روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وسبعة 107 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وسبعة 107 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وسبعة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وسبعة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وسبعة

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وسبعة :-
الجُـزء الثـانـي.
“وإنه لوعد الحق.”
____________________________________
خرج من أعتاب غرفته مجرورًا بخيبة الأمل، دونما الحصول على كلمة واحدة تزرع النور في ظُلمات صدرهِ، خرج وعيناه تبحثان عن طوق النجاة، وسط أمواجٍ عاتية تغلبت على قدرتهِ العالية في السباحة. تقدمت خطواتهِ حتى خرج من الردهه، فـ واجه وجود “عٍبيد” بوجهٍ مكفهر وملامح عابسة، يرميه بنظرات ذات مغزى قوي، مستنكرًا وجوده هنا الآن، حتى إنه أفشى عن مكنونات نفسه بسؤاله الحازم :
– بتعمل إيه هنا؟؟.. لسه ليك حاجه مخدتهاش؟.
تدخل “نضال” ليقطع دابر المشكلة قبل أن تنفجر بينهما :
– مفيش حاجه يا عِبيد حمزة كان بيعمل الواجب وهيمشي على طول.
صوت مقبض الباب الذي انفتح شتت الجميع عن متابعة الحديث، حيث التفت “حمزة” لرؤيتها وهي تخرج من غرفتها حاملة الصغير في أحضانها، فـ أصابت صدرهِ بوخزة وهو يطالع حال الحزن الذي طغى عليها، رغم كل محاولتها المُضنية لتبدو أكثر قوة إلا إنها لم تنجح هذه المرة. دنت منه وهي في أهبة الإستعداد لتسليمه “زين”، قائلة بصوتها الجاد :
– شكـرًا.
لحظات من الصمت وهو يرنو إليها، مُفتشًا في خبايا نفسه عن مدخل يناسب الكلمات الواقفة على حافة لسانهِ؛ لكنه وسط هذا الجمع من المتواجدين بينهم لا يستطيع التفوه بكلمة، فـ احتفظ بكل ما يريد إلى وقت غير معلوم، وحتى تبرد نار الفقد المشتعلة في كل أنحاءها:
– على إيه!.
نظر في ساعة يدهِ ثم أقام ظهرهِ بإستقامة شامخة وهو يقول :
– أنا هسيبه معاكي عشان عندي مشوار مهم، هخلص وأكلمك عشان آجي أخده.
لثانيتين كانت تحس صدرها قد اتسع ليستقبل الهواء من جديد، گبارقة أملٍ أنارت طريقٍ مُعتم لا حياة فيه، أو گأول قطرة ماء بللت أرض غرقت في البور. وبدون تردد كانت تضم ذراعيها على “زين” وهي ترد بـ :
– ماشي.
ألقى عليها نظرة أخيرة وهو يبتعد خطوة للخلف دون سلام، گالذي أراد ترك اللقاء مفتوحًا دون وداع، وسار بخطوات متسرعة متجاهلًا حتى النظر لـ “نضال” و “عِبيد”، فـ سار “نضال” من خلفه بينما بقى “عِبيد” واقفًا في مكانهِ ينظر نحوها بشئ من الإستهجان وهو يقول :
– هي الصفحة دي مش عايزة تتقفل خالص؟!.
تنهدت “سُلاف” دون أي رد، وانسحبت من أمامه لتختلي بنفسها مجددًا، غير راغبة في أي احتكاك بالبشر أجمع، فقد نفذت كل طاقتها ولم يعد هناك المزيد لتستنزفه.
*************************************
كانت أحشاءهِ تتمزق من شدة الألم، يتلوى متوجعًا من آثار الحُمة التي أمسكت في جسدهِ گالنار في الهشيم، وقد تفشّت في أنحاء جسدهِ أعراض مخيفة تُنذر بنتائجٍ غير محمودة. سحب “صلاح” أنفاسهِ بصعوبة بالغة حينما كان المسعفين ينقلونه لمشفى السجن، وكأن روحهِ تنسحب من بين ضلوعهِ ببطءٍ موجع، وحينئذٍ كان يُتمتم بكلماتٍ راجية :
– ابني.. هاتولي ابني، كلموا ابني ييجي.. حمزة.
رفعه المسعفين إلى سيارة الإسعاف عندما كان مأمور السجن يعطي الأوامر بالتواصل السريع مع ولدهِ لضرورة الحضور :
– خلينا نتواصل مع ابنه.
– تمام يا فندم.
أُغلق باب السيارة وبدأت تتقدم للأمام بعدما دوى صوت صافرتها في الأرجاء المحيطة، وما كان مدويًا أكثر من الصافرة هو صوت “صلاح” المستغيث داخل السيارة، وكأنه رأى ملاك الموت يحوم فوق رأسه، منتظرًا استئصال روحهِ من جذورها. كان في حالة هيستيرية ما بين الوجع المميت والذعر الشديد، الوجع الذي كان يلتهم من طاقته شبه المعدمة، والذعر الذي التبسهُ من مجرد فكرة الموت الآن.
************************************
كان في طريقه إليه، حينما باغته تلك المكالمة لإخباره بالتطور المفاجئ والغير مبشر في حالة والدهِ، والذي أدى لسرعة نقله للمشفى قبيل تفاقم الأوضاع. كان يسير إليه في سرعةٍ بعدما اضطربت جميع حواسه، لم يلبث التخلص من أثر مواجهات اليوم حتى تنشط الأحداث من جديد، مُعلنة تحديات أخرى وكأنه مسلسل من التوتر لا ينتهي. تأفف “زيدان” مضجرًا وهو ينظر عبر النافذة وعلّق برأيه :
– مش مصدق اللي بيحصل ياجدعان.. إحنا في آخر الزمان والله!.. الأتنين كانوا بيلعبوا عليك محدش فيهم طلع سالك!.
نفخ “حمزة” في اختناقٍ وقد أصرف عن عقله التفكير في أمر خيانة “نضال” -على الأقل حاليًا-:
– مش وقته يا زيدان.. أنا رايح المستشفى لأبويا لو مش واخد بالك.
حمحم “زيدان” في حرجٍ وهو يقول :
– لأ متقلقش كله هيعدي ياباشا والله.. البيه الكبير بس مش واخد على البورش ولامؤاخذة يعني، بس متقلقش عليه هو برضو عصب وناشف.
انفجر “حمزة” بصياحهِ الهادر فجأة كي يُخرس صوته المزعج ولو بضعة لحظات :
– بـس أسـكـت شـويه بدل ما أنزلك هـنا..
كتم “زيدان” حتى أنفاسهِ المعترضة، ونظر أمامه في صمتٍ طوال الطريق حتى وصل “حمزة” بالفعل، ثم بدأ في استخدام علاقاتهِ للدخول الآمن والسريع دون الحاجه لأجراءات روتينية طويلة ومملة، حتى نجح في الوصول للرعاية المركزة التي احتجزوه فيها، ومع لحظة دخوله كان “صلاح” بالفعل في أوّج مراحل الخلاص، كأنها سكرات الموت التي تنهش فيه بلا هوادةٍ. ركض “حمزة” نحو الفراش وقد سقط قلبهِ من بين أضلعهِ، ليرى ذلك الشحوب المرعب على بشرتهِ، وشفتاه التي اتخذت لون يميل للزُرقة القاتمة، وحتى صوت أنفاسهِ المتحشرجة بداخل صدره.. كل شئ يُنذر بشئ واحد يرفض “حمزة” تصديقه أو تقبله وسط الأوضاع الراهنة التي تحيط به من كل إتجاه. تهدجت أنفاس “حمزة” وهو ينظر حيال المسعف يسأله في قلقٍ مرتعد :
– في إيه اللي حصل؟؟.
ذمّ المسعف شفتيه بأسفٍ وهو يفسر له في عجالة:
– حالة تسمم مشتبه فيها، العينة بتقول إنه اتعرض لكمية مش قليلة من المركبات المتداخلة، مجموعة سموم ضعيفة المستوى لكن لما اتجمعت في مصدر واحد أصبحت النتيجة زي ما حضرتك شايف.. إحنا علقنا المصل المضاد بس مش هقدر أوعدك بنتيجة معينة دلوقتي.
كانت عينا “صلاح” على ولدهِ مرتكزة، لكنها گالتائه الذي يبحث عن شئ ما. انحنى عليه “حمزة” يسأله في اضطراب وخوف شديدين :
– السموم دي دخلتلك إزاي يابابا؟.. شاور قول أي حاجه.
تبين الصوت الضعيف في نبرته وهو يلوح بأصابعه المرتجفة :
– قتلـ…. لوني.. عايز يـ…. آ… يموتنـ.. ـي.. آآ… ه
تحفزت حواس “حمزة” بعدما التقطت مسامعه تلك الكلمات، وسأله بصوت لم يخلو من الإندفاع الحازم :
– مـين؟؟؟ مين عملها؟؟.
اتسعت عينا “صلاح” بشدةٍ وكأنهما على حافة الخروج من محجريهما، وتشنجت عضلات جسدهِ بقوةٍ مخيفة دفعت المسعف لضرورة طلب النجدة من الخارج للتدخل في الحال :
– حد ينادي دكتور حـسن بسرعة.. يا nurse..
تشبثت أصابع “صلاح” في ذراع ولده المائل عليه، فـ انتفض “حمزة” مرتعبًا وهو يرى والده هكذا، گالذي يخطو نحو هاوية الموت رغمًا عنه بدون أي طواعية :
– هـ…. ـات حـ ـق أبـ….آ…. وك، مـوتوني يا حـ……
ضغط “حمزة” على كتفه كي يعاود الإرتخاء من جديد، فكانت الإستجابة من “صلاح” صفرية، بل إنه وجد جسدهِ جامدًا متخشبًا لا يقوى هو على السيطرة عليه، في حين كان “صلاح” يتابع إصراره المستميت على إيصال المعلومة كاملة لولده من أجل أن يقتص له :
– حـ…. حاتـ… تـ… ـم.. قتـ.. آ… لنـي.
جحظت عينا “حمزة” وهو يرى انطفاءه عين والدهِ المفاجئة، وتعابير الذعر المتفشية على وجهه للحظات وكأنه يرى وحشًا أمامه. ارتجف “حمزة” بين يدي والده بعجزٍ، كأنه تصلب في مكانه دونما استطاعة الحراك لخطوة واحدة، يرى ويعيش احتضاره حرفيًا، وحتى صوت الإستغاثات لا تخرج من فاهه، بعدما حُشر عقله الباطن والحي وكل مداركه مع هذه النظرات الأخيرة والمخيفة، قبل أن تعلن الأجهزة المحيطة عن الإنخفاض التدريجي للمؤشرات الحيوية، ومن ثم استقر الشريط الأخضر لإعلان موتهِ الحقيقي إعلانـًا صريـحًـا واضـحًـا…
*********************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى