روايات

رواية جحر الشيطان الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الجزء التاسع عشر

رواية جحر الشيطان البارت التاسع عشر

رواية جحر الشيطان
رواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان الحلقة التاسعة عشر

تجمعن الفتيات بعد صلاة ظهر الجمعة حول خديجة، يحيطوها كما يُحاط الخاتم بالأصبع، ملتفون حولها في حلقةٌ دائرية، قلوبهن في لهفة لدرسها اليوم، يأتون لها وهم على علم بأنهم لن يخرجوا كما أتوا، فبعد قليل سيرحلون بقلوبن عامرة بالإيمان زاهدة في الدنيا راغبة في الآخرة، الآذان مشتاقة لصوتها البديع الذي يعبر لقوبهم وارواحهم ويتوغل بين ثناياها تاركًا أثرٍ عظيم لا يُمحى.
وجهها الوضاء المشرق مبتسم، ملامحها المريحة ضاحكة، كل ما بها يبثُ الراحة والأطمئنان في الفؤاد، تحمحمت تجلي صوتها وعيناها تدور في الوجوه من حولها تنهدت بعمق وهي تبدأ قائلة :
– كيف حالكم يا أحبابُ الرحمن، أتمنى أن تكن بخير جميعكن في افضل حال وصحة وراحة بال، تحدثنا فيمَ سبق عن سكرات الموت للعلم لم نعطها حقها فـ الحديث يطول عنها، اما اليوم فحديثنا رهيب عن عالم آخر ربما، نعم عالم آخر مظلم مخيف موحش، به حساب ثم جنة او نار، الآن حبيباتِ أغلقن أعينكن، أغلكن اغلكن هيا لا تخفن، وتخيلوا ولا تقطعوا حبل التخيل، أن جاءكِ ملك الموت وحضرتك سكراته وها روحك تخرج والصراخ والعويل يعم المكان، ثُم يغسلنك وانت لا حول لك ولا قوة ثُم يُدعون جسدك في كفن تحمله الأكتاف بعد ان يُصلى عليكِ وينزلونك القبر ويرحل الجميع، الجميع بلا استثناء فها أنتَ يا ابن آدم وحيد وسط ظلمة كاحلة لا ينساب فيها بصيص نور حتى، وحيدًا بلا مال ولا جاه ولا صديق ولا أخ ولا حبيب ولا والد ولا والدة بمفردك تمامًا خالي من كل شيء والأهم أنتَ بمفردك .. يأتيكَ ملكان يدعان منكر ونكير يجلسوك وها وقت الثبات قد حان، فكيف ظننت ان الموت ليس آت وتعمقت في الحياة وانغمست في ملاذاتها غير آسف غير مدرك متى أجلك، فـ الأجل ليس له معاد او مكان او زمان ربما الآن وأنت جالس بيننا لن يصرفه عنك احد ولن يشاركك احد. ولن يشعر بك احد ستواجهه لوحدك نحن فقط سننظر ونبكي وربما نتعظ وربما لا، لكن حتمًا هُنالك قلوبٌ ستتزكى.
قطعت كلماتها تأخذ نفسًا عميقٌ تهدأ انفاسها وضربات قلبها، وسكتت لـ هنيهة قبل أن تُتابع قائلة في نبرة رخيمة :
– عذاب القبر يشمل الروح والبدن وليس البدن فقط او الروح فقط و لكم حديث عن سيد الخلق، عن نبي الرحمة، والهداية، حديث يصف لنا ما سنلقاه عند دخولنا القبر، القبر الذي لن نأخذ له معنا شيء إلا أعمالنا الصالحة، الصلاة، والصوم، وفعل الخير، صدقتك، وذكاتك وما أحصيته من القرآن، فهل هذه الاشياء تُهجر؟
علينا ان نهجر ملاذات وآثام الحياة فقط.
في الصحيحين عن أنس أن النبي _ صلي الله عليه وسلم _ قال:
إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ -لمحمد- فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما، ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً، ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون. وأما الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه”.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (يسمع قرع نعالهم – فيقعدانه – ضربة بين أذنيه – فيصيح صيحة – حتى تختلف أضلاعه ) كل ذلك دليل واضح على شمول الأمر للروح والجسد.
الحديث ليس في حاجة إلى فإذ تأملته وتعمقت كلماته عرفت عذاب القبر.
ثُم نأتي إلىٰ حديثٍ آخر رواه الترمذي من حديث أبي هريرة بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل، فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال: نم. فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم . فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً فقلت مثله ، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك”.
فقوله: “فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه ” صريح في ذلك.
سكتت تلتقط أنفاسها والبسمة مرسومةً علىٰ ثُغرِها تجول بعينيها علىٰ الوجوه التي ظهرت فيها علامات التأثر والخشوع، بعضهن فاضت أعينهُم دمعًا من خشية الموت والتفكير فيه وفيما سيجري في القبر.
تُرى هل سنُثبت عن سؤال الملكين أم لا؟ هل سينر قبرنا أم لا؟
تلك كُلها امورٌ مُستترة في ضمير الغيب لا يعلمها إلا الله.
وما نحن إلا في إمتحان نسعى لُه حتى ننجح ونجتازه بإمتياز لنفوز بالحياة الأبدية، بمسكن لنا في الفردوس الأعلى، ويا الله إذ كان جوار الحبيب محمدٍ وصحبه والشهداء، تخيلِ معيّ حبيبتي ولا تحرمي عيناكِ من التخيل فإنا لا نملك غيره، ماذا لو كان لكِ قصرٌ في الجنة نعم الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ناهيكِ عن هذا يكفي إذ بها الرسول، الحبيب محمد نبي الرحمة وأهله والصحابة يا الله ألا تستحق الجنة أن نجهد ونسعى لأجله، ألا نستحق ان نزهد من ملاذات الدنيا لملاذات الآخرة.
أخذت نفسًا عميقًا وأدمعت عينيها، أطرقت برأسها وقالت بصوتٍ يُهدده البكاء :
– عن البراء بن عازب الطويل الذي رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة والحاكم وغيرهم بسند صحيح وأوله: “إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه ” وفيه: ” يحملونها (الروح) في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط… ويصعدون بها… فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيجلسانه…… وفيه: ” فيفسح له في قبره مد بصره ” . وفيه عند الحديث عن العبد الكافر وأن الملائكة تصعد بروحه فلا تفتح له أبواب السماء ” فيقول الله: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ……” وفيه: ” ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه” ، وهذا صريح في أن الروح مع الجسد يلحقها النعيم أو العذاب.
حان الآن أن نعرف ضمة القبر، ضمة لا ينجو منها أحد، كبيرًا او صغيرًا، مؤمنًا ام كافرًا، صالح كنت أم طالِح، ضمة قال عنها الرسول، لو كان أحد ناجيًا منها، لنجى سعد ابن معاذ، هل تعلم من سعد نعم إنه هو “سعد بن معاذ” الذي اهتز عرش الرحمن لموته.
– عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ )
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الذي تحرك له عرش الرحمن -يعني سعد بن معاذ- وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضُم ضمة ثم فرج عنه. ” رواه النسائي ”
عن أبي أيوب رضي الله عنه : أن صبيًا دُفنَ ، فقالَ صلى الله عليه وسلم :
( لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ لَأَفْلَتَ هَذَا الصَبِيُّ ).
تابعت خديجة وعبراتها تسيلُ على خديجة :
– ما بالكم قد غرتكن الحياة الدنيا وزينتها وفتنتكن وقد امتلئت فتن وأنتِ لا تجاهدين لتتجنبيها اراكِ تغرقي يا أختي، هلا فكرتِ في سكرات الموت وخروج الروح، هل فكرتِ في القبر، ظلمته، وحشته، سؤال الملكين، وضمته، ماذا تعتقدين نفسك هل تفكرين انك ستنجي؟ لو نجى احد لكان معاذ، هذا معاذ يا اختي الذي اهتز له عرش الرحمن فمن أنتِ بالله؟
عذاب القبر يا اختي لن يراه أحد ولا يسمعه احد ستكوني وحيدة يقول الله تعالى ( وما أنت بمسمع من في القبور ) فاطر/22
لمثل هذا اليوم اعملي يا حبيبتي فأن الموت والله آت واخشى عليكِ أن يأتيك على معصية، فبادري إلى صلاتك مع كل ( الله أكبر ولا تأجليها فما تدري نفسٍ متى الأجل، صومي وتصدقي ولو بجنيهًا ولو بشربة ماء لعابر سبيل او كلمةً طيبة لشخصٌ حزينٌ بائِس، تجنبي فتن الدنيا ومن الآن توبي عن كل ذنب وابتعدي سيعوضك الله صدقًا في جنته ضعي الجنة صوب عينيكِ وسيري إليها، اعلم السير صعب وقد تكون على ظهرك مُعيقات لا بأس ألقيها، ألقي هذه الذنوب الحائل في طريقك للجنة، فـ السائر إليها بحاجة لظهرٌ خفيف الحمل.
رُج المسجد بالبكاء، وربما بكيتِ أنتِ أيضًا يا من تبحر عيناكِ الجميلتين بين كلماتِ فـ أخبريني كيف حال قلبك؟
هل تراكِ كلامِ فيكِ أثر، أو زحزح فيكِ أي شيء؟
هل اتعظتي وإني والله أعلم ان كلماتِ ربما لا تجدي نفعًا فكيف ليّ أن أصف القبر وضمته لكن ربما كنت سببًا في صلاح قلبك يومًا وربما هداية ارسلها لكِ الله، قد تتخطين الفقرة الدينية وقد تقرائيها فإذ سبحت عيناكِ فيها فـ رجاءً دُعي عينا قلبك أن تقرأ وتلمسها واتركِ الباقي لله…
أزَحت خديجة دمعها، وَ وجهها المستدير بدا كـ القمر في ليلة كماله، وعينيها تلمعان كنجمتين في سماءٍ صافية، وأردفت مشرقة المحيا :
– الآن هل أحد لديه سؤال؟
– حادثينا عن الخِطبة يا خديجة؟
قالتها إحدى الجلسات، فنظرت لها خديجة، وقالت :
– لنا درسٌ خاص له لكن إن شاء الله بعد دروس يوم القيامة واهوالها إذ إذن الرحمن … وإذ كان احد آخر له سؤال أو يريدني ان اتحدث في شيء ليكتب ذلك في ورقة ويعطيها ليّ قبل رحيلي، وقبل ان ننهي هذا اليوم الذي هو من احبُ الأيام لقلبي أردت ان اهديكم هدية.
أتدرون إننا في دقيقة يمكننا بناء قصرٍ في الجنة؟
– كيف ذلك ؟
– أن نقرأ سورة “الإخلاص” عشر مرات.
لن تأخذ منكِ إلا دقائق قلائل، تستحق تلك الدقائق ان تغتميها ولو مرةٌ في اليوم إنه قصر يا فتاة، وليس إي قصر إنه قصر في الجنة حبيبتي.
🌺اللهم اغفر ليّ خطيئتي يوم الدين 🌺
بعد إغلاقها للمسجد هي والفتيات وقد سبقوهن أُمهاتهم، وفي طريقهن نحو السيارات المرتكنة، وبينما هي تضحك في خفوت وتتسامر معهن جُحظت عينيها حين رأته واقفًا في أحلى طلته عويناته التي تخفي عيناه المعلقة بها ، يديه الموضوعة في جيبي معطفه الأسود ارتكانه بظهره على السيارة برفع إحدى قدميه تبسم لها فشحب وجهها خوفًا، وفزعًا، وتوجسًا، داهمها فجأة الدوار فـ أمسكت تلقائيًا بذراع ملك وكتف اروى، فبادرت ملك قائلة بنبرة قلقة :
– خديجة، أنتِ كويسة؟! مالك أنتِ دوختي فجأة ولا أي!؟
استبان انها لم تسمع إذ كان بصرها لا يحيد عنه خاصةً حين مرآها متشبثه في ذراعيّ الفتاتين وتقدم خطوتين…
قاطع زمهرير افكارها أروى تهمس :
– ديجا، في حاجة ولا إيه؟!
هزت خديجة رأسها مجيبة :
– لا، لا مفيش حاجة بس نسيت حاجة مهمة وهو إني لازم اطلع على المستشفى، يلا ارجعوا انتوا البيت وانا هاخد تاكسي وأروح.
رفضن الفتيات واوصلها في طريقهن وفي نفسها كانت تعلم إنه يتبعها وإنه لم يأت إلا للمصائب، يا الله إنها تخافه وبشده، هل جحيمها سيبدأ الآن أم لا؟لقد ظنت إنها نجت ثم يخرج أمامها هكذا كشبح سيسلب كل الحلو في حياتها.
اسرعت خطاها في المشفى حتى اوصدت باب مكتبها خلفها بعنف وهي تتنهد تبًا لك يا اراس، ماذا يريد، لماذا عاد.
طرقة خفيفة كانت تعلم لمن، و ولج دون إذن ناظرًا لها مليًا كأنما يروي ظمأ عينه خلع نظراته وعيناه جالت فيها من رأسها لأخمص قدميها، وأخيرًا بعد دقائق من القلق والخوف اللذان نهشوا قلبها قال في هدوء :
– ألن تدعوني للجلوس يا طبيية ام ماذا، فـ اريد ان اكشف.
اذدردت لعابها وهي تشير له على المقعد بحروف متعثرة :
– إتفضل، إتفضل اقعد.
سبقته لتجلس خلف مكتبها وجلس أمامها، تبًا له ألف مرة ما زال يلتهمها بنظراتها التي لا تحيد عنها والسكون كان لها كـ النار تآكل من جسدها، ماذا لو كانت لا ترتدي نقاب ماذا يا ترى كيف كان قد ذاب فيها هذا المجنون كيف بالله احبها، وهل لقلبه ان يعرف الحُب.
لا بأس ستصبر حتى تسفر عن سبر اغواره، لتدحر التفكير الآن جانبًا وتتحل بالشجاعة، رفعت رأسها في كبرياء وقالت في وجوم :
-ماذا تريد مني بالتحديد يا اراس لماذا عدت.
مال بيمناه على المكتب و وجهه قائلًا :
– كان ليّ ان أعود فقلبي وروحي وجم نفسي هُنا بالتحديد، فكيف بربك اتركهم؟
كظمت غيظها وهي تقول في شراهة :
– سحقًا لقلبك ولروحك ولنفسك ولك يا رجُل.
لم تتلق ردًا غير بسمةً سخيفة انبلجت على شفتاه، ورجع بظهره للخلف مسترخيًا وقال في هدوء متلذذًا :
– عيب ان تحادثي زوجك المستقبلي هكذا يا بنت.
وثبت من مكانها، تضرب بقبضتها على المكتب، متسعت العينين تحدجة بغضب صائحةً فيه :
– من زوجتك هذه يا هذا هل جُننت إنطق ما الذي تتفوه به!
في هدوء مستفز قال :
– ششششش لا احب الصوت العالي هذا اولًا، ثانيًا مسموح لكِ أنتِ فقط يا خديجتي.
– لك تبًا لخديجة وللذي جاء بها على هذه الحياة ستفقدني عقلي يومًا ما، ماذا تريد مني….
قام واقفًا وهو يقول في برود مزررًا معطفة :
– أُريدك وسأحصل عليكِ وسترين.
همت ان تخطو نحوه وتوبخه إلا أنه اشار لها بالسكوت هامسًا :
– هشششش ثمة مرضى لا نريد إزعاجهم، أنتِ طبيبة عيبٌ عليك.
دنا منها ومع كل خطوة تتوجس خفية في نفسها، وينكمش قلبها رهبة، وقف قاب قوسين او أدنى منها ومال برأسه قليلًا نحو وجهها وتمتم في نبرة مهددة لا تخلو من مسحة حنان وعشق :
– حين أأتي لطلب يدك ولو تم رفضي من قبل اهلك فستوافقين وستجعليهم يوافقون يا خديجتي وإلا..
تبسمت خديجة هازئة و رغم رعب فؤادها قالت في حدة :
– إنك تحلم يا هذا أنا مستحيل أن اوافق ماذا ستفعل اين تظننا يا ترى أتعلم ابنت من اكون انا؟ لك اهلي جميعهم يزوجُ بك تحت الأرض ولا يعرف لك احد مكان.
– تؤ تؤ تؤ عيب عليكِ يا خديجتي، ثمة فرق يا روحي عن طريق الحق وطريق الباطل طريق الباطل يفعل المستحيل ليأخذ ما يُريد..ويتلذذ بضحياه مما لا يخطر على قلبك النقي هذا، إن رفضتي ولم تقنعيهم حينها يا خديجة اقسم لكِ بأن حياة عائلتك كلها ستصبح جحيم وستتلقي ارواحهم سابحة في دمائهم دون ذرة رحمة كـ اوراق خريفٌ بالية.
اعتدل في وقفته واولها ظهره مطبقًا جفنيه يخبئ عنها عيناه التي ستفضح كذبهُ لا محالة، وقال في تعجل قبل ان ينصرف :
– سأتركك لتفكري يا خديجة وأنتِ من ستكرر مصيرهم، إلى اللقاء الآن.
خرج مخلفًا وراءه إنسانة سُحبت عنها روحها، وكـ الجسد الصلب سقطتت فوق المقعد فاقدة لكل شيء، وتواترت الأفكار في أغوارها، أفكار كان جميعها سيئة، يا الله يُخيل إليها الآن ممرضة تدخل عليها تطلب منها المجيء في الحال لحالة طارئة، حالة لم تكن إلا لـ خالد أخيها غارقًا في دماءه ملامحه تكاد تُخفى، انتفضت صارخة والدموع تنساب إنهمارًا على وجنتيها توقع بحنون كل ما فوق المكتب حتى راحت تضرب فوقه بذراعيها، ففُتح الباب وهرولت نحوها إحدى الممرضات تسئلها في قلق وقد هالها رؤيتها بتلك الهيئة المحزنة التي لأول مرة تعهدها عليها :
– دكتورة خديجة، حضرتك بخير تحبي اتصل على حد من عيلتك يجي لحضرتك؟!
نظرت لها خديجة نظرة خاطفة وقامت متناولة حقيبتها من الأرضية وغادرة دون ان تنبس بحرف…
🥀 لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🥀
كم مر من وقت، وكم انقضت ساعات لا تُذكر، كانت في أمس الحاجة لعزلة …عُزلة تختلي فيها بنفسها فـ ربما تجد حل، لكن كل الحلول مغلقة، لا نفاذ لها، أين السبيل واين المفر من القدر!
لا يوجد، لذا عليها الإذعان ستترك كل شيء دون أن تحاول إبعاده وليتم المكتوب والمقدر لها، بقلبٍ منفطر وأعيُن تغشاها الدمع كانت تسير في الطرقات تائهه، مقهورة، دروبها أظلمت فجأة، حسمت امرها بالعودة لتبقَ في محرابها لتستخير الله، لتلجأ لبابه من غيره موئلًا لها إذ صعب المسير وتعسرت خطواتها.
استفاقت من شرودها على صوت الجول ففتشتت في حقيبتها واخرجته مجيبة في إهتمام :
– السلام عليكم…..
– دكتورة خديجة لازم تيجي فورًا رجاءً عشان، عشان خالد اخو حضرتك جه في حدثة عربية.
بهتت فجأة وذرفت عيناها الدمع، كالتائهة كانت تنظر حولها كأنها لا تدري اين تذهب، قلبها يهمس بإسمه، وروحها تكاد تذوب قلقًا عليه، أوقفت سيارة أجرة واملت السائق العنوان لينطلق سريعًا.
سئلت عن حالته فطمئنونها إنه بخير ولم يصب بإذى، لكن كيف لقلبها أن يطمئن دون ان يراه؟
ركضت في خطوات سريعة نحو الغرقة التي دلوها عليها، فأدارت مقبض الباب وما ان رأته واقفًا يتبسم لها وإحدى ذراعيه متجبسًا، شهقت في فزع راكضة إليه تضمه تارة وتقلب فيه تارة تلو الآخرى وبكاءها صار بصوتٍ عال، فضمها لصدره بذراعه الآخر يربط على ظهرها مغمغمًا جوار اذنها :
– خديجة، ماما خديجة انا بخير قدامك والله مفيش إي حاجة.
أبعدها عنه و وضع كفه على نقابها يهمس في لطف :
– أنا بخير والله مفيش إي حاجة اهدي، وإوعك تكوني عرفتي حد.
هزت رأسها وهي غير قادرة على كظم دمعها، فتنهد وهو يأخذها لحضنه مرةٌ آخرى علها تهدأ.. لكنها كانت تتشبث فيه وتضمه أكثر.
صوت تحمحم صدر من لدن الفراش، فـ ابتعدت عنه تلتفت لترى مصدره فطالعها عينان ناظرتان إليها في نظرة غريبة نظرة اعجاب ، بالله كيف حتى وهي محجوبة عن الجميع أن تنال اعجابهم.
قال خالد بجانب اذنها :
خديجة دا الشاب اللي عمل الحادثة معايا ورجلية مش هيحركهم او هنقول إنه إتصاب بشلل فيهم.
اومات خديجة عدت مرات في تفهم، ولمعت عيناها بعطف وقالت بصوت حاني :
– زال البأس لحضرتك طهورًا إن شاء الله، وعليك ان تفرح بهذا الاختبار وتخرج منه صابرًا، راضيًا.
كيف لفتاة منتقبة ان تخطف قلبه هكذا، بها شيء غريب او هالة تجذب و تسر الناظرين، ما له الآن قد نسى ما حل عليه وغرق في تلك البراءة أمامه، حين شروده لم يدرك إنها قد غادرت وجلس خالد على كثبٍ منه.
سارت خديجة في رواق المشفى وعلى حين بغتة منها كانت يد تجذبها في إحدى الغرف الجانبية فشهقت في خوف وكادت تصرخ حين انغلق الباب واندفع ظهرها عليه، القت على اراس نظرة غاضبة، وصاحت :
– أنت مجنون بتعمل ايه؟
وصفعته مع عبارتها صفعة قوية جعلته يتشنج ويلامس خده، عيناه ترقرقت بدمع الغضب واشتد فيها الأحمرار كز على أسنانه وهو يغلق عيناه مستدعيًا هدوءه وفتح جفناه في تمهل مرآه لخوفها وضربات قلبها المتسارعة إذابت جليد عيناه فهمهم في صوت هادئ محذر :
أن تكررت مرة آخرى يا خديجة لا اوعدك حينها أن أمسك اعصابي، ولا تضطريني لأن أظهر وجهي الآخر والذي أبدًا لا أتمنى ان تريه.
انهارت فجأة باكية قلبها يؤلمها لدرجة الصراخ، لكنها تماسكت وهي تقول بصوت مختلج بالبكاء :
– حرام عليك بقا أنت مش خايف من ربنا عاوز مني إيه، أنا بخاف منك أنتِ إزاي مفكر إني ممكن أأمنلك دا انا شفتك بعيني بتقتل ولا كأن القتل ده لعبة بتلعبها، قولتلي هتأذيهم بس مفكرتش إنك….
رغم ندوب قلبه التي كانت تنزف بداخله من إثر كلماتها، رفع إصبعه يُردد في صدق :
– مهلًا، مهلًا يا خديجة انا لهذا السبب جلبتك لهذه الغرفة لأخبرك إني ليس ليّ دخل بحادث خالد، اقسم لكِ بأني لم اقربه ولا أفكر حاليًا، تصدقي ام لا انا لا اكذب عليكِ واردت اخبارك فقط لاني اعلم بأنك ستشكين فيّ …ابتعدي هيا.
تنحت جانبًا ففتح الباب وقبل خروجه همس دون النظر إليها :
-لا تجعلي الدموع تعرف طريقًا لعينيكِ يا خديجة استحلفك بالله فـ انتِ لا تعلمين ما تضرمه في قلبي من نيران لا قدره ليّ على إطفئِها، رجاءً يا خديجة لا، لا تسمحي لدمعك بالأنهمار فهذا يؤذيني.
اغلق عيناه طاردًا عنه طيفها الباكي الذي شطر فؤاده نصفين وخرج…
فـ أغلقت عيناها لتنساب ما بقا من دموعٍ عالقة في اهدابها..
عادت في هذا اليوم إلى المنزل مُحطمة، التيه يتمكن منها لزمت غرفتها طيلة الوقت تُصلي وتناجي ربها، ما بالها في حضرة هذا الـ أراس تكون ضعيفة مُهشمة هشة لا تقو على الثبات، لماذا تخافه لتلك الدرجه وتسمح له ان يرى دموعها التي لم تهوى يومًا إلا خشيةً من الله أو في إحدى الدروس المؤثرة أو موقف زلزلها، لا لن تسمح له أن يرى ضعفها مرة أخرى، ستقبل بالزواج منه لن تنتظر أن يحدث شيء لأحد في عائلتك، لقد كادت أن تموت خشية ان يدرك اخيها أذى فماذا لو نفذ كلامه….
🌸 ربِ اغفر ليّ خطيئتي يوم الدين 🌸
التعاطف هو كل ما كان يعتمل صدره تجاه هذا الشاب الذي افتعل معه الحادث، وحيد هو غير امٌ هي كل ما تبقت له في هذه الحياة، لديه عائلة نعم لكن عائلة فقط بالأسم لا غير، إذًا هو محظوظ … محظوظ للغاية يملك عائلة لا احد يملكها أمٌ وأبٌ يمتلكان من الحنان والسند والأمان ما يُكفي العالم ويفيد، وأخت .. اختٌ هي الحياة إنها أمٌ أخرى والركن الذي يستند عليه مهما مالت به الحياة، إنها أمان وسكينة لقلبه تجعله يتسائل في بعض الوقت ” من منهما سند الآخر ” صديقة هي إذ احتاج لمن يسمع بكل تريث، وأخت هي إذ احتاج لنصيحة،وامٌ إذ ألمته الحياة واتعبته يجد لديها راحته، وآهٍ من باقي افراد العائلة جميعهم فردًا فردًا، واخواته الممثلون في أبناء العائلة يا الله كم عائلته جميلة، أدى صلاة المغرب في المسجد الملحق في المشفى كان بحاجة أن يشكر ربه على نعمُة التي لا تُعد ولا تُحصى، لكن هل الشكر يكفي؟ والله لا يكفي إن نعمُه كثيرة يخجل من كرم الله عليه، قبل أن يدخل للغرفة أجرى مكالمة على مالك يطلب فيها ان يجيء لُه، فتسائل مالك متعجبًا :
– أجيلك! اجيلك ليه في حاجة ولا ايه؟
– عاوزك يا ابني تعالى.
رد مالك مشاكسًا بنبرة مرحة :
– عاوزني! ولوحدنا؟ توبة استغفر الله عيب يا حبيبتي لما نتجوز مينفعش نتجمع قبل كده.
ابتسمَ خالدًا ضاحكًا لقوله، وقال :
– يا ابني بطل بقا مزاحك دا واخلص عايزك تجيلي المستشفى.
هُنا، وهب مالك في وقفته يسئل في قلق صادق :
– مستشفى! مستشفى إيه إنت فيك حاجة؟ أنت كويس، مستشفى ايه، إنطق.
ابتسم خالد بسمة متسعة وطمأنه على حاله وان شخص له في المشفى وطلب منه المجيء مع مقعد متحرك، انهى المكالمة و دلف الغرفة ببسمة لطيفة، وطالع محمد بإهتمام وقال بوداعة :
– عامل اية دلوقتي؟ أحسن؟
أومأ محمد دون أن ينبس، فجاوره خالد بعدما سحب مقعدًا جالسٍ فوقه، وراح يخبرهُ بفضل الصبر على إبتلاء الله، يبثه بالرضا، وقد تعجب ان شخصًا مثل محمد لم يقرب الصلاة يوماً، ولم يفتح مصحفٍ قط، لم يقترب من الله منغسًا إنغماسًا تام في الحياة حياته كلها عبارة عن التسلية مع الفتيات، خروح مع هذه وأحاديث مع تلك، شعر بالأسف لما آل إليه شباب اليوم.. شباب الحاضر من بعد عن الله وتمسك في الدنيا الزائلة.
لم يمر وقتٍ طويل وحضر مالك والقلق ما زال يحتل قسماته حتى مرآه لـ خالد بخير، مما جعل العجب يتسلل لقلب محمد، ما بال خالد وعائلته في العصر تأتي فتاة منتقبة متلهفة، قلقة، تفتش في جسده عم اي جرح متواريًا عنها كأنها لا تصدق عيناها إنه بخير، اللهفة بعينيها كانت لهفة جميلة كم تمنى ان يحظى بمثلها، وها الآن يأتي شابٌ لم ترتاح تعابير وجهه وترتخي اعصابه حتى اطمئن عليه، لماذا لا يملك إلا والدته، سئل دون مقدمات بينما كان خالد يقص على مسامع مالك الحادث :
– دا أخوك يا خالد؟
رفع خالد أنظاره نحوه ورد في هدوء :
– لا فيكَ تقول قريبي اسمًا واخويا معنويًا وترابطًا وقربٌ من القلوب.
– أنت امتى بقيت فلسفي يلا!
قالها مالك برفع حاجب، فضرب خالد على كتفه مغمغمًا :
– من زمن يا حبيبي، يلا إيدك ننقل محمد عشان نوصله..
أوصلوه الشباب إلى حارة بسيطة، وشقة ابسط تدل على فقر صاحبها وحالته الميسورة، وضعوه في غرفتك وفوق فراشه مع وعد خالد له بالقدوم إليه غدًا، وتعرفوا على والدته ورحلوا مع صداقة تشق طريقة للبداية…
🌱 اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك 🌱
وقف متكئًا بكتفه على إطار الباب، يُشاهد زوجته وإبنته ببسمة رائعة فوق ثغره، كإنهما لوحةً بديعة، تنبهت له أروى فـ أبتعدت عن حضن سجى قائلة ببهجة وهي تقبل إليه :
– ألف سلامة يا حج ياسين.
هجمت عليه تضمه وتقبل وجهه، في حين صاحت سجى بمقت وهي تفصلهما :
– بس يا حبيبتي انا بغير على جوزي.
غمز ياسين لـ اروى وهو يضم سجى وساد الصمت كأنه يوثق هذه اللحظة بين قلبين عاشًا كأنهما قلبٌ واحد، تمتمت اروى بسخط :
– أهووو هنبدأ بقى بما انكو اتجمعتوا والحضن هيطول وانا عزول ولازم امشي.
إبتعدت سجى بحرج، في حين أعادها يا سين لأحضانه رامقًا ابنته بضيق، وقال :
– بس يا بنتي بس كفاية عين خديجة مش انتِ وهي!
استكان فجأة مسندًا رأسه على رأسها متنفسًا رائحتها وهمس مطبق الجفنين :
– وحشتيني يا حبيبة قلبي، وحشتيني اووي اوي اوي.
لوت اروى فمها متمتمة :
– يا ادي النيلة دا انتوا ملكمش ساعات ساييبين بعض لحقت وحشتك.
لوح لها ياسين بكفه، وهو يطوق كتف سجى داخلًا بها الغرفة فقالت اروى في غيظ :
– طب قول بنتي واقفة طيب، عيب أسيبها واقفة كدا على الباب وادخل احضن مراتِ.
– وابوس مراتي.
قالها يوسف وهو يقترب من الغرفة، فلطم ياسين وهو يخلع جاكته مرددًا :
– اهووو جه الأستاذ اللي مش بيعمل حاجة غير إنه يبعدنا عن بعض .. اطلع برا يلا.
اخرج يوسف لسانة مغيظًا إياه واقترب محتضننًا سجى وهمس في تمثيل مصتنع :
– ماما شوفي بابا بيطردني عشان مقعدش معاكِ.
دون كلمة ودون صوت إلا من دوي ضحكات اروى كان يتطاير في الهواء حين مسكه ياسين من مؤخرة ملابسه وألقاه امام الباب وصفقه في وجوههما، فتبادلوا النظرات في ذهول، واخذ يوسف يعدل ملابسه بزهو ثم نظر لـ اروى التي تهمس :
– إيه ده إحنا اتهنا ولا إيه؟
غمز لها يوسف قائلًا في مشاغبة :
– متجيبي بوسة مشبك يا بت.
شهقت اروى شهقة مصدومة وهي تميل ملتقطة نعلها تركض خلفه، فترك يوسف قدميه تسوقنه هربًا للأسفل وهو يستغيث بأي احد ويولول، بينما اروى لا تكف عن كلمات صارخة خلفه غير مفهومة، ركض خلف بعضهما في حديقة المنزل، لم تستطع إمساكه ولم يتعب من الركض وهو يلتف مرة تلو الآخر يُغيظها، بحركات مضحكة تارة، وإغاظتها بلسانه تارة، حتى قبض عليه خالد هادرًا فيه :
-ولا إنت بتعمل إيه، وبتتعب اختك ليه مش قولتلك إلا أروى يلا في البيت ده.
أفلت يوسف منه وقال مكتفًا ذراعيه وقد وصلت اروى تلهث :
– يا عـــــــــم انت مالك دي اختي،، آه آه آه.
تأوه حين قرصته اروى من خده فركض مستترًا خلف خالد الذي وقف امامها قائلًا:
– عملك إيه الواد ده وانا اعلمه الأدب.
هتف يوسف ببساطة :
– كل ده عشان بقولها هاتِ بوسة مشبك، ومعاه حضن بريء انا طلبت حاجة غير كده يعني.
غطت اروى وجهها بكفيها وهي تجز اسنانها فرد خالد عليه فورًا :
– إبن ياسين طبعًا ولازم يطلع زيه امال هيطلع لمين.
هُنالك لم تقوَ أروى على الصمود فراحت تركض خلفه بغية ضربه فُصدم في خديجة التي تسألت عما يحصل فأخبرها فضحكت ضاربة كفًا بكف قائلة :
– قليل ادب زي ياسين عادي هيطلع لمين؟
– اوعي يا خديجة لازم اضربه.
ضمتها خديجة تمنعها عنه وتسحبها بعيدًا، فهجم فجاة معاذ بكورته ليشاركه اللعب خالد ومالك الذي حضر فجأة، وضج المكان بلعبهم وصياحهم على الهدف وعلى ضرب الكورة.
فما إن أنتهيا أقترب مُعاذ وهو يضرب الكورة في الأرض عدت مرات متسائلًا :
– بنات امال فين ملك؟
– أكيد في المرسم بتاعها!
قالتها أروى فذهب هو اقترب خالد من مجلسهما ومعه يوسف في حين ذهب مالك مع معاذ الذي اخبره بتغير طرأ على ملك لا يدرِ كنهه، كانت الجلسة محتواها عن حالة محمد ليستشر خديجة التي وعدته انها ستسئل في الشفى.
لم يغفى عن خديجة نظرات خالد العاشقة تجاه اروى، هل أصيب الحب قلب اخيها لتلك الدراحة البائنة عليه؟
” السلام عليكم يا شباب متجمعين في الخير إن شااء الله ”
قالها حمزة وهو يجوارهم فـ استشعرت خديجة إرتباك أروى وهنا وكأن طعنة غُرست في اعمق نقطة في قلبها.
ضرب خالد في خفوت مؤخرة رأس يوسف وهو يحذره :
– يوسف، إياك تزعلها عشان لو تكررت هموتك.
إلتفت له يوسف في تحدى قائلًا بإنفعال :
– هي اختك ولا أختي؟
– ملكش دعوة
-بس يا عم طيب
لم يجيب خالد إذ عُلق بصره على شيء أصابه في مقتل، تلك النظرة في عين أروى، لمعتها، وبريقها، توترها وإرتباكها الذي تجلي في جلستها وحركتها، هل تحب حمزة وهو غافلًا عن هذا!
حمزة! وهل يبادلها حمزة المشاعر!
انفض رأسه لا يمكن هذا إنها مجرد هواجس تملكته ليس إلا.
قاطع عليه تفكيره وقوف حمزة قائلًا :
هطلع لعمو ياسين عشان محتاج له في حاجة.
نظر لـ اروى وتابع :
ممكن تطلعي معايا عشان .. عشان يعني تعرفيهم..
تفهمت اروى خجلة ونهضت على الفور قائلة :
– حاضر…
تبعها هو ولحقته و وقف متنحيًا جانب الباب فدخلت هي وهي ترحب به واجلسته وابلغت والدها وذهبت للمطبخ تعد لهما مشروبًا في تلك الأثناذ أعلن هاتفها عن إتصال من سمر تطلب منها المجيء لأمرٍ هام فوافقت اروى دون تردد تخبرها أنها ستأخذ إذن والدها قبلًا ، واخذت صنية المشروبات و وضعتها على الطاولة امامها واعتدلت تستأذن والدها :
– بابا، خالتوا سمر رنت عليَّ وعايزني اروح لها، فـ اروح ولا إيه؟
اوما ياسين بعينيه قائلًا :
– روحي، خلي حد من الشباب يوصلك ولما تيجي اديني رنة.
همت ان تنصرف فوقفت محلها حين قال حمزة :
– هي ممكن تنتظرني واخدها في طريقي، طالما طريقنا واحد، مش عارف ماما مقالتليش ليه! بعد إذنك طبعاً يا عمو.
ربت ياسين على فخذه قائلًا :
– ممكن طبعاً أنتَ في مقام اخوها يا حمزة.
تبسم حمزة بسمة باهتة وتابع حديثه الذي اتى لأجله.
بينما نزلت اروى للأسف متفكرة، حائرة فيه، هل سيظل حبها طي الكتمان! حمزة لا يبدوا إنه يرآها من الأساس!
جلست بجانب خديجة الشاردة فشردة هي الآخرى وشرد خالد فيها، قلوبٌ مشتتة بأمر الحب، ممزقة من الوجع، تفتفد بصيصٌ من الأمل وبين هذا وذاك ندبة تخشى أن لا تندبل على مر الزمان.
إصحبها حمزة معه إلى منزله، ورحبت بها سمر في حرارة، قال حمزة قبل ان يتوجه لغرفته :
– منورة يا بنت عمي البيت بيتك، ماما اعمليلي قهوة.
واختفى داخل غرفتة، فـ ابتسمت أروى في سخرية “إبنة عمه؟!” هل هكذا يرآها فقط!
صبت جام إهتمامها على سمر التي غمزت لها ان لا تتطرف للحديث امام حمزة، ودلفتا إلى المطبخ فطلبت منها سمر ان تحضر القهوة حتى ترآه وتعود لها، فصنعتها في حب له، وتوجهت بها إليه لكن قبل دخولها تيبست قدميها وهي تسمعه يقول :
– هي بتحبني يا ماما وبتلمح كذا مرة ومش عارف يعني أحكم قلبي، هي، هي طيبة وجدعة وشجاعة بما فيه الكفاية ولا قضية خسرت فيها بتحب الأكل
– إنت بتحبها؟
هكذا سئلت سمر إبنها التائه الذي لم يستطع اخفاء الأمر عنها خاصةً حين رأته يحادث زميلته في العمل ريتاج.
فصمت زائع العيني كما القلب، وقال شاردًا :
مش عارف بحبها ولا لا، لا باين مش حب يعني فيها حاجة بتشدني قوية وتلقائية وعملية بس مش حب لا إعجاب بس……..
هُنالك واخذت اروى نفسٌ عميق كاتمة معه ألمها الذي لن يبرأ ودلفت بعد طرقها الباب فـ اخذ منها حمزة الكوب دون شكر وهو يرتشف منه ساخنًا، فوقفت سمر ساحبة اروى وهي تقول :
– القرار قرارك وحدك يا حمزة فكر أنهاردة وخذ خطوة بكرا يا حبيبي، هنطلع إحنا.
جلستا في المطبخ، وأطرقت سمر رأسها في هم لما ألَمّ بها، فوضعت اروى كفها على كتفها تسئل في قلق :
– أنتِ بخير يا خالتوا مهمومة ليه، حصل حاجة؟
– قولي محصلش إيه يا اروى، بنتي بضيع.
قالتها سمر مجهشة في البكاء وهي تدفن رأسها بين ذراعيها المكتفين على الطاولة، فترددت أروى وسألتها :
بضيع! بضيع إزاي يعني يا خالتو!مالها شيماء؟
الصمت عم الاجواء قليلًا، قبل ان ترفع سمر رأسها تقول في ألم :
– مش طبيعية وشها اسفر وعلى طول بتبكي في اوضتها ولما اسئلها ترفض تقولي وتزعق وتطردني من الأوضة لا بتأكل معانا ولا بتشرب حتى خروج من الاوضة مفيش حابسة نفسها طول الوقت، شيماء مبتحبش حد عارفة وبتكره حمزة أوي، لكن.. لكن مكنتش كدا بقيت تخس بطريقة غريبة انا خايفة يكون عندها حاجة وحشة.
انفجرت دموعها جاريات على وجنتيها فسحبتها اروى إلى حضنها تهدأها بقلبٌ منفطر، و وعدتها ان تعلم ما بها..
🍃 اللهم اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كانَ غراما إنها كانت مستقرًا ومقامًا 🍃
أقتربت أروى من شيماء النائمة في تمهل، وجلست على طرف الفراش وراحت تهزها في بطئ قائلة :
– شيماء، حبيبتي.
لاح لها انتفاضتها وصوت يأن في ألم وشهقات متقطعة، فتملكها القلق لوهلة وادرتها وهي تقول :
– أنا عارفة إنك صاحية……….
هالها هيئة شيماء الباكية، و وجهها المسفر الشاحب وعيناها المحيطة بهالةٌ من السواد، فـ إذا بها تسئل :
– شيماء حصل إيه، أنتِ في حاجة معاكِ، زعلانة أنتِ وخطيبك!
هُنا و وثبت شيماء فزعة وانهمرت دموعها سيلًا جاريًا وارتمت في حضنها مرتعشة، كيف تخبرها بما جرى! كيف تقول وما هذا المأزق، مأزق لن تخرج منه على ما يرام ابدًا.
بكت أروى تأثرًا ولم تنبس أرادت فقط ان تهون عليها وتشاركها بكاءها وان تكون بجانبها، وما الرفيق للرفيق إلا حياة أخرى إذ توالت عليه الطعنات وأغلقت السبل وتولى عنه الجميع واسدل الليل ظلامه دون زوال يكون الرفيق هو السراج المنير الذي ينتشله من مستنقع الدنيا ليجعل رفيقه زهره مفتحة مهما زبلت وعمها الغبار.
رويدًا رويدًا بدأ بكاءها يهدأ وابتعدت تنظر لها في صمت فاتر، فاتر جدًا ثقيل وقالت أخيرًا بصوت متقطع :
– أروى! انا.. أنا عملت جريمة، أنا، أنا انا اتجوزت وحامل.
خيم السكون المكان ولم يلبث أن قاطعته اروى رامشة بأهدابها وندت عنها صوتٌ مستنكر و قالت في بلاهة :
– أنتِ بتهزري يا شيماء؟!
دموع شيماء المنتحبة كان رد سؤالها، فوقفت اروى تطالعها في صدمة وأخذت تروح وتجيء، تقف امامها وتفتح فاهً للتكلم ثم تصمت كأنها لا تجد ما تقوله، وظلت هكذا لبعض الوقت أنفاسها متهدجة كأنها في كابوس وتنتظر أن تستيقظ منه، وبدا الوقت ثقيلًا محملًا بالهم يجثم على صدرها، تيبست قدميها في محلها حين بدأت شيماء تقول في شرود كأنها تشاهد فيلم سينمائي يُعرض أمامها وكل ما حدث كأنه يُعاد :
– فضل يزن فترة عليا عشان نتزوج وفتح بابا في الموضوع وبابا رفض معلنًا إنه لسه بدري وانا اصلًا عارفة إنه بيرفض عشان حمزة مش موافق عليه، فـ اقترح إننا نتجوز ونحطهم قدام الأمر الواقع وِ هددني إنه هيسبني لو موافقتش، وفقت وكتبنا الكتاب عند مأذون وبعدها خدني عشان نشوف الشقة و …. و…
هُنا وغطت وجهها بين قدميها، تبكي حالها وما اوقعت نفسها فيه، لكن أروى كانت صامتة تمامًا كأن من أمامها تهزي أو اخرى فقدت عقلها فما تدري ماذا تقول، تنظر إليها كالتائهة حتى جرت قدميها لتجلس بجانبها و قالت وهي تضع كفها على كتفها:
– شيماء، أنا عارفة أنتِ بتحبي خطيبك قد إيه، بس بس بلاش تكدبي وتهزري هزار بايخ كدا، إي نعم أنا مش عارفه بتحبيه على إيه لكن مراية الحب عامية، دا إنسان بيتحكم في كل خطوة بتخطيها. خروج لا مشاوير لا، بتكلمي مين ومش بتكلمي مين وكلمي دا ومتكلميش دا، اعملي دا ومتعمليش دا، هاتي ده ومتجبيش ده، دا عمره ما كان حب دا إنسان عاوز يتحكم في حياتك وتملكها لكن مش حب، الحب زي… زي بابا وماما كدا أنتِ عارفة هما عايشين إزاي، لدرجة بحس اوقات إنهم شخص واحد متكرر اتنيين معانا.. الحب ثقة واهتمام وامان وسكن وسكينة. الحب بيتمركز في ياسين وسجى هو عنيها اللي بتشوف بيها إيديها ورجليها حتى معيشها ملكة على عرش قلبه، وخاتم إسمها على جدارنه، بيحبها كأنها الحياة والجنة فيما بعد، ولا مرة زعلها و ولا مرة شفتها بتعيط منه، لا بيتحكم في حياتها ولا بيقولها لا لحاجة ليه؟
لانهم بيتناقشوا في إي حاجة قبل القرار لازم يكون في حل وسط يرضي الأطراف، الحب عامل زي القمر والشمس كدا، يا إما نار بتحرقك يا إما نور بيضيئك.
رفعت شيماء عينان محمرتان إحمرار فاتح كـ اللون الدم، وهزت رأسها مع همسها في ضياع :
– أنا بحبه يا أروى بحبه اوي ومقدرش أعيش من غيره عشان كدا وافقت اتجوزه.
غشاهما الصمت بعد جملتها تلك قاطعته أروى وهي تقول في صوتٍ وآهٍ :
– أنتِ أنتِ بتتكلمي جد ؟!
ثُم بصوت متلعثم وجل قالت :
– إتجوزتيه فعلاً؟
إكتفت شيماء بهز رأسها إيجابًا وهي سابلة جفنيها في ألم واهن وهمست :
– وحامل….
صفعة هي كل ما تلقته من اروى..
صفعة حادة مؤلمة من كف اودعت فيه كل قوتها….
وعم السكون من بعدها، كأن الوقت يتحالف معهن، هبت اروى واقفة فجأة وسارت نحو الباب ثم عادت إلى الفراش وقالت بصوت غريب :
– فين القسيمة.
شهقة صدرت عن شيماء وهي ترد بصوت متحطم :
– معاه هو..
ضحكة اروى ضحكة خاوية وهي تتحرك دون وعي كـ الملثوعة، وقالت في يأس :
– وهو فين دلوقتي، رني عليه
– مبيردش من كام يوم.
زفرت أروى زفرة حارة وقلبها يخفق في جنون، بخوف، ببعضٍ من الأمل وغمغمت وهي تتناول هاتف شيماء من فوق المنضدة :
– تمام هرن عليه انا من عندي، لما نشوف.
أجرت الأتصال عدت مرات وفي كل مرة يأتيها مغلق، وكأن الليل قد عسعس عليها فجأة بغيمة ظللتها بكل ما تحمل من خزى، وقلق، وعلا صوتها قائلة بتنبئ :
– مش هيرد ولا هيرد لا دلوقتي ولا بعدين، عارفه ليه؟ عشان دا مبيحبكش وخلاص خد اللي عاوزه….
قطعت كلامها شيماء وهي تقول في إنفعال :
– لا مستحيل أنتِ بس بتكرهيني فيه مستحيل يسبني.
ضربة اروى كف بكف في سؤم، ما الذي تنتظره تلك البلهاء الآن؟
هل تملك عقل بحق الله!
لا بد أن عقلها لا يعمل تلك الساذجة تدافع عنه، تبًا لذاك الحب الذي يزل صاحبه ويجعله عاجزًا مقهورًا محطمًا، فـ الحب أن لم يسمو بصاحبه ليس حبًا.
كزت على اسنانها وقالت وهي تقترب بوجهها إلى وجهها ناظرة إلى عينيها :
– أنتِ وحدة مجنونة فاقدة عقلها، دا إنسان مستحيل يرجع لانه لو بيحبك مكنش عمل كدا، بس على مين انا وراه ونشوف، هو اللي جنى على نفسه.
هتفت شيماء في تلعثم :
– انتِ ناوية تعملي إيه اوعى تأذيه؟
– أأذيه دي كلمة قليلة على اللي هيشوفه، اصبري بس.
– لا يا اروى اوعي.
انتصبت اروى في وقفتها وقالت وهي تتجه نحو الباب:
– خلي بالك من نفسك يا شيماء وهحاول اجي اوديكِ لدكتور بس لما الاقي طريقة مناسبة عشان محدش يلاحظ انتبهي لنفسك.
همت بفتح الباب لكنها إلتفتت فجأة قائلة بتذكر:
– مين المأذون اللي كتب؟
وصفت لها شيماء المكان وغادرت اروى الغرفة راسمة على شفتيها بسمة أليمة.
ما الذي قد يحدث اسوأ من هذا؟
لماذا تشعر انها في كابوس وستفيق منه لتجد أن شيماء بخير لم يتم اللعب بها بعد، هل غفلوا عنها لتلك الدرجة؟!
ما الذي سيحدث ان علم أنس وحمزة وسمر رفقًا بالآتي يا الله فأن القلوب لن تتحمل..
خرجت إلى سمر المكلومة لتطمئنها كاذبة ان كل شيء بخير وإنها فقط تود الجلوس بمفردها، واستاذنت بعد ذلك ذاهبة، وقبل خروجها اوقفها حمزة قائلًا وهو يرتدي معطفه :
-استني جاي اوصلك.
تبسمت بسمة مرتبكة وخرجا سويًا، وأثناء الطريق كان يراودها عصيان بأن تخبره بكل شيء ثُم تعود وتنهر نفسها كلا يصيب شيماء أذى لعلها تستطيع انقاذ الموقف قبل أن يتدهور.
تنبهت من زمهرير افكارها التي لا تكف على صوت حمزة يسئل باسمًا :
– بما إنك استقلتي فـ قررتي تعملي إيه، في مشروع عمل في بالك، ولا بكفاية كدا وهتقعدي في البيت، مع إني اشك في ذلك.
لم يكن بإستطاعتها الكلام لكنها ارغمت ان تجيب قسرًا فـ أردفت على مضض :
– لسه بفكر في حاجة وطبعًا هحتاج قرار بابا معايا ومعاك حق مش هقعد في البيت انا انسانة ليا اهداف.
– والجواز؟
قالها حين غفلة من صمته، هل اراد معرفة ان كان خالد قد اعترف لها او صرح ام لا!
لا يدرك تمامًا ما اراده من هذا السؤال لكنها أجابة على كل حال بصوت باهت حزين :
– لا مش بفكر…
اومأ برأسه ولاذا بالصمت حتى اعلن هاتفه عن إتصال من ريتاج فـ اجاب على الفور غير عابئًا بتلك التي تغلي من الغيرة بجانبه و راعها فجأة امتقاع ملامحه وهو يضرب المقود قائلًا :
– أنا جاي انا جاي متاذيهاش إياك تلمس شعرة منها.
اغلق هاتفه صائحًا في غضبٍ جم منعطفًا إلى طريق آخر بسرعة فائقة ولم يجيب تساؤلات اروى باي إجابة، صف سيارته إمام باب منزل ريتاج واستل سلاحه ساحبًا الزناد وفتح الباب وهو يقول :
– خليكِ هنا إياكِ تخرجي.
انهى عبارته مترجلّا وسار بمحازاة سور البنية منحنيًا حتى قفز من فوقه وغاب عنها فترجلت بدورها وراءه وحذت حذوه.
رمق بحذر الرجل المدجج بمدفع ناري و اسرع خطواته ليأتي من خلفه ومد يديه ليثني رقبته في حركة بارعة واطاحه ارضًا وتابع سيره للداخل مترقبًا، وقرب الباب وجد رجلين مسلحين فتوارى خلف الجدار وعلى غفلة منهما أطلق بسلاحه عليهما في ثانية ودفع الباب بقدمه مشهرًا سلاحه لكن برز رجل موجهًا فوهة سلاحه على رأس ريتاج، بينما امره آخر أن يدخل فدخل وأُغلق الباب خلفه، صاح فيه الرجل قائلًا وهو يشير إلى ريتاج :
-سيب سلاحك في الأرض وإما والله افجر رأسه.
قال جملته ضاغطًا بفوهة السلاح في راس ريتاج الثابتة ثبات الجبال الراسخة بنظرات خاوية لا تعبر بشيء، فـ مال حمزة واضعًا السلاح اسفل قدميه واستوى واقفًا رافعًا يديه إلى الأعلى مستسلمًا ونظراته معلقة على ريتاج التي هتفت بقوة :
– متسمعش كلامهم واعمل اللي عليك مش مهم انا.
أطاح الرجل بالسلاح بعيدًا عن قدمين حمزة، قال حمزة بقوة جازًا على أسنانة :
– انا جيت سيبها تمشي.
نفى الرجل قائلًا بغلظة :
– حذرتك قبل كدا وأنت ملتفتش لكلامي وخسرتني صفقة بالملايين متتقدرش، أنت نهتني عارف ده؟
ضحكت ريتاج بإنطلاق هادرة :
– فـ أنت بتغلي من جواك وعايز تاخد حقك؟! تستاهل عشان اللي زيك اخره.
أتبعت قولها ببصقها على وجهه ببسمة صامدة وعينان تبرقان بالقوة، فمسح الرجل وجهه من أثر بصقها وقال ببسمة غامضة :
– تعجبيني، ويعحبني كل حد كدا بيخاف على بلده وأمين ليها، بس يا ترى هل الأرض دي آمينة ليكِ وهتجيب حقــــــــــــــك.
قال عبارته مطلقًا رصاصة استقترت في بطنها مباشرةً، وقبل ان تتبعها الآخرى كان حمزة صائحًا بإسمها مندفعًا نحوه متشابكًا معه بالأيدي يحاول بكل جهده اخذ السلاح منه بينما سقط جسد ريتاج ملفظًا أنفاسه الأخيره.
كاد الرجل الآخر أن يدافع عن معلمه إلا ان أروى هلت فجأة ممسكة بيده وهي تضرب ذراعه عدت مرات حتى يترك السلاح ثُم رفعت قدمها لتهوى بها فوق قدمه لينزلق السلاح من بين أصابعه، فلم تمهله إي فرصة إذ جذبته ضاربة ركبتها في معدته أتبعتها بلكمة قوية على فمه سال على اثرها الدماء من زاوية فمه، بينما تكاثر باقي الرجل على حمزة الذي دار دورة كامله راكلًا احدهما في وجهه ولكم الآخر في معدته اتبعها بعدت لكمات توالت عليه في وجهه وركلة قوية دفعته للخلف، انحنى حمزة جانبًا يلتقط قبضة أحدهم وكانت أصابع كفه الآخرى تقبض على عنقه لحقها رفع قدمه راكلًا احدهم ودارت حرب عنيفة بينهما، انهها حمزة إذ تساقطوا جميعهم ارضًا متأوهّ في ألم، صرخة قوية صدرت عن أروى جعلته يتنبه لها وهاله إذ رأى الرجل يدفع راسها في الحائط مرارًا فـ انطلق كـ السهم نحوه وانقذها من قبضته وامسك برأسه ضاربًا إياها في الجدار حتى خر فاقد الوعي……
_في المشفى جلس حمزة في الإنتظار يديه وملابسه ملطخين بالدماء، وجهه ممتلئ بالكدمات والجروح النازفة، لكن قلبه حزينٌ يتألم، لقد كان كل همه حين اصبحت في الشرطة أن يبعدها عن كل خطر، كان يتمنى ان تترك هذا العمل خوفًا عليه، لكن يصبح هو سببًا في أذيتها، المها، وجعها، يا ليته كان قُتل قبل هذا، لو اصابها مكروه لن يسامح نفسه إلبتًا، أروى التي هي جزءٌ من روحه.
أروى التي يبقَ جزءٍ منه ناقصًا في غيابها!
أروى التي يشعر إنها ابنته!
اروى التي احبها خالد فضحى بحبه لأجله، هل يمكن ان تروح منه؟
لماذا يشعر أن قلبه شاخ فجأة.
لماذا أظلمت الحياة هكذا؟
ما باله لا يشعر بأي شيء حوله، لقد شُطر قلبه، وغادرته روحه، وغابت شمسه، وأختفت نجومة ورحل قمرة بغتة.
تنبهه من افكاره على خروج الطبيب وهو ينزع قفازيه فهب واقفًا ودنا إليه مزدردًا ريقه في خوف فإن تعابير الطبيب لا تبشر بخير، تحمحم قبل ان يقول :
– المريضة، المريضة…..
قاطعة الطبيب بربته على كتفه مواسية قائلًا :
– البقاء لله تعيش أنت…
صوت إرتطام جاء من خلفه فـ أستدار حمزة مبصرًا ياسين في صدمة….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية  كاملة اضغط على : (رواية جحر الشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى