روايات

رواية الأحمق الشارد الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل

رواية الأحمق الشارد الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل

رواية الأحمق الشارد الجزء الأول

رواية الأحمق الشارد البارت الأول

رواية الأحمق الشارد الحلقة الأولى

مَنْ تدخل فيما لا يُعنيه ذهب حيث لا يُرضيه،،
حيثُ يُطارده الصباح أبدًا على رؤوس الجبال.

برحلة ادكارها لتلك الأيام الغابرة أخذت الذكريات تتوافد إلى ثنايا عقلها تفتش به عن ذرات الأمل فتقتلها، ذكريات تجربة زواجها الراسبة..
أخطأت الأختيار، عفوًا هي لم تُخطئ لكن انجرفت نحو ما يريده والديها رحمهم الله.
لم تُصغي آنذاك لقلبها الذي أقام حربًا شعواء رافضًا ذاك الإرتباط؛ لكن قد حدث ما حدث ولا يُجدي البكاء نفعًا على اللبن المسكوب.
انجرّ الحدث الأخير قبل وفاة زوجها يُحلّق بأُفق ذاكرتها المديدة.

– كفى تقاعس أمجد، يجب عليك الذهاب للعمل لأجل سداد حاجتنا فكما ترى ابنتنا قد جاءت للحياة وتحتاج للكثير.
وأنا لن استطيع العمل بعد الآن لأجل الإعتناء بِـ حور.

عند ذِكر العمل والسعي، تفاقم غضبه وجعل الدم يصَّاعد إلى وجهه وهو يراها تبتغي إليه الوسائل لأجل تحصيل الأموال لمواكبة ظروف المعيشة وشظف العيش وقد عرّته أمام ذاته، قام تجاهها وجذبها من يدها بعنف قائلًا:-
– لن أعمل وأكِد من أجلكِ يا امرأة.. إذا كنتِ تُريدين إطعام ابنتك ومعدتك فاركضي أنتِ واعملي ولا تتذمري يا هذه.

تربد وجهها بالرفض والحنق، هي ليست كليلة لترضخ له وتخافه، قالت بصوتٍ هادٍ رغم الجمر الذي ينبثق من محاجر عينيها:-
– أنتَ هو الرجل وأنتَ زوجي ووجب عليك تلبية حاجتنا لا أنّ تعتمد عليّ لأعمل وأُطعمك، من يرتضي هذا؟ وأيّ سنة استنَّتها لنفسك!
سأتفرغ لتربية ابنتي ويكفي إلى هذا الحد، منذ أنّ تزوجنا وأنتَ تمكث في المنزل بينما أنا فأركض للعمل هُنا وهناك، هل تقبل على نفسك أنّ تُطعمك امرأة من عرق جبينها.
اتقي الله يا أمجد سيُحاسبك الله على هذا.

وجهه كان عابسًا باسرًا، وهو يرى أنها استفحلت واستطالت أنيابها فصارت تنهش بالكلمات مُعترضة على تكاسله واتكاله عليها، اقترب منها وانحطّ عليها يضربها ضرب مجنون ذاهب الرشد إلا أنها ظلت تقاومه لكن كَبُرَ عليها الأمر واضمحلت قواها فتهالكت جاثية وتركها هذا الثور بعدما شعر بالإرهاق وخرج من المنزل لا يمتلك وازع من ضمير ولا بادرة من ندم.

لتظل “حَوّاء” هائمة على وجهها تواسي قلبها الماكث بجدران روحها الخاوية المُقْفرة التي نسجت العناكب بها نسيج الوصب، أمآلها أضحت هباءً مُنبثة احترقت بِشُواظٌ من نار..
تلك مكاتيب القدر ليس عليها الإعتراض وإنما الصمود..
لماذا يا أبي، كنت تخشى عليّ الوحدة فأردت أنّ تطمئن من أجلي قبل رحيلك مُعتقدًا أنكَ زوجتني من رجل نجح في زخرفة ذاته من الخارج لأتفاجىء بمعدنه النتن بعد فوات الأوان ..
ليتك تركتني للوحدة يا أبي ..
ليرحمكَ الله..
تحتاج صمود به بأسٌ شديدٌ لأجل مواصلة المسير ببلاد الغرب..
وقد كان لها كِفلٌ من الهناء المنسوج من الألم، جاءها بعد خروجه بساعة واحدة خبر بوفاته إثر حادث أليم وانتقاله لجوار رب العالمين.

هل تحزن باكية، أم تسعد ضاحكة بعد هذا الكم من العذاب مُغتربة عن أوطانها..
سقطت بجانب وليدتها تحملها برفقٍ وتحتضنها بحنان تحتاجه هي الآن، وأصبحت حياتها تتبلور بها فقط “حور”

همست لها من صميم قلبها المفجوع، وروحها المُنهكة:-
-لا تقلقي صغيرتي، سأجعل قلبي لكِ مهدًا، وسأرعاكِ بعيناي وسأبذل أكثر من جُهدي لكِ يا حور.

وواصلت كلماتها بقوة صارمة كأنها أعتى الجهابذة:-
– سأحمكِ من جميع الشرور، وسأحصنكِ من الحزن فلا يمس قلبك الجميل يا عيون أمك.

جاءها صوت صديقتها من بعيد تجذبها من بئر شرودها:-
– حـوّاء … حـوّاء يا جميلة القلب، أنا أناديكِ أين ذهبتي بعقلكِ.

تحمحمت وأجابتها وهي تُرتب المخبوزات الشهية على طاولة معدنية:-
– أنا هنا ورد، ماذا هُناك؟!

حركت “ورد” رأسها بعدم فائدة وعاتبتها:-
– أنتِ لستِ معنا بتاتًا حوّاء، كفاكِ تذكُر لتلك الأيام فقد مرّت سنوات على ما حدث وستبلُغ حور التاسعة من عمرها اليوم.

سحبت حوّاء بعض الأشياء ووضعتهم داخل حقيبتها المنسوجة من خيوط الصوف، ورددت بحزن:-
– وكيف يستطع الفرد محوّ ما مضى ورد، أعلم أنّ ملف الماضي يُطوى ولا يُروى ويُغلف عليه أبدًا في زنزانة النسيان لكن تزورك الذِكرى من بين الحين والآخر.
هذا كُله ناتج زواج لم أقتنع به وسايرتُ من حولي لأجل المُجتمع فقط وبالنهاية خُدعنا جميعًا.

تعلم “ورد” أنّ حديثها مُجرد نزيف فكرها وما لَاقته “حوّاء” بأحضان الغُربة كان مريرًا كالعلقم أو أشد، وكان يتوجب عليها أنّ تُقاوم لأجل ابنتها داخل بلاد لا قِبل لها بها، تشدقت وهي تسكب الماء على الطحين تُجهز بعض الفطائر:-
– وهذا لا يدل على أنّ الجميع سيء حوّاء، اعطي لذاتك فرصة فالمرة الأولى لا تُحسب عليكِ.
أرسلان مازال ينتظر على أحرّ من الجمر و…

قطعت حوّاء سيل حديثها وقالت نافية بإباء:-
– ورد أخبرتُك ألا تُحدثيني في هذا الأمر مرة أخرى، علاقتي بالمُحقق أرسلان أخيكِ لن تحدث اعذريني فلن أُكرر المأساة سأُفني حياتي لأجل ابنتي فقط، أنا لا أفكر في ذاتي.

جادلتها ورد بإعتراض:-
– أرسلان ليس كأيّ رجل حوّاء ولا أقول هذا لأنه أخيّ فأنتِ خير العارفين به، ألقي من عقلك تلك التُراهات، الرجل يُهيم بكِ عشقًا ويُحب ابنتكِ حور وهي أيضًا مُتعلقة به ..
كفاكِ دلالًا أيتها القاسية لقد أوشك أخيّ على بلوغ الخمس والثلاثون ومازال على عهدهُ.

تأملت “حوّاء” دُكان المخبوزات خاصتها عن كثب، وأردفت بقنوط:-
– لذلك هو يقبل بأن تُشاركيني دُكانيّ على الرغم من استقامت حالتكم المادية وعدم حاجتكِ للأموال لتظلي بُقربي .. هذا صحيح..

تربد وجه ورد بالغضب وقالت بإنزعاج:-
– ما هذا الذي تتفوهين به يا حمقاء أنتِ صديقتي والأمر الذي يخُص أخي لا يُعنيني، شاركتُكِ دُكانكِ لأنِّي أشاطرك الهوس بالمخبوزات وأهوى صُنعها والتفنُن بها ولا علاقة لحالتي المادية بهذا …
هذا شغف ليس إلا، وعائلتي كما تعلمين تؤيد ما نهوى.

حملت حقيبتها وتنهدت وهي تستجمع أفكارها المُشعثة وتربط لسانها عن قول الترهات، ثم غمغمت بأسف:-
– لا أقصد هذا وردتي فأنا ليس لي أحد هنا سواكِ، أنتِ عائلتي.
أنا مُشتتة فلا تحزني من ذاك العبث.

– سأُحاسبكِ فيما بعد يا حمقاء، وهيّا انصرفي ولا تتقاعسي بالعودة..

ابتسمت حوّاء ببشاشة وهسهست:-
– نعم نعم سأذهب لأتمشى بصُحبة حور ونجلب الورود الكثيرة ونعود فورًا إنّ شاء الله فاليوم مُهم جدًا لنا كما تعلمين.

وارتفع صوتها تُنادي بحب:-
– حور .. هيا حوري سأذهب، اترُكِ الهاتف من يدكِ في الحال.

أقبلت طفلة تقرب التاسعة ترتدي فستانها الأصفر النقيّ وتُعدّل من وضع نظراتها الدائرية وهي تقول:-
– آتيةٌ أمي، ولا ترفعي صوتك مرةً أخرى حوّاء حينها تصبحين مثل الأشرار ويخافكِ الأطفال.

انفجرت ورد ضاحكة بينما عبست ملامح حوّاء، ورددت “ورد” بغيظ:-
– لديكِ الحق في قول هذا آنستي الصغيرة فـَ حواء حينما تغضب تكون مثل الأشرار حقًا..

واستطردت تقول بمرح وهي تدور حولها وتُصدر من فمها أصواتٌ لطيفة:-
– يا ويلي ما تلك الأناقة سيدة حور، وما هذه الخصلات الجميلة والتمشيطة الفريدة.

دارت “حور” حول ذاتها بسعادة ورددت:-
– حقًا ورد أم أنكِ تقولي هذا هبائًا لتُسعديني فقط.

طالعتها حوّاء بصدمة وقرصت وجنتيها طابعة قُبلات عليهم ومازحتها بقولها:-
– لماضة كثيفة صغيرتي الجميلة، عقلي لا يستوعب كلماتكِ تلك أميرة أمك

عقدت حور ذراعيها على صدرها وضمت شفتيها بلُطف وقالت:-
– هكذا أيضًا، لا أعلم أحقًا شعري جميل حوّائي.؟

انحنت حوّاء تشتم خصلاتها وتقول بحنان أمويّ:-
– كُلكِ جميلة يا كبِد أمك، أميرة أنيقة طيبة القلب.

طبعت قُبلة على وجْنة والدتها وقالت:-
– وأنتِ أجمل حوّائي فأنا قطعةٌ منكِ

– هيا حور نتمشى قليلًا ونستنشق هواءٌ مُنعش ثم نذهب لجمع الورود التي تُحبينها وأخرى للدكان.

أمسكت بيد والدتها وابتسمت وهي تُرسل قُبلة طائرة لِورد وتقول:-
– هيّا أمي، وداعًا خالتي ورد .. أقصد ورد.

استاءت ورد وصححت:-
– ليست وداعًا صغيرتي حور وإنما إلى اللقاء..
وهيا لا تتأخري واحصلي على الكثير من الورود فهناك مُفاجأة لكِ ريثما تعودي.

– حسنًا وردتي، وهل سيأتي أرسلان اليوم؟

اتسعت إبتسامة “ورد” ونظرت لِحوّاء نظرة تفهمها جيدًا وأجابت:-
– نعم حبيبتي سيأتي أرسلان.

– حسنًا إلى اللقاء ورد.

– إلى اللقاء جميلتي.

وخرجتا ولا تعلمان ما مكنونٌ لهما، وكأن قلب الصغيرة كان يشعر لتلفُظ كلمات الوداع بدلًا من الوعد بلقاءٍ قريب..
ويشهد هذا اليوم حدثًا عجز الجميع عن تفسيره..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الأحمق الشارد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى