روايات

رواية لولا التتيم الفصل الثامن عشر 18 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل الثامن عشر 18 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء الثامن عشر

رواية لولا التتيم البارت الثامن عشر

رواية لولا التتيم الحلقة الثامنة عشر

“كل مُر سيمر، وكل حدث له نهاية سواء كان سعيدًا أم تعيسًا، لربما نحتاج فقط للتحلي، التحلي بالصبر والهدوء والتفكير الصائب، فأكثر جُرم نرتكبه في حق أنفسنا هو فعل لم يكن بوقته وربما لو تريثنا قليلاً لمَ فعلناه.. جُرم كفيل بهدم علاقة وقطع روابط دامات للكثير”

وهذا ما قررت فعله، حين صمتت ولم تجادل مرة أخرى حول شأن حبه لها من عدمه، فلتنتظر حتى تطمئن على طفلها أولاً وتهدأ ثانيًا، فهي تقسم إن حدثته الآن ستصر بكل جهدها على الطلاق بلا رجعة، لذا أثرت التريث وحبذا ما فعلت.

ساعة، اثنان، وبالساعة الثالثة كان جرس الباب يدوي برنينه المعروف، لينتفضا واقفان بعد كل هذا الصمت وركض “يوسف” قبلها للخارج ممنيًا نفسه أن الزائر هو “آدم” وابنه.. وما إن فتح الباب ورآه أمامه حتى تيقن ظنه، فالتقطه على الفور بين أحضانه بقلب أب متلهف شوقًا لطفله وهو يهمس متسائلاً:

_ أنت كويس يا حبيبي؟ حد عملك حاجه؟

ابتعد الصغير عن أحضان أبيه بأعين دامعة وهو يقول بنبرة مرهقة:

_ أنا كويس.. بس مش عاوز اروح هناك تاني.

هز رأسه نافيًا وهو يقول:

_ مش هتحصل تاني اوعدك.

وفي هذه اللحظة ظهرت صفية وهي تصرخ فرحًا باسمه:

_ يوووونس..

افلته “يوسف” من أحضانه لينتقل لحضن والدته تضمه لها بلهف وشوق، تقبل كل أنش بهِ ولسانها لا يتوقف عن ترديد الحمد، ابعدته بعد مدة وهي تنظر لوجه بتفحص:

_ أنتَ كويس يا حبيبي؟

اومئ الصغير براحه استشعرها أخيرًا بين أحضان والديهِ:

_ أنا جعان.

أدمعت عيناها تأثرًا وهي تهتف بهرولة:

_ عنيا يا حبيبي كل الأكل الحلو ليك.

التمع الحماس في عينيهِ ليسألها بتردد:

_ يعني هتعمليلي شاندوتيش نوتيلا؟

ابتسمت بسعادة وهي تجيبه:

_ واحد بس! ده انا هعملك عشرة.. تعال.

أخذته ودلفت للداخل دون انتباه حتى ل”آدم” الواقف بصمت يتابع فرحتهما ليشعر بالفخر من ذاته، التفت له “يوسف” يقول معتذرًا:

_ أنا أسف، بس لهفتنا عليه خلتني نسيت اقولك اتفضل.

أنهى حديثه مفسحًا الطريق أمامه، ليبتسم الأخير باعتياديه:

_ لا عادي أنا متعود على اكتر من كده خصوصًا في المواقف دي.. في ناس كانت بتاخد الي ليها وتمشي من غير حتى ما تبصلي بصه.

اشار له” يوسف” بالمكان الذي سيجلس بهِ، ليجلس الأخير بارتياحيه بعد ساعات من العمل المتواصل كي يستطع إعادة الصغير :

_ بس تعرف، خطف ابنك جه مصلحة هايلة لناس كتير.

قطب “يوسف” حاجبيهِ مستغربًا:

_ ازاي؟

تنهد “آدم” مبتسمًا وهو يجيبه:

_ “رب ضارة نافعة” كل ما بيعدي أحداث عليَّ بتأكد من صدق المقولة دي، ابنك كشفلنا وقر الناس دي، مش كده وبس.. ده أنقذ ٧ أطفال كانوا معاه، بأعمار متفاوتة، وشاب عنده تقريبًا ٢٠ سنة كان شغال معاهم بالاجبار.

هز رأسه بعدم استيعاب:

_ لا فهمني براحة بقى.

ابتسم بهدوء وهو يتذكر ما حدث قبل ساعات قليلة..

اتسعت عيناه دهشة وخوف حين رأى القنبلة التي قذفها أصبحت تمامًا بين كم كبير من الأطفال، ليشعر بالتلجم ولم يحسن التصرف لثواني كانت كفيلة لذلك الشاب للخروج من أحد الجوانب وهو يصرخ بالأطفال أن يهرعوا لأحد الممرات التي يعلمها جيدًا والتي تؤدي للخارج، وما إن أدرك “آدم” ما يحدث حتى ركض هو ومن معه للخارج بعدما صرخ بهم أن يخلوا المكان، وحين وصل الجميع للخارج دوى الانفجار، ليرى “آدم” الأطفال بصحبة ذلك الشاب من بين الأتربة ورماد الانفجار، فاتجه إليهِ بحرص مشهرًا سلاحه قبل أن يرفع الشاب ذراعيهِ وهو يصيح بارتعاش خائف:

_ أنا مأذيتهمش كنت بساعدهم والله.

_ انزل على ركبك.

جملة صرخ بها “آدم” ليفعل الشاب فورًا، وحضر “سيف” ليسحب الأطفال بعيدًا، طالع الشاب بتفحص قبل أن يسأله:

_ أنتَ بتشتغل معاهم؟

نفى برأسه ثم أومئ بتردد وقال:

_ مش زي ما أنتَ فاهم.. أنا.. هم أجبروني، بقالي معاهم كام يوم بس.. بس هم أجبروني، أنا مكنتش عاوز.

صراخه، تردده، خوفه الواضح، ارتعاش جسده، نحيبه الخافت الذي بدأ، كل هذا أكد ل”آدم” صدقه، فعلى صوته وهو ينادي:

_ حاازم.

أتى “حازم” بعد ثواني، ليكمل:

_ شوف السجلات الي معاك فيهم صوره للواد ده.

_ ارفع راسك.

رددها “حازم” بقوة، ليفعل الشاب رافعًا رأسه وعيناه الخضراء التي تلونت بسحابة رمادية بنفس الوقت لتعطي لونًا رائعًا ترتعش نظراتها بخوف، تفقده “حازم” ثم قال:

_ لا مش موجود.. ممكن يكون انضم ليهم قريب.

عقب “آدم” :

_ ماهو ده الي قاله فعلاً..

نظر للشاب مليًا يفكر في أمره حتى تسائل أخيرًا:

_ اسمك ايه؟

بنفس النبرة المرتجفة أجاب:

_ محمد.

زفر أنفاسه قائلاً بحسم لقراره:

_ ماشي يا محمد.. هتروح معاهم القسم يخلصوا بس الاجراءات وهتمشي على طول كده كده مفيش حاجه عليك، بس قولي أنتَ قابلت زعيم الليلة دي؟

نفى برأسه وعيناه تنضح صدقًا:

_ لا، مشفتوش ولا مرة.

اومئ برأسه بلامبالاة فيبدو أن هذا الشاب لن يفيده، ليهتف ل “حازم” :

_ خده على العربية.

نهض يسير أمام “حازم” بخطى مذبذبة وجسد يرتعش، وعينان مسلطتان على الأرضية، عينان ظهر بهما الآن مدى الشر الكامن بداخلهما، عينان تلونتا بالخبث والدهاء، يبتسمان بسخرية على حماقة رجال الشرطة الذين صدقوه بسهولة، وكيف لا وهو من يتقن كل شئ.. الكذب، والتصنع، يتقن جيدًا تقمس أي شخصية تطلبها الظروف ليخرج كالشعرة من العجين كما يقولون..

شاب لم يقل اسمه الحقيقي، لم تكن نظراته حقيقية، لم يكن خوفه حقيقي، لم تكن حتى ارتعاشة جسده صادقة.. شاب أثبت أن “آدم الصياد” مجرد ضابط سابق أحمق!! وللحق إن أثبت هذا على ضابط من أكفأ الضباط في مجاله.. إذًا يجب الخوف منهُ.

انهى سرده لِمَ حدث وقال:

_ بس يا سيدي.. الأطفال اكتشفنا إن في منهم مغيب من شهر، والحمد لله رجعوا لأهاليهم، والشاب هو كمان رجع لحياته.

_ الحمد لله.

رددها “يوسف” براحة داخلية شاكرًا الله أن الأمر انتهى هنا، ليتسائل:

_ كده الموضوع خلص؟

هز رأسه نافيًا بضيق:

_ للأسف لأ، طول ما معرفناش مين كبير المنظمة دي… بس عمومًا بالنسبه لك مش هيفكروا يقربولك تاني لانهم هيبقوا مكشوفين، مش هيحطوا نفسهم في موضع خطر زي ده، وبرضو معارفي هيحطوا حراسه عليك أنتَ وأسرتك لشهر كده من بعيد لبعيد عشان نشوف لو في رد فعل ولا لأ.

اومئ برأسه متفهمًا في هدوء ثم قال:

_ ربنا يستر.. أنا بجد مش عارف اشكرك ازاي لولاك…

قاطعه “آدم” بعدما نهض مبتسمًا:

_ مفيش داعي تشكرني.. انا شكري بيوصل بفرحتكوا برجوع ابنكوا.

طالعه “يوسف” بامتنان:

_ بجد ربنا يكتر من أمثالك.

تحرك للخارج وهو يردد بمرح:

_الخير في أمتي ليوم الدين يا عم يوسف، بعدين أنا معملتش حاجه لكل ده الموضوع بسيط، ربنا يباركلك فيه.

انهى حديثه حين وصل للباب ليقول “يوسف” بجدية:

_ مستعجل ليه طيب، استنى نتغدى سوا، ومش عزومة مراكبية والله.

التفت مبتسمًا باقتضاب:

_ تسلم واجبك وصل.. السلام عليكم.

_ وعليكم السلام ورحمة الله.

رددها بتوديع قبل أن يغلق الباب ويتجه لمحل تواجد أسرته الصغيرة ألا وهو المطبخ، وقف على بابه يتابع تناول الصغير لطعامه بشراهة ليتنهد بحزن على ما عاشه بسببه تلك الأيام الماضية التي بالطبع لم تخلو من الجوع والخوف و البكاء، وكان هو عاجزًا عن إنقاذه باكرًا.

انتبهت لوجوده وشروده الذي ظهر عليهِ بنظرته الحزينة التي تحفظها جيدًا أعلمتها بما يفكر، لتحاول إقصاءه عن تحميل ذاته الذنب أكثر فقالت بمرح:

_ تعالى يا بابي الحقلك معلقة نوتيلا لاحسن يونس هيخلصها كلها.

اقترب منهما ضاحكًا بخفوت ليلتقط برطمان “النوتيلا” وهو يبعده عن يد طفله مغمغمًا بضيق زائف:

_ كده يا صفية! بتسبيله البرطمان يخلصه أنتِ عارفه إني بحبه.

قطب الصغير حاجبيهِ:

_ يا بابي النوتيلا للصغيرين.. أنتَ صغير يعني؟

رفع حاجبيهِ له بدهشة وهو يردد:

_ صغير! هي للصغيرين بس! مين ضحك عليك وقالك كده! وبعدين اه أنا صغير.

ردد الأخيرة بسماجة، ليزفر “يونس” بضيق قاطبًا حاجبيهِ معلنًا غضبه الطفولي، وفي خضم شجارهما الطفولي كانت صفية تلتقط ملعقة مملوءة من مسحوق الشيكولاته الرائع لينظرا لها هاتفان في صوت واحد:

_ مامي…!!

_صفية..!!

أخرجت الملعقة من فمها وهي تضحك عليهما:

_ في ايه سرعتوني! عادي يعني يا يونس جو هيجبلنا غيره.

رفع “يوسف” حاجبه بسخرية رغم سعادته الداخلية لاستعادة هذا الجو بينه وبين عائلته الصغيرة الذي لم يعيشه منذُ أشهر.. هذا الدفء، والأصوات التي تتعالى ليعم الضجيج في أجواء الشقة، تلك الشقة التي كانت كالقبر في سكونه المريب منذُ غيابهما عنه، الآن فقط دبت الروح في هذه الشقة من جديد.

_________________

بخطى ثابتة، وجسد شامخ، ونظرات واثقة، لا تمت أبدًا لعمر حاملها، كان يسير بتروي وهو يضع لفافة من التبغ البني الفاخر في جانب فمه فقط، وعيناه تطوف حوله بتقييم أثار الذعر في من يقفون باستواء وكأنهم في محكمة ما، أو يؤدون أحد صلواتهم بخشوع!
انتهى الممر ليقف أمام الباب المعني فاتحًا إياه بهمجية بحتة نبأت من بالداخل بهويته، فمن سيدلف بهذه الطريقة غيره!

_ welcome بالفاشل.

قست ملامحه وهو يجلس بارتياح شديد على أحد المقاعد ومدد قدميهِ بمنتهى قلة الذوق فوق الطاولة الصغيرة، بينما أزال بإصبعيهِ اللفافة قائلاً بصوت رخيم:

_ الفاشل ده لولاه كان زمانك مش عارف تقعد في البلد لحظة، لولاه كان زمان مصر كلها عرفت هويتك.

رفع الأخير حاجبه المجعد يبدو أنه أثر لحرق ما لم تنجح عمليات التجميل في معالجته وهو يقول:

_ مش من حبك فيا يا حليتها.. أنتَ بس عشان خايف على السنيورة.

حدقه بجانب عيناه وهو يضغط أسنانه بقسوة بينما ردد بجدية بحتة مخيفة:

_ قولتلك قبل كده سيرتها متجيش في كلام بينا.

ضحكه ساخرة خرجت من فاهه وهو يقول:

_ خلاص متتحمقش مش هجيب سيرتها، قولي خرجت منها ازاي؟ سابوك عادي كده من غير تحريات؟

التقط نفس عميق من لفافته وزفره بتروي وهو يقول بهدوء ثلجي:

_ ما يدوروا! أنا تحرياتي نضيفة ولا نسيت إني مبسبش ورايا هفوة.

رفع الأول حاجبه بتمعن وهو يقول باعجاب لم يخفيه:

_ شوف رغم إنك يدوب مكملتش ٢١ سنه بس مخك ذري وهيبقى ليك مستقبل باهر.

نهض بغتًة وهو يقول:

_ ميهمنيش ابهرك، حقي فين؟

_ وصل قبل ما توصل أنتَ هنا، الفلوس اتحولت على البنك.

اطفأ اللفافة في أحد الطفائات قبل أن يومئ بإيجاب متجهًا للخارج، لكنه توقف على صوت الأول الذي صدح في تساؤل:

_ الا قولي صحيح، هي لسه معرفتش حقيقتك؟ يعني لو بتخطط تتجوزها أنتَ عارف إن في دينهم مينفعش يا…

قاطعه على الفور ملتفًا بأعين محتقنة وظهر بها شرارت تنبأ ببركان أوشك على الانفجار:

_ مراد… ولا عندك رأي تاني؟ بعدين محدش طلب تدخلك.

رفع الاول منكبيهِ ببرود:

_ قولت اعمل بدوري كأب.

رفع “مراد” جانب شفتيهِ قائلاً بسخرية:

_ حقك ده فقدته من زمان.

وما إن أنهى حديثه حتى هرول مسرعًا للخارج بعدما شعر بأنه لربما يتأخر دقيقتان أضاعهما مع هذا التافه في الجدال عن خروجها من المدرسة الثانوية.

نظر لطيفه باستهزاء مرددًا لذاته:

_ غبي.. هيضيع نفسه بسبب الحب وسنينه، اما نشوف اخرتها معاك يا… يا إبرام..

__________________

أربعة وعشرون شهرًا كاملين مروا بأحداثهم على الجميع فكل يوم نحيا بهِ لابد أن يحمل في جبعته أحداث سواء كانت عادية أم مُحمله بعناصر جديدة تغير مجرى اليوم.

على صراخه عليها لتهرول من المطبخ بفزع وهي تردد بصراخ مماثل:

_ في ايه؟

اتسعت عيناها وهي تبصر طفلها يأخذ أول خطواته في الوقوف مستندًا بمفرده دون مساعدة، لتضحك بحماس وهي تشجعه:

_ برافو يا زيزو كمل يالا.

رفع عيناه الصغيرة التي تشبه والده تمامًا ليضحك لها ببلاهة ثم سقط فجأة لتلتقطه يد أبيهِ على الفور وتعالت ضحكاتهما عليهِ، حتى قالت “ريهام” :

_ الله يسامحك يا عاصم خضتني بطريقة ندهك دي.

أجابها من بين ضحكاته:

_ أنا اتفاجأت لما لقيته واقف لوحده، من حماسي بدل ما اناديكِ بهدوء صرخت.

اتجهت للجلوس جوارهما وهي تقبل طفلها بقوة:

_ ياخواتي اسم الله عليك، عقبال ما اشوفك بتجري كده قدامي.

_ خدي بالك لو جري هيكسرلك الشقة دي حتة حتة.

عقب بها “عاصم” لتضحك بخفوت وهي تستدعي أحد مشاهد الممثلة الشهيرة “عبلة كامل” وهي تقول:

_ ابني يخسر ويكسر زي ماهو عاوز.

رفع حاجبه باستهجان:

_ والله! وأنا امبارح تلوي بوظك عشان مج انكسر غصب عني!

أحاطت عنقه بذراعيها بدلال وأقبلت تقبل إحدى وجنتيهِ:

_ يا صاصا مانتَ الي جايبه وكان ذكرى حلوه منك، عشان كده زعلت لما انكسر..

قلب عيناه بضيق:

_يادي صاصا دي.. الواد زياد بقى بيلقط كلام لو لقيته في مرة بيقولي صاصا دي هعلقكوا انتوا الاتنين في المروحة.

ضحكت ضحكة عالية بها الكثير من الدلال الأنثوي وهي تسأله:

_ نهون عليك يا ابو زيزو؟

حدقها بنظرة عابثة علمت مغزاها قبل أن يتحدث حتى، واتبعها بقوله:

_ بصي على حسب.. يعني لو…

قطع حديثه أحد الألعاب التي اصطدمت بوجهه والفاعل بالطبع كان “زياد” الذي مازال يضحك ببلاهة، لغمغم هي ضاحكة:

_ شوفت عشان نيتك مش سالكة.. اعمل احترام لزيزو عيب كده.

نظر لها بغيظ قائلاً:

_ ايوه ماحنا محتاجين نجيب غير زيزو.. ولا الإنتاج هيقف على كده!!

اتجهت لطفلها تلاعبه بأحد العابه وهي تقول ضاحكة:

_ شكلها كده مادام زيزو باشا موجود.

ابتسم بسعادة على هذا المشهد الذي أمامه، مشهد يسر أنظار أيًا من يراه، بين أم وولدها..

الاستقرار هنا يتجلى في أبهى صوره، وليس الاستقرار فحسب بل الدفء، الاحتواء، الكثير من الحب الصادق البعيد عن أي رياء أو أحقاد شخصية.. هنا حيثُ العائلة.

جاهد في نسيان كل ما مضى، ولحبه لها لم يجاهد كثيرًا.. فقط بحسبه بسيطة في لحظة صفاء عمل موازنة بين الطرفين ليكن النتيجة هي التعادل.. هو خذلها وأخطأ حين عرض عليها الزواج سرًا وتمادى في خطأه.. وهي كذبت وأخطأت حين قبلت عرض زواجه وتمادت في خطأها.. إذًا الأطراف متساوية، وللمضي قدمًا يجب القذف بتلك الذكريات في نهرًا بعيدًا شديد العمق.

____________

الصداقة ليست دومًا تكون هداك للطريق الصحيح، فبعض الصدقات تضل.

كأي شخص غريب، وبعيد بعلاقته كل البعد، كانت تنهي محادثتها بجملة اعتيادية متكررة في مثل هذه المواقف:

_ الف مبروك مرة تانية وربنا يكتبلك الخير.

اغلقت الهاتف بهدوء تام، وهي تنظر أمامها بشرود، كيف من كان رفيقًا أمس يصبح غريبًا اليوم بهذه البساطة؟ “نانسي” من كانت تمثل لها صديقة وأخت وجزء لا يتجزأ من حياتها، الآن هي مجرد معرفة! علاقة مهمشه لأبعد حد، وللحق “لليان” هي من ابتعدت بحياتها، فيكفي نزاعًا بين صديقة وزوج، يكفي حديثًا سامًا يهد علاقتها الزوجية مرة أخرى.. حين أنجبت طفلها “حسن” وقتها لم ترد شئ في الحياة أكثر من الاستقرار وتهيأت جو مناسب للصغير، ومن هنا كانت نقطة البدء.

شعرت بقبلته فوق شعرها من الخلف، لتنهض فورًا مبتسمة ببشاشة:

_ حمد الله على السلامة يا حبيبي.

وبابتسامة مرهقة من أثر العمل كان يجيبها:

_ الله يسلمك يا حبيبتي، كنتِ بتكلمي مين؟

_ دي نانسي، كانت بتعزمني على خطوبتها.

“نانسي” لم تعد تشكل خطرًا بالنسبة له لذا هتف بهدوء:

_ هتروحي؟

نفت برأسها:

_ لأ ده هيبقى قبل تطعيم السنة ونص بتاع حسن بيوم واكيد هيكون تعبان، انا اعتذرتلها.

اومئ برأسه متفهمًا:

_ زي ما تحبي، بس لو عاوزه تروحي ممكن تسبيه مع ماما.

_ لالا، مقدرش اسيبه وامشي، أنتَ عارف ببقى خايفة عليه ازاي عشان الحساسية الي عنده، بعدين الموضوع مش مستاهل دي خطوبة يعني هبقى اروح الفرح ان شاء الله.

صمتت قليلاً ثم قالت وهي تتفحصه:

_ شكلك مرهق النهاردة زيادة.

اومئ بتأكيد:

_ اوي.. كان عندنا تحميل في المحلات، وحوار إني فتحت فرعين تانيين وبعاد عن بعض ساحلني.

اقتربت منه بخطى متريثة وهي تقول:

_ ايه رأيك لو تدخل تغير هدومك وتاخد شاور سخن كده واعملك أحلى مساج يفك جسمك.

غمز لها بعيناه وهو يردد مبتسمًا:

_ يا مدلعني أنتَ.

أحاطت ذراعه بكفها وهي تدفعه بخفه للداخل:

_ وماله ما دلعك، مش أنتَ طول اليوم بره وبتشتغل عشنا ومش مخلي نفسنا في حاجة.. يبقى واجبي ادلعك واهننك كمان.

أحاط خصرها بذراعه ضاحكًا:

_ واهننك دي كلمة ماما، بقيت بحسك بترددي معظم كلامها.

ضحكت بخفوت تدعم حديثه:

_ طنط دي كلامها عسل مبيتشبعش منه.

قاطعهما بكاء الصغير مناديًا والدته بهمهمة خافتة، لتتوقف قائلة ل “بدر” :

_ يي اهو حسن صحي.. على ماتاخد الشاور اكون اكلته وحطيتله لعبه واجيلك.

اومئ موافقًا وهو يمطئ ذراعيهِ بكسل:

_ خدي وقتك انا اصلاً يمكن انام قبل الشاور.

_ لا مفيش نوم.. ده خطيب عليا جاي بعد شوية معزومين كلنا على الغدا تحت عند طنط.

_طب كويس إنك عرفتيني.. ادخل افوق بقى.

نظرت لأثره بتنهيدة لا تستوعب أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من خسارة هذا الرجل العظيم، أحيانًا تتسائل كيف العِناد والتحدي قد يكونا سببًا في هدم علاقة لو اكتملت لكانت من أروع العلاقات على الإطلاق، ولكن الحمد لله على كل إفاقة أتت في وقتها تمامًا لتنقذ الأمر…

“لليان” أصبحت زوجة بحق، جديرة بهذا اللقب بكل ما يحمله من معنى.. تشجع وتعافر وتدفع وتصبر، تقف في ظهر زوجها ومعه أينما يكون، كونت أسرة أخرى غير أسرتها الخاصة التي لا تحوي سوى أبيها.. الآن أصبح لديها أسرة زوجها، لم تعد تشعر بالوحدة القاسية كالسابق، لم تعد حياتها فارغة كما كانت.

وبعد الكثير من الخفقات.. وقفت لتعلن انتصارها، ولم تكن جائزته مادية بل معنوية بحتة.. ألا وهي العائلة.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى