روايات

رواية تراتيل الهوى الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوى الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوى الجزء الخامس والثلاثون

رواية تراتيل الهوى البارت الخامس والثلاثون

تراتيل الهوى
تراتيل الهوى

رواية تراتيل الهوى الحلقة الخامسة والثلاثون

كانت سروة تراقب بانفعال روفان التي تناظرها بابتسامة مستفزة.
قالت روفان باستفزاز: إيه ده لسة فاكراني؟ معاكِ حق ما أنا متنسيش بسهولة برضو.
رمقتها سروة بنظرات انزعاج يكتنفها النفور وهي تتذكر مافعلته بها ليلة الحفل وقالت بحدة: أنتِ مين؟ وعايزة مني إيه؟
دلفت روفان للمنزل فأوقفتها سروة وهي تُمسك ذراعها بقوة: أنا مسمحتلكيش تدخلي!
نظرت لها روفان بغيظ وأفلتت يدها وهي تبتسم مجددًا بخبث: عايزة تعرفي أنا مين؟ طبعا أوي أوي أنا حبيبة تاج اللي سابني علشان يتجوزك وينقذك من فضيحتك.
أكدت على آخر كلماتها فنظرت لها سروة بعدم تصديق والغضب ينتشر في أوردتها من وقاحتها وصاحت بها بعصبية: أنتِ كدابة! تاج ملوش علاقة بيكِ.
رفع روفان حاجبها وقالت بصوت بارد: متأكدة؟
توقفت سروة مكانها والأفكار تتداخل في رأسها بجنون، كان صدرها يعلو ويهبط بانفعال يرفض قلبها تصديق ما يسمعه وأن هذه الإنسانة التي تمتلك أخلاق بشعة كانت حبيبة لتاج ولكن عقلها بمنطقية أجاب عليها أن ذلك يشرح سبب أذيتها لها بفضح سرها أمام الجميع تلك الليلة، تذكرت أن تاج تغيرت قسمات وجهه حين دلفت روفان للحفل وأيضا كان يعرفها! هي لم تسأله أبدا لأنها انشغلت بنفسها وعلاقتها مع تاج فنسيت ذلك الأمر تمامًا.
حين رأت روفان أن حديثها بدأ يأتي مفعوله، اقتربت من سروة وأخرجت هاتفها.
أعطته لها وهي تقول بلؤم: لو مش مصدقاني خدي ده الدليل، صورنا طول السنين اللي كنا فيها مع بعض.
نظرت سروة للهاتف وكأنه شيء سام لا ترغب في لمسه إلا أنها ورغمًا عنها وجدت نفسها تمد يدها وتتناول الهاتف منها، حين طالعت صورة تاج مع روفان شعرت كأن سكين قد غُرز في قلبها، كانت روفان تراقبها بابتسامة متشفية فكتفت ذارعيها وتقدمت تدور حولها وهي تقول بنبرة حاقدة بينما سروة تُشاهد بقية الصور: كنا بنحب بعض ومع بعض بقالنا تلت سنين، وعدني أول ما ننزل على مصر هيقول لمامته علشان يجي يتقدم لي ويتجوزني بس اضطر يرجع بدري عني فجأة وأنا أتأخرت شوية، رجعت الاقيه بيقولي أنه اتجوز! تخيلي كدة حبيبك بيقولك أنه اتجوز! طبعا زعلت ورفضت اسمعه أصل هيكون عنده تفسير إيه؟
ثم توقفت أمام سروة مباشرة تحدج سروة بنظرات جارحة: لحد ما عرفت حكايتك ساعتها فهمت هو عمل كدة ليه واتجوزك!
تجمدت سروة من شعورها بالإهانة بينما تتابع روفان بمكر وعيناها تلمعان: ندمت ساعتها أني مسمعتلوش وهو بيتحايل عليا ويترجاني أسمعه وافضل معاه بس طبعا أنتِ الغيرة إزاي بتعمي وأنا غيرتي عمتني لحد ما عرفت الحقيقة.
كانت روفان سعيدة من داخلها لأثر حديثها الذي تراه أمامها على سروة فقالت تنفث سُمها الأخير: فِضل يقولي غصب عني ويترجاني أسمعه وأنه مش عايز يخسرني بس أنا مشيت بس عارفة رجعت ليه؟ علشان مقدرتش أنساه وعرفت أخيرا السبب الحقيقي وليه عمل كدة خصوصا أنه لسة بيحبني، دلوقتي عرفتِ ليه أنا عملت كدة في الحفلة؟ أنا مكنتش عايزة أذيكِ لحاجة شخصية بيني وبينك بس أنتِ عارفة الغيرة بتعمل إيه بقى!
بقيت سروة تحدق إليها بعيون تطفح بالألم وعدم التصديق وروفان تراقبها بشماتة حتى تغيرت قسمات وجهها الجمود وسيطر البرود على عينيها، استغربت روفان منها فقد توقعت أن تنهار كليًا أمامها.
قالت سروة بنصف ابتسامة باردة: وبعدين؟ متوقعة مني أقول إيه بعد القصة اللطيفة دي؟
اتسعت عيون روفان بذهول من ردة فعل سروة التي لم تتوقعها على الإطلاق.
ضحكت سورة باستهزاء: إيه؟ كنتِ متوقعة إيه؟ أقولك خديه يلا ولا استني ألفه في هدية الأول؟
جاء دور لسروة لتبتسم بثقة: كل اللي قولتيه ده ولا فارق معايا عارفة ليه؟ علشان كل ده ماضي وانتهى خلاص وإذا كان تاج اتجوزني للسبب اللي قولتيه فدلوقتي إحنا مع بعض بإرادتنا ورغبتنا وتاج نفسه اللي عرض عليا أنه عايز يكمل حياته معايا.
جزت روفان على أسنانها بغضب وراقبت بغيظ سروة تُكمل بدلال وهي تلف خصلة من شعرها حول إصبعها: مقدرش أقولك تاج بيعاملني إزاي لأنها حاجة خاصة بين المتجوزين بس أقدر أقولك أنه عايشين أحلى أيام حياتنا كفاية أنه تاج عايزني أنا.
واقتربت بوجهها منها وهي تنظر لعيونها مباشرة وتقول بثبات: وبيحبني أنا.
كادت روفان تنفجر من شدة الحنق والغيظ اللذان تشعر بهما لفشل خطتها وانعكاسها عليها، تغير تعبير وجهها الحقد وقالت بتهديد: هتندمي وهتعرفي أنه بيحبني أنا ولا يمكن ينساني!
رمقتها سروة من أعلى لأسفل وقالت ببرود: خلصتِ؟ ياريت تمشي علشان شوفتك عكرت لي مزاجي على الصبح.
نظرت لها روفان بكره قبل أن تنزع هاتفها منها بغل وتنطلق خارجة من الشقة في نفس الوقت أغلقت سروة الباب خلفها بقوة.
نزعت قناع القوة الذي وضعته أمام روفان وهي تجلس على الأريكة تسترجع حديثها والصور التي رأتها، شعرت بالغيرة تنهش قلبها وهي تفكر أن روفان كانت حبيبته أنه أحبها هي ووعدها بالزواج إلا أن أزمة سروة تدخلت لتُفرق بينهما.
هل مازال تاج يحبها؟ هل حينما يكونان معا يتخيلها تاج روفان؟
لم تتحمل تلك الفكرة حتى شعرت بالغثيان منها فوضعت يدها على معدتها تشد عليها حتى تهدأ.
انهمرت الدموع من عينيها وهي ترفع يدها المرتعشة تغطي فمها، لم تتوقع أن تاج أحب فتاة أخرى، لم تطرأ تلك الفكرة على بالها أبدا، كانت الأسئلة التي تدور في رأسها تعذبها، هل مازال يحب روفان؟ هل يفكر بها حين يكون وحيدًا؟ أو معها؟ هل أحبها هي ولو قليلا أم أنه حسب كلامه مازال هذا زواج عقل بالنسبة له ولم يخفق قلبه لأجلها ولو لمرة؟
عادت تفكر مرة أخرى أنه هو من أختار إكمال حياته معها لقد كانت أمامه الفرصة بعد موت عصام أن ينفصل عنها ولكنه من عرض عليها استمرار الزواج بالتأكيد يشعر بشيء ما نحوها!
تعبت من تلك الأفكار التي سببت لها الصداع وقررت أخيرا أنها ستنسى ماحدث اليوم ولن تأتي على ذكره أمام تاج، إن حياتهم معًا تسير بشكل جيد وهما سعداء ولن تخرب صفو حياتهم وتجعل حقد روفان الجلي ينتصر فهي كما قالت ماضي وستظل ماضي.
إلا أنها لم تستطع العودة لطبيعتها طوال اليوم، حين عاد تاج من العمل كانت ماتزال تجلس مكانها شاردة بوجه شاحب، حين رآها أسرع إليها وجلس أمامها يقول بقلق: مالك يا سورة قاعدة كدة ليه ووشك أصفر أنتِ تعبانة؟
كان يتفحصها بعيون قلقة فأجابت بهدوء: اه بخير بس لسة مفطرتش علشان كدة هتلاقي وشي شاحب شوية.
تنهد براحة وقال بعتاب: طب ليه لحد دلوقتي مفطرتيش ينفع كدة! ده ميعاد غدا على فكرة.
نظر ناحية المطبخ وقال بمرح: يا ترى حضرتِ لينا حاجة نأكلها ولا نأكل برة؟
ابتسمت ابتسامة باهتة فعقد حاجبيه باستغراب: زعلتِ ولا إيه؟ أنا بهزر معاكِ.
هزت رأسها وهي تجيب بهدوء: لا مزعلتش بس أنا مبعرفش اطبخ ومعرفتش أعمل كدة متزعلش مني.
ابتسم بحنان وقَبل جبينها: أكيد مش هزعل منك على سبب تافه زي ده.
ثم تابع بمزاح: كنتِ حتى اعملي لنا شوربة زي اللي عملتيها يوم ما كنت تعبان كانت حلوة على فكرة.
ابتسمت فقال وهو ينهض ويشدها معه بحماس: يلا نقوم نعمل الأكل سوا وأنا هقولك تعملي إيه.
بقيت شادرة أثناء تحضير الطعام حتى أنها كانت تجرح نفسها في مرة لولا لحقها تاج بسرعة وهو ينزع السكين من يدها وقد صاح: حاسبي!
انتفضت وهي تنظر له ثم تنتبه لمقصده فقال بتعجب ممزوج بالاستياء: كنتِ هتعوري نفسك، أنتِ كنتِ سرحانة في إيه!
قالت بتوتر: مفيش حاجة عادي.
تنهد تاج وقال بهدوء: طيب روحي اقعدي وأنا هكمل.
أحست بالاستياء من نفسها وأصرت على مساعدته فأعطاه مهام بعيدًا عن استخدام السكين.
انقضى اليوم وبقيت هى مازالت على حالتها الغريبة حتى أنها لم تستجب له كالعادة فابتعد عنها وهو يقول بتعجب: مالك يا سروة؟
نظرت له بحيرة: مالي؟
قطب تاج ورد بانزعاج: سرحانة، ذهنك مش حاضر معايا، فيكِ إيه؟ أنتِ تعبانة؟
اعتدلت ونظرت له بعيون لامعة من الدموع وردت بصوت متحشرج: أنا آسفة يا تاج، أنا بس هتلاقيني مرهقة شوية لسة من السفر مش قصدي.
كان محتارا في أمرها ولكنه حين رأى دموعها اقترب منها وضمها لصدره قائلا بتريث وهدوء: لو تعبانة قوليلي إنما أنتِ طول اليوم سرحانة وحالتك غريبة، لو فيه حاجة شاغلة بالك أحكي لي.
ردت عليه بسرعة تنكر: لا مفيش حاجة أنا بس مرهقة شوية.
مسح على شعرها بيد حانية وقال: خلاص يلا ننام.
ثم ابتعد عنها ليخلدوا إلى النوم، لم ترده أن يبتعد عنها وخشيت أن يستاء أو تترك له الفرصة ليفكر في روفان فشدته إليها مرة أخرى وهي تقول بلهفة: لا متسبنيش .
نظر لها بدهشة ولف ذراعيه حولها وهو يقول بحنان: متخافيش مش هسيبك أبدا يا حبيبتي.
هل أنا بالفعل حبيبتك؟ كانت على وشك أن تسأله ذلك بشوق إلا أنها آثرت الصمت وهو يقترب منها مرة أخرى.
في اليوم التالي كانت تجلس وحيدة في الشقة لم يتوقف دماغها عن التفكير برغم كل ما أخبرت به نفسها إلا أن المخاوف والشكوك القديمة عادت لتظهر مرة أخرى على السطح، أيقظها من أفكارها صوت صول رسالة على هاتفها ففتحته لتجد رقمًا غريبًا قد بعث لها رسالة نصها
“مش قولتلك بيحبني وهيختارني أنا”
ثم تحتها رسالة مسجلة صوتيًا فتحتها بترقب لتتجمد مكانها وهي تسمع صوت تاج وهو يقول: مش أنتِ اللي مرضتيش تسمعيني؟ رغم أني تحايلت عليكِ تسمعيني وأنا بحاول افهمك أنا عملت كدة ليه؟ إيه اللي اضطرني أعمل كدة! ليه اتجوزت واحدة غيرك وأنا بحبك أنتِ!”
سقط الهاتف من يدها وهي تحدق أمامها بصدمة وعدم تصديق، سمعت صوت وصول رسالة فجثت على الأرض بسرعة والتقطته لترى صورة وصلت تظهر روفان وتاج جالسين سويًا وروفان تُمسك بيد تاج وتبتسم، اشتدت قبضة سروة على الهاتف قبل أن ترميه في الأرض مُطلقة صرخة أثنى جريحة.
عًلى صوتها وهي تتنفس كأنها لا تستطيع أن تتنفس بشكل طبيعي، وضعت يدها على حنجرتها، تشعر بأن هناك من يُطبق على حنجرتها ويقوم بخنقها، تدفقت دموعها ساخنة على وجهها، كان تاج بالفعل من يجلس معها ولم تكن هذه صورة قديمة، لقد كانت هذه ملابسه التي كان يرتديها في الصباح قبل أن يخرج من المنزل!
تذكرت بتشوش أنهم كانوا يتناولون طعام الإفطار حين رن هاتفه فجأة فتوتر وأغلقه دون أن يرد، فحدقت إليه سروة بشك ولكنها كانت تخبر نفسها أن كل تلك أوهام لا أساس لها من الصحة وهذا تصرف طبيعي، إذا لم تكن أوهام! كانت محقة في مخاوفها! ألم يكاد يفتك بقلبها حين تذكرت حديث روفان بأنه يحبها هي ويبقى مع سروة للشفقة فقط.
كل تلك العواطف والشغف اللذان تشاركوه كانت كذبة؟ كل تلك المشاعر التي ملأت كيانها؟ كل تلك الأوقات السعيدة معًا لم تعني شيئا له؟ تجعدت ملامح وجهها بألم واستندت بيدها على مسند الأريكة لأنها شعرت بالدوار يهاجمها.
رن هاتف سروة فناظرته بإحساس مخدر، كانت عمتها من تتصل بها فرفعت الهاتف لتجيب عليه وقالت بجمود: نعم يا عمتو؟
قالت عمتها بلطف: ازيك يا حبيبتي عاملة إيه؟
ردت سروة بنفس النبرة: بخير الحمد لله وأنتِ أخبارك؟ وأخبار بابا؟
ضحكت عمتها وقالت بحماس: إحنا الحمد لله كويسين المهم حمدا لله على السلامة يا حبيبتي بمناسبة رجوعكم أنا عازماكِ أنتِ وتاج على الغدا النهاردة، أنا كلمت تاج وقولتله ودلوقتي بقولك متتأخريش تمام؟
لم تنتظر ردها وأغلقت الخط فنظرت سروة بعيون لا يظهر فيها أي شعور للهاتف، حاليا تشعر أن كل أحاسيسها تجمدت ولم تعد تشعر بشيء، بقيت مكانها لفترة تحدق للحائط بشعور من الفراغ يسيطر عليها ووجه خالي من التعابير، نهضت بوجوم كالإنسان الآلي تبدل ملابسها حتى تذهب لبيت والدها وفي ذهنها فقط منظر تاج وروفان، لم تنتبه إلى ملامح تاج المتجهمة، لم تلتقط أُذُناها نبرة تاج التهكمية في الرسالة الصوتية فقط ما رأته وسمعته هو تاج ويعترف بحبه لامرأة أخرى وأنه أُجبر على الزواج منها وتاج يجلس معها وهي تُمسك بيده.
قبل ذلك الوقت بقليل استطاع تاج أخيرا أن يصل لروفان التي كانت قد اختفت بعد الحفل مباشرة وانشغل هو بعدها في شهر عسله، ردت على مكالمته وقد أغراها الظن أنه يبحث عنها لأنه يريد الاعتذار والعودة لها فوافقت على مقابلته وانتظرت في المقهى وقد استأجرت شخصا حتى يلتقط لها صورًا مع تاج في اللحظة المناسبة.
حين وصل تاج ابتسمت روفان بانتصار، ولكن كانت تلك الابتسامة تتقلص باقتراب تاج منها حيث لا تبشر ملامح وجهه بالخير أبدا.
جلس تاج أمامها وهو يحدق إليها بتعابير غامضة ولم ينطق بكلمة.
رمت روفان شعرها للخلف بدلال: ها عايزني في إيه بقى؟
مش كنت نهيت اللي بيننا؟
استند تاج بيديه على الطاولة وقال بصوت هادئ لسبب ما أثار القلق داخل روفان: جيت أسألك سؤال واحد قبل أي حاجة.
قطبت روفان وقالت بفضول: إيه؟
قال تاج بنبرة جافة وهو يركز نظراته عليها: ليه؟ عملتِ كدة ليه؟
ابتسمت روفان بخبث وتظاهرت بالتفكير قبل أن ترد: يمكن علشان برد حقي؟
قبض على يده بشدة ولكنه مازال مُتمسكا بالهدوء: حقك؟ في إيه بالضبط؟
أصدرت روفان صوتًا يدل على الامتعاض وأجابت باستنكار: حقي فيك طبعا! أنت نسيت كنا مع بعض لسنين ووعدتني هتتجوزني واجي ألاقيك اتجوزت!
تحول وجه تاج للتجهم وقال بتهكم: بس أنتِ اللي اخترتِ ولا نسيتِ؟ تحبي أفكرك إزاي فضلتي رحلة سخيفة مع صحابك عليا!
اعترضت روفان: بس أنا مكنش قصدي وأنت عارف.
هدر تاج بعصبية وعيناه تلمعان بغضب عنيف: قصدك مش قصدك الموضوع خلص وانتهى ساعتها!
تابع مستهزئًا بها: مش أنتِ اللي مرضتيش تسمعيني؟ رغم أني تحايلت عليكِ تسمعيني وأنا بحاول افهمك أنا عملت كدة ليه؟ إيه اللي اضطرني أعمل كدة! ليه اتجوزت واحدة غيرك وأنا بحبك أنتِ!
مدت يدها تمسك بيده تتوسل له بعيناها: بس أنا ندمت ورجعت لك تاني ليه مش راضي تسامحني وتصدقني؟ أنا متأكدة أنك لسة بتحبني.
نظرت بجانب عينيها حتى تعطي إشارة للمصور ثم عادت تبتسم له باستعطاف: أنا لسة بحبك يا تاج.
نفض يده منها ومسحها باشمئزاز كأنه يمسح عنه شيئا قذرا عنها فانزعجت روفان كثيرا.
شبكت ذراعيها وأرجعت ظهرها للوراء وهي تقول بغرور: مش قولتلك مسيرك هترجع لي وأديك زهقت من الزبالة اللي معاك وجيت لي برجلك.
ابتسم تاج ابتسامة غير مريحة ثم أسند بذارعيه على الطاولة وهو يشير لروفان بيده حتى تقترب منه فاقتربت روفان بحيرة، وفجأة باغتها تاج وأمسك بفكها بيده يضغط عليه بشدة حتى صاحت روفان من الألم وهي تشعر أن فكها على وشك أن يتحطم.
أقترب تاج بوجهه منها عيناه تلمع بشكل مُخيف وقسمات وجهه كلها مشدودة و قال بصوت أثار الخوف في قلب روفان: اللي أنتِ بتتكلمي عنها دي تبقى مراتي، أحسن منك ومن عشرة زيك، غبائك صور لك أني ممكن اسيبها هي علشان أرجع لك أنتِ؟ وأنا حذرتك قبل كدة لو فكرتِ بس سيرتها تيجي على لسانك هتدفعي التمن غالي وأنا بوفي بوعودي علطول علشان كدة جيت احاسبك بس.
حاولت روفان الكلام بارتباك وهي تحدق إليه بخوف: ق…قصدك إيه؟
تركها تاج وهو يدفعها للوراء فرفعت روفان يدها لفكها تدلكه وهي ترمقه بغيظ.
علت ابتسامة ثغر تاج وادعى التفكير مُقلدا لها ثم أردف ببراءة مصطنعة: ولا حاجة بس متستغربيش لما تلاقي نفسك مرفوضة في رسالة الدكتوراه والدكاترة بيرفضوا يدوكي الشهادة والإقرار بتاعك وبيمنعوا مناقشتك في أي مكان تاني.
توسعت عيون روفان بصدمة: أنت بتقول إيه؟
رفع كتفيه وباب بتساؤل مزيف: إيه بقول حاجة غريبة؟
قهقه تاج ضاحكًا وأردف: صحيح قبل ما انسى كمان والدك عرف كل حاجة.
كاد قلب روفان يتوقف خوفًا وهتفت: بابا!
أومأ تاج برأسه وأجاب بنظرة ماكرة: اه محمود بيه الشربيني اللي مش بيحب الغلط أبدا حتى لو كان من بنته الوحيدة المدلعة!
ابتلعت روفان ريقها بصعوبة فتاج محق رغم تدليل والدها لها حد الفساد وتركها على راحتها وتحقيق كل رغباتها إلا أنه لا يقبل بأي خطأ يمكن أن يؤثر على سمعته وهو صارم في هذه الأمور.
تغيرت قسمات وجه تاج وقال بازدراء: تتخيلي صدمته كانت عاملة إزاي لما يعرف اللي بنته عملته والانحطاط اللي وصلت ليه، تتخيلي ردة فعله لما عرف أنها بتلاحق رجل متجوز!
تحولت ملامح روفان للحقد الشديد ولمع الكره في عينيها وهي تهتف به: كل ده علشانها هي! نسيتني وبتعمل فيا كدة علشانها! ليه؟ كانت أحسن مني في إيه؟ دي حتى…
لم يُمهلها تاج أن تتابع حديثها وضرب على الطاولة بقوة افزعت روفان هادرًا بحدة: مش هكرر كلامي تاني متفكريش تجيبي سيرتها على لسانك! أيوا كل ده علشانها وأكتر كمان، عقلك المريض مصورلك أنها بسبب اللي حصل أقل منك بالعكس هى أحسن منك بمراحل ومفيش حاجة تنقصها ولا تعيبها أبدا.
همست روفان بألم ممزوج بالتساؤل وهي تخشى من إجابة سؤالها أكثر من أي شيء: بتحبها؟
اقترب تاج بوجهه منه وقد التوى ثغره بابتسامة عذبة وعيناه تلمعان بشوق لتذكرها مُجيبا بوله مختلطة بالعشق: بعشق التراب اللي بتمشي عليه، عرفت يعني إيه حب حقيقي معاها، قبلها ده كان مجرد لعب.
ازداد الكره والحقد داخل روفان وظهر جليًا وجهها وعيونها المليئة بالغل فنهض تاج وهو يحدق إليها بتشفي ثم قال محذرا وقد رفع سبابته: هحذرك لآخر مرة، آخر مرة أشوفك في حياتي كلها وتحاولي تقربي مني أو من سروة.
ثم ضحك باستخفاف: ده لما تلاقي وقت بعد ما تطلعي من مصايبك دي.
ثم غادر وقد ارتدى نظارته الشمسية، راقبته روفان بقهر حتى اختفى عن أنظارها فضربت الطاولة بقبضتيها بسخط وهي تهمس بحرقة: مش هسيبك تتهنى يا تاج مش بعد اللي عملته فيا اسيبك تتهنى معاها!
أدركت أنها خسرت تاج للأبد وزاد ذلك من رغبة الانتقام داخلها لتضرب ضربة أخيرة، لن تخرج من حياته بسلام هكذا!
أخرجت هاتفها بسرعة وهي تبتسم بانتصار حين رأت تسجيل الحديث بينها وبين تاج، استمعت له حتى وصلت لمرادها واقتطعت الجزء الذي تريده ثم اتصلت بالشخص الذي الذي استأجرته، أخبرها أنه التقط بعض الصور فطلبت منه إرسالها فورا، فحصت الصور حتى وصلت للصورة التي تبغيها، كان رقم سروة بحوزتها للوقت المناسب وها قد وصل الوقت المناسب فأرسلت لها كل ذلك، أغلقت هاتفها بارتياح وابتسمت وقد ظهر الشر واضحًا في عينيها.
همست لنفسها بغل: حتى لو مكنتش ليا مش هسيبها تتهنى بيك أبدا!
حين غادر تاج لم يشعر بمزاج للعمل حينها اتصلت والدتها لتخبرها بدعوة الغداء فقرر الذهاب لها والجلوس معها لحين مجئ سروة.
استقبلته والدتها بالترحاب والاشتياق.
ابتعدت عن حضنه وهي تقول بحنان: وحشتني يا حبيبي عامل إيه؟
ابتسم لها تاج بمحبة: الحمدلله يا ماما طمنيني عنك؟
جلسوا سويا ووالدته تقول بحماس: والله الحمدلله، أنا مبسوطة برجوعك حتى خالك هيستأذن بدري علشان يجي ونتجمع كلنا سوا.
أومأ تاج وهو يحدق أمامه مبتسما، قالت والدته بتلهف: عامل إيه أنت وسروة يا حبيبي؟
ازدادت ابتسامة تاج اتساعا وأجاب بنعومة: الحمدلله أمورنا بخير.
قالت والدته بشوق عفوي للأم: عقبال ما أفرح بخلقتك يا حبيبي، إيه مفيش حاجة كدة ولا كدة؟
ضحك تاج بشدة لعفوية والدته ورد قائلا: لا يا حبيبتي لسة بدري إحنا مش مستعجلين.
تنهدت والدته وهي تهز رأسها بتفهم، شردت مع نفسها قبل أن تقول بتعجب: سبحان الله بجد.
التفت تاج لها باستغراب: بتقولي حاجة يا ماما؟
نظرت له والدته ضاحكة وهي تقول: بفكر سبحان الله اللي يشوفك من كام شهر ميشوفكش دلوقتي.
أومأ تاج بابتسامة خفيفة ولم يرد وهو يفكر أيضا متعجبا فيما حدث وتدابير الله.
قالت والدته بمزاح محاولة تقليده: فاكر يومها وأنت بتقولي ليه ياماما وأنا ذنبي إيه حياتي ومستقبلي هيتدمروا!
ضحكت وهي تتابع: اللي يشوف وشك ساعتها كنت بقيت اصفر زي الليمونة وأنت رافض و…..
توقفت عن الكلام فجأة وقد رفعت رأسها لأعلى تنظر وراء تاج بعيون متسعة فعقد تاج حاجبيه باستغراب ثم أدار رأسه بحيرة ليعتلي وجهه الذهول وقد رأى سروة تقف على باب الشقة، ملامح وجهها تنطق بالحسرة يخالطها عدم التصديق وتحدق إليه بعينان ممتلئة بالألم والخذلان!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية تراتيل الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى