روايات

رواية منك وإليك اهتديت الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الجزء التاسع والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت البارت التاسع والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت
رواية منك وإليك اهتديت

رواية منك وإليك اهتديت الحلقة التاسعة والعشرون

مساءًا…
دخلت شمس لشقة والدة سليم حيث كان يجلس يزن يتابع عمله على حاسوبه بينما كانت مليكة تشاهد التلفاز مع منال، فقد قررت مشاركتهم أبسط امور حياتهم كي تعتاد على اوضاعهم المتقلبة، وبالفعل بدأت تشعر بالراحة النسبية لمعاملتهم اللطيفة، بداية من شمس ورقتها في التعامل مرورًا بيزن حيث كان أكثر من تتعامل معه، فقد اوصاه زيدان بإيصالها للمشفى كل صباح كزيادة اطمئنان وحين عودتها يتكلف احد السائقين التابعين لعائلة الشعراوي بإيصالها للمنزل، لن تنسى قط اعتذار منال إليها عما بدر منها وقد شعرت أن تلك السيدة تحمل اوجاعًا تفوق قدرتها على التحمل، أما سليم ومنذ عشاء الأمس وقد اظهر تقدير طفيف لها فأيقنت أن تلك الشخصية تحمل المزيد من الغموض رغم الاحاديث المتناثرة عنه من قبلهم.
انتبهت مليكة لشجار شمس مع يزن فكانت تتوهج بشرارة الغضب بينما هو كان باردًا كالصقيع يقابلها توهجها بابتسامة واسعة وذلك حينما قال:
-هو أنا عمري عملت حاجة من غير ما جوزك يعرف.
انتقلت شمس بعينيها لمنال الجالسة تتابع حديثهما بصمت:
-قصده ايه يا ماما؟
هز يزن كتفيه بلامبالاة وهو يكتم ضحكته:
-افهمي انتي بقى.
تنهدت منال بضيق وهي تقول موبخه يزن على افعاله:
-ما تمسح الصورة اللي مضايقها دي يا ابني.
رفع يزن عينيه لشمس الجالسة فوق يد الاريكة مردفًا بضحك:
-انا مش فاهم ايه كمية الحقد اللي جواكي دي، ما تسيبي جوزك يتعاكس شوية.
امسكت وسادة صغيرة والقتها نحوه وهي تقول بتذمر واضح:
-حقد ايه، اسمها بغير عليه، انت مش شايف كمية البنات اللي تعليقاتها تخصه هو بس.
تجاهلها وهو ينظر لمليكة مردفًا باستفزاز قاصدًا اغاظتها:
-مأفورة صح!
لم تعقب مليكة بل اكتفت بالنظر إليهما، فسألتها شمس بحنق:
-لو مكاني يا مليكة هتعملي ايه؟
قبل أن تفتح ثغرها للحديث كان يزن يخصها بالسخرية:
-ولا اي حاجة، احنا كفاية ان في حد رضي بزيدان اصلاً، احنا هنشيلك فوق دماغنا.
كانت الضربة تلك المرة من قبل والدته التي نهرته قائلة:
-لم لسانك يا يزن مينفعش تتكلم كدا عن اخوك.
زفر بقوة من كم الهجوم الموجه ضده وقرر أن يشعل الوضع أكثر بقوله المبطن حينما نهض وقرر الجلوس بغرفته:
-والله انتوا بتلوموا عليا، واصلاً سليم مبسوط جدًا بالصورة واللي حصل، دا مبيعات المحلات زادت بسببي، يلا خيرًا تعمل شرًا تلقى، ناس ناكرة الجميل.
غادر الصالة متوجهًا لغرفته تحت صدمة شمس غير مصدقة أن زوجها الصارم أبدى موافقته لتلك المهزلة وقد دفعها عقلها في لحظة تهور تتخيل مدى سعادته وهو يتلقى الغزل من المعجبات فاستشاطت بغضب..ولم تستفيق الا على قول منال وهي تنسحب بتعب:
-تصبحوا على خير يا بنات..أنا تعبت.
دخلت هي الأخرى غرفتها وتركت شمس ومليكة وحدهما بالصالة..فحاولت مليكة تخفيف الأمر بقولها الهادئ:
-يزن شكله بيهزر.
هتفت شمس من بين اسنانها وهي تتجه للجلوس بجانبها:
-هو لازم يكون بيهزر عشان..
ثم أكملت في سرها بتوعد:
-هخليها ليلة سودا عليك يا سليم.
تفهمت مليكة كم التوعد الكامن بعينيها رغم براءة ملامحها وجمالها المحبب للرؤية..فقررت التخفيف عنها بقولها المضطرب:
-بما ان احنا قاعدين لوحدنا، عايزكي تحكيلي اكتر على العيلة هنا.
رمقتها شمس باهتمام بالغ ثم اعتدلت بجلستها وهي تقول من واقع خبرتها:
-بصي العيلة دي من برة هلا هلا ومن جوا يعلم الله.
فتحت مليكة ثغرها مندهشة من تعبيرها عن عائلة زيدان، فأكدت شمس برأسها وهي تفسر موضحة بشقاوة خالط فيها لمحات من الجدية:
-عيلة الشعراوي يبانوا من برة متماسكين اوي في ضهر بعض، مفيش حد يعرف ان بينهم مشاكل، يعني مفيش حد يقدر يقرب من يزن مثلاً عشان اسم سليم في السوق وكمان زيدان ظابط وله وضعه، وفي نفس الوقت سليم في ضهر زيدان جدًا وهما الاتنين قدام أي حد غريب بيمشوا كلمة اخوهم الكبير زي السيف.
تمكن الحماس من صوت مليكة وهي تسألها بترقب:
-طيب ودا براهم…جواهم ايه؟!
اقتربت منها شمس أكثر تقول بهمس شديد وكأنهما يتحدثان في أسرار عسكرية:
-سليم متعرفيش تجيبي اخره عارفة المثل اللي بيقول دماغه توزن بلد هو دا..أنا مراته اهو روحت ولا جيت وبكش منه احيانًا.
لمعت عيون مليكة بالحب وهي تقول رغم توترها الدائم منه:
-بس هو بيحبك اوي انا لاحظت كدا.
أشارت بيدها للخلف بكبرياء وهي تقول بثقة:
-طبعًا بيموت فيا…
صمتت لثوانٍ ثم قالت باستسلام وعاطفتها تمتزج بكلماتها:
-وانا كمان بحبه اوي.
اتسعت ابتسامة مليكة وكأنها تشاهد فيلم رومانسي وتحفزت مشاعرها وخاصةً حينما واصلت شمس حديثها عن زيدان:
-وزيدان انفعالي اوي اللي هو بيطلع يطلع وينزل في الاخر على مفيش، مبيفكرش في الكلام قبل ما يقوله..بصي الصراحة العيلة دي تخصص كلام دبش تحسي عندهم إعاقة في مشاعرهم اللي هما عايزين يقولوا حاجة حلوة بس تطلع معاهم حاجة تانية خالص.
أومأت مليكة مؤكدة وهي تقول بحنق طفيف:
-أيوا زيدان فعلاً كدا، مبفهموش هو عايز ايه!
ضحكت شمس وهي تخبرها من واقع خبرتها:
-ولا عمرك هتفهمي، الرجالة دي لو ركزتي في كل حاجة بيعملوها مش هتعرفي تعيشي اصلاً.
تنهدت مليكة بفتور ثم قالت بفضول غلب عليه التسلية:
-طب ويزن؟
-لا دا في وادي تاني…بحسه بيهرب من الواقع اللي هو فيه وبيلجأ للبنات…بيعرف بنات بعدد شعر راسه وفي كل مرة نفسه بتبقى مفتوحة، وفي نفس الوقت متحمل مسئولية المعرض وناجح جدًا فيه وعمره ما خذل سليم رغم انه ممكن يبان من برة صايع.
-بس بحسه جدع اوي.
قالتها مليكة وهي تؤكد على حديث شمس ولم يلاحظا يزن الذي كان يجلس خلفهما مباشرةً فوق الطاولة يأكل المثلجات باستمتاع متدخلاً في الحديث بأسلوبه الفكاهي البسيط.
-وابن بلد واصول ومفيش مني اتنين في البلد.
انتباههما الذعر وهما يتلفان للخلف..فابتسم بشقاوة وهو يتراقص بحاجبيه:
-ايه اتخضيتوا.
-الا قولي يا يزن، أنا ملاحظة بقالك كام يوم كدا مبتسهرش وملتزم في حاجة ان شاء الله.
سألته شمس بمكر أنثوي لعلمها بمدى طباعه، فرد بصراحة:
-لازم اثبت حسن نيتي لسليم..دا لسه راضي عني امبارح عايزني اعكها من الناحية التانية.
ضحكت بخفة وهي تقول بفخر:
-والله قولت كدا.
استمع يزن لصوت سيارة سليم لقربه من النافذة، فتظاهر بالنوم مردفًا:
– تصبحوا على خير، ورايا شغل كتير بكرة ولازم اوصل مليكة الصبح..اصل انا ملتزم اوي، يلا ربنا يهدي اللي في بالي.
وقد كان حديثه المبطن يدور حول سليم والصورة المنشورة له ومن بعدها قرر الهرب لغرفته مغلقًا بابها بالمفتاح تحسبًا لأي هجوم ضاري من قبل سليم وذلك بعدما اغلق هاتفه طيلة اليوم كي لا يصل اليه، أما شمس فاغتاظت أكثر وعاد توهجها يتفاقم بجنون في انتظار عودة زوجها المبجل وبالفعل دخل بعد عدة دقائق فرأها تجلس مع مليكة القى السلام وقد فاجئهما حينما قال بصوته الرخيم:
-ازيك يا مليكة؟
اهتزت نبرتها وهي تجيب:
-الحمد لله تمام.
اخرج ظرف من جيبه ثم وضعه امامها وهو يقول:
-ماخدتيش الفلوس ليه من يزن؟
فركت أصابعها بتوتر وخجل في آن واحد ثم أردفت:
-معايا فلوس وكمان زيدان أصر ان اخد الفيزا بتاعته وأنا اصلاً ..
قاطعها بنبرته الحازمة مردفًا:
-دي من فلوس جوزك خديها، محدش بيديكي من جيبه، وبكرة ان شاء الله الفيزا بتاعتك هتطلع.
ربتت شمس فوق ساقها وهي تقول بهمس:
-خديها ومتجادليش معاه كتير.
اخذت الظرف بحرج شديد ثم نهضت تستأذن منهما وهي تقول:
-شكرًا…تصبحوا على خير.
أومأ سليم برأسه اما شمس فالقت قبلة نحوها وتابعت اثرها حتى دخلت لغرفة زيدان واغلقت الباب خلفها، ومن بعدها تنهدت بتعب ثم نهضت وكأن وجوده لم يمثل لها فارقًا فقال باستنكار:
-مفيش بوسة من اللي بتتوزع يمين وشمال دي.
التفتت نحوه تخصه بنظرة باردة ثم قالت بتبجح:
-لا..دي بس للغالين، عن اذنك.
-وليه عن اذنك بقى، ما ترمى المخدة في وشي أحسن.
قالها بسخرية امتزج فيها الجمود لمعاملتها ولكنها تجاهلته وهي تتمتم عن قصد قبل ان تصعد لشقتها:
-ناس فاضية!
فرمقها من الاعلى للأسفل وهو ينظر لإثرها ثم سأل نفسه بخفوت مستنكر:
-هي بتكلم مين؟!
اخرجها من تفكيره مؤقتًا ثم نهض ليطمئن على والدته فوجدها نائمة، فعاد وأغلق الباب من جديد، حاول الدخول لغرفة يزن فوجدها مغلقة ابتسم ابتسامة صفراء ثم توجه لاحد الادراج وجذب عدة مفاتيح كان يحتفظ بها لأجل هذه الامور الطارئة فتح الباب بهدوء شديد ثم دخل للغرفة وتقدم من الفراش حيث من كان يتظاهر بالنوم..ومع كل حركة كانت تصدر من سليم كان يدق قلب يزن بجنون فاستمع لهمس شديد بجانبه:
-أنا تحطني في البلاك ليست.
فتح يزن عينيه سريعًا وهو يلتفت نحوه يقول بصدق:
-لا واقسم بالله، أنا اقدر متحاولش توقعني في الغلط.
-انت اللي بتوقع نفسك بنفسك..حاطط صورتي على الزفت ليه؟
اعتدل بجلسته وهو يقول ببراءة زائفة:
-دا شغل ماركتينج يا سليم..بذمتك مش المبيعات زادت الضعف، متحاولش تدفن مجهودي.
كرر باستهجان منه:
-مجهود ايه!
-ان زودتلك المبيعات، دا أنا بفكر اشيل اسم الشعراوي من على المعرض واحط صورتك مكانه.
قالها بشقاوته المعهودة، فسخر سليم بخشونة:
-ما تحط صورتك انت، ولا خلاص مبقتش تجيب همها.
-لا حاسب دا المعجبات بتترمى تحت رجلي، بس أنا اللي مبقتش عارف مالي تحسني محسود.
لكزه سليم بكتفه وهو يقول بتهكم غليظ:
-ابقى خلي امك ترقيك.
ثم أكمل بتهديد لاذع:
-عارف لو فكرت تحط صورتي تاني من غير اذني هعمل فيك ايه!
اتسعت ابتسامة يزن بقوة وهو يشير نحوه:
-اهو يعني فيه خد وهات..الموضوع عجبك، انا عارف ان جواك حد مشهور صغير عايز اللي يحطه على طريق المجد والشهرة.
-وانت الشهادة لله هتدخلني من اوسع ابوابه.
دفعه سليم نحو الفراش ليسقط عليه بجانب جسده، فضحك يزن ثم استغل الوضع بإلقاء سؤال لم يقوَ على اخراجه بسبب حالة سليم المزاجية:
-الا قولي يا سليم يا اخويا يا حبيبي…
حدجه سليم بغضب:
-اخلص.
-مبتردش على زيدان ليه؟!
تفوه به سريعًا وقد شعر بالندم عندما لاحظ تغيير ملامح اخيه لشيء اقلقه:
-مفيش بيني وبينه كلام، يلا اتخمد.
خرج من بعدها وبداخله رافضًا فتح أي مجال للحديث، لن يبذل مجهود اخر نحو اخيه..يكفيه محاولاته العديدة لتقبل زوجته محاولاً اقناع نفسه بأنها لم تخطأ بل الخطأ يقع على أخيه وحده…حتى بعد تفكير طويل قرر العفو عن والدته التي اظهرت مدى رفضها للأمر منذ بدايته، وحتى أن شاركته بفعلته لم يكن بيدها أي سلطه لمنعه حتى يزن عفا عنه بعد اعتذاره الذي لم يمل ابدًا في اظهاره.. أما هو لن يقبل اعتذاره وخاصةً اخر تواصل معه بعدما اتهمه صراحةً في ذهاب مليكة من المنزل فهمس بغيظ من بين اسنانه:
-مشوفتش في بجاحته.
قرر الصعود للأعلى لينعم بدفيء صغيرته قليلاً، فوحدها تملك دفئ لذيذ يهدأ من نيران قلبه، بل لها نظرة ساحرة تحاوطه بها تجعله مسلوبًا بسعادة نحو عالمها البريء…معها فقط ينسى جراحه وندبات فؤاده التي عادت تنزف من جديد.
دخل لغرفته يبحث عنها لم يجدها، فعقد حاجبيه واتجه صوب غرفة أنس وقبل أن يفتح الباب..فتحت شمس الباب وهي تتخصر سائلة اياه بنزق:
-خير؟
مرر بصره على خصرها بعينيه اللامعة بغموض، ثم رفع بصره يسألها برقة:
-مالك يا حبيبتي؟
-سليم مش عليا الكلام دا!
-أنا عملت ايه؟
لا زال يتظاهر بالبراءة فأردفت بشراسة:
-انت وافقت انك تنزل صورتك عند يزن وانت عارف ان في بنات عنده كتير؟
أجاب بصدق:
-مكنتش اعرف، بس..
وبلمعة ماكرة قال:
-وفيها ايه لما ينزلها هو انا عليا تار!
ضيقت عينيها بتهديد قاس:
-انت هتتبسط يعني لما تكدني.
أشار على نفسه مردفًا بصدمة زائفة:
-أنا كياد؟
رفعت حاجبيها دلالة على عدم تصديقها والسخرية تلتصق بحروفها:
-لا لسمح الله!
ثم عقبت بغيظ:
-دا انت اساسه!
هز كتفيه ببرود وهو يقول:
-لا دا مع التجار بس، بس أكيد مش معاكي.
اشاحت بوجهها بعيدًا ترفض حديثه فتابع حديثه بدهاء متراقصًا فوق نقاط ضعفها:
-مينفعش اعامل حد زيك، ولا ايه يا روحي؟
جذبها لتلتصق بصدره ثم لثم وجنتاها بقبلة طويلة من بعدها:
-بتحرميني منك؟!
رفعت عينيها تخبره بصدق نابع من مشاعرها الملتاعة بنيران الغيرة:
-ليا حق ازعل بعد ما اشوف كمية البنات اللي عماله تتغزل فيك.
-سيبك منهم، انتي عارفة دا ملك مين؟
سألها وهو يضع يده فوق موضع قلبه، فقالت بغنج:
-ملكي طبعًا.
قبل رأسها بحب ثم قال وعينيه تحاول اختراق باب الغرفة بحثً عن ابنته:
-حضريلي العشا بقى، لغاية ما اسلم على قمر والعب معاها شوية.
هزت رأسها عدة مرات وكأنها تهدأ نفسها من انفجار محتم بعدما ادركت خططته الماكرة:
-والله كنت عارفة انك بتصالحني عشان خاطر بنتك..بس اقولك يا سليم لو فكرت بس تنزل صورة ليك من غيري انا وعيالك هحرمك من قمر خالص.
قالتها بتوعد وهي تتجه صوب المطبخ فتابع خطواتها بقميصها القصير بتسلية وهو يردف:
-هشتيكي في محاكم الأسرة.
وما ان استمع لصوت الصغيرة يصدر بضعف حتى أسرع في دخوله، متجهًا نحوها يحملها من مهدها ثم واصل تهدئته لها مقبلاً جبينها بحب:
-وحشتيني يا قلب بابا.
وبعينيه القى ببصره على أنس النائم يحتضن العابه، فاتجه نحوه يقبله هو الأخر وقرر الجلوس معهما حين انتهاء شمس..صدح صوت رسالة على هاتفه..فتحها ووجدها عبارة عن كلمة واحدة:
-تمام اتفقنا.
التوى فمه بابتسامة ماكرة ونظراته تشتد بتوعد قاسٍ، متذكرًا لقاءه بالصباح بعمته..حينما داهمها بطلته فجأة في محلها الذي لاحقه خسارة كبيرة..
**
دخل للمحل بخطواته المتمهلة وهيبته التي دقت في نفوس العاملين القلق خوفًا من غضب ميرفت..فرؤية سليم وحدها تثير شياطين الأنس والجن لديها وهي بتلك الحالة، وقد كان قرر سليم المجيء اليوم لتلاعب بها قليلاً مستمتعًا بالخسارة الفادحة الملاحقة بها وبالمحلات المملوكة لها فبدأت في بيعهم واحد تلو الأخر بخسارة قوية.
– اهلا ..اهلا، اخبارك يا ابن اخويا؟
قالتها بقوة وصلابة رغم الحقد الكامن داخلها نحوه، فجلس هو على المقعد المقابل لها واضعًا ساق فوق الأخر وبصوت يغلب عليه الكبرياء:
-أحسن منك.
دقت بالقلم بقوة فوق مكتبها وهي تقول بغل:
-ابوك الله يرحمه معرفكش تتعامل مع عمتك صح.
حرك رأسه بنفي ورمقها باشمئزاز:
-متستاهليش معاملة أحسن من كدا!
هتفت من بين أسنانها بحقد دفين:
-دا نسي كمان يريبك.
-خليكي في خيبتك الاول.
قالها ببرود، فضغطت فوق لحم شفتاها السفلي بقهر ثم أردفت بقوة عكس ما يكمن بداخلها:
-ويا ترى ايه خيبتي دي، تعرف حاجة أنا معرفهاش؟
ضحك بقوة ثم عاد يحدجها بنظراته الساخرة الممزوجة بالكره الموجه لها:
-لا أنا اعرف كتير، اعرف اللي انتي متعرفهوش.
ابتسمت باستهزاء وقد أصابها الارتباك:
-زي ايه يا عنيا!
-اعرف احوال جوزك وابنك اللي بقى ملطشة في قطر.
ظهرت الشماتة بعينيه، ثم احتد حديثه بنبرة أشد قسوة:
-وبنتك الهربانة منك..وابن اخت جوزك اللي كسرلك الشقة كلها..والديون اللي عليكي من كل ناحية، والمحلات اللي بتتباع كل شوية عشان تعوض الخسارة..بس للأسف ويا حرام مش هتقدر تعوض حتى لو بعيتي لامؤاخذة…هدومك.
انزلت يدها لأسفل المكتب ثم كورتها بغضب وغل شديد وهو يخبرها بكم معلوماته عنها، كانت عيناها تفيضان بمزيد من الحقد المكبوت وهي تقول بابتسامة جانبية غامضة:
-بس ناقصك معلومة صغيرة اوي، بس للأسف لسه مجاش اوانها..وصدقني لما تعرفها هتجيبك الأرض.
لديه القدرة في تحكم انفعالاته بل ويتلاعب بها، فخصها بنظرة قاسية لم تخلو من السخرية:
-كلام..الارض دي اللي زيك، أما أنا مستوايا فوق فـ متقدريش تهزي شعرة مني.
نهض وهو يبتسم ابتسامة صقيعية ثم رفع نبرته عاليًا عن قصد:
– يا ترى هتقدري تدفعي للرجالة دي فلوسهم!
وقد حول بصره نحو العاملين المراقبين للوضع عن كثب، فهدرت أنفاسها بجنون لِمَ يفعله بهز صورتها أمام العاملين..ولكنه لم يأبى وقال بنفس نبرته القوية:
-ما هو بردو الحال دا ميرضيش ربنا..دول رجالة وعندهم بيوتهم ومسؤولياتهم…تحبي اساعدك؟!
كانت نظراتها لا تبشر بخير وكأنها تود قتله في الحال، فاستمر هو في حديثه بفخر قاصدًا نثر كلماته السامة، لعلمه بمدى تأثيرها عليها وأي قهر ستتلوى بنيرانه، فقد كانت كلماته أشبه بضربة نصل حاد في منتصف صدرها:
-فلوس محمد الشعراوي كتير الحمد لله وخيره مغرقك طول عمرك، فمجتش من المرة دي اهي بجملة الجمايل اللي مغرقاكي.
ضربت بيدها فوق سطح المكتب بغضب عارم وهي تهدر بجنون بعدما فقدت السيطرة على نفسها:
-اطلع برة.
-طالع من غير ما تقولي، مبحبش اقعد في مكان مستواه اقل من مكانتي.
خرج من بعدها بنفس ثبات خطواته المتمهلة وهيبته التي تثير القلق في نفوس الأخرين، فاندفع أحد العاملين الجدد يسأل من ذو خبرة بالمكان والفضول يكتسح صوته:
-هو في ايه؟ مين دا؟
كانت نبرة رئيس العاملين خافتة للغاية:
-دا سليم الشعراوي ابن اخوها.
-هو كان قاصد يكيدها؟!
-دا كياد ابن كيادة..داهية السوق كله، اقطع دراعي ان من كان السبب في كل اللي بيحصل!
قالها احد العاملين المتظاهر بعمله كي لا تلفتت له ميرفت التي يبدو عليها أنها ليست بخير، وقد كان استمع الجميع فجأة لصوت ضجيج، فرفعوا ابصارهم وتفاجئوا بوجود جميع التحف والملفات والمقتنيات فوق مكتبها ملقاه فوق الارض بعصبية شديدة.
**
اجفل من شروده على اصوات صغيرة تصدر من قبل الصغيرة، فقام باحتضانها اكثر مقبلاً اياها وبصوت خافت بدأ في القاء عبارات الغزل والحب لها خوفًا أن تسمعه شمس وتشن هجوم ضاري عليه وتفسد ليلته بعدها…
فهمس بحب:
-هدلعك بس بيني وبينك في السر، بعيد عن امك.
***
بعد مرور يومين..
اندفعت فرح بقوة للأريكة الموضوعة خلفها بغرفة ماجد في المشفى وهدر فيها الاخر بنبرة شارفت على الجنون:
-انتي بتكلميني أنا كدا؟
لم تأبى للنظرة التهديد الموجهة نحوها، بل دفعت يده عنها وهدرت فيه بجنون مماثل:
-اه بكلمك أنت، واسمع تاني أنا مش هعمل نفس الغلطة تاني وشوفلك حد غيري يعملها.
اقترب منها بنصفه جسده العلوي يهمس بشر:
-ليه بس يا فرح دا انتي اشطر واحدة في كدا، نسيتي مليكة واللي عملتيها فيها، صاحبي البت دي بردو وخدي صورها بنفس الطريقة.
ابتلعت اهانته وأردفت باختناق:
-مليكة مقدرتش تاخد منها حاجة وهربت من تحت ايدك، أنا مش هغلط نفس الغلطة.
احتدت ملامحه وكانت عيناه تموجان بالعواصف وهو يقول:
-مش هسيبها وهجيبها، اما انتي فتنفذي اللي بطلبه منك من غير ما تجادلي والا واقسم بالله صورك وكل اللي ما بينا هيوصل لاهلك واهل جوزك…مش هو كتب كتابه عليكي خلاص.
حملت نبرته تهديدات أشعلت نيران الخوف داخلها، وبعنف مكبوت دفعته بعيدًا عنها وخرجت من الغرفة، فقابلت أمامها تلك الطبيبة الشابة التي جاءت للمشفى حديثًا بعد ذهاب مليكة، ولحظها التعس كانت تملك قدر من الجمال وحيوية سرقت انتباه ماجد لها فقرر الايقاع بها بمستنقعه العكر، ابتعدت ببصرها بعيدًا عنها وقررت التريث قليلاً، بالتأكيد يوجد حل للخروج من تلك الورطة.
***
مر أسبوع أخر…
وصل زيدان أسفل البناية التي تقطن بها ميرفت، فكان مجيئه هو الخطوة أولى في قراراته حيال عودته للقاهرة، مستغلاً اجازته القصيرة التي لا تتعدا أسبوع وها هو وصل للقاهرة فانحرف بسيارته متجهًا لميرفت اولاً..وذلك بعد اتصالاتها العديدة ورسائل التهديد التي لم تكف عن ارسالها له، لقد طفح الكيل لديه ونفذ صبره في تحملها..فقرر لقائها اولاً.
قابلته الخادمة تستقبله وقد لاحظ تغيرها، فهمس بسخرية:
-هو في حد بيعمر معاها!
دخل بخطوات هادئة للصالة وانتظر خروجها من الغرفة على أحر من الجمر، وبالفعل خرجت ترحب به بابتسامة واسعة وكأنها حصلت على جائزة ثمينة التو:
-يا اهلاً يا حبيبي.
نهض يقابلها بجمود وحدة وهو يقول:
-بلا حبيبك بلا زفت، ايه الاتصالات والرسايل دي، فاكرة كدا انك بتهدديني.
تبخر قناع التملق في لحظة وظهر حقدها في نظراتها وهي تهتف:
-طب ما هو جاب نتيجة وظهرت وجيت اهو…ولا دا مش أنت وطلعت خيالك.
ضحكت ضحكات عالية تنم عن سخريتها، فرمقها باشمئزاز وهو يقول بشراسة معنفة:
-لا مجبش نتيجة، وجايلك عشان اقولك لو شفت رقمك على التليفون تاني مش هيحصلك كويس.
أشارت نحو نفسها باستنكار:
-انت بتهددني أنا!
ثم عادت واكملت بتبجح:
-دا أنت روحك في ايدي.
كرر خلفها باستهجان:
-والله دا على أساس ايه؟
جذبت يد نارجيلتها التي قامت بشرائها مؤخرًا وهي تقول بتهديد:
-مليون جنية تتصرفلي فيهم ومجبش سيرة لسليم اخوك عن خطوبتك أنت ونهى.
رد بانفعال ساخر:
-انت بـ تبتزيني أنا!
ثم انطلق يعنفها بقوة وكأنه ينفث اللهب:
-بـ تبتزي ظابط مباحث…فـــــوقي دا أنا اسجنك.
رغم ارتجافها من هيئته وصلابة صوته الجهور الا انها حاولت الثبات امامه فأكمل هو بنفس غضبه المستعر:
-ما تولعي انتي وبنتك بجاز ***.
لم يعطيها فرصة للرد وذلك عندما نهض بشموخ وكبرياء يرمقها باحتقار:
-اسمعي..أنا لو لمحتك بس قريبة من حياتي أو من اخواتي واقسم بالله ما هيحصلك طيب، وان كنتي فاكرني غير سليم…فأنا أمر منه ولو حطيتك في دماغي مش هيطلع عليكي نهار…افتكري كويس أنا لدغتي والقبر.
ومن بعدها غادر تاركًا اياها تتلوى فوق نيران الحقد والكره، بينما مشاعرها السامة كانت تنفث لهيب الغضب اتجاه سليم وزيدان معًا، لقد فشلت في تحقيق مرادها وبقيت وحيدة تتلقى خيبات خسارتها من كل شيء.
***
دخل زيدان شقة والديه وجدها تعم بالسكون..فقد قاربت الساعة على الثالثة فجرًا..قرر اللجوء لغرفته وعدم اصدار جلبة بعودته المفاجئة..دخل لغرفته المظلمة ثم مد يده وأشعل الاضاءة الخافتة فوقع بصره على ملاكه ترقد فوق فراشه غافية بنعومة ورقة داعب قلبه الشريد، بدا عليه السعادة الآن حينما امتلأت عينيه برؤيتها المحببة له، فتوهجت عاطفته بوله وأيقن ان هدايته تكمن في النظر إليها.
اقترب بخطواته البطيئة منها ثم جلس على طرف في الفراش يتلمس خصلات شعرها بأصابعه ومن بعدها قرر العودة لسرقة القبلات من بتلات ثغرها، فمال بجسده يختطف قبلة صغيرة منها، ولكنها استيقظت بفزع تتراجع عن جسده المطل عليها، ومع محاولاته العديدة بتهدئتها أخيرًا استكانت تنظر له بعدم تصديق، فهمست بانفعال كانت نتيجة لفزعها:
-زيدان أنت رجعت.
أومأ برأسه سامحًا لعينيه باحتضان خاصتها في نظرة طويلة ثم همس بشوق:
-وحشتيني.
كاد ينفلت لجام لسانها معبرًا عن مشاعرها المتوهجة بنيران الشوق والغرام ولكن فطرة الخجل المسيطرة عليها جعلتها تعود مستسلمة وهي تقول بخجل:
-حمد لله على سلامتك.
جذبها من خصرها بقوة نحوه فالتصقت بصدره وانعدمت المسافة بينهما:
-ايه حمد الله على سلامتك دي، بقولك وحشتيني!
كان عاتبه يحمل خشونة ارتجف قلبها لها، حاولت تحجيم مشاعرها ولكنها فشلت فنطقت بهمس شغوف:
– وانت كمان وحشتني.
اتسعت ابتسامته وهو يداعبها بحماقته المعتادة:
-أخيرًا ابو الهول نطق.
دفعته عنها بغيظ ولكنه لم يتحرك من مكانه، وهتفت من بين اسنانها:
-أنا ابو الهول؟
مد اصابعه وحاول فك عقدة حاجبيها ولكنها هتفت بضجر:
-ملكش دعوة بأبو الهول بقى.
لم يعير لها أي ذرة انتباه حينما مال بجسده الضخم عليها وقام باحتضانها فكانت هي أسفله وهو يغطيها بكامل جسده عدا منفذ صغير سمح لها بالتنفس من خلاله، فقالت بهمس مكتوم اثر محاصراته لها:
-مش عارفة اتنفس.
حرك وجهه بجانب وجهها مستمتعًا بدفيء جسدها ونعومة ملمسها فهمس ببرود:
-ماليش فيه!
-يعني ايه مالكش فيه…
بتر تذمرها بقوله المرهق:
-أنا تعبان.
مدت يدها رغمًا عنها وبدأت في مداعبة خصلات شعره برقة ورفق:
-مالك؟
-وحشني النوم وراحة البال..نفسي احس بيهم ولو شوية.
قالها برجاء كان يقطر منه وجع مر به الفترة الماضية، فتعجبت هي وأردفت بعدم فهم وهي تشير لجسده النائم فوقها:
-وانت كدا هتحس بيهم!
-أكيد…طالما معاكي وفي حضنك اكيد هحس بيهم.
كانت تلك أخر كلماته التي نطق بها بتمهل قبل أن يغرق في ثبات عميق، أما هي فأدارت جانب وجهها له تتطلع بقايا ملامحه الظاهرة منه حيث دفن معظمها محاولاً الالتصاق بها بشتى الطرق، لم تجد طريقة للفرار ولم تقدر على تركه وهو بذلك الضعف المهين على روحه قبل جسده، فاستكانت هي الأخرى وأغلقت عينيها بأمان افتقدته طوال فترة غيابه، رغم رفرفة مشاعرها داخل أروقة صدرها بحب وغرام لذلك النائم الغافل عما يعتمل في نفسها من اضطرابات اثر اقترابه الشديد منها، جاهدت التشبث ببقايا النوم وقد فعلت حينما نامت هي الأخرى وعلى ثغرها شبه ابتسامة.
***
صباحًا…
دخلت نهى لغرفة المكتب تحمل كوب القهوة كعادتها كل صباح..وابتسامتها لم تفارقها وخاصةً ان كان عبوس خالد صباحًا يجعل كل من يقترب منه يفر من وجومه، فمن طقوسه الصباحية حاجته لفترة ينعزل بها عن العالم كي يستطيع التكيف والتعامل مع البشر، ورغم ذلك كانت تلك الأميرة المفعمة بالحياة هي من أول تطرق ابوابه بكل جرأة لعلمها أن لها مكانة خاصة لم ولن يشاركها بها أحد!
دخلت بخطواتها الهادئة تهمس بقولها الناعم:
-صباح الخير…قهوتك.
توقعت تذمره المعتاد كل صباح حول تحيتها بالصباح الثالث ربما العاشر هو لا يعرف، وكالعادة هي تناغشه برقتها وتصر على القائها حتى موعد العصر، ولكن اليوم به أمر غريب، نظراته الحادة..أنفاسه الغاضبة، قسوة ملامحه وهو يحرك رأسه بإيماءة بسيطة جعلها تسأل بقلق:
-مالك يا خالد؟ انت كنت كويس الصبح!
رفع عينيه يرمقها باستفهام والسخرية تلاحق كلماته كعادته:
-لدرجة دي عارفني؟!
هي اعتادت على نبرة السخرية المتأصلة بصوته دومًا، ولكنها لم تعتاد على…اتهام مبطن يخرج من بين حروفه، ونظراته…نظراته بها شيء لم تعتاد عليه، فعادت تقترب منه وتخطت مكتبه العريض حتى وقفت أمامه تجيب بتوتر:
-أكيد عارفك وبحس بيك!
-كتر خيرك!
قالها بتعبير لم تفهمه، هل يسخر منها لمجرد تصريح خرج منها بعفوية، أم..هي حقًا لا تعلم ما به، فجذبت مقعدها الصغير الموضوع في احد اركان الغرفة والمخصص لها ثم وضعته بالقرب منه:
-أنا زعلتك في حاجة؟
-المشكلة انك مبتعمليش حاجة تزعلني.
ضحكت..ضحكت بشدة وهي تنظر له بدهشة لم تصدقه حينما تفوه بذلك ولكنه تذمر معلنًا غضبه:
-يلا روحي شوفي شغلك.
همست بعتاب رقيق:
-بتطردني؟
التفت نحو مكتبه يباشر عمله وقال بلامبالاة:
-اعتبري كدا.
رفعت رأسها بكبرياء وكتمت جرحه لها، فمنعت دموعها من الظهور أمامه، ووقفت تغادر الغرفة وقبل أن تخرج نهائيًا وجدته يردف بعدما زفر بعض من النيران المستعرة بداخله:
-اللي اسمه…زيدان كان عند امك امبارح.
لم تعقب، لم تلتفت حتى له تطمئن قلبه الملتاع حتى ولو من خلال نظراتها، هو بسيط في متطلباته نظرة منها تهدأ من هياج مشاعره، تخبره أن قلبها لم يعد يكن له أي مشاعر..ولكنها بقيت محتفظة بكل شيء لنفسها ثم غادرت في صمت وتركته يصارع غضبه فكان أشبه بـ تنين ينفث النيران، وخاصةً مع صوته المتوهج بلهيب الغضب وتفوهه ببعض الشتائم لكل شيء حوله.
***
في شقة سليم.
جلس زيدان ينتظر خروج سليم من غرفته بعد أن استيقظ مبكرًا ونهض مقررًا اللحاق بأخيه قبل ذهابه لعمله، فلا فرار من مواجهة أصبحت تمثل عبأ فوق عاتقه، كانت الدقائق التي ينتظر بها سليم طويلة لدرجة اربكته او ربما كان يتوهم ذلك، حاول تهدئة نفسه متذكرًا كلمات مليكة له قبل ان يصعد ونصيحتها حول التزام الهدوء في التعامل مع أخيه.
استمع لصوت باب الغرفة الذي يفتح ومن بعدها خرج سليم في بطء أثار انتباهه فنهض فورًا يستقبله وقد اختفت تعابير وجهه هل يحق له الابتسام واخباره عن مدى اشتياقه له؟! أم يظهر البرود استعدادًا للهجوم الكامن داخل عيون سليم! فبقيت تعابيره مختفية منتظرًا رد فعل سليم على رؤيته وذلك بعدما طلب من شمس عدم اخباره بوجوده بالخارج، ولكن تعابير اخيه كانت مبهمة للغاية رمقه بنظرة أو نظرتان ومن بعدها تجاهل وجوده واستعد للخروج ولكن اندفاع زيدان نحوه جعله يتراجع للخلف محذرًا بصوت جاهد التحكم فيه:
-ابعد.
حاول التريث فقال بصوت غلب عليه التوتر:
-سليم أنا طالب منك بس انك تسمعني.
وقبل أن يرد سليم، كان يزن يندفع بقوته للداخل بعدما علم من مليكة بالأسفل بعودة زيدان، ظهر عليه الارتباك والقلق ولكن لم ينتبه له زيدان وحاول جذب انتباه سليم مجددًا:
-أنا حاولت اتصل بيك واتكلم معاك بس أنت…
بتر حديثه بصوت جهور حاد:
-اوعى تفكر تجيب اللوم عليا، وأنا من حقي مردش عليك حتى وقفتنا دي أنا رافضها.
تدخلت شمس بهدوء وحاولت تهدئة الوضع بقولها:
-سليم لو سمعت اسمعه.
هدر فيها بجنون مما جعلها تتراجع بخوف:
-شمس مالكيش دعوة.
ثم التفت نحو زيدان وهو يقترب منه وقد بدت بوادر انفجاره تظهر تدريجيًا عليه:
-عايز ايه مني، عملت اللي عايزه وانا كنت اخر من يعلم، جاي تتكلم معايا في ايه تاني!
-في اللي خلاني عملت كدا.
قالها بهدوء تعجب له يزن، وقد دعا ربه أن يظل هكذا ولكن صوت سليم المتصلب صدح في المكان بقوة:
-ما أنت عملت كدا خلاص، مبقاش له لزوم اصلاً تتكلم معايا، اللي عندك خلص خلاص.
-اللي عندي مخلصش…
جذب نفس طويل قبل أن يقول بنبرة جسورة:
-أنا محتاج تسمعني في كل اللي عندي، وأهم حاجة ان كنت خاطب نهى بنت عمتك.
شهقة ناعمة من قبل شمس…اختلطت بسبة خرجت من يزن اما سليم فبقي مصدوم للحظات…حقًا لأول مرة تظهر صدمته على ملامحه لطالما كان بارعًا في اخفاء مشاعره…ولاول مرة شعت نظراته بالخيبة والخذلان أمامهم جميعًا.
استدار ببطء ينظر لهما جميعًا باتهام ولكن صوت زيدان المختنق صدح مجددًا:
-مفيش حد فيهم يعرف.
كانت مليكة تقف بزاوية ما بجانب الباب تراقب في صمت ما يحدث ولم تقو على الرد أبدًا، وما ان قابلت نظرات سليم حتى ابتعدت عنه بحرج شديد واحتضنت بعينيها زيدان تشجعه على الحديث، فاطمئن قلبه لوجودها ولكن شمس حاولت اخراجها من هذا الوضع خوفًا عليها من هذا التصريح المدمر ولكنها توقفت حينما صرح زيدان مجددًا:
-مليكة عارفة يا شمس.
تعبير معترض وصادم خرج من يزن حيث انفرج فمه بعدم تصديق لأخيه ولأفعاله…ومما زاد استغرابه هو تقبل مليكة لهذا الوضع بل بدت تساند زيدان كي يُكمل ما بدأه…اجفل على نبرة سليم التي كانت تحمل عنف مكبوت:
-انت مُصر تهدم أي حاجة بيني وبينك…ليه بتكرهني فيك.
اغمض زيدان عينيه بألم لنبرة أخيه المجروحة، ولم يشعر سوى باندفاع شمس نحوه تقول بلهفة:
-روح وراه بسرعة..
فتح عينيه يبحث عن سليم لم يجده بالمكان، ومجددًا اخترقت شمس حواسه بنصيحتها:
-متسبهوش الا لما تتكلم معاه حتى لو رفض…بسرعة.
دفعته صوب الخارج فكانت خطواته في بادئ الامر مبعثرة كحال مشاعره ولكن نبرة أخيه المجروحة ونظرة الانكسار التي طالت عينيه جعلته يهرول بأقصى سرعته وفرض نفسه داخل سيارة سليم رغم اعتراضه…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية منك وإليك اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى