روايات

رواية الشبيهة الفصل الأول 1 بقلم لبنى دراز

موقع كتابك في سطور

رواية الشبيهة الفصل الأول 1 بقلم لبنى دراز

رواية الشبيهة الجزء الأول

رواية الشبيهة البارت الأول

الشبيهة
الشبيهة

رواية الشبيهة الحلقة الأولى

قبل أن ينبض الوجود بالحياة، سطرت أقدارنا في لوح محفوظ منذ زمن لا يدركه العقل. هل نملك أن نتمرد على ما كُتب؟
كلا، ولكن ماذا لو وجدتُ نفسي مجرد عقاب لجريمة لم أرتكبها؟ أم أنني كنت منذ البداية جزءًا من خطيئة لم أفهمها؟
الشبيهة بقلمي✍️_____لبنى دراز
رزان، فتاة فقيرة تعمل خادمة في ڤيلا رجل الأعمال رؤوف الزيني، أحد أشهر رجال السوق، والذي يطلقون عليه لقب “الحوت”. شاءت الأقدار أن تكون رزان نسخة تكاد تتطابق مع ابنته تالا، وكأنهما توأم، رغم اختلاف طبقاتهما. تشابه ليس في مظهرهما فحسب، بل حتى في بنية جسديهما. وفي أحد الأيام، بعد انتهاء يومها الطويل في العمل، وقبل أن تغادر، سمعت صوت تالا يناديها من بعيد:
“رزان، تعالي هنا، عايزاكي.”
أسرعت رزان نحوها بتواضع ملحوظ، وقالت بنبرة محترمة:
“تحت أمرك، يا آنسة تالا، عايزة حاجة أعملها قبل ما أمشي؟”
ابتسمت تالا، تلك الابتسامة التي تحمل في طياتها شيئًا من الرقة والترف معًا:
“لأ، مش كده. بس كنت جايبة لك شوية فساتين. مش محتاجاهم، وقلت إن جسمنا واحد تقريباً، فهيمشوا عليكي زي ما هم عليا.”
رزان، برقة معتادة، ردت مترددة:
“شكراً يا آنسة تالا، بس أنا مش محتاجة حاجة.”
تالا لم تصدق ما سمعته، نظرت إليها بدهشة ممزوجة بتعاطف:
“ليه بس يا رزان؟”
خفضت رزان رأسها، عيناها غرقتا في بحر من الحزن، وقالت بصوت مختنق:
“ما أقدرش أخد حاجة مش مشترياها بفلوسي.”
تالا، بنبرة أشد لينًا، اقتربت منها لتخفف عنها:
“يا رزان، مش هتزعليني، صح؟ اعتبريهم هدية، اشتريتيهم، أو حتى جزء من أجرك على شغلك هنا.”
بصوت متردد، حاولت رزان أن تدافع عن موقفها:
“بس البيه الكبير بيديني مرتب على شغلي، يا آنسة تالا.”
تالا لم تتراجع، بل بدت مصممة:
“عارفة، يا ستي. بس أنا كمان بديكي حاجة، مش لازم تكون فلوس. المهم، تاخديهم بقى.”
بعد لحظة صمت، تنهدت رزان، وكأنها استسلمت:
“حاضر، هاخدهم. شكراً ليكي.”
تالا، بابتسامة صغيرة تحمل ما بين الرفق والفخر، قالت:
“العفو يا قمر. ويلا، بقى. عايزاكي تلبسي واحد منهم بكرة في حفلة عيد ميلادي، ماشي؟”
رزان، بصوتها الهادئ المليء بالامتنان، ردت:
“إن شاء الله. كل سنة وأنتِ طيبة، يارب يسعدك ويحفظك.”
غادرت رزان الفيلا، تحمل الفساتين في يديها وكأنها تحمل عبئاً ثقيلاً. وبينما كانت تسير عائدة إلى منزلها، لم تستطع إلا أن تشعر بتناقض غريب يعتمل في داخلها. تلك الفساتين، رغم جمالها الأخاذ، كانت تذكرها دومًا بالمسافة التي تفصل بينها وبين حياة لا تشبه حياتها. مسافة لا يقيسها الزمن ولا المال، بل القدر.
_______________________
فى شقة أمير
داخل شقة فاخرة في أحد الأحياء الراقية، حيث كل شيء يعكس الثراء والرقي.
كان أمير السمري يجوب الغرفة جيئة وذهاباً، كأنه أسد حبيس في قفص ضيق. عيناه تقدحان شررًا، وحركاته غير مستقرة، كأن الغضب يغلي بداخله. فجأة، صرخ بصوت هز أرجاء المكان:
“بقى أنا أمير السمري يرفضني رؤوف الزيني؟ أنا! يقول لي أنت ماتنفعش بنتي؟ إنت مش هتعرف تعيشها في نفس المستوى اللي هي عايشة فيه؟!”
في تلك اللحظة، دخلت والدته على وقع صوته الغاضب، لتجده كأنه بركان على وشك الانفجار، وجهه محمر، وأوداجه منتفخة، والغضب يخرج من كل جزء فيه. حاولت أن تهدئه، فقالت بحنان قلق:
“مالك يا أمير، إيه اللي حصل؟ جرالك إيه يا حبيبي؟ عامل في نفسك كده ليه؟”
لكنه لم يكن في حالة يستمع لأي شيء، واستمر في صراخه، وهو يكاد يجن من الغضب:
“أنا أمير السمري أروح أطلب بنت رؤوف الزيني للجواز، فيرفضني! ويقول لي أنت مش من مستوانا؟!”
حاولت والدته بقدر الإمكان أن تمتص غضبه، فقالت بهدوء:
“يا حبيبي، اهدى شوية، ما تعملش في نفسك كده. الجواز قسمة ونصيب يا ابني.”
لكن كلماتها لم تصل إليه، بل زادته اشتعالًا، فصاح بصوت مرتفع:
“ما تقوليش أهدى! ما تقوليهاش أبداً! أنا مش هاهدى ولا هيهدالي بال غير لما أندمه على كل كلمة قالها! إنتِ فاهمة؟!”
شعرت والدته بالعجز أمام ثورته العارمة، وحاولت مجددًا أن تسيطر على الموقف، قائلة:
“يا ابني، يعني بس اللي خلقها ما خلقش غيرها؟ البنات كتير، والف مين تتمناك! وانت ما شاء الله عليك، اسم ومركز. شاور بس على أي واحدة، ومن بكرة أخطبها لك.”
لكنه كان قد اتخذ قراره، ونظر إليها بعناد، وقال بصرامة:
“لأ، أنا مش عايز غير تالا الزيني. سامعة؟ تالا وبس!”
حاولت أن تسترجع ما تبقى من صبرها، لكن صوتها الآن كان أكثر حدة، وكأنها تحاول أن تهزه من جنونه:
“وأبوها رفضك! هتعمل إيه يعني؟ هتذل نفسك ليه؟ ولا هتتجوزها غصب عنه؟ أعقل وفكر في مستقبلك، وبطل الجنان اللي إنت فيه ده!”
لكن أمير كان قد دخل في دوامة من الأفكار المظلمة، فصرخ بصوت مكتوم يكاد يخفي خلفه تهديداً مرعباً:
“لأ، مش هابطل جنان يا ماما! ومش هتجوز غير بنت الزيني! حتى لو وصل الأمر إني أقتله عشان أتجوزها! هعملها! وأخرجي بقى، سيبيني، عايز أنام.”
خرجت والدته من الغرفة وهي يملؤها القلق، ليس فقط من كلامه، بل من الطريقة التي قال بها تلك الكلمات. كانت تدرك أن ابنها لم يكن يمزح. بينما هو، بعد خروجها، جلس على فراشه، يداه ترتعشان قليلاً من الغضب. أخذ يفكر بعمق، كيف يمكنه الانتقام من رؤوف الزيني؟ كيف يجعله يندم على رفضه؟ وكيف يأتي إليه زاحفًا، يترجاه أن يتزوج ابنته؟
_______________________
فى بيت رزان
في قلب حارة قديمة متفرعة من أخرى أشد ضيقًا، يقبع بيت صغير يكاد يكون منسيًا بين بيوت الحي المتهالكة. يتألف البيت من غرفتين متواضعتين؛ غرفة الأب والأم تحتوي على فراش أرضي وخزانة ملابس وحيدة، قديمة ومهترئة، تقف في ركن الغرفة وكأنها تحتمل الذكريات أكثر مما تحتمل الأثاث. الصالة تخلو تقريبًا من أي قطع أثاث، لا يوجد بها سوى حصيرة صغيرة واهنة تحت قدمي الجالسين. جدران الغرفة، المتشققة بفعل الزمن، تزينها وسيلة الترفيه الوحيدة للعائلة: راديو صغير معلق على مسمار قديم، يُبث منه صوتٌ خافت يعكس بساطة الحياة التي يعيشونها.
دخلت رزان البيت بخطوات مليئة بالحياة، رغم الفقر الذي يحيط بها من كل جانب. ابتسامتها المشرقة تملأ وجهها البريء، وكأنها جاءت لتنير تلك الزوايا المظلمة في بيتها الصغير. أطلقت التحية بصوت ملؤه الحماس:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”
رفع والدها عينيه المثقلتين من وقع الزمن ورده كان يحمل معه حزنًا دفينًا:
“وعليكم السلام ورحمة الله، حمد الله ع السلامة يا بنتي.”
لمحت رزان في عينيه تلك الهموم المتراكمة على مدى سنوات، فسألته بمرحٍ تخفي خلفه حنانًا عميقًا:
“الله يسلمك يا بابا، مالك بقى حزين ومبوز كده يا سيد؟”
نظر إليها والدها بتنهيدة طويلة، وكأن حمل العالم جثم على كتفيه:
“صعبان عليا تعبك يا رزان يا بنتي، انتي شغالة وشقيانة علينا، أنا وأمك وأخواتك الصغيرين، وأخوكِ البكري عايش لنفسه… كل ما يفتكرنا بيجي لما فلوسه تخلص، مش عشان يسأل علينا.”
ابتسمت رزان، لكن بداخلها كانت تشعر بثقل هذه الكلمات، فاقتربت من والدها ووضعت يدها على كتفه برفق قائلة:
“أنا كنت اشتكيت لك يا حاج؟ ولا أنت شايف إني مقصرة معاكم وعايزة مساعدة؟”
هنا، تدخلت أمها بحزن شديد، دموعها بدأت تسيل على وجنتيها، لتكشف عن معاناة لا يمكن إخفاؤها:
“يا بنتي، أبوكِ صعبان عليه قعدته في البيت عاجز، مش قادر ينزل يشتغل ويريحك. ولولا إن خلاص ما بقاش حيلتنا حاجة تتباع، ما كانش وافق إنك تروحي تخدمي في بيوت الناس.”
اقتربت رزان من والدتها، قبلت يدها بحب وحنان قائلة:
“يا ست الكل، ربنا كرمني بناس محترمين وبيحترموني وبيدوني مرتب كويس. إنتوا شايلين الهم ليه بقى؟”
لكن والدها لم يستطع أن يمنع شعوره بالألم الذي تملكه، فواصل حديثه:
“شايلين هم تعبك يا رزان. اللي زيك يا بنتي كان لازم تكون دلوقتي في بيتها ومعاها عيال.”
نظرت رزان إلى والدها بعينين تملؤهما الشفقة على حاله، لكنها حاولت التخفيف من ثقل الأجواء بمزاح خفيف:
“ومين قالك إني عايزة أتجوز وأقعد في البيت؟ ولا تكونش زهقت يا سيد وعايز تتخلص مني!”
ضحكت أمها رقية، تلك الضحكة التي لم تسمعها منذ مدة طويلة، وقالت:
“يخيبك يا بت يا رزان، إنتِ عايزة تفضلي قاعدة معانا كدا طول عمرك من غير جواز؟”
رزان، وهي تضحك بدورها، قالت:
“آه يا ست رقية، هافضل قاعدة في أرابيزكم طول عمري، إيه رأيك بقى؟”
حتى والدها، الذي كان محاطًا بهموم الدنيا، لم يستطع أن يمنع نفسه من الابتسام:
“وماله يا ستي؟ خليكي قاعدة، يعني انتِ كنتِ قاعدة على دماغنا.”
وبمرور الوقت، استطاعت رزان أن تمحو الحزن الذي كان يسكن وجهي والديها. استطاعت أن تزرع الابتسامات والضحكات في قلبهما من جديد، قبل أن تخبرهما بسعادة عما حدث لها مع تالا وعن الفساتين التي منحتها إياها، وكم كانت جميلة تلك الفساتين التي جلبت معها جزءًا من السعادة إلى قلبها رغم الفقر الذي تعيش فيه.
______________________
داخل فيلا رؤوف الزيني
عاد رؤوف إلى فيلته بعد انتهاء يوم عمله في الشركة، بحثًا عن تالا ليطمئن عليها ويتناولان العشاء معًا. وجدها جالسة حزينة في غرفتها، فاقترب منها وسأل بقلق:
“حبيبة بابا، مالك؟ زعلانة ليه؟”
أجابت تالا بصوت متهدج، ودموعها تتساقط بغزارة:
“كان نفسي مامي تكون معايا بكرة في عيد ميلادي.”
احتضن رؤوف ابنته، محاولاً تهدئتها، وقال بصوت مشحون بالحزن:
“تالا، انتي عارفة إن مامتك نسيتنا من زمان وعاشت حياتها بعيد عننا. ياريت ننساها أحنا كمان زي ما هي نسيتنا.”
سألت تالا بفضول:
“وإنت ليه ما نسيتهاش، يا بابي، واتجوزت تاني بعد ما طلقتها؟”
رد رؤوف، وقد بدا عليه الحزن العميق:
“نسيتها يا تالا، بس الوجع اللي سببتهولي ما ينمحيش بسهولة. وما اتجوزتش تاني مش علشان كنت بحبها، لكن علشان ما فيش واحدة تستاهل اسلمها اسمي وقلبى تاني.”
نظرت تالا إلى والدها وسألته بتعاطف:
“يعني يا بابي، ما فيش أي ست قدرت تنسيك وجعك من مامي؟”
تنهد رؤوف وأطلق زفيرًا عميقًا، قائلاً وهو يحاول إخفاء حزنه:
“الوجع اللي سببته مامتك صعب إنه يتنسي، لأن صورتها دايمًا قصاد عيني، وهي في حضن صاحبي. ولما واجهتها، ما أنكرتش، وعيرتني بفقرى. وقتها طلبت الطلاق علشان تتجوز واحد غني.”
أجابت تالا بجدية:
“بس أنت دلوقتي بقيت رجل أعمال كبير وغني، تقدر تتجوز أي واحدة.”
رد رؤوف، معلقًا:
“من وقت ما طلقت مامتك، قررت ما اتجوزش تاني. اشتغلت وتعبت لغاية ما حققت النجاح الكبير ده، كله علشان خاطرك أنتِ، علشان ما تعيشيش مرارة الفقر ولا تسمعي كلمة توجعك. علشان أضمن لك مستقبلك مع واحد يعيشك في نفس مستواك ويحافظ عليكِ و على مالك من بعدي.”
قالت تالا بامتنان:
“بعد الشر عنك يا حبيبي، ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك أبداً.”
أجاب رؤوف، وهو يبتسم:
“وما يحرمنيش منك يا روح بابي. يلا بقى، خلصنا الكلام وفاضل أننا نتعشى دلوقتي لأني جعان موت.”
نهضت تالا من مكانها بفرح، وابتسمت بحنان، مما جعل وجهها يضيء كالقمر. سارا معًا نزولاً عبر السلالم، وتوجها إلى صالة الطعام ليقضيا وقتًا ممتعًا في تناول العشاء سويًا.
_______________________
بالعودة الى شقة أمير
الليل كان قد تسلل وأسدل ستائره على أرجاء الشقة، غرق الجميع في نومٍ عميق، إلا أمير الذي ظل جالسًا على فراشه، يتأمل خطته التي نسجها بعناية. قرر تنفيذ ما جال بخاطره، فالتقط هاتفه واتصل بشخصٍ ما.
“ألو؟”
جاء الرد سريعًا بعد رنينٍ قصير:
“أؤمرني يا باشا.”
أمير كان حازمًا في كلماته:
“اسمع اللي هقولك عليه ونفذه بالحرف.”
“تحت أمرك، نفذ على طول.”
“عايزك تعمل (……)، وهبعتلك كل التفاصيل على الواتساب.”
“أهم حاجة صورة الشخص المطلوب.”
“ما تقلقش، هبعتلك كل حاجة.”
لم يتأخر أمير، أرسل الرسالة كاملة، مرفقة بصورة الشخص المطلوب. نظر إلى ساعته الحائطية، وشعر بثقل الانتظار وطوله. لم يمضِ وقت طويل حتى غلبه النوم، بينما كان يتوق بشدة لما سيحمله الغد.
____________________
في صباح اليوم التالي
استيقظت رزان قبل بزوغ الفجر، نهضت من فراشها وتوجهت إلى الحمام لتتوضأ، ثم قامت بأداء صلاة الفجر. بعدها أيقظت والدذتها ووالدها وأخوتها الصغار ليؤدوا الصلاة. بعد الانتهاء، شرعت في تحضير طعام الإفطار للجميع قبل أن تغادر إلى فيلا الزيني لمباشرة عملها كالمعتاد.
لكن في لحظة غير متوقعة، انتابها شعور بالخوف الشديد، شعور غريب تسارع معه نبض قلبها، وكأن حدسها يخبرها بأن شيئًا ما سيحدث. ورغم ذلك، تجاهلت إحساسها وخرجت من المنزل بعد أن ودعت عائلتها، ولكن القلق كان لا يزال يغزو قلبها وهي تحدث نفسها:
“يا رب هات العواقب سليمة.”
بعد فترة قصيرة، وصلت رزان إلى فيلا الزيني وبدأت يومها كالعادة. عندما انتصف النهار، استيقظت تالا من نومها، قامت وتوضأت لتصلي ما فاتها، ثم نزلت إلى الأسفل باحثة بعينيها عن رزان في أنحاء الفيلا. عندما لم تجدها، نادت عليها:
“رزان!”
ابتسمت رزان وهي تأتي بسرعة قائلة:
“أؤمريني يا أنسة تالا.”
“عايزة أحلى فطار من إيدك النهاردة يا روزي.”
“من عينيّ، حالاً يكون عندك أحلى فطار.”
اندفعت رزان إلى المطبخ لتحضير الإفطار، وبعد أن انتهت، قدمته لتالا في صالة الطعام، وأبلغتها بأن الطعام جاهز. تالا، بدورها، طلبت منها مشاركتها الفطور:
“اقعدي يا رزان، افطري معايا.”
لكن رزان رفضت بأدب:
“ما يصحش يا أنسة تالا، العين ما تعلاش عن الحاجب.”
ابتسمت تالا وقالت:
“عين إيه وحاجب إيه يا رزان؟ بقولك اقعدي افطري معايا.”
“معلش يا أنسة تالا، أنا فطرت مع أبويا وأمي قبل ما آجي. بعد إذنك أكمل شغلي.”
تركتها رزان وعادت إلى المطبخ لمتابعة عملها. في الخارج، كان الجميع يعمل بجد للتحضير لحفل عيد ميلاد تالا. الوقت مر سريعًا حتى حان الموعد المنتظر. تجهزت تالا ونزلت من غرفتها لاستقبال ضيوفها. أما رزان، فقد ارتدت أحد الفساتين التي أعطتها إياها تالا، فبدت جميلة مثل تالا نفسها. كانت الفتاتان محط الأنظار بجمالهما وحجابهما الذي أضفى لمسة من الأناقة.
عندما رأت تالا رزان، تغزلت في جمالها:
“يخربيت جمالك! كنتِ مخبية الحلاوة دي فين يا بنتي؟”
ابتسمت رزان بخجل وقالت:
“ربنا يخليكي يا أنسة تالا، أنا أجي في جمالك إيه بس؟”
تالا ضحكت وردت:
“لا يا رزان، إنتِ زي القمر!”
“ربنا يجبر بخاطرك يا أنسة تالا.”
ضحكت تالا وقالت:
“يلا بلاش رغّي، ادخلي شوفي شغلك، الضيوف بدأوا يوصلوا.”
عادت رزان إلى عملها، واستمرت في أداء مهامها حتى انتهى الحفل ورحل آخر الضيوف. قررت رزان إنهاء تنظيف وترتيب الفيلا قبل أن تعود إلى منزلها.
______________________
بمكان أخر خارج الفيلا
تحت سماء مظلمة وهدوء يكاد يكون خانقًا، وقفت سيارة على بُعد أمتار من بوابة الفيلا، بداخلها ثلاثة شباب يراقبون المكان بعيون مترقبة، في انتظار اللحظة المناسبة. في يد أحدهم، صورة “تالا” على شاشة هاتفه، بملامحها المميزة، بينما القلق يسيطر على الأجواء. حسن، الذي ضاق ذرعًا بالانتظار، نظر إلى عامر وسأله بنبرة ملؤها الضجر:
“هو احنا هنفضل قاعدين كده كتير ولا إيه؟”
رد عامر بثقة، محاولًا السيطرة على الموقف:
“هنستنى لغاية ما البت تخرج من الفيلا يا حسن. ما تقلقش.”
شوقي، الذي لم يستطع كتم ارتجاف صوته، سأل بتوتر:
“لو ما خرجتش؟ هنعمل إيه؟”
عامر أصر بنفس النبرة الحاسمة:
“هنفضل مستنيين يا شوقي، الباشا قال لازم نرجع بيها. مفيش رجوع من غيرها.”
حسن لم يستطع إخفاء قلقه، وتحدث بصوت مملوء بالحذر:
“يا خوفي يا عامر لا الباشا بتاعك ده يبيعنا ولا حد يعرف، ونروح في داهية.”
عامر، بوجهه الجامد ونبرة مطمئنة، نظر إليه قائلاً:
“ما تخافش، الباشا كل اللى يهمه البت وبس. إحنا نوصّلها ليه بأمان، ناخد حقنا ونخلع، ولا حد يعرف عننا حاجة.”
مرت الدقائق بطيئة وثقيلة حتى خرجت “رزان” من بوابة الفيلا، لكن شعورًا غريبًا سيطر عليها. لم تكن تعرف ما السبب، لكن قلبها كان ينبض بقوة غير معهودة، كأنه يحذرها. حاولت تجاهل هذا الشعور المخيف، إلا أنه كان يتزايد، ليغمرها إحساس بالخوف. كانت تريد الركض، لكن قدميها قادتها ببطء نحو الطريق، دون أن تدرك أن هناك عيونًا تتربص بها من الظلام.
في السيارة، رأى شوقي “رزان” تبتعد، وصاح بسرعة:
“البت أهي خرجت! يلا بسرعة!”
عامر انتبه فورًا وأعطى التعليمات لحسن:
“دور العربية، وخلينا نتحرك قبل ما تفلت مننا.”
قفز عامر وشوقي من السيارة، وفي لحظة مباغتة، اعترضوا طريق “رزان”. لم تكن تعلم ماذا يحدث حتى شعرت بيد قوية تجذب ذراعها. شوقي، دون تردد، كتم أنفاسها بيده، بينما قام عامر بتقييدها بسرعة بالحبال. في ثوانٍ معدودة، ألقوا بها في حقيبة السيارة، عيناها معصوبتان وفمها مكمم، لا ترى شيئًا ولا تقوى على الصراخ.
قاد حسن السيارة بسرعة عبر الطريق الصحراوي، حيث تحولت المدينة إلى مساحات واسعة من الظلام والصمت. كان المكان الذي يقصدونه بيتًا مهجورًا في منطقة نائية، بعيدًا عن أعين البشر. بمجرد وصولهم، كان في استقبالهم الرجل الذي أمرهم بخطف “تالا”. كان يقف منتظرًا ببرود، يتأملهم بنظرات مليئة بالتفحص، قبل أن يسأل بصوت منخفض لكنه حاد:
“اتأخرتوا ليه؟”
رد عامر، وقد بدأ صوته يرتجف قليلًا:
“كنا مستنيينها تخرج زي ما قلت، وأول ما خرجت جينا على طول.”
الرجل نظر إليه بشك، ثم سأله بحدة:
“متأكد إنها نفس البنت اللي قلتلكم عليها؟”
عامر رد بسرعة، محاولًا إظهار الثقة:
“أيوه يا باشا، دي حتى لابسة نفس الفستان والطرحة اللي في الصورة.”
اكتفى الرجل بإيماءة صغيرة وقال:
“طلعها فوق وسيبها زي ما هي مربوطة. بعدين انزل بسرعة.”
“أوامرك يا باشا.”
حمل عامر “رزان” على كتفه كأنها مجرد حمل ثقيل، وصعد بها إلى الغرفة المظلمة التي تم تجهيزها لها. تركها هناك كما هي، مكبلة، معصوبة العينين ومكممة الفم، دون أن تعرف لماذا. كل ما كانت تشعر به هو الخوف والارتباك، ودموعها التي تسيل على وجنتيها في صمت.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الشبيهة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى