روايات

رواية الحب أولا الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء الخامس والأربعون

رواية الحب أولا البارت الخامس والأربعون

رواية الحب أولا الحلقة الخامسة والأربعون

يتم الضغط الان على قلبها في قبضة من فولاذ انفاسها تتقلص بين رئتاها عينيها لا تبصران إلا
غيمة سوداء معبئة بالكثير ، منذ ان أتاها الخبر
عبر الهاتف ، ولم يكن بمثابة خبر قلب حالها راسٍ
على عقب فقط بل هو كقصف المدافع مدمرًا
جاعل الألم يفترسها متشبع من كل خلايا من
جسدها المجمد من هول الصدمة….
الخبر الذي وصلها عبر الهاتف من رقمًا مجهول يخبرها صاحبه بنبرة عملية باردة ان زوجها نقل
الى المشفى في حالة خطرة بعد ان تعرض
لحادث سير وهو الان في وحدة العناية المركزة..
لا تعرف وقتها كيف نهضت من مكانها تضع العباءة
التي تلقفتها بيدي ترتجف على جسدها واعصابها
في حالة إنهيار بينما وجهها غارق بالدموع ولسانها يدعي له بالنجاة….
“بسرعة الله يخليك…..”
قالتها قمر لسائق سيارة الاجرة الذي يقلها للمشفى
مسحت دموعها وخفق قلبها بقوة وهي ترى السيارة
تقف بعد أقل من دقيقتين امام المشفى المنشودة..
اعطت الاجرة لسائق ثم ترجلت منها تقترب من باب
المشفى بخطوات شبه راكضة وقفت عند الاستقبال
تسأل عليه بصوتٍ مرتعب…
“لو سمحت….حمزة عثمان الدسوقي…لسه جاي
من شوية في حادثة عربية….”
نظرت العامله للشاشة ثم بعد بحثٍ قصير اخبرتها
بهدوء…..
“هو حاليا اتنقل للعناية…..في الدور التالت…..”
ابتعدت قمر بسرعة البرق تصعد السلالم بعينين
غائمة بالحزن والصدمة…
وقفت قمر مكانها امام غرفة العناية المركزة امام هذه
النافذة الزجاجية الذي يظهر من خلالها حمزة راقد
على الفراش موصل بسلوك عديدة وجهه مليء
بالجروح والكدمات هامد جسده على الفراش بلا
حراك…..فقط الأجهزة الموصلة به تشير بانه حي…..مزال حي…..
وضعت قمر يدها على فمها تمنع شهقاتها العالية
وهي تبكي بقهر وحرقة قلب….اين حبيبها….اين ذهب عنفوان حمزة ، الذي امامها الان شخصٍ مستسلم يستقبل الموت بذراع مفتوح مُرحبًا بالنهاية !…..
وضعت يدها على الزجاج توهم قلبها انها تلمسه
رغم المسافات ورغم الالم رغم عدم وعيه بها
وبالعالم من حوله….
همست قمر سرًا بلوعة وكأنها تحادث قلبه تحثه
على النهوض اللا يستسلم لتلك البقعة السوداء
ان يجد النور ويخرج منها سريعًا…
“ليه عملت كده ياحمزة… انا مكنتش عايزة من الدنيا دي غيرك…. ولا فلوس الدنيا هتعوضني عنك… ليه
ياحمزة…. ليه عايز توجعني تاني…. وترجعني
يتيمة…. انا ما صدقت لقيت عيلة اتسند عليها
تحبني واحبها… وانت العيلة دي… انت كل
حاجة ليا….عشان خاطري قوم وارجعلي…
انا من غيرك ولا حاجة…..”
مسحت دموعها وهي ترى الطبيب يخرج من الغرفة
بعد الفحص…..
اقتربت منه بساق ترتجف غير قادرة على الصمود
لكنها تعافر مع الالم والوهن الذي انتابها منذ
ان علمت….
“لو سمحت يادكتور…عايزة أطمن على جوزي
هو كويس ولا….”
توقفت عن الكلام مسبلة العينين بوجع فهي لا تريد
ان تنطق ما يصعب على الأذان سماعة…والعقل تصديقة….
شفق الطبيب عليها وفهم سريعًا صلتها بالمريض ودون مقدمات كثيرة اخبرها بوضوح….
“مش هخبي عليكي الحالة حرجة الحادثة سببت بعض الكسور والجروح….وحصله نزيف داخلي على
المخ خلاه يدخل في غيبوبة….احنا بنعمل اللي
علينا وان شاء الله يفوق قريب…..ادعيله…”
غادر الطبيب وتركها تقف مكانها مبهوته العالم يدور من حولها بغير استيعاب عن اي غيبوبة يحكي…. عن
اي نزيف أصاب زوجها….
وعلى أقرب مقعد جلست بوهن أمام غرفة العناية تبكي بعجز غير قادرة على تحمل كل هذا الالم…. وصوتها الداخلي يصرخ بانها السبب في كل ما
حدث له !…
رفعت قمر الهاتف على اذنها تخبرها بصوتٍ
ميت….
“شـهـد…… حمزة اخوكي في المستشفى….”
بعد فترة…
خرجا الشقيقتان معًا من سيارة الاجرة الى حيث
باب المشفى…
كانا معًا في المطعم بانتظار اخيهن وزوجته لتناول وجبة الغداء وقضاء اليوم معًا كما اتفقت شهد
معه عبر الهاتف من ساعات لكن الخبر الذي اتى لـشـهد كان بمثابة صاعقة رعدية ضربت كلتاهما
في مقتلهن ظلا ينظرا لبعضهن بصدمة يشوبها
العجز والضياع….
وكأن العالم تدمر فجأة امامهن والخراب انتشر من حولهن بصورة مفجعة….فـحمزة يمثل أكثر من أخ
كبير في حياتهن انهُ الأب والصديق انه العائلة انه
التوأم الثلاث لهن…..وخصوصًا شهد علاقتهما أعمق
من ان توصف بعدة كلمات هو جيشها سلاحها
الأمان والبيت…..الحب والعطاء……
انه أول رجلا تقع في حبه…أول رجلا يأسرها بالامان
بالعاطفة يحنو عليها يدافع عنها….اخيها بطلها منذ الصغر وحتى في الكبر….عاشا ايامًا مريرة ، عاشا الصعاب معًا….عاشا وتماسكا لأخر نفس فقط
لانهما معًا….
فكيف تعاقبها الحياة به وتختبرها على هذا..
“قمر….”
نادت عليها شهد وهي تقترب منها بلهفة والدموع تجري على وجنتيها بغزارة عكس كيان التي تقف جوار اختها شاحبة الوجه غائرة العينين دون بكاء وكأنها في قرارة نفسها تكذب الخبر وتمنع نفسها
من استيعاب ان اخيها يعافر مع الموت الان وان القاتل هنا هو…….أبيها !!….
نهضت قمر بصعوبة بعينين حمراوان كالدماء وبجسد
يرتجف مجمد من برد الصدمة إشارة بعيناها على النافذة الزجاجية ولم تنطق بحرف…اكتفت بألم…..
فتركتها شهد دون سؤال ثم اقتربت من النافذة ومعها كيان….
كيان التي عندما رأت اخيها راقد على الفراش دون حراك موصل بالسلوك والاجهزة علمت انها تعي
جيدًا الحقيقة وبشاعتها عليهم….
فتجلى الوجع متناثر على وجهها كفوران ثم نزلت اول دمعة من عينيها تليها دموع كثيرة تنساب على
خدها بلا توقف معها تعالت شهقات بكائها وهي
تتمتم منادية عليه بانين متوسل عاجزة عن
التخفيف عنه كما تتمنى…
“حمزة……..أخويا…..”
كلمتان تكررا أكثر من مرة والدموع تجري على وجنتيها وهي تفيق بتدريج من حالة الانكار الى
حالة الوعي…هذا الوعي الذي يداهم القلب
والعقل مسبب ضجة قوية مؤلمة عن الحقيقة
وأبعادها…..
كانت شهد بعالم اخر لم تسمع او تعي بمن حولها
فكان شريط حياتهما يمر على النافذة الزجاجية كفيلم سينمائي قديم منذ الصغر الى ان وصلا
الى هنا…
هل حقًا أملى عليها وصيته هل كان يودعها
في اخر مكالمة بينهما…كيف لها ان تصدق
بانها النهاية……
سيتركها ويرحل هكذا ببساطه ؟!!..
نزلت دموع شهد وهي تهمس سرًا متجرعة
جمار الكلمات في حلقها…
“مش معقول تكون دي نهايتنا…مش معقول تكون
دي وصيتك بجد….انا مقدرش…مقدرش أكمل خطوة
من غيرك ياحمزة….احنا متفقناش على كده….ولا انا
قد الوعد ده من غيرك ياخويا…..”
عبق الموت يخنقها متوغل الى روحها يسلب
الحياة منها….
تعرف رائحة الموت جيدًا قد زارها مرتين الأولى وهي تعافر تحت الأجهزة بين أيادي الأطباء والثانية وأمها تلفظ انفاسها الاخيرة أمام عينيها الخائفتين المراقبتين للنهاية الحتمية….
كلاهما حدثا بسبب رجلا واحد هو عزرائيل حياتها كما تلقبه منذ الصغر…هو النقطة السوداء التي تعود إليها مجبرة مهما حاولت النجاة من براثن شره….
واليوم اختار ضحية أخرى يمارس عليها وحشيته
في الاجرام والقسوة ويدمر معها قلوب أخرى فاض
بها الوجع وعذاب الفقد….
ان وقع الفقد مجددًا عليها وخسرت اخيها ستفقد معه الإيمان بالحياة ، والعزوف عن كل ما يرتبط بها !…
أقتربت قمر منهن ووقفت بين الشقيقتين تطلع معهن
على حمزة بعينين لا تنضب من الدموع….
“انا السبب….لو مكنش رفع القضية مكنش وصل
لهنا…..”
فور إنتهاء قمر من كلماتها الملامة لنفسها و الخارجة بنبرة شبه متمزقة بالوجع…..
نظرت لها كيان والدموع تسيل من عينيها الحمراء
تبادلت معه قمر النظرات بعذاب وهي تومأ براسها بضعف سأله…..
“انا السبب مش كده ؟!….”
وكأنها تريد من يقر بالحقيقة عليها حتى يزداد
مقتها على نفسها…..
هزت كيان رأسها وهي تقول لها بصوتٍ
مبحوح….
“مش انتي السبب ياقمر…بطلي عياط…هيبقا كويس….”
انفجرت قمر في البكاء أكثر من اللازم وهي تلقي
نفسها بين ذراعي كيان التي استقبلتها بحنو
تواسيها وتواسي قلبها بالصبر على هذا
الاختبار الصعب….
على صوت الجهاز المراقب لمعدل ضربات القلب
من خلال هذه الشاشة الصغيرة التي تشير الان
بحدوث نوبة توقف مفاجئة للقلب…
توسعت عينا الفتيات الثلاثة بصدمة وهلع وهما يرا
مشهد حقيقي يعيشا داخله قسرًا…..
ركض الطبيب والمساعدون الى غرفة العناية وبدا
اسعاف المريض….
بدأ إنعاش القلب من خلال جهاز طبي يبعث صدمات كهربائيه للقلب…ضغط الطبيب باحكام على صدر حمزة مستخدمًا اقطاب معدنية لإيصال شحنة كهربائية لاستعادة نبضات القلب..
فبدا جسد حمزة يتنفض على الفراش مرتين كلما وضع الجهاز على صدره دون استجابة منه ، أمام اعينهن الجاحظة وكانهن يشاهدا حكاية مرعبة شديدة الظلام الخطورة بها إنهن جزءًا من هذه الحكاية وعلى مشارف نهايتها يقفنَ !!..
مرت اللحظات المرعبة على الجميع حينها كانت انفاسهن شبه مسلوبة قلوبهن تقرع بفجع والعيون متراقبة بخوف حتى عاد قلب حمزة يخفق مجددًا من خلال هذا الجهاز وقتها شملت الابتسامة وجوههن الشاحبة وبصيص الأمل تسرب الى
قلوبهن المنهكة…..
حينها اغمضت قمر عينيها بتعب ولم تحتمل أكثر مقاومة هذا الألم الذي يفتك في سائر جسدها فوقعت مغشيًا عليها فجأة بينهن….
وقتها اتسعت عينا الشقيقتان وهن يقتربا منها بقلق
ونادت شهد بفزع على أحد العاملات بالمشفى لتساعدها…
وقفا الشقيقتان في عيادة الطبيبة التي اجرت فحص طبي على قمر التي كانت ممدة على سرير الكشف بتعب بعد ان استعادت وعيها كاملا منذ قليل….
سألت شهد بتوجس….
“خير يادكتورة…..طمنينا عليها….”
سألت الطبيبة بلطف….”انتوا تقربلها إيه؟…..”
ردت الشقيقتان معًا في نفسًا واحد…
“أخواتها…..”
ابتسمت قمر رغم الحزن الجلي عليها..
بينما قالت الطبيبة بنفس البسمة اللطيفة….
“مبروك….اختكم حامل……دي بداية اعراض الحمل
هي في شهرها الأول…..”
وقوع الخبر عليهن كان بمثابة نورًا ينبعث من بين الظلام ابتسمت الشقيقتان وهن ينظرا لبعضهن ثم الى قمر التي كانت عكسهن ازداد بهوت وجهها وخطوط عينيها المًا…..
فأين السعادة التي كانت تبحث عنها عند سماع خبرٍ
كهذا…كانت تود لو تسمع خبر حملها في ظرف اخر
ربما كانت حلقت حينها في السماء من شدة السعادة
ثم تجري إليه تزف له البشرى بحملها في قطعة منه
ومنها…
لرأت حينها الدهشة والفرحة تبرق في عسليتاه وهو يضمها بين ذراعيه مبارك لها…ويظلا وقتها يتحدثا طوال الليل عن خطط المستقبل مع طفلهما القادم..
عن اي سعادة سيشعر بها قلبها وهو محطم بالخوف
من الفقد…الفقد الذي ينقب عنها أينما ذهبت يجدها
ان حياتها أصبحت على المحك فبدون حمزة ستفقد الأمل في الحياة من بعده وحتى ان كان الطفل تمهيد للعوض فمستحيل ان يعوضها أحد به حتى ان كان ابنه !….
أستقبلها للخبر كان قاسٍ على قلبها ولم تتوقع ان تشعر بكل هذا الجفاء نحو طفلها الأول…
شعرت شهد بما تعانيه قمر من افكار عاصفة تطحن المتبقي من صبرها وايمانها بالله…اقتربت منها شهد ومالت عليها تقبل جبينها هامسة من كل قلبها….
“خلي عندك ايمان بربنا….انا متأكده ان ربنا مش هيضرنا فيه…حمزة هيقوم وهيبقا كويس…وهيفرح اوي بخبر حملك…..”
بكت قمر قائلة وهي تتشبث بذراع شهد
بضياع….
“خايفة اوي ياشهد….هموت لو جراله حاجة….”
ضمتها شهد وهي تمسد على كتفها هامسة
بحنو….
“هيبقا كويس…والله هيبقا كويس بس ادعيله…”
بدأت تدعي قمر بهمسًا وهي تبكي بحرقة على صدر
شهد…والخوف يتمكن من ثلاثتهن كلما مر الوقت
دون حدث يطمئن قلوبهن…..
خرجت شهد من الغرفة التي تم نقل قمر إليها بأمر من الطبيبة التي اعطتها علاج يخفف عنها التوتر ويساعدها على النوم قليلا…..فظلت كيان معها في الغرفة….
بينما خرجت شهد لتكون بالقرب من اخيها….
غامت عينيها العسلية بالحزن وهي تسير في الرواق الممتد امامها وصولا الى غرفة العناية….
“شـهـد….”
توقفت مكانها وهي تنتبه الى وجوده في اخر
الرواق أمام غرفة العناية ينتظرها هناك….
بلعت شهد ريقها وهي تشعر بالوهن يفترسها بعد رؤيته والضعف يتشبع منها والدموع بدت تتجمع
في مقلتاها مجددًا بغزارة…..
أقترب عاصم منها يقطع المسافات بينهما وهو ينظر إليها بعينين عاصفتين بالقلق الشديد فمنذ ان علم بالخبر منها عبر الهاتف وهو في حالة من الذهول..
قد جاش صدره بالخوف عليها وتضاربة المشاعر
مختلطه داخله نحوها….فهو يعلم جيدًا بانها تلقت لطمة كبرى هي أضعف من مقاومتها والصمود أمامها…..
فالاختبار كان حياة أغلى مخلوق على قلبها وهو
يعلم من هو حمزة بنسبة لشهد !…..
هي ايضًا اقتربت منه لكن بخطوات بطيئة وكأنها تعافر لرفع قدمها عن الأرض….
عندما التقيا وقف عاصم أمامها فتلاقت أعينهما في حوار صامتًا حزين عنيف بالمشاعر وقتها فلتت من بين شفتيها شهقة بكاء خافته على أثرها شعر بوخزة
في قلبه فمد يده لها يسحبها الى احضانه برفق
دون تعقيب….
لم تمانع شهد فهي كانت بحاجة شديدة الى وجوده معها والى عناق منه يخفف عنها…وربما يخدر الألم لفترة مؤقته !…
وضعت شهد راسها على صدره فاحتواها عاصم
بذراعيه بحنان وتركها تفرغ ما بقلبها بقدر ما
تشاء…
بكت شهد وكأنها لم تبكي يومًا ، تتألم الان وكأنها تختبر الألم لأول مرة في حياتها….
ضمها عاصم اليه وطبع قبلة على قمة شعرها..مربت على ظهرها بيده بعطفٍ هامسًا لها بحنان يبث الطمأنينة لقلبها الملتاع….
“هيبقا كويس ياشهد ان شاء الله خير….العياط فال
وحش ليه..بلاش تشاؤم وخلي عندك حسن الظن بالله…”
قالت وهي تخرج من بين ذراعيه….
“ونعمة بالله….”
ضم عاصم وجهها بيداه ومسح دموعها بانامله
وهو يقول لها برفق…..
“ان شاء الله هيقوم بسلامة وهيبقا كويس….”
وقبل ان تفكر نطقت بضعف…..
“خليك جمبي ياعاصم… انا محتاجلك اوي…”
انحنى حاجبيه منعقدان بعتاب وهو ينظر اليها
مليا بنفس النظرة الدافئة….
“مش محتاجة تطلبي الطلب دا ياشهد… انا جمبك وهفضل معاكي لحد ما نعدي المحنة دي سوا ونطمن عليه…”
هزت راسها بوجهٍ شاحب وعينين حمراوان كالدماء فتألم قلب عاصم أكثر لرؤيتها في هذا الوضع منهارة متعبه منهزمة….فبدأ يحثها بنظرة جادة وهو يضع يده على كتفها يحفزها بالقول….
“اجمدي ياحبيبتي…طول مانتي جامدة اللي حوليكي هيقوى بيكي ومعاكي….عشان خاطر اختك ومرات
أخوكي بلاش تبقي كده قدامهم…”
ثم سالها وهو ينظر للفراغ حولهما….
“انتي قولتي انهم معاكي….هما فين…”
قالت بصوتٍ مبحوح…..
“قمر تعبت شوية…..وكيان معاها….وانا قولت
أطمن على حمزة…واسأل الدكتور عن حالته….”
أومأ عاصم براسه مستحسنًا وهو يمسح دموعها
قائلا برفق….
“انا كمان عايز أعرف حالته وصلت لفين…تعالي نروح
سوا….وان شاء الله نسمع أخبار كويسه….بس الأول
تغسلي وشك وتستهدي بالله كده….عشان نعرف
نتكلم مع الدكتور ونفهم منه… ”
اومات شهد براسها وشفتيها تميل في شبه إبتسامة
حزينة بينما عينيها تشع بالامتنان له فوجوده بالقرب منها هو كل ما تحتاج إليه الان !….
…………………………………………………………….
بخطى ثابته هادئة أقترب من غرفة العناية
وبملامح صلبة قاسية في تعبيرها وقف أمام النافذة الزجاجية ، يطلع بنظرة مظلمة الى ابنه الراقد على الفراش كجثه هامدة موصل بالاسلاك والاجهزة……
أطلق عثمان زفرة ندم !!…
ولاول مرة يشعر بالخزي بعد ان اقترف ذنبًا لا
يغتفر !…
كيف انساق خلف شيطانه وعمى الغضب بصيرته
فارتكب هذه الجريمة في حق….ابنه….
أغمض عثمان جفنيه بقوة متمتمًا بقساوة……
“انت اللي وصلت نفسك لهنا ياحمزة….مكنش
قدامي حل تاني….”
شعر بسخرية من نفسه ،مزال يابى الاعتراف بحقيقة
انه قاتل…..قاتل ابنه…..
“جاي تطمن انه مات ؟!…..”
قصف هذا الصوت النسائي من خلفه فعلم هويته دون الالتفاته لها وكيف لا وهي كانت نقطة تحوله للاسواء !!…
الابنة الغير مرغوبة…..الابنة التي كانت دوما شوكة
في الخصر……الابنة التي كلما نظر الى عينيها يرى
النهاية…..نهايته !….
استدار لها عثمان ينظر اليها فتفاجئ بزوجها يقف
خلفها بخطوة….تبادل مع عاصم النظرات بعدائية
بينما كانت نظرة عاصم ثابته جافة عليه….
تحولتا عينا شهد الى جمرتان تنفثان نارًا وهي
تقترب منه خطوة بجسد متشنجًا غاضبًا
سألته بمنتهى الكراهية…
“جاي تطمن انه مات مش كده؟….”
نظر لها عثمان بقوة ثم أقر بنبرة
حازمة…
“جاي اطمن عليه….ولا ناسيه اني ابوكم….”
اطلقت شهد ضحكة ساخرة خرجت من بين طيات الألم…. فتجهم وجه عثمان غير راضيًا عن وقاحتها
معه….
اختفت ضحكة شهد المنفعلة بتدريج ونفس النظرة
في عيناها تزداد كراهية وبغضٍ….
“تصدق اني فعلا نسيت انك ابونا….”
اثارة حفيظة عثمان فـنبهة بصرامة…
“اتكلمي بأدب معايا ياشهد…بلاش تنسي انك
واقفه قصادي….”
قالت شهد بازدراء…..
“هتعمل إيه يعني هتقتلني….اقتلني زي ما عملت
معاه…..”
أقترب عاصم منها الخطوة الفاصلة بينهما
حتى يوقفها عن التمادي خوفًا عليها…
“شـهـد….”
نزعت شهد ذراعها قائلة بتهكم وهي ترمق
والدها بعنف….
“سبني ياعاصم… لازم يعرف اني مبقتش خايفة
منه….. واني هسجنه….هسجنه قريب…..”
سألها عثمان بمنتهى البرود….
“واي التهمة….انتي مصدقة ان انا ممكن أدبر
حادثة زي دي لاخوكي !!….”
لوت شهد فمها بأشمئزاز….
“مش ممكن….دا أكيد…..إيدك غرقانه بدمه…
وجاي تطمن اذا كان مات ولا لسه شويه…”
بلع عثمان ريقه بتوتر وهو ينقل عيناه بينهما
وشعر بوخزة في قلبه وهو يستمع الى حديثها
وقد بدت الدموع تتجمع في مقلتاها….وهي
تقول بقهر….
“حمزة قالي انك هددته بالموت لو فضل مكمل
في سكة المحاكم….حتى قمر قالت انك جيت
لحد عندهم وهددتها انك هتقتل حمزة لو
متنزلتش…”
“انا من غبائي كنت شايفه انك بتهددهم بس ومستحيل تنفذ….ازاي هتقتل ابنك…”
مسحت دموعها وهي تبتسم بسخط…
“بس هو جديد عليك….تعتبر دي اخر حاجة تعملها….أو يمكن يكون فيه الاسواء….”
هتف عثمان بحدة….”كفاية تخريف….انا.. ”
هتفت شهد بنظرة شراسة….
“انت دمرتنا….قتلت كل حاجة حلوة جوانا عيشتنا في حرمان وذل وضرب واهانه…..”
حانت منها نظرة على عاصم ثم عادت اليه
مضيفة باسى مرير….
“دمرت ثقتنا في نفسنا وفي اللي حولينا….اذتنا وخلتنا نأذي اللي بنحبهم….عشان مكناش مصدقين
ان اللي زينا ممكن يتحب…او ممكن حتى يعيش
زي الناس….”
“ولما بدأنا نخف بالحب….بحب الناس اللي
حولينا….”
“جيت تكمل علينا وتخرب حياتنا….اي مشكلتك
معانا…عرفنا انك بتكرهنا…ومش طايقنا….خلاص
سيبنا في حالنا….ليه بتحوم حولينا بشرك..مش
كفاية اللي عملته فينا….”
صاح عثمان منفعلا….
“هو اللي اضطرني…..كان هيسجني….”
الآن أقر بانه الفاعل رغم ان كل الشكوك تؤكد
ذلك لكن الاعتراف بالجرم على لسانه كان بمثابة طعنة في صدرها…
قالت شهد بجفاء…..
“انت عارف انه مكنش عايز ياخد غير حق مراته
ولجأ للمحاكم بعد ما قعد معاك مرة واتنين
وتلاته….”
ثم سالته بسخط…..
“اي المشكلة لم تدي بنت اختك حقها….مش حقها
ده وورث أمها…..”
اشاح عثمان بوجهه مغمغمًا بحقد….
“لازم تقفي معاه….انتوا طول عمركم ضدي….”
اومات شهد براسها مكملة….
“انت كمان طول عمرك ضدنا وشايفنا اعدائك…
وبدليل انك حاولت تقتل واحد فينا….”
لفهما جوٍ مشحون بالبغض والكراهية والاب والابنة يتبادلا النظرات بعداء في حربًا شعواء جاشت في أنفسهما لم يقطعها إلا صوتٍ رجولي مهذب اقتحم المكان فجأة….
“السلام عليكم…….مجدي حمدان وكيل نيابة…”
تقدم عاصم منه يرحب به…..
“أهلا وسهلا يافندم….عاصم الصاوي…”
رحب به وكيل النيابة قائلا بمهنية….
“تشرفنا….المستشفى بلغت عن حادث السير اللي اتعرض ليه حمزة عثمان الدسوقي على طريق
(….)….ودلوقتي بيتم التحقيق بالوقعه…اي
أخبار المريض….”
أشار عاصم على غرفة العناية المغلقة والتي
يبتعدا عنها بخطوات….
“للأسف المريض في العناية المركزة….الدكتور
بيقول ان الحادثة أثرت على المخ ودخل في
غيبوبة….محدش عارف هيفوق إمتى…”
ساله وكيل النيابة وهو يوزع النظرات
عليهم عن كثب…”حضرتك تقربله إيه….”
عرف عاصم عن نفسه والباقية….
“جوز اخته…..ودي اخته….. وده أبوه….”
اوما وكيل النيابة براسه وهو يأمرهم
بهدوء…
“احنا محتاجين ناخد اقوال منكم ممكن تيجوا
معايا نتكلم بعيد عن العناية….”
ساله عثمان ببعض
التردد…
“أقوال عن إيه بظبط…..”
لوت شهد شفتيها باستهانه مزدرية بينما أجاب
وكيل النيابة بتوضيح….
“الحادثة اللي اتعرض ليها ابنك مدبرة…تقدر
تقول شروع في قتل وده اللي كشفته التحريات
ولسه بندور على سواق التريلا اللي اختفى
بعد ما خبط عربية إبنك….”
جلسوا في حديقة المشفى على أحد المقاعد
وبدا وكيل النيابة يستجوب كلاهما…..
تفاجئ عثمان بان (شهد) لم تنطق باجابة تدينه
بل كانت اجابتها شبه عادية تنفي اي معرفة لها بالحادث والمدبر له…..
“يعني حضرتك مش بتتهمي حد….”
عاد وكيل النيابة يسالها بالحاح….
فقالت مجددًا بنظرة ميته…..”لا….”
سالها وكيل النيابة للمرة الأخيرة…
“يعني مكنش ليه عداوه مع حد…ولا عمره
حكالك عن حاجة زي كده….”
قالت شهد بصوتٍ خافت واهٍ….
“لا….حمزة ملوش أعداء….الناس كلها بتحبه
وهو جدع مع الكل…”
نظر وكيل النيابة الى عثمان سائلا….
“تحب تضيف حاجة تانيه يا استاذ عثمان…”
“لو أعرف حاجة هقولها….”قالها عثمان وهو يشعر
بالاختناق بعد نظرة شهد والتعبير الصريح في عينيها….
فقال وكيل النيابة بنظرة ثاقبة على
عثمان…
“بس اثناء التحريات حولين الوقعه….والمجني
عليه اكتشفنا ان ابنك متجوز من بنت اختك…”
رفع وكيل النيابة الورقة ونطق الاسم متابعًا
بخشونة….
“السيدة قمر سلامة…..بنت اختك المتوفيه
السيدة وفية الدسوقي…..معلوماتي صحيحة….”
اوما عثمان براسه وهو يزدرد ريقه
بوجل… “أيوا…..فين المشكلة يافندم…..”
اخبره وكيل النيابة بنظرة اتهام….
“المشكلة ان احنا عرفنا ان في بينكم قضايا ومحاكم
بخصوص الورث…وان ابنك كان شبه متولي الموضوع ده ضدك….”
أشار عثمان على نفسه مدعي الدهشة
ببراعة….
“تقصد اني قتلت ابني….بسبب الورث….اللي
هو اصلا يخص مراته….إزاي يافندم وكل ده
راجعلهم في الاخر….”
لم تظهر ذرة اقتناع على وجه وكيل النيابة
الذي سأل بشك أكبر…..
“وطالما كل ده راجعلهم ليه الموضوع وصل للمحاكم بينكم….يعني ليه متحلش بشكل ودي….”
شعرت شهد بان معدتها تلتوي من شدة الألم والضغط
النفسي التي تختبره في هذه الجلسة يكاد يخنق روحها…..
جلاد الحق يصفعها بقوة فكيف اتتها الشجاعة ان تتوراى عن الحق وترتدي الباطل بالصمت عن قول
الحقيقة !!…
شعر عاصم بانفعالاتها التي تناثرت بقوة على وجهها
المشدود بالألم فمد يده يقبض على كفها بقوة حتى
تهدأ…..
بينما تحدث عثمان بغصة مختنقة…
“للأسف سوء تفاهم وناس وقعتنا في بعض…وكان
الموضوع هيتحل لولا…..اللي حصل لحمزة….”
أردف وكيل النيابة….
“انا لازم اخد أقوال المدام قمر…..القيها فين…”
تمالكت شهد اعصابها وهي تقول…
“قمر في المستشفى هنا…بس تعبانه انهارت بعد
ما سمعت الخبر والدكتورة ادتها مهدأ ومش
هتفوق دلوقتي….”
أومأ وكيل النيابة براسه بتفهم ثم نهض من
مكانه يخبرهم بجدية…
“تمام يبقا هعدي عليها في أقرب وقت اخد
اقوالها…..لو حتى معلومة صغيرة منها أكيد
هتفيدنا في التحريات….
واحنا باذن الله هنكثف التحريات اكتر من كده وهنوصل في أسرع وقت لسواق التريلا اللي
اتسبب بالحادث…وأكيد هياخد جزاه……”
عندما رحل وكيل النيابة علقت شهد بازدراء
قاسٍ….
“حقيقي برافو….عرفت تقنع وكيل النيابة انك
ملكش دخل خالص باللي حصل لحمزة…وانك
قلبك محروق عليه زي اي أب في مكانك…”
نظر لها عثمان بقوة وتغاضى عن سخريتها الاذعه
سائلا باهتمام لأول يستشعره نحوها !…
“ليه مبلغتبش عني زي ما قولتي؟!….”
تبادلت شهد معه النظرة بمقت مجيبة
بعد وهلة بنبرة مسننة….
“انا بلغت ربنا…..وربنا قادر ياخد حقنا منك…
مستنيه عقاب ربنا ليك….”
نهضت شهد من مكانها مبتعده عنه بعد ان رمقته
بنظرة بغض وكراهية وجد صداها في صدره وكلا الشعورين غريبان بنسبة له فمنذ متى يتأثر بها بكلماتها ونظراتها !…
كاد عثمان ان يلحق بها لكن كف عاصم الذي أطبق
على ذراعه شل حركة جسده فنظر له ببغضٍ…
فأمره عاصم بنظرة مهيبة….”خليك مكانك…..”
جفل عثمان وهو ينظر اليه بغضب فتابع عاصم
بنبرة حازمة….
“ابعد عنها وكفاية لحد كده….”
جز عثمان على اسنانه بغيظ
قائلا….
“انت هتمنعني عن بنتي….”
التوى فك عاصم بتشنج وقس التعبير في عيناه
وهو يخبره بنبرة باترة…..
“بالعكس انت اللي منعتها عنك…وجاي تدور
دلوقتي بعد ما ضيعت كل حاجة….ووصلت
ابنك للموت بايديك…..”
ضاق صدر عثمان بقوة وانعقد لسانه فلم يكن حليفه
في الرد حتى الغضب توراى عنه بجبن !….
اضاف عاصم دون رأفه….فهو يعلم كيف
يضرب بالكلمات…..
“انت ضيعت من إيدك اللي مش هتقدر تعوضه
بالفلوس ولا هتعرف تشتريه بالندم….حقيقي
انا مش عارف انت إزاي مستحمل نفسك كده…
انت بقا اللي ربنا قال عليهم…في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا…”
القى عاصم عليه نظرة باردة ثم نهض من مكانه
مبتعدًا خلف شهد….
بينما ظل عثمان مكانه يتابع ابتعادهما عنه بملامح
جافية وبنظرة تصرخ بالالم…..وبالندم !!….
“انتي كويسه…..”
سالها عاصم وهو يحتوي وجهها بين يداه ناظرًا
اليها بلهفة وقلق…..
قالت شهد بعذاب الضمير….
“انا ضيعت حق حمزة بسكوتي….”
اخبرها عاصم بنبرة حانية….
“عملتي الصح ياشهد….مهما كان ده ابوكي….”
نزلت دموعها وهي تقول بوهن…
“واللي بين الحياة والموت ده اخويا…. وابويا الحقيقي…..إزاي افرط في حقه كده بساهل….”
ضمها عاصم اليه هامسًا
بعذاب…
“أهدي ياحبيبتي….وكفاية عياط…..”
قالت شهد بانفاس متهدجة….
“مقدرتش ابلغ عنه…. كنت أضعف من اني انتقم
منه رغم كرهي ليه….”
هون عاصم عليها بالقول….
“حتى لو كنتي بلغتي عنه… مفيش دليل ضده
يـاشـهـد….”
قالت شهد بتكبد…..
“وحتى لو في ياعاصم… وحتى لو فيه….”
ضمها عاصم إليه محاول تهدأتها بقدر
المستطاع…..
“اهدي عشان خاطري…. كل حاجة هتبقا
أحسن… الصبر… الصبر ياحبيبتي…”
اما هي فظلت في احضانه تبكي بقالة حيلة وعجز عن أخذ الثائر من هذا القاتل…..أبيها !!….
………………………………………………………..
ماهذا الشعور الغريب الذي يتوغل اليه الان… شعور
بالارق المضن والتفكير المستمر بها…
صاحبة النظارة الطبية والملامح الحازمة..الجميلة
بطريقة خاصة….من استحوذت على تفكيره الأيام
الماضية بشكلا خطر اشبه بتعويذة قرأتها عليه
قبل ان تخرج من الصاغة….
اطلق يزن زفرة ثقيلة على صدره وهو ينهض من على الفراش بعدم ارتياح جالسًا ثم مد يده وسحب علبة صغيرة حمراء فتحها ليرى السلسال الذهبي الرقيق والامع يتوسطه أسم كتب بخط الرقعة (جنة..)
ظل يطلع على الاسم لبضعة دقائق ولسان حاله
يسأل بتجهم…..ماذا دهاك…..ماذا دهاك…..
وكأنه يخشى الوقوع مجددًا انه يشعر بالعار عندما
يذكر تلك الوقعة الأولى الذي اقدم عليها بنزق دون حسبان خسر أقرب الناس له وأصبح امام مرآة نفسه
شاب أحمق نذل…..خائن……
لهذا يخشى ان يقع مجددًا ويخطئ في الاختيار…
لكن هناك شيء يجذبه الى تلك الفتاة كالخطاف
هي سرقة شيء ورحلت !….
الحب من النظرة الأولى لهو اسخف الاشياء التي نقع به دون ان ندرك ثم يتضح مع الوقت ان قلوبنا جزءًا من هذه السخافة اللا منتهية !….
جز على اسنانه وهو يغلق العلبة بعصبية ثم امسك
الهاتف وحدج به بنظرة طويلة عاصفة بالافكار
نحو هذا الرقم المسجل باسمها جنة
جنة كـبستان من الورد يسر العين له رائحة نفاذة
طيبة تغوي المطلع كي يقترب ويرنو الى محاسنها متنعم برؤية الجنة على الأرض……
“وبعدين بقا…..انا هقوم اشوف حاجة اعملها بدل
القعدة دي…..”
أغلق يزن الهاتف وهو يهرب من هذا الصوت الذي يطارده…..خرج من الغرفة متجه الى غرفة الجدة
نصرة والتي كانت تجلس على الفراش تقرأ في المصحف القران الكريم….الورد اليومي كما اعتادت
قبل النوم…..
“صدق الله العظيم….”
قالها يزن وهو يجلس بالقرب منها على حافة الفراش
فابتسمت الحاجة نصرة وهي تصدق من بعده مغلقة
المصحف لتضعه جانبًا سائلةوهي تنزع نظارة القراءة عن عينيها…..
“اي اللي مسهرك دا كله انا قولت انك في سابع
نومه…..”
برم يزن فمه معترفًا دون مواربة….
“المفروض بس مش جايلي نوم….بقالي فترة
على الحال ده…”
ضاقت عينا نصرة بمكر العجائز تسأله….
“واي اللي مطير النوم من عينك…تكونش بتحب يايزن……”
غازلها يزن بعيناه الزرقاوان بشقاوة محببة….
“تفتكري يانصرة قلبي في واحده ينفع تدخل قلبي
من بعدك…..”
صفعة كتفه بخفة قائلة بخجلا…
“ياواد بلاش بكش…..طالع لجدك الله يرحمه….”
ضحكا سويًا بسعادة وشعور من الالفة والحب يلفهما
فـيزن أغلى الاحفاد على قلبها ربما لانه الصغير
والصغير دومًا حنون ينشر البهجة في قلوب عائلته دون مجهود يذكر….
لطالما كان هكذا يزن وسيظل في عينيها…..
ممتنه هي لعاصم بعد الله فهو كان السبب في هذا التغيير الجذري الذي حدث للأفضل واعاد حفيدها أفضل من السابق….
قال يزن وهو ينظر لها….”بصراحة…..”
ابتسمت وهي تريح ظهرها على وسادتها أكثر مستمتعة بالحديث وهي ترد…
“مفيش احسن منها…..”
همس وهو ينظر من حوله
بشقاوة….
“فيكي من يكتم السر….”
ارتفع حاجبها بمكرٍ قائلة بهمسًا تقلده…
“عيب عليك ياواد من بكرة هذيع الخبر في
النشرة الاولى….”
تراجع الحماس عن وجهه وهو يخبرها بسأم…
“الأولى ؟!!…انتي قديمة اوي يانصرة قلبي…حاليا
بقت الاخبار عبارة عن ترند على الميديا….أقولك
بلاش أحسن..”
برمت شفتيها بعدم اهتمام قائلة….
“براحتك….طفي النور وخد الباب في إيدك وانت خارج….”
فغر فمه بصدمة وهو يراها ستنام بالفعل
فمنعها قائلا بتذمر….
“جرا اي ياتيته….الاهتمام مش بيطلب على فكرة..”
ضحكة نصرة بتسلية وقالت بصبرٍ…..
“خلاص قول مين البت الحلوة اللي مطيرة النوم
من عينك…..”
لمعة عيناه وشقت الابتسامة محياه وهو
يقول….
“جنة….جنة ياتيته…..وهي جنة فعلا….بنت حلوة
ومؤدبة….ومعرفش عنها اكتر من كده….”
سالته بجذل….”دي معاك في الجامعة…..”
اخبرها يزن بعد تنهيدة عميقة….
“لا شوفتها في الصاغة مرة…هي على قد حالها بس باين انها بنت محترمة ومن اسرة ميسورة الحال….
يعني دا اللي خمنته لما جت تشتري خاتم مواليد
لبنت خالها….”
قالت نصرة بجدية….
“لو عجباك انا ممكن اجوزهالك….”
رفع حاجبه بدهشة معلق بحذر…
“اجوزها مرة واحده طب قولي خطوبة لحد ما اخلص الجامعة….واتخرج…”
سألت بلؤم العجائز…..”يعني بتفكر تخطبها…..”
بلع ريقه وهو يشعر بالحرج قائلا…
“لسه بفكر….يعني لازم اعرف عنها معلومات اكتر
من كده….فهماني…..”
قالت نصرة مبتسمة….
“فهماك وانت مش هتغلب…طالما عجباك وشايف انها
محترمة…خلاص….”
قال يزن ببعض التردد..
“بس هي على قد حالها ياتيته…مش زينا.. ”
عقدة نصرة حاجبها سائلة….
“وانت شايف انه عيب فيها يعني ؟!….”
هز يزن راسه قائلا بتوضيح….
“مش قصدي بس يمكن ماما يكون ليها رأي تاني..”
قالت الجدة بحزم تستعمل سلطتها في الأوقات
الحرجة….
“الرأي الأول والاخير لابوك…وانت منين ما تنوي
انا هعرف أأثر عليه..سيبك من امك دي يوم ما تفكر
تجوزك هتختارلك واحده من بنات صحباتها وانت
عارفهم كلهم….”
اخبرها يزن بتذكر….
“ماهي عرضت عليا قبل كده…وانا رفضت….”
قالت نصرة بفخر….
“جدع عندك شخصية زي جدك الله يرحمه….”
سالها يزن ببسمة منتشية….
“يعني اعتمد عليكي يانصرة قلبي…..”
نظرت اليه بطرف عينيها قائلة بخبث….
“قلبك إيه بقا ما جت الست جنة ولهفته مني…”
ضحك يزن قائلا وهو يميل على يدها
يقبلها….
“انتي هتفضلي الأساس…..”
ربتت على كتفه قائلة بنبرة حانية…
“ياحبيبي ربنا يسعدك وافرح بيك….دا انت اخر العنقود…. أشوفك عريس جمب عروستك واشيل ولاد عاصم وساعتها مش عايزة حاجة من الدنيا
هموت وانا مطمنه…..”
نظر لها يزن بعتاب قائلا….
“بعد الشر عليكي ياتيته….بلاش الكلام اللي يزعل
ده….”
قالت نصرة بنبرة مليئة بسكينة….
“الموت مش شر يابني….دا حق علينا….اخر
طريقنا في الدنيا…….”
ثم استرسلت وهي تريح جسدها على
الفراش….
“يلا يلا سبني عشان عايزة انام…ومنين ما تنوي
عرفني وانا هروح معاك نشوف العروسة…قولتلي
اسمها إيه….”
فتح يزن باب غرفتها وقبل ان يغلق النور أخبرها بنبرة خافته…..”جنة….اسمها جنة…”
عاد الى الغرفة ورغبة الاتصال بها الان زادت الحاح
بعد حديث الجدة ودعمها على قرار الارتباط اذ عزم
النية….القى نفسه على الفراش واجرى الاتصال بها
دون تفكير مسبق…..
إجابت في الاتصال الثاني بنبرة متحفظة….
(السلام عليكم….)
هل مزال هناك اشخاص يطلقوا تلك العبارة في
الهاتف…..
ابتسم يزن باعجاب وهو يقول بحفاوة…
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته….الانسة جنة..”
علقت جنة بتبلد….(الدكتور يزن….)
اتسعت الابتسامة على محياه قائلا
بغرور….
“طب كويس انك لسه فكراني….”
قالت جنة بنبرة جادة…..
(مسجلة رقمك من آخر مرة…..هو في حاجة…)
هرش يزن في خده وهو يقول ببطئ…
“يعني كنت متصل بيكي عشان اعرفك ان السلسلة وصلت…هتيجي تاخديها امتى…”
ران الصمت قليلا عندها حتى قالت بنبرة
محرجة…..
(بصراحة لسه الفلوس مجتش….ينفع تخليها عندك
لأخر الشهر….)
هتف يزن بنبرة حاسمة وهو ينظر للعلبة
في يده….
“ينفع تيجي تاخديها ومتشغليش بالك بالفلوس…”
قالت جنة باستحياء موضحة….
(شكرا والله كلك ذوق…بس حقيقي مش معايا المبلغ
دلوقتي….اخر الشهر هاجي انا وماما الصاغة واشتريها منك…..)
ابتسم يزن وهو يقول بجدية…..
“تنوروا طبعا مكانكم…بس انا مش بجامل ولا هي
عزومة مراكبية…..تعالي خدي السلسلة والفلوس
بعدين…..”
عبس وجه جنة وسألت بنبرة مستنكرة…
(ودا ازاي بقا ان شاء الله…..اخد حاجة من غير
ما ادفع تمنها ؟!!….)
قال يزن بلطف…. “قدري تمنها وصلني….”
تبرمت جنة قائلة بامتعاض…..
(بتكلم على اساس انك صاحب الصاغة…هو انت ناسي انك شغال فيها….مش من حقك تصرف في
حاجة زي كده…و)
قاطع يزن المتبقي من التقريع وهو يخبرها بنبرة هادئة تجلى بها الزهو….
“حيلك حيلك….انا شغال فيها فعلا وشريك فيها
كمان الصاغة تخص عاصم الصاوي ومسعد الصاوي مسعد الصاوي ده بقا يبقا ابويا…..يبقا ليا فيها ولا لا…”
تسمرت جنة مكانها متسعة الاعين بصدمة وهي جالسة على مكتبها الصغير بقلب غرفتها البسيطة
ضاقت عينا يزن وهو ينظر لشاشة الهاتف
كي يتأكد انها مزالت على الخط…أعاد الهاتف
على اذنه سائلا بقلق….
“انتي معايا….روحتي فين…..جـنـة…”
ارتجف قلبها بين اضلعها فور ان نطق إسمها مجردًا
بكل هذا الدفء واللهفة التي تشمل احرفها الثلاثة
بسحرٍ خالص….
نفضت هذا الشعور الأهوج عنها ثم اطلقت نحنحة خشنة قائلة بنبرة صارمة……
(ايا كان اللي بتقوله حاجة مليش دعوة بيها…نرجع لموضعنا بتاع إيه اخد حاجة من غير ما ادفع تمنها….)
قال يزن بخفوت متودد….
“اعتبريها هدية…..بصراحة انا حابب اتعرف عليكي أكتر…..”
بصيحة مستنكرة هتفت…
(اه قول كده…انت منهم بقا….)
توجس يزن سائلا…. “مين هما…..اللي انا منهم….”
قالت جنة بحدة مهينة….
(العيال السيس اللي مفكرين بفلوسهم يعرفوا
يشتروا كل حاجة…..وانت مفكر انك ممكن
تشتريني بسلسلة دهب….هاها ضحكتني…)
لوى يزن فمه متبرمًا معقبًا….
“اهدي ياست رضوى الشربيني…انا غرضي شريف..”
قالت باندفاع…..(على نفسك….)
جفل يزن مرتابًا منها وهو يقول بتهكم…..
“هو إيه اللي على نفسي هو انتي حافظة مش
فاهمه…..”
قالت جنة بصلابة عنيفة….
(قصره يابن البشوات…..انا مش عايزة السلسلة
بعها أو رجعها….انا مش هشتري من عندكم أصلا…)
هتف يزن بروح الدعابة…..
“ليه بس كده دا احنا الدهب عندنا طازة وبيلعب
في الماية……”
قالت واجمه….(انت بتهزر ؟!!….)
اجابها يزن بقلة صبر…..
“والله انتي اللي بتهزري ياجـنـة….وشكلك لسه قايمة
من على فيلم ابيض واسود مقصر على مخك…”
قالت وهي تنظر للكتب المرصوصة امامها
على سطح المكتب….
(انا معنديش وقت للافلام….انا قعده بذاكر…)
سالها يزن بفضول…..
“واضح انك دحيحة…..هو انتي بتدرسي إيه…”
زفرت جنة بنفاذ صبر وهي تقول بغلاظة…
(اللهم طولك ياروح….بلاش تفتح معايا حوارات انا
مش من النوع ده….)
سالها بنفس الفضول….”اي نوع….”
قالت بوجه ممتقع بالحنق……
(البنات اللي بتكلم في التلفونات…انا مش هعمل كده
غير مع خطيبي…..)
ابتسم باعجاب قائلا بمكر….
“ومالوا اعتبريني خطيبك لحد ما اجي أتقدم….”
خفق قلبها فجأة كجهاز إنذار يحذر قبل الوقوع
في المحظور !…..لملمت جنة شتاتها فورًا وهي
تقول بانزعاج…..
(ظريف اوي…. انا غلطانه بجد اني لسه معاك على الخط….)
“جـنـة….”نادى عليها بلهفة يمنعها من الإغلاق لكن رنين انهاء المكالمة كان الرد عليه….
اجرى اتصال بها مرة اخرى لكنه تفاجئ بانها وضعت
رقمه في خانة الحظر !!…..
ارتفع حاجبه بدهشة قائلا بملامح
عابسة….
“عملتلي بلوك…….عملتلي انا بلوك….”
ردد الكلمتين أكثر من مرة وهو يستلقي على الفراش
واضع ذراعه أسفل رأسه ناظرًا للسقف بصدمة ثم لم يلبث إلا وضحك فجاة مردد الكلمتين بسعادة
غريبة….
“عملتلي بلوووك بجد…..”
في اليوم التالي خرجت جنة من غرفتها لترى
امها في المطبخ تعد الغداء فقالت وهي تقبل
وجنتها….
“صباح الخير ياست الكل…..”
ردت أميرة مبتسمة وهي تقلب في
الإناء…
“صباح النور….عندك محاضرات النهاردة….”
قالت جنة وهي تفتح المبرد….
“اه كمان نص ساعة….هو انتي هتطبخي اي النهاردة….”
اجابت اميرة وهي تغلق الاناء
بالغطاء….
“بامية بالحمة….ورز…..”
“سيدي ياسيدي تسلم إيدك ياميرو…..”اقتربت
من امها وتعلقت في عنقها قائلة بنبرة متملقة…
“ماما….مامتي….مامتي حبيبتي…”
زمت اميرة شفتيها بامتعاض….
“ادخلي في المفيد ياجنة بلاش الشويتين
دول…عايزة فلوس مش كده….”
قالت جنة بجذل….
“مش عايزة كتير مية وخمسين جني موصلاتي….”
تبرمت اميرة وهي تحل عقدة ذراعي ابنتها
من حول عنقها….
“مشروع من هنا للجامعه بمية وخمسين جني يامفترية…انتي هتستهبلي يابت…..”
قالت جنة بضيق….
“الله ياماما مانا هفطر كمان….”
قالت اميرة بوجوم….
“وليه المصاريف.. الأكل عندك في التلاجة طلعي
وافطري….”
قالت جنة بضجر….”لا… انا هفطر شاورما….”
قالت أميرة باستهجان….
“ما بلاش لحم الحمير اللي بتكليه ده… في الاخر
بترجعي تشتكي من بطنك…”
قالت جنة باستنكار….
“ياماما لحم حمير إيه بس…. مش كل مرة تقولي
كده وتقرفيني….”
تبرمت اميرة بامتعاض….
“وياريتك بتتقرفي…. زي الحلوفه بتاكلي برضو…”
تاففت جنة بعصبية…. “الله بقا….”
مدت امها يدها واخذت محفظة النقود من على رخامة المطبخ اعطتها المبلغ ثم قالت بحزم….
“قصره المية وخمسين جني تاكلي بيهم تشربي بيهم…ملكيش مصروف تاني طول الأسبوع…. كفاية الجمعية اللي دبستيني فيها عشان السلسلة الدهب بتاعتك…”
شرد ذهن جنة على ذكر السلسال الذهبي ومكالمة
أمس العرض السخي الذي كان يمطرها به مقابل
ان تقلل من نفسها وتقبل ان تجاري صداقته عبر
الهاتف…..في سبيل المتعة له ولغرض قلة الأدب كحال بني آدم مع النساء خصوصًا الأغنياء امثاله والذين يروا البسطاء أداة للمتعة !!….
ازداد انعقاد حاجبيها بضيق وهي في رضا تام عن
ما حدث أمس عندما وضعت رقمة على الحظر وانتهت تلك المهزلة بضغطة زر…..
حقيقة نامت أمس براحة أكبر من الأيام الماضية
فأخيرًا انتصرت عليه….واعطته درسٍ في الأدب
والأخلاق حمدًا لله انها انتهت منه قبل ان يزيد
الطين بله كما يقال..
“روحتي فين بكلمك…”
فاقت من شرودها على صوت أمها فقالت وهي
تنظر اليها بملامح جافلة…..
“مفيش انا هروح البس عشان الحق انزل….”
خرجت من المطبخ فقالت امها من خلفها
بتجهم….
“المفروض ان النص ساعة عدت…وانتي لسه راحه تلبسي وتفطري برا….مش واخده بالك انك متاخرة
شوية…..”
قالت جنة ببرودة أعصاب….
“متأخره إيه….دا انا كده والله راحه أبيع للبن…
لسه بدري أوي….”
زفرت أميرة بجزع….
“صبرني يارب ادي التعليم واللي عايزة….”
بعد ان انتهت جنة من ارتداء ملابسها ولف الحجاب
حول وجهها صدح هاتفها في تلك الاثناء فتناولته بين يدها تنظر الى الشاشة التي تنير برقم مجهول غير مسجل لديها….خفق قلبها فجأة بقوة وهي تستشعر انه هو…..
احتدت نظرت عيناها وفتحت الخط وهي ترتدي نظارتها بتجهم منحنية حتى تجلب حذائها من
أسفل السرير…..
(السلام عليكم…الانسة جنة….)
نسف توقعاتها هذا الصوت الرجولي الخشن البعيد جدا عن صوت يزن….
اصابها شعور غريب بالاحباط لم تجرأ على الاعتراف
به بينها وبين نفسها !…
اومات بنبرة محتفظة….
“ايوا مين حضرتك….”
اخبرها الرجل بطريقة مهنية….
(انا مندوب من شركة (*****) خطك اللي بكلمك عليه حاليا كسب معانا هدية بمناسبة السنة الجديدة… ورقمك من ضمن عشرة من المحظوظين معانا…..)
لوت فمها بعدم تصديق….
“حضرتك بتهزر… هدية إيه وعشرة إيه….”
اخبرها الرجل بنفاذ صبر…..
(والله معرفش اكتر من اللي قولته انا مجرد مندوب مهمته يسلم الامانه لصحابها وحضرتك ليكي معايا هدية من الشركة…هتيجي تستلميها ولا لا…)
انكمشت ملامح جنة بتفكير عميق وهي تشعر
بتردد من الرفض أو القبول فقالت….
“مش لم افهم الهدية دي عبارة عن إيه….”
بعد فترة كانت تقف بصحبة امها في الشارع الرئيسي
للساحة التي تسكن بها….
اغلقت جنة الهاتف متنهدة بعدم ارتياح لمسألة الهدية
وهذا (المندوب)
سالتها امها بهدوء….”قالك إيه….”
اجابتها جنة بفتور…
“بيقول في المشروع داخل علينا….”
قالت أميرة بنبرة حالمة….
“تفتكري الهدية عبارة عن إيه… طقم بهارات ولا
مضرب كهربا….”
قالت جنة بغيظٍ بالغ…
“معرفش هو مقالش حاجة…بصراحة…مندوب غتت….”
قالت امها بغمزة مشاكسة….
“محظوظة ياجنتي من يومك…. الخط بقاله معاكي سنتين وجتلك عليه هدية انا الخط اللي معايا من عمرك ومن نفس الشركة مفيش في مرة فكروا يشحنولي بالغلط…”
ابتسمت جنة وهي تنظر الى امها بلؤم….
“عشات تعرفي بس….الهدية اللي هتيجي دي بتمن المية وخمسين اللي خدتهم منك….يعني انا لسه مخدتش مصروفي..”
مطت اميرة فمها بسأم….
“شوف البت مادية زي أبوها……..”
نظرت جنة للامام فلمحت من ياتي عليهما من بعيد
شاب في منتصف الثلاثينات تقريبًا يحمل حقيبة
سوداء على ظهره….قالت جنة وهي تتعرف
عليه من ملابسه….
“شكله هو ده اللي لابس الهودي الرمادي….زي ما قالي…”
رحب بها الشاب كذلك….”أهلا….آنسة جنة….”
ثم اخرج حقيبة هدايا صغيرة وقدمها
لها….
“إتفضلي…..هديتك ممكن تمضي هنا بالاستلام….”
مسكت جنة الورقة الصغيرة الفارغة فنظرت الى الشاب والحقيبة السوداء على ظهره ثم الى الورقة بريية بينما فتحت امها الحقيبة الصغيرة لترى علبة صغيره بقلبها ، فتحت العلبة لترى السلسال الذهبي يتوسطه اسم جنة بخط الرقعة….
قالت أميرة بعدم استيعاب….
“دي سلسلة دهب ؟!!….دهب صيني مش كده…..”
هز الشاب راسه بنفي قائلا….
“لا يافندم دا دهب عيار اربعه وعشرين….الفاتورة
عندك تقدري تتأكدي بنفسك…”
مسكت أميرة الفاتورة تنظر إليها بدهشة أكبر لا تخلو
من الفرح بينما لمحت جنة اسم (الصاوي) على
الفاتورة….
فاطلت من عينيها نظرة غريبة وملامحها الحازمة
بالفطرة أصبحت شديدة التعقيد وهي ترمق السلسال الذهبي الامع بشدة بين يدي أمها بغضب….
انها مجرد مسرحية سخيفة فعلها هذا المتباهي
باموال والده ؟!…
…………………………………………………………..
فتحت جفنيها باعياء وهي تشعر بتجمد في سائر
جسدها اطلقت الهام تأوهت عالية وهي تعي بوضعها
الحالي جالسة على مقعد خشبي مقيده به بالحبال
الملتفه حول جسدها تعيق حركتها نهائيًا….
بدت توضح الصورة أمامها وهي ترى نفسها في غرفة
شاسعة مظلمة دون منفذ بحوائط داكنة عفنة خالية من اي اثاث عدا الكرسي الجالسة عليه….
جزت الهام على اسنانها وهي تصيح
بوحشية…
“خرجوني من هنا…. مين انتوا…. انتوا
مين ياولاد ال*********….”
بدت تسب وتلعن وهي تتلوى على المقعد كحيوان
يحتضر الان…..
حتى فتح الباب امام وجهها المربد بالغضب وظهر
جسدًا ضخم في الظلام لم تتضح معالمه بعد مما
جعلها تتراجع في مقعدها بملامح اضطربت ازاء
ذلك الغريب….
انارة الغرفة المظلمة فجاة فرمشت بجفنيها وهي
ترمق هذا الغريب…لم يكن غريب ابدًا عليها
همست إلهام باسمه بصدمة فهي لم تتوقع ابدًا
ان يكون خلف إختطافها……لماذا؟!…
“مسعد !!!…..”
أغلق مسعد الباب من خلفه وهو يومأ براسه مؤكدًا
بملامح متحجرة ونظرة قاسية….
ازدردت الهام ريقها وافترسها شعور الخوف وهي
تجهل المعنى الخفي خلف وجودها هنا بهذا الوضع
وتلك الرغبة العنيفة التي تطل من عيناه نحوها
لا تبشر بالخير ….
“انت اي اللي بتهببه ده….انت اتجننت يامسعد
بتسلط رجالة عشان تخطفني….من إمتى بقيت
رئيس عصابة… ولا من عاشر القوم اربعين يوم
بقا منهم……”
أرادت إلهام ان تظهر قوة لا تخلو من الوقاحة أمامه حتى تخفي رجفة الخوف والاضطراب من هذا الوضع ومنه هو تحديدًا….
فهو غير متزن ابدًا في نظراته كان غريبًا وكأنه
تحول الى سفاح يسفك الدماء….
وقف مسعد امامها فرفعت عينيها الزرقاء اليه والمشتعلتين بالحنق منه فتبادل معها النظرات بعينين متسعتين بالغضب والدهشة وهو يسالها
بنبرة مشمئزة….
“انتي إزاي كده….لحد دلوقتي قادرة تبصي في
عنيا قادرة تتكلمي وتبجحي كمان…”
ازداد توتر الهام وهي تشعر بموجات من الصقيع
تجتاحها بقوة مؤلمه…..جف حلقها فجاة وهي
تسأله بعدم فهم…..
“في اي يامسعد….انت بتكلم كدا ليه…واي اللي
انت عاملة فيا ده…..”
عقب مسعد بنظرة خطره….
“انا معملتش حاجة انا لسه هعمل….”
قالت الهام باعصابها تحترق….
“في اي يامسعد…اتكلم علطول متلعبش باعصابي….”
انفجر مسعد ضاحكا ضحكات لها مذاق الصدى فكانت خالية من الحياة…ميته بالمعنى الحرفي
مثله تمامًا !!……
صم اذنيها بالضحكات وارعبها بصداها العاصف
فقالت بجزع وهي على الحافة……
“بتضحك على إيه….اللي بتعمله ده غلط…متنساش
اني لسه ام ابنك…..”
جملتها الاخيرة المهددة كانت كفيلة بان تجعله
يتوقف عن الضحك فجاة بشكلا مرعب وهو يرفع حاجبه قائلا بهدوء مسنن…..
“ابني ؟!!….انتي لسه عايشة الدور بجد…لا وعارفة
تمثليه كويس أوي…”
انسحبت الدماء من وجهها وبرزت عروق عنقها
بتوتر وهي تساله…..
“تقصد إيه…..الكلام ده مفهوش هزار….هي جيهان
ملت دماغك بي إيه….”
اقترب منها مسعد وهو يخبرها بنبرة
جافة…..
‘خلاص يالهام انتي اتكشفتي…..اتكشفتي خلاص…”
قالت الهام بمناورة….”انا مش فاهمه حاجة انتـ…..”
صرخت إلهام فجاة بخوف وهي تراه ينقض
عليها ممسك حفنة من شعرها في قبضة يده
القوية وهو يهدر بوحشية امام وجهها المرتعب..
“انتي إيه معجونه بمية ابلسه…ملت اهلك إيه
عشان تستغفليني السنين دي كلها….وتعيشي معايا وانتي*******مقضياها وتدبسيني في عيل مش من صلبي واكتبه باسمي وانا مختوم على قفايا
اكتر من اتنين وعشرين سنه….”
“مستحملك ومستحمل القرف عشانه..وفي الاخر ميطلعش ابني…..ميطلعش ابني…”
كرر مسعد الكلمتان بقهر وحسرة فـقلبه
مزال يأبى الاعتراف بتلك الحقيقة المريعة…
انكرت الهام بنبرة مشتعلة بالغضب…..
“ازاي مش ابنك….اللي قالك كده كداب…..كداب…”
صفعها مسعد بوحشية عدة مرات حتى سالت
الدماء من انفها وفمها وهي تصرخ مستنجدة
بالفراغ من حولهما….
صرخ مسعد هادرًا بعنف…..
“انتي اللي كدابة ورخيصة وبنت********
لحد دلوقتي عايشه الدور….اريحك انا واقولك
اني عملت تحليل وطلعت مبخلفش…..ومن زمان
مبخلفش…..مين ابوه الحقيقي انطقي….كنتي
بتخونيني مع مين يالهام السنين دي كلها انطقي
قبل ما اخلص عليكي انطقي يابنت ال…”
سبها مسعد باقذع الكلمات النابية وهو يطبق على عنقها بكلتا يداه بقوة….
قالت الهام بنبرة متحشرجة…..
“هموت سبني…..سبني بتخنق……”
اتكأ على عنقها بوحشية أكبر صارخًا
بجنون….
“انطقي مين هو…مين هو انطقي بقولك….”
احتقن وجه الهام بالحمرة واتسعت عينيها بارزة
للخارج بشكلا مخيف…..وهي تقول بصوت مختنق
“معرفوش….معرفش……”
اتكأ مسعد أكثر على عنقها وهي يخالف اتفاقه
مع عاصم ويقدم على خطوة قتلها…..
“انطقي يا******…..”
اصبحت الرؤية ضبابية امام عينا الهام والاختناق يزداد حدة وألم لذا قالت باختناق خافت مستسلمة..
“هقولك بس سبني…..سبني… ”
تركها بعنف مزدري…. وهو يأمرها بحدة…
“انطقي مين هو وعرفتي إزاي ؟!!…..”
احنت راسها ارضًا بذل وهي تعترف بنبرة
باكية……
“معرفوش ولا شوفته……انا خدت عينة من واحد معرفوش ساعة عمليه الحقن…وده بالاتفاق مع الدكتور فواز…..”
جفل مسعد وهو ينظر اليها بعدم تصديق….
استرسلت الهام بوجوم…..
“لما عملت تحاليل عنده واتأكد اني سليمة وان
العيب منك انت…..اتفقت معاه ميقولكش حاجة
ويقنعك بعملية الحقن عشان أقدر أخلف…وقتها
حط عينة لواحد شغال معاه….بيعمل كده بالفلوس
خد مبلغ قصاد عينة منه……”
لفهما الصمت كالجليد جمد كلاهما للحظات حتى
فاق مسعد من حالة الذهول وسالها بتشكيك….
“انتي بتقولي إيه….انتي لسه مألفه الحكاية دي
دلوقتي مش كده ؟!!…..”
قالت الهام بنبرة صادقة…..
“مش تأليف دي الحقيقه يامسعد….والله دي الحقيقه….ولو الدكتور كان لسه عايش كان أكد
على كلامي….”
تشدق بغضب أكبر…..
“يعني يزن ملوش اب….متعرفيش مين
أبوه ؟!!…..”
هتفت الهام بنبرة حادة وقحة….
“انت ابوه وانا امه…..انا مخونتكش ولا اللي عملته دا حرام…..زيه زي اي واحد اتبرع لينا بدمه أو بكليته…. بتحصـ…”
صفعه قوية كانت الرد على ما تهذي به ، هذيان
بمثابة ذنوب اخرى فهي تبرر فعله مشينة تهتز لها السموات السبع والجرم الأكبر انها ترى الخطيئه
هنا ضرورة تبيح المحظورات !!…..
“اخرسي…..اخرسي انتي إيه حتى الحلال والحرام
بتخترعي فيهم….بتخترعي ملة لنفسك تخرجي بيها
من القرف اللي عملتيه…..”
صاح بها مسعد وهو يصفعها عدة مرات غير قادر
على السيطرة على نفسه امام تلك الشيطانة المستفزة المقرفة…..
بينما الهام تصرخ وتبكي متألمة متوسلة العفو فتوقف مسعد وهو يأخذ انفاسه قائلا بوجهٍ
متعرق منفعل….
“انا ذنبي إيه….. وابنك لما يعرف حقيقة
اني مش أبوه…..”
قالت الهام برجاء وهي مقيدة بالحبال في هذا
المقعد غير قادرة على الإمساك بيده وتقبيلها…
“ابوس ايدك يامسعد اعمل اللي انت عايزة فيا
بس بلاش يزن يعرف الحقيقة….دا ممكن يجراله
حاجة….هواجهه ازاي وبإيه….ابوس ايدك ابننا
ملوش ذنب….”
انفعل مسعد عليها وهو ينظر الى وجهها الممتلئ
بالكدمات والدماء….
“لسه بتقولي ابننا….لسه بتقولي ابننا يالهام…”
قالت إلهام بمسكنة….
“ابننا يامسعد والله العظيم ما خونتك….”
التوى فك مسعد بازدراء قائلا بقتامة….
“اللي عملتيه اصعب واوسخ من الخيانة بمراحل
انتي لحد دلوقتي مش حاسة انتي عملتي ايه
فيا…. وفي ابنك لما يعرف حقيقتك…..”
نزلت دموعها وهي تقول بخوف نابع من
اعماقها…..
“لا يامسعد…. مطلعنيش كده قدامه….بلاش تقوله
يامسعد ابوس إيدك….انا عملت كل ده عشانه…”
مالى مسعد عليها صارخًا بوحشية كبركان اندلع
بنيران حارقة….
“انتي عملتي كل ده عشان نفسك… جبتيه للدنيا
بطريقة الرخيصة دي عشان نفسك….عشان الفلوس عشان تفضلي على ذمتي….”
قالت بشفاه ترتجف برهبة…..
“كنت خايفة تطلقني… كنت خايفة تسبني لما أهلك
يعرفوا….جبته عشان تفضل معايا…عشانك…”
“عشاني!!!….”مضغ مسعد الكلمة وكأنه يمضع الحصى
وهو يضعها في الخانة الصحيحة مكملا باحتقار…
“تجبيه بالحرام عشاني…. توهميني انه ابني اتنين وعشرين سنة…. توهمي عيلة بحالها ان يزن ابن مسعد من صلبة ومن صلبكم عشاني !!….”
“لو كان عشاني فعلا مكنتيش فكرتي ولو ثانية تحطيني في الصورة دي بس انا عيشت جواها
سنين مضحوك عليا منك….مخدوع فيكي…”
تحشرج صوته وهو يتابع بنبرة نادمة….
“دا انا وقفت قصاد اهلي عشانك يالهام كلهم قالولي بلاش دي مش من توبك وانا قولت مش عايز غيرها…. حبيتك وانتي ضيعتي الحب ده مع الوقت من ورا طمعك وخططك ضيعتي كل حاجة….”
نزلت دموع الهام غير قادرة على النظر اليه في
تلك اللحظة…..
تابع مسعد بصوت قاتم….
“كسبتي الفلوس بس خسرتيني…. ودلوقتي ان
الأوان تخسري كمان الفلوس اللي عملتي دا كله عشانها وترجعي تاني للشارع اللي جبتك منه…..”
رفعت الهام عينيها بخوف حقيقي من الخسارة
خسارة اموالها…..التي ادخرتها مع مرور السنوات
منه ، مبلغ كبير وضعته في البنك لتأمن مستقبلها
دون الحاجة لأحد……
تابع مسعد وهو ينظر الى عيناها بقوة
وتشفي…..
“انا مش هوسخ ايدي واقتلك… بس هعمل حاجة تانيه هتخليكي تتمني الموت كل دقيقة وانتي
مرميه على الارصفة مش لاقيه القمة الحاف
تكليها…”
وامام عينيها المذعورتين رأته يخرج من الغرفة
ويعود بعد دقيقة بملف أوراق….
“اي الورق ده ؟!!…”
اجابها مسعد ببرود وهو يفك ميثاق يداها فقط
حتى تتمكن من الأمضى..
“دي أوراق تنازل منك عن كل قرش خدتيه مني….”
تجهم وجهها وقالت بعنف متهكمة….
“انت اتجننت…اي اللي هيجبرني اوافق على
ده….”
وقف مسعد امامها يلوح بالملف وهو يتلاعب
باعصابها بنظرة سفاح….
“اختاري بين الموت…..وبين والفلوس….أو…..”
توقف عن الحديث فعقدة الهام حاجبيها تنظر اليه
بوجل…..فاضاف باستهجان….
“ابنك والفلوس….يعني مش بتقولي عملتي دا كله
عشانه يبقا هضحي كمان عشانه مش كده….”
رأت السخرية تلمع في عيناه فهزت رأسها
بعناد قوي….
“انا مش همضي على حاجة انا عندي اموت
ولا ارجع للفقر والذل تاني….”
لم يتأثر بجملتها بل قال بنبرة هادئ بين طياتها
صلابة كالفولاذ…..
“هتمضي يالهام حتى لو غصب هتمضي….مش هتطلعي من هنا غير وانتي ماضيه على الورق
ده…..”
النظرة في عينا مسعد والاصرار القوي في نبرة
صوته جعلها غير قادرة على الصمود والوقوف
أمامه خصوصًا وهي في هذا الوضع في مكان مجهول منعزل عن الناس مقيدة مهانة مضروبة…
مكشوفة الأوراق وبات السر القديم شيءٍ معلن
يهدد بانهاء حياتها لا محال !…
………………………………………………………..
في مكتب المحامي( زاهر) جلس عثمان على
المقعد يقول بنبرة مهمومة…..
“حمزة لسه في العناية المركزة….بين الحياة والموت…..”
اطلق زاهر زفرة استياء وهو جالسًا خلف المكتب
ثم رفع عيناه على عثمان بملل يرمقه بنظرة شاملة طويلة
فرأى من خلالها التغيير الجذري الذي طرأ عليه قد شاخ خلال الاسبوعين الماضيين وكأن قرن مر عليه صار هزيل بوجهٍ أسود مجعد من اثار الفكر والهموم ، أصبح زائغ النظرات من كثرة التشتت والخوف من القادم فكلما مر الوقت دون جديد يحترق على لهيب الندم وعذاب الضمير….
اخبره زاهر بنبرة كالجليد……
“متقلقش هيموت الحادثة مش سهله ومستحيل
يطلع منها على رجليه…. المسألة مسألة وقت
وهتسمع خبره قريب…..”
اندفع الدماء في وجه عثمان وهو يخبره
بانفعال…..
“انت بتقول إيه….. احنا كده روحنا في داهية….”
اخبره زاهر بقلة صبر….
“أطمن العملية اتعملت على نضيف… والحكومة مستحيل تعتر في الراجل اللي نفذ العملية ….”
حك عثمان في جبينه باصابع مرتعشة وهو
يخبره بصوتٍ مرهق…..
“انا مش مرتاح يازاهر…انا بتخنق كل يوم وكل ساعة
من ساعة اخر مرة شوفته في المستشفى وانا مش
عارف أرتاح أو انسى اللي عملته فيه…إزاي طوعتك وعملت كده فيه..عشان الفلوس…كان خدها…كان خدها وخلصنا….”
احتدت نظرات زاهر وهو يقفز عن مقعده بغضب هاتفًا وهو يقترب منه بضيق….
“اي الاسطوانه الجديدة دي انت جرا لمخك حاجة..هو مش انت اللي هددته بالقتل ورفعت السلاح في وشه…..وانت اللي مكنتش عايز
تدي بنت اختك ورثها…وابنك استغلك وطمع
فيك حتى بعد ما اتفقنا معاه…..انا كل اللي عملته
اني ساعدتك…هترميها عليا ولا إيه !!….”
وقف عثمان أمامه يهتف بنظرة مجنونة….
“انا مش هروح في داهية لوحدي يازاهر….دا شروع
في قتل فيها مؤبد أو إعدام…..والحكومة بدور على
اللي عملها وكل يوم وكيل النيابة في المستشفى…”
ساله زاهر بحاجب معقود….
“انت مش قولت ان مفيش حد فيهم جاب سيرتك..”
اوما عثمان برأسه وبتوتر أعرب…..
“أيوا…بس الحكومة مش ساكته وبدور على سواق التريلا اللي خبطه وده لو اتمسك هيقر علينا احنا الإتنين….دا عرفني وعرفك انت كمان كويس…..”
انتفخ صدر زاهر بالقلق وتغير لون وجهه وهو
يقنعه ويقنع نفسه بعناد…
“انت هتقلقني ليه ما فات أسبوعين ومفيش جديد ابنك لسه في غيبوبة ومحطوط على الأجهزة يعني مسألة وقت ويموت..والقضية هتتأيد ضد مجهول…”
“يموت ؟!!..”قالها عثمان وهو يشعر بمخالب
حادة تنشب في صدره من مجرد التخيل !!
فكيف سيكون عذاب الضمير وقتها ان مات
ابنه بالفعل ؟!…
اكتفى زاهر بايماءة باردة فقال عثمان
بوهن !….
“بس انا مش عايزة يموت….”
فغر زاهر فمه بصدمة متشدقًا….
“نعم ياخويا ؟!!….انت اتجننت ياعثمان…”
ركز عثمان في نقطة واحده وهو يقول
بجبن….
“انا بفكر أهرب….أهرب واسيب البلد باللي فيها….”
اعترض زاهر بملامح صخرية…..
“هروبك دلوقتي أكبر غلط…اهدى وبلاش تصرف
من دماغك وضيعني معاك…”
تمتم عثمان بعقلا مشتت…
“خلاص أهرب معايا انت كمان….”
صاح زاهر بملامح غاضبة…..
“اهرب فين اسيب حياتي وشغلي ومراتي وعيالي واهرب انت اتجننت رسمي….أهدى ياعثمان احنا في السليم… على الاقل لحد دلوقتي…..”
سأله عثمان بقلة حيلة… “طب وبعد كده…..”
تافف زاهر بوجوم وهو يدور حول مكتبه ثم
جلس على المقعد قائلا بحدة وهو يفتح الملفات…
“مفيش بعد كده….بلاش توترني بقا وسبني أشوف شغلي مش كل يومين تنطلي في المكتب وتقعد تولول زي النسوان….جرالك إيه….”
“مش عارف…..مش عارف…..”
ردد عثمان الإجابة مرتين بنظرة غائرة وملامح متهدلة بعذاب الضمير ونفسًا تتلوى على لهيب الندم …هو حقًا لا يعرف ما الذي إصابة وكأنه
تغير في ليله وضحاها…تغير للاسواء كما يظن…
……………………………………………………….
كانت جالسة كيان في حديقة المشفى بصحبة سليم ووالده الذي ياتي بين الحين والاخر ولمدة اسبوعين لزيارة حمزة والاطمئنان عليه ومزال الوضع مستقر كما أخبرهم الطبيب المتابع للحالة….
“ان شاء الله هيبقا كويس يابنتي… الدكتور قال لو فاق من الغيبوبة دي الجاي هيبقا سهل باذن الله….”
قالها المستشار وهو يخصها بنظرة حنونه جعلتها تبتسم بامتنان لوجوده معها هو وسليم الذي لم يتركها لحظة إلا عند ساعات العمل ثم يعود اليها ويبقى معها….
توقفت حياة الجميع في الاسبوعين الماضيين
كل شيءٍ توقف لأجل مسمى وان أستمر الروتين
الحياتي فهو يمر بصورة باهته لا تخلو من مذاق الصدى والتوتر يخيم على الجميع وكل يوم يمر عليهم يتوقعا الأسوء…
وضع سليم يده على كف زوجته كيان…. عصفورته الصغيرة والتي تغيرت جدًا خلال الأيام الماضية كبرت فجأة
وانطفئت لمعة عينيها الفيروزية وظللت الهلات اسفلهما من شدة الارهاق والقلق الذي يجتاحها
يومًا بعد يوم بهت وجهها ونحف جسدها فاقد
الوزن الشقاوة والعفرته فقدت كيان زهو الحياة
فجأة من بعد اخيها….
اكتشف سليم في تلك الفترة القصيرة الصعبة ان الجميع لديه عائلة ينتمي لها لكن القليل منا هو من يحظى بعائلة محبة له…..
والثلاثة اخوة كانا مثال حي لتلك العائلة المترابطة
بالحب…..
همس سليم بنبرة حانية….
“ادعيلو ياحبيبتي…..ان شاء الله خير….”
اومات كيان براسها بعينين شاردتين حزينتين….
منذ ان دلف حمزة الى العناية والجميع يعاني شعور
مميت من الرهبة….الرهبة من خبرٍ قادر على نسف
حياتهما من بعده….
فهم الان يضعوا ايديهن على قلوبهن خوفًا من القادم
الغير مرغوب ابدًا…
سالها سليم بنبرة حانية…
“خدتي علاجك النهاردة…..الفيتامينات اللي الدكتورة كتبتلك عليهم….”
هزت كيان راسها بنفي….فسالها سليم بحاجب
معقود…..”على كده لسه مفطرتيش ؟!….”
قالت كيان واجمه…. “مليش نفس….”
تدخل والده بعتاب…..
“دا كلام يابنتي….انتي عايزة تقعي من طولك ولا إيه…”
تجهم سليم قائلا بضيق….
“قولها يابابا بقالي اسبوعين على الحال ده معاها بتاكل وبتشرب وبتاخد علاجها بالعافية….”
قالت كيان بنظرة ميته….
“عايزني امارس حياتي إزاي…. واخويا في الوضع ده…”
اتكأ سليم على الصبر قائلا…..
“الاكل والأدوية ملهمش دعوة ياكيان… انتي ناسية انك حامل !!….”
قالت كيان بأسلوب فظ….
“آه قول انك خايف على اللي في بطني….”
ارتفع حاجب سليم وهو ينظر لها جافلا من هذا الاتهام الاهوج….
لطف المستشار بينهما بالقول…
“اكيد هو مش قصده كده يابنتي…. انتوا الاتنين مهمين عنده هو ليه مين غيركم…”
زم سليم شفتيه متبرمًا….
“مش لازم توضح لها يابابا…. هي علطول كده بتكلم
قبل ما تفكر….”
نهضت كيان من مكانها معتذرة بوجه أحمر كالدماء
من شدة الغضب والحرج كذلك….
“عندك حق…. انا آسفه عن اذنكم….”
غادرت الى أحد زوايا تلك الحديقة الشاسعة….
تحدث والده إليه بنبرة جادة حازمة….
“روح وراها ياسليم وطول بالك عليها شوية..البنت اعصابها تعبانه….دا اخوها ياسليم… ويعتبر بين الحياة والموت….”
اوما سليم براسه زافرًا نفسًا ثقيلا على صدره وهو ينفذ أمر والده ولحق بها بلهفة وقلق….
راها سليم تجلس على مقعد خشبي أسفل شجرة فلانت ملامح وجهه وهو يقترب منها بهدوء وقلبه يهفو إليها
تنحنح سليم بخشونة وهو يشاركها الجلسة متنهدًا
وهو يسألها….
“اي اللي قولته ضايقك اوي كده….”
اغمضت كيان جفنيها بتعب وعلى حين غرة وضعت
راسها على كتفه بصمتٍ كوردة تميل مع الرياح
العاصفة عليها…..
أبتسم سليم بعطف وهو يلف ذراعه من الخلف محيط بها بحنان يبث الطمأنينة الى قلبها الخائف..
ولفهما جوٍ مشحون بالكثير من المشاعر حتى قطعه صوت كيان الحزين المعتذر…..
“مكنتش اقصد اشكك في حبك واهتمامك بس
بس انا حقيقي مش قادرة اعمل اي حاجة….حاسه اني ميته مليش نفس لاي حاجة…وكأن الدنيا وقفت فجاة…..حمزة حاجة كبيرة اوي بنسبالي….هو مش بس اخويا دا ابويا وصاحبي وكل حاجة…لو جراله حـ…..”
بتر سليم حديثها بتحفيز…..
“بلاش الكلام ده ياكيان….اخوكي هيبقا كويس
بإذن الله بلاش يأس….”
قالت بحزن مرير…. “ياريت ياسليم…..ياريت….”
“ان شاء الله ياحبيبتي….ان شاء الله….”قالها سليم
وهو يزيد في ضمها اليه بعطف مسترسل بالحاح…..
“بس عشان خاطري ياكيان اهتمي بنفسك شوية باكلك وادويتك….عشاني وعشان خاطر اللي في بطنك….احنا محتاجينك…”
لمس قلبها بهذا الرجاء المضطرم بالعواطف وتلك النظرة العميقة في عيناه بها ألف معنى ، فلم تجد سوى ايماءة بسيطة….
“حاضر ياسليم….حاضر….”
ظلا على وضعهما أسفل الشجرة أعينهما ترنو للمكان من حولهما ورغم كآبة الوضع الحالي الألفه تفوق الوصف بينهما…
……………………………………………………………..
نادت عليها الممرضة بالاشارة من يدها فاقتربت منها
قمر بحذر تتلفت حولها كالصوص وعندما وصلت
إليها اخرجت مبلغ من المال ومدته للممرضة
قائلة بامتنان حار….
“بجد مش عارفة اقولك إيه….خدي دول عشانك..”
قالت الممرضة بحذر وهي تدس المبلغ في
جيبها….
“بالله عليكي بلاش تتأخري اللي بعمله ده في
رفدي….خمس دقايق زي ما تفقنا…”
هزت قمر راسها بالموافقة فشرعت الممرضة بفتح
باب العناية لها فدخلت قمر وظلت هي بالخارج تراقب الرواق الواقفة به والذي يخلو من البشر
الان….
هبطت أول دمعه من عينيها عند رؤيته عن قرب
وهو بهذه الحالة مكبل بين الأسلاك ولمدة أسبوعين
راقد على الفراش بلا حراك….
شعرت بألم حاد في صدرها يسري وجعه في انحاء جسدها اليابس…
انحنت قمر بالقرب من حافة الفراش تتأمله بعينين مليئتان بالدموع ووجهٍ باهت كروحها بدونه كقلبها
في هجره…
صوت الاجهزة الطبية يقرع في اذنيها كدقة ناقوس الخطر يخبرها مع كل ثانية انه واقع مرير مستمر
الى أجل مسمى وليس كابوسًا سينتهي عند الاستيقاظ…..
“وحشتني ياميزو…..”
انسابت الدموع على وجنتيها وهي تمسك كف يده برقه وحذر وتميل عليها تقبله قبلة طويلة تبث بها
الكثير من الرجاء والشوق إليه…..
رفعت عينيها المبللة بالدموع إليه وبدأت تتحدث
اليه كما لو انه يسمعها بالفعل…..
همست قمر بنبرة خافته معاتبه…
“انا زعلان منك….اه زعلانه عشان عملت اللي في دماغك ورميت نفسك في النار….عشان الورث
والقرف…..انا مكنتش عايزة غيرك ياحبيبي…
فلوس إيه اللي تخليك كده… وتخليني انا
واخواتك بشكل ده…. ”
“شوف حالي من بعدك….بمووت ياحمزة…مع كل
يوم بيعدي وانت لسه في المكان ده…بتقهر وقلبي
بيوجعني بحس انه هيقف…..ياريت يقف وارتاح..”
قالتها بيأس وهي تضع يدها على فمها تكتم
شهقات بكاؤها….
مالت عليه تطبع قبلة اخرى على يده هامسة
بالقرب منه بتوسل…
“عشان خاطري ياحمزة بلاش تسبني….انا مليش
حد في الدنيا دي غيرك ومش عايزة غيرك…انت
ابويا واخويا صاحبي وحبيبي وجوزي…انت
عيلتي ودنيتي…..انت ابو إبني….”
قالتها وهي تضع يدها على بطنها والدموع
لا تنضب من حدقتاها الحمراوان…
“ابننا ياحمزة…..اللي أكيد محتاجك اكتر مني…
عشاني وعشانه…..حاول تقوم…..حاول….”
فتحت الممرضة الباب وقالت بهمسًا على
عجالةٍ….
“فات أكتر من عشر دقايق ياقمر…والدكتور زمانه
جاي….بالله عليكي يلا قبل ما يشوفك هنا ويبقا
فيها كلام تاني معايا….”
اومات قمر براسها ثم انتصبت واقفة ومالت على
حمزة تطبع قبلة على خده مبتعدة رغما عنها
وهي تلقي عليه نظرة أخيرة…..
بعد خروج قمر بدقائق تحركت أصابع حمزة حركة
بسيطة ثم عادت واستكانت مكانها !…
……………………………………………………………
فتح باب الشقة ودلف إليه فداهم انفه رائحة شهي
لشيءٍ يخبز في الفرن… تعد كعكة بالبرتقال ربما عليه ان يعترف انها ليست جيدة في الطهي بالمقدار الكافي لكنها للعجب جيدة بامتياز في اعداد كعكة
البرتقال وكأن الأمر استثنائي عندها….
وهذه شهادة حق فـمنذ ان تناول قطع الكعك التي اعدتها للعمة(وجيدة)وهو يطلب منها بين الحين والاخر كعكة البرتقال الشهية…..
لكن اليوم اعدتها دون ان يطلبها منها…وكأنها تريد
ان تهون عليه قليلا عناء الأيام السابقة….
الأيام السابقة يالها من حلقة قاتمة مغلقة يدور بها منذ ان علم بالحالة التي وصل اليها صديقة…
ولمدة أسبوعين والوضع يزداد سوءًا على الجميع
خصوصًا عائلته شقيقتاه وزوجته حالتهن تقطع
القلب…اروحهن معلقة به بدرجة ملحوظه للجميع ومؤلمة كذلك…..
“انت جيت ياسلطن….”
قالتها داليدا بنبرة ناعمة متابعة وهي تقترب منه ترتفع على اطراف اصابع قدميها لتصل اليه مقبلة
خده وهي تسأله باهتمام….
“حمدلله على سلامتك ياحبيبي… اي الأخبار
مفيش جديد….”
نظر لها سلطان قليلا يتأملها بنظرة شاملة بملابسها الشتوية الانيقة وشعرها المنسدل على ظهرها رائحتها المعطرة والهدوء الغريب الذي يعم
الشقة….
“هي فين مليكة ؟!!….”
سالها بلهفة وهي ينظر من حوله لربما راها نائمة
في احد الزوايا…..
قالت داليدا بهدوء….
“نايمة بقالها ساعتين…..رد عليا مفيش جديد..
قمر عامله إيه وكيان وشهد….”
رد سلطان بنبرة مهمومة….
“لسه زي ماهو في غيبوبة محدش عارف هيفوق
امتى…. وحالهم زي ماهو….”
أسبلت داليدا جفنيها باسى قائلة بحزن….
“بصراحة كل ما بروح المستشفى واشوفهم كده
اعصابي بتتعب مبقدرش أتحمل….الله يكون في
عونهم….”
لم يرد سلطان عليها فرفعت عينيها اليه لترى
ملامحه شديد التعقيد ونظراته متباعدة عنها
حزين وقلق هكذا حالة منذ ان علم بالحادث…
مدت يدها وتحسست كتفه بحنان قائلة…
“هون على نفسك ياسلطان….. ان شاء الله
هيقوم ويبقا كويس….”
نظر لها قليلا ثم تحدث بنبرة مثخنة
بالجراح….
“يارب ياداليدا….حمزة شقي كتير اوي في الدنيا
واتمرمط كتير على ايد أبوه….يعتبر قد عمره
كله في الشارع بسبب ابوه ومعاملته….معقول
توصل ان يتسبب في موته ؟!….”
زفر وهو يلقي هذا السؤال القاتم فقالت
داليدا بذهول…..
“تفتكر فعلا هو اللي عملها….”
ضم سلطان قبضته امام عينيها المذهولتين
وعلق بغضب خطير…..
“مفيش غيره….لو بايدي كنت قتلته وخلصت
عليه….”
قطبة داليدا جبينها مزمجرة بقلق….
“يسلام عادي كده تضيع نفسك…وتضيعنا معاك…
وحد الله ياسلطان….”
تنهد سلطان وهو يجلس على اقرب مقعد
بتعب…..
“لا اله إلا الله….اللي مجنني ان مفيش حد فيهم بلغ عنه….مع انهم قالوا انه هدد حمزة بالقتل…وجه لحد بيته وهدد مراته انه هيقتله لو متنزلتش عن حقها في ورث امها…..”
انكمشت ملامح داليدا بصدمة وتأثر معقبة
بازدراء…..
“ياساتر….دا اي الجبروت ده….دي نهايته هتبقا
سوده….”
قال سلطان بوجوم…..
“مش باين ليه نهاية….طالما لحد دلوقتي عايش
بيروح وبيجي…. وابنه ياعالم هيفوق ولا….”
قالت داليدا بملامح مكفهرة….
“بلاش الكلام دا ياسلطان….دا اخواته ومراته
يموتوا فيها….ربنا يقومه بسلامه عشان خاطر
ابنه…”
نظر لها سلطان بحاجب مرفوع….. “ابنه ؟!!….”
قالت داليدا بتأكيد…..
“هو انا مقولتلكش قمر عرفت انها حامل
ساعة الحادثة….”
ازدادت نظرة سلطان
حزنًا….
“يعني هو مكنش يعرف…..”
قالت داليدا بنظرة متفائلة…..
“بكرة يعرف…..ويفرح وهو شايله بين ايديه…
اتفائل ياسلطان…اتفائل وبلاش كابة ….دا انا حتى
عملتلك كيكة بالبرتقال عشان تفك كده وتروق
ونايمت مليكة كمان….”
نظر لها سلطان لبرهة ثم تبسم ابتسامة لم
تصل لعيناه…
فاقتربت منه داليدا وجلست على ساقه بمنتهى
الارياحية وكأنه مقعدها المريح ثم تعلقت في عنقه
وهي تنظر اليه بعينيها السود والعفرته تشعان
منهما بصورة فاتنة……بل شديدة الفتنة…..
“انت مش ملاحظ انك بقالك اسبوعين بعيد
عني من اخر مرة كنا مع بعض…”
لانت ملامح سلطان وهو يمد يده مداعب
خصلات شعرها الناعمة بين اصابعه وهو
يقول….
“غصب عني ياداليدا…انتي شايفه من المصنع للمستشفى ومن المستشفى على هنا…”
قالت بشفاه ممطوطة بدلال….
“اه اخر الليل فعلا بنشوفك….بتاكل وتنام….”
قال عابسا من تذمرها….
“امال عايزاني اعمل إيه أرقص….”
قالت بنظرة شقيه…”طب والله فكرة….”
حذرها بنظرة قوية…..”داليدا….”
داعبت صدره باصبعها الرفيعة كآلة موسيقية
تجيد العزف عليها….ثم نظرت لعيناه بتغنج
تطلب……
“الرقص وحشني اوي ياسلطان….وسطي مش
واخد على الانتخه دي….”
شعور لذيذ اختلط بقربها ، مداعبتها وشقاوتها جمالها وخفة ظلها أشياء كثيرة تخرج من امرأة واحده عشقها قلبه حتى النخاع…..امرأة باختصار مدله بحبها….
لمعة عينا سلطان بتسلية وهو يقول
بغلاظة…..
“انتخه إيه انتي وسطك سايب من غير اي حاجة..”
وضع يداه على خصرها اللين الملفوف بالمسطرة
مثالي يعد حلمًا لبعض النساء اللواتي يتبعن الحميات القاسية للوصل الى نتيجة كهذه بينما هي عكسهن الأكل متعتها ورفيقها في كل الأوقات ومع ذلك وزنها مثالي كعارضات الأزياء حتى بعد حملها
والكيلوجرمات التي اكتسبتها لم يأثر عليها قط
فقد توزعا بشكلا جيد يثير غرائزه….
رفعت داليدا وجهها بغرور…..
“عشان تعرف بس انك واخد ايقونة في الرقص الشرقي…..”
قرص وجنتها قائلا بمهاودة أبوية….
“انتي فاهمه الرقص الشرقي غلط….بس هعديها
يأيقونة….”
قالت بانتشاء….”يعني اعتبر ده وعد….”
عقد جاجبيه سائلا….. “بايه بظبط…..”
قالت بتنهيدة حالمة كمن يطلع للنجوم
متمنيًا لمسها…..
“نفسي البس بدلة الرقص تاني وارقصلك ياسلطن
قلبي….”
قال سلطان بفظاظة…..
“أخاف انام وانتي بترقصي فتنكدي عليا سنين
قدام…. خلينا كده حلوين يادودا بلاش رقص…انا اصلا مليش في الجو ده….”
اندفعت بوجهها نحوه ومزالت جالسه على
ساقة…..
“يعني إيه ملكش في الجو ده….هو احنا غرب عن
بعض دا انا مراتك لازم يبقا ليك عشان انا بحب
الجو ده….دا بدل ما تشجعني وتنقطني..”
ذهل سلطان وهو ينظر اليها جافلا….
“انقطك كمان ؟!!….لا حول ولا قوة إلا بالله…وانا اللي قولت لما تبقي أم هتعقلي دانتي لسعتي اكتر من الأول….”
نهضت داليدا عن ساقة كمن لدغتها حيه وهي
تقول بغضب مجنون….
“لسعت !!…ياعديم الفرحة….ياهادم اللذات يانكدي ياللي بنتك طالعه زيك تموت في الزن والنكد….”
نهض سلطان أيضا قائلا ببرود…
“الحمدلله كده ضمنت انها هتبقا عاقلة وراسيه…”
لمعة عيناها بشراسة….
“قصدك اي ياسلطان اني مجنونة….لا انـ..”
اوقفها سلطان بملل واضح…
“بلاش تبدأي وصلت النكد ياداليدا انا هلكان
وتعبان…ومعنديش حيل للمنهدة….”
تركها مكانها واتجه للحمام قائلا….
“انا هدخل اخد دش تكوني حطيتي العشا…طبخه
إيه….واوعي تقولي مكرونة لحسان انكد عليكي..”
اقتربت داليدا منه بعنفوان..
“طب نكد كده….نكد وانا هنام في أوضة الاطفال
واسيبك تنام لوحدك….”
التفت لها وبنظرة حادة هتف…. “داليدا…..”
اشاحت بوجهها الأحمر وهي تخبره
بعصبية…..
“اوف اوف….عمله صنية بطاطس بالفراخ
وجمبها رز بشعرية ارتاحت كده…..”
اوما براسه مستحسنًا…..
“طب يلا حضري الأكل على ما أطلع من الحمام….”
تخطته هي وسارت نحو المطبخ فمسك سلطان ذراعها يمنعها من الابتعاد وهو يقربها منه حتى
باتت امامه مباشرة بين ذراعيه اي في احضانه
الرحبة…..
“استني….مش ناسية حاجة….”
“مش عايزة منك حاجة سبني….”قالتها وهي
تحاول التملص منه بعناد…
“بس انا بقا عايز…ومقدرش استغنى….”
نظرت داليدا الى عيناه بضيق وسحرتها النظرة
في عينيه لها…نظرة عاشق مشتاق لأمراته نظرة
تحوي آلاف القصائد التي للأسف ليس جيد
في صياغ قولها كما تتمنى…..
مالى سلطان عليها وحجز خصرها بين ذراعيه القوية ثم هجم على شفتيها دون مقدمات كثيرة متعمق في تقبيل شفتيها الشهية بنهم بث شوقه وعشقه لها…
نعم ليس جيد في صياغ الكلمات لكنه بكل تاكيد جيد في بالتعبير فعلًا عنها وهي تفضل الافعال بكل
تأكيد لذا احاطت عنقه بيداها برقة وهي تبادلة حرارة القبلات بجرأة اكتسبتها منه….
بعد فترة طويلة فصلا القبلات بينهما وهما يلهثا
بقوة ساندا رؤوسهما الى بعضها بتعب عاطفي
مقبول…..
كان أول من تحدث سلطان وهو يخبرها بنظرة
متقدة برغبات….
“وعد أول ما فوق من كل اللي انا فيه ده…هلبسك
بدلة الرقص بايدي…”
ابتسمت داليدا بنعومة مقبلة شفتيه
دون الحاح…..”بحبك ياسلطن….”
ابتسم سلطان وهو يشدد في ضمها
إليه….
“وانا بموت فيكي يادودا….بحبك يابنت عمي…”
بعد فترة وبعد ان تناولا الطعام جلسا في الصالون
يشاهدا احد الافلام امام الشاشة الكبيرة وهما يرتشفا كوبان من الشاي معه طبق يحوي قطع من كعكة البرتقال التي يأكلها سلطان الان بنهم مستمتع بالحديث مع زوجته….
“يعني خلاص اتحدد معاد الفرح….”
سالته داليدا وهي تهدهد ابنتها على كتفها بعد
ان استيقظت للتو من نومها…..
اخبرها سلطان وهو يأخذ رشفة من كوب الشاي…
“كمان عشر ايام….العريس مستعجل عايز يتجوز
ويسفرها معاه…”
سالته داليدا باهتمام….
“وعلى كده هو كويس ياسلطان…ولا….”
علق سلطان بجدية….
“لو مش كويس هنوافق عليه ليه…هنرميها مثلا..”
هزت داليدا راسها بنفي سائلة….
“مش قصدي بس هدى يعني….رأيها إيه فيه….”
اخبرها سلطان بهدوء….
“في قبول بينهما ياداليدا….انا لما قعدت معاها وسألتها حسيت انها مرتاحة للموضوع….والعريس
ابن حطتنا وعرفينا هو وأهله….ومحترم وجدع…
وان شاءالله يصونها ويحافظ عليها….”
قالت داليدا بتمني مشفقة على وضع ابنة عمتها
وما اصابها من خيبات أمل على يد هذا الحقير
عادل…..
“يارب ياسلطان….هدى غلبانه….بس ضغط عمتك
هو اللي خلاها…..”
توقفت داليدا عن المتابعة بحرج…فقال سلطان
بصبرٍ….
“بلاش نتكلم في الموضوع…الصفحة دي قفلناها
خلاص….هي كمان قفلتها بدليل انها ناوية تبدأ
حياتها من جديد….”
قالت داليدا بخفوت….”ربنا يوفقها….ويسعدها…..”
“ويسعدنا احنا كمان ولا إيه…..”قالها سلطان بمرح
طفيف وهو يغمز لها فاطلقت داليدا ضحكتها الشهيرة
ضحكة رنانة ضحكة راقصة منحلة اخلاقيًا !…
فصرخت الصغيرة فجأة باكية بقوة….فانكمشت
ملامح داليدا بصدمة وهي تنظر الى ابنتها بعدم
فهم فقال سلطان ضاحكًا بخشونة….
“واضح ان مليكة ابوها…. ليها رأي تاني….”
تنهدت داليدا بتعب وهي تضع الصغيرة
بين ذراعيه…..
“خد شيلها شوية… يمكن تسكت معاك….”
هدهدها سلطان بحنان هامسًا بالقرب من
وجه الصغيرة….
“طبعا هتسكت معايا….حبيبة ابوها دي….”
طبع قبلة على وجنتها فاستكانة الصغيرة بين
ذراعي ابيها وهي تنظر إليه بعينيها الواسعة
كالزمرد الاسود في لمعانه وصفوة….
فابتسم سلطان اليها وهو يداعب انفها بانفه
لتفاجئه الصغيرة وهي تضع كفها الرقيق على خده
فاتحه فمها بضحكة جميلة تشع براءة وهي تنظر
إليه بعشق…عشق الابنة لأبيها شعور يولد بالفطرة بينهما معه يصبح حبيبها الأول والأخير….
هتف سلطان بزهوٍ وعيناه لا تحيد عن
الطفلة……
“شوفي بتضحك ليا إزاي…عشان تعرفي انها
حبيبة ابوها بالقول والفعل….مش كده يامليكة.. ”
اتسعت ضحكة الصغيرة وكأنها تأكد على الحديث
لاغاظة أمها…..
ربما في وقت اخر لكانت شعرت داليدا بالغيرة والحنق منهما لكنها شاركت سعادته قائلة بحب
وهي تضع راسها على كتفه…..
“ربنا يخليك لينا ياسلطان….”
طبع قبلة على راسها هامسًا وهو يداعب
ابنته…”ويخليكم ليا يادودا….”
……………………………………………………………..
يشعر بخمول في وظائف جسده وكأنها لا تعمل بشكلا سليم ثقل شديد على صدره صداع قوي يتفاقم في رأسه لا يحتمل…الوضع بأكمله لا
يحتمل يبدو انه عاد للتو من الموت او هو
ميت بالفعل وغير مدرك بعد ؟!….
هز راسه بتعب وهو يفتح جفنيه ببطئ متأوهٍ وهو
ينادي على ثلاثتهن بصورة متكررة كمن يستغيث
أسفل قبو مظلم….
“شهد…..كيان…. قمر…….”
كانت اخر اسم نطق به وأكثر اسم تكرر على شفتيه
على نحوٍ خاص…..
ابتسمت قمر بسعادة وهي تشعر بانها تهبط الى الحياة أخيرًا بعد ان كانت روحها معلقة بين السماء والأرض بين البداية المرعبة والنهاية المريرة….
فلا بداية بدونة ، والنهاية غير مقبولة بالتنائي عنه….
بلعت قمر غصة متحجرة في حلقها وهي تحيط كف يده بيداها بحنان جالسة على مقعد جانب السرير بالقرب منه تطلع عليه بعينيها العاشقة المتشربة من الحزن والدموع….
“حمدلله على سلامتك ياحبيبي….”
قالتها قمر وهي تميل عليه تطبع القبل على كف يده عدة مرات بعاطفة جياشة وشوق حار…..
نظر حمزة إليها بعسليتاه الشبه مغلقتان يحاول ان ينفض هذا التعب عنه ويركز معها بقدر المستطاع…
مزال عقله مشوش يحاول تذكر اخر شيء حدث له…
الشاحنة الكبيرة الاصطدام المريع وبعدها الظلام
الظلام واللاشيء…..
“انا فين…..”
كان هذا أول ما نطق به لها بصوتٍ مبحوح متباعد وكأن أحبالُ الصوتية تمزقت في الحادث !…
قالت قمر بنبرة حنونة وهي تمسح دموعها…
“انت في المستشفى ياحبيبي….بعد الحادثة دخلت في غيبوبة لمدة أسبوعين….ولما بدات تفوق في العناية الدكتور كشف عليك واطمن انك كويس ونقلك لاوضة عاديه….”
سالها حمزة بشك وهو يشعر بعدم الارتياح
لهذا الخمول….
“انا كويس فعلا ولا حصلي حاجة…انا مش
حاسس بجسمي كله…”
اخبرته قمر بنبرة حانية متفهمة….
“طبيعي بعد الحادثة والغيبوبة اللي دخلتها…
الموضوع هياخد وقت بالعلاج وبالرعاية هترجع أحسن من الأول ان شاءالله…حمدلله على سلامتك ياميزو…..”
مالت عليه تقبل خده ثم جبهته فابتسم حمزة
اليها قائلا بتعب….”الله يسلمك….”
قالت قمر بنفسٍ غير راضية….
“قتلتنا من الخوف عليك ياحمزة…..الأيام كانت
صعبة وتقيلة علينا وانت بالحالة دي….”
رأى حمزة بهتان لونها واحمرار عينيها ونحافة
وجهها الملحوظة وفقدانه للحياة جميعها أشياء
تشي بسوء حالتها دون ان تذكر الأمر….
كل شيء واضح كشاشة عرض كبرى قد تسبب بالرعب لهن جميعًا وعاشا معه المشهد الماساوي
الأخير…..
اعتذر وهو يسبل عيناه بحرج كطفلا اخطأ
في حق أمها…..
“حقك عليا ياقمر….مكنتش أعرف انه ممكن
يعملها….حتى بعد ما هددني…”
قالت قمر بخفوت واهٍ….
“انت اللي حقك عليا…انا السبب وجودي في
حياتك هـ…”
واقفها حمزة بحزم معترفًا….
“اياكي تكملي….وجودك هو احسن حاجه حصلت ليا…انتي العوض يـاقـمـر…..عوضي من الدنيا….”
جثت قمر على ركبتيها بالقرب منه منحنية على
كتفه تبكي وهي تقول بنبرة تقطر ندم مرير…
“انا بحبك ياحمزة….بحبك اوي…ومش قادرة
اسامح نفسي على اللي وصلت ليه بسببي…”
اخبرها حمزة وهو يرفع ذراعه بصعوبة ملامسًا
خصلات شعرها اللولبي لكم أشتاق لها ولشعرها
ورائحته الطيبة…..اخبرها بنبرة حنونة….
“مش بسببك….انتي ملكيش ذنب….انا عملت اللي
المفروض اي واحد مكاني يعمله انتي مراتي…ودا
حقك…..”
رفعت وجهها اليه وقالت بحدة اتت على نحوٍ
مفاجئ اجفلته…..
“مش هنتكلم في سيرة الورث دي تاني…الموضوع اتقفل انا مش عايزة حاجة من الدنيا دي غيرك..
فلوس الدنيا كلها متساوش حاجة قدام نظرة
من عنيك….”
ابتسم حمزة برضا تام فالطالما كانت ترضيه بتلك
النظرة وهذا الحديث مشبعه قلبه بحبها وحنانها
الفياض…..بدا يلامس خصلاتها باصابعه مسحور
العيون بها وهو يخبرها بتوله…”بحبك يـاقـمـر…..”
“وحشتني….وحشتني أوي…..اوي ياحمزة….”
قالتها قمر وهي تهجم عليه تقبله قبلات متلاحقة
على حنايا وجهه هبوطا الى عنقه قبلات من اللهفة
والاشتياق والامتنان لانه عاد اخيرًا لها….
ضحك حمزة بصعوبة وهو يشعر بها تزيد الضغط على صدره وكتفه المصاب دون ان تعي ذلك….
فقال وهو يتأوه….
“آه براحه ياقمر…براحة جسمي مكسر مش حاسس بيه…”
ابتعدت قمر عنه فورًا قائلة
بحرج…
“معلش انا آسفة…..مش قصدي….”
ابتسم لها حمزة قائلا بحب…
“ولا يهمك ياقمراية….فداكي….”
دلف الى الغرفة شقيقتيه وعندما راوه أفاق يتحدث ويبتسم ايضًا لزوجته حتى انفرجت أسارير وجوههن
بالفرح وهم يقتربا منه يقبلاه ويعانقاه بحرص….
“حمدلله على سلامتك ياحمزة….”
قالتها شهد وهي تجثي على ركبتيها جوار قمر
وعسليتاها تبرق بالسعادة لرؤية اخيها مستيقظ..
قال حمزة بنظرة شقية فوق ملامح
مرهقة….
“الله يسلمك ياشهد….عمر الشقي بقي….اخوكي
بسبع ترواح….”
قالت شهد بنبرة حزينة….
“الحمدلله…..انك بخير….ورجعتلنا بالسلامة..”
كانت كيان تجاور اختها في تلك الجلسة ثلاثتهن بالقرب من جانب الفراش في صفٍ واحد….
سالها حمزة بمشاكسة…
“اي ياكيمو ساكت ليه….خوفتي عليا…”
قالت كيان بنظرة حانية…
“خوفت دي كلمة قليلة على اللي عشناه واضح
انك كنت عايز تعرف غلاوتك عندنا….”
تنهد حمزة وهو ينظر للسقف قائلا….
“انا عارف غلاوتي من زمان عندكم.. مش محتاج أرقد الرقدة دي عشان أعرفها…..”
ثم حرك راسه ناظرًا الى شهد يقول بسخرية
مؤلمة….
“ابوكي مطلعش جبان ياشهد وعملها فعلا… كان
ناوي يقتلني… بس لسه ليا عمر….”
نظرا الثلاثة الى بعضهن بصمت مريب فانعقد
حاجباه سائلا بشك….
“ساكتين ليه….انتوا بلغتوا عنه…”
تولت كيان الرد بنيابة عن
الجميع….
“مقدرناش نعمل كده….بس…”
زاد تصلب ملامح حمزة وهو يسالها
بجزع…
“بس إيه ياكيان….اي اللي حصل….”
اخذت كيان نفسًا طويلا وهي تقول الأخبار المستجدة دفعة واحد….
“سواق التريلا اللي خبطك اتمسك إمبارح…واعترف
ان ابوك والمحامي هما اللي زقوه عليك…عشان
يقتلك….ودلوقتي هما في النيابة بيتحقق معاهم….”
جفلا حمزة ناظرًا اليها بتشكيك….
فاضافت كيان اخر التطورات…..
“سليم لسه مكلمني…..قالي ان أبوك أعترف باللي عمله…بس اللي إسمه زاهر ده لسه بينكر….بس
انكاره ملوش اي لازمه لانه مشترك في التحريض
عليك واكيد هياخد عقوبة…..والعقوبة في القضايا
اللي زي دي بتوصل لمؤبد او اعدام على حسب
حكم القاضي…. بس هي مش أقل من كده.. دا
شروع في قتل…. ”
هربت ألوان الحياة من وجه حمزة وهو يشعر انه
في دوامة عنيفها من الحقائق…..
“يعني….”
تلك المرة تولت شهد الرد قائلة بقسوة خارجة عن سجيتها المعروفة….
“يعني أبوك انتهى بنسبالنا….ومش هنفتح السيرة
دي تاني….خلاص عثمان الدسوقي انتهى من حياتنا
وملوش رجعه….ودلوقتي بياخد جزاه على اللي عمله فيك وفينا كلنا…..”
ثم تمتمت بكراهية سمعها الجميع….
“حتى العقاب ده قليل اوي على اللي عمله فينا
السنين دي كلها….”
اومات كيان براسها مؤكدة بنظرة باردة بينما اسبلت
قمر جفنيها وهي تحمل نفسها ذنب الجاني والمجني
عليه !!…..
اما حمزة فسكن مكانه دون تعقيب ينظر في
اللاشي بملامح مظلمة متباعدة في ملكوت آخر….
انتهى عثمان الدسوقي ؟!!…
نعم انها الحقيقة الواضحة وضوح الشمس انتهى بعقوبة السجن المشدد في قضية شروع في القتل…من المجني عليه هنا ابنه
أراد قتل ابنه بدم بارد ؟!….
يالها من حقيقة مريعة…..حقيقة لن تنسى بينهم ابدًا….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى