روايات

رواية بنت المعلم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء السادس والعشرون

رواية بنت المعلم البارت السادس والعشرون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الحلقة السادسة والعشرون

” إن لم تكن ذو قدرة لتحمل نتائج أفعالك سواء علي أهوائنا أو غير ذلك…. بالخير أو الشر، فكر في عواقب لن تستطيع دفع ثمنها وكن ذو الحكمة الكافية لاجتناب الرياح قبل أن تضرب سفنك ”
لـ حسناء محمد سويلم
رفع حاجبيه استفهام عما يحدث الآن، شعرت مي بأن ربيع سيخبر المعلم بالحقيقة… لتكون هي الأسرع وترتمي في احضان سالم وتقول بصوت مرتجف :
عمي ألحقني
خرجت نبرة سالم المستفهمة :
ايه بيحصل هنا
حاول ربيع التفكير في شرح الموقف إليه بطريقة أخري تكن لصالح، لتستغل مي صمته وتردف باضطراب :
عمي ربيع كان عايز يخدني غصبن عني لمكان معرفوش
توسعت حدقتي ربيع مندهش من سرعة اختلقها للكذب …. ونظر الي سالم قائلا بمزاح :
دا أنا كنت عايز اخدها عند الجماعة في البيت عشان

 

 

تتعرف على العيال بس شكلها فهمت غلط
تطلع المعلم سالم إلي مي بهدوء وهو يردد :
ولا تفهم صح ما هي مراتك
واستطرد الي مي :
وبعدين يا مي الـ هيعوز يودي حد مكان ميعرفوش هيطلعوا من البلد، مش هيكون ساحبك للبلد تاني
ابتعلت مي لعابها وهي تشعر بصهد حار يخرج من جسدها وكأن الشمس تعلو فوق رأسها بـ سنتمترات، لوي ربيع جانب شفتيه من كشف سالم إلي كذبتها.. واردف مستأذن :
طيب ممكن بعد اذنك اخدها اعرفها علي العيال
هتف بحزم وهي يحدق بـ مي التي تلون وجهها بالون قوس قزح :
خاليها معاهم علي طول
وأكمل وهو يخطو تاركهم :
مالوش لازمه انهارده من يومين وسالم هيجي بالليل بحاجتها
رحل وتاركها تتأمله بوجوم…. تمنت أن تكون في كابوس وتستيقظ منه الآن، ايقاظها ربيع ولكن علي تكلمت ذلك الكابوس وهو يهمس بجانب أذنها ساخراً :
ياعيني يا ضنايا
ثم رتب علي كتفها يكمل متهكما :
والله يا بنتي العجله ولا الجاموسة الأنا بشتري وبيبع فيها بكون عملها قيمة اكتر من الاهلك عملينه فيكي
واستطرد بحده :
بس دا مش كفايا في واحده زيك عايزه تهرب وتحط رأسهم في الأرض
أمسك معصمها يسحبها خلفه وهي تستجاب إليه كإنسان آلي…. مردد بضيق :
لو عليا ما ادخل واحده زيك بيتي، بس اعمل ايه محدش مستحمل زن العيال وامي ست كبيرة واهو تخدمني وتربيهم
لم تجد أجابه ترد عليه وتردعه عن اهانتها….ربما لو سجنت في الغرفة طيلة حياتها عقاب أهون من عرضها بتلك الطريقة، حاولت البكاء أو الصياح تخفيف ما تشعر به ويضرب روحها، فتلك المرة حكم عليها بدفع خطأها بقية عمرها من ذل وإهانة مسموح به….. جفت الدموع في ملقتيها وهي تتجه إلي منزل آخر ورجل بغيض تحت مسمي الزوج،
سوط من نار لف حول عنقها وهي تأنب ذاتها لعدم الانصات الي خلود …. ” مي حبيبتي أنتِ مش عارفه أخرت الأنتِ عايزه تعمليه دا ايه ” ، علمت الآن ما النتيجة التي وقعت علي تمردها الأرعن،
؛*************

 

 

في منزل عزيز
كان عزيز يترأس مائدة الطعام مقتضب الملامح وهو يرمق يعقوب بانزعاج…. بعد علومه بطلب حسناء من المعلم سالم للزواج منه وهو مختفي حتي الليل قضاه مع عامر وأكرم متحجج بانشغاله معهم في عملهم الجديد،
وضع الملعقة من يده وسأله بحده طفيفة :
روحت للمعلم سالم ؟!
رفع يعقوب نظره مجيبه ببرود :
لا
تسأل عزيز مره اخري بحده أكثر :
ليه ؟! مش قولت روحله عشان عايزك
هتف بحنق وهو يكمل طعامه :
لما جيت اروح عرفت بالحصل لان أخوه
واستطرد بضيق :
وبعدين هو الجواز بالعافيه
جن عزيز من اللامبالاة المتملكة في طريقه حديثه… ضرب الطاولة هادر بغضب :
أنت عايز تجنني ولا هو لعب عيال
ثم أشار علي سميه وأكمل مستنكر ما يرود منه :
وبعدين مش دي الانت خرجتها في نصاص الليالي وعامل ربطيه مع أختك
تطلع يعقوب الي سميه التي انكمشت في نفسها من نظراته الحاده، حاول علي تهدأت والده قائلاً :
اهدي يابا بس تلاقي يعقوب متوتر من خطوة الجواز وكدا
قطب عزيز جبينه مردد باستفهام :
ومتوترش غير لما وقع البنت في مصيبه ؟!!
احتقن وجه مايسه خجلاً من زوجها الجالس في صمت يكمل طعامه دوم أن يتدخل في شأن لا يعينه،
لم يغيب اليومين إلا أن شعوره بعد التحكم في أعصابه والبوح بكل شئ يتمكن منه…. وها هو يشعر بنيران تتأجج بداخله من جديد، سيطر عقله الباطن في جلب الأفكار الدنيئة الي رأسه…. لا يصدق أنه سيقع في فخ الزواج من فتاه يشك في أخلاقها، احتدت نبرته مردف بأمر :
من الآخر أنا مش هتجوز البنت دي
رتبت حسينه علي كفه تقول بحنو :
يا حبيبي مش دي الانت اخترتها مع أختك
انفجر بركانه يزمجر بضيق :
مش دي ياما، دا بنتك عملت معاها تمثيله عشان تداري علي عملتها علي قفايا
التفوا جميعاً يرمقوا سميه باستغراب… بينما رفع عزيز حاجبيه مغمغم بعدم فهم :
عمله وتمثيله ايه، أنت تقصد ايه ؟!
لام يعقوب نفسه علي عدم سيطرته علي لسانه، ثم قال وهو يقف خارجاً :
مفيش يابا
هدر عزيز بأمر :
استني عندك أنت ترمي كلمتين وتطلع تجري
ثم وقف يتجه إلي سميه وهو يسألها بجمود :
اخوكي يقصد ايه ؟!
إجابته بخفوت وهي تحدق في يعقوب بعتاب :
معرفش أسأله يا بابا
صاح بنفاذ صبر من الغازهم الغير مفهومة :
انتم هتنقطوني أنا عايز افهم معني كلامك ايه ؟! وسميه متفقه مع حسناء ليه !!
تقابلت نظرات يعقوب الغاضبة من تصرفها مع نظراتها المعاتبة التي لم تتوقع أن يفضح أمرها أمامهم، استشاط يعقوب من نظرات اللوم المصوبة عليه فقال بحده :
أنتِ بتبصلي كدا ليه مش لو مكنتيش اتهببتي واخترعتي القصه دي من دماغك مكناش وصلنا لكدا

 

 

وقفت سميه مقابل له تهتف وتبرأ فعلتها :
أنا خوفت عليك وعليها
رمقها بسخرية مردد بتهكم :
طيب أنا وماشي، هي بقا كانت من بقيت أهلك
صدمت سميه من جانب لم تراه في يعقوب من قبل، غمغمت بحزن :
عمرك ما كنت أناني كدا
هدر عزيز بغضب موبخ سميه :
احترمي نفسك وأنتِ بتتكلمي مع اخوكي
أشار يعقوب علي نفسه يردد بحنق، بعد أن أعمي الغضب أعين عقله، واستدرج تحت تأثير تبرأت نفسه من تهمة سميه التي لطالما كان هو مثلها الأعلى والآن تصفه بتلك الصفة الباطلة من وجهة نظره :
أنا اناني صح
واستطرد وهو يشير إليهم :
طيب ياجماعه اسمعوا بقا عشان تعرفوا انا قد ايه اناني
قص يعقوب نصف حقيقة الواقعة مع حسناء، فلم يذكر وجودها في الطريق الزراعي خارج القرية وأمر الشبان اللذان كانا يحلقا بها…. بل اكتفي بذكر وجودها في طريق يبعد قليل من منزلها وكانت تسير في طريقها عندما انزلقت قدمها وتقابلوا معاها قبل أن يصادفوا خليل، بقلم حسناء محمد سويلم
تأملته سميه بعدم فهم ما يدور في عقله، خاصه عدم قصه بالحقيقة كامله …. ارتفع صوت مايسه توبخها بضيق :
وأنتِ اتجننتي ازاي تخترعي حاجه زي دي من دماغك وتلبسي اخوكي
جلس عزيز بحيره بعد أن استمع الي حديث يعقوب واقتناعه لسبب غضبه، ثم نظر إلي سميه يسألها بتعجب :
ايه خلاكي تقولي كدا !!
خرج صوتها متلجلج وهي تنظر إلي يعقوب بتوتر:
عشان عارفه حقيقة خروجها ايه
هتف عبدالله بسخرية يقاطعها :
هتكون رايحه تصلي الفجر، واحده خارجه انصاص الليالي اتلاقيها كانت بتنقط رزقها
شاركته منال واختها بالإضافة إلي مايسه باختراق أسباب دنيئة وقحه…. ” تلاقيها متعوده” … اكيد كانت بتقابل حبيبها” … ” شوف مين ضحك عليها” ، وما شابه من اتهامات تخوض في عرض وشرف فتاة لم يروا منها أو من أهلها سوء قط، مجرد كلمات جعلت من أهل العفة أناس لا تعلم طريق التربية والأخلاق،
نظرت سميه إلي يعقوب تعاتبه لذلة لسان هو ليس متأكد منها…ولو كان يشك علي الأقل لما يخفي الحقيقة كاملة،
عندما ذاد الحديث والاتهامات مع شرود عزيز وشكوكه الذي لم يختلف كثيراً عن يعقوب… حمحم يوسف بصوت مرتفع قليلا واستأذن بهدوء :
لو سمحت ياعمي ممكن اقول حاجه مع أن الموضوع ميخصنيش
أشار عزيز إليه معاتبا :
متقولش كدا يا يوسف أنت واحد مننا
أما يوسف بتفهم ثم هتف وهو ينظر إلي ما لمذ بحديث واتهم بغير حق :
كل واحد قال كلمه من عنده علي كلام مش مأكد، لكن حد فيكم عنده دليل ؟!

 

 

أجابه عبدالله ساخراً :
وأنت عايز دليل زي ايه يا ستاذ يوسف
تجاهل يوسف سخريته ودار يسأل يعقوب :
بلاش تقع في فخ أختك وقعت فيه يوم ما حاتم اتهم سميه بحاجه زي دي وشوف أنت عملت ايه عشانها
حرك على رأسه نافياً صحة كلامه مردف :
لا أختي مخرجتش في نص الليل
أمأ يوسف رأسه بيأس مردد بحنق :
مفيش فايده هنفضل نحكم بودنا
واستطرد بهدوء :
لكن نهيت الحوار آيات القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ” «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ،(سورة الحجرات آية 12) “صدق الله العظيم
وأكمل بحده طفيفة:
كل الانتم بتقولوه ممكن وفي الف ممكن تانيه كلهم نيه سليمه غير الاتهامات دي وزي ما ذكر في آيات القرآن من سورة يونس بسم الله الرحمن الرحيم ” ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)﴾ ” صدق الله العظيم
وقف عزيز يقترب منه ورتب علي كتفه بزهو :
الله يبارك فيك يا بني
وتأمل أولاده لبرهه مغمغم باقتضاب :
لو كنت استنيت شويه كمان معاهم كنت نسيت كلامك
وأكمل وهو يرمق يعقوب :
مش عايز تتجوزها ومالو هيتم خطوبه لفترة منعا لكلام خليل في البلد وبعد كدا سبها لصاحب نصبها
واحتدت نبرته محذراً للجميع :
الموضوع دا مينفتحش تاني نهائي وطالما سالم قال عارف هي كانت فين هما أحرار، وأنا مصدقش أن واحده من تربية سالم تطلع بالاخلاق دي بصراحه
اعترضت مايسه بحنق وارادت إبداء رأيها…. لكن كان يوسف الأسرع قائلا بحده وهي يستأذن صاعدا لشقته :
بعد اذنكم هطلع جي من السفر تعبان، مايسه عايزك
تحرك بالخروج ومازالت مايسه تجلس مشغولة في الهمس مع فايزه ….. عندما لمح عبدالله نظرات يوسف المقتضبة من تجاهل مايسه لندائه هدر بها موبخ :
أنتِ مسمعتيش جوزك قال ايه يا جبله
زفرت مايسه بضجر عندما رأت نظرات والدها المحذرة، نهضت تصعد بملل فقد تطور الحديث والاعتقادات منها مع فايزة والتي ستحظى بمحاضرة في الأخلاق والآدب من يوسف بعد صعودها لأنها اشتركت في هذا الحديث المتدني من وجهة نظره عكسها تماماً،
في الأسفل اقتربت سميه من يعقوب تهمس بجانبه :
أنت هتنسي وأنا هنسي لكن هما مش هينسوا
حدقت بحزن لثوانً وتحركت الي غرفتها تجلس بعيداً عنهم قليلاً…. تنهد يعقوب بخفوت واستأذن بالخروج للمحاجر يلقي نظره علي العمال، هكذا إقناعهم ولكن حقيقة هروبه هي شعور تأنيب فات الاوان به، شعر بحاجته للبعد وتركه مع ذاته لبعض الوقت يفكر في صحة ما فعله…..أو نتيجة خطأ يقلق من تقبله،
؛***************

 

 

بعد أن تعبت قدمها من المشي في شوارع القرية للبحث عنها… كأنها تبحث عن إبرة في قومة قش، وقفت أمام الثلاث منازل تتأملهم بحزن اعتقاد أنها استطاعت بالهرب وجلبت الخزي لتلك العائلة،
: نيره
رمشت بأهدابها بتوتر وهي ترمق المعلم سالم يقف بالقرب منها، تلجلجت نبرتها مردده :
عمي
سألها مقتصراً :
أنت وقفه كدا ليه مش قولنا مخدش يخرج
لم تجد أجابه مرتبه تخبره بتلك المصيبة التي وقعت عليهم …. بينما هو تفهم حركة يدها ونظراتها المتوترة فقال وهو يتحرك باتجاه منزله :
اممم شكلك مش عارفه تقولي هي راحت فين
تدلي فم نيره بذهول ليكمل بأمر :
تعالي
خطت خلفه بمعالم مندهشة دون أن تضيف إلي أن دخلت الي الطابق الأول، وضع المعلم عصاه جانباً مردف بسخرية :
هتفصلي فاتحه بوقك كتير كدا
اعتدلت نيره مردده بعدم فهم :
هو .. يعني هي مي
هتف بحزم ينهي ذلك الحوار :
راحت بيت جوزها
صاحت نيره بصدمه :
ايه !!
أشار بيده أمر بصرامه :
زي ما سمعتي مي راحت بيت جوزها وبليل تبلغي جوزك يودي حاجتها كلها هناك
رمشت بأهدابها عدة مرات وكأنها تستوعب حديثه، فهتف بهدوء :
تعرفي تعملي قهوه
دون فهم نطقت ببلاهة :
ايه
انكمش بين حاجبيه مردد بحنق طفيف :
ايه يا بنتي تعرفي تعملي قهوه
أمأت بسرعة :
ايوا
أشار إلي طريق المطبخ يردف بهدوء :
ادخلي اعملي فنجان
فركت يدها بتوتر مغمغم بتعلثم :
طيب ما اروح ابلغ عمتو صباح بأنك موجود
نظر إليها بضيق فتراجعت بعجلة :
هدخل أحضرها
نداها بهدوء يشير علي المقعد المجاور قائلا بتذكر :
اقعدي الأول عايز أعرف مي كانت رايحه فين
لم تردد نيرة في قص ما حدث بداية من صعود خلود وجرح رأسها حتي خرجت كي تبحث عنها…. رمقته بقلق بعد أن انتهت، صمت وهدوء صعب عليها فك شفراته، ابتسم سالم يغمغم :
وأنتِ كنتي رايحه ترجعيها
تحدثت نيرة بحده نابعة من داخلها اعتراض علي تصرف مي :
اهو اي حاجه اقدر اعملها عشان اوقف المهزلة دي
أمأ بهدوء ثم أشار إليها بالمغادرة… نهضت نيرة تتجه إلي المطبخ تصنع فنجان القهوة المميز لديها كي ينول اعجاب المعلم، وأثناء انتظاره تترقب اللحظة المناسبة لانتشاله قبل أن يفور، أخرجت هاتفها تجري اتصالا بخلود تخبرها بأمره الصارم، لم تقل صدمة خلود عن ذهول أخيها سالم الذي جاء للتو يتأكد من خروج نيرة لتقع صدمة مي وتلهيه عن وجود نيره في منزل عمه دون علمه، بقلم حسناء محمد سويلم
؛************

 

 

: الو
أجابت متوترة بعد أن ألح باتصالاته المستمرة طيلة الأيام الماضية، جاء صوته المعاتب :
كدا يا رحمه مش بتردي عليا
هتفت مقتصرة :
دكتور خيري لو سمحت تتفضل تقول عايز ايه علي طول عشان مش هقدر ارد علي حضرتك تاني
تمتم خيري باقتضاب :
ايه الرسميه دي
أردفت بنفاذ صبر :
لو سمحت حضرتك دكتوري وأنا كنت طالبة عندك وكل دا انتهي
جاءها صوته الحنون الذي لطالما نجح في وضعها بداخل دائرة الحيرة.. حنون بشكل مختلف، ذو قيم، يستطع بسهولة الضغط علي ثغرتها التي وضحت إليه من خلال تعامله معها :
لا يا رحمه أنتِ مش مجرد طالبه عندي
صمت ثوان وأكمل بهيام :
أنا بحبك
تحكمت رحمه في الصراعات الدائرة داخل عقلها وأردفت بجمود :
وأنا فكرت وعرفت أن كنت غلط، فرق السن الـ بينا كبير جداً وهيفضل عائل بيني وبينك
قاطعها نافياً :
لا مش عائل أنا هقدر اعيشك في مستوي احسن من الأنتِ عايشه فيه، دكتور جامعي وعندي شقق في مناطق مختلفة ومستعد ابني فيلا باسمك عندكم لو عايزه تعيشي جمب أهلك
واستطرد بحب :
أنا حبيتك بجد ومستعد اعمل اي حاجه عشانك اكون ابوكي وجوزك وحبيبك وأنتِ تكوني امي وصحبتي وبنتي وحبيبتي كمان
تنهدت رحمه بقلة حيلة مردده باستنكار :
كل الكلام دا جميل بس أنا عندي 22 سنه لسا مكملتهمش كمان وأنت 48 سنه يعني عمر تاني
واكملت باضطراب :
بابا عنده حق أنا غلط ومش عارفه عايزه ايه صدقني كدا احسن ليا وليك
رد بحزم قبل أن ينهي المكالمة :
مش بالسهولة دي يا رحمه أنا حبيتك ومش هتخلي عن حب بعد السنين دي كلها
نظرت للهاتف بعد أن استمعت لصافرة الانتهاء….. في منتصف بحر الضياع لا تعرف العوم ولا تعلم طريق العودة،
بدأت في إخراج شريحة الاتصال واتجهت إلي سلة القمامة تلقيها بعنف، أرهقت في التفكير …. ذبلت روحها دون أن تصل لحل يرضيها، بعد سوء الأوضاع مع والدها عليها بأن تأجل استشارة طبيب في حالها حتي يسمح لهم بالخروج مره ثانية، والآن عليها فقط الحفاظ على أفكارها، واختيار الأمور بجهة أخري كي تصل إلي الصواب ولا تقع تحت خطأ ثاني تتحمل نتائجه أحدي أفراد عائلتها مثل حسناء،
؛***************
بعد صلاة العصر اجتمع آل سويلم بمنزل عبده، بعد أن عادوا من المشفى واطمأنوا علي استقرار حالة سالم….
وبعد منع الزيارة وجد جابر أن جلوسهم ليس مجدي فاصر علي عبده ومحمود بالرحيل لتغير ملابسهم والعودة مره أخري،
اقترب جابر من المعلم سالم يسأله بشك في حالته الهادئة وملامحه المقتضبة :
مالك يا معلم

 

 

أجابه دون أن ينظر إليه :
مالي زي الفل كل يوم والتاني الناس جايه توسينا وتفف معانا كأن مفيش غيرنا في البلد
انكمش بين حاجبي جابر مردد باستغراب :
يعني هندخل في مشيئة ربنا
نظر سالم إليه بحده مغمغم بضيق :
لا يا خويا مش هنعترض
واستطرد بحزم :
وابقا روح بيتك شوف ايه بيجري هناك
جال جابر بنظره دون فهم ثم استأذن من المجلس بالذهاب، تنهد سالم بضيق ثم نظر إلي مرتضي متسائلاً بهدوء :
عملت ايه مع فواتير الآلات الجديدة
أجابه مرتضي باحترام وهو يخرج اوراق مطويه من جيب جلبابه :
كله تمام ودي الفواتير ومواعيد الاستلام واقف بس علي تشطيب العمال بقيت الأرضيات
أخذ الأوراق يلقي نظره سريعة وتطلع الي أحمد يسأله هو الآخر :
وأنت ليه لحد دلوقتي العمال مخلصوش
رفع أحمد حاجبيه متعجب من قدرة ذلك الرجل علي مجاراة أشغال مهولة في وقت واحد بالرغم من تلك المصائب التي تتولي علي رأسه… كأنه جبل يأبي السقوط حتي بعد تفجير قواعده، هتف ببرود :
دول يومين تأخير يعني
استشف اللامبالاة في نبرته فرد عليه بجمود :
ما هم اليومين دول مش من مال أهلك ولا الاتفاقيات ومواعيد الاستلام المتحده أنت الملتزم بيها
عم الهدوء المجلس مما جعل أحمد يشعر بالإهانة فتسارع قبل أن تضيع كرامته أكثر من والد زوجته وخاله في الأساس قائلا باعتذار :
أنا مقصدش
قاطعه بحزم :
ولا تقصد شغلي وقوانيني مش هسمح تعديها والـ مش عجبه الباب يفوت جمل
نهض أحمد من مكانه مردد باحترام :
بعد اذنكم هروح استعجلهم
وخرج بضيق بادي علي ملامحه جعل والده يقترب من سالم مغمغم بعتاب :
ايه يا سالم براحه علي دا حتي جوز بنتك
رد عليه باقتضاب :
الشغل مفهوش لعب يا صبري، أو قعده جمبك ومحدش يكلمه
ثم انظر الي ابن أخيه جابر يأمره وهو يخرج من المجلس الي البهو :
سالم عايزك
إنصاع إليه مردد بفضول :
نعم يا معلم
حدق به لثوان قائلا بضجر بعد أن هاتفته نيره تخبره عن غضب سالم من خروجها دون علمه مستغيثه بأن يصلح وضعها معه :
نيره أنا كنت عايزها وطلعت وجتلي ما أعلم انك كلمتها ولا ديقتها هسود عيشة أهلك
ضيق سالم عينيه بفهم أن نيرة أخبرته بثيرانه وغضبه عندما عادت للمنزل وأخبرته أنها كانت في منزل عمه تصنع القهوة إليه،
: أنت فاهم

 

 

هدر المعلم بحده، ليقول سالم بقلة حيلة :
هو انا اتكلمت
تطلع إليه بجمود وهو يردف بصرامة :
حاجه كمان لا عايزك ولا عايز تبعنا يعترض عزب والـ معاه
واستطرد بدهاء:
وساعدهم علي قد ما تقدر في الـ هما محتاجينه في البنايه ولوازمها من غير ما تبان في الصورة
توسعت حدقتي سالم متمتم ببلاهة :
ايه !!
أكمل المعلم بشرود متجاهل دهشته :
ولو حكمت توقف ناس تبعنا تساعدهم ومالوا
همس سالم بذهول للمرة الثانية :
ايه !!
رمقه المعلم بحده وأمره باقتضاب :
من غير ما حد يعرف ياسالم حتي أبوك
فرك ذقنه المهندمة يسأله بعدم استعاب :
احنا ونساعد عزب طيب ازاي
نظر إليه يردد باقتصار :
ملكش فيه
واستطرد بتذكر :
وتروح لبنت ابو النجا عشان تحضر نفسها عايزها بكرا معايا في سفريه
تسأل سالم بشك :
بنت ابو النجا
أما إليه بهدوء دون أن يضيف ويروي فضوله المسكين… هز سالم كتفيه كـ حركت ساره الشهيرة بها أثناء فقرة ردحها المعروفة مأكد مرة أخرى :
بنت ابو النجا
تطلع المعلم لحركة كتفيه باشمئزاز قائلاً :
ما تتعدل يالا
اعتدل سالم يضرب كف فوق الآخر بعد أن رحل عمه من أمامه… لما جاء البحر بجانب الصحراء ؟! وظهر القمر بدلاً من الشمس، أخرج علبة التبغ الخاص به من جيبه يتفحصها بشك ربما وضع فيها شيء آخر اذهب عقله، وأصيب بالهلوسة….. عمه يطلب الحماية لـ آل عزب؟!، ويريد ساره معه في سفره !!!، شعر بفقدان عقله حتماً سيصاب بالجنون من تلك العائلة المعتوهة التي لا يفهم لها أمر،
؛***************
بعد أن تأكد من إتقان العمال للانتهاء في الموعد المحدد، عاد إلي المنزل سريعاً فلا يتحمل أن يري أحد بعد يومه هذا….. اهانه بطريقة مباشرة أمام المجلس بأكمله ولم يراعي مشاعره أو علي الأقل أنه زوج ابنته،
اكتفي بألقاء السلام علي والدته وأخوه وصعد إلي شقته متجاهل نداء دولت …. فمن المؤكد أن والده أخبرها بما حدث لتبدأ في فقرة النصح بأن يتحلى ببعض الادب والدهاء مثل مرتضي، ويكسب حب خاله وينعم في عزه،
ألقي مفاتيحه ثم اتجه إلي غرفة النوم بانزعاج …. لعبه خشبيه بخيوط يتحكم فيها كما يشاء ولا يجدر به أن يظهر اعتراض كي يستحق رضاه، هكذا كان شعوره باتجاه المعلم وابنته التي تختفي رويداً من حياته اثر عزلتها الدائمة في الغرفة،
لوي فمه عندما رآها تجلس كالمعتاد تطل بنظرها من النافذة تتأمل المارة، ألقي بجسده بإهمال علي الفراش دون أن يتحدث … ينظر إلي سقف الغرفة بملل، دار بوجهه يستعد الي لدغها بكلماته الساخطة والغليظة كي تستفيق من احلام اليقظة خاصتها،

 

 

انتصف في جلسته بفزع عندما لمح ملف أزرق أمامها علي المنضدة… وعلى حين غرة وقف يتقدم منها يأخذ الملف يتفحصه ما إن كان يخصه ام لا،
رفع عينيه المكسوة بحمرة الغضب يقول بهسيس :
مين سمحلك تفتشي في مكتبي
قابلت نظراتها أعينه مردده بهدوء :
كنت بشوف دفتر أو استكتش فاضي عايزها ولقيت دا
امسكها من مرفقها يوقفها عنوه وهو يصيح بغضب :
ومين سمحلك من أصله تدخلي مكتبي
أبعدت قبضته تسأله بصوت مهزوز :
لحد أمته كنت هتخبي عني يا أحمد
واكملت بصوت محشرج بعد أن اجتمعت العبرات في ملقتيها :
لحد أمته كنت هتسبني متعلقه في احبال دايبه
بلع لعابه مردد بتعلثم :
كنت هقولك بس الوقت مكنش مناسب
مسحت هند وجنتيها ثم امسكت الملف تفتحه أمام عينيه متسائلة باستنكار :
تاريخ التحاليل قبل ما نتجوز ولسا مكنتش لقيت الوقت المناسب
ألقي أحمد الأوراق في وجهها هادر بحده :
ايوا عارف أن مش بخلف قبل ما اتجوزك وكمان اقبل ما اخطبك
واستطرد بغضب :
بس من حقي اعيش حياتي واتجوز
قاطعته بحزن وشهقاتها تسبقها بحرقة:
وأنا من حقي اختار
حرك رأسه نافياً وأردف بتلجلج :
مفيش واحده هتوافق تتجوز واحد الطب فاقد الامل أنه يخلف
أشارت هند علي نفسها تهتف بحرقة علي سنوات مرت وهي مغفلة.. أيام اشتياق للأمومة المؤجلة بناءً علي رغبتهم كما كانت تعتقد، والآن تستيقظ بعد مرور أربع سنوات من زواجها علي واقع مؤلم :
وأنا ذنبي ايه تضحك عليا المده دي ليه تشككني في نفسي وتصمم تجرحني
أشار أحمد علي نفسه يتمتم بانكسار:
وأنا ايه ذنبي
وقف الزمن من حولهم …. دارت النظرات بينهم للحظات … يوجد فقط صوت بكائها المختلط بأنفاسه العنيفة،
لم تعرف كم مضي عليهم والاعين تتحدث بدلاً من الألسن، عتاب …حزن…كسره… ألم ضرب حنايا قلبها عندما تذكرت كل المواقف التي كانت جميلة وانهاها بفتوره وجمود مشاعره، جلست علي المعقد تبكي في صمت بينما ظل هو يتأملها بهدوء حتي فاض به وخرج من الغرفة بل من القشة بأكملها مغلق الباب خلفه بعنف، كالعادة يهرب من المواجهة والاعتراف بالخطأ ويعود معتذرا بعد فوات الأوان،
؛**************بقلم حسناء محمد سويلم

 

 

اختف قرص الشمس بخيوطة اللامعة …. واحتل الظلام الشوارع والطرقات، وبأحدي الأزقة الضيقة كانت تسير بـ تمخطر بعد أن انتهت زبونتها في صالون التجميل الخاص بها في المنطقة الرئيسية، لم يشغلها صوت الكلاب المنتشر حولها …. ولا حتي وجود أناس الا القليل فهي معتادة علي العودة متأخرة بحكم انشغالها طيلة النهار…. لديها سمعة خاصة غير ( الشرشوحة) بأنها صاحبة افضل صالون تجميل في المنطقة،
لوكت العلكة بوقاحة عندما لمحت رجل وسيم يرتجل من سيارة فارهه ويتقدم إليها…. اصطنعت الانشغال في هاتفها متجاهلة رائحة عطرة النفاذة التي راقت إليها،
: والحلوه رايحه علي فين
دارت إليه ترمقه بعبث، ملامحه الرجولية … قوامه المثالي… لديه كاريزما مختلفة عن باقية من تخطت بهم، نظرت إليه بتفحص وهي تسأله بميوعة :
حاسه أن شوفتك قبل كدا
أجابها وهو يتفحص معالم جسدها بوقاحة :
هو مش أنا
رفعت حاجبيها بعد فهم ليكمل بمراوغة :
اخويا الأنتِ علمتي عليه بعد ما كان عايز يتحرش بيكي
انهي حديثه غامزا… ابتسمت ساره بدلال مردده ببراءة :
يرضيك يا اخ الاخوك عمله
استفز عز من حركة جسدها المايعة وغمغم بمكر :
لا ميرضنيش عشان كدا جيت أصلحك
ضحكت ساره بصخب وهي تضرب كتفه بغنج :
ونبي شكلك بتفهم عنه
أخرج عز حزمة من النقود يلوح بها أمام أعينها وعلي حين غرة امسكها من خصرها يقربها منه، ثم تمتم بهمس :
بفهم اوي خاصة في النوع البلدي الأصيل
التقطت ساره النقود بسرعة وابتعدت عنه مردده بخبث :
أنا أحب صاحب المزاج
أشار علي سيارته مردف بنبرة ذات مخزي وقح :
طيب عربتي هتنور بشرفك انهارده
لوكت العلكة جانباً وقالت وهي تلاعب حاجبيها :
لا يا عنيا مش هينفع انهارده

 

 

قطب جبينه باستفهام وسألها بفضول :
يبقا بكرا ؟!
إجابته وهي تتحرك أمامه بميوعة :
بكرا رايحه مشوار ضروري
ثم دارت ترسل قبله في الهواء مردفه :
هرن عليك
تأملها عز بخبث لثوان ثم تحرك الي سيارته يخرج من القرية قبل أن يراه أحد ليلا مع تلك الفتاه التابعة للمعلم سالم سويلم،

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى