روايات

رواية بيت القاسم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم البارت الحادي والعشرون

رواية بيت القاسم الجزء الحادي والعشرون

رواية بيت القاسم
رواية بيت القاسم

رواية بيت القاسم الحلقة الحادية والعشرون

“كيف أخبرك أني أشتاق.. دون أن أبدو كرجلٌ منهزم”
.. أكرم..
…………………..
– لو سبتها هترجعيلي..
رفعت رأسها بغتةً كطلقة رصاص، اتسعت عيناها غير مصدقة ماسمعته للتو.. ملامحها قبل لسانها تهمس بسؤال خافت وملامح ذاهلة..
-انت قولت إيه؟
أن كانت اندهشت مما قاله قيراط، فاندهش هو أربع و عشرين قيراط،
لسانه وعقله يأبيان التصديق بما تفوه به، وكانت الغلبة لقلبه..
زفر نفساً حارقا أتبعه بأخر.. ورؤيتها هكذا تقف بين ذراعيه وفي محيطه أعادت له الحياة من جديد.. أعاد كلامه وكأنه يوصله لعقله ولسانه من قبلها..
-بقولك لو سبتها.. هترجعيلي..!!
بريق عيناها الزيتونية إزداد توهجًا وهي ترى الصدق بعينيه..يأكد كلامه باقترابه واقتراب أنفاسه، تلك المرة الأولى التي يضعها هي – نورهان – مع جيلان في مقارنة.. نورهان التي لطالما كانت بزاوية جانبية بحياته، يضعها بنفس الخانة مع جيلان.. بل ويبديها؟!
ظلت على وقفتها أمامه مشدوهة بصمت وبريق اللحظة قد خُفت قليلًا..
ازدردت ريقها تقول بذكاء..
-سيبها ووقتها نتكلم..
رفع أكرم حاجبه بغيظ مكتوم وتلاعبها بالكلام أهانه..
-إنتِ بتراوغي ف الكلام ليه؟ سؤالي إجابته آه أو لأ..!
أطلقت تنهيدة طويلة قبل أن تعقد ساعديها أسفل صدرها تُحيب بنفس أسلوبه..
-وأنا كنت واضحة معاك وقولت لك مش هعشم نفسي تاني.. سيبها ووقتها هنتكلم..
شعر بالدماء تغلى بعروقه.. مازالت على وقفتها أمامه بثبات اما هو فابتعد
ضاقت عيناه بخطورة ليهدر بحدة خافتة..
– إنتِ شايفة نفسك على إيه فوقي….
.. غصة غبية ملأت حلقها، تلك الغصة كانت تصيبها كلما أهانها بكلامه كانت فوراً تنزوي بأي ركن بعيدًا عنه تبكي كما لم تبك من قبل.. أما الآن فاكتفت بهزة رأس يائسة.. وهي تقول بقهر مكتوم تواجهه بحقيقته..
– انت زي ما انت يااكرم، مبتحبش تخسر.. لو كنت عايزني أنا كنت سيبتها وجيتلي..
إنما أنت بتطمن الأول.. عشان لو قولت لأ يبقى انت ضامن هناك..
.. واستكملت بملامح جامدة وكأنها تبدلت بتلك اللحظة..
-إنت عايز الدفا والحب
عايز زوجة وبيت وجو تبقى إنت فيه سي السيد.. ولما تزهق تروح البيت التاني تلاقي التفاهم والذكاء والحب اللي عايز تجدده..
إنت عايز كل حاجة وده عيبك.. وقانون الدنيا إن محدش بياخد كل حاجة..
.. سيكون غبي أن لم يكتشف تغيرها من قبل.. تلك نورهان..
أما تلك الخانعة التي كانت تعيش معه وترضي بالفُتات الذي كان يمنّ به عليها كانت صورة وضعها هو بها بسبب ماحدث معها قبل ارتباطه بها..
رغم استنكاره لكلامها ورفضه البادي على وجهه الا أنه لم يناقش..
نقطة بداخله تؤكد كلامها بأنه لايريد الخسارة، ومشاعره المتناقضة تتصارع بين شقي رُحى،
تجاهل حديثها بعجرفة متأصلة به، ثم أخذ نفسُ قوي واقترب خطوة تلاها بأخرى يقابل عينيها بعد أن غاب بريقهما، مال على أذنها يؤكد بحدة..
-عارفة أنا مش هخسر.. محدش هيخسر غيرك….
ورفع رأسه عن مستواها يتبادلان النظرات بينهما بحرب صامته قطعها هو بمغادرته بعد أن صفق الباب خلفه….
…………….. …….
.. “اليوم التالي.. ليلًا”..
-إيه الجمال ده..
رفعت ريم رأسها بإبتسامة ناعمة ترد بها على مجاملة كمال لها.. يقف مستندًا على باب الغرفة يتأمل جمالها وقد زادت حلاوتها الليلة اضعافًا،
كانت ترتدي فستان أسود يلتف حول جسدها بنعومة فيبرز خصرها النحيل وقدها الرشيق مزين من عند صدره بخيوط ذهبية لترتدي عليه حجاب بلون خيوط الذهب المطرزة به..
يتفحصها مشدوهًا وهو يراها تبتسم له ثم تعاود النظر لانعكاسها بالمرآه،
اقترب.. وما له ألا يقترب..
يلف ذراعيه محيطًا لخصرها وكأنه لا يقوى على الابتعاد يستند بذقنه على كتفها.. يرمقها من خلال المرآه بنظرات إعجاب..
فتبادله بابتسامات انثوية راقية تزيد من احتضانه لها،
– أنا مبحبش المكياج الكتير علفكرة..
قطبت حاجبيها لتهتف بتهكم..
-ياااه مكياج.. الكلمة دي قديمة أوي.. اسمه ميكاب..
وتابعت وهي تضع ظلالً لامعً فوق جفنيها..
– ثم إن أنا مش بحط بشكل أوفر..
.. تراجع قليلًا.. وكأنه انتبه للتو لتلك الفجوة الزمنية بينهما، ولكنه نفض عن باله أي شئ من الممكن أن يُعكر مزاجه..
سألها بمرح.. وهو يبتعد عنها بخطوات..
– ها ايه رأيك؟..
سألته عاقده حاجبيها..
– ف إيه؟!
تمتم متنهدًا بإحباط حقيقي..
– لأ متحبطنيش وتقولي انك مخدتيش بالك..
ثم استدار يريها بذته الرمادية من جميع الإتجاهات، فأطلقت صفيرًا ناعماً
ترفع حاجب انثوي رفيع.. تتمتم..
-إيه الجمال ده يأستاذ كمال.. لأ أنا كدة اخاف أخرج معاك لاالناس تحسدني عليك..
فاقترب مرة أخرى وضمها إليه.. فاستندت بساعديها على صدره..
يهمس بحب .
– طب ماتيجي منروحش، ونقضي السهرة هنا..
ضحكت برقة تتلاعب بازارار قميصه الكحلي..
– مممممـ ده عرض ميتفوتش يا أستاذ كمال.. بس أنا بردو عايزة أروح الحفلة..
ختمت كلامها بقبلة ناعمة على خده فتنهد هو وابتعدت عنه تميل بجذعها لتمسك بحقيبة يدها الصغيرة، تمسك بيده فيحتوي كفها الرقيق بكفه ويخرجا معًا…
…………….
.. بمكان واسع مفتوح على إحدى الشواطئ الراقية، معد خصيصًا للمناسبات البسيطة والحفلات، على جانبيه أسوار خشبية بثقوب واسعة
وبالمقابل طلة البحر، يحتوي العديد من الطاولات الصغيرة المستديرة.. ووسائد منتفخة ملونة للجلوس.. الأنوار الخافتة تزين المكان ليلًا ونسيم البحر جعل منه حكاية من خيال..
تصدح أغاني أجنبية وأخرى عربية حديثة ذات ريتم سريع،
بإحدى الطاولات تجلس يارا والتي على شرفها أقيم الحفل كهدية من شقيقها بمناسبة نجاحها محيطة ببعض الصديقات.. يتبادلن الضحكات والأحاديث المرحة الخافتة..
أما عن صاحب الحفل السيد المبجل زياد.. فيقف بالمدخل يصافح دون اهتمام حقيقي بالاصدقاء والمدعوين..
كل دقيقة وأخرى يرفع ساعة معصمه يتحقق من الوقت.. ينتظرها.. هي فقط.. صاحبة الحفل الأساسية هي وليست يارا شقيقته..
وأخيرًا هدأ واتسعت ابتسامته فأصبحت ضحكةُ بلهاء.. وهو يراها تترجل من سيارة أكرم، تسير نحوه ببطنها المنتفخة قليلاً وفستانها الزهري الطويل الواسع،
اقتربا منه.. فمد أكرم يده يصافحه، فمد هو الآخر كفه.. ورأسه وعيناه عليها يسألها هي باهتمام وأعين هائمة ويتجاهل أكرم وكأنه غير موجود..
– اتأخرتي ليه..؟
.. فسحب أكرم كفه بحدة ازعجت الآخر.. يتهكم منه بملامح مقلوبة
– ياحنين…
ضحكت نيرة من تهكم أكرم.. فمال زياد قربها يشاكس..
– دااحنا ليلتنا بيضا انشاء الله..
ضربه أكرم بقوة على صدره.. يزجره
-ولاه احترم نفسك.. دي اختي..
رد دفعه بدفعة أقوى.. ثم تابع يميل مرة أخرى بشقاوة غامزًا ..
– دي مراتي ياعم، ايه الجمال ده..
سحبها أكرم من كفها يبعدها عنه.. يهمس لها..
-بقولك ايه ابعدي عن الواد ده شكله مش مظبوط..
تدخل زياد بينهما برأسه بتطفل..
– بيقولك إيه..
ضحكت بمرح حقيقي، ليسحبها أكرم عنوة من كف زياد يدخل بها الحفل فيتبعهما زياد تاركًا المدخل واللعن على من حضر وسيحضر..
.. بعد وقت ليس بطويل.. كانت العائلة كلها تقريبًا موجودة.. كلا على طاولة،
عدا قاسم الذي كان ينظر للبحر أمامه بشرود، ظهره للجميع وباله بمكان آخر.. يعلو صوت الموج أمامه فيشد على قبضتيه، وكأن صوت الأمواج تزيد من ثورة دواخله..
جائت يارا ووقفت بجواره وجهها للبحر وخصلاتها العسلية تتطاير من حولها.. تسأله بمرح طفيف
-إيه رأيك في المكان.؟
رمقها باهتمام، يتأمل نعومة ملامحها وبريق عينيها.. لطالما كانت يارا أخته وصديقته الشقية.. أطال النظر بعينيها وكأن البريق خطفه وأرسله لمكان آخر به عينين لهما ذات البريق،
واستدرك صمته وطول تأمله فالتفت حوله يتفحص المكان.. ثم قال بـ شبه رضا..
-حلو.. أول مرة أخوكي يعمل حاجة حلوة..
ضحكت ملئ شدقيها، فهي تعلم بالعداوة بينهما كقطبي متنافرين..
إلى أن خُفتت ضحكتها قليلاً، تزم شفتيها تنوي اخباره بشئ ولكن كانت مترددة.. تمتمت بخفوت وصل لمسامعه بصعوبة..
-أنا عايزة أقولك حاجة بس مترددة..
أخذت انتباهه بنبرتها المتردده وملامح وجهها المغلقة.. فتوجس قائلًا..
-قولي..
عضت على باطن خدها، ثم هتفت بارتباك..
-أنا قولت لحنين تيجي..
.. أُجفل من ذكر اسمها، والبحر والموج والهواء المحيط المعبق بحنين لصاحبة الاسم وبريق عينين يارا.. كل تلك الأشياء تجمعت ضده ليقف بمفرده يحارب ذكراها بائسًا..
شُحبت ملامحه ليقول بخفوت حاد..
-ليه..!!
أجابت تفرك كفيها بعضهما بتوتر..
-عشان هي وحشتني و……..
قاطعها بانفعال..
-ليه بتقوليلي.. دي حفلتك انتِ اعزمي فيها اللي انتِ عيزاه..
ثم اشاح بنظراته عنها.. يقف أمام البحر مرة أخرى يوليه إهتمامه ونظراته
يغمغم بجمود..
-عموماً أنا شوية وماشي…
……… على طاولة جانبية كانت تجلس ريم برفقة كمال؛ والذي أنشغل عنها بحديث مع رفيق له لم يره منذ فترة.. تتابع الحفل بأعين مهتمة، هي كانت من هواة السهر والحفلات وأجواء الأفراح..
إلى أن توقفت نظراتها عليه.. كان مختلف.. الفترة الأخيرة شهدت تغيراً جذرياً بهيأته وملابسه،
توليه انتباهها وقد جذبتها وقفته مع تلك ال “يارا”.. سخرت بداخلها
بالأمس حنين واليوم يارا..
الله أعلم من بالغد؟!
والغريب أن قلبها لم يتأثر، تلك الدقة الغبية التي كانت تباغته لم تأت حين رؤيته..
أطالت التدقيق بوقفتهما ولم تنتبه على من يجاورها.. وقد انتبه لصمتها وشرودها فودع رفيقه وافرغ وقته لها، لتفاجأه بتأمله لغيره.. شقيقه!!
نظراتها طويلة بها شئ غريب لم تنتبه لنظراته ولا لضغطة كفه على كفها..
انتفضت على صوت كسر فارتجفت وهي ترى كوب زجاجي مكسور على الطاولة أمامها.. وكف كمال ملوث بدماء قانية..
شهقت وهي تمسك بكفه تقلّبه بين يديها بقلق..
– إيه اللي حصل..
سحب كفه من بين كفيها بعنف استغربته هي.. ولكنها سألته وقد بلغ قلقها أقصاه..
– إيدك. بتنزف..؟
غمغم بنبرة مبهمه ونظرات غريبة..
– ايدي تمام.. يللا عشان نمشي..
همست بنزق..
– احنا لسه جايين ياكمال..خلينا شوية ع الاقل نروح معاهم..
وتجاهل الرجاء.. فاحتدت نبرته وهو يتحرك بها..
– يللا….
………… وبجانب آخر كان زياد يقف مع نيرة بعد رجاء وتوسل لأكرم بأن يبتعد ويتركها قليلاً.. وبعد إلحاح وافق على مضض ورؤية زياد مذلول له هكذا أبهجت قلبه..
يتجاذب معها الحديث وهي تجيب ببرود أو تكتفي بايماءة من رأسها أو ابتسامة صفراء.. تزيغ بنظراتها عنه توزعها هنا وهناك، تبتعد قدر المستطاع عسى قلبها الخائن لا يحنّ له من جديد..
يستند إلى سور خشبي وهي أمامه.. يهمس لها..
– حلو المكان عجبك صح!
دارت بعينيها تجوب المكان بتقييم.. ثم قالت بإعجاب واضح..
– جميل..
استقام بجزعه يفوقها بطوله.. يتحدث بصدق وصلها
– أنا عامل الحفلة دي عشانك..
غمزت بشقاوة..
– ممممـ مش عشان يارا يعني!!
يؤكد بنفاذ صبر..
– إنتِ عارفه أنه عشانك.. متستعبطيش..
مالت برأسها وقلبها يعصف بين أضلعها من جديد.. لا تنكر أنها كأنثى يعجبها مايفعله..
ولكن كـ نيرة لن تنسى مهما فعل ومهما بلغ اهتمامه وصدق ما رأته..
عينيها كانت على المدخل حين شاهدت حنين تدخل على استحياء بخطوات بطيئة مترددة وكأنها طفلة صغيرة لتوها تعلمت السير،
ترمق ماترتديه بذهول فستان نبيتي اللون تجاوز الركبه بعدة سنتيمترات قليلة..
التفتت لزياد تسأله باستغراب..
-إيه اللي جاب حنين هنا..
أجاب ببساطة وهو يضع كفيه في جيبي سرواله..
-يارا عزمتها.. ولو مكنتش يارا عزمتها كنت أنا اللي هعزمها..
فارتفعا حاجبيها بتهكم فاستطرد بتقرير..
– مش هقطع معاها لاجل سواد عيون أخوكي..
.. ارتفعت زاوية فمها بسخرية كتمتها وتبدلت لأخرى شامتة وهي ترى اتساع حدقتيه وفغر فاه وكأنه رأي قبيلة من الجن..
ولم تكن القبيلة سوى ضيفها الوحيد والذي دعته خصيصًا بإلحاح كي يحضر.. ولم يخيب أملها فها هو أمامها يمد يده مصافحاً لها..
ابتسمت بمجاملة وهي تبادله المصافحة..
– متشكرة جدآ ياكابتن أحمد انك جيت..
اكفهر وجه زياد.. وزاد تنفسه يهدر بحدة بها ولكن عيناه معلقة عليه..
-إيه اللي جاب الشخص ده هنا!!
ابتسمت تتحداه.. قالت ببساطة..
-أنا عزمته.. هو مش المفروض إن أنا صاحبة مكان ولا إيه ..
اصطكت أسنانه ببعضهما البعض من شدة الغيظ، رمقها بنظرة حارقة يلومها.. فتأثرت بها ولكنها سرعان ماتجاوزت وهي ترى يارا تمر بجوارهما..
فامسكت بكفها تجعلها تقف بجوارها..
-أعرفك بيارا ياكابتن بنت عمتي و….. أخت زياد..
مد يده بسلام قابلته هي بإبتسامة رقيقة زينت ثغرها.. نظرته له كانت غريبة وملامح وجهه لم تأبين منها شئ عدا عن طوله وجسده الضخم..
احنا رأسها تنظر لكفها الغارق بين كفه.. وقد طالت مصافحته فهمت بسحب يدها ولكنه كان متمسك يضغط عليها دون أن يشعر..
تنحنح قليلاً بحرج وهو يترك يدها ولا يعلم ما أصابه..
يركز نظراته عليها لها عينان بلون عسلي بالتأكيد يأسر كل من يراه، استدارة وجهها ونمنمة قسماتها.. كيف لبسكوتة هشة مثلها أن تكون شقيقة لمثل هذا الجلف…
هتف بخشونة نبرته يهنأها..
-مبروك ع النجاح ياأنسة يارا…
.. ضحكت ضحكة حلوة مثلها.. تبعد خصلة عن وجهها..
-ميرسيه.. عنئذنكو..
واستدارت تعض على شفتها بخجل من تحديقه بها، اما هو فدقات قلبه أصبحت كالطبول تصم أذنيه وجسده ملتف نحوها..
شعر بنظرات كالرصاص.. تخترق ظهره فالتفت ليجد زياد يحدجه بغيظ وغل واضحين للأعمى.. قلّب نظراته وقد ناله الحرج والتوتر، ثم تومأ برأسه له ولنيرة التي كانت تطأطأ رأسها تزم شفتيها في محاولة بائسة منها لمنع ضحكتها.. فانسحب دون إذن عائداً للخلف..
………… كانت حنين تقف وحيده بالمنتصف تتلاعب بحقيبتها، اشتاقت لتجمعهم وضحكاتهم، جو العائلة الذي افتقدته.. تشعر وكأنها فارقتهم منذ أعوام…
مثبته نظراتها عليه.. يتجاهلها أو ربما لايراها من الأساس..
تميل برأسها تتأمله، والغريب أنها اشتاقت..!
يرتدي قميص أرجواني وسروال أسود.. وقد شذب ذقنه فظهرت ملامحه….
تمنت لو ينظر باتجاهها حتى ترى عيناه.. وكأنه استجاب
بلمحة بسيطة منه، تقريبًا بالخطأ رمقها، سرعان ماحول نظرته عنها لآخر يبعث له سلام بعينيه..
لم تتبين أي شيء.. كانت لمحته سريعة غامضة.. تُرى هل غاضب منها
أم مشتاق مثلها.. أم صارت من ماضي لا يود الرجوع إليه..
-عاملة إيه؟..
انتزعتها نيرة من وحدتها وشرودها بسؤالها البسيط..
احنت رأسها بحرج.. وهي تجيب بصوت منخفض ..
-الحمدلله..
ف اقتربت نيرة منها.. تربت على زراعها بلطف..
-وحشتيني..
رفعت رأسها.. وكلمة نيرة البسيطة لمعت الدموع بعينيها.. فاحتصنتها على الفور..
-وانتِ كمان وحشتيني أوي..
فابعدتها نيرة برفق.. تبتسم
– ولما أنا وحشتك مكلمتنيش ليه..
حابهتها بطفولية..
-طب وانتِ مكلمتنيش ليه..
هزت نيرة رأسها تقول بحزن..
-إنتِ اللي سيبتينا..
أحنت حنين رأسها مرة أخرى تقول بأسف حقيقي تحدث نفسها ولكن وصلت للاخري ..
-كانت غلطة.. أكبر غلطة….
………….. كان يقف ظهره للجميع ولازال على وقفته تلك، لا يعلم لما لم يغادر منذ وقت.. بالأساس الجو لا يعجبه.. وقد أصابه الضجر..
ولكنه انتظر، انتظر مجيئها، يكذب قلبه بأنه لازال موجوداً دون سبب..
شعر بحضوره دون أن يلتفت.. مازال قلبه يخفق بعنف حين مجيئها ووجودها في محيطه..
احترق قلبه ألف مرة وهو لا يقوى على الالتفات ورؤيتها، يخشى أن يراها وتفضحه عيناه.. كم اشتاق..
كم بكى بصمت من مر غيابها..
كم مرة رأها بكل شبرٍا بالبيت..
.. التفت على حين غرة لياكد احساسه بوجودها، ارتبك وسارع بنظراته لغيرها وكأنه لم ينتبه لوجودها..
اللعنة على قلبه اللذي يود الركض إليها ويحتويها ويبعدها عن الجميع..
التفت مرة أخرى صوبها وحمدًا لله كانت تتحدث مع نيرة.. اختلس النظر يتأملها باشتياق وضيق..
خصلاتها بدأت أن تعود للونها البنى الطبيعي وقد تراجعت صبغتها الحمراء للأطراف بعد أن استطال شعرها قليلا..
فستان بلون النبيت القاني قصير يزيد من غضبه وحنقه كاشفاً عن ذراعيها وساقيها .. كيف تسمح لها امها بارتداؤه..
نحرها الطويل وعينيها.. اشتاق أن يقترب ويعانق بنظراته بريق عينيها..
تنهد بحزن داخله وهو يرى احتضانها المباغت لشقيقته..
رفعت نظراتها نحوه ففاجاته ببريق دمعٍ بعينيها، ولكنه ارتبك ودار برأسه سريعاً بعيداً عنها وكأنها أمسكته بجرمٍ مشهود….
………………… كان زياد يقف غاضباً.. يزفر نارا من أنفه، يشد على قبضتيه بغيظ وغضب وهو يرى تجاهل نيرة وهروبها ومصيبتها الكبرى ذلك ال ” أحمد”..
هذا ماكان ينقصه..!
التفت على ربتة خشنة على كتفه.. ليعانقه..
-أتأخرت ليه ياعاصم..
ليهمهم عاصم بلا مبالاة وهو يدور بعينيه بالحفل بغير اهتمام..
– أنا مكنتش هاجي اصلآ. . مليش أنا ف حفلات العائلات والشغل العيالي ده…
ثم انتبه لتجهم ملامح زياد فسأله بقلق..
-مالك ف إيه؟
– متغااااظ..
ضحك بخفة ليقول..
-نيرة بردو…!
أومأ برأسه ليواسيه بخبث يليق به..
– خلص الحفلة هنا وانا هظبطك بسهرة ترجع بيها أمجادك…
هز زياد رأسه يائسًا..
-ياعم بس بقى..
ثم هتف بـ اسم شقيقته يارا يستدعيها..
يلتفت للآخر يتحدث ببساطة..
-أظن انت مشفتش يارا قبل كدة.. استنى أعرفك عليها وتباركلها..
وقد أتت تقف بجواره، ليضع ذراعيه على كتفها يحتضنها..
-أعرفك ياسيدي يارا أختي….
والتفت ينظر خلفه يبحث عن نيرة وقد غابت عن انظاره فاستئذن من عاصم لحظة..
عاصم الذي لم ينتبه لاتساع حدقتيه ولا ملامح الصدمة الواضحة على وجهه أخذ وقتا طويل.. قبل أن يهمس بفحيح أرعبها …
– مبروك يايارا… ولا أقولك ياأمنية…….!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى