Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل الثاني عشر 12 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل الثاني عشر 12 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الثاني عشر 12 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الثاني عشر 12 بقلم إسراء علي

ساد الصمت بعد ما فجرت كيان كلمة واحدة فقط و لكنها كانت كـ الصاعقة على الجميع حتى هو لم يظن أنه سيستمع إلى موافقتها بـ تلك الطريقة، بل كان يُخطط و يُفكر، لا يأمنها و لا يأمن عائلتها
نظرت إليها حوراء فارغة الفاه و كأنها نسيت كيف تتحدث، رُبما كانت ستتآمر مع قُتيبة في الخفاء للبحث عن موافقتها و لكن كيان، حسنًا لنقل أنها أفرغت ما في جعبتها بـ طريقةٍ قاتلة للجميع 
كان أو من تدارك الصمت هو آدم الذي آجلى حنجرته و وجه حديثه إلى قُتيبة من الهاتف 
-أحم، طيب يا قُتيبة أنا جايلك نتناقش و نشوف هيحصل إيه
-و لكن كيان إنطلقت:موافقتي متعنيش إني هنسالك عملتك السودة دي، أنت أجبرتني يا قُتيبة 
-سمعت صوت ضحكته الخشنة بـ جفاء قائلًا:الكدب حرام يا كيان، أنا عارف و أنتِ عارفة من جواكِ مبسوطة حتى لو مبينة العكس، أنتِ بتحبيني و عايزاني و لما صدقتِ لاقيتِ الحجة دي عشان تقولي أنت غصبتني أتجوزك، بس يا حرام يا كيان طول عُمرك فاشلة فـ الكدب، حتى عليا عُمرك ما هتعرفِ تكدبِ… 
أحمر وجهها خجلًا و غضبًا لإعترافه السافر أمام الجميع، و الأنكى الذي جعلها تشعر بـ لكمة قوية وُجهت إلى قلبها أنه لا يكذب، سُحقًا إنه حقًا لا يكذب، قلبها يهفو إليه بـ طريقةٍ مؤلمة، و لكنها لن تعترف له بل حاولت إخراج صوتها جامد، صخري
-خليك عايش فـ وهم، كرهتك و بكرهك و هكرهك
-ضحك مرةً أُخرى و قال:للأسف الشديد يا كياني أنا عايش حقيقة، و أجمل حقيقة إنك هتكونِ ليا خلاص، وعدت و وفيت… 
نظرت كيان إلى الوجوه أمامها كان منهم من ينظر إليها في شفقة و منهم من يتحاشى النظر، و شعرت كأنما أنفاسها تضيق بـ قوة كلماته الحقيقية و تسحق ضلوعها، لن تتمكن من الهروب من صدق كلماته فقط لأنها من تربت على يدهِ و الآن عليها تذوق مرارة ما تجرعته من حُب على يدهِ
خرجت شهقة رُغمًا عنها حينما سقطت دمعة من عينها ثم هربت إلى أحد الغُرف دون أن تأبه لأيهم تخصها هي و حوراء بل أرادت الهرب إلى أقصى بِقاع الأرض، تبعتها حوراء و زوجة آدم و ظل هو وحيدًا مع صديقه
مسح آدم على وجههِ و قال بـ صوتٍ مُعاتب في شيءٍ من القسوة 
-غبي و هتخليها تكرهك يا قُتيبة 
-غمغم قُتيبة بـ خشونة:ملكش دعوة أنت، هي عمرها ما هتعرف تكرهني
-ضحك آدم ساخرًا وقال:لو مفكر كدا تبقى غلطان، بكرة الثقة دي تتلاشى لما تلاقيها فعلًا بتكرهك… 
ساد الصمت عدا صوت أنفاس قُتيبة القاسية و كان آدم يعلم ما يشعر به، مزيج من الخوف و الصراع يحومان بـ داخل صديقهِ، أكثر ما يخشاه أن تكرهه كيان، لقد أخبره ذات مرة و لن ينسى تعابيره في هذا اليوم “أن كيان هي عائلته الوحيدة لم يملك قبلها عائلة و لن يكون هُناك بعدها” 
أصبح آدم مُتيقن أن قُتيبة كـ سمكة إن خرجت من المياه ستنقطع أنفاسه، و كيان كانت هي المياه، و تشبثه بها يعني تشبثه بـ الحياة، ذلك الحُب القاتل و المُخيف بالنسبةِ له
مسح آدم على وجههِ ثم وضع يده بـ خصرهِ قبل أن يلتقط مفاتيحه و يُخبر صديقه الصامت بـ وضوح
-أنا جايلك حالًا يا قُتيبة، هنتكلم بـ العقل سامع!… 
أغلق الهاتف دون إنتظار رد الآخر و الذي يعلم أنه لن يأتيه لأنه و بـ بساطة قُتيبة غارق في أفكارٍ سوداء و هاوية ستطبق على صدرهِ إن إستمر هكذا
حينما حادثه و أخبره عما أصابه كان على وشك سحب مديته و توجهيها إلى عُميّر إنتقامًا لصديقه، و قد. أخبره أنه يُريد أن يفعل و لكن رد قُتيبة جمده أرضًا حينما هتف هادئًا
-هأذيها بـ الطريقة دي، و أنا مش عايز أأذيها كدا… 
حبه لها لا يفهمه، صدقًا يتقبل منها كل القسوة التي بـ العالم و هو يمنع عنها أي قسوة، بل و يتقبلها هو بـ صدرٍ رحب، سيموت قُتيبة يومًا ما سبب ذلك الحُب القاتل
**********
لن تكف عن قسوتها حتى و إن كانت كاذبة و لكنها تدفع به إلى الهاوية، إنها تدفع بـ صبرهِ إلى الحدود و كانت هذه الطريقة الوحيدة التي أمامه، كان هذا الطريق الأمثل للوصول إليها بعد عناء سنوات، تبًا لها إن ظنت أنه سيتراجع عما فعله لم و لن يفعلها 
بـ نظرها هو حقير مُستغل و لا بأس بـ ذلك لطالما ستكون بين أحضانه، يُقبلها كيفما يشاء و متى شاء، ستنام بين ذراعيه كما يأمل و رُبما هو من سينام بين ذراعيها الرقيقين، سيستيقظ ليجدها جواره فـ يتأملها بلا ملل أو كلل، ستكون كيانه الوحيد
الدماء التي تنتمي إليه 
و الروح التي تسكنه
و الأنفاس التي يتنفسها 
إنها كُل شئ
عالمه يدور حولها فقط، لا يهتم إن كانت نهايته على يديها لطالما أخبره آدم أنها ستكون أذاه الوحيد، حبه لها مؤذي له قبل أن يكون مؤذي لها و لكنه لا يأبه، لا أحد سيفهم ما يشعر به و لا يظن أن أحد مرَ بما مر به، و كأن الحُب خُلق له فقط فـ أعطاها كُل الحُب و نضب من الجميع 
تنفس قُتيبة بـ شدة مشاعره مُتقلبة، رغم موافقتها التي ألقتها بـ وجههِ و إبتسامته التي إبتسمها إلا أنه يعلم أن هُناك شيئًا ما بينهما كُسر و لكنه سيُصلحه، فـ هي تُحبه و ستُسامحه أليس كذلك؟ 
مسح على خُصلاتهِ بـ عُنف و أظلمت تعابير وجهه شاتمًا بـ بذاءة و قال
-حتى لو هتعيش كرهاني كفاية إنها معايا، هي مش هتعرف تكرهني… 
لعن آدم أكثر من مرة و مرات لا تُحصى يشتم بـ بذاءة حتى فُتح الباب و طّل منه صديقه الذي قال بـ نبرةٍ صلبة و شبه مازحة
-كل الألفاظ الـ**** دي من نصيبي صح!… 
نظر إليه قُتيبة بـ قسوة و جمود و لم يرد، فـ تنهد آدم و دلف ثم سحب مقعد حديدي و جلس جوار الفراش و قبل أن يتحدث سبقه صديقه 
-جاي ليه! 
-رفع آدم حاجبه بـ دهشة وقال:لا حول ولا قوة إلا بالله، يا بني مش قولت هاجي نتكلم فـ الهباب اللي هببته
-بصق قُتيبة كلماته:قولتلك ملكش دعوة، هتحمل أنا نتيجة أخطائي… 
خرجت تنهيدة مُستنكرة من آدم و حرك رأسه يأسًا ثم قال بـ فتور
-طب أطمن عليك حتى
-منا قُدامك زي القرد… 
إنه يُثير جنونه بـ طريقةٍ لا تُحتمل، و لكن آدم إعتاد على قُتيبة و شخصيته المُعقدة فـ أصبح أُستاذًا في التعامل مع تقلب شخصية قُتيبة، فـ هدأ نفسه و ضغط على مُنحدر أنفه ثم قال 
-قُتيبة اللي عملته دا كيان مش هتنساه، أنت مشوفتش شكلها كان عامل إزاي… 
إنقبضت عضلات فكه بـ قسوة و إنعقد حاجبيه رُبما ألمًا و رُبما غضبًا و لكن هذا لا يُهم بل أكمل آدم و هو يضغط على تلك النُقطة
-ممكن خيالك يصورلك إنها هتسامحك، بس أنت إستغليتها عشان تتجوزك 
-هدر قُتيبة بـ جنون:مش عايزها تسامحني، أنا عايزها هي
-هتف آدم بـ هدوء:هتقدر تعيش مع جسم من غير روح!… 
و كأن السؤال كان دلوًا من الثلج تساقط فوق رأسه بـ غزارة فـ لم يُصِبه فقط بـ البرودة بل جرحه بـ شدة نزف لها، هذا ما أحس به داخله و لم يُبدِه له بل، جمدت ملامح وجهه و تصلب فكه أكثر قبل أن يقول بـ نبرةٍ صخرية لا حياة فيها 
-أنا هردلها روحها، كيان ملكي و محدش هيقدر يبعدها عني
-هتف آدم بـ شيئٍ من الحدة:هتفضل لحد إمتى تتعامل مع كيان على إنها شئ مش إنسانة، كيان هيجي ليها يوم و هتهرب منك… 
حينها فجأة نهض قُتيبة مُتجاهلًا ألم جرحه و الأبرة التي سُحبت من جسدهِ بـ عُنف و قبض على تلابيب آدم ثم دفعه إلى الطاولة الصغيرة وراءه فـ سقط ما عليها أرضًا مُحدثًا دويًا عال و هدر بـ صوتٍ قاتل يحمل حُمم جحيمية دافعًا إياه بـ قوة أكبر جعلت آدم يتألم حقًا
-أُقسم بالله لو مكنتش صاحبي لكُنت قتلتك حالًا، قولتلك ملكش دعوة و متدخلش 
-تدارك آدم ألمه وقال:و عشان صاحبي خايف عليك بعدين، أنت هتخسر يا قُتيبة و هتخسر بسببها 
-قصف صوت قُتيبة بـ حدة:الخُسارة بسببها مكسب… 
إتسعت عيني آدم لعبارة قُتيبة و جعلته صامتًا، إنه حبًا سام حقًا، حاول تهدأة غضبه و حدته إلا أن قُتيبة دفعه و جلس على طرف الفراش واضعًا يده على الجرح المؤلم، ليقول آدم و هو يبتعد مُعدلًا ثيابه
-هنادي مُمرضة 
-هتف قُتيبة بـ جمود قاسي:إمشي مش عايز أشوف خلقتك
-إبتسم آدم ساخرًا و قال:هنادي المُمرضة و همشي… 
كان غاضبًا من نفسه و من صديقهِ و مما يحدث و لن يجني سوى الألم، إلا أنه لا يملك سوى دعم ذلك الذي دافع عنه بـ إستماتة في السجن، ليقف عندما سمع صوت قُتيبة يهتف من خلفه بـ صلابة
-متمشيهاش من عندك بسببي
-إستدار إليه آدم و قال بـ خيبة أمل:هو دا رأيك فيا! أنا مش ندل يا قُتيبة متقلقش… 
و إستدار راحلًا و كما وعد أحضر مُمرضة و أعطاها بعض المال للإهتمام بـ قُتيبة ثم ألقى نظرة أخيرة و رحل
تنفس قُتيبة بـ غضب أنفاسًا حارقة و أدار وجهه إلى النافذة، لقد تحول إلى شخصٍ لا يعرفه مُنذ عودتها، لم يكن يعرف أنه سيتحول إلى ذلك المجنون الفاقد الأهلية و السيطرة على النفس، و لكن ماذا عساه أن يفعل؟ لقد تمزق من إشتياقه لها و كانت من القسوة لأن تتركه وحيدًا يُعاني، أدارت ظهرها له و تركته يُعاني و يحمل الذنب بـ مفردهِ و قد كان أكثر من سعيد لأنها لن تضطر لمُشاطرته الألم 
و حين خرج من السجن و بـ لهفةٍ يبحث عنها ظنًا أنها تنتظره، كانت قد هربت و تركته، الألم و الخيبة و الغضب تمكناه منه، و بحث عنها كـ المجنون حينما رفض الجميع إخباره عن مكانها، و وجدها بعد عناء
رآها و أراد إختطافها و إعادتها إلى مكانها الأصلي، بين ذراعيهِ، و لكن هُناك بارقة من الأمل أخبرته أنها ستعود حين تعلم أنه خرج، و دحض الألم لأنه يعلم أنها تعلم بـ خروجه 
كانت تعدُ الأيام مثله ليخرج و هذا اليوم كانت تجلس أمام النيل تنظر إليه بـ شرود، قبل أن تُخرِج رابطة شعر أعطاها إياه تنظر إليها ثم ألقت بها في حاوية القُمامة، و لم ترحل بل ظلت تُحدق بها كثيرًا ثم رحلت
لكمة قوية أصابت قلبه و ألم لا يُحتمل ضربه حتى أنه شهق و كأن أنفاسه تخرج، و حينما إستعاد أنفاسه و توقف لُهاثه، تحرك إلى الحاوية ليلتقط الرابطة و لكنه وجدها ترجع مُهرولة و تلتقطها من جديد ثم بكت بـ قوة
أراد أن يضمها بين ذراعيه و يسحب كُل ألمها و لكنه لم يستطع، بـ قوة جبارة وقف يشهد بُكاءها وحيدة و أحد المارة من النساء تقف و تُساعدها و هو يقف بلا حول أو قوة قابضًا فقط على كفيه حتى إبيضت مفاصله 
كان هذا خيط أمل و التأكيد الأوحد على أنها لا تزال تُحبه و لن تتخطاه أبدًا، لم تعلم أنه رآها هذا اليوم وسمع صوتها و هي تصرخ، حتى و إن وصله ضعيفًا هامسًا 
“أنا بحبه و مش هقدر أنساه غير لما أموت” 
و لكن قلبه حفر هذه العبارة جيدًا و كان بـ مثابة إعتراف و تأكيد أنها تُريده كما يُريدها، ليبتسم ثم رحل عازمًا إنه لن يقرُبها إلا عندما تأتي هي و وقتها لا تلومن إلا نفسها على ما يفعله 
********************
خرجت حوراء من الغُرفة بعد إحباط أصابها، لم تتحدث معها كيان بل ظلت صامتة لا تُجيب على أيٍ من أسئلتها، و لا تتحدث مع على الإطلاق، فـ تنهدت و ربتت على رأسها ثم خرجت لتلتقي بـ زوجة آدم التي وضعت يدها على بطنها و قالت 
-برضو متكلمتش! 
-أخرجت حوراء تنهيدة حارة و قالت:ولا راضية تاكل… 
أومأت زوجة آدم و لم تزد ثم أخبرت حوراء أن تتناول معها الطعام و على الرغم أن فُقدانها الشهية و لكن يجب أن تأكل لتتناول أدويتها، بعد لحظات سمعتا صوت آدم يدلف فـ نهضت زوجته و سألته
-عامل إيه!… 
نظر إلى حوراء الفضولية و التي تسأله بـ عينها عن حاله هي الأُخرى ثم عاد بـ. نظرهِ إلى زوجته و قَبّل رأسها قائلًا بـ إبتسامة كاذبة
-كويس و إحتمال يخرج بكرة كمان 
-تمتمت حوراء بـ راحة:الحمد لله… 
ربتت زوجته على صدرهِ ثم سألته بـ رجاء 
-طب مش هتاكل، من إمبارح وأنت مكلتش
-لم يكن له طاقة للرفض فـ قال:حاضر، أنا فعلًا جعان… 
جلس أمام حوراء و لم يبحث عن كيان و لم يهتم و لكن حوراء قالت بـ توضيح
-كيان نايمة تعبانة فـ الأوضة… 
أومأ دون رد و دس لُقيمة داخل فمه، فـ هزت حوراء رأسها بـ قلة حيلة و تناولوا الطعام في صمتٍ تام و حينما إنتهوا نهضت تُساعد حتى قالت زوجة آدم 
-لأ ميصحش يا حبيبتي، إرتاحي أنتِ
-رفضت حوراء قاطعة:لأ طبعًا مينفعش، أنتِ اللي حامل و تعبانة… 
إبتسمت و أومأت فـ جمعت حوراء الأطباق ثم تبعتها إلى المطبخ قبل أن تلتفت إلى آدم مازحة بـ هدف تلطيف الأجواء 
-هنعملك شاي مش هننسى… 
إبتسم من زاوية فمه و أومأ، ثم نهض و توجه إلى غُرفة كيان، تردد و لكنه طرق الباب ليأتي صوتها مُتحشرج و كأنها كانت تُعاني من نوبة بُكاء شديدة جرحت حنجرتها 
-حوراء قولتلك مش جعانة و مش هتكلم تاني 
-حمحم آدم و قال:أنا آدم يا كيان، عايز أتكلم معاكِ… 
ساد الصمت من طرفها لحظات و توقع هو ذلك، فـ أكمل قبل أن يرحل إلى الشُرفة 
-إطلعي نتكلم، هستناكِ فـ البلكونة… 
كانت تعلم عم سيتحدث و لم تمتلك طاقة لتُجادله من أجل صديقه، و لكن قلبها أراد بـ خُبثٍ أحدهم يُخبرها أن تتزوج قُتيبة لأجل شقيقها، أرادت روحها أكثر الأسباب تفاهة لتدعم قرارها الذي لم يخرج منها كرهًا بل بـ كُل طيب يحمله العالم
فـ نهضت مُسرعة ثم فتحت الباب و بحثت عن الشُرفة لتجد آدم يقف مُتكئٍ إلى سور الشُرفة و زوجته تضع كوبًا من الشاي، تقدمت هي بـ تردد و حينما إستدارت زوجته ربتت على كتفها و قالت 
-متخافيش يا كيان، إعملي اللي أنتِ مصدقة إنه صح، ملكيش دعوة بـ كلام حد… 
تتعجب لتلك الفتاة التي لا تغار على زوجها على الرغم أنها تعلم أنهما سيجلسان بـ مُفردهما، و لكن نظرة آدم لـ زوجتهِ أخبرتها أن و إن كانت نساء العالم تقف أمامه لن يختار سواها، كما يفعل قُتيبة تمامًا
تقدمت من آدم و حمحمت فـ إلتفت إليها بـ تعبير مُبهم ثم نظر إلى الشارع و قال بـ هدوء حاول التسليح به
-ناوية على إيه! 
-هتفت سريعًا:من قُدامك قُلت إني موافقة… 
حينها إستدار إليها بـ نصف جسده و سألها بـ. جدية أخافتها و جعلتها تتراجع 
-و أنتِ وافقتِ عشان مقدامكيش حل تاني و لا عشان أنتِ عايزة كدا؟!… 
صُدمت كيان لهذا السؤال البسيط و المُباشر بـ طريقة مُخيفة و على الرغم من بساطة السؤال إلا أنها لم تستطع الإجابة فـ إبتسم آدم و عَلِمَ الإجابة، و أبت هي الإعتراف بها فـ قالت بـ عناد 
-أنا وافقت عشان قُتيبة هيحبس عُميّر لو موافقتش… 
و كأنها تُقنع نفسها قبل آدم و الذي إبتسم بـ سُخرية و قال مُستهزئًا
-قُتيبة مش هيعمل حاجة زي دي، و أنتِ عارفة كويس… 
صُدمت للمرة الثانية و حاولت الحديث فـ خرج كلامها مُبهمًا، شارد كـ نظرتها تمامًا 
-لأ، قُتيبة هيعملها عشان هو قال قبل كدا 
-ضحك آدم ساخرًا ثم هتف بـ نبرةٍ هادئة:لما عرفت اللي حصل كُنت ناوي أرد الصاع صاعين لأخوكِ، عشان هو رفض، هو رافض أي حاجة تأذيكِ يا كيان… 
توقف قلبها عن الخفقان لسماعها حديثه و بهتت ملامحها و شحبت فـ أكمل آدم و هو يُؤكد على كل كلمة 
-قُتيبة مُستعد يتنازل عن كُل حقوقه لو كانت هتأذيكِ، أنا مشوفتش حد بيحب بـ الطريقة المؤذية دي… 
تنفسها بات غير مُنتظم فـ صمت قليلًا و إستدار عنها يُعاود إتكاءه على السور ثم أكمل شاردًا و على شفتيهِ شبه إبتسامة 
-لما إتقابلنا فـ السجن، كان بيسد مع أي حد و كُنت أنا منهم، هو شال السكينة من على رقبتي و حطها على رقبته، أنا لو طلعت من السجن عايش فـ هيكون بسببه، و هعيش طول عمري شايل دينه فـ رقبتي… 
شبك يديه معًا و شدد عليها ثم أكمل و بدأت نبرته تتباعد شيئًا فـ شئ
-كل وقت عدا عليا من بعد خروجه كُنت بقول هو نساني و دور عليكِ ولا عمل إيه! و يوم أما خرجت كان هو اللي إستقبلني و حفظ صحوبيتنا يا كيان، و عهد الله من وقتها حالف اللي يأذيه يأذيني، صحيح مش طالع بقالي فترة طويلة بس قُتيبة مش هتلاقي زيه فـ الزمن دا… 
عاود النظر إليها فـ وجدها تبكي في صمت ليزفر ثم قال و كأنه يتعذر
-أنا مش بقولك كدا عشان تعيطي، بس أنتِ ساعدتيه زمان و أنقذتيه من حبل المشنقة
-سألت مذهولة:أنت عارف! 
-أومأ و قال:قُتيبة حكالي كُل حاجة، و قتله لأبوه صحيح صعب تتخطيه و تتخطي مشهد الدم، بس مسألتيش نفسك قُتيبة عامل إيه؟ و إزاي متحمل حاجة زي دي! طب مجربتيش تسألي هو عمل كدا ليه؟ 
-حاولت الحديث فـ قالت مُتلعثمة:عـ عشاني، و بـ بسببي حصل كل دا… 
مط آدم شفتيه و سب قُتيبة داخله ثم نظر إليها و قال بـ صوتٍ مُجهد 
-قُتيبة مفتحش قلبه ليكِ، و مش معنى كدا إنه مش واثق فيكِ لأ خايف عليكِ… 
خرجت شهقة كتمتها بـ يدها و نظرت إلى آدم بـ توسل إخبارها الحقيقة، فـ إهتزت حدقتيه و قال بـ توتر
-هو لو عايز يحكيلك هيحكي، دي حياته مش حياتي… 
أصابتها خيبة الأم و الحُزن الشديد، لطالما علمت أن قُتيبة يُخفي أعظم مما يُظهر و لكنه لم يُفكر مُشاركتها أبدًا لا مخاوفه و لا ماضيه، فقط كان يُخبرها دائمًا أن حاضره معها هو الأهم 
تشوشت رؤيتها كثيرًا و عادت تضح حينما سمعت نبرة آدم المتوسلة و هو يقول 
-أنتِ عيلته الوحيدة يا كيان ديمًا كان بيقولي كدا، فـ لو مش هتقدري تديله العيلة دي يبقى سيبيه أحسن… 
تركها و دلف إلى الشقة و تركها تغوص في أفكارها 
الموت سيكون أهون من تركهِ
********************
-كيان أنا لا يُمكن أسمحلك، لأ مش هتحطي رقبتك فـ إيد واحد زي دا… 
كان الرد هادرًا من عُميّر الذي رفض موافقة كيان لعرض ذلك الحقير كما يدعي و لكنها واجهته بـ هدوء و جَلد تستحق أن يُرفع لها القُبعة، و جدتها و جدها جالسين بـ صمتٍ تام لا أحد منهم يجد القُدرة على الحديث
أمسكها عُميّر من ذراعيها و أنهضها صارخًا بـ حدة 
-ملكيش دعوة أنا عندي إستعداد أدخل السجن
-هدرت صارخة:و أنا مش هقدر
-يبقى هحبسك يا كيان… 
و قبض على ذراعها يجرها خلفه فـ نهضت حوراء مُسرعة تُمسك يده و قالت بـ توتر و رجاء 
-عُـ عُميّر، مش بالطريقة دي، كدا مفيش حاجة هتتحل
-دفعها و صرخ بها بـ شراسة:إخرسي، أنتِ اللي مليتِ راسها بـ الكلام الفارغ دا… 
شهقت حوراء و تراجعت تضع يدها على صدرها و كأنها تُشير إلى نفسها ثم همست بـ صوتٍ ذاهب
-أنا!!… 
ضربة من عصا السيد حلمي طرقت الأرض ثم هدر بـ صوتٍ صارم 
-عُميّر إتأدب، دي ضيفة عندنا و أوعى تغلط فيها طول ما هي فـ بيتي، و سيب دراع أُختك… 
تنهد عُميّر و مسح وجهه يُهدئ من روعه ثم ترك كيان التي فركت ذراعها و قال بـ صوتٍ شبه عال
-حوراء ملهاش دعوة، دا قراري أنا، و قرار مش هرجع فيه… 
ثم تركته و دفعته لتتجه إلى جدها و جثت أمامه تتمسك بـ رُكبتيه و قالت بـ صوتٍ خفيض 
-يا جدو والله محدش غصبني، بس أنا مش هقدر أشوف عُميّر فـ السجن، مش هقدر أشوف حد تاني… 
صمتت و لم تُكمل عبارتها و كأنها تداركت ما تفوهت به فـ صمتت و لكن السيد حلمي عَلِمَ مقصدها و لم يجد الرد، أمامه خياران و كلاهما أسوء من الآخر، إما دخول عُميّر السجن و ترك إبنته بـ مفردها لفترة و ما سيلحقه بعد ذلك من فضائح و حديث لن ينتهي كما حدث مع كيان من قبل و الآن بعدما رأى قاطني الحي ما حدث و لقاءهما بـ السر ليلًا
و بين تركها بين يدي قُتيبة، و لا يعلم أيهما الأقل سوءًا و من الصعب التخلي عن الأقل سوءًا أيضًا، فـ لم يجد السيد حلمي سوى الهجوم على كيان قائلًا 
-أنتِ اللي عملتِ فينا كدا… 
تصلبت يداها و تجمد جسدها و لكنها تستحق، هي من ركضت وراء أهواءها و مرة بعد مرة قبلت مُقابلته و إنتهى الأمر آخر مرة بـ كارثة و قبلها مشاعر ضربتها من رأسها حتى أخمص قدميها و ما حدث جعلها تنسى هذا لبعض الوقت
إزدردت لُعابها و أومأت قائلة بـ نبرةٍ خائفة و بعيدة كُل البُعد عن كيان الصارخة
-عندك حق يا جدو، و عشان أنا اللي غلطت فـ لازم أتحمل غلطي… 
تحدثت جدتها لأول مرة و كان صوتها جاف لا يحمل دفئها المُعتاد
-إدخلي أوضتك يا كيان، أنتِ اللي قررتِ و إتحملي نتيجة أخطاءك… 
لم يُصدق عُميّر ما يُقال فـ هدر و هو يقترب منهم
-حتى أنتِ يا تيتا!! مش هقبل دا يحصل
-أدارت وجهها و قالت:هي اللي قبلت على نفسها… 
حاولت حوراء تلطيف الأجواء فـ إقتربت قائلة بـ توتر كاد يجعلها تفقد الوعي
-خلينا نُبص للجانب المُشرق، قُتيبة مش هيأذي كيان هو بيـ… 
نظر إليها ثلاثة أزواج من الأعين بـ غضب و إستياء فـ تراجعت عن قولها 
-أو ممكن يأذيها مش عارفة، أنا آسفة… 
دفنت كيان وجهها في ساقي جدها و إنفجرت في البُكاء ليعم الصمت المكان، و رُغمًا عن السيد حلمي سيطرت مشاعره عليه فـ ربت على رأسها ثم قال بـ نبرةٍ دافئة 
-ربنا يسترها عليكِ يا بنتي و يجبر بـ كسرك، متخافيش يا كيان وقت أما تقولي لأ كلنا هنقف جنبك… 
زفر عُميّر بـ غضب و أشاح بـ يدهِ ثم إستدار يرحل فـ وجد حوراء تنظر إليهم بـ أعين دامعة و ما أن إلتقطتت عيناها عيناه، حتى جفلت و أشاحت وجهها بعيدًا، أصابه الشعور بـ الذنب و الغضب في الوقت ذاته إلا أن الغضب كان يُسيطر عليه أكثر فـ تجاهلها و رحل
نظرت حوراء في إثره بـ تبرم و أخرجت لسانها له فـ إستدار على حين غُرة و كأنه ينوي قول شئ فـ أدخلت لسانها سريعًا و ذمت شفتيها بـ توتر و غضب، ثم سألته بـ صوتٍ مُستاء
-في حاجة!!… 
كان ينوي الإعتذار عن دفعه لها و فتح فمه فعلًا ليقول و لكن ما خرج منه كان 
-متدخليش فـ حاجة متخصكيش تاني… 
إتسعت عينيها بـ صدمة و شهقت ثم سُرعان ما ضيقت عينيها و إستدارت توليه ظهرها، أما هو فـ في داخله كان يقول ما هذا الغباء الذي تفوهت به؟ إزداد حنقه أكثر و أحمر وجهه، ليزفر بـ حرارة ثم توجه إلى غُرفتهِ و صفق الباب بـ قوة
غمغمت حوراء بـ شئٍ غير مفهوم و يبدو أنها تسُب عُميّر ثم إقتربت من كيان و ربتت على ظهرها تواسيها بـ صمتٍ كما فعل جدها و جدتها
بعد مرور يومين 
كان قُتيبة يقف أمام المرآة يُعدل خُصلاتهِ بـ دندنة توحي بـ سعادته و إبتسامة تكاد تشق وجهه، ثم ترك الفُرشاة و إلتفت يتحقق من العُلبة الحمراء المخملية التي تحوي على حلقتين إحداهما ذهبية و الأُخرى فضية و وضعها في جيب بِنطاله
ألقى نظرة أخيرة على هيئته و عدل مُقدمة قميصه ذو اللون الأزرق الداكن و إلتفت ينوي الرحيل و لكن وقوف والدته خلفه جعل إبتسامته تختفي و يتصلب وجهه كـ صخرة ملساء لا تعابير فيها
أخرج تنهيدة حارة و إلتقط مفاتيحه و ينوي تجاهل رجاء حتى لا تُفسد الأجواء و سعادته، إلا أنها أبت ألا تفعل فـ هدرت و على ملامح وجهها تكونت تعابير مقيتة
-هتروح تخطبها من غير أُمك! 
-رفع حاجبه و قال:لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أنا منعتك! أنتِ اللي نش عايزة تيجي
-صرخت رجاء بـ حدة:و لا عمري هاجي معاك
-ذم شفتيه و قال بـ تصلب:خلاص هروح لوحدي، متقلقيش كدا كدا هتم الخطوبة و الجواز كمان… 
إتسعت عيني رجاء و شهقت ثم صكت صدرها صارخة بـ إستنكار و غضب 
-بتكسر كلمتي يا قُتيبة! طب و رحمة الغاليين البت دي لو دخلت الشقة هنا لـ أنا طالعة منها
-مسح قُتيبة على وجههِ وقال بـ نفاذ صبر:مين قالك إني هدخلها الشقة هنا، هجيبلها شقة بعيد عنك و عن الحارة… 
فغرت شفتيها لا تُصدق إنه سيذهب إلى ذلك الحد، فقط ماذا فعلت به تلك الفتاة؟ لتصرخ بـ آخر ما تملكه من حيل عله يتراجع
-قلبي غضبان عليك يا قُتيبة لو إتجوزت البت دي… 
إنتفضت مُفزوعة حينما ضرب الباب بـ قوة بـ يدهِ و تظن أنه كُسر تحت قوة قبضته ثم تراجعت عندما إقترب منها و هسهس بـ صوتٍ مُظلم هادئ
-متقوليش كدا ي ست رجاء عشان مش هرجع فـ كلامي أبدًا، و بكرة هتتقبلي الحقيقة دي لأن مفيش غيرها أصلًا… 
إلتقط أشيائه الخاصة و نوى الرحيل و لكن رجاء تمسكت بـ ذراعهِ و قررت إستخدام حيلة الحنان الأموي و قالت بـ وجهٍ حزين 
-يا بني خايفة عليك البت مبيجيش من وراها غير المصايب، و أدي أهو أخوها ضربك بـ السكينة و أنت رايح تُخطب أُخته يعني عايزين يشفطوك
-ضحك قُتيبة بـ ظلام وقال ساخرًا:اللي غصبت عليهم أتجوزها… 
حاول دفع يدها و لكنها تشبثت به أكثر، رغم حنقها إلا أنها قالت بـ نبرةٍ هجومية
-يا بني راجع نفسك مش هيجي من وراها غير كل تُعاسة ليك… 
خلص قُتيبة من قبضتها على ذراعهِ ثم قال بعدما قَبّل رأسها مُبتسمًا بـ سوداوية قاتلة 
-أنتِ عارفة إن مليش سعادة من غيرها… 
و تركها راحلًا، تغرق في ذهولها قبل أن تتجه إلى الشُرفة و حينما خطى خارج البناية صرخت بـ كُل ما تملكه من صوتٍ
-و ديني و ما أبعد يا قُتيبة ما هتخليها تتهنى يوم واحد معاك، مبقاش غير الصايعة أخت القاتل دا كمان… 
رفع قُتيبة نظره إليها و حدجها بـ نظرةٍ قاتلة تُشبه خاصة المُسجلين خطر ثم إستدار و رحل دون حديث مُتجهًا إلى البناية التي تبعد عن خاصته بـ بضعة أمتار 
تنفس الصعداء و أخيرًا أولى خطواته لتكون كيان، كيانه وحده، سيأخذ بما يدعوه حقه و لن يدع أحد يتشاركه معه
لقد ربحها و ربح نفسه و بعد طول عناء سيحصل على ما تمناه، و يبني ما هُدم بـ الماضي
********************
خرجت حوراء من غُرفتها و كانت في طريقها إلى غُرفة كيان، ناظرة إلى ما في يدها دون أن تنتبه إلى الطريق، و فجأة إصطدمت بـ شئٍ صلب فـ تأوهت ثم قالت قبل أن ترفع رأسها بـ تبرم
-أنا مُتأكدة إن مكنتش فيه حيطة هنا… 
سمعت قهقه رخيمة فـ رفعت رأسها سريعًا و على وجهها إمارات الغضب و الخجل، ليقول عُميّر و هو يُحمحم 
-هي فعلًا مش حيطة و مكانها مش هنا، دا بني آدم… 
ضحكت حوراء بـ سماجة و تعابير وجهها تدل على مدى سخطها ثم رفعت حاجبها و قالت بـ غمغمة تُشبه السب
-دمك سم الحقيقة، و بعد إذنك عشان أروح لكيان… 
تقدمت خطوتين و عندما مرت جواره، أمسك ذراعها و أعادها أمامه فـ نظرت حوراء إلى يدهِ ثم إلى عينيهِ بـ رفعة حاجب و قالت بـ نبرةٍ تملاؤها الملل و الغضب أيضًا، الكثير من الغضب 
-في حاجة ولا إيه يا أُستاذ عُميّر! 
-رفع حاجبه بـ دهشة و غمغم:أُستاذ عُميّر! أنتِ فعلًا زعلانة
-دفعته و هتفت بـ شراسة من بين أسنانها:و هو اللي عملته ميزعلش ولا إيه! على أساس إيه بـ تتهمني!!… 
الدفع تحول إلى ضربات، رغم قوة ضرباتها التي توجهها إليه و لكنها كانت تصله رقيقة نظرًا لصلابة جسده، كان يُريد الضحك و لكنه سيستفزها أكثر، فـ أمسك يدها و قال مُداعبًا بـ عبثية
-حقك عليا متزعليش، أنا كُنت متعصب 
-مليش دعوة، و أنا مالي متعصب و لا هادي… 
إنها تصغره بـ الكثير و لكن لم يكن يظن أنها طفولية إلى هذا الحد، تملصت بـ ذراعها الذي أوقفها منه و حاولت لكمه إلا أنه أمسك قبضتها و ضم يدها إلى صدرها في وضع مُعاكس و هتف في مُحاولة لتهدئتها
-حوراء خلاص، إهدي عشان نتكلم
-تحركت بـ عُنف تتملص منه و قالت:لأ مش هنتكلم، دي كانت آخر مرة هكلمك فيها… 
طفولية إلى حد مُضحك، و إن كان في وقتٍ آخر و أحداث ليست كـ تلك لكان أظهر تسليته و لكنه حقًا مُرهق، و في خضم شروده القليل ركلته حوراء فـ تأوه ثم غمغم بـ شئٍ من الحدة 
-لأ كدا غباء
-أومأت و قالت:إستنى هوريك غباء أكبر… 
كادت أن تدهس قدمه بـ كعب حذاءها و لكنه تفاداها بعدما دفعها إلى الحائط خلفها بـ نفس الوضعية، ذراعيها محتضنان جسدها في وضع مُعاكس و جسدها حُشر بينه و بين الحائط خلفها، تشعث شعرها و إلتصق بـ شفتيها التي طلتهما بـ أحمر شفاه لامع و لُهاثها يصله واضح
أنفاسها حلوة كـ حلاوة وجنتيها الحمراء التي يُريد تقبيلهما، لا بل تناولهما في الحال، و سُحقًا لكل عقل و منطق يُخبره أنها صغيرة، و أنه نضج عن تلك التصرفات المُتصابية، و أنه والد لطفلة، و أنها ضيفة يجب عليه الحفاظ عليها، و سُحقًا له إن فعل ما يُمليه عليه عقله العابث
كانت شفتيها مفتوحتين كي تتنفس و عينيها تُحدق فيه بـ شراسة هرة يُريد صاحبها تقبيلها قسرًا، و كم كانت جميلة و هشة، و دون وعي وجد نفسه يهمس 
-مكدتبش لما قُلت عليكِ بسكوتة
-بتقول إيه!… 
سألت بـ شراسة فـ هي لم تسمعه بـ وضوح، ليتدارك عُميّر نفسه و حمحم يُلملم شتات نفسه و يلعن شيطانه ثم قال بـ هدوء لا يملكه حقًا و تشهد ضربات قلبه على ذلك 
-مبقولش حاجة
-تحركت تُريد الفكاك قائلة:طب إوعى عايزة أمشي… 
تركها فجأة و تراجع و حقًا سيفقد السيطرة على نفسه و رفع يديه علامةً على الإستسلام و حينما حاولت الرحيل، قاطع طريقها و قال يطلب بـ هدوء 
-طب نحاول نصلح الأمور
-رفعت حاجبها و قالت بـ صلف:تحاول تصلح الأمور، أنا مغلطتش
-أومأ و قال كأنه يتماشى مع عقل طفلة:حاضر يا ستي هحاول أصلح أنا الأمور… 
تلاعب عُميّر بـ خُصلاتهِ الطويلة و أعادها إلى الخلف و لم يعرف كم أبهرتها تلك الحركة ثم قال مُبتسمًا بـ عذوبة ظنت أنها لن تراها مُجددًا 
-أنا آسف، و حقك عليا متزعليش… 
هزت رأسها تفيق مما تُفكر به ثم قالت و هي تذم شفتيها بـ تبرم 
-يعنى مُعترف إنك غلطت! 
-رد بـ بساطة:لو مكنتش معترف مكنتش إعتذرت
-أشارت بـ سبابتها بـ تحذير:رد على أد السؤال… 
هز رأسه و كاد أن يضحك، إلا أنه أومأ و قال بـ صبرٍ
-حاضر، أيوة مُعترف… 
ضمت شفتيها إلى اليسار ثم إرتسمت شبه إبتسامة و قالت بـ نبرةٍ مُشرقة و كأنها لم تغضب منه
-خلاص طالما إعترفت هسامحك… 
خرجت ضحكةً صافية من قلبهِ، تُشبه أسيل في غضبها منه، نظر إليها و مدّ يده يُبعد الخُصلات المُلتصقة بـ شفتيها، تلك الفعلة جعلتها تشهق بـ صوتٍ مكتوم و تتسع عينيها إلا أنه لم يلحظ 
-يعني خلاص مش زعلانة! 
-أومأت بـ توتر و قالت:آآ أه، أيوة لأ مش زعلانة… 
تعجب لتوترها و كاد أن يتحدث و لكنها دفعت يده و دفعته هو شخصيًا و هتفت قبل أن تبتعد عنه 
-أنا لازم أروح لـ كيان، مش زعلانة خلاص فـ همشي… 
راقبها و هي تركض و تعجب و هو يقطب جبينه ماذا فعل؟ ليرفع يده يمسح على فمه و حينما قربها شم رائحها عطرها، أو رُبما رائحتها، حينها فقط إتسعت عينيه و هو يعي ما فعله أخيرًا
لقد لمس شفتيها الناعمتين دون أن يدري، كانت حركة عفوية واحدة أشعلت نيران مُتعمدة و كأنها تنتظر تلك الشرارة أسفل الرماد لتشتعل مرة أُخرى بـ خُبثٍ 
********************
دق جرس الباب أخيرًا لتنتفض كيان مذعورة، و لولا أن هدأتها حوراء لكانت فقدت الوعي الآن، بينما تصلبت تعابير وجه الجميع و لكن عُميّر نهض ليفتح الباب إلا أن حوراء منعته قائلة 
-هفتح أنا، بلاش مشاكل عشان خاطري… 
كاد أن يعترض و لكن السيد حلمي أوقفه بـ إشارةٍ من يدهِ و قال بـ صوتٍ أجوف
-سيبها يا عُميّر، عندها حق… 
زفر عُميّر و جلس، لتهرول حوراء إلى الباب و فتحته بـ إبتسامة مُتسعة حينما قابلت قُتيبة، رفع حاجبه و بدى مُنزعجًا ثم قال 
-و محدش من اهل البيت يفتح ليه! 
-هتفت بـ ضيق:يعني أنا بقابلك بـ إبتسامة تقوم تقول كدا! و بعدين أنا اللي تطوعت أفتح عشان متحصلش خناقة بينك و بين عُميّر… 
أومأ بـ عدم رضا فـ نظرت إلى هيئته الشبة رسمية بـ بنطال چينز أسود و قميص من اللون الكحلي، و كان حقًا يبدو وسيمًا، كادت أن تُثني عليه و لكن حينما لمحته قادمًا خاليًا الوفاض، إختفت إبتسامتها و سألت بـ تبرم
-فين بوكيه الورد! 
-هتف بـ نبرةٍ صخرية:ورد إيه! هو حد طايقني فـ البيت عشان تطيقني
-وضعت حوراء يدها في خصرها و قالت:و جاي إيدك فاضية كمان؟ حتى كسلت تجيب كيس شيبسي مش علبة شيكولاتة حتى!… 
صر قُتيبة على أسنانهِ و تمتم بـ شئٍ غير مفهوم ثم قال وهو ينظر إليها بـ نفاذ صبر
-أنتِ هبلة يا بت أنتِ! الحركات دي للناس العادية، أما دا زي الطار كدا
-تمتمت حوراء بـ يأس:الله يكون فـ عونها no sense، مفيش إحساس
-تقدم خطوة و قال:وسعي خليني أدخل… 
تنحت حوراء جانبًا ثم أشاحت بـ يدها بـ إستنكار ثم قالت بـ غضب و تبرم
-إتفضل… 
دلف و تبعته هي بعدما أغلقت الباب، لم يُكلف قُتيبة نفسه عناء الإبتسامة بل هتف بـ صوتٍ خشن 
-متجمعين عند النبي… 
بحث عنها بـ عينين وحشيتين حتى وجدها، و علق نظره بها، نظرته كانت تُخبرها بـ كلِ وضوح أنه إنتصر و ها هو أتى ليجمع غنيمته، إرتجف جسدها و بحثت عن حوراء بـ إستنجاد حتى وجدتها و نظرت إليها بـ توسل
فـ تقدمت منها حوراء سريعًا و أمسكت بـ يدها، كانت الأجواء خانقة و يعُمها الكره و الغضب فـ شعرت حوراء و كأنها تختنق، لتهتف بـ شبه إبتسامة أجبرتها على الخروج 
-طب وافقين ليه! إتفضلوا… 
شدتها حوراء لتجلس و هي لم تعِ إنها نهضت من الأساس فـ جلست و تحاشت النظر إلى عينيهِ التي تأكلها و تخترق روحها فـ تُخبره عن دواخلها و هذا ما لا تُريده
الجميع مُنزعج، و يستحقره حتى هي عدا تلك المعتوه، البسكويتة حوراء، كانت تنظر له بـ سعادة بالغة و كأنها والدته، لم يرَ مثلها كـ صورة فوتوغرافية تلتقطها عائلة بائسة عدا هذا الطفل المعتوه الذي يضحك في جميع الأوقات 
و كان هو يضحك فـ يُثير غظيهم أكثر، ثم نهض و قال بـ صوتٍ هادئ و لكنه مُغيظ بـ درجة تكفي لطعنه مرةً أُخرى 
-مش هنلبس الدبل و لا إيه! 
-غمغمت كيان بـ إستنكار:بجح… 
إخترقت السبة أُذنيه فـ نظر إليها نظرةٍ ماكرة و لكنه لم يتحدث بل إقترب منها و جلس جوارها، و لا أحد إستطاع الحديث، على الرغم من حقارة ما يفعله و لكنه السبيل الوحيد و كان عُميّر يعلم أن قُتيبة لم يتردد في الإبلاغ عن واقعة الطعن و صدقًا لم يأبه و لكن الجميع أبى و رفض، و الآن هو في موقف يعجز فيه عن الحديث كما يجب، يكفي فضائح كما قالت كيان و حوراء من قبلها 
تململ حلمي و حمحم لينظر إليه قُتيبة قبل أن يقول بـ فتور 
-أنا مش بجح زي ما خطيبتي قالت يا حج حلمي، هلبسها دبلتها و همشي، ميصحش برضو كلام الناس دي أصول 
-هدر حلمي بـ إنزعاج مُشمئز:كويس إنك لسه عارف الأصول يا بن شاهين… 
كانت نظرة قُتيبة سوداء، قاتلة و السيد حلمي يعلم جيدًا أنه يكره مُناداته هكذا و كأنها سبة شديدة القسوة، و كان هذا تعبير عن الإزدراء إلا أنه لم يهتم فقط ما كان يسمو إليه ناله أخيرًا و ما هي الإ أيام أو ربُما أسابيع و تُصبح مُلكهُ
أمسك يدها و دس حلقة ذهبية بـ يدها، سُرعان ما سحبت كيان يدها و كأنها شعرت بـ نيران تحرقها و تلك الحلقة تكوي قلبها قبل يدها، يعلم تمام العلم أنها تحتقره أكثر الآن و لكن عشقها له سيتغلب على كُل ذلك و سُرعان ما ستنسى ما حدث
مدّ يده بـ حلقتهِ الفضية و قال ماكرًا
-مش هتلبسيني الدبلة ولا إيه! 
-هتفت بـ إشمئزاز:لبست فـ حيطة يا شيخ
-إقترب في لمحة و همس:لا والله لبست فـ ملبن… 
و إبتعد سريعًا مُقاومًا غرائزه الذكورية، أما هي كتمت شهقة كادت أن تفلت منها، و مدّ هو يده لها و أعاد بـ صرامة 
-لبسيني الدبلة يا عروسة
-هدر عُميّر بـ نفاذ صبر و كان على وشك لكم قُتيبة:كدا كتير أوي… 
نظر إليه قُتيبة من طرف عينه ثم لم يُعِره إهتمام و إلتفت إلى السيد حلمي و قال بـ هدوء 
-إيه يا حج حلمي، ملكش كلمة ولا إيه! مش دا اللي بيحصل فـ الخطوبة
-هتف حلمي و هو يُدير رأسه:لبسيه يا كيان خليه يغور… 
فعلت ما أمرها جدها بـ صمتٍ تام و قسوة بالغة لم تنظر لها خشية أن يقرأ مشاعرها المُتناقضة، و بعدها إتسعت عينيها حينما سمعت عُميّر يقول 
-خليتِ روحنا فـ إيد واحد زيه… 
و قُتيبة لم يهتم بل أدار الحلقة في يدهِ و قال مُتخابثًا
-مكنتش أعرف إنكِ مُتحمسة كدا، صبعي وجعني من إيدك… 
لم تتماشى كيان مع مزحته بل شحب وجهها، هي من أصرت و قررت و كان عُميّر هو الرافض و النتيجة ألقت بـ الجميع معها، سُحقًا لها و لقلبها الأحمق و عقلها الغائب في كُل قرار تأخذه حينما يتعلق به
أظلمت تعابير قُتيبة و لكنه حافظ على هدوء ملامحه، سيكذب إن قال أنه لم يكن مُتوترًا قب قدومه إلى هنا، ليعود و يجلس قائلًا بـ إريحية و هو ينظر إلى عُميّر بـ إغاظة 
-و بما إننا معملناش خطوبة فـ عاوز أعمل فرح
-رد عُميّر بـ حدة:و إحنا مش عايزين
-أكمل قُتيبة بـ نفس الإغاظة:بس أنا عايز، هو ينفع أدخل بيها بيتي من غير فرح يا أبو نسب؟!… 
كانت يتعمد قُتيبة إغاظته و قد نجح فـ نهض يُمسكه من تلابيبه و هدر بـ صوتٍ جهوري 
-بلاش تستفزنا أحسنلك… 
شهقت كيان و حوراء التي نهضت تُحاول إنقاذ الموقف و لكن كف قُتيبة منعها من التقدم، ثم نظر إلى عيني عُميّر بـ هدوءٍ مُثير للغضب و وضع يده فوق الجرح الذي تسبب له من يومين و قال بـ خُبثٍ 
-الجرح لسه مخفش يا صاحب الكافيه، تحب أعمل محضر تاني! 
-جأر عُميّر بـ غضب:أنت بتهددني! 
-هتف بـ بساطة:حاش لله يا بو نسب، أنا بقترح عليك… 
رفع عُميّر قبضته ليلكمه و لكن كيان صرخت و قالت بـ إنهزام
-كفاية بطّلوا خناق و فضايح، سيرتي بقت على كُل لسان… 
إلتفت إليها عُميّر بـ جنون دافعًا قُتيبة ثم هدر بـ حدة 
-و مين اللي وصلك للوضع دا! فهميني و قوليلي! مش كل دا بسببك… 
أمسكه قُتيبة من تلابيبه و أداره إليه ثم هسهس بـ شراسة و عينين تحترقان بـ نيران قاتلة 
-لما تتكلم مع الرجالة متدخلش الحريم فـ الوسط
-أمسكه عُميّر هو الأخر و صرخ:أقسم بالله لاكون مخلص عليك هنا و دلوقتي… 
أمسك قُتيبة يده و قال بـ هسيس دون أن يضطر إلى رفع نغمة صوته
-أنت مش هتحب اللي حصل من يومين يتكرر، و لعلمك أُختك مش هيمسها حد بـ كلمة لا فـ وجودي و لا فـ غيابي… 
نظر إليه بـ قسوة ثم دفعه بعيدًا و ترنح إلا حوراء أمسكت به ثم أكمل قُتيبة و هو يُعدل ثيابه
-أُختك مغلطتش و لو عايز تلوم حد، لومني أنا، لكن هي مش هسمحلك… 
الغضب و الجنون يعُم الأجواء و حقًا قد بدى أن أحدهم سيقتل الآخر الآن، إلا حين نهض السيد حلمي و دفع بـ قُتيبة و قال بـ صوتٍ جاف غليظ 
-مش لبّست دبلك! روّح بقى، و لو عاملي إعتبار أو خايف عليها، إمشي… 
رف قُتيبة بـ عينيهِ ثم تراجع و عدل ثيابه من جديد و قال بـ صوتٍ صلب، مُخيف
-ماشي يا حج حلمي، همشي و قبل ما يكون عشانها فـ هيكون لأني عاملك إعتبار و بعتبرك أبويا… 
العبارة هزت السيد حلمي بـ قسوة و لكنه لم يُظهر ذلك بل حافظ على جمود تعابير وجهه، حتى رحل
و من خلفه سكون مُظلم و أسئلة مُبهمة لم تتجرأ على سؤالها و الأهم أنه ترك بُرعم من الأمل ينمو داخلها دون أن تعرف و إعتراف أبت أن تُطلقه شفتيها و لكن أطلقه قلبها 
أن قلبها لن يُخفق لغيره ما دامت على قيد الحياة 
و أنها لن تُحب غيره و قلبها الذي ظنت أنه زهد ذلك الحب، إكتشفت أنه لا يحيا من دونه
يتبع…… 
لقراءة الفصل الثالث عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى