روايات

رواية احذر من يطرق باب القلب الفصل الثاني عشر 12 بقلم رضوى جاويش

رواية احذر من يطرق باب القلب الفصل الثاني عشر 12 بقلم رضوى جاويش

رواية احذر من يطرق باب القلب الجزء الثاني عشر

رواية احذر من يطرق باب القلب البارت الثاني عشر

رواية احذر من يطرق باب القلب الحلقة الثانية عشر

نطق أيوب، ورأسه مخبأ بين ذراعي الشيخ، هاتفا في قهر: قلت لي أفتح قلبك يا أيوب، وفتحت الباب يا شيخ، مكدبش عليك، أنا اصلا كنت مواربه، قلبي بيشابي عليها وأنا اللي كنت حاكمه، وسجنه بأيدي، كنت خايف عليه، وكان عندي حق، يا ريتني فضلت سجنه بين ضلوعي، ولا أعرف إنها بعد ده كله، متجوزة.
هتف الشيخ مصعوقا: متزوجة! كيف!
أكد أيوب، وهو يبتعد قليلا عن أحضان والده، هاتفا: متجوزة، وجوزها هنا كمان، وكان باعت لها مرسال، وده اللي خلاني اكتشف الموضوع، لما جبتها من المطار كانت أصلا مستنياه هو مش مستنية صحاب الشغل زي ما قالت، ولما سألتها أنتِ متجوزة، قالت لا .. آنسة، ومفيش حاجة فأوراقها تأكد غير كده..
ساد الصمت، وما عقب الشيخ بكلمة، فاستطرد أيوب في وجع: أنا كنت مآمن، مآمن لها بالقوي يا شيخ، لكنها خذلتني، ليه خبت كل ده! .. ليه مكنتش معرفانا من الأول!
همس الشيخ متعجبا: والله حكاية أعجب من العجب، بس قلبي يحدثني إن فالأمر سر، ويمكن أسرار، أنا عاشرتها لسلمى، وما بظن إنها واحدة بهذا السوء أبد، والله من بعد ها الشيبة، ما بعرف أحكم على طباع الخلق! يبقى ما لي خير بهالدنيا..
همس أيوب: ربنا يطول لنا فعمرك يا شيخ.
وتساءل أيوب في نبرة مهزومة: هو أنا بيحصل لي كده ليه يا شيخنا!
همس الشيخ مستغفرا: ابتلاءات يا ولدي، وأنت رجِال، وكل منا بيحمل على قدر عزمه.
همس أيوب بصوت متحشرج: بس أيوب تعب، الشيلة حملها بيزيد وأيوب كتافه كلت.
ساد الصمت، ليستطرد أيوب باكيا: من سن عشر سنين، هربنا من مصر أنا وأمي على أوروبا، أمي سليلة الحسب والنسب، ربيبة القصور، بقت جرسونة فمطاعم أوروبا، عشان تعرف تعيشني، ولما تعبت، خدت أنا مكانها، وانا لسه مكملتش اتناشر سنة، عيل مشفش من الدنيا إلا كام سنة في ضل أمه وأبوه ولاد البشوات، اللي جابوه على شوق، بعد ما فقدوا الأمل فالخلفة أصلا، وقبل ما أبوه يتجن باللي كان بيحصل فالبلد، وتغيرات السياسة اللي عملتها ثورة ٥٢، ويدخل فخناقة يقتل فيها واحد بالغلط، وتتقلب الدنيا، ويتسجن لسنين طويلة، ويموت فسجنه بحسرته، خمس سنين، تايهين أنا وأمي من بلد لبلد في أوروبا، مفيش شغلانة مشتغلتهاش، دوقت المر عشان أعرف أصرف على نفسي ودراستي، واساعد أمي، لحد ما قابلنا الشيخ جاسر.
هتف الشيخ: أخي الغالي، رحمة الله عليه.
استطرد أيوب: الشيخ جاسر، أول ما شاف أمي، طلب منها الزواج، وأمي ما فكرت للحظة، وافقت على طول، عشان تنتشلني ونفسها من الفقر والعوزة، رغم إنها صارت زوجة تانية للشيخ جاسر، لكن اللي كنا فيه، خلاها تدور على أي نجدة، وانتقلنا معاه على هنا، أيامها أنت كنت بتتنقل ما بين مصر وأوروبا، كنت ما شفتك بعد..
هز الشيخ رأسه موافقا، ومتنهدا للذكرى، ليستكمل أيوب سرد ذكرياته: الشيخ جاسر كان قاسي، صعب، ما يسمح بالغلط أبدا، شفت معاه أيام اتمنيت فيها الموت، بسبب قسوته عليا، وكان يقول لأمي، أنا بريده رِجال، وأمي كانت تسكت، وتقولي استحمل، احسن من حالنا واحنا مش لاقيين ناكل، وسكت، وفضلت طول عمري معاه ساكت، حاولت أدرس حاجة تبعدني عن الوجود معاه لفترات طويلة، درست الطيران من وراه، براتبي اللي كنت باخده من العمل معاه في شركاته..
تنهد الشيخ عدنان مؤكدا: إيه صحيح! جاسر كان قاسي ومريض تحكم، كان عايز كل شيء على هواه، وهاد كان سبب هروبي من العيش أو العمل معه، رحت لمصر وفضلت هايم بأوروبا، حتى استرد ربي وديعته، وتوفاه الله.
هز أيوب رأسه مؤكدا، وتنهد بدوره، وقد تغيرت نبرة صوته المتحشرج تأثرا، هامسا بنبرة رخيمة: بعد ما وصلنا هنا بأكثر من عامين، اتوفت زوجة الشيخ جاسر الأولى، وفجأة لقيناه جايب بنته يحطها بين ايدين أمي، لتربيها، كانت هيفاء.. مدللة الجميع، وأنا أولهم، عشقتها أول ما عيني وقعت عليها، كانت رائعة الجمال، كيف الملاك! شبيت أنا وكبرت هي وياي، صرت أطلع لها كأنها جوهرة غالية، ولابد من حمايتها، انتظرت كتير فوق الانتظار بزمن، حتى أطلبها من أبوها، ما أن تخرجت هي من الجامعة، كان فارق السن بينا تقريبا ١٣ عام، وده كان بيخليني اغفر لها أمور كتير، وكنت أقول بعدها صغيرة، وبكرة بتصير زوجة وأم وبتعقل، اتشبثت بالعمل في مجال الطيران، قالت لتكون معاي، فرحت وساعدتها، كنت عايز أحقق لها كل اللي تتمناه، زي ما كانت طول عمرها كل طلباتها أوامر نافدة، عرضت الزواج مرة واتنين، من تاني، وأبوها يسوف وهي تقول إنها ما مستعدة تستقر ولا تتحمل مسؤولية أسرة، وصبرت على أمل، كان كل نساء العالم فكفة، وهي بكفة، ما في امرأة ملت عيني غيرها، كانت ربيبة قلبي يا شيخ، وفيوم لقيت الشيخ جاسر بيبلغني بموافقته على الزواج، وإنه أقنعها وهي وافقت، كنت طاير من الفرحة، كأن الدنيا كلها بقت ملك أيدي، لكن ليلة العرس، اكتشفت الفاجعة، إنها..
صمت أيوب تأدبا، وشهق الشيخ عدنان، هاتفا في صدمة: لا تقول! معقول هاد..!
هز أيوب رأسه مؤكدا: انقلبت أسعد ليلة بعمري، واللي انتظرتها لسنوات، لجحيم .. اكتشفت أن أبوها ما وافق على الزواج إلا مداراة للفضيحة.. يومها ثورت وواجهته، كانت أول مرة اثور بوجهه، من يوم ما دخلت بيته، قلت هطلقها، ردا لكرامتي، وثأرا لقلبي المكسور، لكني اتعيرت بكل حاجة اتعملت ليا ولأمي، وان لو فكرت أطلقها .. هتكون ورقة طلاق امي سبقاها.. وإنه هيعمل بكل نفوذه، عشان ميبقاش لي وجود هنا، ولا أي مكان هفكر استقر فيه، كان صراخ أمي وتوسلها ليا، وطلبها الستر على هيفا.. عشان متطلقش فالسن دي، هو اللي خلاني ابلع لساني واعيش بقهرتي.. عافتها نفسي.. وما قربت لها مرة آخرى، شيء انكسر ما بينا، ما عاد يرجع، وجاء الخبر اللي كمل ع الباقي من ثباتي، لما اكتشف بعد أقل من شهر حمل هيفا، الكل كان فاكر إن الجنين ولدي.. لكن عند الطبيب.. تأكدت إنها حامل في ثلاثة شهور.. كانت عارفة بحملها قبل زواجنا، وإن الحمل نتيجة غلطتها..
صعق الشيخ، مستغفرا في صدمة: ساجد ما هو ولدك! .. لا حول ولا قوة إلا بالله.. كيف أنا ما أعرف كل هادي المصائب! وكيف كتمت، وما أفصحت يا ولدي، وقبلت بكل هاد!
أكد أيوب متنهدا: احتسبتها لله يا شيخ، ستر هيفا، وولدها اللي ما كان له ذنب، يشيل ذنبها، وأمي ورغبتها فالبقاء مع عمي جاسر، وما تطلق، وفوق ده كله، عمي جاسر بعدها بعام، تعب مرض وفاته، كان وصيته إني ما أفضحها، مات تارك أمي، وهيفا بطفل بين ايديها.. كلهم أصبحوا في أمانتي..
هيفا بعد موت والدها تجبرت اكتر، وطلبت الطلاق لتعيش زي ما تحب، وانا طلقتها عشان ما كان عندي طاقة اكتر لتحمل أفعالها وطيشها، و اكتشافي لعلاقتها برجل آخر، بجانب اهمالها لساجد بعد اكتشاف حالته الصحية.. ودخولنا في دوامات العلاج.. بعدها رجعت حضرتك من سفرياتك هنا وهناك .. عشان تشيل شركات أخوك.. واتزوجت الوالدة رحمها الله.. وصرنا مقربين .. ما حسيت إن لي أب إلا بحضورك .. عوضني ربي على كبر .. بصحبتك .. رب يديمك على راسنا..
بكى الشيخ عدنان كما الطفل، وهو يربت على كتف أيوب، هامسا في تأثر: قدر بعض الرجال صعب، ما تقدر على حمله الجبال، وأنت حمال وكتافك شديدة، وعوض رب العالمين قادم.. ابشر.. ابشر..
همس أيوب باكيا: قبلت البشرى يا شيخ، قبلت البشرى..
*****************
طرقات على الباب الخشبي لشقتهما، جعلت مجدي يهتف أمرا، مشيرا لها بالدخول للحجرة: أدخلي جوه، لحد ما أشوف مين!
أطاعت في اعتياد، ليفتح هو الباب مستقبلا عم حسن، ذاك الرجل الطيب، الذي كان بصحبته بالمشفي، كان يحمل عدة أكياس بلاستيكية، وضعها على الطاولة المتهالكة في حرص، ومال على مجدي، هامسا بأمر ما، قبل أن يضع كفه بعمق جيب جلبابه الأبيض، مخرجا حزمة من المال، دفعها لمجدي، الذي التقطها سريعا، دافعا بها لجوف جيبه، مسرعا في مداراتها عن أعين سلمى، التي أبصرت كل ما يحدث بالخارج، من فرجة باب الحجرة الموارب، لتخرج مندفعة، ترحب بالضيف: أهلا يا عم حسن، اتفضل، هعمل لك كباية شاي.
أكد حسن في ود: تسلم ايدك يا بنتي، مفيش داعي، أنا ماشي على طول، أنا قلت بس اجي اطمن على مجدي، وارجع أشوف شغلي.
هتفت سلمى في مودة، مشيرة للأغراض التي جلبها في امتنان: طب ومتكلف ليه! مكنش فيه داعي تتعب نفسك وتشيل.
أكد الرجل في محبة: إزاي ده مجدي زي ابني! وبعدين كله من خير الشيخ..
وحاد بناظره صوب مجدي، مؤكدا: الشيخ بيأكد عليك تواظب ع العلاج الطبيعي، عشان ترجع ع العر..
قاطعه مجدي، هاتفا في صفاقة: خلاص يا عم حسن، فهمنا تمام.. كتر خيرك..
استأذن الرجل، ورحل في هدوء، وتعجبت سلمى من طريقة معاملة مجدي للرجل الطيب، كان يعامله في تعالِ، ولم يفتها بالطبع، رغبة مجدي في عدم استكمال العم حسن لكلامه، لما يا ترى!
أخذت الأكياس لتضعها بالمطبخ، ليتبعها بعكازه، بعد أن استغنى عن الكرسي المدولب، وأصبح قادرا على السير قليلا بمساعدة العكاز، هاتفا في نبرة حازمة: الحاجات دي، بتاعت الشهر، خلي بالك، وبلاش بعزقة.
تطلعت سلمى نحوه، هاتفة في تعجب: طب ما أنت قبضت مرتبك! ليه الضيق ده، ما تسوعها على نفسك، أنت تعبان، والدكتور قال لازم تتغذى كويس.
هتف حانقا: ملكيش فيه، أنا عارف مصلحتي، وبعدين الفلوس اللي أنتِ باصة لها دي، ده مش مرتب، دي مساعدة من الشيخ اللي بشتغل معاه، كتر خيره، هو أنا بشتغل أصلا بحالتي دي عشان أخد مرتب! ومعرفش كمان هقدر أنزل امتى الشغل!
هتفت سلمى مستفهمة: هو أنت بتشتغل ايه بالظبط!
هتف مضطربا: يعني إيه بشتغل إيه! ما أنتِ عارفة!
هتفت مستفسرة: أيوه عارفة إنك مهندس، مهندس إيه بقى! وبتشتغل في شركة إيه!
هتف في ضيق: أنتِ مالك! هو أكل وبحلقة..
وتركها مستديرا على مهل، مغادرا موضعه في اتجاه حجرته، مغلقا بابها خلفه، مدركة أنه يخبيء المال الذي بحوزته، في مكان آمن، بعيدا عن أنظارها..
تطلعت صوب الخيرات الموضوعة بالأكياس، والتي بدأت تخرجها، تضعها في أماكنها بالمبرد، أو بخزانة المطبخ المتهالكة، وعلى الرغم من حبها للطعام، إلا أنها منذ تركت فيلا أيوب منذ أسبوعين تقريبا، ما عادت تشتهيه، عافته نفسها على غير العادة، وكأن المتعة الوحيدة الباقية لها بالحياة، تركتها بعد أن غادرت حصن أمانه، لتصبح الحياة باهتة بلا لون، ماسخة بلا طعم، تنبهت أن بالها حاد عن صوابه، متذكرا أيوب وداره، فنفضت ذكراه على قدر استطاعتها، تحاول التركيز في إعداد طعام العشاء، لهذا الرجل الغريب، الذي يجمعهما تحت ظله، سقف بيت واحد، والمدعو اسما.. زوجها.. والذي ظهر خلفها من جديد، في غفلة من يقظتها، دافعا إياها صوب الحائط الملاصق، هامسا بنبرة تقطر رغبة، وهو يقترب من وجهها: من الليلة دي مفيش نوم بره، مكانك جنبي على سريري.
جذب عنها غطاء رأسها، ملقيه تحت أقدامها، فشهقت في صدمة، وقد بدأت تستوعب ما يحدث، قاومته قدر استطاعتها، تحاول إبعاد ثقل جسده بعيدا عنها، لتهرب من سجن ذراعيه، اللتين تكبلانها للحائط، في ذاك الحيز الضيق، تشعر بغثيان رهيب، ورغبة ملحة في إفراغ معدتها، لكنها استمرت فالمقاومة، واستطاعت أخيرا دفعه عنها، وهمت بالهرب، لكنه لم يستسلم، رغم إصابة قدمه، فقد تمكنت كفه فاللحظة الأخيرة من الوصول لشعرها، ليقبض على إحدى جدائله، جاذبا سلمى، لتعود إليه سريعا كالخيط المطاطي، ليرتطم جانب رأسها بحافة الخزانة الخشبية، تأوهت في وجع، وبدأ خيط من دم، يسيل من جبينها، على جانب وجهها، اقترب منها مجدي وهو يلتقط أنفاسه في تتابع، بعد هذه المعركة، التي حاول فيها اخضاعها لسطوته، هاتفا في أحرف متقطعة: اللي أنا عاوزه، باخده، بس بمزاجي، وفالوقت اللي يناسبني، أنتِ مراتي، وأنتِ هنا لسببين، مزاجي، و..
قطع كلامه، ولم يفصح عن السبب الثاني، مبتعدا في هوادة عنها، تاركا إياها تتجرع مر الهوان وحيدة..
***************
هلت رياحين، قادمة من الردهة التي تفضي لغرفة الشيخ، عطرها الفواح يسبقها بأميال، تحمل حقيبة الأوراق، التي أرسلها بها أيوب، من أجل بعض الموافقات والأمضاءات الضرورية والعاجلة، مبصرة نفيسة قادمة من المطبخ، تحمل بعض الأغراض نحو الحديقة، لتتساءل في فضول: ايش في يا نفيسة! لوين هاي الأغراض!
ردت نفيسة: دي عشان حفلة دار الأيتام، اللي معمولة عشان ساجد.
تعجبت رياحين: حفلة ايش! وأيتام وساجد! ما فهمت..
سارت نفيسة، بعد أن ارهقها حمل الأغراض، صوب موضعهم بمنتصف الحديقة تتبعها رياحين، في انتظار إجابة سؤالها بفضول، لتهتف نفيسة متنهدة: دي حفلة كانت متفقة عليها الآنسة سلمى قبل ما تسافر مصر لأهلها، كانت هتجيب أولاد دار أيتام عشان يتعلم ساجد إزاي ياخد على الولاد اللي فسنه..
هتفت رياحين متعجبة: تقولين سافرت مصر!
وهمست مستعجبة: ما بيصير، والشيخ ما جاب أي خبر، ولا أي موافقات للسفر!
واستطردت متعجبة: والله ما بعرف ايش سبب هوس ها العائلة بالمصريات! مصرية أجت، ومصرية راحت، وعقول الرجال طاحت.
لم تعبء نفيسة بتساؤلاتها، وعملت على تجهيز الحديقة بكل ما يلزم، لترحل رياحين مستئذنة على عجل.
***************
كان صبحي يجلس للطبلية، شاردا وأطفاله من حوله، يثيرون الكثير من الجلبة، تطيح أكفهم هنا وهناك، بين صحون الطعام المتواضع، التي أوشكت محتوياتها تقريبا على النفاد، لتصرخ خيرية في ضيق: كفاية دوشة بقى، اللي اكل يقوم يغسل أيده، ومشفش خلقة واحد فيكم بره أوضته، كفاية القرف اللي بشوفه منكم طول النهار! عيال هم..
تنبهت لصبحي، الذي ما زعق فيها كعادته، عندما ترتفع عقيرتها صارخة، لتهتف متعجبة: مالك يا راجل! بقالك كام يوم كده مش تمام! ده أنت حتى إيدك متمدتش ع الزاد!
نهض متنهدا، في اتجاه غرفته، أمرا في نبرة مستكينة: اعمليلي كباية شاي.
أطاعت في سرعة، فقد أكلها الفضول، لمعرفة ما يجري كعادتها، لتدخل عليه حجرة نومهما، بعد دقائق قليلة، حاملة كوب الشاي، وضعته جانبا بالقرب من موضع استرخائه على طرف الفراش، تطالعه وهو غائب الفكر، ينفث دخان سيجارته في ضيق فاضح، لتهمس في قلق: جرى إيه يا صبحي! فيه إيه! هتخبي على خيرية! قول في إيه بقى متقلقنيش عليك!
هتف متجاهلا سؤالها: الواد كويس! اكلتيه، واديتيله الأدوية اللي الدكتور كتبها!
تنهدت مؤكدة: هو أنا ورايا غيره هو وأخواته طول النهار، من دوا، لدوا.. وربك الشافي.. مش هتقول بقى مالك!
هتف مقررا: مخنوق، ومتربط، ومش عارف اتصرف، حاسس إني عاجز ومش عارف أعمل لها حاجة يا خيرية، أنا قلبي مش مرتاح.
تنهدت مستفسرة: قصدك على سلامات! هو أنت مش بتقول راحت لجوزها!
هتف في حنق: فيه حاجة غلط فالموضوع يا خيرية، مين الولية اللي ردت عليا وقالت لي مجدي تعيش أنت!.. ويطلع عايش، ويبعت لسلامات، والمفروض إنها راحت.. ومفيش لا حس ولا خبر من يوميها.. لا عرفت راحت ولا ايه! ولا الدنيا تمام معاها ولاه فيه حاجة!
هتفت خيرية مؤيدة: عندك حق، الموضوع كده فيه ريحة مش تمام، والولية اللي كلمتك دي، أنا مش مرتاحة لها، عملت ليه كده وخضتنا ع الراجل، الولية دي شكلها مراته يا صبحي، وعرفت إنه اتجوز عليها.
هتف صبحي مصدوما: مراته! تفتكري! طب مقلش ليه إنه متجوز!
هتفت خيرية مؤكدة: مقلش عشان أخته ترضى تجوزه، وآه أكيد مراته، أصل الواحدة ما تنكدش كده إلا لو كانت مراته ومقهورة إنه اتجوز عليها، اسالني أنا، ده الواحدة مننا تخ*نق راجلها بأيديها ولا إنه يبص لواحدة غيرها، ولو كان فيها العبر، واللي يأكد كلامي، لما قالت لك مدورش على ورث من وراه.
هتف صبحي: كلامك صح، بس ده معناه، إن سلمى كده مش فالأمان، ولا ايه!
هتفت خيرية، تحاول أن تبثه طمأنينة حتى ولو وهمية: والله ما تقلق، هتكون بخير وزي الفل، لو ع اللي قلناه، وهي مراته الاولانية اللي ردت عليك، يبقى الموضوع كله شوية كيد حريم، وغيرة وخلاص، وربنا يهدي سرها.
هتف صبحي متعجبا: غريبة! راضية عن سلمي وبتدعي لها كمان! مش بعادة يعني!
هتفت خيرية بنبرة تحمل تأثر واضح، ومشاعر حقيقية: أقولك الحق، طول عمري بغير منها، وشايفاها احسن مني فكل حاجة، شكل وعلام، ومعاها قرش ف أيدها، ولها أخ زيك بيعزها، مش زي أخواتي، اللي محد فيهم بيودني، ولا دخل عليا فمرة يكبر بيا قدامك، وهو شايل حتى حزمة فجل، كنت على طول بتخانق معاها، من قهرتي وكيدي، لكن الشهادة لله، بقيت بدعي لها فكل صلاة بعد ما لحقت الواد اللي كان هيروح مننا بالفلوس اللي بعتتها، محدش مد لنا أيده غيرها، وهي فغربة وبطولها، واللي هنا، محدش قالنا انتوا فين! ساعتها عرفت مين اللي ليا، ومين اللي عليا، وحسيت إني ظلمتها كتير، ربنا ينجيها من كل ضيقة، زي ما نجدت ابني..
انفجرت خيرية باكية، ليتلقفها صبحي بين ذراعيه، رابتا على ظهرها في حنو، هامسا في تضرع: يا رب.
****************
تطلع الشيخ حوله في ضيق، لا يعلم أين وضع جهاز التحكم عن بعد، فقد مل الجلوس وحيدا، وجهاز التحكم مفقود، ويرغب في فتح جهاز تشغيل الموسيقى، ليستأنس بصوت أم كلثوم كما هي عادته، تحرك بكرسيه المدولب، باحثا بالمكان، لتقع عيناه على جسم واقع تحت مقعد قريب، مال بجسده بعض الشيء، من أجل التقاطه، معتقدا أنه جهاز التحكم، فإذا به هاتف ما، ربما هاتف أيوب، وقد سقط منه سهوا، حين كان هنا، يشكيه مواجعه، قلب الهاتف بين كفيه، فهو لا يفقه في مثل هذه الأجهزة الحديثة، ولا تثير اهتمامه من الأساس، حتى أنه يملك واحدا من أحدث الأنواع، لا يمسه تقريبا، إلا لمهاتفة أيوب أو أحد من المقربين لهدف ما، وها هو ملقى بعيدا عن كفه، جوار الفراش، ينسى في كثير من الأوقات، وضعه بالشاحن الكهربائي فيبقى مغلق، حتى ينتبه هو أو أيوب لذلك.
ضغط الشيخ على أحد الازرار بالخطأ، فسطعت الشاشة بصورة سلمى بصحبة ساجد، شعر بالحنين لها، فابتسم في شجن، محدثا إياها في حسرة: كنت استأنس بكِ، رحتي وتركتينا، وما قلتي سلامات، يا سلامات.. يا وجع روحك فالبعاد يا أيوب! كلنا نفتقدها، ما بال قلبك يا غالي!
تنهد وهو يهم بوضع الهاتف جانبا، ليسلمه أيوب، ما أن تنتهي حفلة الأطفال بالخارج، والذين يتضاحكون ويمرحون قرب المسبح، تصله أصوات صرخاتهم الفرحة، والموسيقى العالية لأغاني طفولية مرحة، هاتفا في تضرع: يا رب أنت عالم بحال القلوب، ريحها من وجعها..
*****************
دخلت رياحين لدارها، نادت مديرة منزلها، لكنها لم تجب، أعادت النداء، وهي تتحرك صوب المطبخ، تتأكد أنها بالداخل: ثناء، يا ثناء!
تنبهت ثناء ما أن وصلت رياحين للمطبخ، أنها تناديها، فهتفت مهرولة: نعم يا مدام!
هتفت رياحين متعجبة: وينك! والله راح صوتي!
ناولتها مفتاح السيارة، أمرة في حزم: احضري الأغراض من السيارة، وانتبهي، ليخرب شي..
هزت ثناء رأسها في طاعة، لتعود بعد دقائق تحمل الأغراض التي ابتاعتها رياحين، تضع كل منها في موضعه، لتعود رياحين بعد أن أنهت مكالمتها التليفونية، متسائلة في اهتمام: الشيخ حمد تناول غذائه! إياكِ يكون الطعام مو مسلوق، كيف ما أمر الطبيب!
هتفت ثناء مؤكدة: لا زي ما قال بالظبط، وخد دواه بعد الغدا على طول، متقلقيش يا مدام، كله تمام والله.
هزت رياحين رأسها متفهمة، وهي ترفع أغطية القدور المتجاورة على الموقد، تتأكد أن الطعام معد فعلا كما أمر طبيب زوجها الشيخ حمد، بعد وعكته الأخيرة، التي جعلته معظم الوقت راقد بالبيت، فكانت تنهي مهامها في شركات العتيبي، الخاصة بأسرة أيوب، حيث تعرفت هناك على حمد للمرة الأولى، وطلبها للزواج، منذ ما يزيد عن العشر سنوات، بعد تجربة زواجها الفاشلة، التي جعلتها تكره الارتباط من جديد، لكنه جاء فغير فكرها تماما، لتعيد معه التجربة بكل محبة، لم يهبهما الله الأطفال، لكنه لم يعبء، كان لديه بالفعل أطفال من زوجته الأولى، وهو يعشقها على أي حال، وهذا ما كان يهمها.
غابت رياحين، صاعدة لحجرتها، تطمئن على زوجها، وما أن عادت بعد بعض الوقت، حتى تنبهت لبكاء ثناء، فسألتها في تعجب: وايش في لكل هاد البكا!
انتفضت ثناء، تمسح دموعها معتذرة: آسفة يا مدام!
أكدت رياحين: ما ابغي اعتذارات، ايش في! تكلمي..
هتفت ثناء، وقد بدأت في البكاء من جديد، تحاول أن تأخذ منها العهد على عدم معاقبتها: هقولك يا مدام، هقول، بس ساعديني، أنا ماليش غيرك.
هتفت رياحين في قلق: ايش سويتي يا مخبولة!
هتفت ثناء في بكاء قاهر: أنا حامل يا مدام.
هتفت رياحين مصعوقة: ايش! كيف حامل يعني! والله الشيخ حمد لو وصله خبرك، ليرحلك هالحين.
هتفت ثناء، تحاول استعطاف رياحين: والله كان غصب عني يا مدام، ساعديني واستري عليا، اتصرف إزاي!
هتفت رياحين أمرة: تعالي، اجلسي وأحكي بلا بكا، ايش صار!
جلست ثناء، تمسح دموعها، متسائلة في اضطراب: هتساعديني!
هتفت رياحين مؤكدة: اسمع أولا، وبقرر بعدها.
وجلست ثناء تحكي كل تفاصيل قصتها..
******************
أغلق صبحي الورشة، متطلعا صوب الهاتف، الذي بدأ في الرنين، كانت خيرية، تطلب عبوة جديدة من دواء ابنهما المريض، والتي أوشكت على النفاد، توجه للصيدلية، وابتاع الدواء، متذكرا أن ذاك المال، الذي سانده اللحظة، في علاج ولده، هو مالها، سلامات، تطلع صوب الهاتف، يتمنى لو يرن ولو مرة واحدة فقط، يستمع لصوتها ويطمئن أنها بخير، ثم بعدها لا يرغب في شيء آخر، كان القلق يأكله حرفيا، ما دفعه لاتخاذ قرار، لا يعرف مدى صحته، لكنه لم يفكر فيه للحظة، بل نفذ من فوره، ضاغطا زر الإتصال على هاتف سلمى، الذي تركته عند مستخدميها القدامى، رنة ثم أعقبها آخرى، وكاد أن ينهي المكالمة، فقد يكون الوقت غير مناسب للاتصال، أو ..
فُتح الاتصال، وسمع أحدهم يجيب، صوت من الواضح أنه لشخص كبير بالعمر، شعر بالاضطراب، لكنه لن يتراجع، ما دفعه ليهتف بدوره بصوت مضطرب، مهزوز النبرة: السلام عليكم، أنا آسف على الازعاج لو كنت اتصلت فوقت مش مناسب!
هتف الشيخ: وعليكم السلام، مين!
هتف صبحي معرفا: أنا صبحي سلامة، أخو سلامات، اللي ..
قاطعه الشيخ مرحبا: يا هلا، والله اشتاقنا لسلامات، ربنا يهنيها مع زوجها.
هتف صبحي في لهفة: حضرتك تعرف جوزها!
أكد الشيخ: لا يا ولدي، ما بعرفه، هي راحت ويا زوجها، كيف ما أخبروني، ايش في! سلامات بيها شي!
هتف صبحي مترجيا: والله يا شيخ، أنا بس عايز اطمن عليها، لأنها من يوم ما قالت لي إن مجدي جوزها طالبها، وأنا معرفش عنها أي حاجة، ومفيش أي وسيلة اتصال بها، فلو…
ضجيج وصخب قوي، وهتاف من هنا وهناك، ما جعل الشيخ يهتف متأكدا أن الاتصال ما زال قائما، لحظة، وتبدل الأمر فمن الواضح أن الاتصال انقطع، عاود الشيخ الاتصال بنفس الرقم، ليجد أن الرقم قد أُغلق، مرة بعد مرة، والنتيجة نفسها، ليبدأ القلق في التسلل لنفسه حول وضع سلامات مع ذاك الزوج المجهول، الذي لا يعرف أحدهم عنه إلا اسمه الأول فقط.
*****************
وصفولي الصبر.. لقيته خيال ..
‏وكلام فالحب، يا دوب يتقال..
توقفت كف أيوب عن الطرق على باب حجرة والده، ما أن تناهى لمسامعه كلمات الأغنية التي تشدو بها أم كلثوم اللحظة، الصبر! .. وهل له من الأمر شيء، لا يملك إلا الصبر.. اسمه في الأساس ارتبط بالصبر، لكن هل سيكون له مثل نصيب أيوب، بعد كل هذا العلقم الذي تجرعه قلبه، وما زال!
قطع خواطره، دافعا الباب بعد طرقة سريعة، وكأن والده، أدرك من قسمات وجهه المتبدلة معاناته، فأغلق مشغل الأغاني سريعا، متسائلا: أنتهت حفلة الأطفال على خير!
هز أيوب رأسه مؤكدا، وهتف بعد لحظة صمت: الحمد لله، فرحوا كتير، كانت فكرة كويسة، حتى ساجد كان هايب الموقف فالبداية، لكنه بمساعدتي، ونفيسة، قدر يتجاوب قليلا مع الأولاد، أنا بفكر تبقى هاي الحفلة، كل شهر!
هتف الشيخ مؤيدا: ما يخالف! يا عظم ثواب إسعاد الأيتام، فكرة سلامات ممتازة والله!
تململ أيوب موضعه، مجرد ذكر اسمها ينكأ جرحا حيا، ما زال نازفا، هتف الشيخ متذكرا: قبل ما أنسى، وجدت هاد بين المقاعد وأنا أبحث عن جهاز التحكم، بعتقد إنه لسلمى، ليش تركت جوالها وراحت دونه!
هتف أيوب، وهو يمد كفه مستلما الهاتف من يد والده الممدودة، مؤكدا: لما جبته، مكنتش راضية تاخده، إلا لما قلت لها إنه من دواعي العمل، ولما جت تمشي، تركته لهالسبب..
هتف الشيخ: والله نفسها عزيزة، بالمناسبة، أخوها دق على هاتفها، حدثني لدقيقة، وبعدها انقطع الاتصال، ما بعرف ايش صار! ..لكنه كان قلقان لأنها ما تواصلت معه من يوم ما راحت.
هتف أيوب، منشغلا بتقليب الهاتف بين كفيه، ساخرا في حنق: وليه تتواصل معه! خلاص وصلت للي كانت ريداه، وجاية فالأساس لأجله! دي حتى ما تواصلت مع حدا هنا، من أجل ساجد!
هتف الشيخ: عندي حدس عالي، إن الموضوع فيه إن كبيرة، وكلام أخوها بهادي اللهفة والقلق، يؤكد على حدسي.
لم يكترث أيوب، واستأذن مغادرا غرفة الشيخ، ليرتاح بعد يوم مرهق مع الأولاد، تاركا الهاتف جانبا، ما أن دخل غرفته، بالقرب من فراشه، أنهى حمامه، وتمدد على الفراش، عيونه معلقة بالسقف، وعقله يسبح في بحر من الذكريات، امتد كفه بلا وعي، متطلعا لشاشة هاتفها التي تحمل صورتها وساجد، وابتسامتها التي لم تكن تفارق محياها، مرسومة أمام ناظريه، تثير فيه مكامن الشوق لسماع صوت ضحكاتها، موقظة الحنين الناعس لمرأها.
لا يعرف كم ظل متطلعا صوب لصورتها، لكنه تنبه لخيط من الدموع، ينساب على جانبي وجهه، سخينا محملا بالألم، لا يعرف على وجه الدقة، أي ألم يعان أكثر! وأي وجع يبكيه أكثر! .. وجع الشوق، أم عذاب الخذلان، ومرارة الخيانة!
دفع الهاتف عن كفه، فوق الفراش، وهم بالنهوض للصلاة، لكنه توقف منتبها، حين صدح صوت غريب بالغرفة، كان صوت رجل فالبداية، لكن فجأة، بزغ صوتها، فتصلب موضعه، من الواضح أن أصابعه ضغطت أحد الأزرار عن طريق الخطأ، لم يكن يعلم أن مجرد سماع صوتها في تسجيل ما، قادر على دفع نبض قلبه، ليتصاعد بهذا الشكل، شاعرا به متمردا يتقافز بين أضلعه.
مد كفه متناولا الهاتف من جديد، ليدرك أن الهاتف يحمل خاصية تسجيل المكالمات تلقائيا، وأنها دون أن تدري، وثقت كل حرف قيل بينها وبين صبحي أخيها.
اعتدل وبدأ يستمع للمكالمات، لتتضح الصورة أمامه رويدا رويدا، وبدأت سحابة الظن، وسوء الفهم في الانقشاع عن سماء عقله، حتى أن هذه المكالمة الوحيدة، التي دارت بينها وبينه، بعد أن أوصل هيفاء للمطار، سمعها مرارا وتكرارا، كان أشبه بالفاقد عقله، وهو يعيد سماعها كالمسوس، تمتزج ضحكاته لمزاحها، مع دموعه لفراقها، أصبح المدمن الذي يتعاطاها، ولا قدرة له على التوقف، ليهتف بكل وجع الكون، متوسلا ومتضرعا: يا الله! هون ثم هون..
ترك الهاتف، ونهض ليتوضأ، فقد أدرك أن أوجاعه وعذابات قلبه، ليس لها من دون الله كاشفة.. هدأت نفسه بعض الشيء، وأمسك بالهاتف من جدبد، يبحث عن آخر رقم مدون بقائمة المكالمات الواردة، ضغط زر الاتصال، رنين متصل، حتى انتهى ولم يجب أحدهم.. كرر المحاولة، لكن لا مجيب كذلك، لا يعلم لم يتصل بأخيها من الأساس، فهو لن يسمع منه سوى تكرار لما سمعه بالمكالمات بينهما، والذي لا ينفي حقيقة أنها كانت متزوجة وكذبت عليه، لكنه التمس لها بعض العذر، عندما أدرك باقي الحقائق، واجتمع برأسه مجمل الأحداث، والحقيقة الأهم الآن، أنها زوجة، تحمل اسم رجل آخر، ولا دخل له في حياتها ومجرياتها، على أي حال، سيري ما يمكنه فعله في هذا الشأن، دون أن يكون لشخصه حضور، كتب اسم زوجها مكرها، في مفكرة هاتفه، وليقوم بما يمليه عليه ضميره، وكفى.
رفع سماعة الهاتف، لترد رياحين متعجبة، فما كان من عاداته الاتصال في أيام العطلات: يا هلا أيوب بيه، بالخير والله!
هتف أيوب: آسف لهالاتصال، ما هو وقت مناسب، بعرف، لكن للضرورة أحكام، دوني هالاسم عندك، بدي كل المعلومات عنه.
هتفت رياحين: مرحب بأي وقت أيوب بيه، حاضر.
دونت اسم مجدي عمران، وأنه مهندس يعمل بإحدى الشركات.
استطردت رياحين: هاد هي المعلومات فقط!
أكد أيوب: إيه هي! ابحثي قدر استطاعتك، بريد كل شي عنه، ووين ساكن، بتعبك، بس أنتِ قدها.
أكدت رياحين: أكيد أيوب بيه.
أنهى أيوب المكالمة، وتنهد في محاولة لاستعادة بعض من سلامه النفسي، لكن من أين له ذاك السلام المفقود، وهي سلامه وحربه في آن واحد!
*****************
يومان، كانا هما الهدنة الغير معلنة بينهما، لا تعرف لم كف عن محاولة فرض نفسه عليها كزوج! .. لكنها حمدت ربها أنه فعل، فقد أصبحت الكوابيس تهاجمها كل ليلة، فتنهض مذعورة، معتقدة أنه بالقرب، يحاول النيل منها، فيجافيها النوم طيلة الليل.
تنبهت أنه دخل إلى غرفته، معتقدة أنه ذاهب للنوم، مر بعض الوقت دون أي إشارة تذكر، تؤكد أنه ما زال مستقيظا، فظنت أنه غرق في سباته، بعض هذه الأدوية والعقاقير التي يتناولها، والتي تسقطه في هوة النوم العميق سريعا، لتنهض في حذر، متوجهة صوب باب الشقة، تحاول فتحه، للهرب، هذا ما قررته، بعد كل ما يجري، لن يكون بينها وبين هذا الرجل أي حياة مستقرة، وهي بعد كل صبرها، لا تستحق مثل هذا زوجا.
تأكدت من إحكام غطاء رأسها، ومدت كفها صوب الباب، لتكتشف أنه مغلق بالمفتاح، الذي يحمله دوما بكفه، ضمن مجموعة آخرى من المفاتيح، يصدر بهم صوت منغما، طوال جلسته الطويلة على كرسيه، يراقبها في كل ذهاب وإياب.
قررت أن تدخل الحجرة، وتحاول الحصول على المفتاح بأي طريقة، فهذه هي فرصتها الوحيدة للخلاص، وعليها اقتناصها، مهما كانت العواقب، اقتربت في حذر شديد صوب فراشه، وعيناها لا تحيد عن سلسلة المفاتيح، الكائنة فوق الطاولة القصيرة قرب مرقده، مدت كفها في حرص، تجمع المفاتيح بقبضة يدها، تمنعها من إصدار أي صوت من شأنه إيقاظ ذاك القاسي، وما أن همت بالاستدارة، معتقدة أنها نجحت في مهمتها الأولى والأصعب في رحلة هروبها، حتى انتفضت مصدرة صرخة مكتومة، ما أن انقض عليها مجدي، جاذبا إياها نحو الفراش، لتسقط جواره، طالا عليها من عليائه، بنظرات تملأها الرغبة، منحنيا هامسا بالقرب من مسامعها، بنبرة صوت أبح: أنتِ فاكرة إن دخول الحمام زي خروجه! ده أنا دافع فيك وصارف ومكلف، يعني أخد حقي بفلوسي.
هتفت سلمى متوسلة، وهي تحاول دفعه بعيدا عنها: هديك كل قرش دفعته، بس سبني فحالي، والله هديك زيادة كمان، بس طلقني وهبريك من كل حاجة، وهديك عليهم كمان اللي تطلبه.
هتف مجدي ساخرا: مش بمزاجك، أنا اللي أحدد أرجع اللي دفعته إزاي، وبالطريقة اللي تعجبني، وبعدين أطلقك ليه! هو حد يطلق واحدة بالحلاوة دي، وكمان تحت أيدها كنز أقدر استفاد به! ده أنا أبقى مغفل.
بدأ في إحكام السيطرة عليها، ومحاولة اخضاعها لنيل ما يرغب، وقاومت هي على قدر استطاعتها، الدمار الذي تتعرض له، دقائق مرت، خارت فيها قواها، ليتوقف الزمن بالنسبة لها وهي كجثة هامدة، تنتهك جسديا، وتهان نفسيا، حتى ابتعد ذاك الحقير عنها، يلتقط أنفاسه في صعوبة، لينهض في تثاقل متطلعا نحوها في قرف، حتى وقف أمام المرآة الباهتة الصورة بزاوية الغرفة، صارخا في صورته المنعكسة بها، يسألها في غضب قاهر: إيه اللي جرالك! حصلك إيه!
هم بالعودة من جديد لسلمى، التي ما تحركت من موضعها قيد أنملة، تشلها الصدمة عن إتيان أي رد فعل، مخافة رد فعله الغير محسوب، لكن الدقات المتتابعة على باب الشقة، دفعته ليتطلع نحوها، قبل أن يتركها، متوجعا صوب الباب ليفتح في لامبالاة، تحولت لشهقة صدمة، ما أن تنبه من يقف اللحظة بعتبة داره! .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية احذر من يطرق باب القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى