في ليلة شتاء قارسه، والقمر أعلن انسحابه، وترك العنان للأمطار تنهمر بشده، لم تبالي العاشقه هذا الجو القارس شديد البروده، فكان جسدها جمرة نار تحترقها، عزمت “ندى” للذهاب إلى من أحبته بكل جوارحها، استقلت سيارتها، وتحركت بسرعة، غير منتبه لهذه الأمطار المتساقطة على زجاج سيارتها، فقد كان الغدق المتساقط من مقلتيها؛ أشد من هذه الأمطار، وصلت بعد مده قصيرة، اوقفت السيارة بعيدا عن منزله، وسارت متوجهه إليه، وقداماها تسير بخطى بطيئة، تقف لحظات ثم تعاود السير، كأنها مثل السلحفاه في بطئ خطواتها، تخشى رد فعله ماذا سيكون؟! هل سيتقبلها من جديد؟!
ام سيحكم عليها بالموت البطئ، لكنها قررت أن تحاول معه من جديد.
طرقت باب الأمل، وبداخلها تتمنى أن تجدها في عيناه، فتح لها طاقة نور، دلجت بالداخل، ونظرت إليه وعيناها تسيل وابل من الدموع، تبكي بحرقه، تعجب لشدة البكاء، دموعها المتساقطة منها تملأ أنهار، ولكنه لم يبالي لهذه الدموع، لم يهتم واكتفى بينه وبين نفسه بالتعجب والصمت، كان واقفاً كالجبل لا يتحرك، ولا يهتز لها، كان فقط يرمقها بنظرات عتاب ولوم، يجلدها بقوة وهي لا تستطيع أن تنطق وتقول له كفى، لكنه قرر بعد وقت طويل التحدث، أن يتحرر من قيوده، ويبوح لما شعر به من ألم، وعذاب؛ هي من تسببت فيه، فطعم الظلم مرارته علقم، كانت بداخل حلقه لا تنتهي، ملازمه معه طوال الوقت، وقد حان الآن أن ينفجر، يصرخ ويخرج مافي جوفه؛ بعد أن ظهرت الحقيقه كامله أمامها، وظهرت عفته وبراءته، وهي من أتت إليه راكعه، نادمه، فتحدث لها معاتباً لما صدر منها، فنظرت له بترجي وشهقاتها تسبقها، تقول له في خضوع:
انت لسه عايزني؟ ولا هتردلي الطعنه الاف وتحرمني منك؟
هنتظر حكمك العادل ياحبيبي، وطمعانه في نبلك، وعطفك على قلبي المكسور.
كان يسمع حديثها، ويتردد داخل أذنه صوتها الباكي الحزين، مشتت، مذبوح من سوء ظنها به، وكلامتها الجارحه عليه، ولكنه ظل صامت، عيناه هي التي تتحدث وتقول نداء قلبه المجروح، جلس على المقعد واضعاً يده على رأسه يفكر ويفكر، وهي واقفه ناظرة إليه كالمتهم الذي ينتظر الحكم عليه بالبراءه أو الإعدام، كانت لحظات قاتله، عقارب الساعه لا تتحرك، كأنما وقف الزمن عند هذه اللحظات الحاسمه، ظلت ترمقه بكل نظرات العطف، والترجي، لكنه كان شارداً ملحقاً في غيوم أحزانه البائسه، ظل يتذكر شريط ذكرياتهما سوياً لعله بجد وميض؛ يضئ عتمة هذا الظلام الساكن داخله، لكنه لم يجد إلا الظلام، والجرح العميق الذي مازال ينزف بداخله، لقد فقدت الثقه بينهما، انكسر بداخله شيئاً صعب التئامه من جديد.
نعم حين نفتقد الثقه؛ من المستحيل أن تبنى من جديد، فكان القرار صعب عليه وعليها، وانسدل ستار الفراق على حب لم يرى الشمس.
وبقى السؤال الذي مازال متعلق في ذهنها، هل سترضى وتبتعد عنه ام ستحارب من أجل الفوز به من جديد؟