روايات

رواية بك أحيا الفصل العاشر 10 بقلم ناهد خالد

رواية بك أحيا الفصل العاشر 10 بقلم ناهد خالد

رواية بك أحيا الجزء العاشر

رواية بك أحيا البارت العاشر

رواية بك أحيا الحلقة العاشرة

صلي على النبي ودوس لايك ❤️🌴
الفصل العاشر “لا وقت للحزن! ”
“أحيانًا نفقد أحقيتنا حتى في التعبير عن مشاعرنا”
الساعة الثانية صباحًا..
خرج من غرفته بخطى حذِره وهو يعدل من ياقة معطفه الشتوي الأسود كحال جميع ما يرتديه فالبرودة في الخارج بمثل هذا الوقت في اوائل فبراير لا تُحتمل، ترجل درجات السلم الداخلي بملامح بدت هادئة رغم ما يعتمر دواخله، فآلآمه التي يشعر بها لم تخمد لكن وراءه عمل عليهِ انجازه، وقد اعتاد كيف يدفن مشاعره جيدًا وقت العمل.
حين وصلَ لآخر درجات السلم لمحَ “سلوى” الخادمة الوحيدة بالمنزل وهي تخرج من باب المطبخ فوقفت متفاجئة من رؤيته، طالعها قليلاً بصمت آثار ريبها، حتى نطقت هي بتوتر فلطالما خشته دون أن تعرف السبب، لم يبدر منه شيء سيء تجاهها من قبل ولكن رؤيته تثير ارتباكها وخوفها أكثر من والده حتى الذي لا ينفك يغضب عليها:
_ حضرتك محتاج حاجة؟
نزل الدرجة الأخيرة فظنته سيكمل للخارج لكنها تفاجئت بهِ يعدل خطواته ناحيتها، فارتدت للخلف خطوة بتوتر شديد رغم بُعده عنها، مع الاضاءة الخافتة التي تزين البهو في مثل هذا الوقت، وصوت الرياح الخفيف الذي يأتي من الخارج، وطوله المهيب لها والآن هدوءه الذي آثار ذعرها كل هذا جعلها تتمنى لو تركض من أمامه! رفعت عيناها المتذبذبة له حين سمعت صوته يقول:
_ أنتِ شوفتيني؟
طالعته بحيرة، ولم تفهم سؤاله في بداية الأمر، حتى تذكرت ذات مرة حين أخبرها بتحذير أن من يسكن هذا البيت لابد له ألا يرى وألا يسمع وألا يتحدث، ففهمت مغزى سؤاله، هو لا يسألها إن كانت رأته حقًا أم لا، فالاجابة بين طيات السؤال، اذردت ريقها بصعوبة وهي تقول:
_ اا.. لأ.. لأ مشوفتش حضرتك.
التواء بسيط ظهر في جانب فمه، لا يمكن أن يُقال عنه ابتسامة، بل هو مجرد تعبير منه عن رضاه بإجابتها، هذا فقط قبل أن يبتعد مكملاً سيره للخارج.
استندت على الحائط بجوارها تلتقط أنفاسها بقوة، وما إن هدأت قليلاً حتى غمغمت بنبرة مهتزة:
_ يعني هو كده اجابتي كانت صح ولا لأ! يخربيتك سيبت ركبي.. نظرته ترعب، بقى ده عيل لسه ٢٠ سنة يولاه! اومال لما يكبر ده هيبقى عامل ازاي! لالا، إن شاء الله اكون سيبت الشغل هنا قبلها انا ناقصه ده المرة الجاية هيجبلي سكتة قلبية.
غمغمت بجملتها الأخيرة بنزق وهي تتتجه ناحية باب الحديقة الاخر كي تذهب لغرفتها.. وبالطبع لم تكن تلك الغرفة التي تقبع في الحديقة والتي سكنتها خديجة وعائلتها، ف”مراد” لم يسمح لأيًا من كان أن يسكنها بعدها، فبنى “حسن” غرفة آخرى مرغمًا بعدما فشل في إمالة رأس “مراد” وجعله يقبل بالأمر، ولأنه في ذلك التوقيت كان يريد أن يأخذه تحت إبطيه فلم يعارضه كثيرًا.
وبالخارج…
فتح باب سيارته مستقلاً إياها بهدوء خارجًا من الفيلا بأكملها بهدوءه الذي اعتاد عليهِ حين يخرج في مثل هذه الأوقات فلن يسمح أن تعرف والدته بخروجه في وقت كهذا، فحتمًا حينها ستشك بهِ بلا جدال، لذا هو يؤمن نفسه! أمامها بمواعيده المثالية ومن وراءها بمواعيد أخرى تمامًا بعيدة كل البعد عن المثالية.
ضغط زر الايجاب حين على رنين هاتفه المحمول، ووضع سماعة البلوتوث في أذنه، وأجاب بهدوء:
_ها؟
استمع للطرف الآخر وهو يقول:
_ الدكتور يوسف لسه مصمم على رأيه، واخر مرة هدد الراجل بتاعنا لو حاول يتواصل معاه تاني او مع اي حد من المستشفى هيبلغ عنه البوليس.
نظر للنافذه بجواره وعيناه تحمل نظرة ساخرة:
_ امم.. لا تمام، يبقى هو الي اختار، بكره ابنه يبقى عندنا.
استمع لتأكيد الطرف الآخر قبل أن يفصل المكالمة وهو ينظر أمامه بتفكير، فذلك الطبيب الذي رفع راية الضمير ربما سيتسبب بخسارة ولده الوحيد والذي لن يستطيع أن ينجب غيره مادام متمسكًا بزوجته التي أزالت رحمها منذ أشهر، بالطبع تلك التفاصيل لم تغيب عن “مراد” وتفاصيل أخرى أكثر بكثير، فإن قلت أنه علمَ عنه كل تفصيلة لن اكون مبالغة في التعبير، فحتى ما حدث بينه وبين زوجته هو يعلمه، “مراد” و “جواسيسه” لا يمزحون حين يتعلق الأمر بعملهم.
ساعة كاملة حتى وصلَ لجهته، أوقف السيارة بتهور كعادته واطفئ محركها قبل أن يفتح صندوقها الأمامي والتقط سلاحه الخاص بعدما شدَ أجزاءه وقام بوضعه في حزام بنطاله من الخلف ثم أسدل سترته عليهِ ليحرص على عدم ظهوره، التقط هاتفه أيضًا ووضعه في جيب سترته الداخلي الأيسر، ثم ترجل من سيارته بتروي وهو يمشط المكان حوله بعينيهِ بحذر، حتى أبصر المنشودين يقفون على بعد العديد من السنتيمترات والسيارات تجاورهم، سار نحوهم بشموخه المعتاد حتى أصبح قريبًا منهم فانتبهوا له فوقفوا بانتظاره عدا أحدهم الذي ركض ناحيته وهو يعلمه آخر الأخبار:
_ باشا، كله تمام والعربيات اتحملت.
هز رأسه دون تعقيب على حديثه وهو يمرر نظره على السيارات والرجال المصطفون أمامها، نظر لأحد الرجال القريبون منه على يمينه وهو يسأله:
_ عملت ايه مع ضابط الكامين.
هز رأسه وهو يقول:
_ كله تمام ياباشا، اتراضى وهيعدي العربيات من غير ما تتفتش.
اتجه بخطواته ناحية أقرب السيارات وهو يقف أمام صندوقها الخلفي فأسرع الرجلان الواقفان أمامها بفتح بابها، وبعدها جذب أحدهم أحد الصناديق وفتحه، لتلتمع أعين “مراد” بحماس وهو يرى ما بالصندوق من أسلحه لدومًا كانت افتنانه الأول، حمل أحدهم وهو يتحسسه بيده ويتأكد من معاييره الظاهره التي يختبرونها، التوى جانب فمه بابتسام طفيف وهو يغمغم:
_ مشهد كفيل يسعدني.
اقترب الرجل الأول منهُ وحديثه معه قد بدى أنه الأقرب مكانةً من الباقيين وهو يسأله:
_ نفسي افهم سر افتنانك بالسلاح يا باشا، يعني احنا بنعمل حاجات كتير مشوفتكش عندك شغف لحاجه فيهم زي شغفك لتجارة السلاح.
وضع السلاح محله، والتف للواقف خلفه يضع كفه على كتف الأخر قبل أن يقول بنبرة واثقة:
_ اسمها بنعمل كل حاجة، ثم إن ايه تاني بنعمله عاوز يكون عندي شغف له! الاعضاء! ولا المخدرات؟ ولا يكونش قصدك الشغل الطري..
هتف بالاخيرة وهو يغمز غمزة ايحائيه، وعاد يكمل:
_ معتقدش حاجه في دول ممكن تثير الشغف.. لكن السلاح.. السلاح ده شيء يتقدس، كفاية إنه بيخلصك من أي حد مش طايقة في ثانية، بعدين مش أي حد بيشيل سلاح ويضرب بيه يبقى معلم، المعلم بجد هو الي يتعامل مع حتة السلاح زي المُزة الطرية.. وأي مُزة محتاجة ايه يا طارق؟
عقد “طارق” حاجبيهِ بتفكير لثواني، قبل أن يقول بحيرة:
_ مش عارف ياباشا.
ضحك “مراد” بخفة وهو يسأله مستنكرًا:
_ جرا ايه يا طارق ملكش في المُزز ولا ايه؟ متقلقنيش عليك!
ضحك “طارق” باتساع بينما يجيبه بوقاحة معتادون عليها:
_ مش دي القصة يا باشا، انا باخد الي عاوزه من المُزه وطريقها أخضر أنا هقعد احللها بقى واشوف محتاجه ايه ومش محتاجه ايه!
ابتعد عن السيارة وهو يعقب ساخرًا:
_ عشان كده مفيش واحده بتعمر معاك.
اتبعه “طارق” بعدما أشار بيده للرجال ليتحركوا وهو يقول:
_ ياباشا مان شاالله ماعنها عمرت، هو انا هحتاجها تعمر برضو! ده انا حتى ملول.
هز رأسه باستنكار لاجابته ولكنه لم يعقب عليها وهو يقف أمام سيارته ووقف “طارق” أمامه:
_ السلاح أو الحتة الطرية الاثنين معاملتهم واحدة، يحبوا اللين، والغشومية معاهم هتزعلك وتعورك أنتَ مش هما، وزي ما الست مش مفهومة وخباياها كتير، السلاح برضو خباياه كتير والحدِق بس هو الي يعرف كل مداخله وسككه، زي المُزه العاصية بالضبط تفضل تصدك ومدوخاك وراها لحد ما تعرف أنتَ مداخلها الصح وتدخلها منها وقتها كل شيء يبقى تمام.. مجال السلاح ده كل ما اتمعقت فيه تكتشف حاجات تشدك اكتر واكتر.
صمت ينظر لملامح “طارق” التي لا يتبين عليها فهم آيًا مما قاله، فزفر بلامبالة وهو يقول مغيرًا حديثه:
– بعدين مش ناوي تخلي واحده ترتع معاك، ده انت داخل على ال٣٠ يعني استقرار بقى والهجس ده.
تغاضى “طارق” عن كل حديثه وهو يردف:
_ الصراحة انا في سؤال أهم نفسي اسألهولك من سنين بس خايف تقفش.
عقب على حديثه بنبرة جافة:
_ اقفش! انتَ بتكلم خطيبتك ياروح امك! انجز ياله.
رفع أصبعه مشيرًا إليهِ كأنه قبض عليهِ متلبسًا:
_ شوفت قفشت اهو..
ادار واجهه ساخظًا وهو يقول بنزق:
_ برضو هيقولي قفشت ابن ال***.
اطلق لفظًا بذيئًا لم يتعجب منه “طارق” فهو معتاد على ألفاظه تلك وتعبيراته الوقحة، الجريئة الخالية من أي أدب، ورغم أن “طارق” في طبيعته لا يتخير عنه ولكن ما يثير استغرابه هو ما قاله الآن:
_ اهو هو ده السؤال الي نفسي اسألهولك، يعني متأخذنيش حضرتك ياباشا ابن ذوات ومتربي في فيلل ومدارس ايه وتعليم ايه، يعني كفاية حتى انك في كلية الهندسة الاجنبية دي، ومع كل ده بتقول الفاظ يعني…
صمت وخشى أن يتمادا في الحديث أكثر فيثير غضب الأخر، وببرود كان “مراد” يكمل:
_ الفاظ سوقية قصدك! او خيلنا نقول زي الفاظ واحد جاي من حارة ولا قاعد في غُرزة.
ذم شفتيهِ بتفكير زائف وهو يخفض نظره للاسفل بهمهمة خفيضه اثارت قلق الواقف أمامه، قبل أن يرفع رأسه بابتسامة باردة رسمت الراحة على ملامح “طارق” وهو يقول:
_ وهو يعني يا طروق احنا بنتعامل مع مين؟ ليه محسسني إننا بنتعامل مع شيوخ! فوق يا طروق ده احنا مافيا يابا.. يا جدع ده انا كل يوم انا وانتَ مونسين سوا في الكبارية! الحقيقة سؤالك غبي زيك، فكرت ان السؤال الي محيرك من سنين مهم مش تافه كده، بطل تكون خنزير شوية.
انهى حديثه واتجه لسيارته يفتح باب السائق ليتحرك مبتعدًا بينما هز “طارق” رأسه بيأس وهو يقول بنزق:
_ ده انت لسانك عاوز قطعه.
والتف عائدًا لسيارته هو الآخر كي يسبق السيارات على المخازن المقرر تخزين البضاعة بها.
___________________
دموعها لم تجف وعيناها لو تستطيع النطق لاشتكت من ألمها، منذُ أمس بعد ان استفاقت وهي تجلس في غرفتها ترثي حالتها وتنعي وفاة والدتها الصادم لهم، منذُ أمس وبكاءها لم يتوقف حتى شعرت بعيناها قد تورمت بشكل مفزع، وتشعر بارهاق رهيب بجسدها، تشكر “باهر” الذي أصر على وضع محلول مغذي لها صباح اليوم فلولا هذا لسقطت مغشي عليها في اي وقت، شعرت بباب الغرفة يُفتح لتبصر والدها يطل عليها بملامحه المرهقة ووجه المسود من الحزن، ضمت شفتيها بقوة تمنع شهقاتها من الصدوح بعدما رأت هزلان والدها الواضح، اقترب منها بضعف حتى جلس أمامها فرفع رأسه لها بأعينه الدامعة وهو يقول معاتبًا:
_ بجى اكده يا خديجة؟ من وجت الي حُصل وأنتِ مفارجتيش اوضتك، مفكرتيش تطمني على بوكي حتى! ولا حتى خيك!
انفلتت شهقتها حين حررت شفتيها للحديث، لكنها لم تقدر، لم تستطيع قول كلمة واحدة من بكائها، والدتها كانت قاسية عليها تعترف، وخصوصًا بعد رحيل “سارة” باتت تقسو أكثر كأنها تخشى عليها من الرحيل هي الأخرى، فضيقت الخناق عليها حتى كادت تخنقها، وماعدا ذلك كانت مهملها بشكل كبير لم تسألها يومًا عن حياتها، لم تأخذها في حضنها وتبث لها من عطفها وحنانها، لم تقم بدورها معها كأم، لكن رغم هذا رحيلها قاسيًا بشكل لا تحتمله.
_ هشش، بس، بكفياكِ يا بتي عينك مبجتيش شايفه بيها.
رددها “محمود” وهو يقترب منها محتضنًا إياها يمسد على ظهرها بحنو لم يبخل بهِ عليها يومًا، واستمعت لصوته يقول بحزن:
_ عارف إني هبجي جاسي عليكِ في الي هجوله، بس غصب عني لازم افوجك، امك راحت يا خديجة، مبجاتش هنا وكل الي كانت بتعمله بجي مسؤوليتك يا بتي.
ابتعدت عنه ببكاء لكنها استشعرت أن حديثه القادم أهم من حزنها، فانصتت له باهتمام وعيناها لم تتوقف عن ذرف دموعها، اخفض نظره بقلة حيلة وهو يقول بمرارة:
_ خابر أنك صغيرة، وخابر أنها مسؤولية واعرة جوي بس.. بس دي حكمت ربنا، حكمته إنك تشيلي كل ده وانتِ لسه صبية عودك أخضر.
رفع نظره لها وهو يكمل بجدية:
_ بس انا معاوزكيش عودك اخضر يا خديجة، عاوز عودك يبجى انشف من الحجر، لو مبجتيش اكده يابتي هياكلوكِ.
شهقت ببكاء وهي تسأله:
_ تجصد مين؟
هز رأسه بيأس:
_ اولهم عمتك، وتانيهم ابن عمك ابراهيم، وياعالم مين تاني هيتغير لو جرالي حاجة وبجيتِ بطولك.
هزت رأسها ببكاء صارخة بهِ:
_ حرام عليك بجى.. ده كلام تجوله دلوجتي! انا ناجصه يابوي!
امسكها من كتفيها بقوة ليجعلها تنظر له وقال بحدة:
_ اسمعي وركزي في الي هجوله زين، انا اكده او اكده هفارج طال العمر بيا ولا جِصر هفارج يابتي وهتلاجي نفسك بطولك انتِ واخوكِ وياعالم وجتها هيكون كِبر ويجدر يدافع عنك ولا هيكون لسه صغير وانتِ الي هتدافعي عنه وعن نفسك.. عمتك امبارح كانت رايده تاخد مصطفى معاها بحجة ان محدش هياخد باله منه اهنه، بس انا خابرها زين وخابر الي بتخططله، عمتك بتحرجم من زمان انها تاخد مصطفى تربيه هي، رايداه يكبر ويكون كيف ماهي رايده ويكون تحت تحكمها وتكون زي امه الي ميتنيلهاش كلمة، امك الي يرحمها كانت واجفلها زين عشان اكده معرفتش تحجج الي هي عيزاه.
توققت عن البكاء وهي تسأله باستغراب قاطبة حاجبيها:
_ وهي عمتي هتستفيد ايه؟
_ عمتك طول عمرها هتموت انها مجابتش واد، عشان اكده هتستفاد انها تحجج الي معرفتش تحججه معاه، وغير اكده ورث ابوي الي هيبجى مِلك مصطفى بعد موتي.
اتسعت عيناها المتورمة بدهشة وهي تردد بخفوت:
_ معجول! عمتي بتفكر اكده؟
ردد بقهر:
_ عمتك محدش خابرها جدي انا وعمك، المهم انتِ شايفة جسوة عمتك، شوفي بجى لما تربي مصطفى وتطبعه بطباعها هيبجى عامل ازاي، تعرفي ان ابراهيم وِلد عمك هي الي خلته بالشكل ده، هي الي خلته جاسي ومبيراعيش حد، ومبيطجش جنس الحريم، وماشي عامل كيف الطير الي نافش ريشه، اختلاطه بيها معظم الوجت هو السبب في الي هو فيه، حابه خيك يكون نسخة تانية من ابراهيم؟
نفت برأسها بقوة، ليكمل:
_ يبجى تحاوطي عليه وتكوني مكان امك، تجفي في وش اي حد يحاول ياخد خيك مِنك، حتى لو كانت عمتك انا الي بجولك، اوعاكِ تطاطي يا بت محمود لو تاطيتي مرة هيكسروا رجبتك.. وانا ولا كأني موجود.. عاوزك انتِ الي تتعاملي عشان ابجى مطمن انك هتبجي بخير لو جرالي حاجه.
احتضنته بقوة وهي تقول بلوعة:
_ بعد الشر عليك يا بوي ربنا يطول في عمرك، مجدراش على كسرة ضهر تانية.
ربط على ظهرها قبل أن يبعدها برفق وهو يقول:
_ مفيش حاجه تكسر ضهرك ولا حتى موتي، لازم تبجي جوية يا بتي عشان تجدري تكملي حياتك.
اومأت برأسها وهي تهتف لذاتها بقهر ” لا وقت للحزن، لا وقت للانعزال والبكاء على الأطلال، هناك مسؤوليات عليها تحملها، هناك حرب عليها خوضها!”
ولم تأخذ “خديجة” وقتها بالحزن، كما لم تأخذ يومًا وقتها في الفرح، كل شيء فُرض عليها انهاءه حتى وإن كانت ليست مستعدة بعد، حتى وقت وفاة شقيقتها تخطيطها للهرب بعيدًا عنه جعلها لم تأخذ وقتها في الحزن عليها..
__________________________
بعد يومان….
استمعت لصوت باب المنزل يُفتح لتركض للخارج وهي تحمل كيس بهِ بعض السندوتشات وهتفت ما إن أبصرته يخرج من الباب:
_ مصطفى، استنى خد فطارك.
التفت لها ذلك الشاب صاحب الحادية عشر عامًا، ذو الشعر الأسود القصير، والبشرة القمحية، وعيناه السوداء، يشبه في شكله والده لدرجة كبيرة، نظر لها بامتعاض وهو يقول:
_ مباخدش وكل معايا وانتِ خابرة، أما كانت بتفطرني جبل ما امشي.
هزت رأسها بتفهم وقالت:
_ معلش يا مصطفى النهاردة بس خد وكلك، من بكرة هصحى بدري عن اكده وهفطرك الأول، معلش انا بس كان عندي مذاكره كتير امبارح عشان رايحه المدرسه النهارده أول يوم بعد ما ايام العزا خلصت، وعليَّ مذاكره كتير جوي وحاجات متأخرة.
بامتعاض التقط منها كيسة الطعام، والتفت ذاهبًا لمدرسته الصباحية.
اغلقت الباب خلفه وتابعت اعمالها من تنظيف وطبخ لطعام الغداء قبل أن تذهب لمدرستها المسائية وفي حين كانت تنفص الأرائك من الغبار بعد ان فتحت باب الشقة لتسمح للهواء بالدخول للمنزل وقد فتحت أيضًا كتاب العلوم على أحد الطاولات وأخذت تراجع ما ذاكرته أمس وهي تغمغم:
_ تتحول لون نترات الصوديوم الي اللون…
توقفت عن تنفيض الغبار وهي تحدث ذاتها بضيق:
_ ايه ده بجى! انا مذكراها امبارح زين! كان لون ايه يا خديجة افتكري..
_ ابيض مصفر جايز!
التفت حين استمعت لصوت “باهر” الذي تعلمه جيدًا ابتسمت تلقائيًا وهي تقترب منهُ مرحبة بهِ:
_ باهر! كيفك؟ اتفضل.
ضيق حاجبيهِ بتساؤل وهو مازال واقفًا خارج عتبة الباب:
_ هو عمي اهنة؟
نفت برأسها، لتحتد ملامحه وهو يقول:
_ وشوفت مصطفى رايح مدرسته، اومال ايه اتفضل ده يابت عمي! هتخيبي ولا ايه؟
انتبهت لحديثها، فاخفضت بصرها ارضًا بحرج وادمعت عيناها بحزن:
_ اصل كانت دايمًا أما جوه، فكنت متعودة اخليك تدخل، لسه متعودتش على فراجها.
زفر بضيق من ذاته لانه احتد عليها في الحديث، وقال لها بهدوء ولين:
_ متزعليش مني، حجك عليا انا غشيم اوجات، المهم انتِ زينة؟
مسحت عيناها بكفها تزيل دموعها ورفعت نظرها له مجيبة:
_ زينة، نحمد الله، جولي هترجع كليتك ميتى “امتى”؟
ابتسم لها وهو يجيبها:
_ كمان ساعتين راجع القاهرة.. بجولك ايه اوعي شغل البيت يلهيكِ عن دراستك، عاوزك تجيبي مجموع زين وتدخلي الثانوي عشان تبجي دكتورة كيف مانتي رايدة.
ابتسمت بحزن وهي تقول بيأس:
_ ياعالم يا باهر ايه الي مكتوبلي، بس متجلجش هذاكر زين وهدخل الثانوي ان شاء الله.
اومئ برأسه بتحفيز:
_ ان شاء الله وهتحججي حِلمك.. يلا اشوف وشك بخير جولت افوت عليكِ جبل ما اسافر، عشان اطمن عليكِ.
ادمعت عيناها بحزن وهي تقول:
_ حتى انتَ هتمشي، مكنش ينفع تأجل سفرك هبابة، محتاجك جنبي الايام دي جوي يا باهر.
ابتسم لها بلطف وهو يجيبها:
_ ياريت كان ينفع، على عيني اسيبك واسافر والله بس غصب عني عندي امتحان عملي ولازم احضره.
_ خلاص سافر بجى.
قالتها وهي تذم شفتيها بغضب طفولي، ليضحك على تعابيرها وهو يقول:
_ بلاش تضمي شفايفك أكده عشان جلبي بيضعف، وممكن اسيب الامتحان عادي واسجط وتبجي أنتِ السبب.
استطاع فك تعابيرها الواجمة كالعادة فابتسمت وهي تقول:
_ وانا مهيرضنيش يلا روح شوف مستجبلك وكليتك ربنا يوفجك.
كاد يجيبها لكنه استمع لصوت يقول:
_ وه! باهر بيه اهنه ده انتَ بتطلع كيف الجمر.
التفت لها “باهر” يصدم رأسها بيده بخفة فهو معتاد على المزاح معها ولكن مزاحه لا يتعدى حركه كهذة:
_ اومال تمشي تتكعبلي فيا، لازم يكونلي جيمة انا دكتور باهر هو انا اي حد!
رفعت جانب شفتيها بنزق:
_ انزل من على البساط يا بن عمي لاحسن تجع ورجبتك….
جحظ لها عينيهِ وهو يسألها بتحذير:
_ ايه؟
جعدت أنفها تكمل بصوت خفيض:
_ يحصلها حاجة بعد الشر.
ضحكت “خديجة” بخفة وهي تعقب موجهه حديثها لأبنة عمتها:
_ مش جد الجول متجوليش.
اشاحت بوجهها بضيق، ليبتسم “باهر” وهو ينهي اللقاء:
_ يلا اشوفكم على خير.
نظرت له “فريال” متفاجئة:
_ وه، انت مسافر؟
_ ايوه النهارده.
رددت “خديجة” بحزن وقد اختفت بسمتها:
_ تيجي بالسلامة يا باهر..
لاحظ حزنها، ليلاطفها وهو يقول بمزح:
_ بلاش البوز ده دول كلهم ٤ شهور هيعدوا هوا.
لم ينجح في مزاحه بل ازاد غضبها لتقول بضيق:
_ يجطع الكلية وسنينها الي مبعدة بلادك.. يعني كان لازمن تدخل جامعة القاهرة؟
رفع حاجبه ساخرًا:
_ كان بكيفي اياك؟ مش امي الي فضلت تزن تزن لحد ما ابوي وافج وجدملي فيها، بعدين منكرش ان جامعة القاهرة ليها اسمها برضو اكتر من باجي الجامعات.
هتفت “فريال” بضيق:
_ ما خلاص بجى هو يعني اول مرة يسافر، بجاله 5 سنين في الكلية دي متعودتيش!
نظرت لها “خديجة” بملامح يكسوها الحزن:
_ حاسه ان في الوجت ده رايده الجريبين مني جاري.
اقتربت منها محتضنة إياها بتأثر وهي تقول:
_ انا جارك اهو مش هسيبك واصل.
تهاوت دموعها بصمت لينظر لها “باهر” بملامح واجمة حزنًا عليها، وقلبه يعتصر ألمًا وهو يراها بهذه الحالة وعاجزًا عن مساعدتها.
___________________
استيقظ على رنين هاتفه فمد ذراعه بضيق يلتقط الهاتف متوعدًا للمتصل، ودون النظر لهويته حتى انه لم يفتح عيناه كان يهتف بعصبية:
– اقفل يا **** يابن ****حد بيتصل عليَّ دلوقتي يابهيم!
واغلق الهاتف دون ان يسمع رد الطرف الآخر حتى! لكنه يعلم أن الوقت مازال باكرًا فالشمس التي يشعر بها في غرفته لم تسطع بعض.
رفع الوسادة يضعها على رأسه وهو يغمغم بضيق:
_ عالم بنت**** بيفوروا دم الواحد.
وعاد لنومه وكأن شيئًا لم يحدث، وهو على يقين أن أيًا من كان المتصل لن يستجري الاتصال مرة أخرى.
بعد ثلاث ساعات…..
استيقظ من نومه وتناول إفطاره وشرب قهوته أولاً، ثم اتجه لهاتفه ليهاتف من سبهُ أثناء نومه دون معرفة هويته، ليجده ذلك الرجل المكلف بالبحث عن أي معلومات تخص “خديجة” أو عائلتها، انتفض واقفًا كمن لدغه عقرب وهو يسب من بين أسنانه:
_ يلعن******، مكنتش قادر اشوف مين الي بيتصل!
أردف بها وهو يعاود مهاتفته وقدمه تهتز بعصبية، وهو لا يحتمل تلك الثواني التي يأخذها رنين هاتفه كي يستمع للإجابة، غمغم نازقًا:
_ رد بقى يابن***** أنتَ كمان هي نقصاك!
توقفت حركت قدمه واستقام في وقفته حين اتاه فتح الخط ورد الأخر، فهتف متسائلاً بلهفة ودقات قلبه قد تعالت بصخب:
_ ها عرفت عنهم حاجة؟ آخر مرة قولتلك متكلمنيش إلا لو عندك معلومة!
اتاه الرد على الجهة الأخرى وهو يقول…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بك أحيا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى