روايات

رواية لولا التتيم الفصل السابع عشر 17 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل السابع عشر 17 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء السابع عشر

رواية لولا التتيم البارت السابع عشر

رواية لولا التتيم الحلقة السابعة عشر

بعد اعتذارها المباغت الذي لم يتوقعه انخرطت في بكاء عنيف لا يعلم من أين أتى تحديدًا؟ هل هو من خوفها على طفلها؟ أم من شئ آخر يجهله؟ هو بالاساس لم يعرف علاما تعتذر؟ ولكن لن يشكل الأمر فارقًا الآن، هو فقط يؤلمه بكاءها ويثير غضبه من اللاشئ لذا سيحرص على إيقافها، وهذا ما فعله حين جثى على ركبتيهِ أمامها وهي جالسة فوق الفراش ليكن في مواجهتها تمامًا، نظر في عيناها بعمق علّه يتبين ما يدور في عقلها الآن دون سؤالها ولكنه فشل، فغمغم بضيق وهو يمسح دموعها بكفيهِ:

_ بتعيطي ليه دلوقتي طيب؟ هو أنتِ خايفة على يونس؟ مش آدم طمنا و…

قاطعته وهي تنفي برأسها وحاولت التحكم في شهقاتها حتى هدأت قليلاً وقالت:

_ أنا حاسه إني مكنتش حاسه بقيمته.. أنا.. كنت طول الوقت بفكر ازاي اجيب غيره.. عمري ما فهمتك لما كنت بتقولي إنه كفايه هو ونحمد ربنا عليه.. أنا عمري ما شوفته كفاية يا يوسف..انا…

لم تستطع المواصلة لتبكي بحرقة على تفكيرها السابق الذي لم تدرك مدى سذاجته سوى الآن، تنهد بضيق شديد وهو يرى انهيارها هكذا ليجذبها لأحضانه باحتواء تام، ولم يهتف بحرف واحد ليهدأها فقط ترك عناقه يفعل، دفتت رأسها في عنقه تنتحب كلما يأتي بعقلها أن طفلها التي لم تدرك قيمته يومًا قد يعاقبها الله بحرمانها منه، ولكنها تعود لتذكر نفسها أن الله لطالما دومًا رحيمًا بعباده فلن يقسو عليها هكذا، ستتدمر كليًا إن حدث شئ لطفلها الوحيد.

عناقه، وكفه الذي سار برتابة على ظهرها نجحا في تهدأتها بعد قليل من الوقت، ابعدها عنه برفق ما إن شعر بها تهدأ لينظر لوجهها الذي كان عبارة عن لوحة من العذاب رُسمت بيد فنان بارع، ليهمس لها بتروي:

_ ليه فكرتِ في كل ده دلوقتي؟

تنهدت بيأس وقالت بارهاق:

_ عشان حسيت إني ممكن اخسره، وعقلي عمل مقارنة سريعة كده.. لو كان عندي خيار إني اخلف تاني ويونس يروح مني، او يونس يفضل معايا واتحرم من الخلفة، ومن غير تردد كان عقلي بيختار الخيار التاني.. يونس أول فرحتي، عيني شافته، وشيلته، سهرت بيه، وأول حد يناديني ماما، مسكت ايده في اول مره اتعلم يمشي، الوحيد الي كان بيعوضني عن غيابك اوقات في الشغل، ازاي كنت أنانية لدرجة إني فكرت اعرض نفسي للخطر عشان طفل لسه مشفتوش.. مش بس اعرض نفسي للخطر، كمان احكم على يونس إنه يعيش حياته من غير أم تكون جنبه، تفهمه الصح من الغلط، يشتيكلها همه، ويترمي في حضنها لما الدنيا تضيق عليه، تكون معاه في نجاحه وفي فرحه وفي كل خطوه في حياته.. ازاي كنت أنانية كده ومفهمتكش يا يوسف!! أنا مكنتش ينفع اعرض نفسي للخطر عشانه وعشانك.

بنظرات لائمة كان يسألها:

_ يعني اخيرًا اعترفتي إني كنت صح؟

اومأت برأسها وهي تقول موضحة:

_ بس مش صح في كل حاجة يا يوسف، الي عملته يوم المستشفى مكنش يصح، مكنش ينفع تغصبني على حاجه زي دي.

هز رأسه بانكار وهو يقول بمغزى:

_ لما طفل بيوقع ويتعور ويحتاج جرحه لخياطة، لو الأم فضلت سنة تتحايل عليه عشان يروح يخيط الجرح برغبته عمره ما هيعمل كده، عشان كده بتاخده غصب عنه لان ده في مصلحته وهو عمره ما هيتقبل ده، بتتصرف بدافع خوفها عليه مش رغبة منها في التسلط ولا تجبر منها.. فهمتيني يا صفية؟

ابتسمت بخفوت لتقول بخبث:

_ هو أنتَ يعني بتعتبرني بنتك؟

أجابها بصدق وعيناه لم تترك عيناها:

_ أنتِ فعلاً بنتي، ومراتي، وصاحبتي، وأمي لما بتعمليلي فيها دور الواعظة.

أنهى جملته بمرح لم تتقبله وهي تقول بلوم:

_ بس يا يوسف؟

أغمض عيناه لوهلة وهو يرى تطرقهما للحديث في نفس ذات الموضوع الذي دومًا ما ينتهي بخلاف كبير، تنهد فاتحًـا عيناه وهو يجيبها بارهاق:

_ بذمتك الست محتاجة أيه من جوزها اكتر من كده! يعني معتبرها اهم حاجة في حياته، ولا هو انتوا كده يا ستات طماعين؟

حاول المزاح مرة أخرى في جملته الأخيرة، محاولاً بكل جهده ألا ينحدر بها لذلك المنحنى الذي تقوده له، ولكن هيهات أن تخضع حواء لطرق آدم الملتوية، ليبصرها تنهض في زوبعة بدت واضحة على وجهها، وفجأة انفعل جسدها وظهر الغصب جليًا وهي تصرخ بهِ بعد أن استقام مواجهًا لها:

_ هو أنتَ ايه يا شيخ بقى.. قبلك ده ايه؟ جبروت! هو أنتَ مش فاهم قصدي ولا بتستهبل؟ وأنتَ بجد مفيش مشاعرك جواك ليا؟ بجد كل السنين دي سوا مشاعرك متهزتش؟ أنتَ الي مبتحسش ولا أنا الي وحشة للدرجادي؟؟!

__________________

وبنفس الوقت في مكان آخر بعيد..

أشار للرجال باتباعه في صمت حين قاد هو عددًا منهم دالفًا من جهة واحدة، وباقي الفرقة فرقوا أنفسهم على جميع المداخل لينجحوا في تطبيق عنصر المفاجأة وتضييق الخناق عليهم حتى لا يلوذوا بالفرار، قتلوا كل من قابلوهم دون رحمة، فمن لا يرحم لا يُرحم.. ولكنهم احتفظوا بثلاثة ظهر أنهم القادة لمن كانوا بالمكان، فحرصوا على أسرهم كي يصلوا للمزيد من المعلومات عن ذلك التنظيم الذي انعدمت الرحمة من قلوب كل من هم فيه..

توقفوا في منتصف المكان بعدما لم يجدوا أثرًا للطفل بالمكان، فهتف “سيف” “من فرقة الأسود” :

_ آدم أنتَ مش قولت إنك اتاكدت إن مكانه هنا؟

زفر “آدم” بضيق شديد وقد كان يأمل أن يجد الطفل هنا:

_ اخر كاميرا في الشارع جابته كان في المنطقة دي.. ومفيش غير المصنع المهجور ده الي ممكن يكون فيه.. اصلاً أنتَ شايف حاجه حولينا غيره!

عقب “يحى” قائلاً:

_ ما نستجوب ال٣ الي في البوكس بره.

أجابه “حازم” ساخرًا:

_ نستجوب ايه؟ دول عاوزين ولا يومين عشان بس يفهموا احنا بنسأل على ايه! مفيهمش حتة سليمة يا بني.

وفي أثناء حديثهما استمعا لصوت طلقات نارية تأتي من مكان مجهول..

_______________

ذكر ربه في سره عدة مرات ليهدأ قليلاً ويجيب على حديثها بكلمات منمقة لا تزيد من اشتعال الأجواء بينهما، وما إن شعر بذاته قد هدأ حتى سألها مستنكرًا:

_ هو ايه يا صفية الي الحب هيضيفه زيادة في علاقتنا؟ احترام، مودة، كلام حلو، احتواء، أني أكون شايفك أحسن وأجمل ست في الدنيا، عيني متنبهرش بغيرك، اتمسك بعلاقتنا مهما حصل.. كل ده بيحصل أصلاً! يبقى ايه الي ناقصك بجد، عشان تنكدي علينا حياتنا كده؟

أجابته باصرار على موقفها:

_ ناقصني أحس إني الوحيدة الي هنا.

قالتها وهي تشير لقلبه، ليبتسم ساخرًا يقول:

_ وطبعًا عقلك مصورلك إن شيرين هي الي هنا مش كده؟

أجابته بحقيقة تقرها:

_ لو مكانتش هنا، كان زمانك حبتني.

_ تعرفي طول الشهور الي فاتت الي بعدنا فيها عن بعض فكرت كتير اوي في الموضوع ده.. ووصلت لمبرر يمكن يكون مقنع..

تنهد بقوة زافرًا أنفاسه المحتبسة قبل أن ينظر لها وهو يقول:

_ يمكن عقلي متسستم إنك مجرد زوجة، يمكن عشان علاقتنا لما بدأت انا فهمتك ده وفهمتك إنك متنتظريش مني الحب فعقلي مرسخ القاعدة دي لدرجة إن لو فعلاً قلبي حبك عقلي هيفضل شايفك البنت الي اخترتها زوجة وأنا مبحبهاش ومش ناوي احبها.. بس.. بس لما بسأل نفسي يا ترى كل الازواج الي مبيحبوش زوجاتهم بيعملوا الي أنا بعملوا عادي؟ يعني هل الي بعمله اي زوج كويس هيعمله مع زوجته حتى لو مبيحبهاش؟ حسيت إن لأ.. هيعاملها كويس وهيحترمها وهيودها اه لكن مش هيحسها بنته وأمه ولما تغيب عنه حياته تقف إلا لو كان بيحبها.. مش عارف.. بجد مش عارف إذا كانت كل تصرفاتي معاكِ دي حب ولا ايه!

ابتسمت ساخرًة رغم تأثرها بحديثه وسألته:

_ والمفروض أنا الي أقولك؟

نفى رأسه مجيبًا:

_ لا، المفروض تتحمليني وتقدري حيرتي والحرب الي دايرة جوايا.. المفروض تحافظي على بيتنا اكتر من كده ومتسبيش موضوع زي ده يدمره.

اومأت برأسها بتعب وقالت:

_ حاضر.. حاضر يا يوسف.

وقد كان قرارًا حقيقيًا نابعًا من داخلها في أن تكف عن تفكيرها حول الأمر، لن تخرب حياتها بيدها من أجل أي شئ مهمًا كان.. ستتحمل كما تحملت السنوات الماضية..ستركز على كونه يتصرف معها كما تريد أي أنثى محلها، ستركز على كل جميل يفعله معها فقط دون النظر لشيئًا آخر .

_____________

تتبعوا مكان إطلاق النيران حتى وجدوه يأتي من نفق يشبه القبو أسفل المبنى المتواجدين بهِ وفيهِ درجات تؤدي لأسفل التفوا حول الباب المؤدي لأسفل وبدأوا في تبادل إطلاق النيران.. حتى التقط آدم قنبلة يدوية وقام بقذفها لتصل للقبو.. ولكن حدث ما لم يتوقعه حين أمر الجميع بالخروج من المصنع المهجور ولكن أثناء ركضه للخروج هو الآخر توقف وجحظت عيناه بشدة حين أبصر طفلاً صغيرًا يقف في المقدمة وحوله عدة أطفال أخرى بينهما وبين القنبلة عدة سنتيمترات….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى