روايات

رواية الحب أولا الفصل السادس والأربعون 46 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل السادس والأربعون 46 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء السادس والأربعون

رواية الحب أولا البارت السادس والأربعون

رواية الحب أولا الحلقة السادسة والأربعون

تسير في شارع الصاوي منتفخة الاوداج صدرها
عاصف بالغضب عينيها تقدحان شرر كيف يجرؤ….
كيف يجرؤ ان يجعلها تقبل بالهدية اللعينة كيف يجرؤ ان يجعلها عاجزة عن اخذ رد فعل حاد
نحوه ونحو هذا (المندوب)الذي تفنن في اقناعها
هي وامها بالدور العظيم على خشبة مسرحية
من تأليف هذا المغرور….
لم تستطع حينها رفض الهدية امام أمها فبالطبع
ستبدا بالشك حيال هذا ويتم التحقيق معها حول
الامر وهي لم تعتاد ان تخبئ شيءٍ عليها وتكذب
لكن وضعها حساس وهذا المغرور وضعها في
موقف لا تحسد عليه…..
اتكات على العلبة الصغيرة بين يداها بقوة وهي
تجز على اسنانها متوعدة له…..
دلفت جنة الى الصاغة تطلع على الزوايا بعيون
نارية بالغضب باحثة عنه حتى وجدته يقف مع
أحد الزبائن فتاة من عمرها تقريبًا فاتنة الشكل
انيقة المظهر…
متوسعة الفم بضحكة مليئه بالبهجة وكأنه يطعمها
النكات في فمها ياله من محتال وقح يعبث في عقول
الفتايات الصغيرات معتمد على سيمات الوسامة الفجة لديه والعيون الزرقاء الـ….المستفزة…..
جزت على اسنانها أكثر وهي تكبح الغضب بأعجوبة
واقفه بعيدًا عنه منتظره انهاء تلك الميوعة والتي
تسمى بكسب زبونة جديدة على حدّ قولهم….
“بدوري على حاجة معينة يا آنسة….”
استوقفها صوت هذا الشاب احد العمال في الصاغة
الكبيرة….
ابتلعت ريقها وارتبكت قليلا جراء السؤال والانتظار
الحاسم منه….مما جعلها تتلعثم قائلة….
“انا….انا كُنت….”
“روح انت ياهاني…..”
انقذها صوت يزن الذي اقترب منهما ووقف امامها
يطلع عليها بعيناه الزرقاء الـ….المربكة….
انصاع العامل لأمر يزن مبتعدًا…بينما وقف يزن
امامها مبتسمًا مرحبًا….
“عاملة إيه ياجنة….”
جاشت مراجل صدرها أكثر وهي تراه يتعامل
ببساطه وكأنه لم يضعها امام الأمر الواقع
بالحيل….
وضعت العلبة التي تحوي السلسال الذهبي على
الطاولة الزجاجية جوارهما بعنف مما جعلها تصدر
صوتٍ لفت الأنظار مع اصدار صرير من بين اسنانها
وهي تقول بضجر….
“اتفضل حاجاتك وياريت تبعد عني…وبلاش المواقف
البايخه دي عشان انا مش بيتلوي دراعي….”
نظر يزن من حولهما ثم همس لها بصوتٍ
خافض بدا محتج…..
“ممكن تهدي… انتي بتلفتي الانظار لينا كده…. ”
قالت جنة بهمسًا مغتاطة….
“والله لو يهمك شكلك قدام زباينك أوي كده
مكنتش عملت اللي عملته….”
سالها ببراءة عيناه الزرقاء….
“اي اللي عملته انا مش شايف فيها حاجة….”
بلعت جنة ريقها بارتباك الوضع خطير جدًا
وهي غير مدركة بعد ان سهام الحب تصيب
قلبها خلسة !….
“فيها كتير باي حق تجبرني أقبل هدية سبق ورفضتها….”
سالها بنفس البراءة….”وليه رفضاها….”
عقدت ساعديها امام صدرها مجيبة
بجفاف…
“بسيطة لاني متعودتش على كده….وانت شخص
غريب عني اعرفك منين عشان أقبل حاجة زي
دي….”
اخبرها يزن باعجاب…”مانا عايز اتعرف عليكي….”
هزت راسها بتزمت تقول….
“بس انا معنديش وقت للحب يادكتور….بنام بدري”
رد بسماجة….”سهله….نتكلم بالنهار…..”
نظرت للأعلى زافرة وهي تحل عقدة
ساعديها….
“الصبر من عندك يا رب…. ”
كاد ان يرد عليها يزن لكنه توقف بعد هذا النداء
الناعم جدًا كخرير القطط…..
“يزن….”
نظرت جنة بقرف الى الشابة التي تقاربها عمرًا
والتي كانت تقف قبل لحظات مع يزن بفم مفتوح كفرس النهر….
قال يزن لها بابتسامة جذابة….
“يارب يكون الكوليه الدهب عاجبك….”
قالت الشابة بنبرة ناعمة جدًا….
“يجنن يايزن…حقيقي مفيش في جمال بضاعتكم
ولا معاملتكم….”
شعرت جنة بالضيق وهي توزع النظرات عليهم
بحنق بالغ….
قالت الشابة بنظرة ولهجه مغوية….
“ممكن رقم تلفونك….يعني ممكن احتاجه واجي
هنا انا وواحده صاحبتي فـحبه أكلمك وتأكد انك موجود في الصاغة…..”
نظرت جنة الى يزن بحاجب مرفوع منتظرة رد
فعله…..
فقال يزن بهدوء….
“اوكي مفيش مشكلة اكتبي عندك….”
اعطاها رقم هاتف يختلف عن الرقم الذي معها
والان هي في حالة ذهول من نفسها هل حقًا
ميزة اختلاف الرقمين !!…..
“مرسي باي يـا يـزن….”ابتسمت له الشابة وهي
تبتعد ملقيه نظرة أخيرة على جنة التي تقف
متفرجة صامته بينهما حتى إنتهيا…..
“مع السلامة…..”قالها يزن وهو يعود الى جنة بكامل
تركيزة مدقق النظر اليها والبريق في عيناه غير قابل
للشك…
قالت جنة وهي تنوي المغادرة…
“كده بقا انت لقيت صيده جديدة تتسلى عليها
واخيرًا هطلعني من دماغك سلام….”
منعها يزن دون ان يلمسها…..
“استني ياجنة….صيدت إيه اللي هتسلى بيها ما
كفاية ظلم بقا ياجنة واسمعيني….”
سالته بضيق مكتوم….. “اسمع إيه بظبط.”
نظر حوله فرأى الجميع منشغلا فيما يفعل…فعاد
اليها ناظرًا الى عينيها السود من خلال نظارتها
الشفافة…..
“انا معجب بيكي….”
خفق قلبها بقوة ومع ذلك ادعت الغلاظة
قائلة….
“قديمة…شوف دخله جديدة…..”
تنهد يزن قائلا بصبر…..
“انا معجب بيكي وناوي اتقدملك….وعايز
اتعرف عليكي أكتر من كده…..”
ابتسمت جنة بسخرية مكملة عنه….
“بمعنى نتكلم في التلفون واحب فيك وبعدين
أفضل اقبلك من ورا أهلي…..ولما تزهق تقولي
تشاو ياقطة…. وقتك انتهى….”
انعقد حاجبا يزن بريبة…
“انتي في حد دخل حياتك قبل كده؟!!….”
شعرت بالاهانه ازاء هذا السؤال فقالت
بانف مرفوع…..
“محدش يقدر كلهم يخافوا يفكره حتى….”
ابتسم باعجاب أكبر قائلا…..
“انا بقا مش خايف ومش ناوي اخليكي تعملي
حاجة من ورا أهلك….ممكن تثقي فيا….”
سالته بعدم اقتناع….. “أثق فيك؟!…”
زم فمه بقنوط مصححًا….
“بلاش تثقي…..صدقيني على الأقل…”
اسبلت جنة اهدابها بتردد وهي تشعر انها دخلت
الفخ بقدميها دون دعوة مسبقة….فما كان عليها
ان تأتي لهنا وتراه للمرة الثانية….
يكفي المرة الأول قد احتل مراكز تفكيرها لفترة
زمنية حتى بدأت تعود لحياتها بتدريج حينها
بدا يتوغل اليها خلسة بتلك المكالمة….
قطع صراعها الداخلي وتأمل يزن لها صوت رنين
الهاتف معلن عن اتصال….
اخرج يزن هاتفه من جيبه وفتح الخط بحاجب
معقود فهذا المتصل أصبحت مكالماته للضرورة
فقط….
في السابق قبل ان تتسع بينهم الفجوة كانت المكالمات منه شبه يومية للاطمئنان عليه ومعرفة
أحواله…..كان أكثر من يهتم به ويحنو عليه أكثر
من والديه !…
الان أصبح الصدع أكبر من رأبه مهما تظاهرا بالعكس فمزال عاصم لم يصفى بشكلا نهائي معه !….
“الو ياعاصم…..”
رفعت جنة عيناها بتراقب عليه لترى تغيرات
وجهه فقد بهت لونه فجأة وظهر القلق في
عيناه وهو يسأل…..
“بابا تعبان…..مالوا…..”
اتسعت حدقتا جنة قليلا بتأثر…..لتسمع يزن
يقول بصوتٍ غلبة الخوف….
“خلاص نص ساعة وهتلاقيني عندك….”
أغلق الهاتف واعاده الى جيبه فسألت جنة
بدون تفكير….
“في اي يايزن مالك ؟!….”
اخبرها يزن وهو يلملم اشيائه….
“ابويا تعبان…عاصم بيقول انه عايز يشوفني ضروري…”
قالت جنة بحرج… “ان شاء الله خير….متقلقش….”
مسك يزن العلبة ووضعها في يدها بالاجبار
قائلا بحزم….
“جنة…….خدي حاجتك وروحي على البيت…..”
ثم استرسل بتصميم….
“أكيد هنكلم كلامنا تاني بس مش دلوقتي…”
رفضت جنة قائلة… “يـزن….”
اوقفها يزن وهو يحاول السيطرة على مشاعره المتدفقة بعد سماع إسمه من بين شفتيها….
شعور غريب يجعله يغرق مع تلك المخلوقة
التي لا يعرف عنها شيءٍ سوى انها جنة….
فقط جنة وهذا يكفي !…
“انا مش بلعب بيكي ياجنة…ولا انا من العيال
السيس زي ما بتقولي….الحكاية كلها انك
عجبتيني ومشدود لك….”
اختلج قلبها بالخفقات وهي ترتبك بشدة
جراء نظرات عيناه الزرقاء وهو يتابع الحديث
بثقة وغرور…..
“وأكيد انتي كمان حاسه بنفس الإحساس ده….”
………………………………………………………
“انت كويس ياعمي…”
انطلق هذا السؤال على لسان عاصم بصوتٍ
خشن مجهد بعد الشيء….فقد اتى الى البيت
الكبير على وجه السرعة بعد ان علم من الجدة
ان عمه متعب وقد ارتفع ضغطه كما أخبرها
الطبيب الذي اتى لفحصه….
لم يحرك مسعد راسه نحو عاصم ظلت ملامحه
كالحجار قاسية كنظرات عيناه المبهمة وهو يجلس على الفراش بصمتٍ أخنق كلاهم وكأن حيطان
الغرفة تضيق بهم….
أخذ عاصم نفسًا طويلا وهو يقول
برفق…..
“الدكتور طمنى عليك…..والعلاج اللي كتبه هيظبط
الضغط ان شاء الله….حاول انت بس تبعد عن اي
حاجة ممكن تزعلك…..”
التوى فك مسعد بابتسامة ساخرة مزدرية…فأسبل
عاصم جفنيه بضيق وهو يقترب من عمه جالسا
على مقعد بالقرب منه ثم مالى نحوه ساند ساعديه
على ركبتيه في جلسة مستعد للقادم بصدر رحب
كما اعتاد مع أفراد عائلته دائما…..
“اتكلم ياعمي انا سامعك….”
قال مسعد بنبرة ميته….
“يزن لازم يعرف كل حاجة….”
انطفأت ملامح عاصم وانقبض قلبه وهو
يساله بتأني….
“ولما يعرف هيكون اي وضعه بعد كده….”
قال مسعد بحرقة وبغض….
“يمشي يروح لامه….وهي تدله على ابوه الحقيقي..”
قال عاصم بتريث….
“بس انت قولت ان امه متعرفش مين ابوه
الحقيقي…”
هتف مسعد بغلاظة… “يمكن بتكدب….”
زم عاصم فمه بصبرٍ يقول….
“مظنش…الوضع اللي كانت فيه ميقولش انها
بتكدب….لأول مرة إلهام تقول الحقيقه…”
استرسل عاصم برجاحة عقل…..
“يزن ملوش ذنب في كل اللي عرفناه….انه يعرف
حقيقة نسبه معناها ضياعه….وانا مستحيل أضيع
ابن عمي…..واخويا الصغير واخده بذنب أمه….”
لمعة عينا مسعد بدموع القهر وقلة الحيلة فالوضع صعب عليه وعلى قلبه المحب لهذا الصبي انه
ابنه…بكل معنى الكلمة ابنه الذي رباه وكبر امام
عيناه يومًا بعد يوم حتى أصبح رجلا وقريبًا
سيكون طبيب له شأن عظيم يرفع رأسه فخرًا
امام الجميع !…..
انه ابنه حتى لو الحقائق تخالف هذا…..
تحدث مسعد بغصة خانقة….
“انت بتكلم عشان مش مكاني…..انا بين نارين ياعاصم ازاي عايزني اتعامل معاه عادي كده
بعد ما عرفت الحقيقه…إزاي اقبل اخليه شايل
اسمي وانا كل ما ببص في وشه بفتكرها وبفتكر خيانتها ليه….وكدبها عليا السنين دي كلها
صعب…صعب ياعاصم…..”
تحدث عاصم بخفوت حاد…..
“بس دا ابنك ياعمي مش ابنها…انت اللي ربيت
وعلمت وكبرت….مش معقول تكون كرهته…خصوصا انه ملوش ذنب ولا أختار يخدعك زيها….”
هتف مسعد بجبن….
“انا خايف الحقيقة تتعرف للناس ساعتها….”
زفر عاصم وهو يقول بصلابة….
“محدش هيعرف حاجة…انت مش حذرتها انها
لو قربت من ابنها هيكون اخر يوم في عمرها..”
هتف مسعد من بين اسنانه بنقم….
“حذرتها بالقتل وبالسجن…وخدت منها كل مليم
خدته مني وبعدين رميتها برا الشقة….واختفت
بعدها معرفش عنها حاجه….بس يمكن تكون
بدبر ليا حاجة…..”
ساله عاصم بحاجب مرفوع..”انت خايف منها ؟!!..”
بهت وجه مسعد معترفًا… “انت متعرفش إلهام….”
زم عاصم فمه بقنوط قائلا…
“الهام كان سلحها الفلوس واسم العيلة….وكل ده
مبقاش موجود دلوقتي….تفتكر هتلجأ لمين؟!..”
صمت مسعد وهو يفكر بعمق في السؤال بينما
تحدث عاصم بتحفظ رغم الغضب المتأجج في
صدره…..
“راجع حساباتك ياعمي….مسافة ما يزن يعرف
الحقيقة مش هتقدر تلم الموضوع وهتبقا
فضيحة قصادها هتخسر هيبتك واسمك قدام
الناس ومعاهم ابنك الوحيد….”
نظر له مسعد بانفعال وكاد ان يخبره انه عقيم
وهذا الولد ليس ابنه…….
لكن عاصم قراء تعبير الرفض في عيناه فقال بصلابة…..
“حتى لو مش من صلبك….هو ابنك الوحيد قدام
الناس والعيلة وفي الاوراق الحكومية….حتى هو
عارف انك ابوه وهو ابنك ومعندوش شك في ده
ناوي تخسر كل ده وتقلب الدنيا في لحظة
كده…..”
انعقد لسان مسعد واشاح وجهه عنه ممتقع الملامح
فاضاف عاصم بعقلانية…..
“انا مش بقولك أرضى بالامر الواقع…..بس على الأقل
خد وقتك واحسبها صح بلاش تتهور في قرارك وترجع تندم عليه…..”
بعد دقائق طويلة من الصمت سمعا صوت اقدام بالخارج يليها طرقات على الباب ودخول يزن
إليهم بلهفة نحو والده جلس بجواره على حافة
الفراش يسأله بقلق واضح….
“خير يابابا مالك….انت كويس…..”
لمعة الخوف في عينا يزن والحشرجة في صوته
القلِق كفيلة ان تجعل نيران صدر مسعد تخمد
فجأة ويدرك عقله ان الخسارة الحقيقية هنا
هو هذا الولد…..ابنه….
حانت من مسعد نظرة على عاصم الذي وقف عند
الحائط يتابع ما يحدث بصمت وقد تلاقت عيناه
بعمه في حوار طويل يترجاه ألا يفعل شيئًا يدمر
العلاقة الرائع بينهما
فالكلمة ان خرجت لن تعود ، وياليتني لن تعيد
الوضع كما كان…..
هتف يزن بنفاذ صبر ونظرة عيناه تتسع بالخوف
وألف سيناريو يقتحم رأسه…..
“انتوا ساكتين ليه طمني ياعاصم…الدكتور
قال إيه….”
تحدث عاصم بهدوء….
“اطمن يايزن….ضغطه علي شوية وخد العلاج
وهيبقا كويس…..”
هتف يزن وهو يمسد على ذراع
ابيه…
“الف سلامة عليك يابابا…..”
رد مسعد بصعوبة…..”الله يسلمك…..”
انعقد حاجب يزن وهو يساله
بريبة…
“مالك يابابا في حاجة مزعلاك…..”
تشنج فك عاصم وهو يبتلع ريقه منتظر القادم
والغير مبشر…..
رد مسعد باقتضاب…
“لا… بس انت شوفت امك النهاردة؟….”
اخبره يزن بهدوء دون مواربة….
“لا من كام يوم بعتت ليا رسالة وقالت انها مسافرة…
بعت كذا مرة اسألها هتسافر فين مرضتش ترد…
كلمت رفيدة قالت انها متعرفش عنها حاجة…..”
تبادل مسعد النظرات مع ابنه ثم عاصم…..
فقال يزن ببعض الأمل…
“هو انتوا ناوين ترجعوا لبعض ؟!….”
تجهم وجه مسعد فجأة قائلا بمقت….
“لا مفيش رجوع الموضوع انتهى….انت عايز
تفضل هنا…ولا تبقى معاها….”
ابتسم يزن متشدقًا بسخرية….
“اظن اني كبرت على السؤال ده…هو انت عايز تخلص مني ولا إيه ياحاج ؟!!….”
نظر مسعد اليه قليلا وانهزم امام مشاعر الابوه
بتدريج وهو يقول بصدق من أعماق قلبه…..
“لا مقدرش استغنى عنك…..انت….انت ابني….”
قال يزن بنبرة مرحة وهو يفتح ذراعيه….
“وانت حبيبي…..تعالى في حضني بقا عشان انت
رعبتني عليك…..”
ابتسم عاصم بارتياح وهو يراهم يتعانق ربما لم
يحين الوقت بعد لكشف الحقيقة المريعة !!…
دلف يزن الى الغرفة يتخلص من ملابسة حتى
يأخذ حمام دافئ قبل العودة للعمل في الصاغة
من جديد…..
سمع صوت رنين هاتفه فتناول الهاتف بيده وانعقد
حاجباه بشدة عندما راى اسمها ينير الشاشة هل
ألغت الحظر وبادرة بالاتصال به الان !!….
قرع قلبه بقوة وهو يفتح الخط سريعًا منادي
عليها بحرارة….
“جـنـة….”
ارتبكت من الناحية الاخرى وهي تتنحنح قائلة
بتحفظ….
(اتصلت اطمن على باباك…. هو كويس…..)
اخبرها يزن وهو يلقي جسده على
الفراش…
“الحمدلله ضغطه علي شوية وعملنا الازم…”
قالت جنة بخفوت….
(طب الحمد لله الف سلامة عليه……..)
سالها يزن وعلى محياه ابتسامة
عميقة…
“الله يسلمك… انتي روحتي؟….”
قالت بحرج شديد…..(ايوا من بدري….)
سالها بنبرة عذبة…..”واي الأخبار….”
قالت بحياء…..(الحمد لله…. انا لازم أقفل…..)
قال يزن بسرعة مصممًا…
“بس احنا مكملناش كلامنا… قوليلي احنا وقفنا
فين….”
قالت جنة بضيق….(يـزن….)
تنهد بهيام قائلا بمداعبة…..
“مكنتش اعرف ان اسمي حلو اوي كده…. غير
لما نادتيني بيه….”
قالت جنة بشفاه متبرمة بالغيرة !!…
(الزبونه اللي كنت واقف معاها كانت بتنطق اسمك احسن من كده…وكأنها بتغني مش بتنادي…)
قال يزن بزهو….”بجد مخدتش بالي….”
ثم تابع بغلاظة قائلا….
“مش شايفه ان الغيرة دي مش اوانها خالص بينا…”
عقبت جنة ببرود ثابته….
(مين قالك اني غيرانه انا بلفت نظرك مش اكتر…)
ثم إضافت وهي تحفظ ماء وجهها
امامه…..
(عمتا انا لازم أقفل… انا اتصلت بس عشان اطمن
على باباك….)
زفر يزن نفسًا طويلا قائلا بصبر….
“اقفلي ياجنة… بس من غير ما تعملي بلوك…
سلام….”
أغلق الهاتف معها ثم ابتسم قائلا بشقاوة
واعتداد…..
“دا مش انا لوحدي اللي واقع بقا….”
…………………………………………………………….
شعورها الان لا يوصف بالكلمات والبلاغة فالتعبير عنه لن تفي بما يعتمل صدرها… باختصار شديد شعورها يماثل شخصٍ حيا في الظلام لأيام وليالي طويلة فراغ موحش يحوي أصوات مرعبة والمخيلة تصور أسوء النهايات المتوقعة حتى انبثق نور الشمس فجأة منير عتمة المكان من حولها…
المكان المظلم المخيف أشرق فجأة وأصبح بستان
أرض خضراء وأزهار عطره ملونه عالم من الاحلام
انه واقع ، أجمل واقع لأن حبيبها اصبح بخير
ومعها الان
حبيبها زوجها عائلتها وكل متملك بالحياة بخير
فكيف لا تكون بخير ويتبدد اللون الأسود الى
اطياف الربيع في بنيتاها وتعرف الإبتسامة الطريق الى شفتيها التي نست كيف يكون التبسم والفرح
بعد ان عاشت تصارع أبشع الكوابيس على ارض الواقع….
تلون ثغر قمر في إبتسامة تميل بحزن على محياها
وتشع كذلك إمتنان بان الله إعادها للحياة بعودة
زوجها لها من جديد…..
“افهم بتضحكي على اي ياقمراية….قولت نكته
انا…..”
اشتاقت لدلال اسمها من بين شفتيه اشتاقت لعيناه العسلية بلمعتها الاجرامية رغم براءة صاحبها والتي بالفطرة بها لمحة من الوقاحة وهذه الحقيقة التي تعكسها عيناه ليس ادعاء ابدًا….
فهو الان يطلب شيءٍ لا يصح….ابدًا لا يصح هنا…..
قالت قمر برفضٍ قاطع…..
“واضح انك ناسي اننا في المستشفى…..”
قال حمزة بتذمر…..
“هي دي حاجة تتنسي مش شايفه حالي….”
نظرت قمر اليه بشفقة فكان مجبر الذراع الأيمن والساق الأيسر ووجهه به بعض الجروح والتي تغطى بالضمائد الطبية…لكنه أفضل من السابق ويتحسن مع الوقت…
يكفي انه يتحدث معها وينظر الى عينيها هذا كافي
بنسبة لها بعد ان عاشت الرعب أكثر من اسبوعين
كان ساكنًا بلا حراك على فراش العناية والاسلاك
موصلة به بشكلا يحرق قلبها حيًا كلما رأته…
“ربنا ما يعدها أيام…..”همست بها في نفسها وهي تنظر الى عينا حبيبها….
الذي قال بنبرة حارة….
“مش هتيجي تنامي جمبي….وحشاني ياقمري…”
كانت جالسة بعيدًا عنها ترنو اليه بنظرة محببة
تلك النظرة التي تشعره انه محور الكون في
عيناها وقلبها….
قالت قمر بابتسامة جميلة حانية….
“انت كمان وحشني بس إزاي هنام على السرير ده…مش هياخدنا احنا الاتنين…دا لو كنت مجنونة يعني وطوعتك ثانيا الدكتور اللي في النبطشية
كل شوية يدخل يطمن عليك ويشوفك محتاج حاجة …”
تنهد حمزة قائلا بنبرة عميقة عنيفة
بالمشاعر…
“هو لو بيفهم هيعرف اني مش محتاج غير
مراتي بس..انا عايز أروح ياقمرايه….انا قرفان
من المستشفى عايز أروح شقتنا….اخدك في
حضني وانام….هو دا علاجي وهخف بسرعة…..”
تعرقل قلبها بالخفقات العالية تاثرًا تجاوبًا
معه….
فقالت دون ادنى شك…
“وعلاجي انا كمان ياحمزة حضنك….انت متعرفش انت وحشتني قد إيه…..كنت هتجنن عليك قلبي وجعني اوي حمزة……”
قال حمزة بعينين تشعان شوقًا….
“الف سلامة على قلبك ياقـمـر…..تعالي قربي….
بلاش تكلمني واحنا بينا مسافة كده…”
اقتربت منه وبنيتاها لا تحيد عن وجهه كحالة
تمامًا فالنظر إليها بنفس العمق والحب حتى
وقفت بالقرب من حافة الفراش…
“قربت ياعيون قمر…….عايز إيه….”
قالتها بدلال أفتن قلبه متأثرًا معها بسائر حواسه
وهو جالسًا مكانه على الفراش وصوت الامطار بالخارج يعصف كقلبه تمامًا بقربها……
نظر هو لعمق بنيتاها الجميلتان قهوته في كل
وقتًا وزمان من تخفف عنه عناء الحياة ومحاربات
النفس…..همس كطفلا يطالب امه بالعطف
عليه…
“حضنك….خديني في حضنك…..”
اذاب قلبها بين اضلعها وهي تنظر اليه لثواني
فقط ثواني كفيلة بان تجعلها تئن بعذاب وهي
تمسك راسه بحنان وتضعها على صدرها تضمه بذراعيها بصمتٍ والدموع تتجمع في مقلتاها
بحزن عليه…فهي ترى المسطور في عيناه من
حروب مضنية يخوضها مع النفس والضمير
منذ ان علم بالعقوبة التي سينالها والده….
تنهد حمزة على صدرها بتعب ولمعة عيناه
بالدموع وهو يعانق خصرها بالذراع السليمة
قالت قمر بحنان بالغ وهي تمسد على شعره
الناعم بعطف…..
“عارفه اللي عايز تقوله…..حاسه بيك والله
حاسه بيك…..”
هتف حمزة بغصة مختنقة بالألم….
“حاسس بذنب ناحيته….وصعبان عليا نفسي
معقول كان عايز يقتلني…. انا مكنتش ناوي
اقف قصاده في المحاكم بس هو اللي اضطرني
بس متوصلش للقتل حتى لو هددني بكده
متوصلش انه ينفذ….. إزاي هونت عليه…
إزاي ياقمر…. دا أبويا…..”
نطق الصلة التي تجمع بينهم بعدم تصديق حتى
الكلمة غريبة على لسانه فهو لم يشعر بها يومًا
فالماذا يتألم بهذا القدر فوالده لم يخرج عن سجيته
عندما فكر بالتخلص منه انه قاتل منذ زمن وأول ضحية كانت أمه واخته !….
داعبت خصلات شعره الناعم باصابعها الطويلة
النحيلة قائلة بصوتٍ هادئ….
“لازم تنسى ياحبيبي… انسى وارمي كل حاجة ورا
ضهرك…افتح صفحة جديدة عشاني… عشان خاطري…. انسى…. عشان ابننا….”
ساد الصمت فجأة وهي تعض على شفتيها بضيق
من نفسها فهي كانت تتمنى اخباره بعد ان يخرج
من هنا وليس بهذا المكان……
“ابننا ؟!!…انتي حامل ؟!! ”
سالها حمزة وهو يرفع راسه مبتعد عن حضنها
الدافئ المريح…..
اومات براسها مبتسمة ووجنتيها تشتعل بخجلا
من نظرات عيناه المصدومة…..
سالها حمزة مشدوهًا….”من امتى….”
قالت بنظرة حزينة….
“يوم الحادثة عرفت اني حامل….”
تفوه حمزة عابسًا…..”مكنتش جمبك….”
على تعبير الشجن وجهها قائلة….
“دي أكتر حاجة وجعتني انك مش جمبي….الفرحة ماتت وقتها جوايا..كان نفسي اجري عليك واعرفك أول واحد..”
ثم وضعت يدها على بطنها قائلة بنبرة
مرحة قليلًا….
“بس ملحوقه اديك قدامي وفي حضني… وبقولك اني حامل….حامل في حتة منك ومني….عـ….”
لم تكمل حديثها فقد سحبها حمزة بقوة من ذراعها اوقعها جالسة على حافة الفراش جواره وامام وجهه مباشرة…ولم يتركها تترجم الخطوة التالية قد
امسك مؤخرة عنقها بيده وقربها منه انهال على
شفتيها في قبلة طويلة حارة معها بث كل شعورٍ عميق وجميل يكنه لها….
بادلته قمر القبل بحب منسجمة معه بقوة وكأنها تحلق في السماء العالية على السحب ترتاح بين
ذراعيه ترتوي بقدر ما تشاء….
يرتوي قلبها بقدر ظمأه اليه والى الهوى معه….
فكان حال قلبها بدونه كتربة جافة عطشه تنتهي صلاحية بقاءها مع مرور الوقت حتى تحدث
المعجزة وتهطل الأمطار الغزيرة بالخير….قد عاد
قلبها يرتوي ويحيا مثمرًا بالحياة عندما استيقظ حمزة وعاد…..عاد اليها ولطفلها…..
فصلا القبل العميقة بينهما لاهثان وهما يستندا
على جبين بعضهما بتعب لذيذ….
بعد فترة قالت قمر بصوتٍ متهدج و بوجهٍ
مشع……
“عايزاه شبهك نسخة منك….نسخة منك ياميزو…”
تاوه حمزة وهو يقبل شفتيها قبلات كلمسات
الورد على البشرة… “آه ياقمر….. بحبك…..”
قالت قمر وهي تنحني بشفتيها مقبلة كل جزءًا
بوجهه بحب بشوق بامتنان بانه هنا معها…معها
بعد كل ما حدث…..
“وانا بموت فيك ياميزو…انت قلبي وروحي… وكل
حاجه انت ابني…جوزي وحبيبي… عيلتي وحياتي
بحبك والله بحبك…. ”
اكتفى ان يضمها اليه متشاركا فراش المشفى وهما
جالسين في احضان بعضهما يتبادلا الاحاديث بشغف
واعينهما تتلألا بالحب وبالحمد على نعمة تواجدهما معًا بعد ان كاد الموت ان يخطف احدهما للأبد…..
في الصباح…
كانت انفاسه الرجولية المنتظمة تلفح صفحة وجهها
عن قرب ابتسمت ابتسامة سعيدة تاقت لها روحها
وهي تفتح جفنيها على وجهه المحبب الى قلبها
وهو نائم وهي على ذراعه في احضانه على فراش المشفى بعد ليلة طويلة من المسامرة والضحك والمداعبات….
توردت وجنتيها وهي تمد اصابعها الرفيعة لتمسح
على جبينه مبعده الخصلات الناعمة الساقطه عليه
على أثرها انعقد حاجبي حمزة منزعج وفتح جفنيه
ينظر لهذا المتطفل عابسًا حتى راها بوجهها البهي
تنظر اليه بحب متبسمة كقمر يضوي في ليلة عتمة
وهي كذلك في حياته…..القمر بإختصار……
شدد حمزة في ضمها اليه وهو يغمض عيناه
بنعاس…
“نامي وبطلي غلاسه….”
ضحكة برقة وهي تداعب خصلات
شعره… “بحب شعرك اوي ياميزو….”
دفن انفه في قمة شعرها هامسًا وهو مغمض العينين..
“مش قد حبي لشعرك وريحته….”
قالت بنبرة ناعمة….”طلعنا مغرمين ببعض….”
“مممم….”اكتفى بهمهمات ناعسة وهو على وشك النوم مجددًا…..
لكزته قمر بخفة….”اصحى بقا ياحمزة…”
تافف منزعج بجزع….
“قومي من جمبي وبطلي غلاسه….”
قالت بابتسامة مغوية بالظفر….
“انت اللي خدتني في حضنك ونمت….تفتكر حد دخل علينا بليل ؟!!…..”
اردف بلا مبالة وهو يزيد في ضمها بذراع
السليمة… “مش مهم….المهم انك في حضني….”
قالت بخبث حتى يفتح عيناه…..
“بس النومه دي تعبتني أوي…..بطني وجعتني… ”
قال بنعاس…..”ليه يعني بتوجعك….”
قالت قمر بلؤم… “تقريبا عشان حامل….”
فتح عيناه منتبهًا الى هذا الخبر الحصري في حياته والذي يجب التعامل معه من الان فصاعدًا….
“ايوا صح انتي حامل….تعبانه أوي….”
قالت بابتسامة متوردة وهي تحيط عنقه
بيدها…..
“شوية يعني تعب طبيعي….مش مصدقه اني
حامل….”
أقر حمزة بصدق…. “ولا انا…..”
سالته وهي تتعمق بنظر لعسليتاه….
“فرحان بجد ؟!…”
داعب انفها بانفه قائلا…..
“دا سؤال ياهبلة طاير من الفرحة طبعا….”
توسعت ابتسامتها وازداد بريق بنيتاها بوهج
الحب فطبع هو قبلة على جبينها هامسًا…
“مبروك ياقمراية….مبروك ياحبيبتي….”
ثم نظر الى ثغرها المكتنز الشهي قائلا
بوقاحة وهو يميل عليه….
“مفيش صباح الخير ياحمزة…..”
هزت قمر راسها تتمنع بدلال….حينها قال حمزة
بغمزة شقية….
“أصبح انا…..هغلب يعني….”
مالى عليها والتقط شفتيها في قبلة حـ…..
“صباح الخير ياميـ……”
سقطا معًا من أعلى البساط السحري وهم يتوقفا
عن المتابعة بعد هذا الصوت المقتحم خلوتهما….
كانت كيان برفقتها شهد دخلا دون استئذان….
توقفت كيان عن الحديث وهي ترى هذا الوضع
ففورًا وقفت تحدق بهما ببرود وبشفاه مقلوبة
عكس شهد التي اولتهم ظهرها بخجلا دون
تعليق….
ابعد حمزة قمر عنه برفق قائلا بدهشة…
“اي ده….اي ده…اي اللي جابك في حضني….”
نظر لوجه كيان العابس ثم عاد لوجه زوجته
المحمر خجلا….
“انتي مش شايفه اني تعبان ومش وقته خالص…”
لكزته قمر بغضب وهي تبتعد عنه فهذا المزاح
يحرجها أكثر…..
سألت كيان بصفاقة….
“انت كنت بتعمل إيه بظبط ؟!….”
هتف حمزة وهو يشعر بالحرج….
“بلاش تدخلني في تفاصيل ياكيمو….الموضوع
كبير…..كبير…..”
زمت كيان شفتيها متبرمة…”واضح….واضح اوي….”
تبادلا ثلاثتهما النظرات حتى قالت قمر
ببلاهة…..
“احنا كنا مستنيانكم…..على فكرة…..”
مطت كيان شفتيها…. “اه انتي هتقوليلي….”
ارجعت قمر خصلة من شعرها خلف اذنها وهي
تنظر للأرض قائلة……”انا هروح اغسل وشي….”
ابتعدت سريعًا عنهن بوجه مشتعل……
نادى حمزة على اخته بنبرة مرحة…
“انتي ياستي ياللي مديانه ضهرك….البت قامت
من جمبي بقالها ربع ساعة….”
استدارت شهد اليه مبتسمة بحياء وهي تقترب
منه….
“عامل اي النهارده ياحمزة…..”
هتف حمزة بقلة ادب…..
“الحمدلله…بس انتوا جايين في وقت غلط مش قادرين تستنوا شوية….”رمق كيان بلؤم….
فقالت كيان بغيرة….
“انت بتطردنا ولا إيه…دا جزاتنا ان احنا جايين
نفطر معاك….ولا من لاقى قمر نسي اخواته…”
ضحك حمزة مستلذ غيرتها عليه
واستفزازها فقال….
“أحلى عمة عقربة شوفتها في حياتي..”
جلست كيان على حافة الفراش
سائلة….
“اتلم…..وقولي كنتوا بتقولوا إيه…..”
هتف حمزة بخشونة مقرب راسه منها….
“انتي مالك يابنتي انتي غريبة اوي….انا بسألك
سليم بيقولك إيه….”
نطحة كالثور راسه براسها قائلة
بغلاظة…
“وتسالني ليه انتي حشري اوي….”
نطحها كما فعلت قائلا…. “ردي على نفسك بقا….”
تدخلت شهد بينهما بسأم تمنع مزاحهم الصبياني
قائلة…..
“بس انتوا الإتنين….يلا ياميزو….خليني نساعدك
تدخل الحمام…..”
خرجت قمر من الحمام تجفف وجهها
بالمنشفة…
“خليكم انتوا ياشهد…دي مهمتي انا…..”
وضحت شهد بصدر رحب……
“مانتي هتبقي معاه جوا ياقمر…بس احنا هنسنده لحد ما يدخل الحمام….بلاش تنسي انك حامل
نسنده احنا التلاته احسن….”
عبس حمزة ممتنع….
“بلاش تتعبوا نفسكم انا هدخل لوحدي…”
قالت شهد بنبرة حازمة….
“ازاي وانت متجبس كده…انت محروج من إيه…
احنا عكازك لحد ما تقف تاني على رجلك….”
جملتها كانت في الصميم جعلت قلبه يرتجف بين
اضلعه ولسعة عيناه الدموع فجأة…فابتسم إبتسامة
بها ألف معنى ومعنى……
بالفعل قاما الثلاثة بمساعدته للدخول الى الحمام
ثم تركا قمر معه بداخل فمهما بلغ تقاربهما من اخيهما تبقى الزوجة في الصف الأول لها رخصة في أشياء
كثيرة خاصة بينها وبين زوجها…..
بعد فترة…
بدأت كيان تقضم من الشطائر التي اعدتها شهد بشهية مفتوحة… فكانت شهيه بشكلا يفوق
الوصف وصحية كذلك….
قالت كيان مبتسمة….”تسلم ايدك ياشهد….”
أكد حمزة على الحديث وهو يأكل كذلك معهم
بعد ان سمح الطبيب….
“تسلم ايدك ياشوشه…..طعمهم حلو أوي….”
“بألف هنا ياحبايبي….”قالتها شهد وهي تاكل من شطيرتها بتريث عكسهما فانتبهت ان قمر لم
تمس شطيرتها بعد…
“في اي ياقمر….السندوتشات مش عجباكي….”
قالت قمر بحرج وهي تنظر للشطيرة بشهية
مفقودة….
“باين من شكلها انها حلوة….انتي عارفه رايي في اكلك من أول يوم مبقدرش اقاومه…بس…بس انا
مليش نفس….معدتي قلبه مسافة ما بشم ريحة
الأكل…..”
هللت كيان بيدها قائلة وهي تمضغ
الطعام…..
“اهلا….الوحم اشتغل ياميزو….حضر نفسك….”
ابتسم حمزة وهو يشاكس اخته قائلا….
“بما انك حامل من قبلها…..اتوحمتي على إيه….”
قالت كيان بضحكة بلهاء….
“ولا اي حاجة….عادي باكل….بس بحب ريحة البنزين
اوي…..بنزين العربية آه بقف كده اشمشم فيه…حاجة فمنتهى الجمال…”
قالت شهد بصدمة…. “بتهزري ياكيان ؟!!….”
تاوهت كيان قائلة باستياء….
“والله العظيم ياشهد حصل….بحب ريحة البنزين
أوي….بقالي فترة مش عارف ليه…..”
قالت شهد بجذل….. “دا وحم على فكرة..”
وضعت كيان يدها على بطنها معقبة
بحيرة…”جايه تتوحم على البنزين ؟!!….”
عقب حمزة بمزاح غليظ….”حامل في سوزوكي..”
انكمشت ملامح كيان مدافعة…
“اتلم ياحمزة….واياك تتريق على بنتي….”
سالتها شهد بذهول…. “اي ده هي بنت ؟!!…”
قالت كيان بسعادة….
“الدكتوره هتتاكد أكتر الشهر الجاي….”
اومات شهد براسها وهي تعود الى قمر
قائلة بعطف….
“لازم تاكلي ياقمر…اتغصبي على نفسك…قلة الاكل
غلط انتي بتاخدي علاج….”
نظرت قمر اليها ثم لحمزة الذي ابتسم
لها قائلا برفق….
“كلي ياحبيبتي…..عشان علاجك….”
اومات قمر براسها على مضض وهي تضغط على نفسها لتاكل متجاهلة شعور الغثيان بقدر
المستطاع….
………………………………..
بعد مرور ساعتين سأل حمزة وهو ياخذ رشفة من كوب العصير التي اعدته له زوجته….
“هو كيمو راح فين صحيح….”
قالت شهد بهدوء وهي تعبث في الهاتف…
“بتزور واحده صاحبتها في الاوضة اللي جمبنا…”
حانت منه لمحة سريعة على قمر ثم عاد الى اخته سائلا بعبث…..”ويا ترى صاحبتها دي حلوة….”
نظرت له قمر بغضب فابتسم حمزة منتشيًا وهو ياخذ
رشفة من العصير ببرود وكان شيء لم يحدث….
دلف في تلك الأوقات طارق برفقة مها وكانا الثنائي
يشكلا معًا صورة حية من الاناقة والتناسق…..
وعند دخولهما حدقت بهما الأعين باستنكار لكن استنكار شهد كان محدد فهي تتسأل عن دخولهما معًا…..كيف اجتمعا ؟!….
كان طارق يحمل باقة من الزهور كبيرة ومها تحمل باقة صغيرة رقيقة مثلها…..
“حمدالله على سلامتك ياحمزة…..”
قالها طارق وهو يضع الباقة الكبيرة جانبًا بينما قالت
شهد وهي تنهض من مكانها مرحبة بهم..
“اهلا وسهلا…..ليه التعب ده بس….”
ثم نظرت الى اخيها قائلة بتعريف…..
“دا طارق….طارق عياد ياحمزة فاكرة….ابن استاذ
التاريخ الاسكندر…..”
ابتسم حمزة إبتسامة غير ودودة ابدًا….وكأنه يحمل
له الضغائن منذ الطفولة !!….
“اهلا ياطارق…..”
رد طارق بوئام…..
“اهلا بيك……قلقتنا عليك ياراجل….بقيت احسن دلوقتي…..”
رد حمزة بهدوء…..”الحمدلله في تسحن….”
تابعت شهد تعريف وهي تشير على مها….
“دي بقا ياحمزة…..دكتورة مها يونس الصاوي…..باباها يبقا اخوه الكبير هو جد عاصم يعني يعتبره ولاد عم…..”
انعقد حاجب حمزة وهو ينقل النظرات بين هذا
الثنائي بتعجب…..ثم لم يلبث ان قال بهدوء…
“تشرفنا يادكتورة…..”
تبسمت مها مجيبه بود…
“الشرف ليا…..حمد لله على سلامتك……”
“الله يسلمك….”ثم نظر الى اخته قائلا
بهدوء…..
“شهد قدمي حاجة للضيوف…..”
اومات شهد براسها بجذل وهي تشير على المقاعد
بالغرفة…. “اتفضلوا…واقفين ليه…..”
كانت قمر صامته تجلس على حافة الفراش بجوار حمزة تتابع ما يحدث وكذلك حمزة…..
لم يجلس طارق بل وقف عند نافذة الغرفة مستند عليها بذراعه وهو يستنشق الهواء الرطب يسامر
حمزة في مواضيع عامة بينما بقت مها مكانها على المقعد ترتشف من العصير مستمعة واحيانًا تعلق
وكلما اتت عينيها بعينا طارق يرتجف قلبها بانتفاضة
خاصة غريبة و…..لذيذة…..
اتى اتصال لحمزة من احد الاصدقاء فانشغل بالرد عليه وبدات تتعرف مها باسلوبها المرح الرائع على
قمر….
بينما اقتربت شهد من طارق ووقفت جواره
تسأله بخفوت….
“اي اللي بتهببه دا ياسكندر…..”
سالها مبتسمًا بجاذبية….
“اي اللي عملته ياصديقة الطفولة…..”
قالت بخفوت….. “مها….”
سالها بعدم فهم……”مالها….”
قالت بتساؤل…..”مش غريبة انكم مع بعض….”
دس يده في جيب بنطالة قائلا….
“مش غريبة ولا حاجة….وبعدين مش ده اللي انتي
عيزاه….”
قالت شهد بشك….
“كان مجرد اقتراح بس انت رفضت….”
اعطى نظرة سريعة على مها التي اصطدمت بعيناه
وتلعثمت في الحديث قليلا ثم تابعت بثبات مكملة
في التسامر مع قمر……
عاد الى شهد قائلا ببحة خاصة….
“فعلا بس هي عجباني…طلعت غير مها صبحي خالص…..”
قالت شهد باستهجان……”بلاش هزار…..”
عاد ينظر الى مها ثم لعينا شهد قائلا…
“بصراحة…..هي ممتازة وعجباني جدًا…..وفي قبول
مني ومنها….وهعتمد عليكي في الخطوة الجايه…”
قالت شهد بتخمين…..”امهد لها الموضوع ؟!…..”
هز طارق راسه بنفي موضحًا….
“لا طبعا انا هفاتحها في الموضوع….انا عايزك بس
تكلمي جوزك وتقوليله اني ناوي اتقدملها وهو يمهد الموضوع لأبوها كده يعني…..”
ابتسمت شهد مستنكرة….
“عاصم لا أنسى….دا لو طال يخربها مش هيتردد لحظة…..”
تبرم طارق معقبًا… “واضح انه بيحبني اوي…..”
ضاقت عينا شهد بمزاح….. “عندك شك…”
“شااااهـد….”
ارتفع صوت حمزة فجأة اجفل الجميع فنظرت اليه شهد بصدمة لترى الغضب مرتسم على محياه وهو
يقول لها من بين أسنانه بهدوء مسنن….
“عايز كوباية ماية….”
رمشت شهد بعينيها عدة مرات غير مستوعبة كم هذا
الغضب لأجل كوب ماء ؟!!…..
مالى طارق قليلا نحوها هامسًا بعدم
تصديق…..
“أهلا…..دا لسه بيغير ؟!!…..”
اومات شهد براسها وهي تستوعب الأمر قائلة
قبل ان تبتعد…..
“حافظ على صف سنانك بقا….”
تبادل حمزة معه النظرات بعدائية وهو يقول
ببرود…..
“منور ياطارق…..”
وضع طارق يده على صدره مبتسمًا
ببلاده…. “بنورك ياغالي….”
اقترب طارق من مها وجلس بالقرب منها على مقعد
المجاور قائلا وهو ينظر لوجهها…..
“منورة يادكتورة…..”
سالته مها بوجهٍ عابس…. “كنتوا بتكلموا في إيه…..”
رد طارق بغلاظة…. “أول مرة اعرف انك حشرية….”
نظرت مها ارضًا وهي تقول
ببرود…
“مجرد سؤال ممكن متردش عادي…..”
قال طارق بهمسًا رخيم…..
“لما نطلع من هنا هقولك….عشان الموضوع يخصنا
احنا الاتنين…..”
رفعت عيناها إليه بحيرة….. “احنا الاتنين !!…..”
اعطت شهد كوب الماء لاخيها الذي أرسل
لها نظرة مغتاظة….
سألته شهد بضيق….
“في إيه ياحمزة بتبصلي كدا ليه….”
سالها حمزة بضجر….
“انتوا كنتوا بترغوا في إيه….أفهم…”
اجابت ببلاده….. “عادي يعني….”
اعطاها نظرة حازمة كانت كفيلة بان تجعلها تجلس على مقعدها بالقرب منه صامته مؤدبة…..كطفلة
مطيعة…..
شعرت قمر بالضيق منه فأين اهتمامه بها وغيرته
عليها أرادت اثارة الغيرة داخله نحوها فأقدمت
على هذه الخطوة بشجاعة تستحق التصفيق..
“وحضرتك شغال إيه يا أستاذ طارق…..”
صعق حمزة وهو يسمع صوتها بجواره موجه
لرجلا غريب…غيره….تشنجة عضلات وجهه
وهو ينظر لها بعسليتان قاسيتان مظلمتان
وقد هاجت نيران صدره كأتون حارق…أكثر
من المحتمل….
شعرت قمر بانفعالاته حتى انفاسه المشتعلة بدت تحرق جانب وجهها وهي تجاوره في الجلسة بشجاعة وعينيها على طارق تستمع الى الرد
بإبتسامة واسعة…..
“مستثمر في شركات(……)….”
ادعت الدهشة قائلة…..”رجل اعمال يعني….”
اوما طارق براسه سائلا
بهدوء….
“بظبط….متعرفتش بحضرتك…..”
وقبل ان تنطق تولى حمزة الرد مشدد على
الكلمة بنظرة خطرة…. “مراتي……..مراتي……..”
هز طارق راسه مرحبًا بهدوء وهو يضع نظرة حمزة في عين الاعتبار…
“اهلا وسهلا تشرفنا…..”
قالت قمر باندفاع……”اسمي قمر….”
اتسعت عينا حمزة وهو ينظر اليها بغضب عاصف…
فتنحنح طارق وهو يشعر ان الأمر يسوء بينهما
وهو في المنتصف….فقال بحذر وهو ينظر لحمزة….
“عاشت الأسامي…..”
اكتفت قمر بهذا القدر وهي تميل بالنظر الى حمزة وياليتها ما فعلت فقد رأته ينظر لها بضراوة متوعدًا
لها على كل حرفٍ نطقت به…..
طرق على الباب وبعد السماح بالدخول ظهر عاصم
من خلف الباب بهالة جذابة تشع رجولة ووسامة
يتمتع بها… بصورة تلمع من شدة النظافة والاناقة ارتجف قلب شهد عند رؤيته…..عاصم
أجمل شيء طرأ على حياتها فبدد اللون الباهت
في عينيها الى ألوان من الرّبيع جاعل من الفرح
كلماتٍ يخصها بها ، والحب قصيدة تراها في عيناه
والكمال بين ذراعيه احضانه وكفى…..
“عـاصـم…..”
توهج صوتها بالسعادة وهي تقترب منه بلهفة…
أستقبلها عاصم بذراعه الحرة وعيناه تنطقان بمعاني
الحب أولها أحبك واخرها مشتاق……
وضع يده على خصرها مستقره عيناه على عسليتاها
متعمق بالنظر اليها وهو يسألها…
“عاملة اي ياحبيبتي…..”
قبلة شهد خده قائلة بحرارة…
“الحمدلله…..مقولتش انك جاي يعني….”
نظر الى حمزة قائلا بنبرة خشنة…..
“هاجي لأعز من حمزة…. حمدلله على سلامتك
يابو نسب…. شفاك الله وعفاك….”
ابتسم حمزة لها بود قائلا….
“الله يسلمك ياعاصم…. تعالى ادخل…..”
“الورد ده عشان حمزة……”قالتها شهد وهي تاخذ منه باقة الزهور…
أكد عاصم بايماءة بسيطة فقالت بهمسًا متدلله
عليه…..
“وفين الورد بتاعي……”
قال مبتسمًا بوسامة…..”في العربية تحت…..”
ارتفع حاجبها بعدم تصديق…. “بتهزر…..”
بنظرة تنطقان عشقًا أخبرها…..
“والله في العربية تحت….لما ننزل سوى ابقي خديه…..”
خفق قلب شهد مسبلة عينيها وهي
تقول…..
“بكلمك من الصبح مش بترد…….”
اخبرها عاصم وعيناه لا تفارق حسنها
المغوي……
“كنت قاعد مع التجار… وكان في كذا حاجة
شغلتني اكلمك…”
سالته باهتمام….”المهم انه خير…..”
اوما براسه مبتسمًا وانتبه اخيرًا الى وجود طارق
جالسًا على مقعد مجاور بـمقعد مها !!…..
عندما لمح طارق تصلب جسده وسرى تيارًا عنيف
من الغضب به وقد تحفزت عضلاته متشنجًا وهو ينظر اليه مستهجنًا بحاجب معقود…. معقود بشدة
توترت مها قليلا من نظرات عاصم الحادة عليهما وكانهما فعلا شيءٍ فاضح…فقالت بابتسامة متوترة
“ازيك ياعاصم….”
رد بنبرة ثقيلة…..
“الحمدلله يادكتورة….انتي اي أخبارك…..”
ردت بتوتر أكبر…..”الحمدلله….. تمام…..”
لم يعر طارق اهتمام يذكر مما جعل وجه طارق
يمتقع غيظًا وهو يلعن في سره هذا الهمجي….
مالى عاصم على اذان شهد يسالها
بشراسه….
“اي اللي جابه هنا ده…..”
قالت شهد بهمسًا مرتاعة….
“عادي جاي يزور حمزة…..ويعمل الواجب….”
ردد الكلمة بتجهم…. “عادي ؟!!….”
ثم عاد وسأل بضيق….”هي مها جايه معاه…..”
قالت شهد بتلعثم…. “ممكن….. تقريبًا…”
ارتفع حاحباه معًا وهو يسحب نفسًا
خشن…. “آه ممكن وتقريبًا…”
نظر عاصم الى مها قائلا
بأمر….
“مها عايزك شوية ممكن…..”
نهضت مها فاستئذن عاصم من الجميع وخرج قبلها
من الغرفة….فتلاقت عينا مها بطارق في حوار
قصير الامد قبل ان تخرج وتلحق بعاصم…..
عبس وجه طارق وهو ينظر الى شهد يسالها عما
يحدث فهزت كتفيها بعدم فهم….وشعور الغيرة
يدب في قلبها فور خروجهما معًا…..
اثناء هذا مالى حمزة على قمر متوعدًا بشراسة
سوقية…..
“ورحمة امي ما هعدي اللي عملتيه من شوية….”
مطت قمر شفتيها ببرود قائلة…..
“تحب أروح اشوف كيان واتأكد اذا كانت صاحبتها
حلوة ولا لا……”
وقفت مها معه خارج الغرفة وسالته بمنتهى
الهدوء……”خير ياعاصم….”
سالها عاصم بنبرة غليظة….
“انتي جايه هنا مع طارق…..”
هزت راسها بنفي مجيبة….
“لا قبلته قدام المستشفى….بتسال ليه..”
سالها دون مناورة….
“خروجك وراه اخر مرة خلاني اسأل ؟!!….في
اي بينكم يامها….”
قالت مها بثبات…..”ولا ايه حاجة مجرد صداقة….”
علق عاصم بتهكم مردد الكلمة كمن يمضغ
حصى….
“صداقة ؟!!….صداقة ازاي يعني…. احنا من امتى
عندنا الكلام ده…. يابنت الحاج يونس….”
احمر وجهها جراء نظراته القوية المتهمة..فقالت
بحمائية….
“عاصم بلاش تعاملني كأني طفلة صغيرة انت
بوتجها انا عارفه حدودي كويس….”
رفع عاصم اصبع السبابة محذرها بنظرة
غير متهاونة….
“انا بحذرك دا واحد قضى عمره كلها برا البلد….متعرفيش بيفكر ازاي من ناحيتك….”
“هكون بفكر ازاي يعني من ناحيتها…. انت
اي مشكلتك معايا….”
هتف طارق بهذه الكلمات بنبرة محتدة وهو يقف أمامه بعد ان سمع الجملة الأخيرة…..
رمقه عاصم بملامح خطيرة…..
“بسيطة مش عايزك تقرب من حاجة تخصني….”
كبح طارق انفعاله بصعوبة سائلا ببرود…..
“فهمنا ان مراتك تخصك….كمان مها تخصك…..”
عصف صدر عاصم بالغضب وهو يرغب
في تمزيقها إربًا…..
“طالما من العيلة تبقا تخصني…..ويهمني أمرها
ومصلحتها….”
زمجر طارق من بين أسنانه…..
“ومصلحتها انك….تشوه صورتي قدامها..انت
دخلت في ضميري عرفت انا بفكر ازاي عشان
تقولها كده….”
التوى فك عاصم بسخرية…..
“واي بقا اللي في ضميرك….حابب تتسلى….”
على صوت مها من خلفهما
بضيق بالغ….
“عاصم…….انت كده بتهني انا….لو سـ”
قاطع طارق حديثها بصوتٍ حاد…..
“لا عايز اتجوزها…..وكنت هفاتحها في الموضوع النهاردة…بس كلامك عجل بيه….مش مهم المهم
اني عايز اتجوزها….”
اتسعت عينا مها بدهشة وفغرت فمها محدقة
به….
بينما تابع عاصم بهجوم كالثور الهائج….
“طلبك مرفوض…احنا معندناش بنات للجواز…”
ذابت صدمة مها بعد رفض عاصم القاطع محدد
مصيرها دون وجهة حق !!…
“عـاصـم……باي حق ترد بالساني….”
انكمشت ملامح عاصم جافلا…
متسائلا
“دا واضح انك موافقة؟!….”
عضت على لسانها وهي تتبادل معه النظرات بحرج
شديد….فهي الان وضعت في موقف لا تحسد عليه….
خرجت شهد من الغرفة على اصواتهما العالية
لتسمع طارق يصيح…..
“انا مش فاهم انت كرهني كدا ليه….”
تتطاير الشر من عينا عاصم وهو يأخذ خطوة
للأمام مستعد للكمه حتى يكسر انفه وصف
اسنانه هذا المستفز اللزج…..
وقفت شهد حائل بينهما تمنع الكارثة وهي تمسك بذراع زوجها قائلة….
“عـاصـم تعالى معايا شوية….”
رفض عاصم التحرك وهو ينظر إليها بانفعال فقالت
بترجي……
“عشان خاطري شوية وهنرجع…..”
استجاب لها عاصم بعد محاولات عديدة مبتعدًا عنهما على مضض……
سالها طارق وهو ينهال من مرأى
عينيها…..
“موافقة ولا كلام عاصم آثر عليكي…..”
هزت مها كتفها بلؤم قائلة….
“شكله اثر عليا فعلا….ومضطرة ارفضك….”
مالى طارق براسه عليها مهاجمًا….
“اياكي يامها….اياكي….والله ارتكب جريمة….”
ضحكت مها مستمتعة بهذا التحدي في نظرة
عيناه وصوته وكأنه على استعداد كامل للمحاربة
من أجلها…….
تراجع الغضب عن وجهه وهو يسمع ضحكتها
الجميلة ونظرة عينيها الشقية نحوه…فقال
ببعض الأمل…..
“بيقوله السكوت علامة الرضا….انا هعتبر الضحكة
دي الاجابة اللي مستنيها منك…..”
لم تخجل من التأكيد فابتسمت ابتسامة توثق القبول…..حينها ارتاح قلبه غير مصدق انه
أحبها….. أحبها بالفعل….
كانت جالسة بجاوره في مقعد السيارة الذي يصفها
أمام المشفى…..
قربت باقة الزهور من انفها تشتنشق عبيرها وهي
تنظر اليه بين الحين والاخر لتراه كما هو مزال الغضب متأججًا داخله يكاد ينفث نارًا من انفه
“الورد حلو اوي……شكرًا…
قالتها شهد برنة موسيقية جميلة….
فرد هو مكفهر الوجه….. “العفو…..”
زمت شهد شفتيها بدلال وهي تمد يدها مديرة
وجهه العابس إليها…..
“حـبـيـبـي….”
خفق قلبه بقوة متأثرًا متجاوبًا معها، بلع عاصم
ريقة وهو يسبح في عسليتاها…حجر الكهرمان
الامع……
هز راسه بعناد متجهمًا أكثر وابعد عيناه عنها
قسرًا…..
“شـهـد….متحوليش…..”
قالت شهد بصبرٍ….
“اي اللي مضايقك بس…انا مش شايفه انها فيها
حاجة…..دا عايز يتجوزها…..يعني طلبها بالحلال..”
قال عاصم ببغض…
“بس انا مش موافق عليه……”
احتد صوت شهد قليلا….
“والله القرار ده يخصها هي واهلها….انت اي حكايتك
ياعاصم…تكونش عينك منها….”
نظر لها بقوة محذرًا من التمادي فهو على
الحافة… “شـهـد….”
تاففت قائلة….”ماهي ملهاش تفسير تاني….”
هتف عاصم بكراهية….
“ليها تفسير انه مش بينزلي من زور….”
انحنى حاجبي شهد بتأثر….
“طب والله طارق انسان كويس ومحترم….انـ…..”
انفعل عاصم هادرًا بنفاذ صبر….
“ممكن متجبيش سيرته ولا تنطقي اسمه….وبعدين
انا كل ما اروحلك في حته الاقيه في وشي….”
علت الصدمة محياها وهي تقول بدفاع..
“وانا ذنبي إيه….دي صدفة…مكنتش اعرف اصلا انه
جاي يزور حمزة…..وبطلت اكلمه واتواصل معاه زي
ما طلبت اعمل إيه تاني….بلاش الأسلوب ده انت عارف انا بحبك قد إيه….”
اشاح عاصم وجهه عنها للنافذة واجمًا بشدة…
القت شهد نفسها في احضانه مرتاحه براسها على صدره شابكة يدها بيده في ملامسة عاطفية…
“عـاصـم…..”
لم يرد عليها لكن خفقات قلبه العالية أسفل راسها وثقل انفاسه وتحشرجها بعد تقاربهما كانا أجمل
رد…..
فاضافت بنعومة….”عـاصـم…..انا بحبك… ”
لم يقاوم أكثر فانها تشهر الأسلحة الفتاكة في
وجهه وعلى قلبه تصوب ان المقاومة بداية
الخسارة أمامها !…
استسلم وهو يبادلها العناق يدسها في صدره
متمني وشمها لو بيده….همس بصوتٍ أجش
عنيف…..
“بغير عليكي ياشهد بغير….وكل ما بشوفه قدامي بيركبني مية عفريت…..”
قالت بسأم وهي تتمتع بهذا العناق…
“ممكن نبطل نتكلم عنه…وتركز معايا شوية…”
صمت عاصم وهو يحتويها بهذا العناق ساند خده على قمه شعرها وعيناه تنظر للامام بصمت….
سالته شهد برقة…”ليه اشتريت لي ورد معاك…..”
اجابها عاصم بنبرة عذبة….
“مكنش ينفع أجيب ورد وانساكي…..جبتلك البوكية
دا معايا….اي رايك حلو…..”
قالت برنة موسيقية….
“يجنن عشان منك ياحبيبي…..”
ابتسم عاصم برضا وقد هدأ قليلا في احضانها وبعد الكلام معها قد عرفت كيف تحتويه وتمحي غضبه
وكأنه لم يكن !!…..
رفع عاصم يدها وطبع عدة قبلات متلاحقة شديدة الحرارة على يدها الرقيقة واصابعها رسمها بشفتيه
رسمًا متقنًا هامسًا بين القبلات سرًا
أجمل الأسرار بينهما….
“بحبك ياست الحُسن…..”
بعد فترة خرجا من السيارة فتصادفا برؤية سلطان وزوجته على وشك الدخول الى حمزة للاطمئنان
عليه وبعد تبادل المصافحة والسلام….
سالتها شهد وهي تنظر الى ابنة داليدا التي تحملها على ذراعيها….”مليكة دي مش كده….”
قالت داليدا بوئام مرح…
“وهل يخفى القمر….هي مليكة بشحمها ولحمها…
خدي سمي…..”
وضعتها داليدا بين ذراعي شهد التي جفلت وهي تنظر الى الصغيرة في احضانها لبرهة ثم مالت شفتيها في إبتسامة معبرة عن مدى اشتياقها
لتجربة شعور الامومة…
ترقرق الدمع في عسليتاها وهي تنظر الى الصغيرة
مبتسمة لها بحنان فأهدتها الصغير إبتسامة جميلة
تخطف القلب والعين…..
“بسم الله ماشاء الله….”
قالتها شهد وهي تقبل الصغيرة بسعادة ليداهم
انفها المسك رائحة الصغار كالمسك…..سبحان الخالق…..
خفق قلب شهد بوجع وهي تتوق بالشعور بمثل
هذه الأحاسيس القوية الدفئه مع اطفالها…اطفالها
من عاصم….
تتوق لاشباع هذا الفراغ داخلها بعاطفة الامومة
فهي كل ما تحتاج اليه الان طفلا…يوحد ما بينهما
ويربطهما للأبد….
رفعت عيناها الى عاصم لتراه يتابعها بعيناه يرصد
أقل حركة تصدر منها ظاهر انفعالا وتأثرًا معها
من خلال نظرات عيناه العاصفة بالمشاعر
عيناه تقول الكثير لكن الجملة الثابته هنا…
(أنا أحبك….وكفى…..)
قبلة شهد الصغيرة مرة أخيرة ثم اعطتها الى امها التي استأذنت منهما هي وزوجها ودخلا الى حمزة….
اما هي فوقفت بجوار عاصم تتابع بعينيها ابتعادهما وهي تقول بمحبة….
“جميلة اوي بنتهم ربنا يباركلهم فيها…”
لم يعلق عاصم اكتفى بسحبها الى احضانه
وضمها الى صدره بصمتٍ حينها جرت دمعتين
على وجنتيها وهي تتشبث في احضانه مبتسمة
برضا وحب…..
…………………………………………………………
فتحت باب المبرد الفارغ تطلع عليه بعينيها الزرقاء الذابلة من قلة النوم وقلة شرب الكحول لشهر
كامل..
بعد ان انهت اخر مبلغ مدخر معها لشراء قنينة نبيذ تجرعتها في ليلة واحده….
فغرت فمها في ابتسامة ساخرة ميته وهي ترى رفوف المبرد أمامها فارغة حتى المياة المعدنية فرغت منه…
اغلقت باب المبرد بعصبية وهي تمسك كوب من
الماء لتملئ من الصنبور وهي تشرد بنظرة غير
متزنة مفكرة في حلا يخرجها من هذه الورطة
ان الفقر طالها واجتاح حياتها مجددًا لكن بصورة
مرعبة ربما انتهت او هي مجرد انتكاسة وتنهض
منتقمة من الجميع واولهم مسعد….
مسعد الذي لم يترك لها قرشٍ واحد لأعالة نفسها
به حتى مجوهراتها النفيسة تم سرقتها من البيت
هي وملابسها الباهظة عندما كانت محجوزة
في تلك الشقة…..
نزلت دموع الهام وهي تغلق الصنبور بعصبية
مرتشفه المياة بنهم لعلها تطفئ لهيب صدرها
وكراهيتها للجميع….لعلها تملئ معدتها الفارغة
الجائعة….
عادت للجوع والفقر والالم عادت للماضي بسرعة
الصاروخ هابطة الى الدرك الأسفل…..في القاع
تجلس يالها من نهاية !…..
القت الكوب الزجاجي في الحوض بعصبية فكسر
الكوب الى اشلاء صغيرة مسننه نظرت اليه قليلا فهو الان ما عاد يصلح لشيء مثلها تماما تدمر في لحظة كحالها….
جرت قدميها جرًا لخارج المطبخ وهي ترفع الهاتف على اذنها مجرية اتصال بأحد اصدقائها المقربين
من نشأت بينهن علاقة بسبب زواجها من مسعد
والجمعيات الخيرية اللواتي كانوا يديروها بحجة مساعدة الفقراء لكنها في الحقيقة كانت للتفاخر بالاموال ومكانة الأزواج أمام بعضهن !….
“سوزي حبيبتي…. اي أخبارك….”
ارجعت إلهام شعرها للخلف بغرور وهي تجلس
على المقعد بقلب شقة فارغة من الفرش بعد
ان سرقة أغلبية الأشياء به….
قالت بنفس نبرة الصلف بها….
“أكيد هرجع للنادي وهجدد الاشتراك كمان…أكيد
أكيد…..انتوا كمان وحشتوني اوي….”
بللت الهام شفتيها وهي تقول بصعوبة…
“انا انا حقيقي ياسوزي مش عارفه اقولك إيه بس
انا الكريدت كارد بتاعتي وقفت فجاة شكل في مشكلة هبقا أروح البنك أشوف…انتي عارفه
ان المبلغ اللي معايا مش قليل أبدا….”
ثم تابعت بحذر مترددة….
“وطبعا يعني كنت عايزة مبلغ بسيط كده منك سلف
لحد….لحد ما احل المشكلة دي….”
اتى صوت صديقتها بغرور مدعية
القلق….
(طبعًا ياحبيبتي مفيش مشكلة….بس انا يعني
سامعه اخبار مش لطيفة عنك..)
بلعت الهام ريقها بوجل….. “خير ياسوزي…”
قالت الاخرى بنبرة متبلدة متشفية….
(امبارح ألفت كلمتنا عنك في وقت الميتنج وعرفنا
انك بقالك كام شهر مش بتدفعي تبرعات معانا…فبصراحه شالوا أسمك من مجلس الإدارة..)
غلت الدماء بعروق الهام وهي تصيح
بوحشية….
“ازاي يعملوا حاجة زي دي…الجمعية دي كانت
فكرتي وانا أكتر واحده اشتغلت عليها….”
اجابتها الاخرى بعنجهية….
(أكيد يالومي بس ألفت بتقول انك بقت حالتك صعبة اوي مش معقول هديري جمعية كبيرة
زي دي وتكوني اهم المساهمين فيها وانتي
مش بتساهمي بحاجة وبقالك فترة مش
مهتميه بالإدارة ودي مصالح ناس انتي
عارفه…)
حكت الهام في انفها بين عينيها بأرق شديد تشعر
بصداع يتفاقم في رأسها حتى قاربت على الانفجار.
فقالت بعد فترة بتحفظ….
“اصل انا عندي شوية مشاكل….وده اللي مناعني..”
لم تمنع سوزي ضحكة باردة متشفية بها فهي ان كانت تدعي المثالية والقلق على صديقتها فهذا
لأجل ان تستدرج إلهام لمعرفة أشياء أكثر عنها
وتبدأ النميمة على نطاق واسع في اجتماعات
العمل والنادي وتصبح الحكاية علكة في افواها الجميع….
قالت سوزي عبر الهاتف بلؤم….
(على فكرة كشف حسابك في البنك وصل على مكتبك في الإدارة…ألفت قرأته وعرفت انك خسرتي فلوسك كلها…وفيه إشاعات في النادي بتقول انك دخلتي في مشروع وخسرك كل اللي حالتك…وفيه اشاعة تانيه بتقول انك خلصتي فلوسك على الشرب والاماكن المشبوهة اللي انتي بتسهري فيها…..حقيقي الاشاعات كترت اوي ومش عارفين فين الصح….بس انا وألفت وبعض أعضاء الجمعية ناوين نيجي نزورك في شقتك ابعتي العنوان و…)
القت الهاتف في عرض الحائط فوقع ارضًا مهشمًا
صرخت الهام بصوتٍ جهوري وهي تبكي بحرقة
لماذا كلما طرقت باب يغلق في وجهها مهينًا مذلا
ضعفها الجميع تخلى عنها ولم يبقى لها أحد
اختها الصغرى انتهت علاقتها بها بعد ان لاذت
بالفرار مسافرة بحجة العمل قطعت سبل
التواصل بينهما بتدريج….
فبقت وحيدة حتى ابنها لم يعد بامكانها التواصل
معه بعد تهديد مسعد لها….
وقف سيل الافكار السوداء والدموع طرقات على باب الشقة فاتجهت الى الباب شبه جثة ميته
وهي تمسح دموعها….
فتحت الباب لترى حارس العقار امامها مكفهر الوجه
ينظر اليها بضيق قالت الهام بتعالٍ وهي تمسح دموعها….
“خير في إيه…..”
تحدث الرجل بتهكم….
“فيه ان حضرتك بقالك شهرين مدفعتيش
الإيجار….والنظام دا كده مش نافع….”
قالت الهام بضيق بالغ….
“قولتلك لما تجيلي فلوس هدفعلك القديم
والجديد إيه مفيش صبر…..”
ضرب الرجل يداه ببعضها وهو يقول
بنفاذ صبر…..
“لا حول ولا قوة إلا بالله…انا صبرت كتير وجبت اخري…اسمعي ياست اخرك الاسبوع ده وتسلميلي
مفتاح الشقة مش عايز مشاكل مع صاحب العمارة..”
اتسعت عينا الهام وظهر الضياع بهما….
“أسبوع إيه ؟!!… أدبر نفسي إزاي انا الاسبوع ده…”
هتف الرجل بحدة يقارعها….
“مليش صالح دي مشكلتك انتي مش مشكلتي
انا… قدامك أسبوع اللهم بلغت اللهم فاشهد…سلام عليكم….”
ابتعد الرجل بخطوات منفعلة من امام عينا
الهام التي ظلت واقفة عند اطار باب الشقة مكانها محتقنة الوجه غائرة العينين صدرها مشتعل بالضغائن وبالخوف من القادم المتوقع….
ظلت تفكر وتفكر حتى وقعت في حفرة مظلمة
مليئة بالاثم….لا مفر…..حقًا لا مفر….
……………………………………………………………
غمرها شعور من السعادة والرضا وهي تسمع الاسم التي نطقت به المساعدة التي تعمل معها بالعيادة…اخيرًا أعلنت شهد قبولها وقامت بزيارتها كما اخبرتها منذ فترة…..
“دخليها فورًا…. مستنيه إيه…..”
قالتها مها بنبرة متحمسة رزينة كذلك…..
اومات المساعدة وهي تلبي الطلب خارجة من الغرفة
لتسمح لشهد بالدخول….
دخلت شهد بخطوات هادئه الى غرفة الكشف غرفة مريحة وهادئه هناك موسيقى ناعمة تنبعث في أحد الزوايا تريح الأعصاب….
رأت مها تقف خلف مكتبها تستقبلها بحفاوة وهي
تصافحها….
“نورتي العيادة ياشهد… اخيرًا جيتي انا قولت
انك بتقولي كده وخلاص….”
بادلتها شهد المصافحة قائلة باعتذار….
“اسفة اني جيت من غير معاد….بس انا بقالي
فترة مترددة اخد الخطوة دي…. والنهارده اتشجعت وجتلك…”
قطبة مها جبينها قائلة بعتاب…..
“انا مش فاهمة اي لازمة الاعتذار ده…هو احنا مش المفروض صحاب….اتفضلي قعدي… ”
جلست شهد الناحية الاخرى من المكتب على المقعد وهي تقول بمودة….
“وأكتر كمان انتي عارفه غلاوتك عندي يامها…”
سالتها مها برفق…..”امال إيه بقا…. مترددة ليه….”
بلعت شهد غصة تكونة في حلقها من شدة الاضطراب
ثم قالت بشجاعة…..
“عشان دي أول مرة أروح لدكتور نفساني واتكلم عن
حاجة تخصني…انا مش بحب اتكلم عن نفسي مع
حد…تقدري تقولي كتومه حبتين..بس الفكرة اني تعبانه ومحتاجة أتكلم….. يمكن ألاقي العلاج عندك….”
ابتسمت لها مها ابتسامة حنونة مطمئنة وهي
ترد…..
“اطمني ياشهد اي كلمة هتتقال هنا مش هتطلع
برا الباب ده…. خدي راحتك….”
نظرت شهد اليها بعجز وكأنها تحارب
الكلمات….
“تفتكري هقدر احكي كل اللي جوايا….”
سندت مها بيداها على سطح المكتب مجيبة عليها
بطريقة مهنية مريحة…..
“على حسب ممكن تقدري تحكي كل اللي جواكي دلوقتي وممكن تقولي كل حاجه بس مع الوقت..
تاكدي اني مش هضغط عليكي…ليكي كامل الحرية في ده…”
اومات شهد براسها مرتاحة قليلا فقالت
مها بحذر…..
“بس ممكن اسألك سؤال قبل اي حاجة….”
عادت تضطرب حواسها وهي تسمح لها بهدوء…. “أسألي…..”
سألت مها باستفهام….
“ليه خدتي الخطوة دي…. دلوقتي…ليه مش من
قبل كده…”
ضمت شهد ثغرها للأمام كعلامة عن الحيرة
وهي تخبرها بصدق…..
“مش عارفه يمكن مكنش عندي الشجاعة الكافية
أو يمكن في دوافع خلتني أجيلك…..”
اومات مها برأسها….فاضافت شهد بشرود وهي تنظر
الى سطح المكتب وكأنها تقرأ ما عليه، مع انها في الواقع تحكي شيء نابع من اعماقها….اعماق مظلمة
موحشة بالألم…الم يفتك بها كل يوم ولا أحد يشعر بمعانتها سواها…..
“زي مثلا اني عايزة اكون انسانه سوية مع نفسي ومع اللي حواليا عايزة أحاول اخرج من شرنقة عثمان الدسوقي وكرهه ليا….عايزة انسى كل اللي عمله فيا… أو حتى لما افتكر اللي حصلي على
ايديه متعبش…ومرجعش خطوة لورا…..”
بلعت ريقها بصعوبة كمن يبتلع الشفرات الحادة
متابعة بخزي….
“عايزة أكون انسانه طبيعيه…أقدر احب واعبر عن حبي لجوزي من غير ما أخاف لاكون نسخة من امي من غير ما أخاف لاشوفه نسخة من عثمان…عايزة اخف من وجعي…كل ما افتكر كرهه ليا…وانه خسرني
حاجات كتير بسبب انانيته…عايزة أكون أم وحبيبها وزوجه من غير ما اتردد لحظة اديهم من حبي واهتمام…”
ترقرق الدمع في عسليتاها وهي ترفع عينيها الى
مها قائلة بصوتٍ متحشرج….
“انا جيالك يامها…..وانا بفتح صفحة جديدة مع نفسي وناويه أبدا صح….وبدات من عندك…..”
ابتسمت مها وهي تومأ براسها مجددًا قائلة
بثقة…..
“خطوة ممتازة…بس هقولك حاجة العلاج النفسي لوحده مش كفاية…اهم حاجة الحب خليكي مع اللي
بيحبوكي اللي بترتاحي معاهم ومتاكدة انهم بيتبدلوا معاكي نفس الشعور..دا هيساعد اوي الفترة الجايه.”
اومات شهد براسها فهي تفعل هذا دون إرشاد..
فبدون الحب ما كانت وصلت الى هنا واخذت
خطوة كتلك….
يبدو انه أولا لكنها فهمت الأمر مؤخرًا لكن لا بأس فعليها الان اللحاق بالقطار…قطار الحياة ستكون جزءًا من الرحلة وتعيش أجمل ما في الحياة
الحب..والحب يعني عاصم…عاصم….وعائلتها
وعملها….
نهضت مها واشارت الى أحد الأركان حتى تجلس على هذا المقعد الممتد كفراش مريح……
“يلا نبدأ…..”
سحبت شهد أكبر قدر من الهواء الى رئتاها وهي تهز راسها بالموافقة ناهضة عن مقعدها متجهة الى كرسي الاعتراف المقعد الذي ستفرغ عليه دموعها وأوجاعها وتحكي عن أول انتكاسة عاشتها وأسباب رفض والدها لها النقطة التي بدا من عندها تحولها الجذري منذ الطفولة…..
ونضجت بعدها أمرأه مذبذبة تخاف الحب وتخشى
تقارب بني آدم منها حتى التقت به ووقعت في حب الصائغ وبدأت رحلة صاخبه من المشاعر ما بين شد وجذب…. عشق وفراق…دموع وفرح….
التقيا على مرسى الغرام معترفين انه أولا وان
العودة كانت لأجل الحب…..الحب فقط…..
…………………………………………………….
لفح وجهها هواء البحر الرطب ورفرف الغرة
الناعمة عن جبهتها….سحبت أكبر قدر من الهواء
وهي تتطلع الى امتدد البحر البعيد امامها بنظرة
متفائلة صافية….
تلونت ابتسامتها في ابتسامة دافئة رقيقة وهي تراه
جالس كما توقعت في مكانه المفضل أمام البحر على الصخور بين يده عصا الصنارة….يستمتع بالصيد بالصبر والهدوء متأملا روعة المنظر من حوله…
كم بد وسيمًا أكثر وسامة بثياب الشتوية والمعطف الأسود فوقها…..يلمع من شدة اهتمامه بأقل تفصيلة
به……نظيف ومتأنق وكأنه تحت الأضواء ويتم التقاط
صورة تذكرية له في هذا المكان الساحر…..
خفق قلبها بشدة وكأنه وقع في الحب للتو !….انها
تقع في حب الصائغ كل يومًا تقريبًا تحيا قصة
جديدة بمشاعر مختلفة معه…..
تزداد تعلق به يومًا بعد يوم وعشقه فاق الحدود وسعة السماء لا تكفيه تعبيرًا…..
“اهلا بالمعلم عاصم….”
قالتها شهد بصوتٍ شقي وهي تشاركه الجلسة على الصخور داسه يداها في جيوب معطفها الرمادي الأنيق….. وهي تنظر إليه بعسليتاها الامعتان
بالحب….
تبسم عاصم بعمق بعد ثواني قليلة من استيعابه
لوجودها أمامه فكان يفكر بها منذ ثانية….فالوقع
هي دائما في القلب والخاطر لا يذكر انه نساها
يومًا ولو حتى لدقائق….
“اهلا وسهلا بست الحُسن….”
بنبرة عميقة رد التحية بحفاوة وعيناه تأسرها في عالمًا تهواه……
نظرت اليه بعينين مبتسمتان كثغرها الذأب في بسمة
سلبت فؤاده واسرت عيناه فطال النظر الى شفتيها
ثم عاد الى عسليتاها البراقة يسألها…..
“مين اللي قالك اني هنا….”
اجابته بصوتها الناعم الذي انبعث مع تلاطم الامواج وزذاذ الماء البارد على وجهيهما صنعا مقطوعة موسيقية تطرب القلوب قبل الأذان…
“روحت الصاغه وسألت عليك… يزن قالي انك
مشيت من ساعتين….رنيت عليك مردتش قولت
أكيد عامل تلفونك Silent…تبقى بتصطاد…”
“حفظتي طقوسي يعني….”قالها بنشوة جميلة
جعلتها تأكد بايماءة بسيطة…..
فاضاف وهو ينظر للبحر….
“لو كنت أعرف انك جايه الصاغة… كنت استنيتك..”
قالت شهد برقة….”حبيت اعملهالك مفاجاة….”
التوى فمه في ابتسامة خبيثة ودون النظر
اليها قال….
“مفاجاتك كترت ياست الحُسن… اوعي تكوني بتعمليلي كمين ؟!….”
لم يروقها تعبير عيناه فقالت
بغيرة….
“حتى لو كمين….. انت خايف من إيه….”
نظر عاصم لها وقال بنبرة عذبة جادة….
“هخاف من إيه انا راجل مستقيم ومفيش ست
في حياتي غير مراتي….بس مينفعش زياراتك
المفاجأة للشغل تكون كمين ليا… عيب يـاشـهـد…شوية ثقة مش كده…”
قالت دون تفكير من بين اسنانها…
“مش عيب لأني بغير….. وبعدين انا بثق فيك
بس مش واثقة في معجبينك…..”
علت محياه الصدمة وهو يرفع حاجب
واحد مستنكرًا……
“دول زباين مش معجبين….”
عقدت ساعديها امام صدرها بضيق….
“نظراتهم وطريقتهم معاك…. تخليني اشوفهم
اي حاجة تانيه غير زباين…..”
تنحنح عاصم بخشونة وهو يخفي سعادته
بغيرتها عليه…..
“انتي كده بتوقعيني في غلط….وقولتلك اني مستقيم…..ومن زمان حدودي معاهم في أطار
الشغل مش أكتر….”
“متسقيم….. ممم اشك…..”
قالتها وهي تنظر اليه بطرف عينيها متذكرة كل ليلة تمر عليهما كيف يتحول من رجلا وقور صبور في
النهار الى عابث متلهف ليلا يغرقها في اللذات
منهك جسدها أسفل حرارة الأشواق….
واهات من القبلات المتلاحقة والهمسات الحارة
انها حالة أخرى تصهر جسدها وقلبها بين يداه
فتكون باعصاب رخوة غير قادرة على الصمود…
ومن يصمد وهو على السحب الوردية يستقل فوقها
من مع يحب ثاملا من شدة المتعة…..
قرا عاصم نظرة عيناها فقال بنظرة
مشاغبة…
“معاهم هما…..مش معاكي انتي…..”
مالت عليه بوجهها تسأله بجرأة نادرًا ما تخرج بكلماتها….
“ومعايا انا بقا بتبقى إيه ؟..”
سافر بعيناه على وجهها يتلقف حسنها في كل تفصيلة من ملامحها الابية بجمالا حتى استقر
بعد رحلة تأمل جميلة على عسليتاها فوقع عليه
السحر للمرة التي فشل عدها !!….
قال عاصم بصوتٍ أجش على اثره خفق
قلبها بشدة متجاوبًا معه……
“عاشق…….عاشق ودايب في ست الحُسن….”
اضطربت انفاسها وتعرقل قلبها بالخفقات العالية
وهي تعطيه أجمل ابتسامة لديها….
ظلا لفترة قصيرة يتأملا امتداد البحر بصمتٍ والايادي متشابكة ببعضها بحب…..
قطع صفو اللحظة سؤال شهد بنبرتها الفضولية
الذي يعرفها جيدًا…..
“مفيش جديد في موضوع مها وطارق…”
انكمشت ملامح عاصم باستهجان وهو
يفصل تشابك أيديهم….
“انتي جايه لحد هنا عشان تساليني على
الزفت ده…”
قالت بدهشة…..”اي سوء الظن ده أكيد لا….”
رد بخشونة…… “يبقا خلاص متسأليش….”
تاففت شهد وهي تلح في المعرفة….
“جرالك إي ياعاصم ماهو اتقدملها رسمي…وفات أكتر من شهر…من ساعة ما تكلمنا…ولحد دلوقتي مستني
رد ابوها واخواتها أكيد بلغوك وسأله عنه…مفيش جديد….”
رد بوجه مكفهر……”معرفش….”
قوست فمها بغيظٍ…..”عـاصـم…..”
اوغر صدره بالغيرة…..
“من امتى بقيتي زنانة ياشـهـد….”
قالت بنبرة متوسلة تلح…..
“معلش عشان خاطري مها على اعصابها ومعندهاش الشجاعة تسالهم في البيت….”
أكمل عنها ساخرًا….
“فكلمتك انتي عشان تقرريني….”
عبست ملامح شهد مستنكرة….
“اي اقررك دي هو انت مش جوزي المفروض
تقولي من غير ما اسألك حتى….”
هتف عاصم بكراهية وعداء….
“مش هقولك…. قوللها ابوكي واخواتك رفضوا…
وهو يستاهل الرفض بصراحة….دا بنادم غتت…. ”
سحبت شهد نفسًا تهدأ من حدتها وهي
تتمسك بزمام الصبر قائلة…
“يـاعـاصـم…. عشان خاطري وحياتي عندك لو بتحبني قولي اللي دار بينهم…. هيوافقوا ولا
لا…”
زفر وهو يصيح بضيق بعد هذا الالحاح المستمر كـنقار فوق الرأس….
“هيوافقوا عليه….وكمان كام يوم هيكلمه الحاج
يونس عشان يحدده معاد معاه يتفقوا ويقرأ الفاتحة…دا لو في نصيب يعني….”
ابتسمت شهد بسعادة فـنظر اليها بغضب
متجهمًا بالقول… “بطلي زن بقا… صدعتيني….”
فغرت فمها بجمالا مصدومة ببراءة من كم هذا الهجوم عليها لمجرد سؤال….
فقالت له بتهديد…
“اخص عليك انا صداع…. طب انا ماشيه….”
لم يبدو عليه الاهتمام فنظرت اليه بصدمة
أكبر وقالت….
“مش هتمسك فيا….عـاصـم…..”
لم ينظر اليها مدعي الا مبالاة….فجاشت
مراجلها وهي تنوي النهوض بالفعل وتركه
وقبل ان تتحرك قبض على يدها قائلا بصرامة
“إياكي تتحركي من مكانك….خليكي قعده…”
برمت شفتيها قائلة….”قعد ليه مش انا صداع….”
ابتسم عاصم وهو يسحبها من خصرها فجاة بقوة لتقع على صدره وتلاقت اعينهما معًا في لحنًا خاص
ومع أمواج البحر أخبرها بهمسًا….
“أحيانا بتبقي صداع….. بس على قلبي زي الشهد
ياشـهـد…..”
قبل وجنتها بالقرب من شفتيها فاغمضت عينيها
بضعف وهي تقول بنشوة….
“بحبك لما تناديني بأسمي…اكتر من ست الحُسن..”
همس وهو يقبل الخد الاخر
مشتهيًا….
“الاتنين ملكية خاصة….. خاصة بيا….”
قالت بوجهٍ متورد…..”بحبك اوي…..”
ضمها إليه معترفًا امام البحر الثائر كخفقات
قلبه بقربها…..
“وانا دايب في حبك….. بعشقك يـاشـهـد….”
……………………………………………………….
اطلقت زفرة طويلة وهي تتمايل على الفراش بعدم
ارتياح وهذه الرغبة تزداد الحاح داخلها….
نظرت الى سليم لتراه يغط في نومًا عميق بجانبها
على السرير…
زمت شفتيها وهي تفكر بعمق ما المشكلة ان تسللت
ككل يوم من جواره واشبعت هذه الرغبة دون ان يلاحظ أحد فعلتها وتضع نفسها في موقف محرج..
اومات براسها بعزم وهي غير قادرة على الصمود
أكثر الوضع ليس بيدها انها ضربة من الجنون
ويجب ان تشبعها….
ارتدت معطفها الطويل فوق المنامة الشتوية وفي
قدميها ارتدت حذاء كبير من الفرو (لكلوك) أصفر
اللون على شكل شخصية كرتونية شهيرة (تويتي)
المفضل لديها…
فتحت باب غرفتها بحذر شديد وعينيها الفيروزية
على سليم الذي يوليها ظهره نائمًا….
خرجت واغلقت الباب خلفها فتح سليم عيناه بحاجب معقود فقد استيقظ منذ دقائق قليلة
عندما تحركت مبتعدة من جواره…الى أين تذهب
في تلك الساعة المتأخرة….
ابعد الغطاء عنه وخرج يبحث عنها في المطبخ
وفي ارجاء الشقة دون اصدار ضجيج حتى لا
يزعج والده النائم….فيكفي الضجيج النهاري الصارد
من العمال في الشقة المجاورة لهما والتي يتم
تشطيبها الان حتى يستقرا بها…..
وبعد البحث عبست ملامحه وهو لا يراها في اي مكان في الشقة……
اين ذهبت هل خرجت كما يظن……
نظر الى ساعة الحائط وهو لا يرجح التخمين
فاين ستذهب في هذا الوقت ولماذا لم تخبره..
هل جنت….
دلف الى الشرفة المكان الذي لم يبحث به وعندما رأى بابها مغلق يأس وهو يفتح الباب ناظرًا في الشارع وصدره يجيش بالغضب والقلق…..
على تسير وهي نائمة !!….
اتسعت عينا سليم عندما لمحها بالقرب من سيارته تفتح بابها بالمفتاح ثم تتكأ على أحد الازرار ثم تغلق الباب منحنية عند جانبها تفتح مكان تعبئة البنزين وتشتنشق بسعادة منتشية….
ارتفع حاجباه بصدمة وتدلى فكه للأسفل حتى كاد ان يسقط ارضًا وهو يحدق بها بعدم تصديق
تستنشق البنزين انها جنت تمامًا !!…..
شعرت بسعادة لا توصف وهي تأخذ أكبر قدر من تلك
الرائحة الرائعة انها أجمل من افخم العطور وتريح اعصابها منتشية كلما سحبت منها الى رئتاها…..
“انتي بتعملي إيه….عند تنك البنزين؟!!!…”
انطلق هذا الصوت الخشن مستنكرًا…صوت تحفظه
على ظهر قلب…..
تصلب جسدها بمكانه واتسعت عينيها وهي تشعر
به يقف خلفها مباشرة منفعلا غاضبًا منها….
تم القبض عليها متلبسه !….
بلعت كيان ريقها وهي تستقيم لتقف مستديرة
إليه ببطئ ترمقه ببلادة….
كان يقف امامها بملامح واجمه وحاجب مستنكر
وهو يرمقها من أول راسها حتى اخمص قدميها
عند هذا الحذاء الضخم بالفرو الأصفر…..
طال النظر قليلًا الى حذاء الفرو الذي يليق بها
بشدة وكاد ان يبتسم لولا الموقف الجاد بينهما…
عاد الى عينيها يسالها بحزم….
“عايز توضحي ودلوقتي حالا….بتعملي إيه قدام
تنك العربية الساعة اتناشر بليل ؟!…..”
عضت كيان على باطن شفتيها وهي تقول
بمناورة….
“كنت بمسحها اصلي لقتها متربه…..”
حذرها بنظرة عيناه الثاقبة… “كياااان…..”
تهدلت الهزيمة على وجهها وهي تقول
بتذمر…..
“ريحة البنزين حلوه اوي ياسليم….مينفعش يعدي
يوم من غير ما اشمها…مش قادرة امنع نفسي عنها الريحه تجنن…..”
مالت نحو مكان فتحة التعبئة تستنشق الرائحة بإدمان…..
اقترب منها سليم ومنعها وهو يرفع انحناءها مرتابًا
منها…..
“كيان انتي اتجننتي…..”
ضربت كيان الارض بقدميها وهي تقول
بانفعال….
“معرفش بقا بقالي فترة على الحال ده….يمكن
دا الوحم اللي بيقوله عليه…..مش عارفه….”
سالها بملامح مكفهرة…..
“ويوم ما تتوحمي…تتوحمي على ريحة البنزين؟!!..”
اشارت على بطنها متبرمة….
“اسأل بنتك….. بتسالني انا…. انا ذنبي إيه….”
“صبرني يارب….يلا نطلع ياكيان….” تافف سليم بنفاذ صبر قابض على ذراعها وهو يسحبها معه….
امتنعت كيان وهي تنظر الى علبة التعبئة بحرمان قائلة بتوسل….
“شمه كمان ونبي ياسليم….”
رفض سليم وهو يبعدها عن سيارته ساحب المفتاح
منها حتى يغلق السيارة متكأ بيده على علبة التعبئة بعنف….
“شمه اي يابنتي….ممكن اصلا الريحة دي تبقا غلط على اللي في بطنك…..تعالي معايا….”
عاد وسحبها من ذراعها نحو البناية…فقالت
كيان وهي تحاول سحب يدها…
“سليم حرام عليك سبني شوية…اشم شوية
كمان…..”
علت الصدمة وجه سليم وهو ينظر اليها
بريبة قائلا بصلابة….
“اطلعي معايا يامجنونة وكفاية فضايح..”
دلفت الى الشقة غصبًا وهو يسحبها من ذراعها
بقوة دون مرعاة…..
تقابلا بوالده فور دخولهما من باب الشقة….فأغلق سليم الباب خلفه وسمع والده يسألهما بدهشة….
“اي ياولاد انتوا كنتوا بتشموا هوا برا ولا إيه…”
هتف سليم باستهزاء….. “كنا بنشم بنزين….”
ارتفع حاجب والده للاعلى وهو ينقل عيناه بينهما فتنحنح سليم وهو يصحح….
“قصدي يعني….اتمشينا شوية ورجعنا….”
اشار المستشار بيده…..”بلبس ده نزلتوا ؟!!…..”
نظر سليم الى ما يرتديا من ملابس مخصصه للبيت والنوم……حك سليم في شعره وهو يقول….
“اه يادرش تغيير بقا….انت صحيت امتى صحيح.. ”
اجابه والده بهدوء….
“صحيت على صوت الباب وانت بتقفله….”
أعتذر سليم وهو يرمق كيان بغيظ…..
“معلش يادرش قلقناك…….”
علق المستشار وهو ينظر الى وجه كيان المحمر غضبًا…
“مالك ياكيان ساكته ليه….هو سليم زعلك…”
شعرت كيان بالحرج وهي تهز راسها
بنفي…..
“لا ياعمو مفيش حاجة….احنا كويسين…”
دلفت الى غرفتها بضيق وهو خلفها أغلق سليم
الباب بالمفتاح وهو يسالها بهمسًا شرس….
“افهم إزاي تتسحبي من جمبي وتنزلي الشارع
انتي اتهبلتي ياكيان….”
عقدت ذراعيها امام صدرها وهي تجيبه بخفوت
حاد…..
“اعمل إيه يعني غصب عني…الريحة بتناديني..
ولا انت عايز بنتك تطلع لها وحمة في وشها…”
استهجن سليم بسخرية
لاذعه….
“وحمة بنزين جديدة دي !!….”
نفخت كيان بغيظٍ فقال سليم وهو يرفع اصبعه
بصرامة في وجهها….
“اياكي تكرري الهبل ده تاني…بعد كده هبقا اقفل الباب علينا بالمفتاح ووريني هتخرجي إزاي….”
مالت كيان فجأة بشكلا غريب على اصبعه تستنشق رائحة يده فسالها سليم بريبة وهو يبعد يده عنها….
“اي في إيه…..”
قالت بهيام متشبثه بيده كمن حصل على غايته
اخيرًا…..
“ريحة ايدك بنزين…..”
نزع يده عنها بصعوبة خائفًا منها بعد تلك الحركات
المريبة وشم يده فتاكد أنها تحوي رائحة بنزين بسيطة اثار غلقة للعلبة…..
مسكت كيان ذراعه عندما راته يبتعد الى الحمام الملحق بالغرفة……”رايح فين….”
اخبرها بوجوم…..”هروح اغسلها….هنام كده…”
رفضت وهي تقرب كفه من انفها تشم عبق الرائحة
بنشوة غريبة…..
“لا عشان خاطري خليها كده….”
نظر لها سليم برفضًا تام فترجته بالحاح وكادت
ان تبكي !!…..
“وحياتي عندك ياسليم….ريحة ايدك حلوة أوي…”
رق قلبه لها وهو يحيط وجهها بيده الحرة مربت
على وجنتها برفق…. “انتي هتعيطي يامجنونة….”
قالت كيان بقنوط….
“مانت مش فاهم ياسليم…. انه غصب عني…”
زم سليم فمه وهو يسحبها الى احضانه مستسلمًا
الى رغبتها طالما انها ستظل في احضانه….
“تعالي في حضني طيب…”
ارتاحت على صدره مغمضة عينيها براحة بينما بيدها تشم رائحة يده بانتشاء…..
بعد لحظات تخلصت كيان من معطفها ثم نزعت حذاء الفرو عن قدميها ووضعته جانبًا…
دست جسدها بين ذراعي سليم الذي دثرها بالغطاء وضمها إليه بحنان…مسكت كيان يده ووضعتها بالقرب من انفها وظلت تستنشق الرائحة بسعادة مغمضة العينين….
“سليييم……”
نادت عليه بهيام فاكتفى بهمهمات خشنة ناعسًا…
“مممم….”
قالت وهي تداعب انفه بانفها…..”تشال جا يو…..”
سالها وهو يفتح عيناه….”يعني إيه….”
قالت بابتسامة حلوة فاتنة….
“يعني تصبح على خير……ياسولي….”
طبع قبلة على شفتيها هامسًا….
“وانتي من أهله ياحبيبتي….. يامُزتي…..”
اغمضا أعينهما وذهبا في سبات عميق وهم باحضان
بعضهما…..يتشاركا نفس المشاعر وربما نفس
الأحلام…..
…………………………………………………………..
فتح الباب بالمفتاح ودلف الى الشقة ليلا بعد ان
انهى ساعات العمل في الصاغة…..
اوصد الباب خلفه جيدًا ثم وضع المفتاح جانبًا
ونادى عليها بنبرة ملتهفة فهو اعتاد استقبالها
له على الباب فور ان تسمع رنة المفاتيح…
“شـهـد…..شـهـد…..”
اتى صوتها الموسيقيّ من غرفة النوم تأمره
بسطوة…”انا في اوضة النوم تعالى….”
ابتسم عاصم عاقد الحاجبين وهو يرفض بعناد
قائلا…..
“تعالي انتي…فين استقبالك بتاع كل يوم….”
قالت شهد بصوتٍ عال نسبيًا متذمرة….
“المرادي تختلف….تعالي بقا ومتبوظش المفاجأة….”
ضاقت عيناه ولمعة بالفضول وهو يسير باتجاه غرفة النوم نازع المعطف عنه في الطريق…..
فتح باب الغرفة وجال بعيناه في الزوايا ليرى
غرفتهما تحولت الى احتفال….. حفلة خاصة
لثنائي واحد شموع وورد أحمر اضواء خافته
شاعرية…..وطاولة عليها اصناف شهية من
الطعام في المنتصف تقبع شموع حمراء تنصهر
على النيران…..كما انصهر هو من جمال المفاجاة
التي اعدت إليه….
اعدت شهد كل هذا إليه حقًا فعلتها…..
بحث عنها بعيناه ليراها تقف بجوار حافة الطاولة
مبتسمة اليه ابتسامة حلوة تقطر عسل على قلبه
الولهان……
تحتاج لألف قصيدة غزل الان…
كانت تستقبله باحد قمصانها القصيرة المهلكة
عليها والتي ترسم قوامها الغض وبشرتها
الناعمة….
قدها الهش الناعم الذي يذوب أسفل حرارة
يداه…
تضع زينة رقيقة على وجهها كاشفة عن محاسن
وجهها بريشة سحرية….اما شعرها……
يالهي مختلف متخلف جدًا ماذا فعلت…..
غيرت لون شعرها ممتزجة خصلاتها الناعمة بين
اللون البُني والعسلي أضاف لها رونق خاص من
الجمال أصبحت أجمل بل شديدة الجمال والفتنة
بعد هذا التغيير المفاجئ…..
تركت شعرها منساب على ظهرها في تموج
بسيط بفعل المصفف وقد تخلت عن الغرة
حتى تبرز وجهها المزين كاملا…..
كانت جميلة شهية تسيل اللعاب وتعرقل القلب بالخفقات العالية للامنتهية….سيدة الحُسن والجمال
كأجمل قصيدة كتبت ولم يقرأها سواه محظوظ
انها ملكية خاصة به…..امرأته هو.. معها البداية
واليها النهاية…..
اقتربت منه شهد تتهادى في مشيتها وساقيها العاريتان الجميلتان تترك خلفها ايقاع جميلًا
من خطوات امرأة سرقة أنفاسه ونسى انه
يبتسم أمامها إبتسامة بلهاء مندهشًا لرجلا مزال
في مرحلة الاستيعاب ان كل هذا التحضير
لأجله
لأجله هو…..
“اي رأيك في المفاجاة دي….” قالتها شهد وهي
تأخذ من يده المعطف لتعلق اياه باهتمام..
مزال يقف كالصنم ينظر اليها متلقف بعيناه تفاصيلها حركاتها بجمالها الخاطف الذي فاق
سعة الخيال…..
عادت اليه مجددًا مبتسمة بنعومة ووقفت على اطراف اصابع قدميها تعلق ذراعيها برقبته بخفة
قائلة بنظرة معاتبة….
“هتفضل ساكت…المفاجأة مش عجباك ولا إيه…”
سالها عاصم ببلادة….. “عملتي دا كله عشاني؟….”
وخزها قلبها بعد هذا السؤال فلم يكن عاصم أبدًا
بل كان قلبه…قلبه من يسألها لماذا تأخرتِ عليَّ
في العطاء في الحب ،بان تصنعي لفته جميلة
تعبر عن مشاعرك وليس فقط بالكلام….
حتى الكلام ليست جيدة به فمهما حاولت لن تصل لفصاحة تعبيره في الحب في ملامسة قلبها…تتمنى
ان تلمس قلبه بالكلام والافعال ان يغرم بها أكثر
وأكثر فتصل معه لأقصى مراحل الحب عمقًا
وجمالا….
“بذمتك دا سؤال يتسال…. هعمل دا كله لمين
غيرك….. اي رأيك…..”
كان الرد قبلة…قبلة عميقة وضعها على شفتيها
بث معها أجمل المشاعر وهو يحيط خصرها
اللين بيداه…تعلقت في عنقه أكثر وهي تذوب
بين يداه مغمضة عينيها باستمتاع….
فصل القبلة الطويلة وسند الى جبينها لاهثًا
وهي كذلك هامسة باسمه بضعف…
“عـاصـم….”
سالها عاصم وهو ينظر الى صبغة شعرها
الرائعة…..”ليه غيرتي لون شعرك ؟!…..”
فتحت عينيها الامعة بألق غامضًا….
“اوعى تقول انه وحشه…. انا حبيت أغير شوية
عشان متزهق…..”
وضع يده على خدها مداعب بشرتها الناعمة
بابهامه قائلا وعيناه تأسرها بالحب…
“مين قالك ان ممكن أزهق منك…. انا بحبك بكل
حالاتك ياشهد…. ومستحيل ازهق او امل منك…”
اومات براسها مبتسمة برضا….
“عارفه…. بس مقولتش رايك في لونه….”
ابعد يده عن خدها ملامسًا باصابعه خصلات
شعرها الناعمة بلونها المميز الجديد….معترفًا
وهو يسبح في تفاصيل حُسنها….
“جميل ياحبيبتي عليكي….زادك حلاوة وجمال
أكتر من الأول… ولايق اوي عليكي….”
ثم اضاف أمام عينيها الذأبة في الهوى…
“انتي النهارده أحلى من اي يوم فات…وعنيكي
بتلمع كمان…اي الحكاية….”
قالت شهد برقة….
“الاحتفال ده بمناسبة اني بحبك….”
اخبرها وهو يقطف قبلة من شفتيها
الشهية… “وانا بموت فيكي….”
تملصت منه ضاحكة بقوة متدللة وهي
تقول بلؤم….
“وفيه سبب تاني مهم بس مش هقولك عليه
دلوقتي…..”
سالها بفضولا يخلق معها فقط……”امال إمتى…..”
قالت شهد وهي تمسك هاتفها قائلة بنبرة حلوة….
“لما نرقص مع بعض الأول…..اي رأيك في اغنية
لمنير…..”
سالها مشاكسًا…..”من اختيارك…..”
قالت بابتسامة مشرقة…..”من اختياري…..”
ثم توقفت وهي تنظر الى الطاولة المستديرة..متذكرة
انهما لم يتناولا الطعام بعد….
“تحب نتغدى الأول…..”
رفض عاصم وهو يفتح ذراعيه لها متلهف
للاحتفال بطريقته الخاصة….
“وانتي قدامي بشكل ده مظنش اني هفكر في
الأكل….قربي وتعالي في حضني….”
وضعت الهاتف جانبًا واقتربت منه فانبعث منه
صوت موسيقة يحفظها عاصم على ظهر قلب
ولم لا فهي كانت بداية كل شيءٍ بينهما….
اقتربت شهد منه فعانق خصرها بيده مقربها منه وهي وضعت يدها على كتفه والاخرى في يده
تشابكا بحب ورقصا بتناغم على أوتار الكلمات
عاشا حالة جميلة من الحب منذ ان تلاقت
أعينهما ووقع السحر الأول بالانجذاب حتى
وصلا الى هنا غارقين في العشق يحتفلا في
غرفتهما عن شيء لم تفصح عنه حبيبته بعد..
(شيء من بعيد ناداني وأول ما ناداني
جرالي ما جرالي…..مش بإيدي يا با
ده مش بإيدي يا با….)
ابتسم عاصم ومال عليها أكثر يسالها هامسًا…
“فاكرة ياشـهـد…..”
كلمتان تعني الكثير بينهما اومات براسها متوردة
الوجه بسعادة وهي تقول بحب….
“وعمري ما هنسا أول مقابلة بينا…..”
“كانت البداية…..”اخبرها وهو يضمها الى صدره…
تشبثت بعنقه بحب وهي تقول
بلؤم…. “قصدك أغنية منير….”
دفن وجهه في جيدها ساحب أكبر قدر من
عطرها الرائع….
“قصدي حبك….انا وقعت في حبك من أول يوم
شوفتك فيه…..”
اغمضت عينيها بضعف معترفة تحت وطأة
قبلاته الرقيقة على جيدها….
“وأنا…..اتشدتلك حسيت انك لمسة حاجة جوايا
من أول نظرة….من أول سلام بينا ياعاصم…..”
عادت كلمات الاغنية ترن في اذانهما مداعبة
لحظاتهما الخاصة بجمالا…..
(ناداني من يميني ولسه بيناديني بيقول لي
حصليني على بلد العجايب ناداني من شمالي
قال يا أم المهر غالي تعالي قوام تعالي خدي
من الحب نايب…ده مش بإيدي يا با مش
بإيدي يا با…)
ضمها عاصم اليه بقوة فهمست شهد وهي
تشعر انها تذوب بين يداه كليًا بعد أفعاله
وحرارة اشواقه نحوها….
“انا حامل……”
توقف عما يفعل وهو يرفع عيناه بنظرة ناعسة
تبرق بالنشوة يسألها….
“بتقولي إيه….”
قالت له بعيون تلمع بدموع الفرح…..
“دا السبب التاني….انا حامل عملت تحليل الصبح
وتاكدت وحبيت ابلغك بالخبر بطريقة حلوة….”
ظل متسمرًا مكانه للحظات ببلادة يستوعب
الخبر أجمل خبر كان ينتظر سماعه منذ
فترة طويلة….
سالها بتريث….. “انتي…..”
سالت الدموع على وجنتيها متابعة عنه
بحبور…. “حامل……والله حامل…..”
فغرت شهد فمها بصدمة وهي تشعر بالارض
تدور فجاة من حولها…..
لم تكن الأرض بل كانت هي من تحلق بين ذراعيه
بعد ان رفع قدمها عن الأرض ودار بها بجنون معبر
عن فرحته بصيحة سعادة تحوي انتصار عظيم….
فاخيرًا استجاب الله الى دعواته وأصبح الحلم
واقع جميل بينهما…..
وضعها على حافة الفراش شعرت شهد بدوار في راسها وهي تنظر اليه بدهشة فهي لم تتوقع هذه الحركة ابدًا منه لم تعاتب ولم تعلق فقط إبتسمت ابتسمت وهي تحيط وجهه بيداها الرقيقة هامسة بحب…
“مبروك ياحبيبي…..”
ابتسم عاصم بسرور وهو يجلس على ركبته
امامها…
“مبروك علينا إحنا الإتنين….أكيد حامل؟..”
اومات براسها ضاحكة فمالى عليها عاصم يطبع القبلات على وجهها قبلات متلاحقة متلهفة
حارة جعلتها تستقل على الفراش بضعف وهو
معها متشرب من حُسنها وجمالها سائلا كل
دقيقة بنبرة ثملة….
“حامل؟….”
فتأكد بضحكة جميلة رنانة برقي…. “أيوا….”
ثم يعود ويغرق في خريطة جسدها مفتون بها
هيمان القلب في حبها….
(شيء من بعيد ناداني وأول ما ناداني
جرالي لي ما جرالي….)
هكذا انتهت كلمات الاغنية وبدأت أمسية خاصة
بهما على الشموع احتفلا بالخبر السعيد وبالبداية
الجديدة…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى