روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثالث والثلاثون

رواية أغصان الزيتون البارت الثالث والثلاثون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثالثة والثلاثون

“( 1-0 )”
___________________________________
لم تتحمل “أسما” سماع حديث إبنها لنهايته، مجرد ذكر “سُلاف” ورغبته في استعادتها للمنزل جعل تفكيرها يتشتت وأعصابها تنفلت منها بغتةً، لتصيح برفضٍ شديد ومتعنت :
– مش هيحصل، أنا ما صدقت إنها خرجت من هنا.. وانت جاي تقولي ترجعها!!.
قالتها وهي تنتفض من جلستها، فـ وقف “حمزة” قبالتها محاولًا السيطرة على تلك الحالة العصبية التي تمكنت منها :
– أهدي وأسمعيني ياماما، وجودها هنا هيخليها قريبة مني وهقدر أحسب كل تحركاتها، البت دي مش مجرد واحدة دبستني في عيل وجاية تلزمني بيه وخلاص، دي جاية وناوية تدمرني خالص.
لم تستوعب “أسما” حجم المصيبة التي يتحدث عنها “حمزة”، وعلقت بذهنها على ضرورة إبعاد تلك البغيضة عنها، مهما كانت النتائج مكلفة :
– مش قولت إنها قعدت في ڤيلتها اللي جنبنا!! خليها هناك وأهي قريبة برضو منك، إنما تعيش في بيتي تاني ده مش هيحصل!.
تأفف “حمزة” بإنزعاجٍ شديد، ورغم ذلك لم يقنط من تكرار محاولة التأثير على والدته، لتقبّل الوضع الإجباري الذي فُرض عليهم :
– إنتي كده مش مدركة إنك بتحطيني في خطر!.
سخرت “أسما” من توصيف “حمزة” للحال الذي حُشروا به، معتقدة إنه يهوّل الموضوع ليس إلا :
– خطر إيه! مش حتة بت لا راحت ولا جت هتهزّنا يا حمزة.

 

 

فـ انفعل “حمزة” بغير قصدٍ، وقد أشعل فتور والدتهِ عصبيتهِ المكمونة :
– إنتي مش عارفه حاجه!.. بقولك البت دي مش زي ماانتي فاكرة، دي وراها ماضي محدش يعرف عنه حاجه!.. إسمها وبطاقتها وكل حاجه مزورة، مش عارف حتى أوصل لـ أصلها وفصلها، افهمي بقى!.. إحنا مجبرين نخليها تحت عنينا.
استمعت “أسما” لكل تلك الطريحة العريضة دون أن يهتز لها جفن، مذهولة بحال إبنها الذي تغير بين ليلةٍ وضحاها، من بعد ظهور تلك الغريبة ودخولها حياتهم. نفخ “حمزة” زفيرًا ساخنًا من صدره وهو يبتعد عنها، ثم أردف بعبارةٍ ينهي بها ذلك الحوار الذي لم يجدي نفعًا :
– أنا جيت أعرفك عشان متبقاش مفاجأة ليكي، النهاردة بعد الضهر هروح أجيبها ومش همشي غير وهي معايا، مهما رفضت أو اتحججت.. مش هخليها تبعد عن عيني لحظة.
طرقات خافتة على باب الغرفة، فتح بعدها “حمزة” الباب بإندفاعٍ تلقائي، فـ رأى التخوف متشكلًا على تعابير “عطا”، وهو يردف بـ :
– آسف ياأستاذ حمزة، بس في حاجه حصلت جيت أديك خبر بيها.
لم يبدو “حمزة” مكترثًا بحديثه، ومازالت عصبيته غالبه على تعابيره ونبرة صوتهِ الصارمة:
– في إيه؟.
– الست جت تحت.. أقصد يعني المدام، جت ومعاها شنط كبيرة.
انحلت كل عُقد وجهه، وارتخت عضلاتهِ في لمح البصر، كأن الخبر الصحيح أتى في الوقت الصحيح تمامًا. ذابت عصبيته، وفي الحال كان يسأل بإهتمام :
– معاها الولد؟.
هزّ “عطا” رأسه عدة مرات و :
– آه، معاها.
انفرجت أساريرهِ فجأة، وقد تخلص من عبئ الذهاب إليها والضغط عليها لتأتي من جديد و…. و….. ألخ، ها هي تأتي بطواعية كاملة منها، وتحقق رغبته دون أدنى مجهود. أشار له “حمزة” كي ينصرف :
– طب أنزل انت وأنا جاي وراك.
أغلق الباب والتفت لوالدتهِ التي احتقنت تعابيرها وتجلّى الغضب على وجهها :
– أهدي ياماما ، أهدي وسيبيني أنا أتعامل.. ماشي؟.
أولته ظهرها، وبدى صوتها شديد الإنفعال وهي تطردهُ من أمامها :

 

 

– أطلع برا وسيبني لوحدي.
لم ينتظر “حمزة” ثانية واحدة في مكانه، وخرج بالفعل كي يتواجه مع “سُلاف”. هبط الدرج في سرعة خاطفة، فـ رأى حقائبها فقط وهي غير موجودة، تلفتّ يمينًا ويسارًا لكن لا أثر لها، فـ تغضن جبينه وهو ينادي :
– عــطـا!!.
حضر “عطا” بين يديه مهرولًا :
– هي فين؟؟.
– طلعت أوضتها، شوفتها بعد ما نزلت من عند سيادتك.
تلوت شفتي “حمزة” غير متوقعًا منها تلك الأريحية المريبة. ذمّ على شفتيه وهو يداعب ذقنهِ مفكرًا، ثم غمغم بـ :
– يعني جاية وناوية على إستقرار!.. حـلو.
—جانب آخر—
ما لبثت أن وضعت “سُلاف” طفلها على الفراش، حتى وجدت الباب ينفتح عليها دون إستئذان، فـ تلفتت لتراه أمامها وكأنها رأت شيطانًا رچيم، حتى محاولاتها في إخفاء تلك الضغينة كانت محاولات بائسة لم تأتي بثمارها. أبعدت عيناها عنه، وهتفت بنبرةٍ مستهزئة:
– تقريبًا نسيت تخبط على الباب!.
دسّ “صلاح” يدهِ في جيبه وهو ينظر بإتجاه حفيدهِ :
– مش محتاج أخبط عشان أدخل أوضة حفيدي، اللي هي في بيتي.
بإستهجانٍ تطلعت إليه، وصححت عبارتهِ التي لم تروق لها :
– وأمه!.. أوضة حفيدك وأمه.
نصف إبتسامة ساخرة، تراقصت على محياها وهي تتابع :
– والبيت اللي بتتباهى بيه بكرة يبقى بتاع حفيدك، ومش هيكون ليك فيه أي حاجه.
اتسعت عيني “صلاح” مع انبعاجة شفتاه الواسعة، بعدما أفضت – بتعمدٍ – عن إحدى رغباتها التي أتت إلى هنا خصيصًا لتنفيذها. لمعت عيناه الخبيثتين وأردف بـ :
– بقى هي الحكاية كده؟!.
انفتح الباب ليظهر “حمزة” من خلفهِ، حينما كان “صلاح” ينهي ذلك الحديث القصير بـ :
– نجوم السما أقرب لك من اللي بتفكري فيه.
والتفت ليغادر من هنا، باديًا عليه بوادر الغضب الذي كبحهُ بصعوبة. حدجها “حمزة” بنظرة متسائلة فضولية، وقبل أن يسأل كانت هي تجيب بـ :
– أبوك جه يشوف حفيده، بس الظاهر إنه عصبي حبتين.

 

 

أغلق الباب قبل أن يدنو منها و :
– إيه اللي رجعك؟.
تبسمت بزيفٍ بيّن، وهي تضع يداها على كتفيه قائلة :
– إنت يا بيبي، مش قولت طالما على ذمتك أفضل في بيتك أنا وإبنك!.
نزع يداها عنه، وهو يسأل بتشككٍ :
– متأكدة ؟.
– أه.
فورًا غيّرت مسار الموضوع، راغبة بذلك إصراف ذهنهِ عن ذلك السؤال :
– أمال فين حماتي العزيزة؟.. مجتش هي كمان تستقبلني ليه!.
لم يرغب في محادثتها الآن، هو فقط أراد أن يُريها نفسه، ومن بعدها أولاها ظهرهِ ليخرج، لولا سؤالها الذي استوقفه بمحلّهِ :
– مش عايز تشوف إبنك؟.
وقف أقل من الثانية، ثم تجاهل سؤالها تمامًا دون حتى النظر إليها، ومن ثم برح الغرفة كلها. تنهدت “سُلاف” وهي تضحك بصوتٍ مسموع، وأخرجت هاتفها من الحقيبة الصغيرة لتقوم بإتصال هاتفي خلاله. مشت نحو النافذة، أطلت بعيناها على سيارتها المصفوفة أسفل المنزل ومن جوارها “عِبيد” واقفًا، حتى أتى الرد :
– ألو، جهزت كل حاجه؟.. طب استنى مني إشارة، سـلام.
ابتسمت “سُلاف” وهي تغمغم بـ :
– جه وقت حسابك يا أسما.. ما هو مش معقول أفوتلك إشتراكك في خطف إبني!.
***************************************
دخل “حمزة” لساحة الإستقبال في مكتبهِ، وأول ما سأل عليه :
– نضال جه؟
– لسه واصل من دقايق يافندم.
– خليه يجيلي على مكتبي.
دلف لمكتبهِ متعجلًا، ترك حقيبته وترأس مقعد المكتب، فتح الحاسوب وبدأ في البحث عن مبتغاه، حينما دخل “نضال” عليه بعجالة وهو يقول :
– جيبتلك عنوان الناس إياهم.
ترك “حمزة” النظر للحاسوب وهو يسأله :
– ملف القضية دي فين يا نضال!؟.
ذمّ “نضال” شفتيهِ آسفًا وهو يجيبه :
– راح مع الورق اللي راح، بس أكيد عندك نسخته.
نظر “حمزة” للحاسوب مرة أخرى و :

 

 

– هبعتلك mail بالملف أطبعه وهاته، خليني أبص عليه قبل أروح أقابل الجماعة دول.
– ماشي.
بدا “نضال” وكأنه يريد قول شئ ما، فهم “حمزة” ذلك بمجرد النظر لوجهه، فترك ما يقوم به وسأله :
– عايز تقول إيه يا نضال؟.
– إنت عارف إن القتيل مش مظلوم، ورغم كده هتدافع عنه وعايز تجيب دليل يدين الزوجة!.. مش دي المحاماة يا حمزة.
تنهد “حمزة” مصرفًا بصرهِ عنه، وهتف بإجابة يخمد بها ضميره – النائم بالفعل – :
– إنت عارف مين مسك القضية دي؟؟.
نفخ “نضال” بقنوطٍ شديد، وتشكلت إنفعالات العصبية على وجهه وهو يقول :
– عارف، وده مش مبرر نسعى لظلم واحدة بريئة.
حرّك “نضال” بذلك نزعة الغضب لدى “حمزة”، والذي كان مؤمنًا بأحقية تلك المرأة في تلقّي أقسى عقاب نظير جريمتها :
– بس متقولش بريئـة!.. دي قاتلة.. مجرمة، ولازم تاخد الجزاء اللي تستحقهُ.
– هو اللي آ….
– خلاص يانضال، الموضوع محسوم.. قوم شوف الميلات بتاعتك خليني أجهز نفسي قبل ما أنزل.
كظم “نضال” شعور الحقد الذي ملأ صدره، وبرح مكانه يتآكل من فرط الحنق، حتى بلغ مكتبهِ، فـ تناول هاتفهِ وهو يغمغم بخفوتٍ غير مسموع :
– تستاهل كل اللي هيحصلك!.. مغرور وغرورك هيغرقك.
رأته “رضوى” على تلك الحالة، فـ قطبت جبينها وهي تسأله :
– إنت كويس يا نضال!.
قذف بهاتفه على المكتب وهو يردد :
– آه.
خشيت أن يتطور الحديث بينهم لمشاجرة جديدة، فـ التزمت الصمت وهي تراه يكاد ينفجر من فرط كتمان غضبهِ، راقبت كل أفعاله المتشنجة غير قادرة على التدخل، فهو الآن بين المطرقة والسندان، مطرقة الغضب الذي قد يجتاح كل شئ من حوله فجأة، وسندان صعوبة الكتمان الذي يمارسهُ من أجل أن يبدو على ما هو عليه الآن.
**************************************
ترجلت عن سيارة الأجرة، في مكانٍ يابس وجاف عكس ما بدت عليه باقي المنطقة الشعبية، التي يبدو وإنها وقعت في الوحل، بعد إنفجار أحد مواسير الصرف الصحي بالمنطقة. كتمت “سُلاف” أنفاسها لئلا تؤذيها تلك الرائحة البشعة، وتصنعت كأنها تقبّلت المكان بكل ما فيه. نظرت حولها بتفحصٍ دقيق، حتى وجدت بائع البقالة الكهل العجوز، والذي يجلس أمام الدكان الخاص به يتطلع لصحيفة بيده. مشت نحوهِ بحذرٍ ثم وقفت قبالته لتسأل :
– لو سمحت، بسأل عن بيت الحج فهيم.
رفع العجوز بصرهِ نحوها، تأمل هيئتها الغريبة قبل أن ينصرف بأنظاره عنها، ثم أشار لها وهو يرشدها للمكان :
– أول بيت على الناصية بعد الأجزخانة (صيدلية).
تبسمت بتكلفٍ وهي تشكره :
– شكرًا.

 

 

مشت حيثما أشار لها، وإينذاك مرّت على الصيدلية أولًا، دققت عيناها بالداخل لتجد رجلًا وقورًا محافظًا على تهذيب لحيتهِ الطويلة، وفي جبهتهِ بازغًا أثر الصلاة (زبيبة الصلاة)، وعلى ما يبدو إنه الطبيب المسؤول عن المكان، ومن حوله بعض الشباب الذين يعملون لديه. ذمّت “سُلاف” على شفتيها وهي تفكر في أمرٍ ما، قبل أن تتابع سيرها نحو المنزل المنشود ، حتى وصلت أمام المنزل القديم والمكون من أربع طوابق. نظرت إليه من الخارج جيدًا، ثم نظرت من حولها تستكشف المكان وما يحويه من محال تجارية صغيرة، ثم دلفت للمنزل كي تصعد الطابق الأول، والذي يحمل الشُقة التي تبتغي زيارتها. سحبت شهيقًا لصدرها كتمته لحظات، ثم طرقت على الباب عدة مرات حتى فتح لها ذلك الشاب الضخم. رمقها بنظراتٍ مريبة وتأمل هيئتها قبل أن يسأل :
– أؤمري ياست ؟.
تحكمت بنبرة صوتها لتبدو أكثر حزمًا وجدية :
– أنا حنان محمدي المحامية، عايزة أقابل الحج فهيم.
قطب جبينه بإستفهام و :
– عايزاه في إيه؟.
أحرجته “سُلاف” بشكل غير مباشر كي يسمح لها بالدخول :
– هو انتوا معندكوش شاي ولا إيه؟.. هنتكلم على الباب.
حمحم “عبد الباري” بتحرجٍ وهو يفسح الطريق أمامها :
– لا مؤاخذة.. اتفضلي.
ترك الباب مفتوحًا بينما كان والدهٍ بالخلف، خارجًا من الردهه للتو، لمحها فوقف محلّهِ يتبادل النظرات مع ولده الكبير “عبد الباري”، وقبل أن يسأل عن هويتها كانت تقدم نفسها له :
– أنا حنان محمدي المحامية، جايه أكلم مع حضرتك بخصوص قضية قتل إبنك سمير.
تحجرت عيناه وهو ينظر إليها، معتبرًا كونها إمرأة شئ يُدين تواجدها هنا، حتمًا لن تكون في صف القتيل وإن كان مظلومًا، فهي گجنس النساء ستميل للقاتلة. أبعد “فهيم” عيناه عنها وهو يردف بـ :
– خير ياست الأستاذة، سبب الزيارة إيه؟.
تحمست “سُلاف” وهي تنظر إليه بتدقيق وتركيز شديدين، منتظرة رد فعله عقب ما ستتفوه بهِ من جنون لن يصدقه أحد :
– أنا جاية أقولك إني هتبنى القضية، وهكون محامية المجني عليه إبنك.
حدق “عبد الباري” غير مصدقًا عرضها الغريب :
– إيــه!.
تغضن جبين “فهيم” مذهولًا من عرضها، وأحس بثمة شائبة في الموضوع :
– إزاي يعني!!.. إنتي عايزة تدافعي عن إبني أنا؟؟.
أومأت برأسها مؤكدة ذلك :
– آه.

 

 

شبك “فهيم” أصابعه سويًا وما زال يحدجها بنظرات غير مصدقة عرضها، وتشكك في كونها محامية من الأساس :
– وأنا إيه دراني إنك محامية؟.. أصدقك ليه؟.
أخرجت “سُلاف” كارنية المحاماة “المزيّف) خاصتها، ورفعته أمام أنظاره وهي تؤكد كونها محامية وإسمها “حنان” :
– الكارنيه أهو.
ثم أبعدته عن عيناه وهي تتابع :
– أنا هكون صريحة معاك ، أنا مش هترافع عن المرحوم، أستاذي هو اللي هيترافع عنه.. وأنا جاية نيابة عنه لحد ما حضرتك تعمل التوكيل.
همهم “فهيم” بتفهمٍ و :
– وأستاذك ده يعرف قضيتنا منين؟.
ضحكت “سُلاف” ضحكة لم تبرزها، وأجابت بثقة شديدة :
– ده شغلنا يافندم، المهم إننا نتفق ونكسب القضية.
فرك “فهيم” جبهته وهو يعترف بـ :
– بس آ… أنا روحت لمحامي وقالي القضية صعبة، وباينها بنت الـ ×××× هتخرج منها!.
طمئنتهُ “سُلاف” مدعية قدرتها على فعل العكس، وإنه بإمكانها إنهاء تلك القضية لصالحهم :
– لو لعبنا بالخيوط كويس مش هنخرجها منها.. ممكن نقعد.
أشار لها “عبد الباري” كي تستقر على الأريكة و :
– أتفضلي ياست.. ارتاحي.
جلست قبالتهم واستعانت بقلم لتدوين بعض الملاحظات :
– قولي ياأستاذ فهيم، إبنك قبل الواقعة كان متخانق مع مراته المتهمة؟.
قبل أن يجيب “فهيم” كان “عبد الباري” يتدخل في الأمر قائلًا :
– وهي من إمتى مكنتش بتتخانق معاه!.. دي بعيد عنك بومة ووشها فقر، يقطع الخميرة من البيت.. و أخرتها تقتل أخويا أنا!!.. ده أنا هقطع خبرها بس أطولها بنت بياعة الفراخ!.
زجرهُ “فهيم” حانقًا، واستنكر على ولده إندلاع الكلام من فمه بكل تلك السهولة، وكأنه معتاد على “سُلاف” أو ما شابه :
– جرى إيه يا عبـّ باري !! أبلع لسانك شوية مش كده!.
لم يستطع “عبد الباري” إعتناق الهدوء بأي شكل، بل إن عصبيته تضاعفت أضعافًا مضاعفة :
– مش قادر يابا!.. دمي فاير منها، طول عمرها فاكرة نفسها حاجه عشان معاها شهادة عالية وبتعامل أخويا من فوق!.. وهي في الآخر بنت بياعة الفراخ!.
زفر “فهيم” بإختناق وهو يعترف بخطأ ولدهِ العظيم والفادح :
– أخوك كان عفّي عليها!.. كنت أقوله خف شوية عنها ياإما كل واحد يروح لحاله بالمعروف!.. وهو كان بهيم!.. مش كنا خلصنا من الشبكة السودا دي أحسن!.
– الكلام ده مفيش منه فايدة يابا، مش هيرجع اللي راح!.. دلوقتي لازمن البت دي تدفع تمن قتلها أخويا، وإلا هقتلها أنا وأشرب من دمها.
كانت “سُلاف” تراقب كل ذلك وتُسجّله في عقلها، مجيئها حتى هنا كان بفائدة كبيرة حقًا، كل ردود الفعل التي رأتها والأحاديث التي استمعت إليها بمحض الصدفة قد نفعت، ومخططها سار كما ترغب بالضبط. حقًا إنهم عائلة غير سوية كما اعترفت لها “إبتسام”، وكأنها كانت في حقل من البهائم البشرية بالفعل، كل ذلك يصل بها إلى أن القتيل بالفعل اضطهد زوجته وقهرها، حتى دفعها بيدهِ إلى قتله. حمحمت “سُلاف” فـ انتبه كلاهما لتواجدها، ثم هتفت قائلة :
– خلينا نتكلم عن تفاصيل الواقعة نفسها.

 

 

 

أنهت “سُلاف” لقائها المثمر خلال نصف ساعة، وقد حصلت على إجابات عديدة للأسئلة التي دارت بذهنها، بدون أي عناء منها. خرجت من البيت شاعرة بظفرٍ ساحق قد تحقق، وإنها على حافة الحصول على حكم بالبراءة لموكلتها “إبتسام”. نظرت حولها تبحث عن مخرج يؤدي بها بعيدًا عن هنا، فـ سلكت أحد الشوارع كي تخرج للطريق الرئيسي.
في تلك اللحظة تمامًا، وقبل أن تتمكن “سُلاف” من مغادرة المنطقة الشعبية، كان “حمزة” في طريقهِ لزيارة منزل “فهيم”، من أجل إقناعهِ بتوليه القضية. وإذ به يرى تلك الفتاة التي تشبّه بها. كانت “سُلاف” قد غيّرت كثيرًا في شكلها وملابسها، شعر قصير يميل للأشقر، ملابس كلاسيكية لا تناسب ثيابها المعتادة، كمية لا بأس بها من مساحيق التجميل، حيث بدت بشرتها داكنة درجتين عن لونها الفاتح، ونحفّت أنفها وشفتاها بإستخدام مادة داكنة تسمى بـ (كونتور)، كما بدى حاجبيها عريضين عن حجمهما الطبيعي، وتغير لون عيناها أيضًا للبني القاتم عوضًا عن لونها العسلي الفاتح. دقق “حمزة” في ملامح تلك الفتاة التي تشكك بأمرها، وتوقف بمكانه وهو يغمغم بـ :
– شوفت الوش ده قبل كده فين!!.
دقق في مشيتها، وطريقتها في حمل حقيبة اليد، حتى رآها تحاول إيقاف سيارة أجرة، فـ تبين له جانب وجهها، ليتعرف عليها فورًا. جحظت عيناه، واتسعت شفتيه غير مصدقًا قدرتها المريبة في التخفّي بذلك الشكل المحترف، وقبل أن يسعى سيرًا نحوها كان يردف بـ :
– هي!!.. هي بنت الـوارمـة!!.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى