روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وسبع عشرة 117 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وسبع عشرة 117 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وسبع عشرة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وسبع عشرة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وسبعة عشر

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وسبعة عشر :-
الجُـزء الثـانـي.
“إن أردت شيئًا بشدة، عليك إطلاق سراحهِ.. إن عاد فهو ملكك؛ وإن لم يَعُد فلم يكن لك يومًا.”
____________________________________
كان سابحًا في نومٍ عميق مُغري، آمن مطمئن، بعد ليالٍ قاسية قضاها في لوعة الحيرة، وسياط الندم تجلده كل جلدة أعتى من سابقتها، لأنه وثق لهذا الحد فـ تجرأت على خداعهِ. تمتع “زين” أيضًا بحصة وفيرة من النوم على غير عادته في هذه الساعة، وكأنه استشعر وجود والدهِ واستسلم للأمان الدافئ في أحضانهِ، بل أن “حمزة” كان هو الأكثر افتقادًا لهذا الأمان أكثر من طفلهِ الرضيع.. گالذي وجد أخيرًا ملاذهِ وملجأه. تطلعت إليهم “سُلاف” وقد بدأ “زين” يتشبه بوالدهِ بعض شئ، أخذ بعضًا من ملامح “حمزة” بشكل غير واضح إلا في حال التركيز – كما فعلت هي -. راقبتهم لمدة طويلة لا تعلم كم كانت، كانت عاجزة فيها عن برح مكانها والذهاب لآخر. نهضت عن مكانها واقتربت لتؤكد على وضعية الغطاء الذي انكشف عنهم بعض الشئ، فـ انتفض “حمزة” فجأة وكأن الخوف من غدرها قد بات مؤنسًا له. وضعت يدها على كتفهِ تُهدئه قائلة :
– أهدى يا حمزة متخافش.. أنا بعدل البطانية بس.
عادت عضلاتهِ تسترخي مرة أخرى وقد تبينت حُمرة عيناه بشكل واضح، لم يُحيد بصرهِ عنها وهو يقذف بعتابهِ الغير مباشر في وجهها :
– متخافش!!.. المرة اللي وثقت فيكي بجد هربتي مني وخدتي زين معاكي!.
أحست ببادرة تأنيب ضمير تنخر في ضلوعها، لا سيما بعد استقباله الحارّ جدًا لرؤيتها، وكيف تعلّق بالصغير وضمهُ إليه حتى غفى بين ذراعيه ونام هو أيضًا بجواره. فرّت من حصار نظراتهِ المطاردة لها بمغادرة الغرفة؛ لكن فرارها لم يدُم طويلًا، حيث لحق بها وقطع عليها الطريق ليسألها :
-ليه عملتي كده؟
لم يطول صمتها سوى ثلاث ثوانِ، ثم أجابته :
– عايزة أكون لوحدي.
– بس انا مبقتش أقدر أسيبك.
نطق بها ويداه تُلثم ذراعيها وتجذب بها لقُربهِ، فأطرقت رأسها قليلًا، ومازال عقلها مسيطرًا حتى على رغباتها الدفينة :
– احنا اتكلمنا و….
– نتكلم تاني.
– مفيش كلام جديد.
– بس انا مش هيأس ولا هتنازل عنك.
– وانا مش عايزاك.
– انتي كذابـة يا سُلاف.. انتي كل حتة فيكي عايزاني، أنا حاسس بكل حاجه حتى بأنفاسك دلوقتي.
لاحق الحوار بعضه بعضًا دون السماح للصمت بالدخول بينهم، وفي نهايتهِ كان وجهه يقترب بشدة منها حتى أحس اضطراب أنفاسها بالفعل، گالتي تكتمهن خشية إظهار ربكتها الواضحة للعيان؛ لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في ذلك، فقد فضح أمرها كاملًا منذ اللحظة التي تركت فيها العنان، وقابلت عناقهِ بالترحاب، گمن يروي عطش سنين عِجاف. وضع جبهتهِ على رأسها مستندًا عليها وأطبق جفونهِ وهو يسألها بخفوتٍ مؤثر :
– مش كفاية كده ياسُلاف؟.. انا وانتي أكتر اتنين خسرنا في كل اللي حصل.. مش من مصلحتنا نخسر تاني.
أصغت إليه بكامل مداركها، مستكينة، هادئة، دون إصدار أية ردود فعل سوى الصمت الخانع. أبعد رأسه قليلًا، وسارت أصابعهِ تتحسس أسيل جلدها وهو يتابع بصدقٍ نبع من بواطنهِ :
– أنا عارف إن خسارتك كبيرة ومتتعوضش، بس هتستفيدي إيه لما تبعدي عني وعن زين!؟.. مش انتي الأولى تكوني أم حقيقية ليه؟.
فتحت عيناها لتنظر إليه، وكأنها أحست في كلماتهِ تلميحًا غير صريح، أيعقل أن يكون قد علم بمصابها؟؟. سرت رجفة عتيّة بأطرافها جعلتها تنتبه، وازداد فضولها للتأكد من شكوكها، فـ وضعت بين يديه تصريحًا خطيرًا لتختبر معلوماتهِ :
– بس أنا منفعكش ولا أنفع غيرك.. في حاجـ…..
لم تختم عبارتها وكان هو يقاطعها قائلًا :
– لأ تنفعيني، أنا راضي بيكي زي ماانتي ومش عايز حاجه تاني.
تلك اللمعة في عينيها أشعرتهُ ببعض الريبة، گأنه فهم تحديدًا إلى ما ترمي إليه، فهم إنها كشفت علمهِ بسرّها العظيم، فأراد أن يحظى بمزيد من ثقتها فيه، لذلك أباح بما يكنّه بين ثنايات نفسه بكل وضوح :
– أنا عرفت كل حاجه.. واللي حصل ده كان إرادة ربنا يعني ملكيش ذنب فيه.
شعورها بشفقتهِ عليها يذبحها، يصيبها في مقتل، رفض ذلك الجزء الأبيّ بداخلها أن يشفق عليها. دفعت يديهِ اللاتي تمسك بها، وتراجعت للخلف خطوات وهي ترفضه للمرة المائة على التوالي :
– إياك تشفق عليا ياحمزة، مش محتاجة شفقتك.. وياريت تمشي من هنا دلوقتي ولو عايز تاخد ابنك كمان تقدر تاخده.
لحظة واحدة فرقت بين ختام حديثها وبين مغادرتها، أما هو فلم يبرح مكانهِ، كان يعلم منذ البداية إنها ستكون صعبة المنال، ولن ينسج معها عهدًا منسوجُا بأغصان الزيتون في سهولة ويسر!.. وإنما ستكون هي أكبر عرقلة تقابله في حياتهِ، لذلك لم يتفاجأ أو حتى يسأم، وعاد إدراجهِ لينضم إلى صغيرهِ الذي لم يفيق بعد، علّها تهدأ وتعود منضمة إليهم، بعدما تكون قد أخذت فرصتها كاملة في التفكير.
*************************************
استمع “مصطفى” لصوت الأقدام الراكضة على الدرج، فـ أيقن أو الخبر اليقين في طريقهِ إليه. تحفزت حواسهِ، وتعلقت عيناه بالباب وفي قلبهِ لهفةٍ متمنية سماع الخير عنها، حتى رأى “نضال” أمامه، فـ سأله بعجالة :
– طمني بسرعة عملت إيه؟؟.
كان يتنفس بصعوبة، بعدما صعد الدرج راكضًا في حماسةٍ شديدة :
– كان عندك حق، حمزة قدر يوصلها قبلنا.
لم ينشغل “مصطفى” بهذا الأمر وسأل عن الأهم منه :
– مش مهم مين اللي وصل.. المهم بعتنا حد وراه وعرفنا هي فين ولا لأ؟.
أومأ “نضال” رأسه بالإيجاب :
– آه ،أنا هسافرلها حالًا.. بس جيت آخد شنطة صغيرة ليا عشان لو اضطريت أبات هناك.
– أول ما توصل هناك تكلمني يا نضال.. سامعني؟.
– حاضر.
قالها وهو يدخل بعجالةٍ خطواتهِ تسابق بعضها البعض، من أجل ألا يخسر مزيد من الوقت وهي بعيدة عنهم وقريبة منه هو. إنها محاولة بائسة، هو يعلم ذلك قبل أن يقدم على خطوة الذهاب إليها؛ لكنه أراد بذلك أن يرضي ضميره الذي يحمله جزء من مسؤولية ما يحدث، لأنه تغاضى حينما شعر بنبتة المشاعر تلك وهي تنمو، كذّب ظنونهِ واعتقدها لن تخضع لسلطان الهوى إن قرع بابها، وإنها الطرف الأقوى في هذه القصة وما عدا ذلك لا قيمة له أمام حقيقة ولاءها الغير منتهي للعائلة. كل ذلك تحطم مع أول نسمة حُب لمست شتاؤها البارد لتُذيب ثلوجهِ، وتحولت براعمها اليابسة لزهورٍ أينعت في بداية الربيع الدافئ.
الآن وقد أصبح يعلم كل هذا، لا يدري كيف ستكون مواجهتها!؟ وما هي التراكيب اللغوية التي قد تصف حجم الجحيم الذي يعيشه بمجرد فكرة أن تكون لرجل آخر غيره، وهو الذي طال حلمهِ بها وعاش على أماني اللقاء بعد وصول القطار لمحطتهِ الأخيرة في رحلة الثأر الأعمى!.
*************************************
منذ أن اعتكفت في غرفتها لم تخرج منها، حتى لم يثيرها الفضول للإطمئنان على “زين”، فهي تعلم إنه في أيدٍ أمينة. كان عليها أن تعتزل الجميع لبضعة سويعات، حتى تتمكن من ترميم هذا الشرخ الذي ولدت به ويحرّم عليها السعادة، إنه نقصها الذي تراه گأنه رجل أعور يعاني من تنمّر الجميع عليه. ظل الوضع هكذا حتى صباح اليوم التالي، لا هو يعلم شيئًا عنها، ولا هي تخرج من محبسها الذي اختبئت فيه من المواجهة، ومع أول مداعبة من ضوء الصباح كان يصحو من نومه الطويل مستشعرًا بحركة مفرطة من حولهِ، ففتح عيناه عن آخرها، والتفتت رأسه نحو المصدر ليرى “زين” وقد استيقظ وفي غمرة نشاطهِ. انبعجت شفتاه بإبتسامة سعيدة وهو يعتدل من نومتهِ، ثم انحنى عليه يداعب أنفهِ وهو يهمس :
– ده صباح الفل أوي يعني.. كل ده نوم!.
وضحك مسترسلًا في الحديث :
– طالع زي أبوك بتموت في النوم.
نظر بإتجاه الباب و هو يتابع :
– بس مامي مش زينا خالص.. شكلها صاحية من الصبح.
نهض عن الفراش وحملهُ بين ذراعيهِ مغادرًا الغرفة، فـ ترآى له باب غرفتها مفتوحًا على مصرعيهِ، تقدم منه معتقدًا إنها بالداخل؛ لكن رؤية “أم علي” وهي تنظف المكان أخبره بإنها قد خرجت منذ البكور. زفر “حمزة” في ضيق وهو يسألها :
– سُلاف فين؟.
انتصبت “أم علي” في وقفتها وهي تجيبه :
– معرفش.. أنا جيت بعد ما كلمتني وهي نزلت على طول.
ناولها “حمزة” الطفل وهو يزيد من التنبيه عليها +
– خلي بالك منه.. خليه ياخد دش وغيري هدومه عقبال ما أخلص لبس.
ضمته “أم علي” إلى أحضانها وقد بدأ الصغير في البكاء فور ابتعادهِ عن حُضن أبيه؛ وكأنه تعلق بدفئهِ ورائحتهِ وعرف بهويتهِ. حاولت “أم علي” قدر استطاعتها أن تسيطر عليه شيئًا فشيئًا، في حين كان أبيهِ يبحث عنها وإلى أي طريق خرجت مبكرًا. نزع عنه ملابس النوم وهو يُجري مكالمة عبر السماعة اللاسلكية المرتبطة بالهاتف، حتى جاءهُ الرد :
– أيوة .. هو البيه اللي جاي يتفسح راح فين؟
كان مُحاطًا بصوت زِحام وأطفال تلهو وضحكات عالية، فسأله مرتابًا :
– انت قاعد على البحر يازيدان؟.
ترك “زيدان” شطيرتهِ جانبًا وهو يجيب بنبرة غريبة بعدما انحشر الطعام بين فكيهِ :
– مش بالظبط يا أبو البشوات، أنا بس بشم الهواء العليل أنا والعيال وأمهم.
فـ صاح فيه “حمزة” مهتاجًا :
– انت جـاي تـهـزر يابني آدم !؟.
تنحنح “زيدان” بعدما ارتشف رشفة من الشاي وأجاب :
– لأ طبعًا ياباشا بس إن لعيالك عليك حق برضو.. عمومًا أنا هبرد نارك وأقولك على مكان الهانم قبل حتى ما تسألني عنها.
استطاع “زيدان” خلال لحظة واحدة أن يُخمد هياجهِ الذي بدأ للتو، وشغل باله بالأمر الأهم الذي تواصل معه من أجله :
– انت شوفتها لما خرجت؟.
قضم “زيدان” لقيمة من الشطيرة قبل أن يستأنف تفسيراتهِ المهدئة :
– لأ، بس الراجل بتاعي قطرها (راقبها) لما خرجت من الصبحية.. هتلاقيها في دار الأيتام روحناها قبل كده، من الصبح وهي آ…..
لم يكمل “زيدان” حديثه ووجد الهاتف ينغلق فجأة، فنظر لشاشتهِ متيقنًا إنها فعلة مقصودة منه، وقابل ذلك بفتور شديد :
– أحسن برضو..
رفع “زيدان” أنظارهِ نحو طفليه اللذان يتعاركان سويًا وهدر فيهما :
– بس ياواد منك له.. مش كل حته نروحلها تفضحوني الله يفضحكوا.
كانت لحظات قصيرة، فصلت بين إنهاء “حمزة” للمكالمة وبين ارتداء ثيابهِ والخروج على الفور، وفي أقصر وقت كان قد وصل إلى هناك. سيارتها مصفوفة أمام الدار، والبوابة مفتوحة في ساعات الزيارة اليومية. ترجل “حمزة” عن سيارتهِ التي صفّها جانبًا، وانتقل نحو البوابة الرئيسية ليقف أمام الحرس :
– أنا مُتبرع وعايز أقابل مديرة المكان.
اصطحبه الحارس حيث المبنى الإداري للدار، وبالفعل تركه لدى مسؤولة الإستقبال كي تتولى هي مهمة تسهيل دخولهِ لمسؤول الدار، من أجل تقديم المساعدات كما صرّح منذ قليل.
*في الجانب الآخر*
حيث المكان المخصص لتجهيز الوجبات والمأكولات، كانت “سُلاف” تتفحص كل شئ يتعلق بتقديم الطعام للأيتام بالدار، وتسبب بعض القصور في إثارة بالغ حنقها وانزعاجها، فوجهّت أصابع الإتهام نحو المسؤولة عن القسم لتُدينها :
– من أمتى واحنا بنستنى تبرعات الناس عشان الولاد ياكلوا كويس يا مدام صفاء؟.
أطرقت “صفاء” رأسها في ضيق وهي تبرر :
– صدقيني أنا آ….
– ليـه مكلمتنيـش!.. كنت بعتلكم كل اللي محتاجينه فورًا؟!.
نظرت “سُلاف” للأواني المحيطة بها، والتي امتلأت بحبوب الأرز والقمح فقط دونما أي طعام آخر، ثم أملت عليهم أوامرها :
– حالًا تبعتوا حد يجيب كل النواقص، أكل وشرب يكفي شهر قدام.
تحركت “صفاء” من مكانها وهي تقول :
– حاضر.
نظرت “سُلاف” لساعة اليد خاصتها وهي تهمّ بالخروج، وفي طريقها نحو المديرة المسؤولة واجهت مقابلة غير متوقعة بالمرة، رأتهُ يسير برفقتها وعلى ما يبدو كان حديثًا شيقًا هذا الذي طغى بالكامل على مداركهم، حتى إنهم لم يروها واقفة هناك وتتابعهم بنظراتها، إلى أن اقتربوا منها للغاية حينما كانت المديرة المسؤولة تسيطر على ضحكتها وهي تقول :
– مش كنتي تقولي يا سُلاف إن جوزك جاي معاكي؟.. كنا عملنا الواجب.
ذمّت “سُلاف” على شفتيها وهي ترنو إليه في سخط :
– مرة تانية.
أشهرت المديرة ذلك الشيك النقدي أمام عيني “سُلاف” قائلة :
– وكمان أتبرع للمكان بمبلغ كبير جدًا.
ثم التفتت إليه لتُعيد شُكره :
– بجد شكرًا لحضرتك، وربنا يجازيك بالخير يارب.
قالها “حمزة” متمنيًا من كل قلبه :
– يارب.
– عن أذنكم.. هروح أورد الشيك للحسابات.
أفسح لها “حمزة” الطريق لتعبر من بينهم، في حين كانت عينا “سُلاف” متعلقة به، تلومه على لحاقهِ بها واستماتتهِ في الوصول إليها، ترجوه أن يقطع السبيل ويترك آماله التي علقها عليها، بينما كانت عيناه تلوذ لأحضانها، رافضة أي سبيل للهجر.
أخفضت “سُلاف” عيناها عنه، وتحركت للخروج من البناية الإدارية وهي تسأله :
– ليه عملت كده ياحمزة؟.
ثم توقفت ونظرت إليه متابعة :
– إنت عمرك ما كنت ملاك خير!.
كانت عيناه تفيض بالحُب وهو يُخبرها :
– بتعلم منك.. ولسه في حاجات كتير عايز اتعلمها منك.
خشيت من تأثير نظراتهِ التي تُحاصرها، من أن تسقط صريعة الإنهزام أمامه، فـ أشاحت بوجهها عن النظر إليه لترى ذلك المشهد الذي جمدّها أكثر. سيارة تابعة لأحد أشهر المطاعم في المحافظة تستعد لتوزيع الوجبات على العاملين والبعض الآخر يقدم الكميات الوفير للمسؤولين من أجل توزيعها على أطفال الدار، تطلعت للمشهد في ترقبٍ وقد فهمت بسهولة إنه الفاعل، وقبل أن تلقي بسؤالها عليه كان يجيب بشكل غير مناسب :
– على فكرة إحنا كمان لينا نصيب من الأكل ده.. أنا خرجت من البيت قبل ما أفطر بسببك.
بقدر ما بعث المشهد سعادة بداخلها غير مرئية، بقدر ما اتشع القلق أكثر في نفسها، وهي تحس حالها على وشك التصادم العنيف مع قلبها الذي بدأ يأخذ قرار جدِي حيال الأمر، والخوف الأكبر إنها لن تستطيع صدّ تلك الرغبة المُلحة التي تطاردها منذ فترة.
أخذت يده موضعها على كتفها، فـ أثار قشعريرتها بينما تستمع لصوتهِ وهو يقول :
– هناكل هنا ولا برا؟.. أنا معنديش مانع أقضي اليوم هنا معاكي.
– آ…..
لم تقوَ على استكمال جوابها، وقد وقع بصرها على رؤية طيف يشبه أحدًا تعرفه جيدًا، استدارت فرأته بالفعل. يقف “نضال” أمام البوابة وعيناه ترصدهم، يرى تقربهم الغير متوقع، وفي عيناه حسرة استطاعت “سُلاف” أن تقرأها بسهولة.
نظر “حمزة” حيث تنظر ، فكانت مفاجأة له هو أيضًا، جعلتهُ يتصلب في مكانه، حتى أحس بها تبتعد عنه تاركة ذراعهِ في الهواء، وتسير في اتجاهه مُقبلة عليه ببعض من السرعة. استقبلها “نضال” بترحابٍ وفير، متجاهلًا نظرات “حمزة” المصوبة عليهم تكاد تلتهمه، أشار إليها “نضال” حيث سيارتهِ المصفوفة فـ سارت في مقدمتهِ ومضى في أعقابها، تاركًا خلفه “حمزة” يتآكل من فرط الغيرة، الضيق، السخط.. مزيج من المشاعر السلبية حطت عليه دفعة واحدة، حتى تناسى تمامًا ما كان يعيشه قبل لحظات من الآن، وحلّت عليه لعنة الغضب من نفسهِ. هُنا كان قراره قد بدأ يأخذ مجراه، بعدما طرح ذهنهِ سؤالًا واحدًا راح ينخر في رأسه “لماذا يفعل كل ذلك لإثبات حُسن نيته لها؟.. لماذا يبرر نفسه لها بعدما قست عليه؟.. لماذا مازال يتأمل فيها وهي التي خدعتهُ؟.. لماذا كل هذا العناء معها وهي التي – لا تبالي به -؟!.
أخيرًا شعر بإهتزاز هاتفهِ في جيبه، فـ أخرجه ليجيب على صاحب المكالمة على الفور :
– أيوة يا زيدان.. جهز نفسك عشان هنرجع القاهرة.
هذا هو القرار الأصح من وجهة نظرهِ، أن يتركها تختار دون أن يتدخل، ودون أن يحتاج لكل هذا الضغط الذي يمارسه عليها وعلى نفسه حتى نسى من هو ومن يكون، نسى كينونتهِ.. عمله.. حياته.. طفله.. وتمحور تفكيره عليها هي فقط!. حان الوقت لكي يغادر هو، وإن كانت من نصيبهم اللقاء.. فـ ستـعـود….
************************************

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى