رواية أنا والمجنونة الفصل السادس عشر 16 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
رواية أنا والمجنونة الفصل السادس عشر 16 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم |
رواية أنا والمجنونة الفصل السادس عشر 16 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
شعر الشخص الذي صدم بنوال في كتفها بالضيق الغاضب عندما نطقت بعبارتها الأخيرة ، فقال لها بحدة : كتير على مين عليكي إنتي ولا عليه أنا اللي كل ما اتخبطت ما اتخبطش إلا فيكي هوه مفيش إلا إنتي هنا .
صُدمت نوال من كلماته قائلة له : بقولك إيه يالا إنت محسسنني إني مضطهداك ، بقولك إيه إمشي من قدامي بدل ما أخلى القلم …. وقبل أن تنتهي من جملتها قاطعها بحدة غاضبة : شكلك كده ما تربتيش وأنا اللي هربيكي .
حدقت به بذهول قائلة له بتحدي : بقى أنا مش متربية وانت اللي هتربيني طب وريني كده هتربيني إزاي .
حاول ضبط أعصابه بسببها قائلاً بغضب مكتوم : هربيكي وهتشوفي وهثبتلك كلامي كمان ، ثم أسرع من أمامها وانصرف ووجهه مليء بالغضب .
تسمرت مهجة في مكانها وهي متسعة العينين ، لا تستطيع النطق وقلبها فقط من ينطق بخفقات سريعة كادت تخنقها .
سقط الطعام من يدها ، الذي كادت أن تدخله في فمها من شدة ذعرها من نظراته وعباراتهِ المهددة لها .
اقترب منها جلال بخطوات بطيئة مهددة غامضة ، فأسرعت مهجة بغلق الثلاجة ، وتراجعت بخطواتها إلى الوراء بخوف حتى إلتصقت بظهرها إلى باب الثلاجة وبصرها متعلق بملامح وجهه الغاضبة .
ضم قبضتيه بغضب ووقف في مواجهتها مباشرةً قائلاً لها بغضب : أنا جلتلك إيــــه … ها .
بلعت ريقها بصعوبة قائلة له بصوت مبحوح : جولتلي مفيش وكل إلا الصبح .
زفر بانفعال قائلاً لها بنرفزة : طب وإحنا دلوك الصبح ، علشان تاكلي يا مهجة ، أخذت تبتلع ريقها بصعوبة مرة أخرى وعيناه تتفحص محياها قائلة له برجاء : ما احنا يعتبر الصبح يا بيه ، مادام عدت الساعة واحدة ، ده حتى اسمها واحده الصبح كمان .
شعر بسخط بداخله من تبريراتها الغير مقنعة ، حتى أنه أمسكها من كتفيها حتى شعرت بأنه سيخلعهما ، من مكانهما فصرخت صرخة ألم ، فصاح بها قائلاً لها : إخرسي وإجفلي خاشمك ، بدل ما هتلاجي رصاصة كاتماكي دلوك .
اتسعت عينيها بهلع شديد من كلماته قائلة بذعر مضحك : يا لهووي يا بيه سامحني ، دنا بس اللي مجدرتش أصبر للصبح بسبب جوعي ، وبصراحة لجيت مغارة على بابا جدامي ، فزاد جوعي .
صرخ بها قائلاً لها بحدة : جوع إيــه تاني ده اللي بتتحدتي عنه يا مصيبة إنتي ، ده إنتي واكلة وكل يكفيكي شهر .
فقالت له بتردد : هوه إنت يا بيه جايبني إهنه هتعد عليه اللجمة هيه كمان مش كفاية النفس .
وجدت مهجة نفسها مسحوبة خارج المطبخ كالشاة ؛ ونظراته مسلطة عليها بغضب شديد لا ينذر بالخير أبداً ، فقالت له بطريقة مضحكة : مالك إكده يا بيه ساحبني في يدك زي إللي ساحب لا مؤاخذة معزة هيدبحها .
أزاحها بانفعال ساخط داخل غرفتها ، فسقطت على الأرض بقوة فصرخت مرةً أخرى وانحنى عليها بوجه حاد قائلاً لها بلهجة مهددة : اللي مربهوش أبوه وأمه هيربيه ، جلال المنياوي يا مهجة .
خشيت من هذه التهديدات الكثيرة حتى أنها بدأت تشعر بالدوار من جديد قائلةً له بذعر : هتعمل إيـــه يا بيه ، لم يرد عليها إنما حدجها بنظراته التي لم تفهمها هذه المرة ، ثم تركها وانصرف .
أغلق الباب عليها بمفتاح الغرفة ، فأسرعت تنهض من مكانها وتطرق على الباب من الداخل بشدة قائلة له : يا بيه متحبسنيش تاني ، آني آسفه مجصدش وبعد إكده هسمع كلامك طوالي .
تركها ولم يرد عليها ، جلست منهارة وراء الباب شاعرة بالحزن من عدم تفهمه لها قائلة لنفسها بحنق : يعني هتبجى جوازة بالغصب وعلى ورق ، ومرار طافح كمان ، هوه آني وقعت في شفشق عصير كوكتيل ولا إيه .
جلست نوال غاضبة داخل المتجر ، من هذا الشخص المزعج والذي قابلها مرتين بالصدفة .
قائلة لنفسها بضيق : ياريتك يا مهجة كنتي معايا كنتي أخدتيلي حقي منه ، زي ما بتعملي مع حوده .
ما أن نطقت بإسم الأخير حتى وجدته يدخل عليها بوجه حزين قائلاً لها : بردو مفيش أخبار عن ست البنات .
هزت رأسها بالنفي ببطء قائلة له : لأ يا حوده ومش عارفه أعمل إيه تاني غير اللي عملته .
شعر حوده بالعجز قائلاً لها بحزن عميق : أنا ما خلتش مكان ما رحتوش حتى المستشفيات ، أنا خلاص تعبت ومش عارف أدور فين تاني والمصيبة خايف لتكون اتخطفت وانا معرفش .
زفرت بعمق قائلة له بدهشة : إتخطفت …. لا يا حوده إوعى تقول اتخطفت …. دي تاني مرة يا إحنا بس ما وريناش غير إننا نصبر وبس وربنا يقويني على فراقها بقى .
تنهد حوده قائلاً لها بحزم : أنا مش ههدى إلا لما أعرف هيه فين يا نوال ، قالت له بحزن : عارفه يا حوده كل ده بس هتدور عليها فين تاني ، ضم شفتيه بضيق قائلاً لها : مش عارف بس اللي أعرفه إني مش هسكت بردو .
جاءت نوال تجيبه على كلماته ، قاطعها دخول أحد الشباب عليهم مسرعاً يقول بلهفة : إلحق يا حوده فيه حاجه مهمه لازم تشوفها دلوقتى .
ضيق حوده حاجبيه بتساؤل مصدوم قائلاً له بذهول : إيه اللي انت بتقول عليه مهم ده يالا ، ما تنطق أنا مش ناقص .
فقال له الشاب بسرعة : فيديو مهم أوي يا حوده لازم تشوفه ، اتسعت عيني حوده بصدمة وتساؤل وأسرع مهرولاً خلف الشاب دون أدنى حرف وتحت نظرات نوال الزائغة .
في صباح اليوم التالي استيقظت مهجة في وقت مبكر بعض الشىء ، نظرت بالمنبه الذي بجوارها ، فوجدتها السابعة صباحاً ، تذكرت ما حدث بالأمس , فزفرت بضيق .
قائلة لنفسها : قومي يا مهجة …. قومي يا أختي …..شكلك محبوسة وياعالم لأمتى وكمان هتفضلي من غير لا أكل ولا شرب .
دخلت إلى المرحاض وأخذت حماماً دافئاً جعلها تشعر بارتياح ، وأثناء خروجها منه استمعت إلى صوت طرقات على باب المنزل ، فاقتربت أكثر من الباب بالداخل .
تقول لنفسها : زمانهم جايبين الفطار أكيد وطبعاً بقى أنا هنا محبوسة من غير أكل وشرب .
تذمرت بداخلها وأصنتت جيداً لما يحدث بالخارج ، فاستمعت إلى صوت جلال يقول للخادمة : حطي الوكل إهنه وسبيه فقالت له سعاد : طب عن إذنك يا بيه تؤمر بحاجه تانيه .
قال لها بهدوء : لا شكراً تجدري تمشي دلوك .
أغمضت عينيها بضيق قائلة : آه ياني منك ، أهو هتقعد تاكل لوحدك وتسيبني أنا هنا آكل في نفسي .
أمسكت بفرشاة شعرها بغيظ وأخذت تمشطه بعصبية ، وهي تحدق في ملامح وجهها بتمرد بالمرآة قائلة لنفسها : بجى إكده يا جناب العمدة إن ما وريتك .
صمتت قليلاً ثم عادت تحدث نفسها مرةً أخرى قائلة : خليكي كده تفضلي تتوعديله وأول ما يبرقلك بعينيه يغمى عليكى ومبتقدريش تتكلمي معاه .
ألقت بالفرشاة أمام المرآه بسخط ، وجلست على الفراش تتمتم لنفسها : يالا خليكي قاعدة كده مستنية حسنه منه .
كانت أم ياسين في المطبخ تعد طعام الأفطار ، وقفت ابنتها الصغيرة بجوارها تقول لها : ماما أنا خلاص جهزت وماشية على المدرسة .
فقالت لها بدهشة : طب هتمشي كده من غير ما تفطري ، هزت رأسها قائلة لها : منا كده هتأخرة ، واصحابي مستنيني كمان .
فقالت لها بسرعة : طب دقيقة بس يا بنتي أكون جهزتلك السندوتشات ، بتاعتك فقالت لها : يا ماما يا حبيبتي أنا مش صغيرة علشان السندوتشات ، أنا ثانوية عامة وخلاص تكه وهكون في الجامعه .
فقالت لها باعتراض : بردو صغيرة ، يالا هاتي شنطتك وخدي سندوتشاتك .
انصرفت مها من المطبخ وأتت بحقيبتها بالرغم منها قائلة لها : اتفضلي يا ست ماما .
تناولت منها الحقيبة ووضعت لها طعامها ، قائلة بحنان : كده بقى أبقى مطمنه عليكي ، ابتسمت لها قائلة : ربنا يخليكي ليه يا ست الكل يالا سلام .
قبلتها مها في وجنتها وانصرفت ، وهي تدعو لها ، عادت أم ياسين إلى المطبخ تستكمل ما كانت تعده من قبل .
جهزت كل شىء ووضعته على المائدة ، جلس زوجها وهو يقول لها : مها فطرت قبل ما تمشي ولا زي العادة .
جلست بجواره تقول له : ما انت عارف مها دايماً متسربعة على المدرسة مع اصحابها ، تنهد قائلاً لها : يالا خليها تعيش سنها يا أم ياسين ده أجمل سنين عمرها .
زفرت بقوة تقول لها : بس بردو بخاف عليها أوي إحنا في أيام صعبه ما يعلم بيها إلا ربنا فقال لها بهدوء : معلش سلمي أمرك للي لا بيغفل ولا بينام .
تنهدت قائلة له : ونعم بالله ، أتاهم صوت يقطع عليهم حديثهم يقول بنعاس : صباح الخير يا ماما ، صباح الخير يا بابا ، حدقت به والدته قائلة : صباح الفل يا حبيبي كويس إنك قمت من النوم ، ده أنا بصحي فيك من بدري ولما مردتش تصحى سيبتك وقلت خليك نايم أحسن .
تثاءب وهو يجلس أمام والده على الناحية الأخرى من المائدة ، وضعت والدته أمامه الطعام قائلة له : كل يا حبيبي بالهنا والشفا ، ابتسم والده قائلاً لها : طول ما هوه هنا تهتمي بيه وتسيبيني أنا .
ابتسمت قائلة له : عيب عليك يا راجل تقول الكلام ده قدامه يقول إيه بتغير منه ، فضحك ابنه قائلاً له : آه شكلي كده هسافر تاني .
فقال له والده مبتسماً : يابني دانا ما بصدق تنزل أجازتك هوه أنا بعرف أقعد معاك .
تنهد قائلاً : معلش يابابا غصب عني ما بصدق اشوف اصحابي بعد طول سفري .
فقال له والده : بس بردو إحنا لازم نقعد معاك إحنا كمان متنساش إن عيلتك رقم واحد بالنسبة بالك .
ابتسم له قائلاً : طبعاً يا بابا حاضر ، أديني أهوه هزهقك النهاردة مني وقاعد معاك مش خارج لغاية ما تزهق انت مني وتقولي إخرج .
قال له بحنان : هوه معقول فيه أب يزهق من ابنه بردو ، يابني ثم صمت قليلاً واستطرد قائلاً له : بس قولي صحيح إيه اللي كان مضايقك إمبارح وخلاك متعصب أوي كده.
تنفس بعمق وهو يتذكر تلك الفتاة العنيدة الذي توعدها بالأمس بأنه سيربيها قائلاً له بضيق مكتوم : أبداً يا بابا مفيش حاجه ، متشغلش بالك بيه أنا كويس وبخير عن إذنكم وهب من مقعده وانصرف .
عقد الأب حاجبيه قائلاً باستغراب : ماله كده النهاردة ، تنهدت والدته قائلة : تلاقي بس حاجه مضايقاه في شغله .
تنهد الأب قائلاً لها : يمكن ربنا يسترها عليه .
دخل رضوان مكتب مصطفى محرم بناءً على طلب الأخير ، فقال له : خير يا مصطفى بيه .
قال له بتفكير : أنا قررت خلاص إن الحفلة هعملها بعد يومين، بس إنت واثق انه مش هيرفض المرادي .
تنهد رضوان قائلاً له : أكيد طالما إنت اللي هتوجهله الدعوة بنفسك ، زفر بقوة قائلاً له : لازم أنا يعني فقال له : أكيد علشان يوافق ويبلع الطعم سعادتك بسهوله .
فقال له بشرود : خلاص شوف ميعاد مناسبني وأروح أقابله بنفسي ، بكرة .
هز رأسه قائلاً له : حاضر يا مصطفى بيه تؤمر بأي حاجه تانيه ، قال له : اتفضل انت على مكتبك دلوقتي .
أتاه إتصالاً بعد انصراف رضوان ، من أمامه قائلاً له بحده : إيه مالك مختفي ليه وقافل تليفونك ، فقال له عادل : أبداً سعادتك أنا موجود بس كان عندي شوية ظروف كده بسيطة وخلاص.
فقال له بلهجه آمره : لازم أشوفك النهاردة مفهوم ، قال له بضيق : حاضر يا مصطفى بيه هاجي لحضرتك النهاردة
قال له صلاح الجالس بجواره بضيق : ها عجبك كده ،إنت السبب ، تأفف عادل قائلاً له : خلاص بقى مش ناقصاك أديني أهوه هروح له وأشوفه عايز إيه .
كانت مهجة ما زالت في غرفتها ، تشعر بأنها سجينة هذا المنزل ، هبت من فراشها بتذمر وهي تصتنت إلى صوت إغلاق الباب .
استنكرت في نفسها وتمتمت قائلة بصوت مسموع : شكله كده نزل مفيش أي صوت برة ، نزل البيه الحليوه وسابني أنا محبوسة عامله زي المتهمة هنا من غير لا كلمة حلوه ولا لقمة حتى ده إيه الظلم ده .
فتحت النافذة ببطء المطلة على الساحة الخارجية للدار ، فوجدته يركب سيارته ، وينصرف .
فقالت لنفسها : بقى كده هوه يخرج وأنا هنا محبوسة بين أربع حيطان ، حتى ده شكله مش واثق فيه ويخليني أروح أقعد مع أهله شوية ، شكله كده عذاب ملوش نهاية يا مهجة .
كان جلال في منزل مخصص للعمدة ويوجد به حجرة خاصة بمكتبه ولمقابلة الناس .
عندما رأوه أهل البلد تجمع الجميع حول سيارته وبالأخص من لهم مطالب .
ابتسم لهم في هدوء وحياهم ، دخل إلى مكتبه ودخل خلفه سائقة مجدي قائلاً له : فيه ناس كتيره طالبين مقابلة حضرتك وأنا بصراحة مش عارف اتصرف ازاي .
تنهد وهو يجلس خلف مكتبه قائلاً له : خليهم يدخلوا بس واحد واحد ، وأنا خابر إن دي مش شغلتك بس مش هجدر هجيب غيرك دلوك .
فقال له : عادي يا سعات البيه ، أنا تحت أمرك في أي وقت ، مر الوقت على جلال والناس تدلف إليه واحداً تلو الآخر بمن لهم مطلب خاصة بهم .
تنهد جلال قائلاً لمجدي : لسه فيه حد تاني بره يا مجدي .
هز رأسه قائلاً له : مفيش أي حد غير جناب المأمور لسه واصل دلوقتي وعايز يقابلك .
فقال له : خليه يتفضل ، دخل إليه المأمور وهو يبتسم قائلاً له : أهلاً بجناب العمدة ، نورتنا النهاردة ، وألف مبروك وشغلناك معانا وانت لساتك عريس .
ابتسم بتهكم قائلاً له : الله يبارك فيك يا جناب المأمور ، إذا مكنتش أشغل بالي بأهلي وناسي هشغل بالي بمين ، اتفضل إجعد .
مع مرور الوقت كانت مهجة تشعر بالملل ، وتتجه ناحية النافذة من وقت لآخر ؛ وتفتحها بحذر حتى لا يراها أحد من أهل الدار، ولا يغضب جلال من ذلك إن لمحها .
ابتعدت قليلاً عن النافذة ثم عادت إليها من جديد ، قائلة لنفسها : مش هينفع كده أنا لازم أخليه يجيب نعيمة ، على الأقل تونسني شوية .
أثناء ذلك لم تنتبه لسيارة جلال المقبلة في وسط الساحة ، ترجل منها جلال وقد حانت منه إلتفاتة ناحية نافذتها بالأعلى ، فاتسعت عينيه بغضب وهو يراها تقف هكذا بالنافذة .
إلتقت أبصارهم فجأة بعد أن انتبهت لنفسها ، فأغلقت النافذة بسرعة ونبضات قلبها تخفق بشدة ، قائلة لنفسها : جبتيه لنفسك يا مهجة ربنا يستر .
كان والده جالس في حجرة المعيشة عندما قال له الحاج اسماعيل باستغراب : كنت فين يا ولدي لدلوك ، فقال له جلال بهدوء ظاهري : كنت بشوف مطالب أهل البلد ، مش بجيت العمدة ، ابتسم له قائلاً له : بس يا جناب العمدة انت لساتك عريس .
تنهد قائلاً له : عادي يا أبوي ما آني واخد على إكده ، جاءت والدته تقول له باستغراب هي الأخرى : يعني يا ولدي نطلعلولك الوكل ومحدش يفتح لينا الباب .
فقال لها بسرعة : عادي يا أماي تلاجي مهجة بس لساتها نايمة ، اندهشت فاطمة وقالت له : نايمة لدلوك يا ولدي ، فقال لها مسرعاً : أصلها نامت متأخرة شوي .
جاءت نور هي الأخرى تقول لها تدافع عنها : مش لساتها عروسة يا أماي سيبيها براحتها .
ابتسمت قائلة لها : آني بس مستغربه من انها مفتحتش لسعاد ، تنهدت نور قائلة : تلاجيها مسمعتهاش بس .
فقال لهم جلال بدهشه : هوه فين يحيي مش شايفه يعني ، فقال له والده : الدكتور يحيي تلاجيه في المستشفى ، بس أحواله مش عجباني اليومين دول ، دايماً شارد مع نفسه إكده ومش خابر ماله .
ربت جلال على كتف أبيه قائلاً له : متجلجش على يحيي يا أبوي ، يحيي بجى راجل خلاص .
تنهد قائلاً له : خابر يا ولدي لكن طبعه اتغير شوي ، فقال له يطمئنه : معلش يا أبوي سيبه على راحته .
فقال له إسماعيل : أديني سايبه أهوه لغاية ما أشوف آخرتها وياه إيه .
كان يحيي في غرفة الفحص الخاصة به عندما دخلت عليه الممرضة تقول بلهفه : إلحجنا يا دكتور يحيي ، الشرطة جات إهنه ، ودخلت في إوضة الآنسة مريم
ضيق يحيي حاجبيه دون أن ينبس ببنت شفه وهرول ناحية ، غرفة مريم ، وجد بجوارها أحد الضباط .
وكان يتحدث معها وعلامات الرعب بادية على وجهها ، وتلاقت أبصارهم لدقيقة وتوجه يحيي إلى الضابط قائلاً له : خير يا حضرة الظابط ، فقال له : أنا جاي آخد أقوال المريضة وبتقول إنه حادث عادي .
حدق بها مرةً أخرى ثم قال له : هوه فعلاً حادث عادي زي أي حادث بيحصل كل يوم ومفيش أكتر من إكده .
فقال له الضابط بتساؤل : بس فيه أقوال تانيه بتقول غير كده فقال له : لا يا حضرة الظابط مفيش أي حاجه تانية من إكده .
فقال له : وحضرتك الدكتور بتاعها فقال له : أيوة آني الدكتور يحيي اسماعيل المنياوي متابع حالتها إهنه في المستشفى من يوم ما جات هنا فقال له : تمام طب عن إذنك .
انصرف الضابط ومعه العسكري والتفت يحيي إلى مريم ، التي كانت في حالة يرثي لها من التعب والخوف .
تنهد يحيي ثم عاد أدراجه ناحية الباب ، وجاء ليغادرها بصمتٍ غامض لم تفهمه مريم .
نادته في آخر لحظة باضطراب قائلة له بارتباك خائف : دكتور يحيي ، توقف يحيي بمكانه دون أن يلتفت إليها .
فقالت له بخجل : شكراً على اللي عملته معايا دلوك ، إلتفت إليها نصف إلتفاته وقال لها بضيق : متشكرنيش آني إشكري ربك بس إن الموضوع جه على جد إكده ، نطقها وتركها وانصرف .
كانت مهجة تعد الدقائق والثوان لصعود جلال إليها ، فهي تعرف أنه سينتقم منها لما فعلته للتو .
كانت شاردة عندما فوجئت بفتح باب غرفتها بقوة ، تراجعت عدة خطوات للوراء وهو يقترب منها بخطوات مهددة وعينيه متقدة كالجمر .
همست له بخوف : آني آسفه يا سعات الباشا أصل أصل ….. جذبها من ذراعها بقسوة بقوة مقاطعاً حديثها المضطرب بقوله لها بنرفزة : آني جايل إيـــه جبل إكده ، فقالت له بتوتر : جايلي أسمع الكلام وآني بسمعه أهوه .
شعر بالغضب يجتاحه أكثر قائلاً لها : بجى إكده … يعني آني دلوك اللي ظالمك .
بلعت ريقها بصعوبة وهي تقول له بلهفة : لا يا سعات الباشا متجولش إكده واصل ، آني اللي غلطانه حجك عليه آخر مره النوبادي .
زفر بقوة قائلاً لها بحنق : لميته هجولك إسمعي حديتي ها ، فقالت له بتلقائية : عادي يا بيه إحنا ورانا حاجه .
جذبها من ذراعها الآخر ناحيته أكثر ، وعينيها تراقب كلماته وهي تخرج من فمه وهو يقول بنرفزة : مهجججة ، آني لغاية دلوك صابر عليكي علشان مصلحتي ، يعني غصب عني ، وممكن تلاجيني في يوم راميكي من الشباك ومن غير ما تدري .
اتسعت عينيها بخوف هائل قائلة له بعفوية : يا لهوي ترميني مرة واحده ، لا يا بيه آني أسفه مرة تانيه مجصدش ، أصل بس كنت جعانه شوية وكنت بشوفك جيت ولا لأ .
ضغط بقبتيه بقوة أكبر وقال لها : وآني جلتلك بصي من الشباك جبل إكده ، ثم تعاليلي هنا ، انتي لحجتي تجوعي يا مصيبة إنتي .
فقالت له بتلقائية مضحكة : أعمل إيه يا سعات الباشا كل لما آجي أبصلك بجوع ، محدش جالك ، تبجى حليوه إكده .
صُدم جلال من كلماتها الأخيرة قائلاً لها باستغراب غاضب : إيه اللي بتجوليه ده يا مجنونة إنتي .
ارتبكت من نظراته المتفحصة وحاولت رغم ذلك التماسك امامه وقد انتبهت على خطأوها فقالت له بهدوء حذر : بجول الحجيجة يا سعات البيه إنت مش جوزي بردك ….. قطعت كلماتها ولم تستطيع استكمال ما لديها من حديث ، بعد ان اكتشفت أنها بدأت تعبر عن ما يجول بخاطرها .
تراخت قبضتيه هنا وتلاقت أبصارهم بصمت عجيب ثم أشاح ببصره وتركها وانصرف دون أن يُحدثها ولو بكلمة أخرى .
في المساء كانت قد عادت نوال من عملها في المتجر وصعدت إلى الأعلى وهي تقول لنفسها بدهشة : يا ترى حوده مشي وشاف إيه في الفيديو المهم ده ربنا يستر .
تنهدت بضيق وحزن وهي تصعد أمام منزل أم ياسين ، والتي فوجئت بفتح باب منزلها وهي تمر من أمامه .
فكانت أم ياسين التي فتحت الباب ، فنادتها قبل أن تصعد إلى السطوح قائلة لها : نوال أخيراً جيتي ، فالتفتت إليها تقول لها : خير يا أم ياسين فيه حاجه .
اقتربت منها مبتسمة وقالت لها : كنت عايزاكي في حاجه مهمة تعالي معايا .
استغربت منها قائلة لها : آجي معاكي فين فجذبتها من يدها برفق قائلة لها : بس تعالي بس معايا .
أدخلتها أم ياسين معها إلى المنزل بدون أن تعطتيها فرصة للرد ، أجلستها معها داخل غرفة مخصصة للضيوف وهي تبتسم في وجهها قائلة لها : إقعدي يا حبيبتي متقلقيش ، جلست نوال قائلة بارتباك وترقب : خير يا أم ياسين ما تقولي فيه إيــه على طول وغوشتيني وقلقتيني معاكي .
ابتسمت لها قائلة : مفيش لا قلق ولا حاجه يا بنتي ، إحنا مش كنا اتكلمنا من فترة كده على موضوع ، ضيقت حاجبيها قائلة باستفسار : موضوع إيه يا أم ياسين نسيت .
ضحكت نوال قائله باعتراض مصطنع : لا غلطانه يا نوال بقى فيه حد ينسى موضوع مهم زي ده ، فقالت لها بهدوء ظاهري : معلش موضوع مهجة مخليني بنسي كتير .
ابتسمت لها بحنان وقالت لها : وأنا مقدرة ده يا بنتي علشان كده مش هزعل منك ، وهفكرك كنت كلمتك من كام يوم على جوازك من ابني ياسين ها افتكرتي بقى .
تخضب وجهها بحمرة الخجل وقبل أن تنطق نوال ، قالت والدته : ما دام وشك احمر كده يبقى فاكره ها مقولتليش إيه رأيك ، فهمست بخجل قائلة لها : وعايزاني أقول إيه بس ، منا قايلالك على رأيي وقلتلك ساعتها استني لما ييجي من السفر ، ضحكت أم ياسين قائلة : ماهوه جه من السفر يا عروسة قبل ميعاده ، ومعندكيش حجه تانية بقى ها إيه رأيك .
شحب وجهها قائلة لها باستغراب : جه إمتى يا أم ياسين ، ابتسمت بمكر قائلة : ياسين ابني جه من يومين ها قولتي إيه .
كانت نوال تشعر بالأحراج مما هي فيه وقبل أن تجيبها ، قالت لها والدته : ولا أقولك أنا قبل ما أعرف رأيك أنا هندهولك تشوفيه هنا بنفسك على الطبيعة وأهوه بالمرة تتكلموا سوا .
وقبل أن تعترض محرجه على حديثها ، دلف شخصاً ما يقول مبتسماً : مين ده اللي عايزاه يشوفني على الطبيعة متكونيش جايبالي عروسة يا ما….. لم يستكمل كلماته إنما بترها فجأه عندما فوجىء بمن تتأمله بصدمةٍ وذهول قائلاً لها بصدمةٍ غاضبة : هوه إنتي تاني ….. هوه مفيش غيرك ؛ كل شوية هتطلعيلي في البخت ولا إيه.
ارتدت ولاء ثياباً ضيقة قامت بشراؤها مخصوص من أجل عادل ووقفت تتأمل نفسها وهي ترتديها وابتسمت لنفسها بإعجاب قائلة : إيه حلاوتك دي يا لولو مكنتيش باينه جبل إكده .
لم تنتبه للعيون التي تتفحصها بدقة قائلة : على فين العزم إكده يا ست ولاء .
ارتبكت ولاء من نظرات مريم وقالت لها : رايحة مشوار مهم ، فقالت لها متأمله : وياترى إيـــه هوه المشوار المهم ده واللي لابساله إكده مخصوص .
فقالت لها بضيق : مالكيش صالح بيه وهمليني لحالي يا مريم ، قالتها وابتعدت عنها ووضعت حجاباً لا يليق أيضاً غير التي ترتديه في العادة .
فجذبتها مريم من ذراعها بحدة قائلة لها : بجى أكده منتيش ماشية من إهنه إلا لما تجوليلي رايحة فين يا ست لولو .
ارتبكت ولاء وقد قررت أن تتصرف بغضب مع مريم حتى تستطيع أن تتركها بسلام ، فلجأت إلى حيلة مصطنعه قائلة لها بغضب : جولتلك جبل سابج ملكيش صالح بيه وانتي مش أمي ولا أبوي علشان تتحكمي فيه .
انتزعت نفسها من يدها وأسرعت من أمامها مهرولة إلى الخارج ، أسرعت مريم تنظر من النافذة عليها؛ بقلب مقبوض وخوف شديد عليها وهي تعلم أنها فعلت كل ذلك من أجل أن تتركها تتصرف .
لمحت مريم من بعيد سيارة تقف على مسافةً بعيدة من بيت الطالبات ، وركبتها ولاء بسرعة .
ضمت قبضتها بقوة قائلة لنفسها بخوف : بجى إكده يا ولاء ، يا ترى فيه مصيبة إيه تاني المرادي هتعمليها .
هبت ولاء من نومها فزعة تقول لنفسها بصراخ : إيـــه كل ده اللي بيحصل امعاي وآني نايمة ، دلفت إليها مهرولة ، الممرضة عندما استمعت إلى صوت صرخاتها وأعطتها حقنة مهدئة بسرعة واسرعت تنادي بالدكتور فهمي .
في اليوم التالي كان جلال جالساً في المنزل المخصص لمنصبه الجديد ، عندما فوجىء بدخول مصطفى محرم يدخل إليه مبتسماً وهو يقول له : قلت أعملك مفاجأة وآجي أزورك بنفسي هنا وأهنيك حدجه جلال وابتسم بسخرية خبيثة قائلاً لنفسه : الحمد لله جيت برجليك تاني زي ما أنا ما خططت بالظبط .
فقال له بهدوء ظاهري : أهلاً وسهلاً بيك إتفضل إجعد ، فقال له مصطفى : بصراحة كده أنا مش ناوي أطول عليك في الكلام لأني عارف مشاغلك كتيرة فعلشان كده أنا عامل حفلة في فيلتي بكرة إن شاء الله ، وأحب إن جناب العمده يشرفني هوه والمدام بتاعته واتفضل حضرتك الدعوة أهيه .
ناوله الدعوة وأمسكها جلال بين يديه يقرؤها بتمعن قائلاً له باختصار خبيث : وآني جبلت دعوتك .
ابتسم مصطفى بانتصار قائلاً له : وأنا هكون بانتظار جنابك يا عمدة ، في حين قال جلال لنفسه بتهكم ولم يرد عليه : أهوه إكده بجى اللعبة إبتدت ، وإنت اللي بديتها بيدك يا مصطفى يا محرم …
يتبع..
لقراءة الفصل السابع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي