفت أمامه شامخة مُعتدلة مثله بالضبط، نظرت إليه بقوة دون خوف وخرجت الكلمات من فمها مُتتالية بمنتهى الثقة:
-جبل بيه.. أنا أرملة أخوك من خمس سنين كنت عايشة في بلد غريبة ولوحدي لأ وكمان مسؤولة عن بنتين معايا.. عدت عليا ظروف حلوة والوحشة أضعاف مضاعفة ومر عليا الراجل الجدع.. واللي عينه زايغة ومليانه رغبة كدابة ناحيتي وأنت بقى مش حد غريب علشان أتكلم معاه.. أنت أخو يونس الله يرحمه اللي مش هيجي بعده أبدًا
شعرت أنها تود أن تتحدث معه بهذه الطريقة بعد أن رأت تلك المشاعر بعيناه، عليها أن تجعله يقف عند حده ويعلم أنها تستطيع حماية نفسها من أي شر قد يكون معتقد أنه سيخيفها به:
-أنا بعرف أحمي نفسي كويس أوي وزي ما قولتلك عدا عليا كتير والوحش منهم أكتر فأنا مبخافش ومبتهزش.. أنا السبب اللي جابني هنا أزمة مالية وإني عايزة بنتي تفضل عايشة في نفس المستوى اللي عيشها فيه أبوها فجيت أخد حقها وحقي.. مش جايه أخد حق حد
ابتسم باتساع وحرك رأسه بذهول، لم يكن يعلم أنه ماكرة إلى هذه الدرجة.. لدرجة فهم ما الذي يريده منها، أخرج يده اليمنى من جيب بنطاله ورفعها إلى وجنتها يُحركها عليها برفق وطريقة غريبة قائلًا ببرود:
-حلو إنك بتتكلمي دوغري يا مدام زينة.. بس أنا بردو هديكي فرصة تفكري ومش عايزك تنسي أبدًا مين هو جبل العامري
ضربت يده بقوة تبعد إياها عنها، وصاحت بعصبية أمامه:
-بقولك ايه.. أنا ميخصنيش مين هو جبل العامري كل اللي يخصني أخد حقي وأمشي ولا أكتر ولا أقل لكن اللي بتقوله ده جنان جواز ايه وبعدين هو أنا يوم ما أفكر اتجوز بعد يونس اتجوزك أنت!
استدار ينظر إلى الخلف للحظة ثم في اللحظة الأخرى كان يقترب منها بيده اليمنى يضعها خلف عنقها يجذبها ناحيته للأمام حتى أنها أخرجت صرخة مباغتة ونظرت إليه باستغراب وذهول..
وجهها قريب منه للغاية وأنفها يستنشق أنفاسه الساخنة المتتالية بعصبية وغضب أتضح إليها أكثر وهو يتحدث أمام شفتيها بصوت خافت يماثل فحيح الافعى:
-هنغلط! يبقى هنزعل من بعض وأنا زعلي وسخ مش وحش.. أنا زعلي وسخ يا غزال، الله وكيل ما هتستحمليه ساعة
كانت ترفع عينيها للأعلى لتقابل عينيه المخيفة التي تسبب لها الرعشة بجسدها كلما رأتها هكذا، لم تفهم الذي يحدث معها، لم تفهم ما الذي يريده منها ولما قد يقابلها بهذه الطريقة ولما التهديد هذا..
أوقعت بين يده؟ أخطأت عندما أتت إلى هنا لتأخذ نصيب ابنتها وتضمن مستقبلها؟ ستتحمل نتيجة خطأها وعدم الاستماع إلى زوجها يونس؟ هل كان عليها أن تتسول ولا تأتي إلى هنا! إلى جزيرة العامري
انتشلت نفسها منه وعادت للخلف بقوة تنظر إليه بعيون يملأها الحقد تجاهه والندم لأنها أتت إلى هنا تخاف أن تكون هذه بدايتها..
استدارت تعطيه ظهرها، لقد صدمت منه، ابتلعت كلماته بخوف شديد، لقد كان “يونس” معه كامل الحق يجب الإبتعاد عنه.. يجب أن تكون على بعد كافي من هذا الشخص ولكن كيف فهي أتت إلى هنا بمحض إرادتها..
تنفست بعمق واستدارت إليه مرة أخرى تنظر بجدية وحاولت ألا تظهر له خوفها، كي لا تكون فريسة سهلة الصيد وقالت بثقة وتأكيد:
-للمرة المليون هقول.. أنا جايه علشان أخد حقي أنا وبنتي وأمشي، جواز مرفوض نهائي وياريت تنجز في حوار الميراث ده علشان نمشي
نظر إليها بابتسامة شامتة بها وبما حدث لها من تلبك وتوتر يظهر بوضوح على ملامحها وحديثها على الرغم من أنها تحاول أن تخفيه ولكن ليس هو من يخفى عليه أمرًا..
وضع يده في جيبه مرة أخرى وسار بهدوء إلى الخارج وبلا مبالاة متناهية وقال بنبرة هادئة:
-معاكي فرصة تفكري وهاخد منك الرد قريب.. يا غزال
خرج من الغرفة بمنتهى العجنهية والتكبر وهو يُسير بخطوات ثابتة بطيئة واثقًا في كل ما يفعله يظهر إليها الشماتة، بعد أن وجدها عادت للخلف خطوة متزعزة قوتها وفار غضبها إلى جوارها على الأرضية..
يا له من حاكم لا مثيل له في هذه البلاد، وقريبًا سيعلن الأفراح ويأخذ ما أراد وينال من نظر إليه واشتهاه وكل هذا بسبب والدته..
بقيت تنظر إليه بذهول.. كيف يمكنه أن يكون هكذا؟ كيف يمكنه أن يهددها بهذه الطريقة.. لأنها رفضت هذه الزيجة.. رفضت حديثة ما الذي ينتظره؟ لما لم يتحدث عن الميراث؟ ماذا أن رفضت مرة أخرى؟
جلست على المقعد خلفها وبقيت تنظر في الفراغ وعقلها السلبي يأتي بها من هنا إلى هناك ويتحدث معها في أمور سلبية للغاية ولكن كان على حق.. كل ما أملاه عليها سيحدث لها أن رفضت الزواج منه..
ما هذا الظلم الذي تمر به هنا وهناك؟ أين العدل!.. ما هذة الحياة الظالمة! أتت لتأخذ مالها يرفض ذلك ويطلب الزواج منها!!.. يطمع في حقها! أم يطمع بها؟
ولكن على أي حال لن تتراجع عن ما أرادته ولن تعود إلى دبي إلا ومعها حقها وإن رفض ستقوم برفع دعوى قضائية ضده، ولن توافق على أي زواج في هذا المكان المشؤوم الغير معروف له اسم.. حتى أنه لا يوجد على خريطة الدولة..
تنهدت بصوت مسموع وهي تحمل همومها داخل قلبها لتقف على قدميها تتقدم إلى الخارج بعد أن أخذت منه أكبر صدمة بحياتها.. فهي الآن لا تعلم ما الذي يجب عليها التفكير به وهو شخص غريب لا تستطيع أن تحدد نتيجة أي ردة فعل منها..
❈-❈-❈
بعد أن قال الحارس لـ “طاهر” أن بضاعتهم قد أصبحت على الجزيرة في مكانها المعروف، أتت الشرطة ولم تجد شيء كان يعلم هو أين نقلهم “جبل” ولكن لم يكن من المفترض البوح بذلك إلى “طاهر” وإلا يكون كشف أمره.. وكما أراد هو حدث أنه يمسك الاثنين بيده واحدًا من هنا والآخر من الناحية الأخرى..
كان يتحدث عبر الهاتف مع “طاهر” الذي صاح بانفعال:
-بقولك ايه هو أنا أهبل قدامك علشان تضحك عليا
انفعل الآخر مثله وصاح بصوت عالي وهو يبتعد إلى خلف القصر:
-لأ مش أهبل يا طاهر وأنا عمري ما ضحكت عليك
استرد “طاهر” بتهكم وسخرية وهو يقلل منه لأنه لم يأتي إليه بالنفع أبدًا:
-وعمرك بردو ما نفعتني يا حيلتها
أشار بيده بعصبية منفعلًا وهو يُجيب على حديثه الساخر منه:
-وأنا أعملك ايه جبل عرف أن الحكومة شادة عليه نقل البضاعة كلها ومنعرفش فين
تحدث الآخر بغيظ وانزعاج متسائلًا بعصبية لأنه يعلم أنه يكذب عليه:
-أهبل أنا ياض.. نقلهم إزاي وانتوا متعرفوش هو انتوا مش حرس عنده ولا ايه
أتى بأخره بسبب حديثه الغير مقبول بالنسبة إليه فصاح بنفاذ صبر وقوة:
-بقولك ايه أنت يا طاهر أنا هكدب عليك ليه أنا لو مش عايز اشتغل معاك مش هتضربني على أيدي.. هو زي ما بقولك كده جبل نقل البضاعة من غير الحراس اعرفلك أنا منين هو نقلها فين
تحرك “طاهر” في الغرفة بعصبية وهو يصيح:
-وأنت لزمتك ايه.. ما تسأل أعرف دور وراه
تهكم الآخر عليه وتشدق قائلًا:
-وأروح في شربة مايه علشانك.. أنت عارف جبل مبيرحمش
ابتسم وهو يتحرك قائلًا بخبث ومكر ظهر في صوته:
-بس هيجي عندك ويرحم ولا أنت قليل عنده
احتدت نبرة الآخر بضراوة وهو يقول:
-طاهر بلاش تصطاد في المايه العكره
تحدث “طاهر” بحدة عندما نفذ صبره وهتف قائلًا:
-ولا أنا عايز أخبار أعرف استفيد منها.. فاهم
أجابه بهدوء وهو ينظر من خلف القصير إلى الأمام ليأمن مكانه الذي يتحدث منه خوفًا أن يستمع إليه أحد:
-لما يجد المستجد أبقى أقولك
أردف يرد بمكر:
-بس أنا سمعت جديد
ضيق عينيه وتسائل باستنكار:
-ايه وكلت غيري ولا ايه
قال بهدوء وجدية وهو يلعب بالكلمات ليزعجه:
-لأ أنا الجديد جه لحد عندي من غير ما اوكل حد.. اللي أنا وكلته خيخه
أردف مُجيبًا باختناق وانزعاج منه ومن كثرة حديثه:
-طاهر.. الزمها
تسائل بجدية مضيقًا عينيه ينتظر استماع الإجابة:
-مرات أخوه اللي مات موجودة في الجزيرة
اومأ وهو يحرك الهاتف إلى الأذن الأخرى قائلًا بجدية:
-وبنته ومعاها أختها صاروخ أرض جو
سأله بفتور:
-أختها ولا هي
أجاب الآخر بضيق:
-أختها يا أبو مخ ضلم.. أختها
تسائل مرة أخرى بجدية أكثر يريد معرفة الأمور الذي تحدث عندهم بدقة:
-ودول عايزين ايه ولا جايين ليه.. مش غريبة أنهم موجودين في الجزيرة
أجابه هو الآخر بفتور مثله ونبرة لا مبالية بحديثه:
-جايين زيارة.. علشان الحجه وجيدة تشوف البت الصغيرة وماشين
اومأ برأسه:
-اه قولتلي كده
تابع بجدية شديدة يؤكد عليه أنه ينتظر منه المعلومات الكافية التي تبرد ناره من ناحية “جبل”:
-هستنى مكالمة منك تقولي فيها على الجديد الشديد اللي ينفعني بصحيح.. مش لعب عيال
رد الآخر بجدية:
-ماشي.. أعرفه وأقولك
ثم أغلق الهاتف دون حتى أن يستمع إلى باقي حديثه فقد مل منه وشعر بفوران الدماء في عروقه بسبب كثرة حديثه وإلحاحه عليه كل فترة صغيرة فقد طفح الكيل منه ومن طلباته التي لا تنتهي بخصوص الانتقام من “جبل” عن طريق أي خطأ يقع به لأن ذلك الأبلة لا يستطيع في أي شيء ليصيبه لأنه غبي ولا يستطيع التفكير والتدبير كما يفعل الآخر فقط يريد أخذ مكانه في البلد ولا يفكر في عواقب ذلك عليه بعد أن يناله..
❈-❈-❈
سارت “إسراء” راكضة خلف “وعد” في حديقة المنزل الكبيرة والمكان الوحيد للخروج إليه من هذا القصر الكئيب، فقد ملو الجلوس به وهم لم يكونوا معتادين على مثل هذه الجلسة..
سارت خلفها ضاحكة بصخب وصوت عالي:
-مش هسيبك.. همسكك يا عفريته
وقفت الطفلة على بعد منها وأخرجت لسانها بدلال وهي تقول برقة صارخة:
-مش هتعرفي
ركضت ناحيتها سريعًا بغيظ:
-طيب أنا هوريكي يا سوسه
استدارت “وعد” لكي تركض في الحديقة مُبتعدة عنها ولكنها وجدت جسد صلب يقف أمامها لم تدري بوجوده إلا عندما صدمت رأسها بعمود من أعمدته..
حيث أنها عندما التفت لتذهب راكضة كان قدمية خلفها مباشرة فاصطدمت به..
انحنى قليلًا ورفعها على ذراعه ناظرًا إليها بتمعن وجدية، فاستمع إلى صوتها الرقيق وهي تسأله:
-أنت مين! نزلني
تابعها بابتسامة واسعة على شفتيه الغليظة ثم أردف بصوت حنون:
-أنا عاصم كنت صاحب بابا يونس
نظرت إليه بعينيها مدققة به ثم قالت ببراءة أطفال:
-بجد؟ بس أنا عمري ما شوفتك
سألها مُضيقّا ما بين حاجبيه يركز عينيه عليها:
-وأنتي شوفتي صحاب بابا قبل كده
أومأت إليه بالإيجاب وهتفت قائلة بهدوء وهي تستند بيدها اليمنى على كتفه:
-آه عمو حمزة بس اللي صاحب بابا وكان بيجيلنا على طول
أكمل يوضح لها سبب عدم معرفتها به وعدم ذهابه إليهم:
-أنا كمان صاحبه بس أنا عايش هنا فمكنتش بجيلكم علشان كده
ضيقت عينيها بشكل طفولي وهي تضغط على شفتيها ثم قالت له بتسائل ظريف:
-أنت عاصم اللي خليت إسراء تعيط
رفع بصره إلى “إسراء” التي كانت على بعد خطوات بسيطة منهم تستمع إلى حديثهم سويًا تنظر إليه بخجل بعد أن استمعت إلى كلمات ابنة شقيقتها الأخيرة، فأبتعدت بعينيها عنهم سألها بجدية:
-مين قالك كده؟
أجابته ببساطة:
-أنا سمعت ماما وإسراء وهما بيتكلموا
نظر إلى “إسراء” مرة أخرى وعاد إلى الطفلة على يده قائلًا بعتاب:
-طب ومش كده عيب ولا ايه
حركت يدها في الهواء قائلة:
-أنا مكنتش بسمع بقصدي أنا كنت داخله الاوضه وهما بيتكلموا
مرة أخرى يعود ليفعل نفس الحركة بعينيه ينظر إليها إلى أنها تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها بسبب الخجل الذي أصابها من نظراته التي لا تفهم لها معنى، سأل الفتاة بخبث ومكر:
-وسمعتي ايه
رفعت عينيها عليه بخجل:
-مش هينفع أقولك
سألها باستفهام لمعرفة لما لا تريد قول ما استمعت إليه:
-ليه؟
تفوهت قائلة بأدب واحترام:
-علشان ماينفعش أقول لحد حاجه سمعتها أو شوفتها ماما علمتني كده
ابتسم ناظرًا إليها وحرك رأسه باستغراب ثم أضاف بنبرة حنونة ناعمة يتوارى داخلها الخبث:
-شاطرة.. طيب ممكن نبقى صحاب؟ أنا حتى ممكن ألعب معاكم
ابتسمت بسعادة ونظرت إليه غير مصدقة أنه من الممكن أن يقوم باللعب معهم ليحيي اللعب فهم الاثنين فقط لا يتسلون:
-بجد؟
أومأ إليها برأسه للأمام ونظر إلى الآخرى داخل عينيها مباشرة يبعث الحديث إليها لا للطفلة، قائلّا بصوت خافت نادم على ما فعله يطلب السماح:
-آه بجد بس تسامحيني علشان خليت إسراء تعيط أنا كنت غلطان
حركت يدها عليه وقالت بابتسامة:
-سامحتك
سألها ومازال ناظرًا إلى “إسراء” يبعث الحديث إليها وهي تنظر إليه بخجل شديد ووجنتيها تكاد تحترق من شدة الخجل:
-هنبقى صحاب؟
اومأت برأسها تؤكد حديثه مطالبة ببدأ الإتفاق من الآن:
-آه نبقى صحاب ونلعب مع بعض دلوقتي
أقترب خطوات معدودة وهو يحمل “وعد” على ذراعه وتوجه ناحية “إسراء” ليقف أمامها مباشرة، عينيه تحاكي عيناها بضراوة، لهفة وشوق ناحيتها لا يدري ما سببه وكأنه يود أخذها في الحال..
سألها بمكر وعيناه تتابعها بدقة:
-مش موافقة ولا ايه
تمتمت بالكلمات بخفوت وخجل شديد وهي تخفض عينيها الزرقاء عنه:
-على ايه
ابتسم وهو يحاول النظر إلى عينيها بعد أن اخفتهم عنه قائلّا:
-نبقى صحاب
استدارت تعطيه ظهرها بعد أن شعرت بأن عيناه تأكل وجهها وتنظر إليه وكأنها تخترق ملامحها:
-ما وعد وافقت
رد عليها بجدية يسألها وهو يتحرك مع حركتها ليبقى ناظرًا إلى وجهها:
-طب وأنتي
سألته بتوتر وغباء وهي تضيع مع كلماته ما بين الأولى والثانية:
-أنا ايه
وقف أمامها مرة أخرى وأقترب للغاية منها ناظرًا إليها بحرارة:
-موافقة؟
أومأت برأسها سريعًا بسبب حدة توترها في وقفته أمامها بهذه الطريقة وعيونه عليها لا تتزحزح وهي تشعر بالخجل الشديد وكأن النيران تخرج من وجنتيها وجسدها:
-موافقة
قالتها على أمل أن يتركهم ويرحل ليعود إلى مكانه الذي أتى منه ولكنه بقيٰ واقفًا معهم يتحدث وهو يضايقها بعينيه وسؤاله بعد أن فهم كيف تتكون شخصيتها الغبية الساذجة..
كانت “فرح” شقيقة “جبل” في شرفة غرفتها داخل القصر والتي تطل على الحديقة تنظر إليهم بعيون سوداء أكلتها الغيرة ونهشت ما بداخلها لتجعلها بكل هذا السواد المرسوم بها..
تطلعت عليهم بقلب يحترق ونيران داخلها لا تنطفئ بسبب ذلك الأبلة الذي يسير ينظر إلى كل النساء مُتناسيًا وجودها بحياته..
مُتناسيًا أنها شقيقة “جبل العامري” وابنة هذا القصر وكبير هذه الجزيرة بكل من عليها من نساء ورجـ ـال وحتى حيوانات..
لن تجعله يطول في نسيانه لها ولن تبقى كثيرًا صامدة هكذا وهذه الفتاة هنا تجلس وتذهب من هنا إلى هنا أمام الحراس وأمامه والجميع بتفتن بها وبجمالها الغير طبيعي ولكنها ساذجة غبية أي أحد يستطيع اللعب بها والنيل منها وإن وقفت بطريقها وطريق سعادتها ستدفع الثمن غالي للغاية وهي دموع عينيها تقف على الاعتاب مستعدة للنزوح في أي لحظة..
❈-❈-❈
وقفت في منتصف الغرفة تصيح بعصبية وانفعال شديد نتيجة الحديث الذي تستمع إليه منه هو ووالدته تلك السيدة التي أعتقدت أنها تكنُ الحب إليها ولابنتها:
قالت “وجيدة” بهدوء وبرود أعصاب وهي ترى “زينة” تصرخ بهم:
-يا زينة يا بتي متخافيش وانتوا بتكتبوا الكتاب هتاخدي كل حقك من يونس ومن جبل كمان
ضربت بقدمها اليمنى في الأرضية وتحركت بحركات هوجاء غريبة نتيجة لانفعالها الزائد وعصبيتها المفرطة:
-جبل مين ده اللي أخد حقي منه أنا مش عايزة حاجه غير حقي أنا وبنتي في يونس ونغور من هنا
أكملت والدته بمنتهى الهدوء واللامبالاة لما تفعله “زينة” مُعتقدة أنها تحاول إقناعها بهذا اللين:
-هنا أامن ليكم من أي مكان تاني ووعد تبقى في حماية عمها
صرخت بهم هم الاثنين وهي تنظر إلى كل شخص منهم مرة قائلة باستياء وانزعاج شديد:
-بقولكم ايه أنا بقالي خمس سنين عايشة في أمان مضعش مني غير لما جيت هنا وأنا بنتي في حمايتي أنا وطول ماهي معايا محصلهاش حاجه..
ربتت والدته على صدرها بيدها وهي تقول بهدوء غريب يعكر مزاج الأخرى وتشعر من بعده بالفوران:
-الجواز هيبقى أحسن صدقيني أنا بحبك وعمري ما اذيكي
صرخت قائلة وهي تشيح بيدها بهم:
-وأنا رافضة.. أنا رافضة ومش هتجوز هو بالعافية
بعد صمت استمر منه وهو يتابع صراخها وحركاتها العنيفة بعينيه وحديثها مع والدته، أشتهاها أكثر من الأول وأحب الوصول إليها أكثر من اللازم ثم نطق بجمود:
-آه بالعافية
أقتربت منه دون خوف بعنفوان وهي تصيح به بغضب:
-لأ مش بالعافية مين أنت علشان تتجوزني غصب.. أنت حتى مش محترم أخوك الميت أنت إزاي كده
وقف أمامها بعدما أقتربت منه وسارت أمامه مباشرة نظر داخل عينيها السوداء التي تحترق من الغضب والغيظ من حديثهم وأجابها ببرود تام وفتور لا نهاية له:
-أنا كده وهفضل كده.. وعلشان أنا بحترم أخويا الميت عايز ألم لحمه اللي هي بنته وعلشان مظلمكيش وأخدها منك قولت اتجوزك وتقعدي معاها
استنكرت حديثه باستياء وتطاولت عليه وهي تسبه بعصبية رافعة من صوتها علها تثبت له أنها قوية:
-تـ ايه.. تاخد مين مني أنت مجنون ولا ايه لأ بقولكم ايه مش علشان أنا دخلت عندكم في المكان القذر ده لوحدي تقولوا خلاص نقدر عليها
أكملت بجدية شديدة وهي تنظر إليه بتحدي وقوة:
-أنا ولا هتجوزك ولا هتجوز غيرك وبنتي هاخدها وأمشي من هنا وكمان معايا حقي
ابتسم بسخرية وجمود وهو ينظر إلى والدته بتهكم ثم إليها يسألها:
-وأنا ايه اللي يجبرني على كده
وضعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت تحرك قدمها ناظرة إليه بحدة وشكوكها تلعب بداخل رأسها فتحدثت بلغز لعله يخاف منها:
-كتير يجبرك.. كتير
ابتسم باتساع أكثر وأشرق وجهه ووصل إليه التعبير المناسب الذي أرادت أن توصله إليه فتحكم بالحديث قائلًا:
-أعلى ما في خيلك اركبيه.. مافيش ميراث ومافيش مشي من هنا إلا لو حبيتي تمشي أنتي وأختك يبقى الباب مفتوح وبالسلامة لكن بنت عيلة العامري مش هتطلع من هنا.. والقرار قرارك
تحدته وعيناها تقابل عيناه المخيفة، ولكنها حاولت الصمود لأجل أن تذهب من هنا هي وابنتها في أقرب وقت، فقد كان “يونس” الوحيد على حق:
-هنمشي يا جبل بيه.. ومتقوليش أن كل ده علشان خاطر وعد لأن وعد دي أنت مسألتش عليها مرة واحدة من يوم يونس ما مات، أنا مش غبية أنا فاهمه كل حاجه
رفع حاجبه يسألها بوضوح وهو يعلم مقصدها:
-اومال علشان ايه؟
قالت بجدية وكره ظهر له لأنها تفهمت جيدًا ما الذي يريده ليس الفتاة الصغيرة ولا المال أنه لا يريد غيرها:
-أسأل عيونك وهي تقولك علشان ايه
أقترب خطوة مُمسكًا بذراعها يسحبها إليه فجعل وجهها مقابلًا له ولفح وجهها بأنفاسه الذي كرهتها من المرة السابقة وهو يهددها مرة أخرى:
-اسمعي يا غزال.. أنا سبق وقولتلك زعلي وحش الله الوكيل وحش بلاش أحسنلك
استغربت هذا الاسم الذي يناديها به للمرة الثانية ولكنها تغاضت عن ذلك الأمر الآن وصرخت بوجهه غير مُبالية بحديثه:
-ما تزعل ولا تتفلق
تحولت نبرته إلى الحدة والجمود وهو يضغط بيده على ذراعها ضاغطًا على كل حرف يخرج من فمه بغلظة:
-ماهو زعلي ده هيطلع على اللي خلفوكي واحد واحد لحد ما يطلع عينك من مكانها وتتمني الموت ومتلاقيش اللي يدهولك
عاندته وهي تصيح بوجهه ماحيه معالم الخوف الذي رآها سابقًا على ملامحها ووقفت صامدة:
-اللي خلفوني ماتوا من زمان والموت ربنا اللي بيديه مش أنت يا جبل بيه يا كبير الجزيرة يا محامي.. مش محامي بردو
راقت له اللعبة واللاعبة، عاند أكثر معها وجعلها ترى العناد كيف يكون وداخله الفرحة تزداد أكثر وأكثر لأنه يحب هذا النوع كثيرًا.. شرسة للغاية ولكنه سيروضها وسيجعلها تخاف فقط عندما تلمح خياله:
-أنا حذرتك أكتر من مرة أنتي اللي مصممة تشوفي قلبتي ومسيرك تشوفيها وتجربيها وفي أقرب وقت.. وأعملي حسابك بقى مافيش خروج من هنا ولا لوحدك ولا مع بنتك ايه قولك
نظرت داخل عينيه وقالت:
-هنشوف هي مش بالقول
دفعها للخلف وهو يترك ذراعها فتراجعت خطوات أثر دفعته لها، وأخفض عيناه على ذراعها الأبيض المرسوم عليه أصابع يده الغليظة باللون الأحمر والتي بدت تليق بها كثيرًا.. ابتسم بشماته وسخرية ثم خرج من القصر تاركًا إياها..
نظرت إليه وهو يذهب والدماء تغلي داخل عروقها، لقد شعرت أنها على وشك وضع يدها الاثنين حول عنقه وخنقه إلى أن تزهق روحه، يا له من إنسان وضيع قذر لا يفكر في شيء إلا نفسه.. ولكنها لن تستسلم لهم بهذه السهولة..
نظرت إلى “وجيدة” بغيظ وغل ناحيتها ولم تريد التحدث معها ولو بكلمة واحدة توجهت إلى الخارج وتركتها جالسة تنظر إليها بغرابة.. وكانت في تلك اللحظات “وجيدة” في أسعد لحظات حياتها لأن ولدها فكر بها كزوجة وأتضح هذا أمامها.. وبما أن هذا حدث فهي لن ترحل من هنا أبدًا وستكون زوجته قريبًا وفي أسرع وقت..
ذهبت “زينة” إلى الخارج وقفت في حديقة القصر، تنظر إليه وإلى البوابة والحراس المتواجدين بكل مكان.. ليس أمامها إلا حل واحد ستفعله ولو كان الموت يدق بابها لن تصمت إلا عندما تأخذ حقها منه وترحل وتتركهم جميعًا..
وهذا لن يحدث إلا إذا تأكدت من شكوكها ناحيته وفي هذه اللحظات تتمنى أن يكون كل ما فكرت به صحيح ويصبح أخطر مما رأت لتفعل به ما يحلو لها ولتريه كيف يكون غضب إمرأة مثلها..
ذهبت إلى البوابة الخارجة وطلبت من الحارس أن يفتح لها لتخرج وهو لم يكن لديه أوامر بمنعها من الخروج ففتح لها البوابة وخرجت منها سريعًا قبل أن يرصدها أحدًا من القصر..
رأته وهو يسير مُبتعدًا إلى الأمام على خط طول القصر، سيره يوازي خط الترعة المتواجدة أمامهم، بقيت واقفة قليلًا إلى أن أبتعد بمسافة كافية لتجعلها تسير خلفه دون أن يراها، كان الجو بارد قليلًا والهواء يداعب خصلات شعرها السوداء المتناثرة على جانبي وجهها، بقيت تنظر بعينيها بقلق وتوتر خوفًا من أن يراها أحد الحراس الذين يسيرون خارج القصر قبل فترة والأخرى..
سارت بعد أن تأكدت من إنه أبتعد عنها ولن يستطيع رؤيتها، علمت أنه متوجه إلى نفس المكان الذي تريد التوجه إليه، يالا حظها السعيد لأول مرة، إن كان هو الآخر هناك في نفس التوقيت ستسطيع أن تعلم ما الذي يُخفى عنها هنا..
ابتسمت بفرح وسرور وهي تسير خلفه على بعد ثم توجهت إلى الجسر الخشبي فوق الترعة والذي يفصل الطريقين عن بعضهم، رأته وهو يختفي عن الأنظار بعد سيره ما يقارب الثلاث دقائق في الناحية الأخرى ودلوفه خلف الجبل.. “جبل العامري”
عبرت الجسر ووقفت على الطريق الآخر تسير متقدمة من الجبل لكي ترى ما تريد وتتأكد من شكوكها وتتمسك بالأدلة القاتلة له بين يدها، لا تدري كل هذا بناءا على ماذا لكن إحساسها لم يكذب عليها أبدًا.. وهذا هو الحل الوحيد السير وراء الوهم إلى أن يتحول إلى حقيقة والتمسك به..
أثناء تقدمها من الجبل ونظراتها عليه، لقد كان عاليًا، ترتفع برأسها لتنظر إلى آخره، يأخذ مساحة كبيرة للغاية من الأرض وشكله مهيب كأنه بركان وداخله الكثير من الأسرار الذي تود الفوران بحممها البركانية لتحرق كل من أخفى داخله سرًا..
أتت على رأسها ذكرى راحلة من ذكرياتها المتكررة مع زوجها عندما تقدمت إلى هنا في المرة السابقة..
“سارت على قدميها بعد أن عبرت الجسر مُتقدمة من الجبل وهي تنظر إليه بسعادة كبيرة وفضولها يقتُـ ـلها ناحيته، أن تتجه نحوه وتراه عن قُرب فلا يوجد شيء قيم مثله على هذه الجزيرة الغريبة..
هواء الليل ونسماته كان يداعب خصلاتها ويجعلها تتطاير خلفها، الجو مُعتم للغاية والسماء حالكة السواد لا يوجد بها إلا نجوم تلتمع مع لمعة عينيها السعيدة بسبب اقترابها من لغز الجبل..
استمعت إلى صوت زوجها الصارخ وهو يركض ناحيتها بسرعة كبيرة يهتف بإسمها:
-زيـنـة
استدارت بلهفة تنظر خلفها بفزع، أن الليل هنا مُخيف وهو ظهر على حين غرة بصوته المُنزعج، نظرت إليه مُتسائلة وهو يقترب منها:
-في ايه
وقف أمامها لاهثًا بعد ركضه خلفها عندما أخبره أحد الحراس أنها خرجت:
-رايحه فين؟
تحدثت ببساطة وهدوء ناظرة إليه وهي تشير خلفها بيدها:
-عايزة أشوف الجبل
صرخ بوجهها بانفعال وعصبية يشيح بيده غاضبًا من تصرفاتها لأنه سابقًا حذرها من الذهاب إليه ولكنها لا تستطيع الإستماع إليه وذلك الفضول سيقتُـ ـلها:
-لأ يا زينة، قولتلك متحاوليش تروحي عنده
تابعته باستغراب شديد وأجابته باستياء مُتسائلة:
-هو فيه سر يعني.. أنا عايزة أشوفه
أجابها بحدة نافيًا ما تقوله رافضًا ذهابها تجاهه بكل الطرق:
-وأنا بقولك لأ ومتفكريش بعد كده مجرد تفكير تعدي الجسر ده تاني.. سامعه يا زينة
أكمل بجدية وانفعال وهو يشعر أنها لن تصمت إلا عندما تأتي إليه بمصيبة لطالما استمرت هنا على هذه الجزيرة:
-حدودك آخرها سور القصر.. المنطقة دي متفكريش تيجي عندها
وجدها تنظر إليه باستغراب وذهول شديد وهي تتابع حديثه الذي يشعرها بالرهبة تجاه ذلك الجبل، أو تجاه ما داخله!..
عقلها أصبح يلعب بها وبتفكيرها حوله وحول ما يحدث به..
لما قد يكون جبل أثري مقدس على جزيرة لا أحد يعلم عنها شيئًا ممنوع الإقتراب منه!.
لماذا يمنع “جبل” الإقتراب منه؟ السؤال عنه؟ لماذا هو مكان مخيف؟
أثار فضولها أكثر كلما تحدث عن البُعد عنه، أصبح بالنسبة إليها كمغارة يُخفى داخلها الكثير مُتوارية بعيدًا في الخفاء والظلام الدامس فما كان منها إلا أن تُصر على معرفة ما يُخفيه البشر في الجزيرة داخل هذا الجبل
جذبها عندما وجدها تقف صامتة تنظر إليه باستغراب وتوجه إلى الجسر مرة أخرى عائدًا بها مرة أخرى إلى القصر
قد لعب به تفكيره هو الآخر حول “زينة” التي لن تصمت إلا عندما تفعل شيء لن يعجب الجميع هنا، لن تقـ ـتل فضولها نحو الجبل ونحو كل ما يحدث على الجزيرة إلا عندما تعلم بكل شيء وهو لن يسمح بذلك”
بقيت ذكرى ما حدث في عقلها، وحديثه معها عندما عادوا إلى منزلهم وما يحدث إلى الآن منذ أن أتت مرة أخرى إلى الجزيرة.. مؤكد كل هذا ليس من فراغ هناك شيء يحدث يجب عليها أن تعلم ماهو
وقفت أمام الجبل بعد أن وصلت إليه، سارت جواره بهدوء وخفه كي تصل إلى أي طريق يأخذها إلى داخله أو إلى المكان الذي لا يريد أحد منهم أن تراه.. أو أي شيء خطأ تستطيع أن تلمسه لتهدد به ذلك الحيوان..
استمعت إلى أصوات رجال ليس واحد وليس هو، ضيقت ما بين حاجبيها وحاولت أن تسترق السمع ليتضح إليها ما يقولون، اتبعت الصوت إلى أن وقفت جوار الجبل بزاوية في جانبه وتوارت عن الأنظار، تقف خلفه تستند عليه، تقدمت برأسها بهدوء وبطء شديد لترى ما الذي يحدث هناك..
رصدت عينيها وجود “عاصم” ومعه “جلال” لم ترى غيرهم فتقدمت برأسها قليلًا بعد وهي تستند بيدها على زاوية الجبل كي لا يراها أحد فرصدته هو الآخر يقف يضع يده في جيوب بنطاله يتحدث معهم بصوت خافت..
بقيت واقفة تنظر إليهم باستغراب تحاول أن تستمع إلى أي شيء يدور بينهم ولكنها لا تستطيع، زفرت بحنق وهي تعتدل في وقفتها لتراهم أكثر وضوحًا
ولكنها تفاجات برجـ ـال آخرين يتقدمون منهم ومن بينهم رجـ ـل يمسكون به بطريقة غريبة وهو يصرخ عليهم بصوت عالي هاتفًا بأنه لم يفعل شيء..
تابعت ما يحدث بينهم وهم يقفون لا تستطيع الاستماع إلا لصوتهم الذي يرتفع فجأة غير ذلك فلا تستطيع لأنهم يبتعدون عنها بمسافة ليست صغيرة…
دار الحديث بينهم وهو يصرخ ويهتف أنها ستكون آخر مرة يخون بها.. لن يفعلها ثانية، صرخ وهو يهتف مطالبًا بالرحمة منه لأنه لا يستطيع تحمل عقابه الذي يعلم الجميع أنه لا يرحم..
صرخ “جبل” بصوت مُرتفع عاليًا بعنف وقسوة:
-جزيرة العامري كلها عارفه.. أن اللي بيخون عليها مالوش عندي ديه
جذب السلاح الذي بيد “عاصم” رافعًا إياه أمام وجهه ونظرات عينيه مخيفة قاتلة قبل أن تقتل يده..
اتسعت عينيها بصدمة كبيرة وهي تنظر إليه غير مصدقة أنه سيفعل هذا معتقدة أنه يهدده..
ولكن صوت الطلق الناري الذي خرج عاليًا واستقر داخل صدره جعلها تصدق أنه يفعل أكثر من هذا..
شهقت عاليًا بصوت مرتفع مصحوب مع تلك الشهقة صرخة من فمها فوضعت يدها عليه سريعًا وعادت للخلف تستند على الجبل بظهرها غير قادرة أن تقف على قدميها الذي ارتخت على الأرضية، قلبها يدق بعنف وخوف لا نهاية له، لقد شاهدته وهو يقـ ـتُل الرجـ ـل الذي وقع على الأرضية دون نفس آخر بعد طلقته عليه..
وضعت يدها الاثنين على فمها وأنفها تكتم أنفاسها الذي تشعر أنها عالية وهو يستمع إليها بعد تلك الصرخة التي خرجت منها بفزع وخوف.. ترى ما مصيرها معه؟!.
أنهارت حصونها ووقعت فريسة سهلة الصيد، هدأت عاصفتها وانطوت بعدما عملت الحقيقة الكاملة المُتوارية خلف غموضه، بركان غضبها الثائر خذلها عندما هدأ بعدما دب الرعب والهلع سائر جسدها..
لقد رأته جبل صلب شامخ وأعتقدت أنها تلك العاصفة التي ستزعزع كيانه وتحرك داخله، شعرت أنها البركان الثائر الذي سيحرق قوته وينفي قسوته فوجدت العاصفة هدأت والبركان خمد فلم يبقى سوى هي أمامه وحدها تقف في المواجهة!..
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى