Uncategorized

رواية لا تعشقني كثيراً الفصل العاشر بقلم بتول علي

 رواية لا تعشقني كثيراً الفصل العاشر بقلم بتول علي

رواية لا تعشقني كثيراً الفصل العاشر بقلم بتول علي

رواية لا تعشقني كثيراً الفصل العاشر بقلم بتول علي

مرت أيام ونيران غضب كاميليا تشتعل أكثر وأكثر فهي لا يمكنها أن تحتمل رؤية فارس برفقة تلك الشمطاء المتبجحة التي تسمى نيفين والتي تظهر إعجابها بفارس أمام الجميع دون حياء أو أدب.
دلف فارس إلى الغرفة ولاحظ شرود زوجته فلوح بيده أمام وجهها عدة مرات حتى تلتفت له ونجح بالفعل في ذلك فقد طالعته بنظرة لم يستطع تفسيرها أو ربما استطاع ولكنه لا يريد أن يعترف بتلك الحقيقة التي أصبحت واضحة كوضوح الشمس في منتصف السماء وهي أن كاميليا تغار عليه وبشدة من زميلته نيفين.
-“ماذا بكِ؟ هل أنتِ بخير؟”
سألها ببرود فأشاحت بوجهها بعيدا عنه حتى لا تجعله يرى حزنها وقهرها بسبب تقربه الزائد من زميلته الوقحة.
أدار فارس ظهره وخرج من الغرفة دون أن يتفوه بكلمة وظل يسير حتى أخذته قدماه إلى الشاطئ فجلس أمام البحر وتطلع إليه بملامح بائسة وحزينة.
يعشقها بجنون ولكنه لا يمكنه أن يسامحها فجرح قلبه لا يزال غائرا … لم يكن الأمر سيصل بهما إلى هذا الوضع لو أنها صارحته منذ البداية وأخبرته بأنها والدة سلمى فقد كان سيخبرها بأنه لم يخدع ابنتها كما تعتقد فسلمى هي من أوهمت نفسها بحبه لها وعندما طفح كيله وسأم من حماقتها وصرخ في وجهها بأنه لا يحبها ولا يمكنه أن ينظر لها بتلك الطريقة ذهبت وحاولت أن تنهي حياتها دون أن تهتم بعاقبة تلك الفعلة الشنيعة.
عاد إلى الغرفة بعد فترة وجيزة فوجدها نائمة في فراشه فابتسم بخبث على سذاجة زوجته فهي تعتقد بأنه سينام على الاريكة عندما يجدها استحوذت على السرير ولكنها لا تعلم بأنه لن يتنازل ويترك لها السرير كما تظن أنه سيفعل.
هز رأسه عدة مرات وقال:
-“لن أنام على الأريكة مهما حدث”.
تسطح بجوارها على السرير وأغمض عينيه ولكنه فتحهما سريعا وأدار وجهه لها وابتسم بخبث قبل أن يقربها منه ويجعلها تنام في أحضانه وظل ينظر لها ويفكر في ردة فعلها عندما تستيقظ وتجد نفسها بجانبه حتى غلبه النعاس.
استيقظت “كاميليا” في الصباح وهي تشعر بذراع غليظة تحيط بخصرها ففتحت عيناها بدهشة وشهقت بصدمة عندما وجدت نفسها تتوسد صدر فارس الذي ينام بسلام وعمق وكأنه لم يفعل أي شيء … أخذت تهزه بعنف حتى استيقظ فهمس بانزعاج وهو يفرك عينيه:
-“ماذا حدث؟ هل هذه طريقتك لإيقاظ الآخرين؟!”
رمقته بحدة وهي تصيح:
-“ماذا تفعل هنا؟”
زم شفتيه بعدم اكتراث وهو ينهض من الفراش:
-“لا شيء … أنام في سريري بهدوء ولا أزعج غيري كما تفعلين أنتِ”.
-“ولكنني نمت هنا قبلك”.
نطقتها بغيظ ليهتف ببساطة وهو يسحب المنشفة:
-“لا يهم فهذا سريري في النهاية وأنتِ من تجرأت ونمت عليه”. 
قالها بنبرة متهكمة وعيناه تشع بإصرار يجعلها تتأكد أنه لن يتركها تنتصر عليه بسلاطة لسانها ، ثم ذهب إلى الحمام وتركها تعض على أسنانها من شدة الغيظ.
▪▪▪▪▪▪
خرجت “زينة” من مدرستها وتوجهت نحو سلمى التي كانت تنتظرها بالخارج فقد تطورت علاقتهما كثيرا ، وأصبحت زينة ترى سلمى بمنزلة شقيقتها الكبرى وهو الأمر الذي رحبت به سلمى كثيرا فهي كانت تتمنى دائما أن يكون لديها أشقاء ولكن لسوء حظها لم تتحقق لها تلك الأمنية.
-“كيف كان الامتحان اليوم؟”
قالتها سلمى بتساؤل لتبتسم زينة وهي تجيب:
-“سهل للغاية … في الواقع لقد أجبت على جميع الاسئلة”.
احتضنتها سلمى بسعادة وربتت بخفة على رأسها:
-“أحسنت حبيبتي … سنذهب الآن ونتناول المثلجات لأنكِ تستحقين مكافأة”.
صفقت زينة بيدها بسعادة وتأبطت ذراع سلمى حتى تذهب وتتناول المثلجات برفقتها ولكنها شهقت بذعر عندما وقفت أمامها سيارة سوداء ، وهبط منها ثلاثة رجال وحاولوا أن يجروها عنوة إلى داخل السيارة وسط مقاومة سلمى لهم.
▪▪▪▪▪▪▪▪
-“ها أنت ذا يا رجل … لم أرك منذ زمن بعيد”.
نطقها عمر بترحيب وهو يتوجه بكرسيه المتحرك نحو صديقه أسر الذي دلف إلى منزله للتو.
رحب به عمر بشدة واتسعت ابتسامة أسر وهو يصافحه بحرارة وأردف مبررا:
-“أنت تعلم جيدا أن عملي لا يترك لي مجال لزيارة الأقارب والأصدقاء فأنا بالكاد أتنفس يا صديقي العزيز”.
أومأ عمر وهتف بتفهم فصديقه يعمل في مجال الهندسة المعمارية وعمله يحتم عليه السفر والانتقال كثيرا بين البلدان:
-“أنت محق … كان الله في عونك”.
تبادلا أطراف الحديث لبعض الوقت قبل أن تدلف إيمان إلى المنزل وكما توقع عمر فقد تجاهلت وجوده ولم تعره أدنى اهتمام لأنها لا تزال غاضبة منه.
زفر عمر بضيق فهي لا تترك له فرصة ليعتذر منها عما بدر منه في غرفة الاجتماعات.
كيف يخبرها أنه يغار عليها بشدة ولا يحتمل أن ينظر لها أي كائن يحمل صفة مذكر؟
أغمض عينيه بندم حقيقي وتمنى لو أنه اكتشف حقيقة مشاعره نحوها وصارحها بما يشعر به في قلبه قبل أن تنقلب حياته رأسا على عقب ويصبح مقعدا وعاجزا لا يستطيع أن يعتمد على نفسه في أبسط الأمور التي يؤديها.
يبدو أنه ليس مقدر له أن يحب فتاة ويحظى بها فأول امرأة عشقها تخلت عنه في محنته أما إيمان فهو لن يصارحها بحبه الشديد لها لأنه لا يمكنه أن يراها تدفن نفسها وتذبل زهرة شبابها وصحتها بجواره وهو عاجز لن يستطيع حمايتها ودعمها عندما يتوجب عليه ذلك … لم ينتبه عمر طوال جلسته برفقة أسر إلى نظرات الإعجاب التي ينظر بها صديقه إلى ابنة عمه.
مرت ساعة قبل أن يحين موعد الغداء فأصر عمر أن يتناول رفقيه الغداء معهم ولكن تحجج أسر بأنه لديه موعد هام ولا يمكنه أن يتأخر أكثر من ذلك ثم انصرف.
عاد أسر إلى منزله وهو مثقل بالهموم والأحزان فرؤيته لإيمان ذكرته بملامح أنثى أخرى عزيزة عليه حاول كثيرا أن ينساها ولكنه لم يفلح فقد تربعت على عرش قلبه وانتهى به المطاف أسيرا لعشقها رغم أنه لم يعد بإمكانه أن يحصل عليها.
توجه إلى خزانته وأمسك بألبوم الصور الذي يضم صور عائلته ثم أخرج صورة كان قد التقطها لها دون أن تنتبه وظل يتأملها بعينين حزينتين يبكيان قهرا على معشوقته البعيدة.
أعاد الصورة إلى الألبوم مرة أخرى قبل أن يتنهد بحزن وهو يقول:
-“اشتقت لكِ مهجة … اشتقت لكِ كثيرا”.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
دلفت إيمان إلى غرفة الجدة وألقت التحية عليها قبل أن تجلس أمامها وتبادر بالحديث:
-“أخبرني أبي أنكِ تريدين رؤيتي لأمر مهم”.
تحدثت الجدة بعتاب فهي لا يرضيها ما تفعله حفيدتها بعمر فهي أصبحت تتجنب الجلوس برفقته ولا تلقي السلام عليه عندما تصادفه أمامها:
-“أخبريني بصراحة … إلى متى ستستمرين بتجاهل عمر؟! ماذا تريدين منه حتى تسامحيه؟”
-“لن أسامحه جدتي”.
قالتها إيمان بحزم وهي تشيح بوجهها … ربتت الجدة على كتفها وهتفت بهدوء محاولة اقناعها بأن تسامح عمر فقد رأت جميع محاولاته للتحدث معها:
-“اسمعيه أولا ثم قرري إذا كنت ستسامحيه أم لا”.
أردفت إيمان بحدة تنهي المناقشة:
-“سأسامحه ولكن ليس قبل أن أجعله يندم ويعدني ألا يكررها مرة أخرى”.
غمغمت الجدة بأسف مصطنع:
-“يبدو أنك ستجعليه يدور حول نفسه حتى تصفحي عنه”.
أومأت إيمان بتأكيد:
-“أجل … هذا ما سأفعله به بالضبط”.
تعالت ضحكاتهما وهما يتخيلان مظهر عمر وهو يرجو إيمان أن تسامحه وتتحدث معه.
▪▪▪▪▪▪▪▪
أوقفت “فريدة” سيارتها أمام مديرية الأمن وهبطت منها ثم دلفت إلى المبنى وسارت حتى وصلت إلى مكتب الضابط الذي توجد به ابنتها.
وصلت إلى المكتب ودلفت إليه برفقة العسكري الذي أخذ الإذن من الضابط قبل أن يدعها تدخل إليه.
أشار لها الضابط قائلاً:
-“تفضلي سيدتي”.
جلست فريدة أمام زينة و سلمى وبرفقتهما رجل لم تتعرف إليه ثم أردفت بتساؤل وهي ترمق ابنتها بقلق:
-“هل أنتِ بخير حبيبتي؟”
أومأت لها زينة برأسها لتتنهد براحة قبل أن توجه حديثها لسلمى:
-“لماذا أتيتما إلى هنا؟ ماذا حدث لكما؟”
ابتلعت سلمى ريقها بصعوبة وتحدثت بخفوت وبنبرة مرتعبة فهي لا تزال غير قادرة على استيعاب ما جرى معهما وكيف كان هؤلاء الرجال سيختطفون زينة قبل أن يظهر خالد الذي كان يحضر ابنته من المدرسة نفسها وعندما رأى هؤلاء الرجال تدخل على الفور وتصدى لهم بشجاعة ولم يترك لهم خيار سوى الهرب:
-“هناك سيارة سوداء توقفت أمامنا عندما خرجنا من مدرسة زينة وخرج منها رجال حاولوا أن يختطفوا زينة لولا تدخل العم خالد في اللحظة الأخيرة”.
أنهت سلمى عبارتها وهي تنظر بامتنان إلى خالد الذي أنقذهما من هؤلاء المجرمون.
-“أين هؤلاء الرجال؟”
سألتها فريدة ليتدخل خالد ويجيبها بعدما رأى أن سلمى استنفذت طاقتها في الحديث:
-“هربوا للأسف … حاولت الإمساك بهم ولكنني لم أستطع فأنا بالكاد استطعت تخليص زينة من بين أيديهم”.
شعرت فريدة بأن هشام له علاقة بما حدث اليوم مع ابنتها ولكنها كبحت غيظها حتى تتأكد من الأمر وستدع فارس حينها يتصرف معه بطريقة ستجعله يندم كثيرا على فعلته.
ابتسمت فريدة وهتفت بلطف:
-“شكرا لك سيد خالد”.
تنحنح الضابط قبل أن يردف بخشونة:
-“لا عليك سيد خالد … صحيح أن هؤلاء الرجال استطاعوا أن يهربوا ولكن أؤكد لك أننا سنبذل قصارى جهدنا ونقوم بعمل التحريات اللازمة حتى نلقي القبض عليهم”.
هز خالد رأسه في تفهم ثم صافح الضابط قبل أن يهم بالخروج:
-“لا يوجد عندي شك في ذلك فأنا أثق كثيرا في قدراتكم”.
▪▪▪▪▪▪
مرت الأيام سريعا حتى أتى يوم خطبة أمنية من مهاب وهو الأمر الذي أحزن وليد كثيرا فقد حاول اقناعها بأن تتراجع عن تلك الخطوة ولكنها رفضت وظلت متشبثة برأيها وكأنه لم يعد هناك رجل في هذا الكون سوى مهاب.
ربت فارس على كف يده وهتف محاولاً التخفيف عنه فهو يدرك جيدا مقدار الألم الذي يشعر به صديقه:
-“لا عليك وليد … أنت فعلت كل ما في وسعك ولكنها عنيدة … دعها تخوض تلك التجرية حتى تدرك خطأها بمفردها وتتعلم منه”.
زفر وليد بحزن:
-“ستكون تلك التجربة قاسية جدا عليها … نحن نعلم أن مهاب شخص حقير وأناني ، وأنا لن أكون مطمئنا عندما أسلمه فلذة كبدي بيدي … لست بحاجة لأن أقول لك هذا الكلام فأنت أكثر من يعرف حقيقة مهاب”.
صمت وليد قليلا ثم استأنف بغصة فهو لا يمكنه أن يبتسم وهو يرى ابنته تلقي بنفسها في الجحيم:
-“أخشى أن يصيب ابنتي مكروها من وراء هذا الحقير”.
هز فارس رأسه نافيا وتحدث بثقة:
-“لن ندع هذا الأمر يحدث … سنتركها فقط حتى تتعلم من خطأها وتدرك حقيقة هذا الوغد ولكننا لن نتركه يقدم على إيذائها”.
ابتسم وليد لصديقه فقد شعر ببعض الراحة عندما تحدث معه وشعر بالتفاؤل وبأنه لا يزال أمامه فرصة لينتشل ابنته من تلك الورطة التي أوقعت نفسها بها وأخذ يتساءل ماذا كان سيحدث لو لم يتوافق يوم الخطبة مع موعد عودة فارس من الساحل الشمالي؟
توصل في النهاية إلى إجابة هذا السؤال وهي أنه كان سيصاب بنوبة قلبية عندما يرى هذا الوضيع وهو يضع محبس الخطبة في إصبع ابنته.
على الجانب الأخر كانت كاميليا تقف بجوار إيمان وتتحدث معها دون أن تكترث لنظرات صفاء الحانقة نحوها والتي يبدو منها أنها تريد أن تفتك بها.
ابتسمت كاميليا بسخرية وهي تهمس بصوت منخفض بالقرب من أذن إيمان:
-“انظري إلى زوجة والدك … من يراها الآن يقسم أنها تريد أن تأكلني”.
ضحكت إيمان قائلة:
-“هذه هي طبيعتها فهي حاقدة وحاسدة وتريد أن تأكل الجميع وليس أنتِ فقط”.
-“اللهم اكفنا شر تلك المرأة الشريرة”.
نطقت بها الجدة التي سمعت حديثهما وهي تقف خلفهما لتنفجر كلا منهما في الضحك تحت نظرات صفاء المشتعلة.
استدارت كاميليا لتنظر إلى الجدة ولكنها تفاجأت عندما رأت خالد وهو يسير في حديقة المنزل ويلتفت حوله وكأنه يبحث عن شيء معين.
استأذنت من إيمان وذهبت إلى خالد وصافحته قبل أن يردف بابتسامة:
-“مبارك لكِ على الزواج”.
أطبقت جفنيها بتوتر وهي تشعر برغبة ملحة في البكاء ، ونكست رأسها لأسفل بحزن ولكنها سرعان ما رفعته ونظرت لعينيه وهمست بهدوء مستتر خلف عواصف هوجاء تجيش في نفسها:
-“شكرا لك”.
قطبت حاجبيها باستغراب لتتحدث بجدية عندما لاحظت نظرات الحيرة البادية على وجهه:
-“أخبرني بوضوح ما الذي تبحث عنه بالضبط ، ربما أستطيع مساعدتك؟”
أجابها خالد بهدوء:
-“صديقي القديم ، فهو من أرسل لي الدعوة حتى أحضر حفل خطبة ابنته”.
رفعت كاميليا حاجبيها في دهشه قائلة بعدم تصديق:
-“أنت صديق وليد؟!”
التفت كلا منهما على صوت وليد الذي رأى خالد وتقدم نحوه وصافحه بودٍ … لاحظت كاميليا النظرات الغاضبة التي يرميها بها فارس فشعرت بالدهشة ولكنها لم تكترث فهي لا تفهم السبب من وراء تلك النظرات.
اتضح الأمر أمامها عندما رأته يرمق خالد بالطريقة نفسها فابتسمت بسخرية وعضت على شفتيها بألم وهي تتمتم بتهكم:
-“من يراه وهو غاضب لأنني صافحت رجلا غيره سيعتقد بأنه يهتم لأمري ويغار عليَّ!!”
▪▪▪▪▪▪
استقبلت صفاء صديقتها ورحبت بها وفرحت كثيرا عندما لمحت في عينيها نظرات الغيرة والحسد.
رمقتها صفاء باستعلاء وتكبر لأنها لم تتمكن من أن تزوج إحدى بناتها برجل ثري كما فعلت هي مع أمنية.
وقفت صفاء بالقرب من أمنية وتأملتها برضا وهي تهتف بسعادة:
-“تبدين جميلة جدا حبيبتي”.
ابتسمت أمنية برقة:
-“شكرا لكِ ماما … هذا من ذوقك”.
لمحت صفاء وليد وهو يتحدث مع خالد فهزت رأسها بضيق من ملامح وجهه العابسة وتجاهله لابنته في يوم يعد من أهم أيام حياتها … استدارت لتنظر إلى ابنتها وتنهدت قائلة بسأم فهي لم تعد تطيق تصرفات زوجها:
-“أنا سعيدة جدا لأنك تمسكت برأيك ولم تتراجعي عن قرار زواجك من مهاب كما أراد والدك”.
-“أتراجع!! وهل أنا غبية لأفعلها؟! زواجي من مهاب فرصة ذهبية لن تتكرر مرة أخرى”.
قالتها أمنية باستنكار ثم استأنفت بلهجة منطقية من وجهة نظرها:
-“أنتِ تعلمين جيدا أن مهاب لديه الكثير من الأموال وثروته تفوق ثروة أبي بكثير ولديه سلطة ونفوذ لا يمتلكهما أبي”.
ابتسمت صفاء بخبث:
-“أنتِ محقة صغيرتي … مهاب لديه ثروة طائلة وليس لديه أقارب وهذا يعني أنه لن ينعم أحد غيرك بتلك الأموال”.
تأملت وجه والدتها لثوانٍ قبل أن تلمع عينيها بجشع:
-“أعلم ولهذا السبب وافقت على الزواج به ولم أكترث لفارق السن بيننا”.
مرت ساعة قبل أن يحين موعد ارتداء المحابس … وضعت أمنية المحبس في إصبع مهاب فأشاح وليد ببصره للجهة الأخرى وزفر فارس بغضب فهو لا يمكنه أن يرى مهاب الذي خدعه يقف أمامه بل ويخطب ابنة صديقه.
-“ستندم كثيرا تلك الغبية”.
نطقها عمر بجمود ودون أن يتأثر بالأمر فالتفت فارس بدهشة حتى يتأكد من وجوده فهو لم يكن يتوقع أن يشهد ابن عمته على خطبة خطيبته السابقة.
-“يبدو أنك لم تعد تهتم لأمرها”.
أجابه عمر بجدية:
-“لم أندم في حياتي سوى مرة واحدة وهي عندما عشقت تلك الأنانية التي لا تستحق أن يحبها أحد … الشكر لله أنه أنقذني منها ولم يتركني أتزوجها وإلا كنت سأصبح نسخة مصغرة من عمي المغلوب على أمره”.
قام فارس بتغيير مجرى الحديث وهتف بجدية فهو لا يريد أن يذكره أحد بالقهر الذي يشعر به وليد وهو يرى ابنته تلتقط الصور برفقة خطيبها:
-“هل تواصلت مع الطبيب الأجنبي؟”
أومأ عمر برأسه قائلاً بجدية وهو يشعر بقلبه ينقبض بشدة:
-“أجل … أرسلت له نتائج الفحوصات التي قمت بها وأخبرني أنه سيراسلني بعدما يطلع عليها ويرى إذا كان بإمكانه مساعدتي أم لا”.
عقد فارس حاجباه خائفا ومتوترا من أن يرفض الطبيب مساعدة عمر لأنه حينها سينتهي الأمل الوحيد الذي يتشبث به عمر.
-“هون عليك وتفاءل بالخير دائما … يوجد لدي شعور بأنك ستعود وتسير على قدميك مرة أخرى”.
-“أنا أيضا بدأت أشعر مؤخرا بهذا الشيء وخاصة بعدما زارتني والدتي في منامي الأسبوع الماضي ورأيت نفسي أركض نحوها”.
اختفت ابتسامة فارس فجأة وتجمدت ملامحه وكأنه قد أصابته صعقة كهربائية عندما رأى تلك المرأة التي تسير وتتقدم نحوه فهو لم يتوقع أن يراها أمامه بعد كل تلك السنوات.
إنها المرأة نفسها التي تخلت عنه وذهبت إلى رجل أخر حتى تنعم معه بحياة هادئة وسعيدة وتركته خلفها يبكي وينادي باسمها مرارا وتكرارا.
تلك القاسية الجاحدة التي لم يرف لها جفن وهي تغادر منزل والده تاركة خلفها طفليها يبكيان ابتعادها عنهما.
اقتربت منه تلك المرأة ورمقته بعينين باكيتين وهي تنطق اسمه بلوعة:
-“فارس!!”
التفت عمر خلفه وتجمد نظره هو الأخر وهو يرى أمامه زوجة خاله السابقة وهي تقترب من فارس الذي تراجع خطوتين إلى الوراء وهو يردد بصدمة:
-“أمي!!”
انحدرت دموعها بشدة عندما رأته يبتعد عنها وهمست بقهر:
-“اشتقت لك صغيري”.
-“ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
صرخ بها فارس بصوت حاد جعل عمر يشعر بالقلق من أن يتأزم الوضع فهو يعلم مدى كره ابن خاله الشديد لوالدته.
يتبع..
لقراءة الفصل الحادي عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!