روايات

رواية جحر الشيطان الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الجزء الثامن عشر

رواية جحر الشيطان البارت الثامن عشر

رواية جحر الشيطان
رواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان الحلقة الثامنة عشر

” لأموت انا في سبيل أن تكون هي بخير، أميرة قلبي ”
تخطاها الأمير شبه راكضًا فلحقته، فإذا به يدخل إلى حجرة .. وهنالك بعد الجاريات يحملن بطفلٌ صغير .. طفلٌ جميل .. يشبه الأمير بدرجة كبيرة، إلا أنه كان يبكي، ليس بكاء جائع أو بكاء تعب، بكاء أحست فيه بخوف الصغير المنهار تمامًا، اما ذاك الأبله فـ آثار نفورها وغضبها وهي تراه يصرخ في الصغير ليسكت.. بل يصرخ في الجميع أن يحاول اسكاته ، دلفت فجأة أميرة متعجلة في سيرها تأخذ الصغير بلوعة، جميلة .. بل جميلة جدًا ملابسها وهيئتها وشعرها المنساب على كتفها تبدو كـ حورية.
كاد الأمير أن ينفجر فيها لكنه تمالك نفسه ونهرها أن تهتم بصغيره، لكن الصغير لا يهدأ .. بل ذاد بكاءه وصراخه كأنه يرى ما لا يروه.
ألمها قلبها ألمٌ شديد واندفعت إلى الأميرة واطالة النظر للصغير الذي ظنت أنه سيموت من فرط الصراخ، تجمعت العبرات بعينيها تود القفز لكنها حبستهم جيدًا، وهمست في تأثر ويدها ممدودة :
– هل يمكن أن أحمله، ربما يهدأ معيّ!
فحدجتها الأعيُن الخضروين الجميلتين في عصبيه قاتلة وهتفت دون وعي :
– ما لك أنتِ، اغربي عن وجهي ولا تريني وجهك ولا تبقي أمامي.
ثُم صبت جام اهتمامها في الصغير وراحت تهدده وتروح وتجيء وتهزه، وشردت عينيّ دارين مصدومتين مزهولتين ورغم عن ذلك كانت في سرعة البرق تلتفت إلى الأمير براء بعينين تبرقان ترجوان وهمست في وداعة :
– دعني أجرب ربما يهدأ معي، ان لم يهدأ يمكنك ان تأخذه.
اذرد الأمير لُعابه يُطالعها مليًا، فظنت أنه لن يوافق أن تأخذه لولا عيناه التي تبسمت فجأة وراح نحو زوجته ليأخذ الولد ويعطيه لها، فرمتها الأميرة بنظرات غاضبة والشرر يتطاير منهما وقد لاح لها تغيير في لونها ونار حقًا تخرج منهما فـ ارتشعت ورجف قلبها وهي تضم الصغير تلقائيًا لصدرها وتتراجع للخلف بنظرات هلع، زلت على صدمتها حتى غابت الأميرة، ولم تشعر إلا وكف الأمير يوضع على كتفها هامسًا في قلق :
– أنتِ بخير؟ ما بالك.. اهدئي، اهدئي هذا انا ما بكِ.
قالها مطمئنًا ما أن شهقت مفزوعة باعيُن متسعة، فهزت رأسها وعينيها تجوب الحجرة بحثًا عن الأميرة الغريبة، المخيفة من وجهة نظرها.
شرعت تهز الصغير الذي بدأ يسكن تدريجياً، ترافقها نظرات الدهشة من الأمير الذي خلى الحجرة إلا منهما.
وتأملها وهي تحتضن إبنه بذراع والآخر تناغشه فيضحك ضحكة ساحرة وتضحك ضحكةٌ سعيدة، تلاطفه وتدغدغه وكانها طفلة قد وجدت من يُحيي طفولتها تلك.
اقترب منها وأخذ يلاعب صغيرة مستمتعًا، إبنه الذي هدأ بين يديها هي، وقد كان له فترة لا يرق من دمع ولا يهنأ بنوم حتى ظن إنه مريض، مرضٌ خطير وجاء له بكل الأطباء والحكماء ألا إن الجميع اكد ان صحته جيدة ولا يعاني من اي شيء فضاق ذرعًا.
غمغمت دارين وهي تضحك بطفولة :
– إيه الطفل الحلـــــــو ده، وسكت معايا حضني حنين أكيد مش زي الناس اللي هنا.
طيف إبتسامة مر ثُغره وهو يسمع كلماتها المبهمة التي لا يفقه منها شيء، لكنها بدت تروق له ويحبها ايضًا فهي حين تتحدث بها تبدو طفلة جذابة، سعيدة، مرتاحة، يا الله ستفقده عقله، ولوهلة تمنى أنها هي زوجته أم إبنه اميرة مملكته.
” هذا إبنك؟ ام ماذا؟ ”
تنبه من شروده فيها على صوتها فـ اطال الصمت قليلًا لوجهها قبل أن يقول في هدوء :
– نعم إبني.
– علمت ذلك، فهو يشبهك لحد كبير.
– صدقًا! … أول مرة أعلم هذا.
اخفضت دارين وجهها من نظراته، واضطربت قليلًا متسارعةً الأنفاس، وسئلت بعد ردحًا من الزمن وهي تتأمل وجه الصغير النائم في آمان في حضنها :
– ما إسم هذا الملاك؟
– جعفر.
نطقت دارين فجأة متعجبة :
– جعفر ! اتدري أن أسمائكم على اسماء الصُحابة؟
ابتسم بهدوء ضاحكًا في خفوت، وقال :
– اعلم هذا.
تلاقت نظراتهم لبرهة، فغضت عينيها سريعًا، فبادر هو قائلًا في لهفة :
– كفاكِ الآن وقوف بالصغير، يمكنك ان تضيعيه في سريره وترتاحي انتِ.
فتشبثت هي بالصغير تضمه أكثر، وقالت في نبرة هادئة شبه هجومية :
– سيبقى معيّ، سينام معي لن يبقى بمفرده.
لاحت لها بسمة على زاوية فمه سرعان ما اختفت فـ إذردت ريقها مستدركة ما قالت فراحت توضح بإرتباك :
– اقصد يعني … لقد رأيت كيف كان يبكي ولم يستطع أحد أن يهدأه … فأقترحت ذلك أن سمحت.
فـأجاب بنبرة ناعمة، و ود لو كان في محل الصغير تمامًا بين كفيها و قلبها هكذا، يا الله ماذا دهاه وفيمَ يُفكر انفض رأسه :
– ولِمَ لا أسمح يممكنه ان يبقى معك، لكني اخشى عليه.
صمت متعمدًا، فرمقته في حيرى من أمرها، وحين لم يبرر قالت بعد هنيهة :
– مما تخشى عليه وهو معي وفي قصرك.
فرد بدفاع :
– لا اخشى من هذا
– إذًا!
– أخشى عليه من التعلق، أن يُأسر لشخصٍ لن يدوم معه، أن يعتاد على من سيرحل يومًا، اخشى عليه من الوحدة فيمَ بعد .. أخشى عليه من التوجع و من كسرة القلب يا … يا غريبة.
تأملته دون أن تنبس وكلماته لا تدري هل ألمتها ام أسعدتها!
وبعد وقت .. وقت طويل مشحون بالنظرات فقط كأنها صلة القلبين .. التواصل بينهما، بكل هدوء ودون حرفٍ غادرت بالطفل وتركته، ينظر في أثرها وحيدًا، ضائعًا، تائهًا، فاقدًا للحياة تحت سطوة تفكيره القاتل في غياب اخته المقلق.
🌹 أستغفر الله 🌹
غاب وغابت روحة حضوره الطاغي، يومًا كامل لم تراه ولم تكتحل عينيها برؤيته، ليسكن وجيب قلبها، يا إلهي منذُ متى وكان غيابه يفرق معها، ام اعتادت مشاغبته فقد مرت عدة أيام وهو محور يومها، أجل لم تكن تراه على مدار اليوم كاملًا لكنها كانت تراه لعدت ساعات ربما او دقائق تدور بينهما احاديث عدة، طفله الصغير “جعفر” لم يفارقها وخاصةً بعد ان امر هو بهذا، فحين جاءت والدته لتأخذه هاج الصغير كأنه يرى شبحًا يصرخ ويصرخ بلا هوادة حتى امرها هو بتركه لها، وللحق أنها لم تسترح لهذه المرأة إلبتًا بها شيئًا غريب، شيءٍ مخيف لم تدرك كنهُه تبدو في بعض الأحيان مرعبة رغم جمالها الآخاذ وعيناها الخضروتين وبيضاها آهٍ من بياض بشرتها ولا عيناها انها ساحرة بكل ما تُعنيه الكلمة من معنى، لم ترها منذُ أن عنفها الأمير لأجلها، لأجلها فقط وللصغير أيضاً.
دلف آجار فجأة عابسًا قاطب الجبين يغمغم في غضب :
– وهذا ما كان ينقصني احمق آخر يتطاول بلا داعي!
كلماته كانت مبهمة، غير مفهومة ولم تدرك منها دارين شيئًا لكن لم يخف عليها غضبه فـ إلتفتت وهي تنظر من الشرفة وبين يديها الصغير، وسئلت :
– تبدو غاضبًا يا رجل … ما بكَ؟!
شردت عيناه لوهلة على وجهها ثُم على الصغير، فهتف بضيق بيَّن وهو يجلس على حافة الفراش الفخم :
– ماذا حل بكِ أنتِ؟ … لماذا تهتمين بهذا الطفل؟!
أجابة دارين وهي تقترب إليه بنبرةٌ صادقة :
– هل هذا ما يضايقك يا آجار؟! ولكني سأُجيبك أيًا يكُن … هذا الصغير أشعر بالمسؤلية نحوه لا ادري لماذا، هذا الشعور يتوغل قلبي بطريقة غريبة.. طريقة عجيبة.
رمقها في ذهول رافعًا إحدى حاجبيه فتابعت وهي تجلس إلى جواره، وتنهدت بعمق وهي تتابع ناظرةً بحنو إلى الوجه الملائكي بين كفيها :
– آهٍ لو تنظر إليه وهو يصرخ بين كفايّ أُمه وذراعاه تمتد نحوي كأنه يرجوني لآخذه خوفًا منها … لم أدرك معنى قول خديجة بأن الأطفال أحباب الله إلا حين رأيت هذا الصغير.
ثم إستدارت برأسها نحوه تقول متذكرة :
– ما الذي يغضبك لم تخبرني!
زفر آجار متذكرًا إصطدامه في رجل سمج أمام القصر فذم شفتيه وهو يجيب :
– لا شيء لا تشغلي بالك لقد رأيت شخصٌ احمق توًا أغضبني.
سئلت دارين تلقائيًا مستفسرة :
-هل هو ذاك الرجل الذي يرتدي ملابس من اللون الأسود وتاجًا فوق رأسه الذي دخل منذُ دقائق!
– نعم هو لا غيرهُ، رجل سمج آه بالمناسبة إنه زوج الأميرة المفقودة.
سرحت دارين بغتة وهي تقول :
– أقطع ذراعي إن لم يكن هو خلف إختفاءها فهذا الوجه يشع منه الشر.
إتكأ آجار بكفيه للخلف وقال بصوتٍ أجش :
– أظن ذلك أيضًا ملامحه غير مريحة.
إشتعلت عينا دارين وهي تثب واقفة صائحةً فيه:
– متى ستكف عن مغزالة النساء هُنا ستوقعنا في مأذق أن علم البراء….
قاطع كلماتها إنفجار آجار ضاحكًا ورأسه تتراجع تلقائيًا مع ضحكته حتى سكنت رويدًا رويدًا مع أنخفاض رأسه وسعل وهو يقول وقد أغروقت عيناه بالدموع:
– هل تغارين ام ماذا وللعلم من باب الشيء هُن من يحومن حولي وليس أنا … ثُم إنهن جميلات ماذا عليّ أن أفعل حيال هذا فلا تلوميني، لقد وقعت منهن فتاة في حبي ولا ادري كيف الخلاص منها.
نظر لملامحها المكفهرة في تبلد، فقالت بإشمئزاز أخيرًا :
– غبي أحمق وغبية من تنظر إليك.
وضعت الصغير الذي غفى على الفراش ولم تملك القدرة على وضعه في فراشه وفي حجرته لذا حاوطته بعدت وسادت يمنى ويسر خوفًا من ان ينقلب من فوقه، وران عليهما الصمت إلا من صوت خطواتها وهي تذهب وتجيء، ثم قفزت فوق الفراش وهي تصيح في تحمس :
– آجار يا هذا لقد علمت ربما من يكونوا هؤلاء.
أنتفض آجار من حركتها المباغته وكاد ان يطلق سبه بذيئه ابتلعه قبل أن يبوح بها وغمغم مهتمًا وهو ينظر إلى جلوسها الغريب وهي تجلس على ركبتيها :
– ما الذي عرفتيه فجأيني!
صاحت دارين وهي ترمش :
– لقد رأيت هذا البراء يُصلي كما نصلي فعلمت إنه من الجن المسلم.
– نعم يا روح أمك الغالية!
زمت دارين شفتيها عابسة ودفعته من كتفه قائلة بتذمر :
– لا تأتي بسيرة والدتي يا هذا حتى لا اقطع لسانك هذا.
كتف آجار ذراعيه مكملًا مع حديثها المهيب ليعرف أخرته :
– حسنًا، اعتذر لا اقصد شيء، ولكن لماذا جن!
ردت دارين وهي تفتح ذراعيه مع اهتزاز كتفيها :
– وماذا تسمي هذا، هل لك أن تعرف! اين نحن ومن هؤلاء وما هذه الجزيرة الغريبة، إنهم جن لا محالة ونحن في العالم الآخر.
لوى آجار فمه وهو ينصت في اهتمام، ماذا لو كلامها في محله، وهولاء من الجن حقًا، فماذا يسمي هذا.
لكنه لا ينكر عدم تأني هذا البراء في بحث عن طريقه لهم، يسئل كل من له خبره في ذلك امامه ومعه، لقد ألف آنفًا صداقة عميقة معه رَ مملكته ورعاياه الذين يحبوه حبًا جمًا، و إلتمس حزنه في فقدان أخته وقد دعى لها أن تعود سالمة، معفاه، هذا الأمير يكن له جميل لن ينساه ويود لو يرده له لكن هو أنسان مثله تمامًا ولا ريب في هذا.
فقال بعد تفكير طال :
– لا اظن يا دارين إنه إنسان مثله مثلنا، ربما لا أعرف أين نحن ومن هؤلاء لكن … لكن بدأت اعتاد هذا المكان والبراء يبدو شخصً طيبًا له فضل علينا لن ننساه فلولاه يعلم الله ماذا كان حالنا في هذا المكان الغريب.
وضع يده على منكبها وهمس في حنو :
– لا تفكري كثيرًا، أنا اشعر بخوفك انا معك ولن أسمح لاي شيء مهما يكون أن يؤذيكِ.
ابتسمت لها عينيه بسمة مطمئنة دافئه كأنها تحتويها وتلفها بسياجٌ متين وتضمها فـ بادلته الأبتسامة باخرى مطمئنه بينهما رابط عميق لا تدرك ما هو لكنه يبقى رابط قوي مطنئن محبب لها وشعور أن ثمة من تستند عليه تريح فؤادها…
🌹 استغفر الله وأتوب إليه 🌹
كانت تسير سعيدة كأنها إحدى الفراشات تطيرُ بِحُرية، تختال في ملابسها الجديدة وتمسك بطرفيه بأطراف اصابعها وتدور حول نفسها ضاحكةً في سعادة، فهي تبدو كالأميرة في تلك الملابسة المذهبة وذاك الفستان المطرز وصلت إلى مبتغاها فقد ارادت أن ترى آجار والذي غاب عنها يومًا كامل دون ان يظهر له أثر وهذا ليس من سجيته، تسمرت قدميها على أسكفة حجرته بعد ما دفعت الباب بعد طرقةٌ واحدة دون إنتظار الأذن، تلاشت بسمتها كأن لم يكن لها وجود وأتسعت مقلتيها رويدًا رويدًا، وهتفت في صدمة وهي تخطو للداخل ركضًا :
– آجار يا هذا ماذا حل بكَ؟
كان يتلوى بألم ممسكٌ بجنبه ويأن بوجهًا شاحب مزرق كأنه قد تم ضربه توًا، هالها هيئته هكذا وحين لم تتلق رد أغروقت مقلتيها بالدموع وهي تتفحصه في اهتمام مغمغمه بنبرة متحشرجة :
-آجار أجبني رجاءًا ماذا حل بكَ، من فعل بكَ هذا؟
هم أن يجيبها لكن الكلمات لا تسعفه كأنها باتت ثقيلة فجأة، فضمت وجهه والدموع تسيل من عينيها، قائلة :
– آجار اخبرني من الذي فعل بك هذا، هل ضربك احد، ام انك مريض؟
ثُم قالت فجأة وهي تنهض بشراسة :
– أقسم بأني سأحرق هذا القصر وسترى…
كادت أن تركض خارجة مشتعلة بغضب عميق، وقد ماج قلبها بالشراسة لكن كفه قبضت على معصمها وصوته الهامس يردد في ألم :
– مهلًا، مهلًا يا دارين ليس لأحد دخل بحالتي أبدًا، أشعر أني مريض ، لا، لا ليس مريض لا أعلم، عساي اعلم فأني أشعر بأني اتلقَ ضربًا مبرحًا.
جلست بجانبه على حافة الفراش تمسح على خصلات شعره في وداعة وقالت بصوتًا هادئ رقيق :
– إذًا ماذا أستطيع فعله، هل اطلب لك طبيب؟ ام احضر لك شيئًا؟
هز رأسه نفيًا مستمتعًا بهذا الاهتمام بشدة وهمس في خفوت :
– افعلي شيئا واحد … وهو أن تبقِ بجانبي.
أمسك كفها بين راحتيه وظلت هي بكفها الحر تمسح على خصلاته وتقرأ ما تحفظ من القرآن والتي كانت سور قصيرة هي ما تحصيها فلم تبخل بها حتى راح في سباتٍ عميق، فسحبت كفها بحذر كلا يشعر، ونهضت متنهدة في حزن ومالت تمسح من اول جبهته حتى شعره تبعتها بقبلة عميقة على جبهته، وخرجت مغلقة الباب خلفها ببطئ، أستدارت في راحة سرعان ما انتفضت في فزع للخلف على صوت الأمير براء وراءها يقول :
-ماذا تفعلين هنا؟!
ردت في غيظ وهي تضع يدها محل قلبها المنتفض :
– ماذا هل يفزع احد هكذا لقد كدت تقتلني خوفًا يا هذا، يا إلهي لم تعد هذه حياة.
تبسم الأمير بسمةٌ خفيفة وبرقت عيناه وهو يردد :
– رائع تبدين جميلة في هذه الملابسة كأنك واحدة من مملكتنا، سعيد انها …
– إنها ماذا؟
– رائعة عليكِ وتناسبتك تبدين كـ كـ … كـ حورية بحر.
أطرقت رأسها خجلة باسمة في حياء وابعدت خصلة خلف اذنها وهي تجيب بصوتٍ خافت :
– شكرًا.
تبسم بإتساع وراق له خجلها وتقدم منها يشملها بنظرات محب فرفعت نظرها لتتلاقى أعينهما وطال النظر بينهما كأنه حديثٌ خاص، فتحمحم أخيرًا وسئلها :
-ما رأيك بما انك لا تخرجين ولم تتسنى الفرصة لتري مملكتنا بأن أصتحبك في جولة أحصنة؟
قفزت فجأة مصفقة في سعادة وهذه المرة لم يجفل فقد أعتاد تصرفاتها التي تطيبه و وافقت فورًا قائلة :
– نعم نعم يا ريت هي بنا.
– ألن نأخذ آجار معنا؟
راقب ملامحها التي عبست في حزن فجأة فضيق عيناه وقبل ان يستفسر قالت :
– آجار مريض اليوم لكن سيكون بخير حين يستيقظ يبدو إنه في حاجة إلى راحة قليلًا.
أومأ الأمير براء آسفًا وهو يتمتم :
– هل آتي له بطبيب يطمئنك على صحته.
– لا لا داعي سيكون بخير أنا بجانبه لن اتركه الليلة.
كور قبضة يده فجأة واشتعلت عيناه لكنه لم يتفوه بحرف بينما صاحت هي في حماس :
– هل عدت برأيك في صحبتي على جولة احصنة أم ماذا!
لمعة عيناه بنظرة حنان، ودون وعي وجد كفه تمتد لها هامسًا :
– وهل أفوت عليّ صحبة أميرة مثلك.
وأغلق عيناه وصوت بداخله يردف :
– ” أميرة قلبي ”
كفها بتردد شديد أستكان في كفه فأطبق عليه بأصابعه فـ أضطرب قلبه كأنه دك دكًا مما ذاد من تسرع دقاته ومع كل دقة تهمس بإسمها، متى أحبها وكيف تسللت بخفة إلى شغاف قلبه فشغفها حبًا، متى باتت غالية تلك الدرجة، مشاعر جديدة لم يحياها قبلًا تخبره بسرٌ خطير أن تلك الساحرة التي اسرت قلبه ستوجعه حتمًا.
أمام بوابة القصر الشامخة كان ما زال يضم كفها وهي تقف إلى جواره مترددة بحياءً جميل في إنتظار مجيئ الحارس بجواد الأمير، فمالت عليه تهمس في أذنه في خفوت، وبصرها يتنقل من حولهم خشيت أن يسمعها احد :
– هل سنخرج هكذا ماذا إذا رأتنا زوجتك!؟
هز الأمير براء كتفيه متعجبًا مُرددًا:
– لترنا إذًا وتعلم ايضًا هل تخشين منها.
زمت دارين شفتيها وهي ترتفع على أناملها فمال هو أكثر عليها، بينما همست هي في خفوت شديد وكفها يُظلل فمها:
– لا أخشى أن تتجادل معك إذ رأتني معك وتغار.
ابتسم فجأة بسمة هازئة وهو يقول ناظرًا لعينيها :
– من التي تغار يا أميرتي! زوجتي؟ … اطمئني زوجتي لا يهمها ما الذي أفعله، ثم لا دخل لها بمن اخرج او ادخل القرار قراري وحدي.
– اوه والله!
اكتفى بهزة بسيطة وأمسك بلجام الجواد الذي سلمه له إحدى الحراس وابتعد خطوتين، فـ أشار الأمير برأسه إلى دارين وربت على صهوة الجواد متمتمًا :
– هيا!
أبتعدت خطوة للخلف مترددة، وظهرتْ عليها علامات الخوف وهي تقول :
– لا لا لن اركب هذا الحصان أنا لم افعلها قبلًا، ثم لن استطيع التعامل معه.
مال رأسه قليلًا يتأملها مليًا كـ المأخوذ، وأشار لها بسبابته ان تقترب فدنت منه مترقبة، فقال بحنو :
– ألا تثقي بيّ ام ماذا، ثم من قال لكِ بأني سأتركك … هيا اركبي اقتربي لأساعدك.
بدا له أنها لم تسمعه من فرط ذهولها وهي تطالعه في شرود، فقال بحدة خفيفة :
– دارين، هي يا ابنتي قبل الليل. … دارين، دارين
– ها
قالتها فاعرة فاه، فرفع إحدى حاجبيه وهو يجيبها :
– ما حل بكِ بربك هيا يا فتاة.
ضحكت ضحكةٌ خفيفة وهي تظلل شفتيها بكفها، فخلبت لبه وساعدها مستمتعًا حتى ارتاحت في جلستها وأردف خلفها محاوطًا إياها بذراعيه وهو يمسك لجامه وقبل ان يخطو الفرس خطوتين حتى أستمع وقع خطوات فقال آمرًا دون أن يلتفت :
– لا أحد يتبعني.
فـ جاءه صوت شاب يقول من وراءه :
– هذا لا يصح مولاي دعنا نرافقك.
شد لجام الفرس وهو يرفع يده بإشارة لهم بأن لا يتبعوه وصهل الجواد بقوة كأنها صيحة فرحة وهو ينهب الأرض بحوافره كأنه يعلم مبتغاه غير عابئًا بصراخ من تعتليه صراخة، هدأها الأمير قاطبًا :
– كفى صياحًا يا دارين لن تموتِ.
كادت أن تنهره وهي تفتح عينيها المطبقتين بعنف لكن خطفت عيناها مما تراه فراحت تتأمل البيوت والناس من حولها في انبهار، الأحصنة تنطلق من حولها والجميع يحي الأمير ويبادلهم هو التحية ببسمة لم تزول من فوق ثغره، المباني ذات طابق واحد باللوان تسلب القلب، والأطفال يلهون وضحكاتهم تملئ الأرض بهجة، غاب هذا المظهر لينطلقوا داخل طريق محفوف بالأشجار من كلا الجانبيين، حتى هدأ الفرس رويدًا رويدًا في مكان مليئ بالزهور وأرضه من الخضره وأمامه شلال ماء ساحر، قفز الأمير من فوقه ومد يده ليساعدها لكنها بدت مأخوذة عن الوجود وهي ترمش بعينيها في زهول وتمتمت :
– يا إلهي ما هذا بحق الله هل هي الجنة.
كفه الممدودة لم تبصرها فجذبها برفق وانزلها وهو يجيب :
– بربك وهل توصفين هذا المكان بالجنة التي لا مثيل لها فيها ما لا عين رأت، إنها احد نعم الله فـ سبحانه في خلقه وقدرته.
نزع تاجه وهو ينفض رأسه مسرحًا خصلاته بأنامله فضحكت دارين وهي تحاول كتم ضحكاتها بصعوبة فضيق عينيه منتظرًا التوضيح لكنها انفجرت ضاحكة أكثر وهي توليه ظهرها، فـ سئل مندهشًا :
– ما المضحك بالله لِمَ تضحكين.
كتمت فمها وهي تستدير متأمله لصلعة رأسه من الأمام بينما خصلاته تبدأ من نصف رأسه إلى كتفيه شديدة السواد كـ لحيته الخفيفة المنمقة، حين تأملته راق لها هيئته وأحبت خصلاته فـ تحولت ضحكاتها لبسمة رقيقة، وقالت :
– شعرك مزهلًا لم أرى مثل هذه التصريحة من قبل.
هز رأسه مستخفًا وهو يتربع على الخضرة مشيرًا لها أن تجلس، فقالت بصدمة :
– ما هذا هل ستجلس هُنا ماذا لو راك احد.
– بالله يا دارين ما بكَ اليوم يا فتاة تبدين غريبة، وإذا راني أحد لا ادري ما المشكلة في هذا، ماذا تظننيني يا فتاة؟
قالت دارين مستنكرة وهي تجلس :
– ما المشكلة أنت امير يا هذا!
أغمض عيناه وهو يسترخي آخذًا نفسًا عميقًا من هواء البحر وأجاب :
– وهل لا يحق للأمير أن يعيش أم ماذا!
دارين، أنا احب ان استمتع ان اجلس على الأرض وأتامل البحر واحادثه وربما أبثه بما في جعبتي حين تضيق بيّ وحدتي فهو أأمن صديق يأخذ ولا يبوح لا يمل ولا يكل يأخذ إلى أعماقه، يأخذ أحزانا واوجاعنا ويعطينا الراحة والهدوء، نعم امير لكني بشر ايضًا هؤلاء جميعهم اهلي لا افرق بين قريب وقريب، كبير وصغير كُلا له احترامه.
همت ان تتحدث لكنه رمقها بنظره حادة :
– كفى عن الثرثرة واغلافي عيناكِ واستمتعي.
لوت دارين شفتيها وقامت وهي تجول في المكان مستمتعة كأنها في حلمٌ جميل ومعها فراسها فماذا تريد غير هذا!
لتستمع بلحظة فقد لا تتكرر، ومن يدري قد تنقلب سعادتها لذا فلتغتنمها.
بقى الأمير براء شاردًا في زرقة المياة، مُفكرًا، مُتذكرًا، هذا المكان لطالما جلب أخته فيه … أخته التي لا يدري أين هي وما حل بها … أخته التي أشتاق لها كثيرًا وكم يود لو يضمها بين ذراعيه ليخفيها عن العالم … كيف تختفي من حياته بتلك الطريقة، إن قلبه يشتعل تتوقد فيه النار ولا يطفئها ألا رؤيتها سالمة.
ضجة دارين أنتشلته من شروده دون انذار كأنها تعطيه أنذار بوجودها وإنه غير مسموح التفكير بأحد وهي معه فنهض مقتربًا منها عاقدًا ذراعيه وهي تدور حول أحدى الأشجار كأنها طفلة صغيرة تُلهي نفسها، نادها لتقف أمامه عابسة فـ اردف متسائلًا :
– لماذا تدورين هكذا.
كتفت ذراعيها مثله وهي تلف ناظرة بعيدًا عنه و همست :
– ألهي نفسي ربما فثمة من جاء بيّ وتركني بمفردي.
– أوه، لقد أحزنتك دون قصد يا صغيرة؟
ردت دارين غاضبة وهي تلوح بكفها :
– لم احزن يا هذا، ثُم كفى عن مناداتي بصغيرة انا لست صغيرة.
– بلى.
– قُلت لا.
– بلى صغيرة.
ضربة دارين الأرض بقدمها وما كادت أن توبخه حتى وضع سبابته على فمها يمنعها عن الكلام، وردد في لطف :
– بلى أنتِ صغيرة تشبهين الكبار ببراءة الأطفال أبقى دائماً هكذا رجاءًا ولا تجعلي الحياة تغير منك شيء مهما جاءت بهمومها واوجاعها واحزانها حافظي على تلك البراءة بداخلك يا حورية..
رمشت بأهدابها تستعب كلماته قبل أن تشير إلى نفسها في صدمة هامسة :
– من أنا.
ابتسم لها دون ان يجيب وبعد هنيهة من الصمت ضم كفها بين كفيه يسيرون جنبًا إلى جنب قُرب الشلال الرائع، عندئذ سئلها سؤالٌ يؤرقه لم يستطع دفنه :
– هل آجار زوجك؟
اضطرب فؤاده خوفًا من الإجابة، بينما قد عُقد لسانها من قُربه المهلك وبعد برهة ردت مطرقة الرأس :
– لا.
تنهد براحة تنهيدة عميقة استشعرتها، وقال :
-إذًا أخيك أم بماذا يقربك؟
– لا يقرب ليّ بأي شكل.
وقف مكانه يصيح مستنكرًا :
-ماذا، هل تمزحين؟
هدرت فيه دارين غير مراعية لشيء :
– فيمَ امزح بالله عليك! هو ليس بقريبي وليس بأخي ولم أعرفه إلا في قُرب وقوعنا هنا.
قطب جبينه من ردة فعله وهو يردف :
– سبحان من رزقك الهدوء يا فتاة فـ وأنتِ هادئة كأنك ملاك ألا تعلمين كيف تتحدثي بلباقة.
تخصرت وهي تهتف مستنكرة :
– لباقة؟ تركتها لك يا استاذ لباقة.
ضرب الأمير براء جبينه في غُلب متمتمًا :
– سحقًا للساني الذي تحدث معكِ في شيء.
– يا هذا انا امازحك فقط لا تصبح جدي لتلك الدرجة.
لم يعيرها أهتمام وهو يكمل سيره وقد ترك كفها، وقال :
– لكن آجار يبدو خائفًا عليكِ طيلة الوقت، لقد جن جنونه حين وضعتك في السجن ولو كان في استاطعته لقلب الدنيا رأسً على عقب فكيف هذا أذًا وما ذاك الشيء الذي بينكم.
ردت دارين باسمة شاردة :
– لا أعلم ربما لأننا من مكان واحد ويجمعنا لقاء واحد ربما وضع تحمل مسؤلية عودتي على كاهلة لأني فتاة وبمفردي وهذه شهامة منه ليس إلا، لكن مع ذلك أنا أيضًا اخاف عليه من ان يصيبه اي شيء وحتى أن كان غريبًا أظنه لم يعد منذُ لقاءنا.
سكت مليًا متأملًا إياها وحين الشفق كان المنظر بديعًا والهدوء بنسمات حلول الليل منعشًا وحفيف الأشجار كان له صوتٍ جميل وصوت شلال المياة المتدفق كان منظر يسلب القلب قبل العين، الزهور بدت ألوانها أجمل في ظلمة الليل، تنفست دارين نفسٌ عميق وهي تطبق أجفانها وهمست بوداعة :
– يا الله كم هذا جميل، سبحان الله.
نظر إليها البراء ولم ينبس لوهلة ثُم قال :
– هيا بنا لنذهب.
فـ عبست دارين بحزن حقيقي وتكدر وجهها، وقالت :
– بهذه السرعة؟
– لا تعبسي يا صغيرة سنأتي مجددًا هذا وعد.
– قُلت لك لا تناديني بصغيرة.
أمسك كفها بحنان فجأة، فرفعت رأسها تنظر له، كان ضوء القمر يلقي بضوءه على وجهه لينيره، كأنه يشاركهم لحظتهم ويشهد معهم، فهمس الأمير بما يعتمل صدره :
– يا صغيرة هل تتذكرين حين أخبرتك بأني أخشى على ابني من التعلق و وجع القلب وكسرته؟!
أذدردت دارين لعابها في توتر وهي تؤمأ برأسها، فتابع بصوتٍ رخيم :
– أنا الآن أخشى على قلبي.
ران الصمت لـ ردحًا من الزمن تلاقت فيه الأعين بلقاء يقرب القلوب برباط متين، وأضاف فجأة ببسمة ساحرة خاطفة تكاد لا تظهر :
– على مرآى من هذه النجوم والقمر شاهد بيننا على قدر ضوءه أقسم أنك سراجًا وهاجًا تسلل في خفة لقلبي فأناره بنور السعادة ومحى عتمته الحالكة وأحيا النبض في قلبي.
أنهى عبارته واضعًا كفها على قلبه في رقة، واسترسل دون ان يرف له جفن وقد تفعمت مقلتيه بمشاعر شتى :
– قد لا أعلم عنك شيء، لكن هذا القلب يخبرني خلسة إنه قد وجد ضالته، مسكنه، وبيته، وسكينته، أن أخبرتك أني أتمنى ذهابك ورجوعك لوطنك فأنا كاذب للحق بداخلي شيء يدعوا ليلٍ ونهار أن لا يكون هنالك طريقة لإبتعادك عني، قد تعودين لوطنك لكني سأفقد وطني، اعلم هذا شيءٍ عجيب ان يغرم الفؤاد بغريب سيعبر من فوق قلبي تاركًا له مكان إذ لم يكن كله، لكنك يا غريبة كلما نظرت في عينيك أستشعر إني أعرفك منذُ دهر، أحسك ابنتي ….
تغضن وجهه فجأة وامتقعت ملامحه حين هوت دموعها هويًا على وجنتيها فضم وجهها تلقائيًا يهتف في قلق :
– لماذا تبكين هل قُلت ما يغضبك، أنا … أنا.
بُتر كلماته حين هزت رأسها وهي تقول من بين شهقاتها :
– استقت إلى عائلتي كثيرًا، أشتقت إلى بابا هيثم فأني لا اشعر بالأمان اتدري ماذا هو ليس بـ ابي لكنه أبي.
ضيق عيناه دون فهم فوضحت وهي تكفمف دموعها :
– لقد توفى ابي وانا صغيرة وهيثم هو من رباني كبرت على يديه فكان ليّ الأب والأخ والصديق أنا اشتقت لـ اروى وخديجة وماما سجى ولجدتي لمار اشتقت لهم جميعًا.
قال البراء متفاجئًا :
– كم أم واب لديكِ أنتِ يا فتاة من كل هؤلاء؟
ضحكت فجأة وهي تتهرب بعينيها عن عينيه فهمس باسمًا :
– نعم هكذا لا تخفين هذه الضحكة لأي سببًا كان أجعليها تهل في سماءي لتنيره فإذ غابت يغيب القمر.
غمز لها فجأة فصرخت فيه متخصره :
– هل تغازلني يا هذا ام تتحرش بيّ.
رفعت سبابتها وتابعت في حدة :
– لا تظن إني اني لا استطيع الدفاع عن نفسي فـ أنا آكلك يا هذا وآكل نبضات قلبك وأهشم رأسك الجميل هذا.
رفع إحدى حاجبيه مندهش وردد :
– تآكلين نبض قلبي! وتهشمين رأسي الجميلة! بالله كليهم يا فتاة لا بأس عندي هيا يا دارين كفانا اليوم.
تخطته إلى الجواد فغمغم هو في نفسه:
– هل كانت تغازلني ام تهددني
قبيل دخولهم للقصر نادى إحدى الحراس على الأمير فـ أشار لـ دارين ان تدخل هي واستدار هو للحارس الذي اقترب وقال مطأطأ الرأس :
– مولاي لقد تم إيداعه في السجن كم امرت ولم يكف من حينها عن الصياح بإسمك فماذا ترى.
ابتسم البراء في خبث ماكر وهو يولج القصر :
– إذًا لنلبي دعوة زوج اختي هو ضيفنا يا رجل.
” لنطمئن على السيد آجار كيف اصبح ”
قالتها دارين وهي تفتح باب حجرة آجار وتطل برأسها لتجده واقفًا بجانب الشرفة ممسك بكوبٍ به مشروبٌ ما، فدنت منه متهللة الوجه وهي تقول في فرحة :
– اوه أراك بصحة جيدة يا رجل أعتقد أني سأتي واجدك ميتًا او ما شابه.
انقض عليها فجأة ملقيًا الكوب من يده في عنف فـ اجفلت منتفضة أمسك بمرفقها وهو يجأر في غضب اعمى :
– أيـــــــــــــــن كنتِ يا بنت كدتُ أجن لماذا تخرجين مع هذا الرجل بمفردك لماذا لم تخبريني.
صرخة دارين مثله وهي تفلت ذراعها في عنف :
– اترك يدي يا آجار لا يحق لك سؤالي.
هجم عليها يهزها من مرفقيها وهو يهدر غاضبًا وقد اشتعلت عيناه :
– كيف لا يحق لي، ماذا إذا حصل لكِ شيء هل تهذين.
– يويويوه أنت يا عمي ملكش دعوة بيا وبعدين هيحصلي ايه يعني ولو حصل إي يعني هموووت.
لجمته كلمتها فترك كفيها فجأة، وراح ينظر لها مليًا قبل أن يقول بلهجة تجمد الدم في العروق :
– إياكِ يا دارين لم تري وجهي الثاني للآن ولا اتمنى انك تريه دعي هذه الأيام تمر على خير وتجنبي غضبي، والآن هي إلى جناحك غدًا، غدًا سنرحل من هنا سنغادر وسنبحث حتى نخرج من هذا المكان متأكد ان أراس الآن ارسل من يجدنا، هيا.
أغروقت عينيها بالدموع وهي تهمس :
– أنتَ يا هذا أقسم بأن حينَ نعود لأجعل جدتي لمار تبرحك ضربًا حتى لا تصرخ في وجهي هكذا مجددًا.
انصرفت من أمامه وما همت بفتح الباب حتى جذب كفيها وادراها لتوجهه وقال بصوتٍ اجش :
– دارين لا تبكي يا بنت أقسم إني الساعات التي مرت كدت أن اموت فيها من قلقي عليكِ لا تبكي يا صغيرة حسنًا هذا من خوفِ عليكِ ام انك تعاتبيني على هذا الخوف الذي لا دخل ليّ به كان ينهش قلبي يا اختي الصغيرة.
ازاحت دموعها فجأة وهي تهمس في تريث :
– أختك الصغيرة؟
– نعم اختي، ام انك تريدين ان تصبحي شيء اكثر من هذا؟!
انهى جملته تزامنًا مع غمزة جميلة جعلتها تضحك وهي تهز رأسها في يأس منه.
🌹 لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🌹
صرخة، صرخةٌ شقت سكون الليل رجت الأرض رجًا، ومزقت قلب آجار التي كانت بإسمه ليفتح عينيه على وسعها مع صُراخ دارين المرعب بإسمه فهب جالسًا يصرخ بإسمها وهو يركض للخارج يكاد يتعثر في كل ما يقابله…
قبل دقائق وبينما هي نائمة والصغير بجوارها الذي اعتادت وجوده إذ احست فجأة بإهتزاز في الغرفة زلزل فؤادها قبل أن يزلزل المكان فرمشت وهي تفتح عينيها فهالها طيف شبح عملاق له حوافر مخيفة وأسنان بشعة وجهً أسود وجسدٌ ضخم الهيئة أسود عيناه حمراء متسعة دون بؤبؤ لهما انتفضلت جالسة وهي تحملق في قدومه البطيء نحوها، وظلت تزحف على الفراش بفؤاد خيل لها أنه توقف عن النبض من هول ما راى، دموعها كانت تنساب كأنها شلال على وجنتيها، جسدها دون مقاومة كان يرتعش ويرتجف سكنت حين فتح فمه وهو يجثو على الفراش نظره على الصغير جعفر فأخذت الصغير بين ذراعيها تحميه من هذا الشيء الذي لا تعرف كنهُه، رويدًا رويدًا ماج صراخها مع صراخ الصغير واطبقت عينيها عن مظهره المخيف في قوة، انقض كف ضخم اكحل اللون على ذراعها ففتحت عينيها وهي تحاول الوقوف والإبتعاد، وكفها الآخر يكابد كلا يقع الصغير او يأخذه، نظرت إلى الباب وهي تصرخ بإسم آجار فـ ترآت زوحة الامير تقف عاقدة ذراعيها وتبستم لها بشماته وعينيها تخرج منها نيران وقد بدأت بنزف الدم، صرخت صرخة متألمة حين عصر ذو الهيئة السوداء كفها في فمه، فأوقعت الصغير من يدها ولسان حالها يصرخ بإسم آجار الذي برز فجأة عل اسكفت الحجرة متسع العينين وقد اختفت زوجة الأمير، صرخ بإسمها مرتعبًا وهو يهجم على هذا الشيء الضخم فوق ظهره وراح يلكم رأسه صارخًا في دارين ذات الذراع النازف ان تبتعد فحملت الصغير وهي تهبط من فوق الفراش مبتعدة لآخر الغرفة، و ولج الأمير مشهرًا سيفه سرعان ما تشابك مع هذا الغريب الذي طرح آجار أرضًا وكاد أن يدهسه بقدمه فغرس السيف في باطنها ليسقط صارخًا صرخة عالية بهزه عنيفة زلزلزت المكان، هجم الحراس عليه والأمير لكنه كان بيدًا واحدة يطاير السيوف ويقبض عليهم يأكل لحومهم في سرعةٌ فائقة، كانت قد جثت جوار آجار واعطت الطفل لأحدى الخادمات، وما أن أنهى على الحراس واصاب الأمير الفاقد الوعي حتى قبض بذراع واحد على دارين التي تشبثت في كف آجار الذي حاول ان ينهض فـ سدد له ذو الهيئة السوداء ضربة قوية على رأسه جعلته يعود أرضًا مرتخى الجسم وهو ينظر على غياب دارين رامشًا وغمغم هامسًا قبل أن تميد به الأرض ويحيطه السواد ولا يرى شيء. ” دارين يا أختي الصغيرة مستحيل اسمح ان يصيبك اذى ”
كافحت ان تبعده ضربته بذراعيها وقدميها وهي تتلوى لكنه كان كـ المبرمج يسير دون ان يشعر، يحمل الصغير الباكِ الذي أخذه من الخادمة عنوة ودفعها دفعة قوية، وفي الآخر كان يحملها هي…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية  كاملة اضغط على : (رواية جحر الشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى