روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وثلاثة 103 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وثلاثة 103 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وثلاثة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وثلاثة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وثلاثة

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائة وثلاثة :-
الجُـزء الثـاني.
”حينما تترك خلفك نقطة ضعف معلومة؛كأنك فتحت باب للثغرة التي ستُستغل ضدك.“
_____________________________________
كانت من مرّاتهِ القليلة جدًا التي يتعلق فيها بأحضان والدهِ هكذا، حتى هو تشبث به كأنه وجد ضالتهِ بعد سنوات طويلة مرّت بدونهِ. أراح “مصطفى” أكتافهِ قليلًا بعدما هدأت ثورة أنفاسه المضطربة، وأبتعد قليلًا وهو يؤنبه قائلًا :
– ليه يابني تخضني عليك كده؟.. أول مرة تليفونك يتقفل كل الفترة دي عمرها ما حصلت!.
جلس “راغب” أمامه بوضع القرفصاء واضعًا كفيّه على فخذي والده مبررًا :
– معلش مخدتش بالي أبدًا إنه فصل.. متزعلش يابابا أنا كويس قدامك أهو، وبعدين إيه الضروري اللي خلاك تلح في الإتصال بيا انا وسُلاف؟.
لم يُفصح “مصطفى” عن شكوكه المتخوفة حول اختفائهم المفاجئ معًا، وتستر على مشاعرهِ لئلا يثير فيه نزعة القلق :
– ولا حاجه، أنا بس كنت مستنيك على الغدا ومش عايز آكل من غيرك.
هضم “راغب” ذلك المبرر الواهي دون أدنى تفكير، ووقف قائمًا ليقول :
– ماشي، هغير هدومي وآجيلك.
وقبل أن يوليه ظهرهِ كان “مصطفى” يتسائل :
– وسُلاف.. فين هي يا راغب؟
فأجابه بشفافية شديدة :
– في المكتب.. عندها شغل هتسهر عليه النهاردة.. سيبها تنشغل بالشغل يابابا بدل ما تقعد تفكر لوحدها، يمكن ده يخفف من شعور الوحدة اللي محاوطها اليومين دول.
أومأ “مصطفى” برأسه مؤيدًا رأيه :
– صح.. خليها على راحتها.
لكنها لم تكن راحة البتة.
لم تتناول “سُلاف” حتى قسط من الراحة، بل واصلت التفكير المؤذي والمؤلم بشأن صغيرها الذي اعتادت وجوده وارتبط به قلبها بكل صدق دون أي تزييف، العلاقة الوحيدة الصادقة والبريئة وسط كمّ هائل من المؤامرات. لم تهنأ “سُلاف” أبدًا، وجه “زين” في كل مكان، صوته نهنهاتهِ، حتى ضحكته الوديعة وبكاءهٍ، رائحتهِ، ملمسهِ.. كل شئ.
رفعت “سُلاف” عيناها عن الملف الموضوع بين يديها، ودفنت بقايا سيجارتها في المنفضة قبل أن يتعلق بصرها بالسقفية، بدأت حرارة جسدها ترتفع قليلًا، وكأن الأجواء المحيطة بها باتت أكثر سخونة، فـ نهضت لتنزع عنها تلك السُترة الخضراء الثقيلة لتجلس مرتدية كِنزة بيضاء خفيفة، جمعت شعرها ورفعتهُ عاليًا ثم عاودت الجلوس مرة أخرى. انبثقت شاشة مُضيئة من هاتفها، فـ نظرت إليه لتجد أسم “حمزة” ظاهرًا أمامها، تنهدت وهي تُصرف عيناها عن الهاتف بينما ينتشر الفضول بداخلها بسرعة مريبة يأكل من تجاهلها المصطنع، وظل هكذا يكرر اتصالاته المتوالية لثلاث مرات حتى سئم ولم يكررها في المرة الرابعة، ظنت إنه تراجع عن إلحاحه، نفذ صبره خلال أقل من ثلاثة دقائق، فـ علقت عيناها على الهاتف وكأنها تنتظر اتصاله التالي، وفي بواطنها رغبة جامحة في الرد لسماع ما يود قوله؛ لكنه لم يتصل مرة أخرى. خلال دقيقة واحدة انطفأت إضاءة الهاتف ثم انبثقت شاشة أخرى مُضيئة تعلن عن وصول رسالة جديدة، فـ اعتدلت في جلستها وحاولت قراءة الرسالة من الشاشة الخارجية، الأمر الذي جعلها تنتفض من جلستها وتنزع الهاتف فجأة من سلك الشاحن الكهربي، ثم بدأت هي الإتصال به وهي تتحرك في مكانها ذهابًا وإيابًا حتى أجابها، فسألته دون مقدمات :
– في إيـه؟؟.. مالـه زيـن إيه اللي حصـله؟!.
لحظات استمعت فيها لتفسيره، قبل أن تهمّ بتناول حقيبتها ومفاتيحها بعجالةٍ :
– خليك زي ماانت، أنا جاية حالًا.. لأ لأ جايه.
************************************
لم تنتبه حتى إنها تركت سيارتها مصفوفة صف ثانِ، تركتها مغلقة وأسرعت تهرول لداخل المشفى حيث قسم الطوارئ لتطمئن بنفسها على الصغير الذي توعّك فجأة، فوجدته على الفراش وبجوارهِ “حمزة” بينما الطبيب يفحص فمهِ. نهج صدرها وهي تتنفس بصعوبة متسائلة :
– في إيه يا حمزة إيه اللي حصل للولد؟.
اعتدل الطبيب في وقفته والتفت ينظر إليها بإستنكارٍ متسائل :
– انتي أم الولد ده؟.
توترت بعدما لمست في صوته حزمٍ يُرجف سامعيه:
– أيوة.
ابتعد الطبيب عن الفراش فسار “حمزة” من خلفه بينما وقفت “سُلاف” تُلبس الصغير باقي ثيابه :
– أنا شايف إهمال فظيع قانونًا ممكن تتحاسبي عليه انتي وأبوه.. يعني إيه طفل يفضل سخن ١٦ ساعة من غير أي وسيلة إسعافات أو حتى كمادات؟!.
جحظت عينا “سُلاف” غير مصدقة نتيجة أهماله للطفل والتي وصلت بهم لأعتاب المشفى في منتصف الليل، بينما تابع الطبيب تعنيفه لها :
– طبعًا شكلك ست بتشتغل وبترجع البيت آخر الليل وسايبة المسكين ده للدادة ولا المربية.. احنا بقينا في زمن مريب و…..
قطع عليه “حمزة” وصلة توبيخه الغير منتهية وقد تبدلت نبرتهِ القلقة لأخرى أكثر صرامة وجدية :
– ما خـلصنـا يا دكـتور.. أديت وظيفتك وخلاص هي ندوة وما صدقت جتلك الفرصة عشان تخطب فيها؟؟.. اكتب الروشته خلينا نمشي أنا مش ناقص كلامك ده!.
رمقهُ الطبيب بنظراتٍ مستهجنة قبل أن يخفض بصره لكتابة الوصفة الطبية، ثم تركها على سطح المكتب وهو ينظر للمساعدة قائلًا :
– فضيلي الطوارئ مش عايز حد يفضل هنا يا nurse.
كاد “حمزة” يفتعل مشكلة حقيقية في لحظة تهورٍ انتابتهُ، لولا صوت “سُلاف” الذي صدح في آذانه وهي تحمل الصغير لأحضانها:
– هات الروشتة ويلا بينا من هنا.. كفاية اللي حصل.
واستبقته للخارج بينما مضى هو من خلفها متعجلًا حتى خرجوا سويًا من باب المشفى الرئيسي، فـ انفجرت “سُلاف” في وجهه وقد بدا عليها شحوبًا باهتًا :
– فضلت مُصرّ الولد يكون معاك وآدي النتيجة.. عنادك كان هيجرنا لسكة هنخسر فيها احنا الاتنين.
فتح لها باب السيارة الأمامي لتستقر بمقعدها دونما التفوه بكلمة واحدة، فـ زجرتهُ بإستنكارٍ وهي تقول :
– أنا هركب عربيتي.
ونظرت للأمام كي تتفاجأ بعربات المرور قد حملت سيارتها بسبب اصطفافها في مكانٍ خاطئ، فعاودت النظر إليه كي تلقي عليه اللوم من جديد :
– إيــه رأيك في الليلة اللي مش فايتة دي؟ ؟.
فصرخ في وجهها آمرًا :
– ما تركـبـي وكـفايـة عـناد على الفاضي والمليان.. يـلا خلينا نمشي من هنا.
لولا الرضيع الذي اهتاج ببكاءٍ شديد بين ذراعيها ما كانت فكرت في ركوب سيارتهِ بتاتًا، ولكنها كانت مجبرة على مجاراتهِ مؤقتًا حتى تطمئن على الرضيع. صفق الباب والتفت حول السيارة بعدما تمكنت الحرارة المرتفعة من رأسه، وتحرك للإنصراف من هنا بمنتهى الصمت غير راغبًا في دخول معارك المناقشات الغير مجدية معها. بعد بضعة دقائق من ذلك السكوت المريب قطعت هي هذا الهدوء المزيف والمشحون بكثير من الغضب لتقول :
– أنا هاخد زين معايا ولما تحتاج تـ……
لم ينتظرها تختم عبارتها معلنًا رفضه الغير قابل للنقاش :
– لأ.. البيت فاضي ومستنيكي ترجعيله.. غير كده مش هسيب ابني برا البيت مهما حصل.
انفعلت “سُلاف” من جديد بعدما بدأت تستعيد بعضًا من توازنها العصبي لتهتف بـ :
– ابنك اللي بقاله ١٦ ساعة سخن من غير أي حد يتابعه!.
فألقى اللوم عليها بالكامل لينقذ نفسه من تأنيب الضمير الذي حاوطه بشكلٍ مريع :
– انتي اللي سيبتينا وفضلتي عيلتك الكريمة علينا.. كان أولى تفكري فيه بدل ما تكوني أنانية زيهم!.
توسعت عيناها بذهولٍ من تصوره لها بالأنانية :
– انت واحد مش هامه غير تحقيق اللي هو عايزه حتى لو كان ضد مصلحة ابنه الوحيد.. المهم تنتصر عليا وخلاص!.
كتم ابتسامة ساخرة وهو يتعمد جرحها :
– ده بعض مما عندكم ياأستاذة.. طالما انا وحش كده ما كنتي فضلتي مع ابنك واهو تنقذيه من ابوه الأناني.
في هذه اللحظة لم تدري تحديدًا هل تضحك أم تبكي، لقد اعترف ببنوة الطفل لها بين كلماته العفوية المتناثرة، أحست وكأنه ثلج بارد نزل ببرودتهِ فأثلج صدرها قليلًا، جعلها تتنفس ولو قليلًا، وتُجمد لسانها لبعض الوقت كي تحظى بالقليل من اللحظات مع صغيرها الذي افتقدته. ضمتهُ لصدرها تشم رائحتهِ، وطبعت بشفاها على رأسهِ ووجنته بشوقٍ جارف، فرأتهُ يبتسم لها وكأنه عرف من هي، تعرف عليها بسهولة شديدة، فهي التي راعتهُ لشهورٍ مديدة وأغدقت عليه بعطفها الحاني، وباتت والدتهِ فعليًا دون أن تشعر إنه خلّدها في ذاكرتهِ الصغيرة. تنحّت عينا “حمزة” عن الطريق قليلًا لينظر إليهما، فرأى تلك العلاقة الفريدة بينهما، وقد تخلّى “زين” عن بكاءه وتذمره وعاد إليه هدوءهِ واستقراره، الأمر الذي جعله يتعجب لصلابة العلاقة بينهما. عاد ينظر للطريق أمامه محررًا أنفاسه المرتاحة قليلًا، وقد قرر الإستمتاع قليلًا بوجودها معهما، ونسيان ما قد مر به منذ قليل ولو للحظات.
*************************************
خرج “راغب” من دورة المياة بعدما حرص على الإستحمام بعد أن قضى كثير من الوقت بداخل صالة الألعاب الرياضية ليُنفث عن طاقتهِ العظيمة، لكن على ما يبدو إنه نفثّ عنها أكثر من اللازم.
أحس وجعًا مؤلمًا في عضلات متفرقة من جسدهِ، وذراعهِ الأيسر يكاد يعجز عن رفعه وتحريكهِ، كأنه ثِقلًا حطّ على أنفاسه، لم يهتم له كثيرًا لشعوره بضعفٍ يؤرق عضلة قلبهِ، وقذف بالمنشفة بعيدًا كي يتسطح بجسده على الفراش، أطبق جفونهِ هنيهه، وفتحهما ليستعيد أمام عينيهِ لحظات من لقائهِ الأخير بـ “حمزة” ظهيرة اليوم، استشعر شيئًا غريبًا، شعورًا ليس طبيعيًا، وكأنه سيفقده عما قريب فـ استوحش رؤياه. زفر “راغب” وهو يحيد عيناه عن السقف، فـ ترآى له صورة حبيبتهِ التي فقدها قبل أن يحقق معها كل ما حلم به، ابتسم بعدما خُيّل له إنها يراها متجسدة أمامه كأنها حقيقة واقعية أمامهِ، اقتربت منه حتى جاورتهُ جلستهِ في فراشهِ، فـ انقبض قلبهِ انقباضةٍ قوية وتضاعف عليه الألم قليلًا، ألم خدّر أطرافه وأعجزهُ حتى عن طلب النجدة، فـ ازدرد ريقهِ وهو ينطق بإسمها :
– يُـسرا… وحشتيني.
وضعت كفها على وجهه وهي تهمس بصوتها الأشبه بالصدى :
– وانت كمان.. أنا استنيتك كتير.
استصعب “راغب” التقاط أنفاسهِ، فـ سألها مرتابًا :
– أنا هجيلك ؟.
ابتسمت وهي تومئ رأسها مجيبة :
– هتيجي.. أنا عارفه إنك جاي.
ثم وضعت يدها على عيناه تُغلقهما متابعة :
– احنا منستحقش نعيش وسطهم.
وأبعدت يداها عن وجهه لتراه قد استسلم بالفعل، كان مستعدًا للمغادرة منذ وقت معلوم، مستعد للذهاب في رحلتهِ الأخيرة، وها هي تصطحبه بنفسها لدارٍ أخرى دون أن يشعر به أحد، دون أن يتألم من غيرها لأكثر من ذلك…
**************************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى