روايات

رواية احذر من يطرق باب القلب الفصل الثالث عشر 13 بقلم رضوى جاويش

رواية احذر من يطرق باب القلب الفصل الثالث عشر 13 بقلم رضوى جاويش

رواية احذر من يطرق باب القلب الجزء الثالث عشر

رواية احذر من يطرق باب القلب البارت الثالث عشر

رواية احذر من يطرق باب القلب الحلقة الثالثة عشر

تطلع مجدي صوب هذه التي كانت تقف في وضع هجومي، ما أن فتح الباب، حتى اندفعت نحوه، ممسكة بتلابيبه، صارخة في حنق: كنت فاكرة إني سيباك بتموت فالمستشفى، بعد الكلام اللي الدكتور قالهولي عن حالتك، اكتشف إنك خرجت، لا وايه، عامل فيها عريس، وعايش حياتك مع السنيورة! هي فين! لازم اشوفها، لازم اعرف أحسن مني ف إيه دي، عشان تبعت تجبها من مصر، وتتجوزها رسمي! ده أنا مطلتش منك حاجة، لا ورقة تثبت اللي بينا، ولا حتى معاملة عدلة..
همت ثناء بالاندفاع صوب حجرة النوم، لكن مجدي أمسك بذاراعها، جاذبا إياها صوبه، أمرا بلهجة حازمة: اخرسي، ومع السلامة من هنا، مترميش بلاكي عليا، كل اللي كان بينا كان برضاكي وانا مغصبتكيش على حاجة، مع السلامة ياللاه من غير مطرود.
هتفت ثناء في قهر: ايه هو اللي مع السلامة! أنا مش ماشية من هنا، إلا ومعايا ورقة تثبت إنك أبو اللي فبطني، وإلا و…
قاطعها مجدي صارخا: أنتِ حامل!
أكدت: اه، حامل فأربع شهور، من قبل الحادثة بحاجة بسيطة، وكنت ناوية أنزله، لكن خفت، واتلخمت معاك فالحادثة، وخلاص مبقاش ينفع انزله دلوقت، أنا مش هتفضح لوحدي، و..
قطعت كلامها، مع طرق جديد على الباب، ليهتف بها مجدي أمرا في اضطراب: غوري جوه، ادخلي المطبخ لحد ما أشوف مين!
ادعت أنها تتوجه للمطبخ بالفعل، لكنها تسللت ناحية غرفة النوم، لتفتح الباب في حذر، دافعة نفسها للداخل، لتصبح وجها لوجه مع سلمى، التي لملمت شتات نفسها، ووقفت في ذعر، متطلعة صوبها، لا تعلم من تكون هذه، التي دخلت عليها حجرة نومها، دون استئذان!
هاتفة بها بلا مواربة: أنتِ بقى العروسة الجديدة! اومال لو حلوة شوية، كان عمل فيا ايه!
اندفعت سلمى نحوها، هاتفة في رجاء: أنا عايزة اطلق، ساعديني وأنا هديكي اللي أنتِ عاوزاه، بس خرجيني من هنا.
تطلعت ثناء صوب سلمى في تعجب، كانت معتقدة أن الزواج برضاها، وأنها ستأتي إلى هنا، فتجد امرأة راضية، عروس جديدة راغبة في الاستحواذ على الرجل الوحيد الذي سلمته قلبها وجسدها، لكن ما تره اللحظة، يؤكد غير ذلك، هتفت سلمى مستطردة في تعجل: روحي للشيخ عدنان العتيبي، اسألي عنه، و هو…
قاطعتها ثناء هاتفة في عجالة: عارفة متقلقيش. مشيرة لها أن تلتزم الصمت، لم تعي سلمى ما الذي يحدث، غير أن ثناء أخرجت هاتفها من طيات ثيابها، وفتحت باب الحجرة بحذر شديد، وبدأت في تسجيل ما يحدث بالخارج، صوت وصورة، حتى إذا ما رحل الرجل بالخارج، إلا وعادت ثناء تدعي الصراخ في غضب مفتعل من جديد، وهي تجر سلمى خلفها: هي دي! بعتني عشان دي يا مجدي!
جذب مجدي سلمى لداخل الحجرة من جديد، رغم مقاومتها، دافعا إياها مغلقا بابها خلفها بالمفتاح، ليعود مواجها ثناء، مؤكدا: أيوه هي، كل الحكاية مصلحة كبيرة هطلع بها، وبفلوسها اكتب عليكي عشان العيل اللي جاي ده.
هتفت ثناء مشككة: مش مصدقاك!
أكد مجدي: أنا بس اخلص المصلحة دي، وابقى كلي ملكك.
هتفت ثناء مستفسرة: أنت متضمنش! لكن محلتيش حاجة أعملها إلا إني أصدقك واستنى، بس أنا بجد عايزة أعرف، أنت عرفت طريقها إزاي!
أكد مجدي: منكِ!
شهقت ثناء، متطلعة نحوه بعدم تصديق، ليستطرد موضحا: لما جيتي لي المستشفى آخر مرة، قعدتي تعيطي جنب سريري، بعد الكلام اللي قالهولك الدكتور، قولتي إنك عرفتي من ورق لقتيه عند رياحين هانم، إن سلمى في فيلا أيوب النورسي، وإن الشيخ عدنان العتيبي خلى الست رياحين تعمل لها كفالة باسمه، أنا ساعتها كنت فوقت من الغيبوبة من فترة، وبقيت كويس، بس كنت قايل للممرضة اللي كانت بتعدي تشرف على حالتي إنها توصل الكلام ده للدكتور، بعد ما أديت لها اللي فيه النصيب، تقوله يقولك اللي قالهولك، عشان يبعدك عني، وتبطلي تيجي، لأن مراتي لو جت وشافتك عندي هتعمل لي مشكلة، وإن مفيش حاجة أصلا بيني وبينك، بس أنتِ اللي بتحبيني، وكنتي متعشمة أتجوزك.
هتفت ثناء في صدمة: إيه دماغك دي! دماغ أبالسة، وأنا اللي كنت ببكي عليك من قهرتي، أتاريك متستاهلش.
هتف مجدي: ياللاه بقى هوينا، عشان الراجل صاحب المصلحة ده راجع تاني، ومش عاوزه يشوفك هنا.
أطاعت ثناء، ورحلت في هدوء، تاركة سلمى تلاقي مصيرها..
*****************
دخل صبحي لشقته، زافرا في ضيق، لتتنبه خيرية لحضوره، هاتفة به، وهي تضع أطباق العشاء على الطبلية، تحاول منع عيالها من العبث بها، قبل أن يجلس الجميع: كويس إنك جيت، تعالى اتعشى مع العيال.
هتف صبحي ملوحا بكفه في حنق: ومين له نفس ياكل، ولا يبلع اللقمة حتى!
تركت ما كان بيدها، ونفضت كفيها مندفعة خلفه لداخل غرفتهما، هاتفة في قلق: خير! فيه أخبار جديدة ولا إيه!
هتف صبحي مؤكدا: معرفش إيه اللي خلاني أفكر اتصل بالناس اللي كانت سلمى بتشتغل عندهم، حاجة جوايا كده مش مرتاحة ع البت، وغيابها اللي طال ده من غير حس ولا خبر.
هتفت تتعجله: ها، وبعدين! كلمتهم! قالوا لك حاجة!
هتف صبحي صارخا في غضب: هو أنا لحقت! ده أنا كنت ماشي بكلم الشيخ اللي كانت بتشتغل في بيته، راجل طيب وشكله بيعزها بجد، ولسه هقوله على حكايتها، وإني عايز اطمن عليها، لقيت لك واد ابن حرام، سايق ماكنة، جه زي الصاروخ من جنبي، وخطف من أيدي الموبيل..
شهقت خيرية، ضاربة على صدرها في صدمة، صارخة في استفهام: وبعدين! الموبيل راح!
تنهد صبحي مؤكدا: لا الحمد لله، ربك عالم بالحال، صرخت وقلت حرامي، والناس كلها اتلمت عشان توقفه، هو خاف لما عرف إنه مش هيخرج منها سليم، راح حادف الموبيل، عشان الناس تتلهي عنه، وفعلا ده اللي حصل، بس الموبيل من الحدفة السودا، نزل ع الرصيف متبهدل.
هتفت خيرية متسائلة: طب وهتعمل ايه! هو كده مش هينفع تاني!
هتف صبحي، وهو يتمدد على الفراش متأوها: لا، ما أنا خدته عند الواد اللي بيصلح الموبيلات، قلت له مستعجل عليه، حتى خرج لي الشريحة، احطها فموبيل تاني، قالي الموبيل مدشمل ع الآخر، وخاف يلعب فيه، لأن الواد اللي بيفهم فيهم، فمصلحة و لما يرجع هيخليه يسهر عليه، وربنا يسهل على بكرة آخر النهار يكون اتصلح.
تنهدت خيرية، رابتة على كتفه في تعاطف: خير، اهو يتصلح الموبايل، وكلم الشيخ ده تاني، وربنا يسهل ويقدر يطمنا عليها، قوم بقى إلحق كللك لقمة، زمان العيال خلصوا الأكل.
هتف صبحي، في نبرة مرهقة: بالهنا والشفا، أنا مش قادر، عايز أنام.
ربتت خيرية على كتفه، وهي تجذب عليه الغطاء، هامسة في حنو: وماله يا خويا نام، أنت بقالك كام ليلة عيونك مش بدوق النوم، ربنا يريح بالك عليها.
تركته مغلقة باب الحجرة خلفها، وقد بدأ يغفو، هاربا للنوم، من قلقه الذي أرقه الليالي الماضية، لا رغبة لديه، إلا سماع ما يسر خاطره، عن حال أخته الوحيدة.
*****************
انتفض من موضعه، داخل حجرته حيث كان يجلس يطالع أحد كتبه، يحاول أن يتلهى عن أفكاره، التي دوما تجذبه كالمد صوب شاطيء ذكراها، مندفعا نحو حجرة ساجد، الذي على ما يبدو، طالع حلما سيئا، في أثناء قيلولته.
اقترب أيوب منه، يحاوطه بذراعيه، وساجد ثائر كأنما ذاك الحلم حقيقة، يحاول أن يهرب منها، ظل أيوب يحاول تهدئته، وبث الطمأنينة بنفسه، ولم يسكن إلا حين همس أيوب بالقرب من أذنه، في نبرة حانية: سلمى راح تغني معك، إذا ما صرت أهدأ، وبتكافئك بأحد ألعاب البازل اللي تحبها.
همس ساجد، وقد بدأ يستكين بعض الشيء: سلمى، وينها.. سلمى!
دمعت عينى أيوب، وهو يضم ساجد لأحضانه أكثر، هامسا في شوق: سلمى! بتعود إذا بيريد رب العالمين، تفتكر بترجع ساجد!
لم يرد ساجد على سؤال أيوب، فقد غط في نومه من جديد، ليظل أيوب جواره، ضامه بين ذراعيه، متذكرا كيف جاء من إحدى رحلاته في ساعة متأخرة من الليل، وهو في طريقه لحجرته، قرر أن يطل على ساجد، ففتح باب حجرته في حرص، كي لا يوقظه، فإذا بها تتكيء على طرف الفراش، تضم ساجد بين ذراعيها، ويبدو أنها غفت موضعها، حين جاءته مهرولة عندما سمعت صراخه، كما حدث معه منذ دقائق، وراحت في النوم، وهو متعلق بأحضانها، تسمر لحظتها عند عتبة الباب، فكر أن يوقظها حتى تعود لحجرتها، لتنعم بنوم هانيء بفراشها، بدلا من فراش ساجد الضيق، الذي بالكاد يضمهما، لكنه عدل عن الفكرة سريعا، وجذب نفسه مغلقا الباب في حذر، مستكملا الطريق نحو حجرته، ومنذ هذه اللحظة، لم يفارق محياه ذاك المشهد، فقد كانت أما حقيقية، تحمل جينات الأمومة لكل من أسعده قدره، وتشابك طريق حياته مع درب حياتها.
لقد ظلمها حين اكتشف موضوع زواجها الغير معلن له، متعجبا، كيف لم يخطر ببالها ساجد وحاله، وهي تعلم أنها قد تفارقه في أي لحظة! لكنه كان مخطيء في حكمه عليها، فقد وجد مع كل تسجيلات المكالمات بينها وأخيها، تسجيلات خاصة بحالة ساجد من أول مقابلة بينهما، حتى اليوم الذي تركت فيه الفيلا، كلها مفسرة لحالته وردود أفعاله، وكيفية التعامل مع كل مشاعره وثوراته، وعنفه وعدم طاعته، كانت تسجل إرشادات خاصة، لمن سيأتي ويتعامل معه بعدها.. لقد أحضر معلمة جديدة بالفعل، جيدة لكنها ليست مثل سلمى في إدراكها لحال ساجد، وتعاطيها مع حالته، بروح الأم لا المعلمة، ومن كمثل سلمى من الأساس!
تنهد وهو يريح جسده بالقرب من ساجد، ليغط فالنوم سريعا..
***************
تنبهت ثناء لدخول سيارة رياحين لفيلا الشيخ حمد، فاندفعت لخارج المطبخ، تقف في لهفة بانتظارها، حتى خطت عتبات الباب، وما أن رأتها رياحين تقف في اضطراب واضح، حتى حادت عن طريق الدرج صوب حجرة الشيخ حمد للاطمئنان عليه، صوب موضع وقوفها، هاتفة في تساؤل: ايش! سويتي ما اتفقنا عليه!
هزت ثناء رأسها في تأكيد، مخرجة هاتفها، لتشير لها رياحين صوب المطبخ، أمرة: تعالي، سويلي فنجال من القهوة، واحكيلي ما حصل.
جلست رياحين لطاولة المطبخ، ودفعت ثناء بالهاتف قبالتها، وفتحت تسجيل الصوت، وهي تعد فنجال القهوة على عجل، استمعت رياحين للحوار الذي دار بين ثناء ومجدي، حتى إذا ما انتهى، هتفت رياحين في راحة: والله لو الشيخ حمد بخير، كنت حكيت له عن أفعال هاد الواطي، وما تركه لحظة يلعب بأعراض الناس، ولا كنا اضطرينا لهاد المكائد، لكن ما باليد حيلة، اصبري وراح استخدم هاد التسجيل ضده، وخليه ينكر بعدها! والله لو ما عقد قرانكم، ما اسمي بيكون رياحين!
اندفعت ثناء في امتنان صوب رياحين، تحاول تقبيل ظاهر كفها في عرفان، لكن رياحين جذبت كفها مستغفرة، هاتفة في نبرة حازمة معاتبة: أنا ما بعفيك من دورك باللي صار، خطأك يساوي خطأه، لكن أنا بعمل كل هاد، لخاطر الطفل القادم، ما له ذنب يتوصم بالعار، ولا تتخلصي منه بأي دور أيتام خوف من الفضيحة.
هتفت ثناء مؤكدة في نبرة منكسرة: عندك حق، والله أنا استاهل كل اللي بيحصل لأني أمنت له، بس والله يا مدام، أنا عمري ما كنت لعبية ولا بتاعت الكلام ده، وأنتِ عارفة، بس الوحدة وحشة، وأنا سني كبر، وشكل العدٌل مكنش ناوي يخبط ع الباب، كنت فاكرة إنه بيحبني، وناوي معايا على الحلال، بس اللي كان مكنش على بالي والله، ربنا يسامحني، ويسترها عليك يا هانم، زي ما سترتي عليا.
ساد الصمت، لتتنهد رياحين تهم بالنهوض، صوب حجرتها، لكن ثناء استوقفتها في تردد هاتفة: في حاجة كده، كنت عايزة أقولك عليها، من باب ستر الولايا، بس خايفة.
تطلعت صوبها رياحين، هاتفة في قلة صبر: ايش سويتي! مصيبة جديدة!
هتفت ثناء في عجالة: لا والله، مش أنا، بصي ع الفيديو ده كده!
فتحت ثناء الفيديو الذي صورته لمجدي، لتطالعه رياحين في هدوء لثوان، قبل أن تشهق في صدمة، هاتفة في صدمة: ايش هاد! شيطان رجيم!
ثم أمرت ثناء لتعيد تشغيل الفيديو، هاتفة في حيرة: اللي ظهرت بالفيديو ها دي زوجته! صحيح! هزت ثناء رأسها تاكيدا.. لتستطرد رياحين متعجبة: الشاشة مرت على عجل، بس أشعر إني أعرفها.
أكدت ثناء: أيوه، تعرفيها..
تطلعت رياحين نحوها في تساؤل، لتستطرد ثناء في اضطراب: دي نفس البنت، اللي الشيخ عدنان العتيبي، طلب منك عمل كفالة باسمها.
شهقت رياحين في صدمة: سلامات معلمة ساجد! إيه.. هي سلمى!
جذبت رياحين مفاتيح السيارة من على الطاولة، مندفعة صوب الخارج، لكنها توقفت للحظة، تسأل ثناء: ايش اسم هاد الحي*وان، اللي لعب عليك، وصار جوزها لسلمى!
هتفت ثناء في اضطراب: اسمه مجدي، مجدي السيد عمران، شغال سواق في شركة الشيخ فهد الرياني، و…
قاطعتها رياحين مؤكدة: استناجي صحيح، هو نفسه مجدي، اللي يبحث عنه أيوب بيه، والشيخ عدنان، وضح الأمر..
اندفعت رياحين صوب الخارج، تعبث بجوالها في عجالة، تحاول الوصول للشيخ عدنان، لكنه لم يرد كالعادة، لتعيد الاتصال بأيوب، الذي كان هاتفه مغلق، لعنت في سرها، واندفعت بالسيارة، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..
***************
صحراء قاحلة، وشمس لاهبة كأنها فوق الرؤوس، وهي تسير وحيدة، تجر قدمها جرا، لا تعرف إلى أين، فقد فقدت وجهتها، وضاعت بوصلتها، وما عاد من مرشد في هذا التيه، وجهها يحمل علامات الوجع، وقسمات ذابلة على عكس طبيعتها، عباءتها السوداء ممزقة من بعض أطرافها، كالحة اللون، وجبيتها يقطر عرقا، تلتقط أنفاسها في صعوبة من طول المسير، حتى انتهى عزمها، وسقطت على ركبتيها، تستجدي الماء، بعد إنهاك وقلة حيلة..
تتطلع صوب الجهات الأربع، فلا مخلوق هناك لنجدتها، رفعت رأسها للجهة الوحيدة الباقية، الجهة الأرحب، معلقة عيناها بالسماء، هامسة بتضرع ما، وأخيرا صرخت في عزم، منادية باسمه..
انتفض أيوب مذعورا، هامسا باسمها في لوعة: سلمى!
تطلع حوله، ليدرك أنه بحجرة ساجد، الذي تململ في رقاده، ما دفع أيوب ليتحرك في حذر، حتى خرج من الغرفة في هدوء، مندفعا صوب حجرته،
جذب هاتفه، ولم يفكر للحظة في سبب لفعلته، وهو يدق على هاتف صبحي، لعله توصل لخبر عن أخته، فعلى ما يبدو، رياحين لم تصل لهذا المدعو مجدي، فالإيام الماضية كانت أيام اجازات رسمية، ولم تستطع التوصل لبعض الدوائر الحكومية، التي يمكنها الاستفسار فيها عن شخصه، ومحل إقامته.
أعطاه هاتف صبحي إشارة مؤكدا أنه مغلق، ما جعله يزفر في ضيق، وتلك الرؤية التي رأها لتوه، تثير مكامن القلق بنفسه، دخل ليغتسل مندفعا صوب الخارج، يشعر بالاختناق، مقررا الوصول لذاك الرجل بنفسه، حتى ولو سأل في كل موضع، يمكن أن يكون فيه، يعرف أن ما يقوم به درب من جنون، لكن كيف له أن يسكت ذاك الهاجس الداخلي الذي يفتت سلامه، وطمأنينة روحه، مؤكدا عليه أنها ليست على ما يرام! .. هو يعلم أن لا حق له في كل هذا! .. وذاك النزاع بين ما له وما عليه، يميته كل لحظة، فكيف يقيم السلام بين طرفي صراع، إذا ما كان مع أحد الطرفين، أو ضد الآخر، فهو بالآخير الخاسر الأوحد على كل حال.
علا صوت المؤذن، معلنا وقت صلاة المغرب، فصف السيارة، عند أقرب ساحة مسجد، مندفعا للداخل، كأنما يلوذ بالسماء من شياطين خواطره، وأفكاره..
أنهى صلاته، وجلس في ركن قصي، يحاول أن يلملم شتات نفسه، مرتقا ذاك التمزع الذي يشقيه حرفيا، منذ أولت ظهرها له، ورحلت.. دمعت عيناه وهمس مبتهلا: يا رب، ضاقت السبل، ولا سبيل نسلك إلا بمشئتك، هونها وألطف يا لطيف، ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، فأنت أرحم من أن تفعل.
لا يعرف كام طال به ابتهاله، لكنه خرج من المسجد، وقد شعر بانشراح نفسه، يحدوه اليقين أن الفرج قادم، قاد سيارته، وما أن تحرك بها حتى دق هاتفه، تطلع للشاشة في فضول، فتح الخط وهتف في رزانة: يا هلا، كيف ال..
قاطعته رياحين صارخة: وينك أنت والشيخ! ما حدا بيرد على جواله بهاد البيت!
هتف أيوب في اضطراب، فما كانت هذه الطريقة هي المعتادة من رياحين: ايش بكِ! الشيخ حمد بخير!
هتفن رياحين مترجية: سلمى معلمة ساجد بخطر يا أيوب بيه، هاد ال مجدي اللي طلبت تعرف عنه معلومات، ما عرفت اتوصل لأي معلومة عنه، اكتشفت إنه ما هو مهندس، هو سائق عند الشيخ فهد الرياني، وبيجيب البنات يتزوجهن، و..
لم تكمل، لم تكن في حاجة لتكمل جملتها، لكن أيوب هتف صارخا، كأنه يحاول استيعاب ما يحدث بكل وضوح دون لبس: وايه..!!
أكدت رياحين في نبرة مضطربة: ويتاجر فيهن لمن يرغب! شوف هاد الفيديو.. واتصرف بسرعة، ما في وقت.
ارسلت رياحين الفيديو لأيوب، الذي صرخ طالبا منها إرسال موقع بيت هذا الحقير، لتطيع في عجالة، لينطلق صوب الموقع المحدد، وهو يفتح الفيديو، متطلعا لذاك الحقير، وهو يساوم أحد الأشخاص، على ليلة معها، مقابل مبلغ خرافي، وافق هذا الآخير على دفعه بكل سهولة، مؤكدا أنها اختياره منذ البداية، وأنه وقع اختياره عليها حين كان يحدثها مجدي عن طريق الإنترنت، وبنات أخريات، يعشمهن بالزواج والهرب من شبح العنوسة، والعمل في هذه البلاد النفطية، منتشلا إياهن من الفقر والحاجة وشبح الوحدة في ظل ظروف اقتصادية طاحنة.
ضرب أيوب على مقود السيارة في غضب قاهر، وضغط على دواسة البنزين بشدة، لتندفع السيارة صوب بيت مجدي، متضرعا لله أن يصل بالوقت المناسب.
****************
دخل مجدي لحجرة نومهما، ما جعلها تنهض متخفزة، فلن تجعله يقترب منها مجددا، ولو تحتم عليها قتله ستفعل، ولن يمس شعرة واحدة منها، فقد تركها فترة بعد الظهيرة كلها وحيدة، مغلقا عليها باب الحجرة من الخارج بالمفتاح، أتم حديثه مع هذه المرأة التي كانت هنا ورحلت، ومن وقتها والسكون مخيم على الشقة، حتى فتح عليها الباب اللحظة، مادا كفه داخل أحد الأدراج، مخرجا كيس كرتوني قيم، وضعه على طرف الفراش، هاتفا في نبرة تقطر آسف زائف: خدي، غيري العباية اللي اتبهدلت دي، والبسي العباية دي، كنت شاريها لك هدية، عشان لما ترجعي معايا من المطار، اديهالك، بس محصلش نصيب.
لم تحرك سلمى ساكنا، ليستطرد هو ممعنا في محاولة إقناعها حسن نواياه: اعذريني على أسلوبي معاكِ، أنا معرفش عملت كدا إزاي! .. أكيد تعبي والفترة اللي فاتت بكل ضغوطها، أثرت عليا جامد.
سار صوب الباب، واقفا على أعتابه، مؤكدا: ارتاحي، وغيري هدومك، وأنا بوعدك، مش هاجي جنبك تاني إلا برضاكِ..
خرج مغلقا الباب خلفه، تاركا إياها تتطلع نحو الكيس في ريبة، لكنها لم تمسه، بل جلست على الفراش، تضم ركبتيها لصدرها، وتلف جسدها بذراعيها رغبة في حماية وهمية، وأمان مفتقد منذ عصور، لم تذق له طعما إلا مرات شحيحة، تحاول البقاء ساكنة، لا تثير حفيظة ذاك الذي يعبث ببعض الأشياء خارج الغرفة، حتى تحاول التسلل من هذا البيت مجددا، هربا من حياة لا ترغبها، وشخص لا يمكن أن يجمع بينهما أي مستقبل.
طرقات على باب الشقة، جعلتها تنتفض لا إراديا، مندفعة من موضعها صوب الباب، لترهف السمع لهمسات بالخارج أثارت اضطرابها، وما أن همت بالخروج، ومواجهة ما يحدث، وليكن ما يكون، إلا ووجدت الباب يفتح، دافعا إياها لداخل الحجرة، كانت تعتقد أن القادم هو مجدي، لكن ذاك الرجل الضخم، ذو الوجه الأحمر، واللحية المهذبة، والذي ابتسم في سماجة، ما أن وقعت عيناه عليها، هاتفا في نبرة ماجنة: يا هلا بالحلوة، أخيرا اتلاقينا..
لفت انتباهها ظهور مجدي، وهو يجذب الباب مغلقا إياه من الخارج، ما دفعها لتصرخ في رجاء: لا يا مجدي، أنا مراتك، متعملش فيا كده..
كانت توسلات فالهواء، فقد ترك مجدي الشقة من الأساس، وخرج يترنم بصفير سعادة، متذكرا المبلغ الذي ينتظره، نظير ما سيحصل عليه ذاك الحقير بالأعلى..
******************
أثار دخول هذه السيارة الراقية، ذاك الحي الفقير، انتباه البعض، وذعر البعض الآخر، من سكانها، يحدوهم الفضول لمعرفة، إلى أي بيت تتوجه، ومن ترغب من سكان ذاك الحي، ولأي سبب يا ترى!
تنبه أيوب لسيارة رياحين، التي كانت تصطف بأول الحي، ما دفعه للاتصال بها، هاتفا في غضب: وايش جابك يا رياحين! هاد المكان لا يليق بك، ارجعي.
هتفت رياحين مؤكدة: ما تخاف، أنا مو وحدي، خلاص انتبه، ثاني بيت على يمينك، سلام.
أنهى أيوب المكالمة، تاركا السيارة، عند البيت المقصود، صاعدا الدرج، وما أن وصل للطابق المراد، حتى سمع صوت صرخات مكتومة، مستغيثة، تخرج من أحد الأبواب، فاندفع دافعا الباب، الذي انفرج بعد الدفعة الثانية، لتتضح الصرخات بشكل أكبر، من الحجرة الوحيدة بالبيت، صرخ أيوب باسمها: سلمى .. سلمى..
لترتفع صرخاتها بشكل أكبر، وهو يدفع الباب في قوة عدة مرات، حتى انفرج عن محياها وهي تحاول مقاومة ذاك السمين، الذي يحاول السيطرة عليها، فما كان من أيوب، إلا جذبه مبعدا إياه عنها، وكال له عدة لكمات متعاقبة، أفقدته توازنه، ليسقط أرضا متأوها.
اندفعت سلمى صوب أيوب، تشهق في صدمة، محتمية بصدره، تكرر اسمه كالممسوسة، وهو يموت ويحيا مع كل تكرار لها باسمه، بهذا الشكل الذي يكسر كل حواجز الرهبة داخله، مؤكدا أن هذه المرأة التي تتكيء على صدره باحثة عن أمان، هي المرأة الوحيدة التي أحب بحياته كلها، وأن ذاك الثبات الذي يدعيه، وذراعيه متصلبة بموازاة جسده، لهو ثبات وهمي، يحاول التمسك به، حتى لا تخونه ذراعاه وتتقبض عليها تضمها لأحضانه مقسمة ألا تفلتها، وبدلا عن هذا، خلع عنه عباءته، ودثرها بها، هامسا بصوت متحشرج: أنتِ بخير!
هزت رأسها مؤكدة، وقد ابتعدت عنه للخلف خطوة، ما أن أدركت ما تفعل، ليجذبها هو مبعدا إياها لخارج الغرفة، وقد أطمأنت أن ما عاد عليها المحاربة لأجل سلامها وأمنها، فقد جاء من يحارب من أجل إرساء قواعد السلام، وصانع الأمان الأوحد بأيامها.
**********
دخلت سيارة أيوب، حيز الفيلا، وهي جواره بعد أن استعادت وعيها، لا تنطق حرفا، عيونها شاخصة صوب نقطة مجهولة، كأنما روحها فارقتها، والجسد باقِ، كان يموت قهرا على حالها، شهرا فعل به الكثير، لكن ما يراه على محياها اللحظة، لهو أشد وجعا على نفسه، من طعنات خنجر حتى غمده، مسلط لسويداء القلب.
ترجل من العربة، واستدار نحو بابها، فتحه في انتظار نزولها، وهي ملتحفة عباءته، فوق عباءتها الممزعة، تستر منها ما وجب ستره، لكنها لم تتحرك من موضعها، ما دفعها ليمد كفها، مساعدا إياها على النزول، كأنما أصبحت لا تتحرك بفعل إرادتها، بل بقوة دفع الآخرين..
اسندها للداخل، لتهتف نفيسة في صدمة ما أن رأتها على هذه الحالة: سلمى! أنتِ رجعتي امتى من مصر! وإيه اللي حصل!
أشار لها أيوب لتصمت، بإشارة خفية من وجهه، أمرا نفيسة: حصرلي لها أوضتها يا دادة لو سمحتي.
اندفعت نفيسة في اتجاه الدرج منفذة أوامر أيوب في عجالة، بينما توقفت سلمى، وعيناها صوب الردهة المفضية لحجرة الشيخ عدنان، الذي كان بانتظارهما، بعد أن رد الاتصال لرياحين، وابلغته بالأمر كله، لتسير صوب الغرفة، في خطوات وئيدة، مترنحة، وأيوب خلفها يحاول أن يحيطها بذراعيه داعما، دون أن يمسها، خوفا من خيانة قدميها لحمل جسدها، حتى وصلت لعتبة الباب دافعة إياه، ليتنبه الشيخ مهللا في فرحة: اه يا بنتي، والله طاح عقلي، الحمد لله ربي سلم.
اندفعت سلمى لتسقط أسفل قدميه، تشهق في وجع، وقد ارتفع صوت نشيج بكائها، ليربت الشيخ على رأسها المستقر بحجره، هامسا بنبرة حانية، تحمل عبق الأبوة: خلاص، الحمد لله، أنتِ هنا في أمان وعز الشيخ عدنان، ما في مخلوق يقدر يمسك بسوء أبد، أبكي لترتاحين، وبعدها كل اللي بتريديه، بنفذه في التو.
هتف سلمى من بين شهقات بكائها: عايزة أرجع مصر يا شيخ.
هتف الشيخ رابتا على كتفها في محبة: بترجعي يا بنتي، بترجعي.
تطلع الشيخ لأيوب أمرا: أيوب أحجز لها على أول طيارة لمصر، كل طلبات سلامات مجابة.
تطلع أيوب صوبهما، راغبا في بقائها لا سفرها، لكن ما له أن يقرر عنها، فهز رأسه في إيجاب، ولم ينطق حرفا.
طلت نفيسة على عتبة الباب، هاتفة في تأكيد: الاوضة جاهزة، لو الآنسة سلمى تحب ترتاح!
أكد الشيخ عليها هامسا: روحي يا بنتي مع نفيسة لترتاحين، روحي.
نهضت سلمى، متشبثة بعباءة أيوب حول جسدها، حتى مرت به، وهو يقف بلا حراك، أشبه بصنم، لكن دواخله ثائرة، لا يعلم بحاله إلا الله، حتى تلقفتها يد نفيسة، لتصعد بها حتى حجرتها.
ظل أيوب متسمرا، يقف بلا رد فعل، وما أن تأكد أنها غابت بالطابق العلوي، حتى صرخ في غضب، دافعا بإحدى المزهريات التي كانت بالقرب منه، لتسقط مهشمة في دوي، ويسقط هو معها، منهارا على أقرب مقعد له، تتقافز شياطين الغضب فوق كتفيه، يحاول أن يسيطر عليها محجما، حتى لا يندفع عائدا لبيت ذاك القذر المدعو مجدي، ليقتص على فعلته الحقيرة، بفصل رأ*سه عن جسده.
هتف الشيخ مقدرا حالته: اهدأ يا أيوب، الحمد لله انتهى الأمر على خير، وعادت سالمة.
هتف أيوب في ثورة مكتومة: والله ما برتاح إلا بق*تله، وما صبرني على ها الفعلة، إلا رياحين، ربي يبارك لها، ذكرتني بفك رباطه بها، وطلعنا خلصناها منه، وطلقت طلاق بائن، كان نازل من بينه، لمحته وهي بسيارتها، بصحبة امرأة تعمل بفيلا الشيخ حمد، على ما يظهر، لها علاقة بهاد الحي*وان، وعرفت تقنعه بالذهاب معها، وما يرجع بيته، وفي فيلا الشيخ حمد، رجاله قاموا باللازم، وعرفوا يسيطروا على هاد الحقير، حتى خلصنا سلمى منه، تركناهم بعدها وسرنا على هنا.
هتف الشيخ مهللا: والله تسلم رياحين، جزاها الله خيرا.
ساد الصمت لبرهة، قبل أن يهتف أيوب متسائلا: راح تتركها تروح يا شيخ!
تطلع نحوه الشيخ مؤكدا: أكيد، ها دي رغبتها، وما راح اخالفها، تنقضي عدتها يا أيوب، نسيت إنها كانت متزوجة! طاح عقلك يا رِجال.
تنبه أيوب أن الشيخ مصيب فيما يقول، كيف فاته هذا الأمر! .. صمت ولم يعقب.. مستئذنا ليصعد صوب حجرته.. ليمر وهو في طريقه إليها، بباب حجرتها، ليتناهى لمسامعه صوت شهقات بكائها من جديد، فتمنى لو كان بمقدوره كسر كل الحدود التي تفصله بها، لتظل تحت جناحه، يحميها من أوجاع الدنيا، ونوائب الأيام، لكنه أدرك منذ زمن بعيد، أن ليس كل ما تمناه قلبه، أدركته يداه، واستطاع تحقيقه بواقعه، فاندفع مبتعدا..
****************
رن أيوب على هاتف أخيها مجددا، ليندفع صبي لداخل الورشة بالهاتف قادما به من محل التصليح، هاتفا في عجالة: أمسك يا اسطى صبحى، تليفونك اتصلح، ورن مرتين.
انتفض صبحي، ماسحا كفيه من شحم التصليح، جاذبا الهاتف في لهفة، صارخا في سعادة: أيوه، سلمى! أنتِ..
هتف أيوب متسائلا: الأخ صبحي!
هتف صبحي متوجسا: أيوه، مين معايا!
أكد أيوب في هدوء: أنا أيوب النورسي، والد ساجد اللي الآنسة سلمى كانت بتشتغل عندي، الشيخ عدنان اللي كلمته قبل كده يبقى والدي.
هتف صبحي مرحبا: أهلا بالناس المحترمة، عارف إني ازعجتكم، بس..
قاطعه أيوب في رزانة: مفيش اي ازعاج، الآنسة سلمى بخير، وهي جاية لكم مصر، في طيارة الساعة ٥ مساء النهاردة..
هتف صبحي في فرحة: النهاردة! الحمد لله إنها بخير.
هتف أيوب: توصل لكم بالسلامة إن شاء الله.
هتف صبحي مؤمنا، وما أن أنهى الاتصال، حتى اندفع في سعادة صوب شقته، ليبلغ خيرية بالخبر السعيد..
خيم على الفيلا في اليومين الماضيين، سحب من كآبة، بعد عودة سلمى بهذا الشكل، لم تخرج فيهما من حجرتها، كأن بها رغبة لاعتزال العالم، ولم يضغط عليها أحد لتغادرها، تاركين لها حرية الاختيار، حتى أتاها خبر حجز تذكرة سفرها، لتستعد مغادرة الفيلا، بصحبة أيوب، بعد وداع الجميع هذه المرة، جلست جواره ومشاعر شتى تتصارع داخلها، لا قبل لها على تفسيرها، فقد كان الوجع الذي يخيم على نفسها، هو أكبر المشاعر المسيطرة على جوارحها اللحظة، وكان هو لا يخالفها في الشعور بنفس التيه والوجع..
مد كفه صوب مشغل الأغاني، ملتهيا باللاشيء رغبة في قطع ذاك الخيط السحري الذي يربطه بها سواء كانت بهذا القرب المهلك، أو ذاك البعاد المضني، الذي عاشه الأسابيع الماضية.. لتشدو المغنية في حنو أمرة:
لا تهجى في كفوفي، مو مهم رأي الكفوف..
دربنا واحد، ولو ما يلتقي خطيننا..
مو على كيف الزمان، ولا على كيف الظروف..
لعن أبو حي الظروف، اللي بتوقف بيننا..
حادت بناظريها بعيدا عبر النافذة، وسال دمعها في صمت راقِ، حتى وصولا المطار، تأكد أنه استقرت بمقعدها بالطائرة، وقد أعلنت صراحة، أن لا رغبة لها في مرافقة أحد، وأنها سترحل وحيدة مثلما جاءت وحيدة، ونزل هو على رغبتها..
مرت ساعات سفرها ما بين بكاء لا تعرف له سببا، وقراءة قرآن لعله يمسح بكلماته بعض من وجع قلبها.
خرجت من المطار، ليستقبلها صبحي فاتحا ذراعيه في شوق ومحبة، لتندفع صوبه باكية بين ذراعيه، ليشير لها صوب إحدى السيارات، دافعا بها لداخلها في هوادة، حتى إذا ما استدار ليركب على الجانب الآخر، إلا وسمع أحدهم يناديه، توقف في دهشة، لا يعلم من يكون هذا، حتى إذا ما اقترب الشخص، معرفا: أيوب النورسي، مكنش ينفع اسيب الآنسة سلمى تيجي لوحدها.
هتف صبحي مهللا: اهلا يا ايوب بيه، اتفضل، مصر نورت.
أكد أيوب مبتسما: منورة بأهلها، أنا وصلت الأمانة.
هتف صبحي: تسلم وتعيش صاحب واجب
أكد أيوب، وعيناه على موضع جلوس سلمى، التي لم تنتبه لوجوده بعد: يا ريت بقى، تحفظ أنت الأمانة، لحد ما يجي وقتها.
هتف صبحي مندهشا: أمانة إيه حضرتك!
ابتسم أيوب، مندفعا لداخل المطار من جديد، هاتفا: هتعرف فوقته، كله بأوانه..
تنبهت سلمى لغياب صبحى، فاستدارت تبحث عنه، لتقع عيناها على أيوب، الذي كان موليا وجهه صوب نافذة السيارة التي تستقلها، فشهقت في صدمة، لا تعلم هل تبكي حزنا، ام تضحك فرحا، لتجد نفسها تبكي بدموع مخلوطة بفرحة، وألم مخلوط بترقب، لعل ما يحدثها به قلبها هذه المرة، هو أصدق ما مر بالعمر!
******************

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية احذر من يطرق باب القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى