روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وستة 106 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وستة 106 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وستة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وستة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وستة

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائة وستة :-
الجُـزء الثـاني.
”يولد الحُب في لحظة..
بينما يستغرق الإعتراف به سنين.“
_____________________________________
هاجمتهُ ذكريات كثيرة معه، أغلبها كان جيدًا، لم يرى أو يشعر مثقال ذرةٍ بخيانتهِ، بل كان مثالًا يضرب به في وفاءهِ واعتدالهِ وصدقهِ، حتى لم يكن شريكًا ولو بالكذب في لياليهِ الساخنة ومغامراتهِ النسائية المعروفة، أو حتى في انحرافاتهِ القانونية، تناثر كل هذا مع أول نسمة ريح، كأنه كابوسًا يكتم على أنفاسهِ. ثمة حرارة حارقة تنبعث من مواطن التنفس لديه فـ أشعلت رأسه بلهيبٍ، شاعرًا بمدى غباءه وسذاجتهِ في تصديق كل هذه اللعبة الوضيعة، حتى وإن كان مخطط لها بحرفية عالية، مؤكد هناك ثغرة لم ينتبه لها أو يراها، لا يوجد إنسان مخادع على هذه الدرجة العالية من الكفاءة؛ إلا إذا كان حاصلًا على درجة عالية من الثقة العمياء التي تحجب رؤية أي شئ. طالت لحظات الصمت المرعب بينهما، وكلاهما ينظر للآخر بنظراتٍ تشتتت ما بين اللوم والعتاب وبين الحزن والضيق، وكأنما تكالبت على “حمزة” كل همومهِ وأحزانهِ من جديد، وصحى فيه ما كان يطمرهُ خلف سياج القناع الزائف الذي يرسمه على وجهه، قناع الفتور البارد وتقبل الأوضاع الراهنة التي بات حبيسها، بينما الحقيقة إنه يعيش في صراع دائم بينه وبين نفسهِ التي برعت في تأنيبهِ وجلد ذاتهِ. أخفض “حمزة” عيناه لوهله، فـ تلاقت عيناه بعينا “زين” الذي كان ينظر إليه محدقًا، وكأنه يحفظ ملامح والدهِ ويتعرف إليها، ثم هتف بعبارةٍ واحدة لم تحمل أيًا من معاني اللوم بقدر ما حملت معنى مُهين مُحتقر :
– كنت فاكرك الإنسان الوحيد النضيف في حياتي.. طلعت أوسخ من كل الناس، على الأقل محدش مثل عليا المبادئ والخلق زيك؛ ولا حد كان عامل فيها واعظ وهو خاين ونجس.
نفرت أعصاب “نضال” بضيقٍ واستنكار، وتحفظ على استخدام “حمزة” لتلك الألفاظ المُعيبة :
– أنا مش هقولك إني عاذرك، بس ملهوش لزوم الكلام ده يا حمزة.. كل واحد كان عنده ظروفه اللي اجبرته يمشي طريقه، وفي الآخر الخسارة طالت الكل وانت عارف ده كويس.
تجاوزه “حمزة” وعبر مدخل الباب، لم يهتم أبدًا إن كان مرغوبًا به گضيف هنا أم لا، فقد تجاوز حتى مرحلة الإستئذان بعد تلقيه الصدمة الأكبر والأخيرة. مسح “حمزة” المكان من حوله بنظرة واحدة، وسأل في عجالة دون أن ينظر إليه :
– هي فين؟.. عايز أشوفها.
تنهد “نضال” وفي عقله تفكيرًا دؤوبًا، هل يسمح له مقابلتها أم يرفض وجوده هنا من الأساس؟.. ولكن ما عطّل عليه تفكيره هو همهمات الصغير التي أوحت له بأن ذلك الضيف الصغير هو الحل لما هي فيه، هو الوحيد الذي سيستأصلها من جذور القهر الكي اندفنت فيه، هو الملاك الذي أرسله الله إليها كي يهون عليها ما تعانيه. أغلق “نضال” الباب والتفت إليه يقول في نبرةٍ يشوبها لمحة من الإعتراض :
– حسنة مش هنسهالك يا حمزة.
لم يرفع “حمزة” بصرهِ إليه حتى، بينما تشكلت علامات الإستفهام على وجهه متسائلًا عن مقصدهِ تحديدًا، ليبادر “نضال” بشرح جملتهِ القصيرة :
– إنك تجيب زين لحد هنا ده كفيل يخليني أدخلك البيت ده.
ضمّ “حمزة” يداه على ولدهِ حينما بسط إليه “نضال” ذراعيهِ كي يحمله عنه، وكأنه يبلغه برسالة رفضٍ صريحة واضحة، فـ ابتعد “نضال” خطوة وهو يفسر :
– متقلقش هطلعه ليها.
فـ أعلن “حمزة” إصراره على القيام بذلك بنفسه :
– أنا اللي هدخله وأشوفها.. هتقولي هي فين ولا أدور بنفسي!؟.
تجاهل “نضال” ذلك التهديد المستتر خلف سؤاله، ومشى أمامه يدله على طريقها وهو يردف بـ :
– فوق.
وصعد الدرجات مستبقًا إياه للطابق العلوي، حيث مسكن “سُلاف” و “راغب” الذي كانا يتشاركان فيه. وقف أمام الردهه المُظلمة، وقد تغطت نوافذ الطابق أكمله بالستائر القاتمة، ثم أشار إليه نحو الغرفة المعنية ليقول :
– أوضة سُلاف في الوش.
مرّ “حمزة” من أمامه كأنه لا يراه، ووقف أمام الغرفة يطرق بابها أولًا، مرة ثم الثانية بدون أي استجابة، وفي الثالثة كان يفتح الباب رويدًا رويدًا حتى رآها على أريكتها، تضم ساقيها لصدرها وتنظر عبر النافذة الوحيدة المفتوحة في المنزل، لا ترى شيئًا ولا تسمع صوتًا، وكأنه يرى جسدًا فارغًا قد فارقتهُ الحياة. حرر “حمزة” تنهيدة قلقة من بين ضلوعهِ وهو يقترب منها مناديًا أسمها :
– سُـلاف!..
لم تلتفت حتى إليه، حمحم وهو يقترب منها حتى جلس في مواجهتها، ثم حاول إثارة أمومتها نحو “زين”، الإنسان الوحيد الذي أحبته بلا أدنى مقابل :
– أنا جيبتلك زين وجيت.. قولت أكيد وحشك.
كأن صوته لم يكن مسموعًا لآذانها، أو إنها تخطت حتى مراحل استخدام حواسها للشعور بالأشياء، لم ينتشلها من صمتها الشديد ذلك سوى صوت همهمة الرضيع بعدما داعب “حمزة” جبهتهِ متعمدًا ليُصدر صوتًا، فـ ارتخت أعصابها المشدودة قليلًا، وتحركت رأسها نحو مصدر الصوت الوحيد الذي أثار مسامعها، لتراه أمام عينيها وبين ذراعي أبيهِ. ظلت محدقة نحوه هكذا، دون أن تُحيد ببصرها عنه، حتى بادر “حمزة” واقترب ليضعه في أحضانها قائلًا :
– روح لمامي يا زين.
بسطت ذراعيها إليها كي يضعه بينهما، فـ ضمتهُ لصدرها بلوعةٍ واشتياق، متماسكة لأقصى درجة، حتى لا تنهار أمامه ويخبُت ثباتها من جديد. قبّلت رأسه حتى اخترقت رائحتهِ حواسها، ثم مسحت على بشرتهِ وقد برزت ابتسامة حزينة وجهها. ترك “حمزة” هذا الصمت يسود بينهما، وهو يراقب حالتها التي تحسنت قليلًا بوجود “زين”، حتى قطعت هي هذه الحالة السائدة بطلبها :
– ممكن تسيبنا شويه؟.
لحظات من التردد وعدم الرغبة في آنٍ واحد، لا يريد تركها بمفردها بعدما عانى ويلات الوصول إليها؛ لكنه أحس بوجوب إرخاء الحبال قليلًا لكي تحظى بلحظاتٍ ساكنة مع “زين”. في النهاية وقف عن جلستهِ مستعدًا لتنفيذ طلبها وهو يردف بـ :
– أنا برا، هستناكي لما تخرجي براحتك.
ومضى نحو الباب ليخرج في هدوءٍ، ومع لحظة إغلاق الباب كانت تنفجرٍ ببكاءٍ مرير، جاهدت ليكون صامتًا غير مثير لمسامع أحد؛ ومع ذلك لم ينكتم صوتها نهائيًا، فصدر عنها حتى صوت البكاء المكتوم وأنفاسها المتحشرجة، ليسمعها “حمزة” من وراء الباب، فـ ينفطر قلبهِ حزنًا على حالها، عاجزة عن تقديم يد عونهِ ودعمه لها، بينما هي ترفض حتى وجوده في لحظات ضعفها التي تأبى أن تكشف عنها لأحد، بعدما اعتادت تصدير ملامح قوتها فقط، وإظهار شجاعتها الغير منتهية للجميع. ابتعد “حمزة” عن الباب تاركًا لها مساحة من الخصوصية، وخرج ليرى “نضال” واقفًا أمامه وذراعيهِ مكتفتان خلف ظهرهِ، فأشاح “حمزة” بوجهه عنه وسأل في حزمٍ :
– أنا عايز أشوف مصطفى زيّان.. ولو كان مش هنا عرفني هو فين وأروحله.
أرخى “نضال” ذراعيهِ لتكونان بجوارهِ، ثم أبدى اعتراضهٍ على تلك المواجهة الغير مناسبة بالنسبة لتوقيتها الحالي :
– مش وقته يا حمزة.. أحنا ناس جرحنا مفتوح ومش عايز أي تدوس على الجرح ده.
زجرهُ “حمزة” مستهجنًا تعبيرهِ الذي بدا له وكأنه مزحة سيئة، وتهكم عليه بسخريةٍ مقهورة ليذكرهُ بكمّ الخسائر التي وقعت عليه هو أولًا :
– جرح إيه اللي بتكلمني عنه!!.. محدش خسر قد اللي انا خسرته يا صاحب العمر، أوعى تجيبلي سيرة الخساير تاني.
لم يتوانى “نضال” في تذكيرهِ بمسببات هذه الرحلة الشاقة الطويلة التي خاضها الجميع، وأسفرت عن خسائر فادحة نالت من الكل :
– أبقى قول الكلام ده لأبوك مش لينا.. كل اللي دفعتوه وبتدفعوه كان تمن لحاجه غالية أوي سرقتوها مننا، والسنين عمرها ما طفت نار أبوك اللي بدأ وولعها فينا، وانت لسه لحد دلوقتي بتدافع عنه وتبررله! .
رماه بنظرات قاتمة حاقدة، غاضبة ومستنكرة، بعدما تكررت هذه الجمل لعشرات المرات على مسامعه :
– وأنا فــين ؟؟.. دخلتوني في الحدوتة بتاعتكم ليه من الأول؟.
برر “نضال” تصرفهم الذي حمل بعضًا من الأنانية :
– عشان انت كنت المدخل الوحيد.. انت كنت نقطة الضعف اللي سهلت علينا كتير.
بدأ صوتهِ يحتد ونبرتهِ تزداد عتيًا وهو يصيح في وجهه :
– إحنا فضلنا ورا صلاح سنين عشان بس نوصل للثغرة اللي هتمكنا منه ملقيناش.. فكرك إنك كنت الحل السهل بالنسبالنا!؟، انت كنت أصعب مرحلة وآخر حل لجأنا ليه عشان ناخد حقنا.. أهلي وأهل سُلاف وأهل عِبيد، و١٠٠ أسرة فككها أبوك يوم ما حرق المصنع باللي فيه، الظالم مش هيدوق غير نتيجة ظلمه يا حمزة.
وأضاف بلهجة محذرة وأشد تأثيرًا :
– أوعى تلومنا على النتيجة قبل ما تبص على السبب، أوعى تشوف رد الفعل وتنسى تشوف الفعل يا حمزة.
رمقهُ بعينان تفيضان بالكراهيه والغضب، لو كان الأمر بيده لأزهق روحهِ مقابل أن يخمد ذلك السعير المتشع في بواطنه، أو يبتر منه أجزاءًا أجزاءًا إلى تجد روحه السبيل للراحة من كل هذا العناء المستبيح لنفسهِ؛ لكنه وجد في شخصيته جانبًا كان متخفيًا عنه، ولم يسمح له تهورهِ المتكرر بالظهور من قبل، إنه أحيانًا يهزم غضبهِ ويسكنه بداخل بؤرة مظلمة في نفسه، ويقدر على ذلك التحدي ببراعةٍ وكأنه نهجهُ. تماسك “حمزة” لأقصى درجة رغم كل المشاعر السلبية التي نمت تجاه “راغب”، ودارت عيناه يمينًا ويسارًا حتى وقعت على ذلك الباب الموارب، فـ اندفع بخطواتهِ السريعة نحوه ليقتحم الغرفة وكأن حدسه أنبئه إنها الغرفة المنشودة، ليجد “مصطفى” بالفعل داخلها، ولم يفيد لحاق “نضال” به بشئ، فقد بات بداخل الغرفة فعليًا، لا يفصل بينه وبين “مصطفى” سوى عدة سنتميرات. هدر فيه “نضال” وقد ارتفعت حميتهِ :
– مبقاش ناقص غير اقتحام البيوت وأديك عملتها.. عايز إيه تاني يا حمزة؟؟؟.
فأجاب الأخير بكل هدوء :
– عايزك تخرج برا عشان أكلم كلمتين ميخصكش فيهم حاجه.. وده بالزوء بدل ما ييجي بشكل تاني.
لحظات كان مصوبًا فيها “نضال” كل نظراتهِ المحتقنة عليه، مدركًا وبشكل صريح إنه لن يقوَ على صدّه ما دام أراد شيئًا، وكل ما سيقوم به مجرد محاولات عابثة لن تفيد كلاهما. وقف “نضال” بالخارج بينما أغلق “حمزة” الباب من الداخل وعاد يلتفت لتلك المواجهة التي تأخرت كثيرًا. ارتكزت حواسه مع حالة “مصطفى” المثيرة للشفقة حرفيًا. كان يجلس في مقابلة فراش “راغب”، على الفراش ملابسهِ التي مات فيها، حقيبة ملابس الرياضة خاصته، آخر منشفة جفف بها عرقهِ، آخر زجاجة مياة تجرع منها، وحتى كبسولات البروتين المقوية التي يتناولها ممارسو الرياضات العنيفة. لا يكذب إن اعترف أن قلبهِ انخلع من موضعه، وانقبض انقباضةٍ متحسرة وسط هذه الأجواء الحزينة، إن كان هذا حاله فما بالك بحال الأب الذي أفنى عمره يبحث عن حق أخيه، وعندما حصل عليه وجد ولده الوحيد قد أصبح في عداد الموتى!، حسرة لا يمكن وصفها بمئات الكلمات. نظر “حمزة” حيث ينظر “مصطفى”، كانت عيناه على صورة “راغب” الموضوعة على الكومود، لا تفارق أنظاره لوهله، تائهًا في عالم آخر لا يشعر به إلاه، فـ استرقه “حمزة” من أوّج هذه الحالة قائلًا :
– أنت مش بس خدت أهلي.. أنت خدت صاحب عمري!.
جلس “حمزة” على طرف الفراش متحسسًا ملاءتهِ بأصابعه وهو يتابع :
– مش هتصدقني لو قلتلك حاسس نفس أحساسك!.. راغب كان أقرب حد ليا.
أخيرًا خرج “مصطفى” عن صمتهِ، بعدما مسّت العبارة الأخيرة حميتهِ ونيران فقدهِ :
– عمرك ما هتوصل لأحساسي.. أنا خسرت عيالي الأتنين، أنا عيشت عمري كله بدور على الحق وحتى لما طولتهُ دفعت تمنه من تاني، كأن الدنيا مش رايدة أخرج منها كسبان.
أدار “مصطفى” مقعده المتحرك بإتجاه “حمزة”، حتى تبين له عيناه الحمراوتين وبشرته الشاحبة، تجاعيد العجز والحزن التي تضاعفت آثارها على جلدهِ، وذلك الشيب الذي غطى كل ذقنهِ. أسبل “حمزة” جفونهِ لئلا تظهر في عيناه لمعة الشفقة الجليّة فيهم، في حين كان “مصطفى” يسترسل كلماته المتأثرة :
– متكلمش عن الأحساس وانت مشوفتش أخوك بيولع قدامك.. بيصرخ ويقولك أنجدني وانت مش قادر تنقذه، يموت هو مراته قدام عينك قبل ما يفرح بذريته اللي استناها سبع سنين، وأكتر من ٥٠ عامل يروحوا في غمضة عين وانت اللي كنت مسؤول عنهم وعن أمانهم، وتخسر صحتك ورجلك عشان تعيش بقيت عمرك ماشي على عجل.. خسارة إيه اللي بتكلمني عنها!.. أنا ابني مات على سريره من القهرة على أختك اللي خدت قلبه معاها ومشيت.
قالها والدمعة تتسرب على جلدهِ مش شدة حرارتها تكاد تحرقه، وهو يتابع في لوعةٍ مكلومة :
– انتوا سبب كل المصايب اللي حلّت علينا.. إنما احنا سببنالكم إيه؟؟.. كل اللي حصلكم كان من جنس عملكم، أختك اللي أبوها رماها في جوازة حكمتها المصلحة، ولا الست الوالدة اللي أبوك سابها على فراش الموت لحد ما السر الإلهي طلع، ولا يمكن عايز تلوم عليا عشان وقعت أبوك لما قتل بأيده وسيبته يتمسك هنامتلبس. أنهي خسارة اللي بتكلمني عنها يا متر؟؟.. ولا يمكن تقصد ابنك اللي كنت رافضه
الإعتراف بيه وأتولد على إيد بنتي وعاش في بيتي متعزز متكرم لحد ما قررت تاخده من تاني.. أنتوا عليكوا لسه ديون كتير أوي أوي لينا يابن القرشي، لو فضلت أعدها من هنا لبكرة مش هتخلص.
أولاه “مصطفى” ظهرهِ من جديد، حتى أصبح في مواجهة ذلك الإطار الخشبي الذي يحمل صورة فقيدهِ الغالي. لم يدخر “مصطفى” أيًا من وسعهِ من أجل طيّ هذه الصفحات بالكامل، من أجل أن لا تلتفت “سُلاف” لهذه العلاقة من جديد، أو تتشبث بأمل استرداد الصغير مرة أخرى، فـ بتر خيط الأمنيات الذي أتى به “حمزة” وأعلنها بوضوح :
– اللي انت عايزه مش في البيت دا يا حمزة.. خلاص مبقاش في حاجه ليك هنا، سُلاف عمرها ما كانت ولا هتكون ليك، طلقها وروح لحال سبيلك وكفايه اللي ضاع من عمرها.. خد أبنك وأمشي من حياتها.
أحس “حمزة” بوخزة اخترقت صدرهِ وكأنها سكين مغروز فيه، سحب بعدها شهيقًا بصعوبة بالغة وهو يفصح عن خبايا قلبهِ لأول مرة دون أن يطمرها :
– مقدرش.. حاولت معرفتش.
لم يخفي ضعفهِ الشديد حيال ما يخص مشاعره لها، وبدون أن يستحي كان يسترسل في حديثه الصريح :
– إحنا الأتنين خسرنا كتير في الطريق ده.. سيبنا نجرب نشفي بعض.. أنا عايزها و…..
قاطعه “مصطفى” بحزمٍ رافضًا أي مجال للمناقشة حول الأمر :
– مستحيل يحصل.. احنا بينا دم يا بني، واللي راح عمره ما بيرجع تاني.
تشنجت عضلاتهِ كافة، وهو يندفع بالنهوض عن جلستهِ، وصوت صياحه بات مسموعًا لكل من في المنزل بعدما خرج عن طورهِ تمامًا :
– أنا مفيش بيني وبينـكم حـاجه، والطريق اللي انت اخترت تمشيه عشان تنتقم مش طريقي، ليه عايز تكمل علينا بعد كل اللي حصل؟.
تشدد “مصطفى” في رأيه وهو يهدر بصوتهِ الجهوري :
– بنتي عمرها ما هترضى بيـك يا حـمزة.. كل ما تشوفك هتشوف عجزها ونقصها، انتـوا مش لـبعض، سمعتني!!.. مش لبـعض.
حرفيًا استنزف “مصطفى” كل طاقتهِ، والحقيقة إنه لم يكن لديه سوى شعره رفيعة للغاية وقد قطعت الآن، فلم يشعر “حمزة” بنفسه إلا وهو في تحدٍ جديد :
– هترضـى بس انت أبعد عن حياتنا.. سيبها تختار مرة واحدة من غيرك ضغطك عليها، ياأما تعمل كده بالحسنى.. ياأما هاخدها بالعافية وأعلى ما في خيلكم أركـبوه كلكـم.
خفت صوتهِ بعد هذا الصياح الذي صاح به، وإذ به يخضع لقلبه الذي أعترف وأخيـرًا :
– أنا بـحـبهـا، أيوة أنا بحب سُلاف …
************************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى