روايات

رواية الحب أولا الفصل السابع والعشرون 27 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل السابع والعشرون 27 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء السابع والعشرون

رواية الحب أولا البارت السابع والعشرون

رواية الحب أولا الحلقة السابعة والعشرون

تحسست بيدها الفراغ بجوارها على الفراش، فتحت
عينيها بصعوبة لترى نفسها تستلقي على الفراش
وحدها….
استدارت ونظرة للسقف عدة مرات محاولة الاستيقاظ من احلامها الوردية…
كل ليلة تمر هنا هو بمثابة حلم جميل تحياه معه..أربعة أيام مروا على تواجدهما في هذا الكوخ الرائع وسط الطبيعة الخلابة والتي تراها مقتبسة
من الجنة لشدة جمالها البديع…..
كل يومًا تنام بين ذراعيه يغمرها بالحب بالحنان بالكلمات والافعال تغرق في بحر الغرام ، سخيا هو في حبه عطاء لدرجة تجعلها تتراجع عن أشياء
كثيرة خططت لها سابقًا ؟!…
أربعة أيام سعادتها فيهما تخطت نسبة السعادة الضئيلة التي عاشتها خلال فترة عمرها السبعة والعشرون ؟!…
معترفة هي بهذا ولا تنكر سعادتها وحبها لكنها كالعادة الخوف يجعلها فريسة سهلة للصيد…
فدومًا البدايات رائعة لكن ماذا بعد البدايات ؟!…
نهضت عن الفراش ببطئ وهي تحاول ان تطرد افكارها السوداء وتستعد لصباح يومًا جديد بالحب
والحياة….
خطت على الأرض الخشبية حافية بقميصها الوردي
الناعم القصير الى حيث النافذة المطلة على المنظر
الساحر….
سحبت لرئتاها أكبر قدر من العبير المنعش والمختلف عن ارضها…..
لكل وطن رائحة زكية يتميز بها والغريب فقط عن وطنه من يعرف الفرق…..ورغم انها احبت جدًا البلد
السياحية والمكان المتواجدين به إلا ان عبير الوطن
في الخاطره مهما رأت من مغريات…. الوطن يظل وطنًا بالعيوب قبل المميزات هو الموطن……
ابتسمت بحبٍ بعد ان راته بعسليتاها يجلس قرب حافة البحيرة يمسك بين يده صنارة الصيد جالسا
بمنتهى الهدوء والصبر يستمتع بتلك الجلسة بمزاج رائق بعد ليلة حميمية رائعة على الشموع……
توردت وجنتيها بخجلا كلما استعاد عقلها ذكرى
ليلة أمس…
حينها خرجت متألقة ليلًا في ثوب سهره انيق يلائم
رقيها الملكي وجمالها المميز…..جامعة شعرها في تسريحة جميلة وتضع لمسات من الزينة الذي زادتها
توهجًا وحلاوة في عينا عاشقها الذي ظل واقفًا
مكانه بانتظارها بحرارة الأشواق….
عندما رأته ابصرت الاختلاف الذي اضحى في المكان
من حوله أنوارًا خافته وشموع ساهرة وبلونات حمراء وبيضاء تملء الارض وجزءًا من البحيرة….
واميرها يقف أمامها متأنق بطاقم كلاسيكي عبارة
عن بنطال وقميص انيقًا متناسقا عليه كان وسيمًا
لدرجة مهلكة وكانه يتنافس مع روعة المفاجاة الذي اعدها لها….
تقدمت منه بخجلا وهي تشعر بان العالم يدور من حولها فكل شيءٍ يحدث الان لم يطرق على مخيلتها
يومًا فكيف لها ان تستوعب سريعًا ان كل هذا لأجلها
وملكًا لها وحدها…..
وضعت يدها في يده عندما اقتربت واصبحت أمامه
لم تجد كلمة تعبر عن سعادتها او امتنانها لكل ما يفعله لأجلها لم تجد إلا ابتسامة خاصة تحمل اكثر من تعبير وعينين تلمعان بدموع فرح تأبى تركها وكانها جزءا من زينتها أليوم…..
رفع عاصم كفها الى فمه وطبع قبلة حانية طويلة عليه ومن ثم رفع عيناه اليه قائلا بوسامة…
(جاهزة ياست الحُسن…..)
عقدت حاجبيها وهي لا تفهم شيءٍ…حتى راته يشير
الى هذا الفرس الأسود الواقف جانبًا والتي لم تلاحظه إلا الان…اتسعت عيناها جراء هذا
وقالت بتخوف….
(انا بخاف من الخيل ياعاصم…..)
(مش وانا معاكي…تعالي…)قالها بمنتهى الثقة والهدوء وهو يمسك يدها متجه بها الى الفرس
الشامخ امامهما والذي يلمع جلدها الأسود تحت الاضاءه بشكلا ساحرٍ…..
صعد هو أولا على ظهر الخيل بمنتهى الشموخ والثبات ومن ثم مد يده لها ترددت كثيرًا في
الصعود إليه فتلك أول تجربة لها في ركوب
الخيل !…
لكنها بعد ثواني حسمت الأمر ووضعت يدها في
يده ثم رفعت قدمها اليسرى على سير ركاب السرج واندفع جسدها للأعلى وكانها تحلق ثم استقلت أخيرًا خلفه على جانبها بسبب الثوب الذي قيد حركتها قليلاً….فتشبثت بخصره الصلب بكلتا يداها بتلقائية وهي تغمض عينيها بخوف وتأخذ انفاسها بصعوبة ناظرة كل ثانيةٍ للأسفل…
(بصي قدمك….كده هدوخي….)
قالها عاصم ضاحكا وهو يمسك باللجام بكلتا يداه
متحركًا بالفرس بخطوات هادئة مراعيًا تجربتها
الأولى في ركوب الخيل….
في البداية كان الأمر صعب لكن بعض لحظات بدأت
تعتاد على الجو مع نسيم الهواء وصوت خرير المياة
الاتي من بحيرة الشلال….
وسط الارض الخضراء والاشجار الشامخة وعبير الطبيعة المنعش الممزوج بعطره الرجولي..
تسلل الأمان والدفء الى قلبها رويدًا رويدًا فاقتربت أكثر منه وتشبثت أكثر في خصره الصلبة مرتاحة براسها على ظهره…..سائلة بصوتها الموسيقي بعد لحظات….
(امتى ياعاصم اتعلمت ركوب الخيل….)
رد عاصم بصوتٍ أجش….
(من زمان اكتر حاجتين بحبهم الخيل والصيد…)
ابتسمت ولم تجيب بل ظلت على وضعها تضمه من الخلف برقة ونعومة يذوب هو معها وتزيد مضخة
قلبه قوة أسفل كفها غافلة هي عن مدى تأثرها
القوي عليه…
سالها وهو مزال يقودها بالفرس
للمجهول…..
(انتي بقا ليه بتخافي منهم….)
زمت شفتيها قائلة وهي ترفع رأسها….
(وقعت زمان وانا صغيرة من على الحصان….ورجلي اتكسرت….فبقيت بخاف منهم….)
تحدث عاصم وهو ينظر أمامه….
(أكيد كنتي ركبة غلط او مش مسكه في الجام كويس……بس اي رأيك دلوقتي لسه خايفه منهم..)
قالت بنبرة مرتاحة…
(لو معاك ماشي.. لو لوحدي لا…)
رفع حاجبه وهو ينظر إليها….(انا كده هتغر…..)
قالت بنبرة شهية وهي تضحك
برقة….
(انت مغرور من يومك مش محتاج….)
ذاب قلبه وعيناه فتمتم وهو ينظر للأمام مستقبل أكبر قدر من هواء الليل البارد…..
(آآه يا ست الحُسن عايزة تتكلي أكل….)
ضحكت فبدأ يسرع قليلاً بالفرس فأصبحت المتعة
مكثفة داخلها فبدأ الهواء يطير خصلاتها شعرها
حول وجهها……
تشبثت فيه بقوة صارخة…
(عاصم هانقع….)
أمرها مبتسمًا…..(هشش غمضي عينك….)
فعلت وهي تكاد تمزق قميصه باظافرها المعلقة
به….فوقف فجأة الفرس وتوقف كل شيءٍ جميل
رغم الخوف الضئيل داخلها إلا ان كل شيء
كان ممتعًا وتجربة ركوب الخيل كانت مبهجة
ورائعة لقلبها…..
فتحت عيناها فراته يمد لها اللجام كي تمسكه وعندما فعلت نزل عن الفرس برشاقة ثم احتوى
خصرها بكلتا يداه برقة منزلها على الأرض وكل
شيء حدث في غضون ثوان..
فوجدت نفسها تقف امام شجرة كبيرة مزينة بفروع من الأنوار الصغيرة المضيئة بشكلا ساحرٍ أسفل ظل الشجرة المنير تقبع طاولة مستديرة حولها مقعدان
مقابلين لبعصهما يقبع فوقهما طعام العشاء يتوسطهما شمعة على شكل قلب تنصهر ببطء….
ابتسمت شهد ولمعة عيناها بالفرح وهي تنظر اليه
بدهشة فوجدت عيناه تتلاقى بعيناها بحبٍ ثم تقدم
منها وطبع قبلة على وجنتها قائلا…
(اي رايك عجبك المكان…..)
نظرت الى عيناه وقالت بحيرة وهي تنظر
حولها….
(السؤال ده اتكرر اكتر من مرة…وكل مرة مش بلاقي
رد يوفي اللي بتعمله عشاني…..عاصم انت بجد بتحبني لدرجادي…..)
لم تزول الإبتسامة عن محياه لكن انعقد
حاجباه قائلا…..
(سؤالك ملوش مكان هنا…..مينفعش تشك في
ده ياشـهـد…..)
بللت شفتيها قائلة بحرج….
(مش شك بس مش مستوعبه ان ممكن حد
يحبني الحب دا كله…ويسعى السعي دا كله
عشان يسعدني…)
تلونت نظرة عيناه بشقاوة فغمز
لها…
(طب ما انتي لماحة اهوه امال اي بقا…)
(قولي إزاي ممكن أسعدك…..)انطلق هذا السؤال
دون تخطيط مسبق….مما جعلها تجفل وهي تنظر
اليه..
لمعة عيناه أكثر وكان رده عليها رغم البساطة
معبرًا عن مشاعره الخاصة لها وحدها…..
(مش محتاج السؤال ده…..انا لو مش مبسوط
معاكي ليه هكمل….انا بقيت أسعد راجل في دنيا
ياشـهـد بعد ما بقيتي مراتي….انتي اللي قلبي
اختارها وعايز أكمل عمري كله معاها….)
احتوى وجهها بيداه وقربها منه طابع قبلة حنونه
على جبينها…..مضيفًا وهو يأسر عينيها وقلبها..
(سعادتي معاكي انتي ياحبيبتي…..انتي ياست
الحُسن…..)
مزيج من الضعف والحب والاشتياق والخوف مزيج
مؤلم افترس قلبها الهش فجعلها تطلب بلوعة….
(احضني ياعـاصـم….)
قالتها باستحياء وعيناها تلمع بدموع فهز راسه
بنفي وهو يضم جسدها إليه قاضم شفتيها بتاني وتريث حتى ذأبت بين ذراعه كالهلام وهي تتأوه بتعب ومذاق قبلاته المطعمه بانفاسه الرجولية الدافئة تتخلل لرئتاها فـتفقد معها المتبقي من صوابها بينما صدره العريض يضغط عليها بقوة
تكاد تشعر بمضخة قلبه القوية تضرب صدرها
فتشعر بالهيمنة الذكورية عليها….
بعد لحظات من مزيج من الدفء والجموح اطلق سراح شفتيها وهو يلهث وهي معه مسلوبة الانفاس
تلهث بشفتين منفرجتين شديدتا الاحمرار….
مسح عاصم على شفتيها بابهامة ببطء وتروي
هامسا وهو ينهال من مرآى عسليتاها….
(بحبك ياشـهـد….)ثم طبع قبلة على وجنتها
مكررًا بخفوت..(بحبك…)
اخيرًا ضمها الى صدره فتعلقت به متنهدة بلوعة وضعف وهي تستمد منه كل ماهو جميل ورائع
مثله…
لا تعرف كم مر من الوقت كل ماتعرفه انها هي من ابتعدت بعد وقتًا طويل ونظرت لعيناه قليلا ثم رفعت جسدها الى مستواه وطبعت قبلة على خده معبرة عن الكثير من الشكر والامتنان لوجوده في حياتها ثم اكتفت !…
وبعد لحظات كانا يتشاركا وجبة العشاء على الشموع
الساهرة يتبادلا أطراف الحديث عن أشياء عدة يضحكا يتحدثا….. يداعبها بالكلمات والنظرات تبادله
باستحياء لذيذ ورجفتها مزالت تفعل به العجب….
وبعد ليلة رائعة…. عادا معًا الى الكوخ على ظهر الفرس الأسود بسرعة قصوى وقد تلاشى حينها
خوفها وبقى فقط الاستمتاع بلحظة معه….
عندما وصلا الى غرفة نومهما لم تجد كلمات من عاصم إلا عن الحب والدلال فقط…دللها لدرجة
تفوق الوصف فكانت في احضانه تنصهر بضعف
وجسدها يستجيب لمدللهُ فتئن تارة بوجع وتارةٍ
أخرى منادية باسمه وكل مرة يلتقط تاوهها من بين
شفتيها المنفرجة بنهم مستمتع بتلك الحالة التي تخلق بينهما مشاعر متاججة بالحميمية المشتعلة
كانت ليلة مختلفة جميلة على شموع الحب انصهرت
اجسادهما ببعضها وأنين المتعة كان سيمفونية ليلتهما الخاصة……
لفح وجهها نسيم الهواء المنكه بالطبيعة الخلابة
فعادت من ذكرى ليلة أمس ومازالت واقفه مكانها
امام نافذة الغرفة تنظر إلى عاصم الذي يوليها
ظهره ممسكًا بصنارة الصيد التي اشتدت بين يداه في لحظة فبدأ يسحب الصنارة للأمام بقوة…
وقد انتبهت كل حواسها لهذا المشهد لتجده بعد لحظات يرفع صنارة الصيد بسمكة كبيرة نسبيًا
وعلى هذا اطلقت شهد صفيرة عالية مشجعة من
بين شفتيها التي ضمتهما باصابعها….
التفت عاصم ناظرًا الى نافذة الغرفة مباشرةً بملامح جافلة فوجدها تقف هناك تبتسم برقة وتلوح له بيدها بسعادة مطلقة صفيرة أخرى امام عيناه لحنها صاخب
يختلف عن رقتها التي يذوب بها كل ليلة….
أشار لها بان تتقدم فاشارت على قميص نومها الوردي التي ترتديه ومن ثم رفعت كلتا يداها كعلامة على….
(انتظرني عشر دقائق فقط….)
جلس عاصم مجددًا امام البحيرة بانتظارها على احر
من الجمر وهو يضع الصنارة من جديد متأملا المكان بعينين حانيتين ومزاج رائق…
لم يتوقع يومًا ان يعيش كل تلك السعادة عن طريق
أمرأه يشتهي قربها دائمًا ويستلذ صحبتها والحديث معها فـتغني قلبه وقناعته بإبتسامة بلمسة بكلمة….
انها سيدة الحُسن التي اختارها قلبه واسماها…
بعد بضعة دقائق خرجت اليه بثوب ربيعي جميلا
بحمالات رفيعة عند الكتف ويصل طوله لفوق
الركبة مطلقة شعرها حرًا طليق وغرتها الناعمة
تداعب جبهتها….
ممسكه في يدها سلة التنزة بها الفطور الذي اعدته
له… عندما اقتربت منه قالت برقة…
“صباح الخير….”
رد بتحية الصباح الخاصة بهما…
“صباحك زي الشهد…..اتاخرتي عليا….”
“كنت بحضر الفطار….” قالتها وهي تفرش البساط
الصغير ومن ثم أفرغت محتويات السلة بترتيب
سائلة….
“أوعى تقول انك فطرت….”
أجاب بنبرة معبرة ونظرة مداعبة….
“اكيد مستنيكي هفطر من غيرك دي تيجي برضو..”
ثم طرح سؤال وهو يحك في ذقنة…
“اي اللي عملتيه وانتي واقفه في الشباك ده….”
توهجة وجنتيها وضحكت مع النظر الى
عيناه المنتظرة توضيح….
“الصفارة وحشة كنت بشجعك….”
سالها مجددًا بفضولا…
“مش وحشة بس اتعلمتيها منين….”
قالت مبتسمة وهي تدعوه للأكل….
“من حمزة كنا بنتنافس واحنا صغيرين عن مين
أحسن واحد بيصفر… وصفارة بتاعته أعلى…”
ساله وهو يمضغ الطعام… “ومين كان بيكسب….”
قالت بتوهج متلذذة في الطعام او ربما
الحديث لا تعرف…..
“أكيد حمزة…..انت ملعبتش اللعبة دي قبل كده…”
غمز عاصم قائلا بوقاحة….
“احنا لعبنا حاجات تانيه اصيع من كده…”
سالته وهي تضع شريحة من الخيار
بفمها…
“كنت بتتحدى صحابك بايه….”
“ما بلاش…..” ضاقت عيناه بلؤم…
فدفعها الفضول تسأله……
“لا أحكي عادي دي طفولة بريئة…..”
“هي مكنتش بريئة خالص….” فلتة ضحكة مشاغبة منه… مما جعلها تسأله بفضول أكبر
“إزاي يعني…قولي….”
اندمج في الحديث وهو يتناول طعام الفطور
باستمتاع…..
“يعني كنا اشقيا شوية واحنا صغيرين فكنا لم بنحط
حد في دماغنا ربنا يتولى برحمته صواريخ تحت رجلة تعابين في البنطلون……”
سالته شهد بفضول انثوي…
“واي اكتر حاجة كنت بتتحدوا بعض بيها…”
رد مختصرًا…… “البنات….”
القت عليه نظرة نارية فقال عاصم بتراجع
وهو يضحك… “دي طفولة بريئة ياشهد…..”
مطت شفتيها ممتعضة….. “غلس….”
فتابع هو بحرارة وهو يستعيد معها ذكريات
الصبى الكارثية…
“اي بنت كانت بتعجبنا كنا بنكلمها سوا من على نفس
التلفون بتقعد ياعيني تلف حولين نفسها…مش عارفه
إحنا اتنين ولا اكتر بنجنن امها….”
غيرت شهد مجرى الحديث
سائلة…
“عمرك عملت مقلب في حد…..”
لمعة عيناه بمشاغبة وهو يخبرها بتذكر…
“مرة في مدرس الفيزيا….كان معايا واحد صاحبي
ابن لذينه بيعرف يقلد حلو أوي المهم كلم المدرس
ده على اساس انا واحده معجبة بيه وكده ومكالمة ورا مكالمة الموضوع كبر مننا والمدرس طلق مراته وطلب أيده في التلفون وبقت مسخرة……”
انفجرت الضحكات من افوههم بصدمة معقبة
شهد بذهول…..
“انت كنت شقي اوي كده وانت صغير…”
رد عاصم بمراوغة…
“كنت لسه صغير بقا وبتسلى…بس دلوقتي كبرت
وبقت الشقاوة على تقيل… ولا انتي شايفه إيه…..”
قالت شهد بحزم كناظرة مدرسة شديدة التعامل
مع المشاغبين امثاله….
“شايفه تسيب وانحلال اخلاقي…..”
أكد عاصم بهزة بسيطة من رأسه….
“ومالوا كملي الانحلال وهاتي بوسة ياحلوة…”
“عـاصـم…..”همست بتمنع….فلم يابى برفضها بل
سحبها من ذراعها حتى اقتربت منه والتهم شفتيها
في قبلة ملتهبة بالمشاعر….
ثم اطلق سراح شفتيها قائلا بتلذذ وهو ينهال
من مرآى عيناها….
“كده وجبة الفطار كملت….تسلم ايدك ياست
الحُسن….امسكي.. ”
اعطاها الصنارة تمسكها ففعلت وهي تنظر إليه بعدم
فهم لتجده يضع راسه في حجرها وجسده يمتد مستلقي على البساط المفروش اسفلهما….قائلاً
وهو ينظر لعيناها….
“احكيلي بقا انتي مصايبك وانتي صغيرة….”
ضحكت بخجلا وهي تنظر للبحيرة بلونها الزمردي الرائع….مفكرة قليلاً قبل ان تقول….
“مكنش فيه مصايب للدرجة عادي كنت بس دايما
بعمل مشاكل مع البنات اللي بتقرب من حمزة..كنت
بغير عليه اوي وانا صغيرة عيزاه ليا لوحدي…فكنت
بضربهم وبيضربوني…..وفي مرة اتعركت مع بنت
تخينة بس مش بسبب حمزة بصراحه بسبب انها خدت مني سندوتشاتي….فضربتها بالقلم…ولك ان تتخيل عملت اي فيا….”
قال عاصم متاففٍ بشفقة… “أوف ضربتك جامد….”
تاوهت شهد قائلة وهي تضحك على ذكريات
كانت تظنها اسواء ما قد يمر في حياتها !…
“ضربتني دي قعدت عليا….دا انا كانت روحي بتروح
الكلام ده كان في ابتدائي وقتها الوحيد اللي شلها
من عليا ولد معايا في نفس الصف كان إسمه طارق
طارق ده كان ولد جميل اوي حنين وطيب كنا صحاب أوي في فترة ابتدائي وبعد الاعدادي اختفى
وعرفت من مامته انه سافر لاني كنت باخد دروس
مع والده الأستاذ عياد……”
اظلمت عينا عاصم وانطفأت ملامحه فجأة
سائلا على نحوٍ مفاجئ….
“ويترى لسه بتسألي عليه….”
هزت راسها بنفي قائلة بفتور….
“لا بصراحه الدنيا خدتني و بعدها اتلهيت في دراستي وحياتي ومشاكلي مع بابا….انا حتى
نسيت العنوان..”
قال بنبرة غريبة وصدرٍ يشتعل على نحوٍ
غريب… “بس منستيش اسمه ياشـهـد….”
انعقد حاجباها وبدى عليها الإزعاج من تعقيبة
على هذا الأمر التافه…..
“عادي على فكرة في حاجات بتفضل معلقه معانا
غصب عننا بنفضل فاكرنها…ليه قبلت كده ياعـاصم
انا معلقتش زيك كده وقلبتها نكد….انت بتغير.. ”
مط شفتيه قائلا بتهكم….
“سؤال في منتهى الغباء لو مغرتش عليكي انتي هغير على مين….”
ضحكت على تصريحة قائلة بظفرٍ مغوي….
“بتغير من طفل دا اخر مرة شوفته كان عنده
حداشر سنة انت بتهزر !….”
تلقت نظرة قوية من عيناه الصقريتين جعلتها تبتلع
الباقي من حديثها قائلة بتقهقر ومزاح…
“خلاص خلاص احنا نقفل الكلام في الموضوع
ده وكفاية كلام في طفولتنا البريئة…..”
رد بوجوم….. “يبقا أحسن….”
قالت فجأه والصنارة تنسحب
منها…
“اي ده الصنارة غمزت…….شد معايا….”
رفع عاصم راسه عن حجرها مساعدها على
سحب الصنارة وعندما فعلت خرجت الصنارة
فارغة…..فلاح الاحباط على وجهها قائلة…
“اي ده بقا دي كلت الطعم وهربت… ياخسارة….”
رد عاصم برجاحة عقل وهو يعود مرتاح براسه
فوق حجرها…..
“الصيد عبارة عن صبر لو ركزتي في المكسب
الجاي يبقا عمرك ما هتصبري……”
قالت بشفاه مقلوبة….
“ولو خسرت زي دلوقتي….”
رد بحكمة وهو يغمض عيناه….
“حاولي تاني السمك كتير….مش يمكن الصيدة اللي خسرتيها مش مكتوبالك من الأول….”
قالت بمناغشة…. “بتقول حكم يامعلم عاصم…..”
رد باسلوب مماثل….
“يارب تكون وصلت بس يامعلمة شهد…..”
ضحكت قائلة بصبرٍ…. “ومالوا أحاول تاني….”
القت الصنارة متنهدة وهي تنظر للبحيرة مستعيدة
ذكريات الطفولة بشرود بينما هو يرتاح براسه فوق حجرها واسم صديق الطفولة التي تذكرته على
حين غرة يعكر صفوه….من هو (طارق عياد ؟!..)
…………………………………………………………..
دلفت الى المكتب بخطى ثابته مرتديه طاقم كلاسيكي انيق من اللون الكحلي تترك شعرها البندقي حرًا طليق خلف كتفها تضع القليل من
الزينة التي لا تخفي جمال ملامحها الرقيقة..
دارت حول المكتب ووضعت أحد ملفات القضايا المهمة التي يعملا عليها…ناظره لعيناه وهي تقول بعملية…..
“دي الملفات اللي طلبتها يا أستاذ سليم….”
قال بوجهًا متجهم دون ان ينظر
لعيناها….
“تمام….روحي على مكتبك….”
سالته بحيرة وهي تنظر الى جانب وجهه
الجاف….
“احنا مش قولنا اننا هنشتغل على القضايا دي
سوا….”
اجابها سليم بجفاءٍ…
“محتاج ادرسها الأول لوحدي….اتفضلي على
مكتبك يا آنسه….”
رددت الكلمة بذهولا وهي ترفع حاجبٍ
مستنكرًا….
“آنسه… انت زعلان بجد بقا اي اللي حصل لده
كله…. يعني ياما اتساهل معاك وترضا عني ياما
تتقمص زي العيال……”
جفل من جملتها فرمقها بنظرة
نارية….
“اتقمص زي العيال ؟!…”
لوت شفتيها قائلة بتهكم…
“دا اللي انا شيفاه بصراحة….”
صاح سليم بنفاذ صبر…. “على مكتبك ياكيان….”
صاحت بقوة جبارة مثله…
“مش هروح على مكتبي غير لما افهم اي الغلط
في اللي عملته..اللي يخليك تخصمني المدة
دي كلها….”
احتدت عيناه القاتمه… “انتي بجد مش عارفه….”
خفق قلبها بخوف لكنها ردت باستنكار…
“انا بسألك….”
رد مثلها وعيناه تبتلعها في ظلامها…
“وانا كمان بسألك لي وافقتي على ارتبطنا…”
قالت وهي مأسورة بعيناه….
“بسيطه يامتر…….لاني بحبك…..”
اهتزت حدقتاه بتأثر لكن سريعًا لوى شفتيه
هاكمًا مزمجرًا بها…
“اللي بيحب حد بيبقا واثق فيه مش خايف منه
ومستني غدره في اي لحظة….وانا مش بتكلم
غير عن اعتراضك على اني اقدم معاد الفرح
قبل أخوكي….اللي لسه قدامه اكتر من خمس
شهور على ما يجهز شقته….”
قالت كيان بجدية حاسمة….
“اتفقنا كان على اساس كده مدينا المدة شوية عشان
نعرف بعض اكتر…..”
صمت سليم قليلًا ناظرًا لعيناها بقوة قبل
ان يقول بحزم….
“انا مش عايزاك تعرفيني قد ما عايزك تثقي فيا
وتصدقي اني بحبك…..واني مش شايف حد غيرك
وان اي حاجة حصلت قبلك ملكيش انك تعترضي
عليها او تفكريني بيها كل شوية لمجرد اني قربت
منك ؟!….”
قالت بصوتٍ متهدج مختنق….
“وانا مش عيزاك تقرب مني بالطريقة دي لان
مفيش حاجة بينا شرعي حاليًا….”
كم المه اعتراضها وكانها تنفر منه بصورة او بأخرى
لذا كان جادًا وهو يخبرها بصرامة وكبرياء…
“تمام وانا مش هقربلك تاني ياكيان….ولا باي شكل
من الأشكال لو ده اللي هيرضيكي وهيشيل الوساوس من دماغك…..اتفضلي على مكتبك…”
وجدته يتجاهلها عمدًا مثبتًا عيناه بين الأوراق.. زمت
شفتيها بغضب وهي تتجه الى الخارج بخطوات عصبية وقلبٍ يرجف بغضب ولوعة…..
القت جسدها على المقعد وهي تفتح الملفات امامها
بعينين مليئتان بالدموع….
ماذا يحدث لها… من منذ متى وهي حساسة وغبية
ومتهورة هكذا…. ان الحب يدفعها للجنون….والغيرة
تفترسها كلما فكرت بعلاقته السابقة مع خطيبته
ومشهد القبلات التي راته حينها ، يقتلها الشعور وتفترسها الغيرة والظنون…وتسأل نفسها
الى اي مدى وصلت علاقتهما هل كانت مختصرة
على القبلات ام انها أعمق مما تتوقع !!….
اعتصر الألم قلبها بقبضة جليدية قوية..فاغمضت
عينيها زافرة وهي تنحني براسها سانده على يدها
فوجدت صوتٍ مألوف لها يقول بقلق…
“مساء الخير…..موكا انتي كويسه…”
رفعت راسها فوجدت نائل يقف امامها بكامل اناقته
وبنظرة مهذبة كاسلوبه البق….
نهضت بدهشة عن مقعدها لتمد يدها
مرحبة…
“نائل….مساء النور….اي المفاجأة الحلوى دي…”
بادلها نائل المصافحة ثم جلسا معًا حول
المكتب…فبدا نائل يسالها بتعجب
“كنت قريب من هنا فقولت اعدي عليكي…عامله ايه
في الشغل…اي السبب اللي خلاكي ترجعي تاني
لمكتب سليم الجندي…. وليه سبتي خليل الصواح
انا فاكر انك هنا مؤقتا…. ”
نكست كيان راسها عاجزة عن الرد عليه فحتى الان
لم تعلن خطبتها على سليم الجندي اليهما خوفًا من ان تجرح شعور نائل فقررت الإبتعاد دون اخبارهما
عن السبب…..
“يعني لقيت ان الشغل هنا احسن من مكتب خليل
الصواح…فاستقريت هنا….”
رد نائل بابتسامة صافية….
“طبعًا المكان اللي يريحك…المهم تكوني مبسوطه..”
أشرق وجهها سريعًا فنائل دومًا مريح في الحديث ويحترم خصوصية الغير…..
“طبعا مبسوطه…وانبسط اكتر لما شوفتك…قولي
بقا عامل إيه واي أخبار الشغل…بس قبل دا كله تشرب إيه…..”
لمعة عينا نائل وهو يرفض بالباقة….
“ولا حاجة ياموكا….انا كنت عايز افتحك في
موضوع مهم……”
هزت كيان راسها برصانة دون ان تمحي
ابتسامتها… “خير… قول انا سمعاك….”
تعرق جبين نائل قليلًا وهو يزدرد ريقه قائلًا
دفعة واحده…. “انا قررت اتجوز….”
خفق قلبها بخوف لكنها ادعت اللا مبالاة
مستفسرة…. “بجد الف مبروك….حد أعرفه…..”
رمش نائل عدة مرات قبل ان يقول
بخفوت….
“مش هلف ودور عليكي انا برتب للكلام ده بقالي
فترة واخيرا اتشجعت وقررت ابلغك بيه…انا بحبك
ياكيان من أيام الجامعة عيني وقلبي مش شايفين
حد غيرك….انا عايز اتجوزك…. ”
اتسعت عينا كيان رغم توقعها بحدوث هذا إلا
انا الأمر على أرض الواقع مربك….جعلها تجفل
للحظات معقودة اللسان امام عينا نائل المنتظرة
جوابها….
“وياترى السكوت علامة الرضا…ولا الهانم بتفكر
تقبل…..”
اخترق الصمت صوتٍ رجولي خشن يقف عند باب
المكتب المفتوح بطوله الشامخ وجسده العضلي
وحلتها الامعة ككل شيءٍ به…هادئا باردًا لكن عيناه
القاتمة المسيطرة على مشاعرها أوضحت الكثير
مما يشعر به الان في هذا الموقف الذي لا تحسد
عليه….
نهضت كيان عن مقعدها بوجهًا شاحب وهي تنظر
لسليم بصدمة…وفعل نائل وقف احترامًا له قائلًا
بحرج يعافيها هي عن مواجهة رب عملها….
“انا آسف جدا يا استاذ سليم واضح اني اختارت
المكان الغلط اللي أفتح فيه مسألة شخصية زي
دي…..”
اقترب سليم منه وعيناه القاتمة لا تحيد عن وجهها الشاحب وعينيها المذعورتين….وضع يده على كتف نائل قائلًا بخشونة….
“لا انت اختارت المكان الصح….ولازم الانسة كيان
تديك الرد على طلبك…..”
رمقها شزرًا قائلا بوعيد….
“ماتردي….. ولا تحبي ارد انا مكانك….”
بللت كيان شفتيها وهي تقول بتخوف
متلعثمه…
“أا…. أصـ….. اصل انا يانائل مخطوبة… وخطيبي
هو….”اشارت على سليم باصبع السبابة وهي تبلع
ريقها بوجل…
احمر وجه نائل بحرج وهو ينظر الى وجه سليم
الحجري ونظراته الغير متهاونة معه…تعرق جبين
نائل اكثر من ذي قبل وهو يقول بتلعثم….
“انا اسف مكنتش أعرف….”
سأله سليم بنظرة نمرٍ شرس….
“ليه هي مقلتلكش قبل كده انها مخطوبة…”
هز نائل راسه بنفي قائلًا بصدق….
“والله أبدًا…انا لسه عارف من حضرتك…لو اعرف
ليه هاخد الخطوة دي واحرج نفسي….”
وضعت كيان يدها على خدها مغمغمة سرًا وهي
ترمق نائل شزرًا….
(الله يخرب بيتك يانائل بتسلمني تسليم أهالي…)
ربت سليم على كتف الشاب بقوة وهو يحاول تمالك
اعصابها قائلًا بفظاظة وقلبه يشتعل بنيران
الغيرة…..
“على العموم اديك خدت الرد على طلبك…شرفتنا..”
اوما نائل براسه بوجوم وهو يغادر دون ان يلقي
نظرة وداع عليها….فـعلمت وقتها ان صداقتهما
انتهت هنا ولن تعود…..
غامت عيناها بالحزن والشفقة وهي تنظر الى رحيله بقلب مكسور….ثم رفعت عيناها الى سليم الذي
أمرها بنظرة سوداوية….
“ورايا على المكتب…..”
وقفت في مواجهة عاصفة الغضب التي ستندلع الان
بعد لحظات من الصمت المهيب…..
كان يقف امامها في منتصف المكتب ينظر اليها بغضب وصدره يتضخم بمشاعر سوداوية عنيفه في
تلك اللحظة تحديدًا كلما فكر في عرض زواجها
من هذا الأحمق واعترفه بالحب لها…وعدم قدرتها على الرد..بل وامتناعها عن اخباره بأمر الخطبة….
يجن جنونه وتنتابه رغبة شيطانية في تمزيقها
إربًا…..
ظل يلاحق ملامحها بنظراتٍ كالسهام الحادة لبضعة
ثواني الى ان قال أخيرًا بصوتٍ غريب….
“انا عايز افهم اي السبب اللي خلاكي متعرفهوش انك مخطوبة….”
قالت بخفوت تحت سطوة عيناه
الحادة…
“مجتش مناسبة….”
قطب حاجبيه هاتفًا بعنف….
“مش هو ده الرد اللي مستنيه قولتي قبل كده انه
بيحبك وانك عارفه ده…ليه مقلتلهوش…تكونيش
خوفتي تجرحي مشاعره…”
همست بملامح مرتابة….. “بظبط….”
جاشت مراجله فصاح زائرًا كالنمر
الجريح….
“ومشاعري انا وكرامتي… وانا شايفه بيصرحك
بحبه وبيطلب ايدك للجواز.. مفكرتيش فيها…”
قالت كيان بتردد وهي ترجع خطوة
للخلف…..
“وانا كنت أعرف منين انه هيعمل كده….”
هتف سليم بصوتٍ قاسٍ مزدري وهو يبتسم
بعصبية….
“ليه كان هيفضل يحبك في السر كتير ما مصيره يقولك على كل حاجة…. لو الهانم بس فكرت ولو شوية هتعرف ان خبر الخطوبة هيقطع لسانه وهيبعده عنها… ولا تكونش الهانم جاي على
هواها اللي بيحصل…”
القى اتهام صريح فوقفت امام
بالمرصاد تخرسه…
“انت اخر واحد تتهمني اتهام زي ده….”
صرخ سليم في وجهها مؤنبًا إياها….
“دا مش اتهام دي حقيقه…لو كنتي واخده علاقتنا
على محمل الجد كنتي عرفتيه انك مخطوبة.. لكن
واضح انك بتتسلي….”
رفعت راسها بكبرياء تواجهه بنظرة
محتقرة…..
“زي ما انت كنت بتتسلى بيها…. وبيا….”
إرجع راسه للخلف جافلا عن قدرتها الجبارة في
تدوير الاحاديث والقاء التهم……قال سليم بعد
لحظة صمت كئيبة…..
“وطالما انا وحش اوي كده في عينك..وافقتي
ليه من الأول ؟!….”
عضت على باطن شفتيها شاعره بالعراء
أمامه…. “اللي حصل….”
سالها بنظرة مشتعلة… “يعني إيه….”
على تنفسها بعصبية فقالت بهجوم بالغ عما يعتريها نحوه وغير قادرة على البوح به لحساسية الموقف
“يعني انا شيفاك نسخة منه زي ما سبتها عشاني
هتسبني عشان غيري…..”
أغمض سليم عيناه واولاه ظهره محاول تمالك
اعصابه وهو ياخذ انفاسه بتشنج…قائلا دون
ان ينظر لعيناها المتالمة..
“لحد إمتى… لحد امتى هيفضل تفكيرك كده… قولتلك قبل كده اني اكتشفت ان احنا مش
مناسبين لبعض مش شبه بعض….”
بنظرة نافرة قالت بتهكم….
“وده اكتشفته قبل فرحكم بكام يوم….”
استدار لها سليم صارخًا في وجهها بعنف……
“عيزاني اكتشفه امتى لما نتجوز ونجيب عيال..
انتي بتفكري إزاي..ليه بتعذبيني وبتكويني بنفس النار اللي كويتها بيها…. ليه ياكيان ليه….”
التوى ثغرها بتهكم وقالت باستهجان….
“ياحنين وكمان صعبانه عليك طب ما تروحلها..
روحلها واقف ليه صلح غلطتك واتجوزها وطلعني
من القصة دي كلها….”
“انتي عايزه إيه… عايزة اي فهميني….”
اندفع نحوها بجسد متشنج فرجعت للخلف بخوف حتى اصطدم ظهرها بالحائط خلفها وعندما لم تجد مفرًا بعد ان حاصرها هنا….. قالت بعذاب وهو تواجه نظراته المتجهمة….
“عايزة اعرف اللي بينكم وصل لحد فين….”
علت ملامحه الصدمة وهو يسمعها تتابع
بلوعة…..
“كام مرة لمستها وخدتها في حضنك كام مرة بوستها وقولتلها بحبك…. كام مرة….. وحبتها إزاي وياترى اللي بتحسه معايا نفس الاحساس اللي كنت بتحسه
معاها…..”
تبادلا النظرات قليلًا بصدمة يقف هو مبهوتا متصلب
مكانه وتقف هي ترتجف باكية بضعف…..
قال سليم بعد لحظات وهو يبتعد عنها للخلف خطوتين واضع يده في خصره رافعًا وجهه للأعلى محاولًا كبت غضبه وعصبيته بعيدًا عنها قدر المستطاع…..
“مفيش حد ملوش تجارب في الحب….بذات لو
راجل زيي ومفيش حد بيعمل اللي انتي بتعمليه.”
بصوت خفيض متعب أردف….
” علشان كل اللي حصل ده كان قبل ما أشوفك وحتى بعد ماظهرتي في حياتي كنتي مجرد محامية
تحت التدريب ومساعده خاصة ليا… وأول مامشاعري اتحركت ناحيتك سبتها…. يمكن متأخر ويمكن بدري بس في الآخر سبتها…انا مش عارف اي الجريمة اللي عملتها تخليني أستحق كل الكره ده منك….”
ثم واجه عيناها بالنظرات قائلا باتزان….
“ومش عارف ليه شيفاني نسخة منه….انا مش
خاين ياكيان الحكاية كلها اني انسحبت من
علاقة فشلة وحبيت ابدأ من جديد مع حد مرتاح
ليه اكتر وشايف نفسي معاه…..”
مسحت دموعها بظهر يدها….فقال سليم
وهو يقسو على نفسه قبلها….
” انا مش ندمان اني سبتها ياكيان…بس انا بدأت
أندم اني فكرت ارتبط بيكي….”
هوى قلبها ارضًا منكسر تكاد تسمع صوت حطامه فتصلب جسدها في مكانه يابسًا وقد على تعبير الدهشة وجهها…..فاضاف سليم باترًا …..
“خدي أجازة ياكيان وابعدي…وهستنا قرارك الأخير
يانكمل يانبعد خالص….انا مش هقدر اكمل بطريقه
دي حتى لو كانت روحي فيكي…..”
خفق قلبها المحطم بوجع…ورغم ذلك قالت
بكبرياء وهي تمنع دموعها من الهبوط امام
عيناه…
“انا خدت قراري خلاص وشايفه ان احنا مش
هننفع نكمل سوا….”
بنظرة نافذة توغلت لأوصالها عقب بصلابة
“انا مش هاخد قرار في علاقتنا غير لما تهدي…”
صاحت بانفعال ومعه هبطت دموعها على
خدها…..
“شايفني بشد في شعري….قولتلك خلاص
مش عايزه….”
حاولت الهروب من هذا المكتب اللعين…لكنها شعرت بقبضة يده تعجزها عن الهرب فواجهت عيناه الحانية
رغم ظلامها القاسي…فقالت بتشنج…..
“سبني ياسليم…..سبني…..”
فلتت شهقات بكاؤها بضعف عندما ضمها الى
صدره محتوي جسدها وقلبها في احضانه
مربتًا على كتفها بحنان وهو يهمس باختناق…
“أهدي ياحبيبتي…..هعمل اللي يريحك حتى لو
كان اللي هيريحك ده اننا نسيب بعض….”
ازداد نحيبها حدة وهي تستقبل العناق دون ان
تبادله إياه فهي تخشى ان تظهر له مدى احتياجها
لعناقه مدى احتياجها له…مدى عذابها ولوعتها ان
تركها بعد ان اخبرها منذ دقائق انه ندم على هذا
الارتباط ؟!….
……………………………………………………………
دلف الى البيت عصرًا فوجدهن يجلسن على الاريكة
يشاهدا التلفاز وكل واحده منهن شاردة في عالمها..
شعر بنغزة قوية في صدره لعدم وجود شهد بينهن
كما اعتاد عند دخوله….البيت ينقصه روحها الطيبة
صوتها الموسيقي الناعم… رقيها الملكي المشع عند
نظرة من عينيها…..
عندما راته قمر امتقع وجهها بقرف وتكتفت ذراعيها
بصرامة مشيحة بوجهها وعيناها بعيدًا عنه….بينما
قلبها ملتهب بالشوق….
أنتبه حمزة الى حركاتها الطفولية مزالت مصممة على
موقفها في خصامه حتى بعد كل هذه المدة….
أسبوعين كاملين ترفض التحدث اليه مصممة على الخصام كلما حاول الحديث تصده وتتركه وتعتكف غرفتها التي كانت غرفة شهد سابقًا…
تجلس بها معظم الأوقات احيانا وحدها واحيانا مع
كيان التي لم تجد رفيق بعد شهد سواها ، تقارب الفتاتان من بعضهن كثيرًا في تلك الفترة القصيرة
لم ينكر انهن مزالا ناقر ونقير مع بعضهن لكنه المزيج المميز في صداقتهن حديثة العهد ؟!….
وضع حمزة علبة الحلويات امامهن على الطاولة وانضم الى تلك الجلسة الكئيبة وهو يستريح
على مقعده سائلًا وهو يوزع النظرات عليهن
بتدقيق…..
“مالكم شايلين طاجن ستكم كدا ليه…”
زمت قمر شفتيها وهي ترمقه بطرف عينيها دون ان
تعيره ردًا او حتى ذرة اهتمام كما اعتاد منها..
فأحمر وجه حمزة بحرج وغضب فهو لم يعتاد هذا البعد والخصام خصوصًا منها يحترق صدره كبركان
ثائر يشعر برغبة غبية بصفعها بقوة ثم تقبيلها بشدة
ساحق تلك الشفاه الحمراء المستفزة باسنانه متلذذ
بتأوها في احضانه….
ازدرد ريقه متأثرًا واظلمت عيناه بالرغبة بينما قلبه
اختلج بين اضلع بضطرم من مجرد التخيل…. منذ متى يفكر بها بتلك الطريقه الـ….. الغير بريئة ابدًا..
ان مشاعره تتحرك نحوها بسرعة تفوق الوصف كقطار سريع متهور يسير الى اللا نهاية فاقد
مكابح التحكم والسيطرة !….
تنحنح حمزة بحرج وهو ينظر الى وجه اخته الباهت
وعلامات الأسى المرسومة على وجهها بالخط العريض….
“مالك ياكيمو…… شايل طاجن ستك ليه…. انتي
زعلانه مع خطيبك….”
خمن حمزة وهو يضيق حدقتاه فاومات براسها
وهي تبتسم بسخرية…. فلمعة عينا حمزة سائلا
اخته بحمائية….
“غلط فيكي….. رفع ايده عليكي كدا ولا كده…”
هزت كيان راسها بنفي هاربة من عيناه البراقتين بخجلا خوفًا من ان يقراء المسطور في عينيها عن هذا العناق الذي جمعها بـسليم لثواني قليلة قبل ان
تدفعه خارجة من المكتب بل ومن البنية بأكملها
بعينين مليئتان بالدموع وقلب مكسور….
قالت بصوتٍ متهدج…..
“ميقدرش…..انا مش بسكت وانت عارف كده كويس
مشاكل بايخه….لو في حاجه كبيرة هقولك.. بس هي
مشكلة تافهه….”
رمق حمزة اخته بشك سائلا….
“ويترى المشكله التافهة دي مين فيكم اللي غلطان فيها…”
بللت شفتيها وهي تحني راسها
بتيه…
“تقريبًا انا….. انا اللي بدأت…..”
اوما حمزة براسه ناصحًا اياها بحكمة…
“يبقا تراجعي حساباتك ولو فعلا انتي اللي غلطانه يبقا لازم تعتذري…..” ثم نظر نحو قمر قائلًا..
بسأم….
“على الله بس ميطلعش زعله وحش زي ناس…”
رمقته قمر بطرف عينيها بقرف وظلت مكتفة الذراعين تأبى الرد عليه ولو بكلمة واحده فهي
تعلم انه يستفزها حتى تنفجر في وجهه….
نظرت كيان اليهما بحيرة وسالتهما بشك
وفضول….
“انتوا شكلكم زعلانين سوا… بقالكم كام يوم
متغيرين مع بعض ومش بشوفكم قعدين مع
بعض زي الأول….هو انتوا زعلانين فعلاً… ”
إرجع حمزة ظهره للخلف قائلًا وهو ينظر نحو
قمر بشقاوة…..
“ولا اي حاجة دا انا وقمراية زي السمنه على العسل
دا انا حتى جيبالها لقمة القاضي… وعامل حسابك
معاها….”
امتعنت كيان وهو تنهد عن الاريكة
قائلة بكآبة…..
“لا انا مليش نفس انا هدخل اريح في اوضتي
شويه… زهقت من القعده هنا….”
بعد ان أغلقت كيان باب غرفتها عليها…
اتجه حمزة الى قمر جالسًا جوارها على الاريكة رمقته قمر بتحذير لكنه ابتسم بسماجة وهو يرفع ذراعه واضعها على حافة ظهر الاريكة خلف راسها
مباشرةً..
لوهلة ظنت قمر انه سيمد يده على جسدها بوقاحة لذا انكمشت بخوف وارتجف قلبها في لحظة
بوجل….
فابتسم حمزة باستمتاع سادي وهو ينظر لعيناها
قائلاً بابتسامة سمجة….
“مساؤؤ عناب…ياقمراية……”
(مساء الزفت على دماغك…..)
كانت تتمنى ان تنطق بها لكنها للأسف اخلاقها منعتها
في اللحظة الاخيرة….فعضت على باطن شفتيها بغضب دون رد….
“انا جيبلك لقمة القاضي…..”
قالت قمر بنظرات محتقنة بالغضب….
“شكرًا بطلت اكلها….أصلي عاملة رچيم….والسكريات غلط عليا…. ”
“على كده انا لازم ابعد مانا من ضمن السكريات
برضو…..”ضحك حمزة بقوة مدعي المرح..
فرمقته قمر رافعه شفتيها بتقزز كمن تنظر لفأر ميت…فتوقف حمزة عن الضحك بتدريج متنحنحًا بحرج….
“وحشه صح……مكانتش عجباني اصلا….”
عضت على باطن شفتيها حتى لا تبتبسم…فما حدث
لا يغتفر مهما حاول هو التلطيف فالامر أصعب من
ان يمر مرور الكرام هكذا دون حاكم أو رٱبط…
قال حمزة بضيق وهو يرمق جسدها بنظرة شاملة
مدققة بوقاحة قبل ان يقول….
“وبعدين انتي بتعملي رچيم ليه…انتي عجباني كده
وبعدين انا بقا عايزك بطاية…ياريت تزيدي عن كده
اهو كله لمصلحتك…”انتهى بغمزة وقحة مشاكسة..
فزمت شفتيها فكل هذا حجة حتى تمتنع عن اكل حلواه….لكنه يفتح مجال للحديث بعد خصام دام لاسبوعين دون تبادل كلمة واحده بينهما…..
اظلمت عينا قمر وهي تعصر ذاكرتها متذكرة جسد
نجلاء رغم قصر قامتها التي تتخطاها هي بعدة
سنتيمتر الى ان جسد نجلاء كان ممتلئ عنها
نوعًا ما خصوصًا في اماكن مفترقة من انوثتها البارزة……
جزت على اسنانها وهي تنهض بغضب قائلة بعصبية
بالغة….
“وانا مش فارق معايا انت بتكره اي وبتحب إيه
لاني هفضل اعمل رچيم لحد ما بقا شبه خلة السنان
وبقا دور بقى على البطاية اللي تملى عنيك..يابو
عين فارغة ياطفس….”
قالت اخر كلمة باتهام صريح قبل ان تتحرك بسرعة
من امامه داخله الغرفة كثور الهائج…..
فغر حمزة شفتيه مصعوقًا مكانه لبرهة وعندما ذابت الصدمه على محياه إرجع خصلاته الناعمة المتساقطه على جبينه للخلف متمتمًا
ببلادة…..
“هو انا عكيت الدنيا تاني ولا إيه ؟!…”
عندما اتى الليل بدات تتمايل في نومتها على الفراش بعدم ارتياح وقلبها يشتعل كأتون حارق كلما تذكرت
حديثه عن ذوقه اللعين…
مسكت الدمية الناعمة التي على شكل بقرة والتي كانت أول هدية يهديها لها…. مسكت الدمية وعضتها
باسنانها بشراسة وهي تنفث عن غضبها داخلها بصرخة مجنونة مكتومه….
ثم بعد ان انتهت من وصلة الجنون تلك القت
الدمية عرض الحائط بسادية….وهي تقلد صوته
بعصبية مفرطة….
“عايزك بطاية… عايزك بطاية اهو كله لمصلحتك….”
على صوت تنفسها ومعه بدأ صدرها يعلو ويهبط
بتشنج قائلة بتكبد….
“عديم الذوق والإحساس…اه ياني منك نفسي
اكلك باسناني…. ليه نفس يتكلم ويهزر بعد اللي
عمله… بجح….. بجح ااااه…..”
صرخت صرخة مكتومة وهي تنهض عن الفراش متجه الى الحمام بخطوات عصبية….
وبعد لحظات خرجت من الحمام متجهة الى
الغرفة فانتبهت الى الشرفة المفتوح ابوابها
وهو واقفًا عندها ينفث عن غضبه بتدخين
وشرب القهوة المُرة…..
وجدت ساقاها تقودها إليه…انتبه حمزة لوجودها بجواره فالتزم الصمت بملامح متصلبة قاسية …
ظنت قمر للوهلة الاولى انه غاضب منها لكنها بعد
لحظات انتبهت انه يمسك هاتفه بين يداه ويتابع
احد مبارات كرة القدم لفريقة المفضل….
ويبدو من قسمات وجهه المشدودة وعروق عنقه النافرة بعصبية ان فريقة يغرق في الخسائر كالعادة ؟!….
ارتسم على وجهها علامات التعجب والحيرة لماذا
الإنسان يراهن على الاشياء الخاسرة ويتعلق بكل
ماهو خاسر مستنزف طاقته ومعكر مزاجه مع
كل هذا الضغط !….
أغلق حمزة الهاتف بعد ربع ساعة تقريبًا قضتها
بجواره واقفه صامته خانعة امام غضبه…
رمقها حمزة بطرف عيناه متأمل وجودها بجواره
بعد كل هذه الأيام بدونها تحرمه لذة صحبتها
واهتمامها به….كأم تعطف على صغيرها….
نظر امامه زافرًا بصدرٍ مثقل بالهموم والحزن انها اتت
في أشد لحظاته غضب وتأزم….وحتى الحديث الان
سيخرج على هيئة رشاش ناري يصيب وجهها الجميل..
فهو غاضب غاضب بشدة، فريقه المفضل خسر..
ماهذا الحظ السيئ….
انتبه الى ما ترتديه في معصمها هذا الاسوار الأحمر
اللعين بخرزه البراق المستفز…..
“انا مش فاهم انتي لبسه الزفت دا ليه…”
نظرت الى السوار ثم لعيناه الحانقة فابتسمت باستفزاز قائلة بإيجاز….”بتجيب الحظ…..”
بلع ريقه بتجهم قائلًا بوجهٍ مكفهر….
“قصدك بتجيب النحس….اللون ده مستفز وانتي بتتعمدي تظهري بيه قدامي…المفروض الحاجة
اللي مبحبهاش متعملهاش….”
لوت ثغرها هازئة..
“وياترى انت بتعمل كده معايا…..”
هتف حمزة بعينين تقدحان شررًا….
“واضح انك جايه عشان تستفزيني وتكملي عليا….”
رفعت قمر حاجبها ببلادة….
“انت مضايق اوي كدا ليه هما لو كسبه يعني
هيدوك الكاس !…..”
اقترب حمزة منها خطوة خطرة وعيناه تبرق
بالإجرام فخفق قلبها بخوف فيبدو انها تلعب
في عداد عمرها حيال ما نطقت به …
“تعرفي اي عن الكورة ؟!…..”
قالت بتلعثم وهي تهرب من جحيم عيناه
المتقدة…
“قولتلك اني مليش في الكورة… ولو ليه في
الكوره هطلع اهلاوية زي بابا…. ”
جز على اسنانه وتطاير الشرر والوعيد على
وجهه….
“الأحسن ان ميبقاش ليكي في الكورة خالص
عشان منخسرش بعض…..”
زفرة وهي ترجع خطوة للخلف تاخذ انفاسها المسلوبة بعصبية هاتفه بقلق….
“انا كدا كده مليش في تعب الاعصاب ووجع
القلب…..دا انت متعصب اوي… اعصابك أهدى
هطق.. ”
ضرب حمزة على سور الشرفة بيده بتشنج فحديثها
يزيده اشتعالًا اكثر من الخسارة الفادحة التي تلقاها فريقه أليوم….
“وانتي مالك يابنتي متعصب ولا متنيل على دماغي……قمر انتي جيالي في وقت الشياطين
كلها بتتنطط في وشي…..”
عقدت ذراعيها امام صدرها مشيحة بعينيها
عنه…..
“مين قالك اني جيالك انا واقفه اشم شوية هوا..
ولا ناسي اننا متخاصمين…”
نفخ حمزة بعصبية بالغة وهو يقول بصفاقة…
“مش ناسي….اقولك اشبعي بالبلكونه انا داخل اوضتي..”
غادر من امامها بمنتهى العصبية مما جعلها تجفل
متسمرة مكانها بصدمة ولم تقوِ على الاستدارة
اليه بل ظلت تنظر للشارع المظلم والمباني
الشاهقة امامها بعينين غائرتين بالدموع وقلب متجمد في قبضةٍ جليدية فتاكة يئن داخلها بالاستسلام وتعب…
فلتة شهقة من بين شفتيها المرتجفة عندما شعرت
بيده الحانيه تضع على كتفها شال من الصوف
الناعم ثم لفه حول منكبيها بحزم قائلاً بوجوم من خلفها…
“خلي الشال ده عليكي عشان متبرديش….ومطوليش عن كده… شوية وادخلي نامي… تصبحي على خير ”
ثم ابتعد ومعه هاجر قلبها اليه يقبله آلاف القبل ويركله بعدها بغضب فهذه المشاعر المتناقضة
باتت عدوى اصابتها من بعد معاشرتها له !…
…………………………………..

بعد مرور أسبوع وتحديدًا ليلا كانت تجلس على الاريكة امام التلفاز تقضم في اظافرها وهي
بانتظاره قد تخطى منتصف الليل ولم يعود حتى الآن…..
زفرت بتعب وهي تنظر للسقف اشتاقت اليه بجنون
الى حديثه للسانه السليط مزاحه الثقيل الى نظرة عيناه الشقية وابتسامته الساخرة اشتاقت لكل
شيءٍ به….اشتاقت لنفسها معه….
اضناني العشق اضناني يامعذبي فأشفق على قلبي
ولو قليل……
سمعت رنة المفاتيح في الباب ومن ثم دخوله إليها
بهالة مشعة مجنونة رجلا مجرمًا بمعنى الكلمة…
اجرام بريئًا منه لكن هالته الفجة تدينه بالاجرام
والشر والعبث….وكانه اهلًا لكل ماهو سيء
وخطير رغم صفحته البيضاء !…
خفق قلبها بلوعة وهي تنهض من مكانها متسمرة
بثوب داكن يلتف حول جسدها المنحوت بدلال
تاركه شعرها الغجري ذو الخصلات المتراقصة
حرًا طليق حتى اخر ظهرها…..والبنيتان الكحيلة
تبرق بالحب كنجمتين لامعتين في سماء قاتمة…
بللت شفتيها وهي تسأل نفسها للمرة المائة هل بالغت
في ارتداء هذا الثوب….
خصوصًا انه توقف مكانه يشملها بنظرة قوية مدققه
غير بريئة ابدًا من عسليتاه الوقحة….
“ليه صاحيه لحد دلوقتي…..”
برمت شفتيها وهي ترفع كوب النسكافية من عن الطاولة الى فمها مباشرة قائلة ببرود….
“كنت بشرب النسكافية وداخله انام…..”
قال ببرود وهو ينظر اليها بشك..
“اللي بيشرب نسكافية…بيبقا مربط على سهر..
مش بيشربه وبيدخل ينام ؟!…”
انزلت الكوب عن فمها وهي تبتلع ما بفمها بصعوبة
فقد برد المشروب بعد ان تناست وجوده غارقة في قلقها على السيد المبجل الذي عاد الى البيت للتو وعوضًا عن سؤاله أين كان كل هذا الوقت يبدأ هو بثرثرة مستفزة عن مايصح شربه ليلا وما لا….
قالت قمر بضيق بالغ….
“انت كنت فين؟…..”
كان سيرد ردًا مستفز كالعادة لكنه لم يفعل فكان
متعب ومرهق بشدة…..
“العربية عطلت فكنت بصلحها….”
اشفق قلبها عليها فقالت بتهكم….
“وطالما هي بايظه اوي كده وكل يومين عند الميكانيكي….ما تبعها وريح نفسك….”
“ان شاء الله قريب…..” رد ردًا مختصرًا هادئًا…
جعلها تجعد جبينها بحيرة وهي تطلع اليه من أول
راسه حتى اخمص قدميه.. هناك شيءٍ متغير به
أحيانا تشعر بانه يهرب من عيناها بحرج وكانه
يخفي شيءٍ يسعى ان لا تعرف عنه الان على
الأقل….
لكن ماهو ؟!…..
نظر لعيناها كطفلا مشتت بائس ثم قال بعد لحظات…..
“انا جعان ياقمر…. ينفع تسخنيلي الأكل….”
اومات براسها سريعًا بحنان متناسية لوهلة خصامهما
الذي دام لثلاثة أسابيع….
“غير هدومك على ما سخن الأكل….”
أومأ براسه وهو يبتعد الى غرفته….
وبعد فترة بدأت تلملم الاطباق التي تناول مابها
قد افترس الطعام وكانه لم يأكل منذ أشهر !…
قد جلست معه على الطاولة لكنها لم تأكل وكانت
حجتها حينذاك انها تتبع أحد الحميات الغذائيّة
فقلب شفتيه وقتها ممتعضًا وهو يتابع الاكل
بنهم…
حينها سالته متعجبه بعد ان قارب على
الشبع…
(انت كنت جعان اوي كده….)
توقف عن الاكل وهو ينظر لبنيتاها
بشوق…
(بقالك تلات أسابيع حرماني اكل معاكي وكانك
بتعاقبيني….)
بد في تلك اللحظة كصغير يعاتب امه على خصامها له وامتناعها عن فعل أشياء اعتادها معها…وقتها بلعت غصه مختنقة وهي تحاول التحدث بهدوء….
(انت اللي بترجع وقت الغدا متاخر… بنبقا اتغدينا انا وكيان…. وبعدين في أيام كنا بنفطر فيها سوا…)
صرح بصدقًا وعيناه تفيضان شيءٍ من
الاحتياج لها…..
(بس كنتي بتبقي قلبه وشك اللقمة مكنتش بتبلع..)
خفق قلبها متجاوبًا مع حديث طفله بلوعة….
هذا الرجل اتى من رحم قلبها ولا مجال لتغير
هذا الشعور داخلها انه الشعور الاستثنائي التي
تكنه له من يوم ان وقعت في حبه ؟!…
(عايز تقول انك مهتم…..)
أكد حمزة دون مراوغه…..
( لو مش متهم ليه هقول كده…. تعرفي إيه اكتر حاجة وحشاني…)
خفق قلبها باشتياق حار….فهزت راسها بكبرياء
فتابع هو بابتسامة جذابة…
(فنجان قهوة على الريحة..من ايديكي الحلوين.)
زمت شفتيها بضجر فتلك لم تكن الاجابة المنتظرة مع خفقات قلبها الحافلة…. لكنها حافظت على ابتسامته الرصينة قائلة ببرود….
(ومالوا يابن خالي هعملك فنجان القهوة اللي
وحشك….)
انتهت من غسيل الاطباق وبدأت في إعداد
فنجان القهوة له قبل ان تدلف الى غرفتها لتكمل
ليلة حافلة بوجع القلب على سريرها…..
شعرت به يدلف الى المطبخ جالسًا على المقعد
امام الطاولة المستديرة القابعة في منتصف
المطبخ….
استدارت له بعد ان وضعت الركوة على النار…فاشار
بعيناه لها ان تتقدم منه ففعلت وجلست بالقرب منه واضعه كفها على سطح الطاولة مثله….
مسك حمزة كفها مغطيها بكفه الكبير ملامسًا اصابعها الطويلة النحيلة البيضاء واحده تلو الأخرى وكانه يرسمهما بلمساته….اصبع الجنية التي تفتنه..
“انا آسف…..انا عارف اللي عملته ضايقك….”
سحبت يدها من بين قبضته الحانية…
“اللي عملته وجعني…وجعني اوي ياحمزة.. ”
قالتها وهي تنهض من امامه تخفي ضعفها وغيرتها
الواضحه وضوح الشمس لعيناه…..
“قمراية بصيلي….”قالها حمزة بعد ان اندفع خلفها
وادارها اليه بمسكة من يده….فتابع بجدية وهو
يأسر بُنيتاها…
“اي حد…اي حد في مكانها كنت هعمل معاه كده…. اقسم بالله ما بكدب عليكي…..”
اومات قمر براسها وهي تبلع غصة بكاء تهدد بالافصاح عنها…..
“في دي عندك حق اي حد مكانها كنت هتعمل معاه كده….بس الخوف اللي شوفته في عنيك ولهفتك عليها بيقوله عكس كده…”
انفعل حمزة في لحظة بتجهم..
“انتي بتقولي إيه…مفيش حاجة من دي…انا نسيتها
كل اللي جوايا ناحيتها وجع….وجع وبس…”
امتقع وجهها والتوى ثغرها بوهن قائلة
امام عيناه…
“لو نستها بجد مش هيبقا جواك ناحيتها اي حاجة
حتى لو وجع ياحمزة…حتى لو وجع… ”
جاب حمزة على ملامحها بنظرة قاتمة قبل
ان يلفظ بصوتٍ غريب…”انتي متعرفيش حاجة…..”
قالت بنبرة صقيعية هادئة….
“لا عارفه شهد حكتلي على كل حاجة عنك وعنها…”
جفلت حواسه للحظات وهو يتمعن بالنظر الى الاسى والقهر في حدقتاها الامعة بالدموع…..فاسترسلت
قمر بلوعة….
“عارفه انك كنت بتحبها أوي….وانها شرطت عليك
تكتبلها شقه من شقق أبوك ولما أبوك رفض..سابتك
وارتبطت بغيرك…”
اتى صوته ساخر متناقض مع مشاعره
الآن…
“لا وانتي الصدقه ارتبطت بغيري وهي لسه لبسه دبلتي….انا كنت *……في الحكاية كلها وعرفت
تديني الضربه اللي توقعني متقومنيش….”
صرح حمزة بضعف استثنائي وهو ينهت بتعب
بينما قلبه يعتصر بقسوة بين أضلعه…..
“انا موجوع ياقمر… الوجع اللي جوايا صعب اوصفهولك….”
رمشت بعينيها متنازلة عن عبارات حارقة سقطت
من حدقتاها باستسلام…..
فتابع حمزة بقهر الرجال..
“وجع راجل اتخان من اكتر انسانه حبها..وعدته كتير انها هتفضل جمبه وان الفلوس والمنظرة اخر حاجة تفكر فيها معاه وانا وجودي اهم من اي حاجة في الدنيا….وان عمر قلبها ما هيحب حد ولا هيشوف غيري..”
ابتسم هازئا وعيناه تتلون بالحزن
والخذلان…
“وعدتني كتير ياقمر….وكان كل ده كدب…فجأه صحيت لقتها بيعاني مع أول محطة نزلت وسبتني أكمل لوحدي لا عارف رايح فين ولا هعمل
إيه من غيرها…..”
اضاف بغصة مختنقة….
“انا بطلت احبها…يمكن الحب قلب كره وقرف
من نفسي ومن قلبي اللي استرخص ونقى اقل
حاجة ومسك فيها بايده وسنانه…”
راها حمزة تتعذب حرفيًا امام عيناه كلما تحدث
عن أخرى امامها…وكانه يجلدها بالكلمات…..
فصل الخطوة الوحيدة بينهما وعانق وجهها بين
يداه ثم مسح دموعها برفق قائلا باعتذار حاني
بصوتٍ يحمل حنان العالم بأسره…..
“والله ما اقصد اوجعك…..انا بحكيلك على اللي جوايا لازم تفهمي اللي عملته ده ملوش علاقه بيها هي… والله اي حد مكانها كنت هعمل معاه كده….”
حاولت قمر نزع نفسها من بين يداه….
“ممكن تسبني عايزه أروح اوضتي سبني ياحمزة..”
ترك حمزة وجهها واحتوى خصرها بين يداه مقربها
من جسده حتى التصقت به فقال بضعف بعد ان تخللت انفاسها الطيبة رئتاه خلسة…..
“بالله عليكي لا….كفاية خصام وبعد انا استويت
بلاش تبعدي عني ياقمر…..حقك عليا والله ما أصدق
اجرحك أو اوجعك بكلامي……”
نظرت لعسليتاه القريبة جدًا منها وانفاسه التي تتوغل الى رئتاها بانسيابية ساحرة..
“حمزة…..”
همست بها وهي تغمض عيناها بتأثر…بعد ان تحسس
هو خصرها المنحوت اللين بوقاحة هامسا وهو يميل
على اذنها بضعف أجش……
“عايز المسك ياقمري….عايز اخدك في حضني..”
ذابت مفاصل اعصابها ولم تقوِ إلا على نداءه
بصوتها المحموم….. “حـمـزة…..”
اسمه من بين شفتيها هكذا يزيده جنونًا…..
“انا تعبان ياقمر….عايز أرتاح جوا حضنك….”
كان صوته اشد حرارة منها وهو يضمها الى احضانه
مستمتعًا بقربها وبهذا الدفء الذي سرى في جسده
وهذا الاجتياح الذي نبع من قلبٍ مجروح….
تأوه بضعف وهو يزيد من ضمها الى صدره وكانه
يحاول وشمها عليه ليظل هذا الدفء دائمًا وللابد
معه……
“حمزة…..”همست باسمه ليس تمنع بل تمتع بهذا
القرب المحرم بل كانت يداها تسير على ظهره
الصلب صعودًا الى عنقه من الخلف ثم شعره الناعم وتظل هناك كثيرًا سابحة باصابعها الطويلة بخصلاته الناعمة….
لم يكن اقل منها شوقًا وضعفًا هو أيضًا كانت يداه
تسبح على ظهرها الانثوي الغض صعودًا الى عنقها
الشامخ اما شعرها الغجري المتدلى على ظهرها
بدلال فكان يلفه حول اصابعه خصلة خصلة
مستمتع بالتموج المنفرد به….
همس وهو يطبع قبلة على عنقها كانت كتأثير
الخمر الذي اثملها للحظات بين يداه العابثة…
“قوليها ياقمر…..عينيك وقلبك قالوها اكتر من مرة
عايز اسمعها منك…..”
طبع قبله اخرى على عنقها أطول من السابقة
اطاحت بالاخرى عرض الحائط وظلت لذة هذه
أقوى وأجمل وأكثر تأثيرًا….
“حـمـزة……”
ضمها اليه أكثر وهو يترجاها بحرارة….
“عشان خاطري قوليها….قوليها وانتي في حضني..”
تتشبث به وهي تزيد من ضمه اليها ويزيد هو من تعلقه بها…معترفه بعينين وقلبٍ يفيضان بالعاطفة
الجياشة لطفلها الشقي…
“بحبك….بحبك اوي ياحمزة……”
تأوه حمزة وهو يطبع قبله على خدها منتشيًا من جمال اللحظة..
“عارف….ودا اللي معذبني…..”
توسعت عينا قمر بصدمة وهي مزالت بين ذراعيه
اذ بها تفوق اخيرًا من غيبوبة الأحلام واقعه
بقسوة على أرض الواقع……
“حمزة أبعد….اللي بيحصل ده غلط اكبر غلط…
أبعد….”
حل وثاقها ببطئ وهو يعلم انها محقه في هذا
الأمر…وعندما تلاقت اعينهما بعد هذا العناق
الملتحم بالكثير من المشاعر الثائرة المشتعلة…
“انا…..”
لم تقف لتنتظر حرفٍ واحد بل ركضت بسرعة
من امامه بقلب مزعور…..لحق بها حمزة قائلا
بلهفة……”قمر…..قمر…..”
قبل ان يصل اليها وجد الباب يغلق في وجهه..فطرق عليه عدة مرات قائلا بصوتٍ خفيض…..
“قمر افتحي الباب…”
من الجهة الأخرى هزت راسها بنفي وهي تضع يدها على صدرها النابض بقوة….قائلة بثبات جبار…
“تصبح على خير…..”
طرق حمزة مرة اخرى على الباب بتصميم وهو ياخذ
انفاسه المتهدجة بعنف…..
“طب افتحي نتكلم….في حاجة مهمة عايز اقولك عليها….”
“لا.. مش عايزة اسمع حاجة…”رفضت بحدة وهي تضرب على وجنتها نادمة على كل تجاوز لعين حدث بينهما بالخارج….
………………………………………………………..
“ماشي ياحبيبتي هكلمك تاني سلميلي على حمزة
وقمر….” اغلقت الهاتف وهي تحمل صنية من المشروبات الدافئة وجوارها اطباق من المكسرات….
خرجت من المطبخ متجهة الى أحد الأركان الدافئة حيثُ المدفأة المشتعلة الان بألواح الخشب جالس امامها عاصم ببنطال بيتي عاري الصدر يستريح بظهره على أحد الوسائد العريضة ويشاهد عبر شاشة التلفاز الكبيرة احد المبارات الاوربية القديمة….
“مكنتش اعرف ان ليك في الكورة كمان….”
قالتها شهد وهي تجلس جواره….فرد وهو ينظر لوجهها بتمعن…..
“يعني مش قوي…بس مش لاقي حاجه عدله غيرها…”
عقدت حاجباها سائلة…. “شكلك زهقت….”
هز راسه بنفي وهو يسحبها الى احضانه واجلسها على ساقيه الممدده…..
“حد يزهق وهو معاكي برضو…..”
وضعت كفها على صدره العريض المفتول بالعضلات…
قائلة بتنهيدة حارة….
“مش مصدقة ان فات شهر على جوازنا….معقول هنسيب المكان الحلو ده ونمشي…..”
لامس خصلات شعرها الناعمة
بحب… “تحبي نمد الإجازة….”
زمت شفتيها بأسى وعيناها تموج بالكثير من
المشاعر…..
“احب أوي…بس بصراحة اخواتي وحشوني…وبحر اسكندرية وحشني أوي… وعايزة ارجع بلدي…”
أومأ براسه وهو يلامس وجنتها الناعمة….
“زي ما تحبي….وبرضو مفيش مشكلة لو حبين
نرجع هنا تاني في الاجازات…..”
قالت بنبرة مبتهجة… “بجد في نفس الكوخ….”
أكد مبتسمًا باتساع…..
“في نفس الكوخ ياست الحُسن…”
ابتسمت بدلال وهي ترتاح براسها على صدره العاري النابض بعشقها فتلقى هو جسدها بين ذراعيه باحتواء متأملا المدفأه وألسنة النيران المتوهجة كعيناه وقلبه في حبها….
سالها عاصم بعد لحظات بعد ان لامس بيده سماعة اذنها بالخطأ فقال بفضولا….
“انتي مولودة كده…..”
هزت راسها بنفي وهي تمرّغ وجهها في صدره بدلال كقطة تبحث عن بعض الراحة والحب في حضن صاحبها….
“قولتلك قبل كده انها حادثة…”
أغمض عيناه بضعف وهو يتكأ على جسدها اكثر
بين يداه متنعما بهذا القرب الحميمي بينهما….
“بس مقولتيش مين السبب….”
توقفت عن التمرغ بوجهها وسكنت قليلا في احضانه
وكان الذكرى السوداء غادرت صندوقها المظلم
لتداهمها بقوة وتجلدها بشدة…ولم تتوقع ان تصرح
بالامر ببرود وكانها لم تتألم يومًا من تلك الحادثة…
“عثمان الدسوقي….”
تشنج فك عاصم وضاقت عيناه بالألم وكانه توقع الإجابة قبل ان تنطق بها….لذا لم يكن هناك وجود للصدمة بل بقى فقط الألم والشفقة عليها فسالها بتحشرج….
“من امتى…..”
قالت بملامح جامدة واجمة…
“وانا عندي خمستاشر سنة تقريبًا….”
أعتصر عيناه وكان وجعها وما عشته وليد اللحظة
وليس شيءٍ مر عليه اكثر من اثنا عشر عامٍ…فسالها
بعد لحظة صمت مرهقة لكلاهما وهما على وضعهما
يتشبثا في أحضان بعضهما وكانهما يخافا طوفان
الماضي ان يفرقهما في لحظة ضعف !…..
“واي السبب اللي يخليه يعمل فيكي كده…”
بللت شفتيها والدمع يتجمع في مقلتاها عنوة عنها بشفقة على نفسها وما مرت به على يد اقرب الناس لها…
“عثمان كان بيحب واحده زمان كانت صاحبة ماما جارتها في نفس العمارة….كانت الست دي جميلة وصغيرة حبها عثمان وبدأت من هنا المشاكل….الست اللي حبها طلبت منه يطلق ماما عشان ترضى تجوزه وتبقا معاه…”
هبطت أول دمعة مع قصتها المأساوية المليئة
بالكثير من الوجع والخذلان دمعة نزلت على بشرة
صدره فزاد وجعه وعذابه وكانه يتشارك معها جزءًا
من تلك القصة بقلبه….
بينما تابعت شهد بوهن….
“بصراحه هو مترددش وطلق ماما وقتها كان حمزة عنده سنتين وماما كانت على وش ولاده حامل فيا…بعد الطلاق ولدت وجيت الدنيا وسط المشاكل دي كلها فحصلت قعده بين الرجالة مع بابا..بانه يعني لازم يرد ماما ومينفعش خالص يرمي عياله خصوصا انها لسه مخلفة بنت هترمي عرضك ولحمك في الشارع…..”
زفرة نفسًا ثقيلًا على صدرها وهي تتابع بقلب
مليء بالهموم والقهر……
“شرطوا عليه يرد ماما ويتجوز الست التانية طالما الشرع محلل بده وطالما هيعدل بينهم…..راح للست دي وحكالها اللي حصل فرفضت وقولتلوا انا مدخلش على ضرة…وقفلت الباب في وشه…وهو عجز انه يعمل حاجة خصوصًا انه مدي للناس كلمة وخلاص رد ماما لعصمته….”
انهارت مقاومتها فبدا الدمع يتساقط من مقلتاها
الحمراء بكثرة متابعة…..
“من هنا بدا الجحيم شتيمه وضرب وبهدلة…وماتت ماما بعد معاناة مع المرض والفقر رغم انه كان ممكن يعالجها وقتها بس هو حب ينتقم منها ومننا على سبب محدش عارفه لحد دلوقتي…..”
استرسلت شهد بروح باردة وكان شريط حياتها يمر
امام عينيها بالتفاصيل المؤلمة…..
“في يوم دخلت اوضته وكان عندي فضول أعرف اي حاجة تخص الست دي….يومها لقيت صوره ليها وساعتها وجهته… قولت كلام يحرك الحجر من مكانه…كان رده بسيط الرد اللي متعوده عليه منه
من يوم ما وعيت على الدنيا…”
“ضرب وشتيمه واهانه لحد….”بلعت غصة بكاء حادة
تكاد تقسم انه تشطر حلقها لنصفين الان…
“لحد ما صحيت لقيت نفسي في المستشفى والوجع
ميتحملوش حد جسمي كلها كانه مشلول تحت ايد الدكاترة وداني مش حاسه بيها مش سامعه غير صفير عالي أوي وبيوجع أوي…..مش عارفه اسمع حد….ولو سمعت كان بيبقا الصوت واطي اوي ومزعج لدرجة اني كنت بقعد أصرخ لأني مش سماعه ومش فاهمة…..”
انتفض قلب عاصم نفضة الموجوع وترقرق الدمع في
عيناه وهو ينظر للفراغ متخيلًا مدى المعاناة التي
عاشتها في هذا السن الصغير والذي سببه لها رجلا من المفترض انه الأب الحامي الساند لها…..قالت
شهد بغصة مسننة….
“رحلة العلاج كانت صعبة خدت من عمري سنين…عملت كذا عملية في ودني مقدروش يعالجة غير الودن الشمال واليمين ملهاش حل غير السماعة….هي دي كل الحكاية….”
انتهت من السرد المختصر في حكاية مزالت تعاني
داخلها…..ثم رفعت عيناها المبللة بالدموع الى عينا
عاصم بعد ان رفعت راسها عن صدره….
فصدمها بتقلص ملامحه المًا وغضبًا وعيناه المليئة بالدموع وخطٍ من الدمع منساب على خده منتهيا عند لحيته الكثة شهقت سائلة بصدمة وهي تمسح دموعه بحنان….
“عـاصـم…..انت بتعيط؟… ”
مسح مقلتاه بعنفًا ولم يعي إلا الآن انه بكى
لأجلها ! وجدته يمسح دموعها أيضا مؤنبًا اياها بغضب…
“ازاي قدرتي تكملي معاه كل السنين دي….ليه مشوفتيش مكان تاني تعيشي فيه انتي واخواتك..”
ابتسمت بسخرية ممزوجة بصدمة وكانه يتحدث
عن رجلا غريب !…قالت بتهدج….
“مفيش حد بيقدر يهرب من بيته واهله ياعـاصـم حتى لو كانوا بيأذوه…”
اربد وجهه متحدثا بتهكم وهو يصب جام غضبه
على ماضٍ لعين…..
“انتي مش ضعيفه ياشـهـد عشان تقولي الكلام دا..كان ممكن تبدأي بعيد عنه…انتي واخواتك سوا..إزاي سكتي وصبرتي كل ده….عشان إيه…..”
قالت بنشيج متقطع بالاوجاع…
“عشان ده أبويا….كان عندي أمل انه يرجع عن كل حاجه بيعملها معانا ويعرف اننا ولاده اللي هنبقا ليه لو كل الناس اتخلت عنه…..إحنا استنينا ياعاصم..احنا التلاته استنناه من غير ما نقول ده لبعض…..خوفنا نقول لبعض انه هيرجع وهيلمنا في حضنه ويعرف غلطه خوفنا نوعد بعض بده فاستنينا وصبرنا…
تعرف اي اللي حصل بعد كل السنين دي…”
غامت عيناها بالحزن والخذلان مسترسلة بابتسامة مريرة ونبرة ساخطة…..
“كرهناه لدرجة ان وصف الكره ميجيش نقطة من احساسنا ناحيته….احنا اتدمرت حياتنا بسببه وبسببها
قتلت امي وضيعت مستقبل حمزة…..حولتني لحد ميت مش قارد يعيش ويحس زي بقيت الناس مستني الغدر في اي لحظة….حتى كيان رغم انها ماعشتش معظم اللي عشناه بس هي برضو بتعاني
من اليتم و الحرمان احنا التلاته ادمرنا وكل بسبب ان ماما قبلت تكمل مع واحد خانها…..”
ضمها عاصم الى احضانه وقلبه يقشعر بالوجع
معها ولأجلها .. “أهدي ياشهد أهدي……”
ارتاحت على صدره وهي تنتفض بين احضانه باكية
بهيسترية مريرة…..فقال وهو يربت على كتفها محتويها بذراعه بقوة هامسا بالقرب من اذنها….
“هشش كفاية كده ارتاحي…..ارتاحي ياحبيبتي وكفاية كلام….”
قالت وهي تاخذ انفاسها بصعوبة…..
“مكنش نفسي اكرهه…كان نفسي يفهم اني كنت بحبه أوي….وكان نفسي نكون زي اي اب وبنت…كان نفسي نكون زي اي عيلة…مكنش نفسي اكرهه….والله ما كان نفسي اكرهه….. ”
لسع الدمع مقلتاه من جديد فضمها أكثر الى
احضانه ثم بلع غصة مختنقة هامسا لها وهو
يمسد على شعرها….
“هشش كفاية….كفاية ياقلب ياعاصم……”
استكانت في احضانه بعد فترة طويلة من البكاء والبوح بما يعتمل في صدرها….استكان جسدها بتعب وبقلبٍ منهك ذهبت في نومًا عميق بين ذراعيه…
……………………….
كانت تتلوى على الفراش بلوعة فقد اتتها تلك النوبة اللعينه عندما يجلدها الماضي بسياطُ القوي ، تتكور بضعف منكمشة الجسد تئن كل دقيقة بعذاب وكانها تحتضر للموت….
قد داهمتها تلك النوبة قبل أشهر طويلة عندما رأت الهام في بيت عاصم واكتشفت هوايتها.. واليوم كذلك تحضرها نفس النوبة بعد ان كشفت اوراقها لعاصم وعاد الماضي يحاربها من جديد…
في حربٍ شعواء بين النفس والماضي حربٍ تستنزف داخلها قوة صبرها وتحملها وتسقط معها الاقنعة الزائفة…
فتكن عارية في ارضٍ مشتعلة بالحروب…وألسنة النيران تجلدها كلما حاولت ولو قليل الانسحاب !…
هكذا عادت النوبة بقوة عندما اوقعت قناع الجمود وحكت كل شيءٍ محاولة الانسحاب،لكن كيف يكون الانسحاب والحرب الداخلية لم تخمد بعد ، لا تزال ثائرة داخلها والذكرى تزيدها جنون….
في جوف الظلام ترى نفسها فريسة سهلة للاصطياد اضاءة حمراء مريعة تنير وجوههما اللعينة الجميع يطعنها بخناجر سامة مميته ، وجوه تعرفها واخرى تجهلها يطعنوها بقوة دون شفقة او رحمة….
لم تكن تصرخ بل كانت ترتجف برعب الوجع يداهم جسدها من كل الانحاء مع كل طعنة تتلقاها منهم لكنها لم تصرخ ابدًا بل كانت تتحمل حتى فاض كيلها وحاولت التملص منهم لكن هذا لم يزيدهم الا اصرارًا على طعنها بقوة مما جعلها تقع ارضًا في جوف الظلام صارخة بقوة تكاد تفتك احبالها الصوتية……
شعرت بذراع حانيه تتلقاها بقوة تحميها وتدعمها وهمسًا حاني يقشع من حولها الخوف والظلام مما جعلها تشهق باكية بضعف وهي تتشبث به بقوة…..
مسد عاصم على شعرها وبدأ يقرأ الايات القرانية محصنًا إياها من وساوس الشيطان….وهو يضم جسدها المنتفض بين ذراعيه بخوف….
ليته قادر على ان يمنحها ولو قليلا من الراحه والأمان فمنذ ان حكت له كل شيءٍ خلف معاملة والدها وحادثة اذنيها وهي ولمدة اربعة أيام تعاني بين يداه هكذا….
تتلوى بوجع وتئن كمن اصابها مسٍ لعين…كلما نامت تستيقظ على كابوس ابشع من سابقة وان استيقظت
تكن في عالمًا بعيدًا عنه….لا تأكل إلا القليل…ولا
تتحدث إلا للضرورة….
يقلق عليها بشدة ومع ذلك ترفض الذهاب الى الدكتور لفحصها فقد اخبرته بصعوبة انها تعاني من نوبة إكتئاب شديدة…ومع الوقت ستتحسن عندما تريد ذلك !…..
أسبوع كامل مر واليوم تحديدًا سيغادرا من الكوخ والمكان الذي احبته جدًا…..
بعد ان تحسنت بتدريج واستعادت روحها المهاجرة
وعادت بفضل ﷲ ومن بعد وجود عاصم الدائم جوارها فقد كان بمثابة علاج مكسنًا للكثير من الألم……
“خلصتي ياشـهد….”
قالها عاصم وهو يقترب منها بعد ان رآها قد تأنقت بثوب كلاسيكي أنيق من اللون الأبيض وقد ربطة شعرها للخلف على شكل ذيل حصان….
اومات براسها مبتسمة بعينين قد انطفئ بريق السعادة بهما….ضمها الى صدره دون حديث وطبع قبلة على وجنتها….
فابتسمت وهي تبادلة العناق فهذا الحضن كان علاجها في سبعة أيام الماضية….ولم تتوقع ان يتحملها كل هذا الوقت بل ويظل جوارها ليلًا
ونهارًا دون ان يكل او يمل…
وهذا أحد الاسباب التي جعلتها تحارب بقوة
حتى تنفض غبار الماضي والضعف عن جسدها…
“اه خلصت والشنط كمان جهزت….”
قالتها وهي تعدل ياقة قميصه فطبع قبلة على شفتيها قائلا بحنو…..
“طب يلا بينا ياحبيبتي…عشان نلحق الطيارة….”
هزت راسه بانصياع وخرجت برفقته تتأمل الكوخ للمرة الأخيرة…. سيظل هذا المكان نقطة تحول
كبيرة في حياتهما….
ولم تندم على ماحدث قبل سبعة أيام فقد كانت بحاجة لان تشاركه جزءًا من اوجاعها ومعاناتها
حتى وان لم تكشف عن هواية إلهام بعد ؟!……
بعد ساعات طويلة وصلا الى سراية الملوك كما
تلقبها قد اخبارها عاصم انهما سيقيما هنا لبعض الوقت حتى تنتهي تجهزات الشقة…..
قد وافقت دون جدال فهي كانت بانتظار هذا القرار منذ بداية اتفاقها مع المهندسة آلاء !..
ترجلت من السيارة الفارهة برفقة عاصم الذي عانق كتفها بذراعه داخلًا معها للمنزل الكبير وعندما فتحت لهما الخادمة اطلقت الزغاريد العالية فابتسمت شهد بحرج وهي تقف جوار عاصم رافعه عيناها على السلم الممتد التي نزلت من عليه الهام اثار تلك البلبلة….
وعندما رأت شهد احتقن وجهها بالغضب ولجم لسانها
ولم تبقى الى نظرات الكره المتبادلة بينها وبين غريمتها التي قالت بابتسامة مستفزة….
“مفيش حمدالله على السلامة…ولا حتى مبروك
مكنش العشم يا ام يزن…..”
ابتسمت الهام بصعوبة وكادت ان ترد…لكن سبقها صوت ابنها الذي خرج من العدم قائلا بابتسامة واسعة ونظرة غريبة…..
“لا إزاي الف مبروك ياعروسة… نورتي المكان….”
رمشت شهد عدة مرات جافلة من ظهوره المفاجئ ونظراته التي تشتت عقلها لعدم قدرتها على قراءة المعنى الخفي بها…
كل ما تعرفه انها لا ترتاح لهذا الصبي كأمه تمامًا….
رفعت عيناها للأعلى تتأمل البيت العريق وهي تسأل
نفسها بوجل….
ماذا ينتظرها في سراية الملوك ؟!….
……………………………………………………………..
حول السفرة ولأول مرة تجلس بصحبة ناس لا يجمعها بهم سواء رابط عائلي بينهم وبين زوجها..
كانت غريبة بينهم تشعر بالغربة بالحرج بعدم الارتياح خصوصًا انها تتشارك وجبة الغداء مع إلهام وابنها صاحب النظرات الغريبة…..
من كان يظن ان الأيام ستدور وتشارك غريمتها
نفس وجبة الطعام وسط جو عائلي زائف….
تحدث مسعد بود وهو يمضغ الطعام
بهدوء….
“نورتينا ياشهد…ان شاء الله ترتاحي وسطنا
وتحبي بيتك الجديد….”
ابتسمت في وجهه قائلة وهي تقلب في طبقها
بشهية مفقودة….
“اكيد يامسعد بيه… انتوا خلاص بقيتو عيلتي التانيه…”
التوى ثغر الهام بقرف من اسلوبها المتملق….بينما
ابتسم عاصم وهو ينظر إليها….
فقال مسعد برفق….
“بما اننا عيلتك التانيه بلاش مسعد بيه دي وناديني
بعمي زي عاصم هتكون أحسن….”
“اللي تشوفه ياعمي….” اومات شهد براسها دون ان تزول ابتسامتها…
سالتها الجدة نصرة بابتسامة صافية….
“وانبسطه في سفريتكم على كده… عجبتك البلد اللي روحتيها هي اسمها ايه ياواد يا يزن….”
قال يزن وهو يمضغ الطعام
بتلذذ…
“سويسرا يانصرة قلبي…. سويسرا…..”
قالت نصرة بحرج… “ايوا…. حلوه البلد دي ياشهد….”
قالت شهد بحرارة….
“تجنن بجد كانها حته من الجنة…. لازم في مرة نروح
تاني وتبقي معانا طبعًا…”
“ان شاء الله ياحبيبتي المهم انكم انبسطوا….ولا اي
ياعاصم…..” قالتها نصرة وهي تنظر الى حفيدها
بلؤم العجائز….
فابتسم عاصم بحرج قائلًا بوقار….
“الحمد لله ياحاجة بفضل ربنا ودعواتك كانت
سفرية حلوة…..”
قالت الجدة بمحبة….
“لازم تكون حلوة مش مع شهد… ربنا يسعدكم ياولاد..”
سالها يزن بتمعن…
“ولفيتي بقا فين في سويسرا ياشهد…..”
نظرت له شهد بسخط واضح فتدخل عاصم
قائلًا بسخرية….
“بتسأل على أساس انك روحتها قبل كده….”
تحدث يزن وهو يوزع النظرات عليه وعلى شهد…
“لا مرحتهاش ياكينج بس دارس المناطق السياحية اللي فيها وقريب اوي هعمل ويك اند هناك…مع حبيبتي….”
هلل عاصم متعجبًا….
“الله اكبر…. وفين حبيبتك دي….”
ضحك يزن قائلاً بمرح….
“ربنا يبعت ياكينج… هتكون أول واحد اعرفك عليها…”
فهز عاصم راسه وهو يعود الى طعامه….فقال يزن
بإلحاحٍ…..
“برضو مقولتيش ياشهد لفيتوا فين في سويسرا…”
رمقته شهد بضيق….فتدخل عاصم مجددًا
بجدية…..
“مالك مركز مع شهد ليه اسالني انا….”
رفع يزن حاجبه ببلادة…
“انت بتغير ولا إيه ياكينج….”
رد عاصم بصدقًا وهو ينظر إليه بحنو….
“انا ممكن اغير من اي حد إلا انت…. انت ابني ياعبيط.. حد يغير من ابنه دا انا اللي مربيك…”
شعر يزن بالحرج فوجه الحديث لها….
“عايز يكبر نفسه على الفاضي….على العموم انا
مش هتقل عليكي انتي برضو لسه جديده وسطنا ومتعرفناش كويس أكيد لما تعرفينا هتحبينا…. ”
ردت شهد عليه اخيرًا بابتسامة فاترة….
“أكيد….كفاية محبة عاصم ليك هي اللي هتحببني فيك وهتخليني اخد على الكلام معاك أكتر…”
“ان شاء الله…..عن اذنكم عندي معاد في النادي….”
انسحب يزن بهدوء دون ان يلاحظ احد وجوم ملامحه عدا امه التي لاحظت تغيرات ابنها ونكست راسها تفكر في شيءٍ يبعد النيران قبل ان تندلع في هذا البيت من تحت رأس تلك الوضيعة الجالسة امامها ترتدي ثوب البراءة امام الجميع ولا أحد
يعرف الخطه الاساسية من خلف تلك الزيجة…
لو كان بيدها لفشت السر للجميع واولهم عاصم لكن
سرها مرتبط بماضيها هي وان انكشفت الاوراق
ستكون أول المذنبون !…
………….
دخلت الغرفة الخاصة به والتي تحمل عبق عطره الرجولي المميز ابتسمت بحب وهي تتأمل كل جزءًا بها بتأني
كانت غرفة شاسعة بذوق رجولي واضح في كل زاوية بها..تحتوي على سرير كبير مكتب وطاولة زينة…
كذلك بها بابان الاول للحمام والثاني غرفة خاصة صغيرة لتبديل الملابس…كانت خاصة ومستقلة وجميلة تحتاج فقط للمسات أنثوية تحليها قليلاً…
عانق عاصم خصرها من الخلف وهو يدفن شفتيه
في عنقها مقبلها بحرارة وهو يهمس بصوتٍ اجش متعب… “هلكان وتعبان… وعايز أنام تعالي نامي
في حضني….وابقي كملي فرجة عليها لما نصحى
من النوم…. ”
اغمضت عيناها بضعف بعد ان حملها على ذراعيه
ثم وضعها على الفراش الكبير منضم اليها بعد ان
نزع ملابسه وساعدها بيداه العابثة كذلك على نزع
المتبقي من ملابسها قائلا بحرارة….
“وحشاني ياست الحُسن….وحشاني اوي……”
ابتسمت بحياءٍ وهي تسأله
بدهشة….
“انا مسبتكش لحظة ياعاصم…..”
“مش لازم تسبيني عشان توحشيني ياقلب عاصم…”
قالها وهو ينزع اخر قطعة من ملابسها….
ثم غمرها بعدها بالقبلات واللمسات الجريئة في هجوم عاطفي كاسح جعلها تستكين في احضانه وهي تئن باسمه بضعف…
…………………………………………………………
دلف الى داخل الشقة يجر قدميه جرًا بعد يومًا متعب وشاق من العمل في الورشة….
حمد الله ان غدًا عطلة رسمية وسياخذ قسطا من الراحة وربما ينام طول النهار….
اغلق باب الشقة وهو يتافف بتعب فاتح حدقتاه بصعوبة فقد تخطت الساعة الثانية فجرًا ربما
داليدا نائمة الان وهذا أفضل فهو ليس بمزاج يسمح
له بالتحدث ولو بحرف فهو منهك ومتعب جدًا وقد
استيقظ البارحة في الخامسة صباحًا ونزل الورشة مكتنف العمل الشاق حتى صباح اليوم الثاني…..
“وأخيرًا جيت ياسلطن….”
يبدو انه نسى ان المدلله من المستئذبين الذين يأخذون الليل نهارًا ونهار ليلا دون واجهة مقنعة !..
التفت لها سلطان وهو يرمقها بنظرة شاملة كانت
قد فعلت شيءٍ في شعرها جعلته شديد التموج
رغم انسيباية خصلاتُ…ترتدي مئزر حريري هناك شيء اسفله يلمع بشدة…تضع زينة وجهٍ مبالغة قليلا لكنها جميلة وصريحة اعطاتها طابع مختلف متجدد في عيناه….
رمشت داليدا باهدابها الصناعية وقالت بابتسامة
شقية….
“كنت متأكده انك هتتأخر عشان كده جهزت نفسي
على أقل من مهلي….”
اتجه سلطان الى غرفة النوم بارهاق وهو يبدأ
في نزع أزرار قميصه…
“اجلي اي كلام لبكره ياداليدا انا تعبان…وقرفان
وعايز انام….”
عبست ملامح داليدا بغضب فاتجهت اليه كالمهر الجامح ودفعته بخفة على حافة الفراش فسقط
باستسلام…
“تنام إيه مفيش نوم….اقعد دا انا بقالي أسبوع
بجهز للمفاجأة دي….”
تثاءب سلطان وهو ينظر إليها بملل….
“يادودا سبيني انام وبكرة افوقلك انتي والمفاجاه..”
“المفاجأت مش بتتأجل ياسلطان…..”قالتها وهي تخلع المئزار عنها برشاقة….
“ها اي رأيك….بذمتك انا ولا النوم….”
نظر اليها بنظرة شاملة وبعينين ناعستين مجهدتين
رآها ترتدي حلة رقص بيضاء براقة بلمعة تتناثر عليها تبرز مفاتنها الشهية وبياض بشرتها الناعمة وتعطيها طابع استثنائي من الجمال مابين الانوثة الطاغية والطفولة الشقية تجتمعا في أمرأه واحده تانقت بحلة رقص مغرية لتبهر زوجها الذي رد
بجفاءًا لم تتوقعه…..”النوم….”
فغرت داليدا شفتيها وهي ترمقه بصدمة
معقبة….
“اي ده فين الانبهار….هي بدلة الرقص مش عجباك
ولا إيه معقول مش مغريه…..”
لمعة نظراته الناعسة بومضٍ وقح
مجاوبًا بطلاقة…..
“من غيرها هتكوني مغرية أكتر….”حاول التحرك للنهوض من مكانه لكنها اوقفت محاولة الابتعاد
تلك بحزم قائلة بتسلط انثوي…..
“رايح فين خليك قاعد مكانك انا لسه مخلصتش
المفاجأه……انا هرقصلك….”
نظر لها سلطان بشك رافع احد
حاجباه….
“انتي بتعرفي ترقصي….”
انتفخ صدرها بفخرًا فقالت بانف
مرفوع….
“ياسلام….امال إيه دا انا رقاصة العيلة….”
لوى سلطان شفتيه متشدقًا بسخرية…..
“واي الفخر دا كله ولا كانك واخده الدكتوراه….”
جزت داليدا على اسنانها وهي تنظر إليه في
وقفتها شديدة الاغراء وحلتها البيضاء ذي الترتر
المتناثر عليها….فتابع زوجها الجلف يقول…
“عمتا ياداليدا انتي مش بترقصي انتي بتهبلي…”
اشتدت نظراتها وهي تقول بحنق
طفولي….
“حاسب انا برقص شرقي…”
رد هازئا…..
“قصدك بترقصي مهرجانات….”
حركت كتفيها ببراءة دون إنكار….
“ومالوا ماهو رقص برضو….وكله اغراء….”
أكد سلطان بتحذلق….
“انا مش بشوف غير واحده عندها مغص عماله تتلوى يمين وشمال….”
زفرة داليدا وهي تحاول ان تستمتع مع هذا الكائن
النكدي….
“ممكن تتفرج وانت ساكت….تحب ارقصلك
على اي مهرجان….”
تافف سلطان وهو يستسلم لهذا الجنان قائلًا
بمهادوة….
“انا مليش في العك ده…شغلي حاجة لحسن
الأسمر….. كتاب حياتي ياعين مثلا..”
جحظت عينا داليدا بصدمة وكادت ان تصيب
بأزمة قلبية وهي تعقب بزهول….
“عايزني أرقص على كتاب حياتي ياعين ياعديم
الرومانسية….”
مط شفتيه ممتعضًا…..
“خلاص متسألنيش شغلي اللي يجي في بالك وانا
هصقف…..”
عقدة حاجباها باستنكار….
“تصقف بس….المفروض تقوم ترقص معايا عشان
نولعها….”
تافف سلطان بكآبة قائلًا….
“نولعها !…داليدا خلصي فقرة الجنان دي عشان
نوصل للمرحلة الأهم….”
تلونت نظراتها بالسعادة والحياء فشهقة بميوعة مدعية الصدمة….”يالهووي بطل قلة آدب بقا….”
هز سلطان رأسه قائلًا بغلاظة….
“مقصدش اللي جه في بالك…انا قصدي اتخمد عشان
تعبان وهلكان….”
انفجرت غيظًا فقالت بغضب….
“انت بتكلم كدا ليه ولا كاني غصبه عليك…”
أكد بايجاز…. “دي حقيقه…..”
رمقته بضجر ثم قالت بكبرياء…
“والله طب روح نام ياسلطان…”
نظر لها سلطان قليلًا ورغم اشتياقه للسرير
وللنوم لم يهون عليه كسرة فرحتها فهز راسه
بنفي قائلًا بمناغشة…
“مش قبل ما اشوفك وانتي بترقصي يلا بقا ياشحرورة…..”
هزت داليدا راسها ممتعضة وهي تتحلى
بالصبر معه معقبة بجزع…..
“شحرورة؟!…قصدك سامية جمال…ماشي هعديها
عشان انت جاهل وملكش في الفن العريق…”
أكد بفتور حتى تهب الرياح وتبحر
السفن….”ماشي يلا ارقصي….”
فقالت داليدا بتملك وقح….
“قبل ما أرقص عايزك تبتسم كده وتحسسني انك منشكح على الآخر…..”
نظر سلطان حوله جافلًا… “ليه انتي بتصوري؟…..”
صكت على اسنانها ببغضًا وهي ترمقه…
“هو لازم اصور عشان تبين انك مبسوط…سلطان انا بقالي فترة بجهز للمفاجاة دي متبوظهاش بالكأبة
بتاعتك….”
رق قلبه لها فاوما براسه مبتسمًا بصدق لنظراتها
التي ظللت بالكحل لتعطي لعينيها السود حسنًا
يفوق الوصف..بهية وشقية ومحتالة وان سألوه
عن الهوى لن يذكر إلا أميرته المدللة من سرقة
قلبه بين ليلة وضحاها ومن احتالت على عقله
وتفكيره يومًا بعد يومًا حتى بات وجودها
أمر مفروغ منه….
تمايلي وتدللي كما تشائين فأنا المائل الى هواكـِ
منذ نعومة أظفارك…..
كانت تتمايل على الأغاني الصاخبة بجسد متشرب من المرونة والعفرته مما يجعلها ترقص على الاوتار وماهي براقصة تقفز مع الطبول ببهجة لاهيه عقلها
وعيناها عن العالم بأسره….تقتحم الكلمات عقلها فتطرب اذنيها وتدلل انوثتها بغزلا صريح يلفظ
باسلوب شعبي رديء يروقها !….
هذا عالمها الذي تعرف الطريق إليه وحتى ان كانت
لا تجيد الرقص كما أخبرها يكفي ان تجيد أسعاد
نفسها المتمردة وتدلل شقاوتها بالميل على الاوتار
الصاخبة….
وان راقني صخب الغناء فأعلم ان صخبِ الداخلي
أشد وطأة وتمرد مما تراه !..
عندما إنتهت الأغنية توسعت ابتسامتها بجذل وهي تنظر اليه بعينين متلألأه كالالعاب النارية…
أخذت انفاسها المتهدجة بصدمة وهي تنظر اليه شزرًا….قد نام مكانه وهي تقوم بفقرة الرقص…
زمت شفتيها وهي تتقدم منه وتساعده بصعوبة
على النوم بشكلًا صحيح على الفراش نزعت
حذاؤه عن قدمه ودثرته بالاغطية وهي تتبرم
قائلة….
“اديك وصلت للمرحلة الأهم….. اتخمد….”
لكزته في كتفه وهي تبتعد تجر ازيال الحسرة
الى الغرفة الاخرى لتبدل ثيابها وتندب حظها
المنكود مع هذا الكائن النكدي الفظ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

‫7 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!