روايات

رواية وما ادراك بالعشق الفصل السادس 6 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الفصل السادس 6 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الجزء السادس

رواية وما ادراك بالعشق البارت السادس

رواية وما ادراك بالعشق الحلقة السادسة

الفصل السادس _ الحب خذلني _ :
قبل واحد و أربعون عامًا …
لقد مرّ على زفافهما شهر بالتمام، عصفوريّ الغرام “يحيى البحيري” و “فريال المهدي”.. كلاهما وريثين لإثنتين من كبرى العائلات المعروفة بالوطن الأم و العربي قاطبةً
كان زواجًا مباركًا من الجميع، من العائلة و المجتمع، و فوق كل هذا كان مبنيًا على الحب، عامين من المواعدة التي ما لبثت أن تحوّلت إلى خطبة، ثم أخيرًا كلّل الزواج علاقتهما المتآججة، و تزوّج “يحيى” المصري حتى النخاع من “فريال” ذات الأصول التركية من جهتيّ الأم و الأب معًا، بعد إقامة عرس ضخم بأفخم فنادق المدينة الساحلية، حصل العروسين على هدية الزواج بطاقتيّ سفر للإنطلاق برحلة شهر عسل حول أوروبا كما كانت رغبة “فريال”.. و قد كانت جولة مذهلة.. رائعة بتجربة جديدة كليًا و هي حقيقة كونها باتت زوجة لحبيبها الذي اختاره قلبها رغم حداثة سنّها !
أيقنت بأنها عثرت على رجلها و لن تندم أبدًا على الإقتران به، كما هو لم يتردد عندما قررالمجيئ بوالديه لطلب يدها، لقد أرادها بدوره، أحبّها و هذا ما دفعها للقبول دون تفكير، ثقتها به و اطمئنانها له، عرفت بأنه لن يخزيها أبدًا.. أبدًا
انقضت الرحلة و عادا إلى الوطن، أقامت “فريال” برفقة زوجها بقصر آل”البحيري” و قد حُملت على أكف الراحة فعليًا، أبدت العائلة سعادةً بالغة بها، حتى شقيق زوجها الأكبر “رفعت البحيري” و زوجته الشابة الجميلة “رضوى الألفى” التي تزوج بها “رفعت” بعد خطبة أخيه مباشرةً دون تمهيدٍ حتى
كل شيء كان على ما يُرام، و لا يمكن لـ”فريال” أن تكون أكثر سعادة مِمّا هي، و لكن هناك شيء، شيء مستجّد، إن “يحيى” إنسان عطوف للغاية، كريم حتى في مشاعره المرهفة، و لكنها منذ عودته معه من شهر العسل لا تشعر بالراحة، تحديدًا في الفراش، في بداية أيام الزواج كان أرق ما يكون، أحبّت كل شيء بينهما، قبلاته و لمساته و كل شيء، و لكنه تحوّل جذريًا هنا في عشّ الزوجية، صار متطلّبًا أكثر، جريئ، و أحيانًا.. بذيئ !!
لم يفعل لها شيء معيب، و لم يؤذيها أبدًا، لكنها بطريقةٍ ما أحسّت بالإهانة، فليس هذا “يحيى” الذي أحبّته، و كأنه صدمها بحقيقة أخرى عنه لم تكن تعلم بها، هذا النموذج منه لم تحبه، بل أرادته كما كان دومًا منذ عرفته، حنون، لطيف، مهذبًا حتى في هذا الأمر الخاص.. أرادت أن يكون تقليديًا.. لقد تغاضت عن أفعاله مرة و لم تعلّق حتى.. و لكنها لم تسمح له عندما إلتمست منه النيّة في تكرارها
أبعدته عنها فورًا، و نهضت من الفراش هاتفة باحتجاجٍ :
-يحيى من فضلك. أنا مابحبش كده !!!
تطلّع إليها مشدوهًا، و قال و لا يزال متكئًا في مكانه :
-في إيه.. إيه إللي حصل يا فريال !؟؟
تأففت بتوتر ملحوظ و ردت عليه منفعلة :
-إللي حصل إن تصرفاتك بقت مش مقبولة. ماينفعش تعاملني كده.
ازدادت حيرته و دهشته أكثر فأكثر، ليقوم من السرير الآن و يقف في مواجهتها عاري الصدر هكذا …
-أنا مش فاهم حاجة !! .. قالها بحدةٍ، و تابع :
-إيه الغلط إللي أنا عملته ؟
سحبت نفسًا عميقًا كي تتمكن من السيطرة على أعصابها أكثر حتى لا يتحوّل النقاش بينهما إلى مشادة، ثم بدأت تشرح له ما يضايقها، أفصحت له عن مشاعرها كلها و أشارت إلى النقاط الحسّاسة التي عليه ألا يقترب منها مجددًا
ظل “يحيى” مصغيًا إليه بصمتٍ، لم يقاطعها أبدًا رغم تعابير الدهشة و الغرابة التي جللت وجهه طوال الوقت و هي تتحدث، حتى فرغت، رد عليها بلهجة جامدة أقرب إلى السخرية :
-هو ده إللي مزعلك بجد ؟ غريبة. دي مش أول مرة. احنا بقالنا شهرين متجوزين يا فريال !!
عقدت ذراعيها أمام صدرها و هي تعبس قائلة :
-أنا مش متعوّدة منك على المعاملة دي. انت دايمًا كنت حريص على مشاعري أكتر من كده. و أنا دلوقتي مراتك.
أومأ لها قائلًا بصوتٍ أجش :
-بالظبط. مراتي. يعني قصة الحب العذري بتاعة فترة الخطوبة دي انتهت خلاص. وضعك معايا دلوقتي مختلف.
عقّبت بذهولٍ : قصدك إن حبنا اتنهى لما اتجوزنا يعني !؟
-لأ طبعًا مش ده قصدي ! .. صاح بنزقٍ
فأجفلت …
تمالك “يحيى” نفسه طاردًا زفيرًا مطوّل من صدره، استدار حول الفراش ماضيًا نحوها، وقف بجوارها و رفع يديه ممسكًا بكتفيها، أدراها لتواجهه، ثم قال موجهًا إلى عينيها نظرات عينيه الآسرة :
-فريال.. انتي مش مجرد زوجة بالنسبة لي. انتي حبيبتي. أنا بحبك. و انتي كمان بتحبيني صح ؟
أومأت له أن نعم في نفس اللحظة، فابتسم مكملًا :
-أنا عايزك تكوني واثقة إن عمري ما أعمل حاجة تحسسك بالإهانة زي ما قولتي. و لما قلت لك عن مشاعر فترة الخطوبة إنها انتهت كان قصدي إن مشاعرنا وقتها كانت بريئة. دلوقتي الوضع مختلف. احنا متجوزين. ده فصل جديد في حياتنا طبيعي تحسي بالغرابة في أوله. لكن أكيد هاتتعودي.
اتسمت نبرتها بالتصميم و هي تقول :
-كل إللي بتقوله أنا موافقة عليه. لكن الحاجات إللي بضّايقني مش هقدر أقبلها. انت ماكنتش كده أول ما اتجوزنا دي تصرفات جديدة.
صمت “يحيى” و امتنع عن الرد لبرهةٍ، نظر لها بوجومٍ بينما عقله لا يتوقف عن التفكير، إنها تظن بأن طبيعته كانت بعلاقته بها طوال شهر العسل، و لكنها لا تعرف بأن النسخة التي لا تعجبها منه الآن هي في الأصل حقيقته
إنها لا تتقبّل حقيقته إذن !
ماذا يفعل الآن ؟ .. الواقع إنه لن يفعل شيئًا.. فهو بعيدًا عن حبّه الكبير لها لا يمكنه أن يسمح لنفسه باجبارها على أيّ شيء… إن كانت لا تريده أن يطلق لنفسه العنان أثناء رباطهما فهو سيفعل ما تريده
يستطيع أن يحجّم رغباته، يكفي ألا يُحزنها، و لا يمكن أن يُجازف بحبها إليه …
-خلاص يا حبيبتي ! .. تمتم “يحيى” هازًا كتفيه ببساطةٍ
و استطرد و هو يفرك كتفيها بحركاتٍ دائرية لطيفة :
-أنا هاعمل إللي يريحك.. و في كل الأحوال انتي لوحدك كفاية عليا. مجرد إنك في حضني بس يكفيني !
تألقت عيناها الخضراوان بابتسامةٍ جميلة، ألقت بذراعيها حول عنقه و جذبته معانقة إيّاه بشدة و هي تغمغم من أعماقها :
-أنا بحبك. بحبك أوي يا حبيبي.
ضمّها إليه أكثر و هو يرد عليها بصدقٍ ملموس :
-و أنا بحبك أكتر.. بحبك !
______________________________
شاهد “عثمان” ردة فعل أمه الواجمة للحظاتٍ مطوّلة، نبض قلبه بألم، لكنه لا يزال رزينًا أمامها، مصممًا على أن يخرج بها من هذه الكارثة بسلامٍ دون أني نالها أذى فادح
في المقابل لم ترمش “فريال” و لو لمرةٍ و هي تحدق بعينيّ إبنها، بعينيّ “يحيى البحيري” في الحقيقة، ظلّت جملة “عثمان” معلّقة حتى الآن، يستعصى عليها تمريرها إلى عقلها.. و فجأةً انفجرت ضاحكة
أجفل “عثمان” ثانية واحدة، ثم قست تعابيره و هو يراقب تطوّر وضع أمه، يحاول تعطيل مشاعر القلق المتافقمة بداخله عليها، بينما تزداد ضكات “فريال” قوة و هي تهتز بين يديه مرددة بصعوبةٍ :
-عثمان.. انت بقيت تهزر هزار بايخ أوي. إيه النكتة البايخة دي …
إنعقدا حاجبيّ “عثمان” و هو يقول بقساوةٍ :
-دي مش نكتة يا فريال هانم. دي الحقيقة.. بابا كان متجوز عليكي. و من زمان جدًا. أختي إللي منه عمرها 27 سنة. سامعاني كويس !؟؟؟
تختفي ضحكتها فجأة كما بزغت فجأة، تحدق إليه من جديد و قد تبيّن بأنها صدقته حقًا، و لكن جزء منها أبى ألا يُصدق، فقالت بلهجة ترتجف من العصبية :
-انت ماينفعش تختبر صبري في موضوع زي ده يا عثمان. و ماينفعش تتهم باباك. لأن ده شيء مستحيل.. أنا لو شفته بعيني بردو مش هصدق !!
تلوّى وجهه من شدة ما يعانيه مثلها تمامًا و انفجر من بين أسنانه رغمًا عنه :
-مامـا. أنا مش بتهمه. أرجوكي ماتصعّبيهاش عليا أكتر من كده.. اسمعيني كويس يا فريال هانم. بابا اتجوز عليكي قبل ما يموت بسنين طويلة. و خلّف. بنته شرعية. شايلة اسمه زي أنا و صفية. بابا قدر يخبي عليكي و علينا كلنا و كان ممكن سره يفضل زي ما هو سر. لكن شمس قررت تظهر دلوقتي. شمس يحيى صالح البحيري.. أختي !!!
كلماته الآن كانت بمثابة لطماتٍ على وجهها، حتى ينتشلها من حالة الإستنكار تلك، و قد نجح، اتسعت عينيّ “فريال” و هي تنظر إليه و بدت مصدومة، رآها تبتلع الكتلة في حلقها و تهمس كما لو إنها تحت وطأة تعذيبٍ ما :
-مين ؟ .. مين هي إللي اتجوزها.. مين أم بنته التانية ؟
كز على فكّه بشدةٍ و جاوبها بصوتٍ أجش :
-لسا ماعرفهاش. هي أصلًا مش معروفة. مش حد نعرفه.. بس أكيد هاعرف هي مين …
دوى صوت ساخر بداخله يعقّب على إدلائه الأخير، و تحدّاه أن يخبر أمه بحقيقة المرأة التي تزوجها أبيه، كما أخبره المحامي فهي تكون إبنة سائق سابق كان يعمل لدى جده ثم أبيه، توفى الرجل بعد أن تمت زيجة إبنته على أبيه مباشرةً و لم ينتهي هذا الزواج أبدًا، مِمّا يعني بأنه لم يكن بنزوة، و هذا عسير، عسير جدًا على أمه لتتقبّله.. على الأقل الآن …
-البنت دي إللي جات لك هنا إمبارح ؟ .. إنبعث صوت “فريال” جافًا خافتًا
أومأ لها “عثمان” و هو يدرس وجهها، يرى عينيها الخضراوين تتألمان و تتحولان إلى اللون الأحمر، بينما تمضي “فريال” مستطردة بهدوء :
-أنا عايزة أشوفها.
نظر لها صامتًا لهنيهة، ثم قال بصوته العميق و كأنه سيندم على هذا لاحقًا :
-مافيش شك عندي إن بابا عمل غلطة كبيرة أوي في حقنا كلنا. بس مهما كانت غلطته شمس هاتفضل أختي يا فريال هانم. مالهاش ذنب في أي حاجة حصلت.
و بالفعل جاش الندم من أعماقه الآن عندما وجّهت إليه أمه تلك النظرة المنكسرة، قتلته !
بينما تشعر “فريال” بالدموع تهددها، و بالحزن يزحف إلى حلقها و هي تسأله بنبرةٍ اعتصرت قلبه :
-انت خايف عليها مني يا عثمان ؟ .. خايف عليها هي… مني أنا !؟
لم يحاول مجاملتها على حساب واجب الدم، تصلّب فمه و هو يقول بجمودٍ :
-مش خايف عليها منك. لأني عارف انتي مين. عارف أمي مين.. أمي إللي ربّتني على الحب و علّمتني إزاي أكون راجل بجد. مأذيش حد رغم إني قوي. ماخدش أي حاجة بالإجبار رغم إني قادر. و الأهم من ده كله.. علمتيني إزاي أكون انسان بجد. أنا تربيتك انتي يا فريال هانم.. مش تربية يحيى البحيري.
أفلت ضحكة مباغتة من بين شفتيها، ضحكة بسيطة خشى منها “عثمان” على عقل والدته، بينما تصارع “فريال” أفكارها المجنونة، و كأنها تأمل لو كانت هذه المحادثة العبثية مجرد كابوس ستصحو منه قريبًا.. كركر صدرها بضحكاتٍ خفيفة و هي تقول بلهجةٍ منفرجة :
-طيب ممكن تعمل إيه يا عثمان لو أنا قررت آذيها ؟
رد “عثمان” في الحال و دون أدنى ترددٍ :
-مش هاسمح لك يا ماما. و لا هاسمح لأي مخلوق يقرّب من شمس بنيّة الأذى.. قلت لك. شمس أختي. زي صفية ماتفرقش عنها في شيء. حتى لو كانت بعيدة طول السنين دي. حتى و أنا لسا ماعرفش عنها أي حاجة. شمس من لحظة ما عرفت بيها بقت في حمايتي.
على عكس ما سبق و قاله لها الليلة، لم يندم “عثمان” على كلمة واحدة من كلماته الأخيرة، و بقي مترقبًا رد أمه باصغاءٍ متأهب.. لتكرر “فريال” طلبها بعد لحظاتٍ بسلوكٍ اهدأ :
-طيب يا عثمان.. أنا عايزة أشوف شمس أختك. عايزة أشوف بنت يحيى !
رابط “عثمان” على حذره و تمحيصه لحالة أمه و هو يقول بتأنٍ :
-هاتشوفيها قريب يا فريال هانم. أنا ناوي أقدمها للمجتمع بتاعنا كله. معارف و أصدقاء. كل الناس هاتعرف بشمس يحيى صالح البحيري.. شمس هاتيجي تعيش هنا. في بيتها. وسط عيلتها.
تعمّد أن يكون قاسيًا إلى هذا الحد لتعي جديته، و أهمية هذا الأمر بالنسبة له، رغم إن قلبه كان يتمزّق عليها، لكنه ما ليعرّض أخته لشر أمه الذي لم يختبره أبدًا طيلة حياته، لا يمكنه تخيّل كيف سيبدو غضب “فريال المهدي” و هي التي لطالما كانت رمزًا للسلام و الحنان.. هل يمكن أن يتغلّب عليها الحقد و يعميها !؟
-حلو أوي ! .. تمتمت “فريال” بصوتٍ مسالم
مدت يدها لتشد الغطاء على جسمها، و مددت جسمها على الفراش و هي تضيف باقتضابٍ :
-سيبني لوحدي يا عثمان.. أنا هانام !
راقبها “عثمان” و هي تتهيأ بالفعل لكي تنام، راودته رغبة في عدم تركها، على الأقل حتى يطمئن عليها، إلا أنه أذعن لرغبتها و أراد أن يمنحها المساحة الخاصة التي تنشدها
تنهد بعمقٍ، و مال صوبها ليقبّل رأسها مطوّلًا و هو يمسح على شعرها الكستنائي الحريري الذي تخلله شيب طفيف، ثم نهض ملقيًا عليها نظرة أخيرة، و استدار مغادرًا في هدوء، داخله حقد تجاه والده أضعاف الذي تكنّه “فريال” له الآن
لقد نفد من الأمر و تركه هو لينظّف قذارته.. تلك الفوضى “عثمان” من سيتولّى ترتبيها …
______________________________
تركته يقودها أينما يشاء، تبعته مسلوبة الإرادة مبدية له الطاعة التي لا يقبل إلا بها في الوقت الراهن، أعادها “رامز” إلى الفندق الذي تقيم فيه كما وعدها، لكنه حجز غرفة بجوار غرفتها
أوصلها إلى باب الغرفة، و تنفست الصعداء، أخيرًا فلتت من حصاره قليلًا، رغم إنها تعلم بأنه لا يزال يحاصرها، لم تنسى وعيده قبل أن ينطلقا إلى الفندق، كلماته تتردد أصدائها بأذنيها : “المرة دي لو فكرتي بس تهربي مني. أنا هاولّع في الدنيا كلها لحد ما أجبرك تطلعي قدامي بنفسك. و انتي فاهمة قصدي كويس يا شمس. ساعتها لا هايهمني أخت عثمان و لا عيلة البحيري كلها تهزّني!” …
المجنون !
إنه لا ينفك يهددها و هي وعدته بألا تتركه، صحيح ليست واثقة بعد هل ستسمح أمها بعودتها إليه أم لا، و أخيها الذي بقيت ردة فعله على ظهورها معلّقة، لو أنه تقبّلها فردًا من عائلته، أختًا له، هل ستكون بالشجاعة الكافية لإخباره عن علاقتها بـ”رامز” ؟
لا أحد يعرف ملابسات علاقتهما سوى “رحمة”.. أمها هي التي حمتها من تهوّر حبيبها و خطورته… الآن “شمس” تعي بأنها وقعت في قبضته وأنها تطير كالفراشة نحو اللهب.. تعلم بأنها ربما تحترق عن آخرها.. لكن لا يسعها إلا البقاء.. تريده… تحبه !!
أخذت “شمس” حمامًا لتزيل الرطوبة عن جسمها، خرجت مرتدية منامتها البنفسجية القصيرة، وقفت أمام المرآة تمشّط شعرها المندّى، فتحت الحقيبة الصغيرة خاصتها فوق طاولة الزينة و باشرت البدء في روتين العناية بالبشرة، كان أكثر تحبه في اليوم قبل أن تخلد إلى الفراش مباشرةً، رطّبت بشرتها و عطّرت جسمها و حتى شعرها
كانت الابتسامة ملء وجهها، تشعر براحة كبيرة، بامتنانٍ لتلك الجينات التي ورثتها عن أمها، أمها أيقونة الجمال الأنوثة، تعلّمت منها “شمس” كيف تكون أنثى، كيف تعتني بنفسها من الرأس إلى أخمص القدمين، كيف تفخر بكينونتها، منحتها مخزون ثقة بالنفس لا ينفذ أبدًا، و أتت كل دروسها ثمارها، فهي دومًا محطّ أنظار و اهتمام الرجال في كل مكان، و “رامز” لم يكن الوحيد الذي تاق للإرتباط بها، و لكنه هو الوحيد الذي اختاره قلبها
انتفض كتفيّ “شمس” في حركة منتبهة عندما سمعت طرقًا على باب الغرفة، سحبت روب المنامة من فوق الكرسي و ارتدته في طريقها لتفتح الباب و ترى من.. أمسكت المقبض و برمته مجتذبة إيّاه بزاوية بسيطة تظهر منها الرأس فقط …
-رامـز ! .. دمدمت “شمس” عاقدة الحاجبين
كانت تنظر للأعلى حتى تراه جيدًا، بينما دفع هو الباب بحزمٍ ليدخل و هو يقول :
-بصراحة جيت أطمن و اتأكد بنفسي إنك محافظة على وعدك و ماهربتيش !
سمع “رامز” شهقتها و هي ترتد للخلف بينما كان يغلق باب الغرفة ورائه …
استدار نحوها و نظر ليراها تتراجع أكثر و هي تشد طرفيّ الروب حول جسمها هاتفة بغضبٍ :
-ماينفعش كده يا رامز. ماينفعش تتجنن حتى هنا. احنا مش لوحدنا و حتى لو لوحدنا من فضلك لازم تحترمني أكتر من كده. أنا ماليش خصوصية معاك !!
أومأ لها مضيّقًا عينيه و هو يقول :
-بالظبط. مالكيش خصوصية معايا. و بعدين انتي تشكري ربك على نسبة الاحترام إللي بينا دي و مش عجباكي. انتي كان مفروض تبقي مراتي من قبل 3 سنين و أكتر. شوفي أنا ليا عليكي حقوق أد إيه يا شمس !
ألجمتها قتامة كلماته التي تؤكد فداحة ما اقترفته بحقه، لوهلة عجزت عن الرد، بينما ترك عينيه تسقطان على جسدها، و لاحظ ساقيها العارية، و رصد بنظره منحنى وركها.. بحق الجحيم ؟
أهي عارية تمامًا !!؟؟؟
و هناك رائحة جذّابة جدًا تفوح منها أيضًا …
-انتي لابسة كده ليه ؟ .. سألها “رامز” و الشك و الريبة يزحفان على صوته و بشرته
لم ينتظر جوابها و مضى ناحيتها، مد يده و انتزع من عليها الروب عنوةً غير عابئًا بمقاومتها و هتافها المعترض، شاهد “رامز” محبوس الأنفاس جسدها نصف العاري في ذلك القميص الفاضح، بينما تتخلل خدّيها حمرة وردية وحاولت استرداد الروب من قبضته، لكنه دفعها جانبًا و قد استوحشت تعابيره و نظراته، توغّل بالغرفة أكثر متسائلًا من اللعين الذي هنا ؟ فهي حتمًا لن ترتدي ملابس مثيرة كهذه لنفسها !!
و لم يغفل ملاحظة خوفها عندما فتحت الباب و رأته.. هل هي حقًا تركته من قبل لأجل آخر ؟ هل هو معها عنا الآن !؟؟
فتح “رامز” الخزانة وفتّشها جيدًا، لم يجد شيئ فتوّجه ناحية الحمام و هو يغمغم بخشونةٍ خطرة :
-مين معاكي هنا ؟؟
سمع صيحتها المستنكرة ورائه بينما كانت تستر عريها بروب آخر :
-انت مجنون. أنا لوحدي. محدش معايا !!!
عاد إليها ناظرًا حوله، لا توجد أماكن أخرى للإختباء، الشرفة بلا ترّاث، و لكنه لم يبحث هنا …
جثى “رامز” على ركبتيه و رفع ملاءة السرير و حدق أسفله جيدًا، لا شيء، لا أحد مطلقًا !
إذن لماذا ترتدي مثل هذه الأشياء وحدها !؟؟؟
-ممكن أعرف انتي لابسة كده لمين ؟؟؟ .. صاح بغلظةٍ و لم يتخلّص من شكّه تمامًا
تضرج وجهها بحمرة غاضبة و هي ترد عليه :
-انت مش فتشت الأوضة كلها ؟ قولّي لاقيت حد معايا !؟
تمالك أعصابه بصعوبةٍ و هي يتخذ صوبها خطوة تحذيرية مغمغمًا :
-طيب قوليلي لابسة كده ليه ؟؟
لم تخشى منه هذه المرة و هي تجاوب بنزقٍ :
-لنفسي. لابسة كده لنفسي. تصدق و لا ماتصدقش أنا متعوّدة أنام بالطريقة دي. مش برتاح في السرير غير و أنا لابسة كده ! .. أشارت له نحو باب الغرفة هاتفة بصرامة :
-و دلوقتي أطلع برا لو سمحت. أنا مضايقة منك لدرجة مش قادرة أبص لك.. أطلع برا يا رامـز !!!
كما توقعت لم يستجيب لطلبها، و لم تختلج عضلة واحدة من جسده، بقى راسخًا بمكانه يتأملها بنظراتٍ جريئة وترتها أكثر، ثم قال بتجهمٍ :
-انتي كل مرة بثبتيلي إني ماكنتش أعرف عنك أي حاجة فعلًا.. شمس إللي قدامي غير إللي عرفتها. بس تعرفي. كل ده مايهمنيش.. المهم إنك شمس. المهم إنك ليا أنا. و عمرك ما هاتكوني لغيري !
ازدردت غصّة ثقيلة بحلقها، ثم قالت بصوتٍ خفيض و قد بدا عليها الإنهاك :
-رامز أنا بجد تعبت. تعبت لي اعصابي.. أرجوك سيبني أرتاح شوية.. أرجوك …
سحب نفسًا عميقًا و هدأ نسبيًا، قطع المسافة بينهما و ترك خطوة واحدة تفصله عنها، مد يده و رفع ذفنها بسبابته مرددًا بوجومٍ :
-أنا عايز أعرف حاجة واحدة بس. عشان دي لو اكتشفتها بنفسي و ده قريب أوي.. مش هاتتحملي غضبي عليكي يا شمس.
حدقت في عينيه التي تماوجت بين الخضرة و الرمادي و العسلي في آن واحد، سألته من بين أنفاسها :
-عايز تعرف إيه ؟
قست نظراته كذا لهجته و هو يقول قابضًا على فكّها بأنامله الغليظة :
-طول الـ3 سنين إللي عدوا و انت بعيد عني.. عرفتي أي حد من بعدي ؟ حد لمسك ؟؟
هزت رأسها بصعوبة بسبب قبضته التي أعاقتها، ثم قالت بلهجةٍ مهزوزة :
-عمري ما عرفت راجل غيرك.. محدش لمسني طول فترة بعدي عنك و لا حتى قبلها. انت كده بتهينّي.. مش عشان سمحت لك تقرّب مني بالشكل ده تفتكر إن أي حد تاني مسموح له… انت عارف و واثق إني بحبك.
أغمض عينيه على نظرة عينيها و هي تنطق بالكلمات الأخيرة، فتحهما بعد برهةٍ و قال بخفوتٍ أقرب إلى الهمس :
-هحاول أرجع الثقة بيني و بينك تاني يا شمس.. إللي عملتيه فيا صعب أنساه. لكن حبنا يستاهل أدي له فرصة تانية.. يستاهل مادمركيش زي ما دمرتيني.. أنا لسا حياتي كلها واقفة عند اليوم إللي نهيتي كل حاجة بينا بمكالمة.. لسا مش ناسي كل لحظة قضيتها منغيرك و أنا بتخيّل إننا كنا هانتجوز خلاص. قبل ما تسبيني بيوم واحد كنتي معايا.. كنتي بتضحكي في وشي. كنتي في حضني. و بعدها علطول غرستي سكينتك في قلبي و مشيتي.. أنا عمري ما سلّمت قلبي لواحدة غيرك. محدش قدر يوجعني زيك و رغم كل إللي عملتيه لسا بحبك يا شمس !!
ترقرقت الدموع بعينيها و هي ترمقه بنظراتٍ نادمة، و تقول معربة عن جمّ أسفها :
-أنا آسفة.. أنا آسفة جدًا !
و لا تعرف ما الذي دفعها لتضع يديها حول عنقه القوي، أطلق “رامز” نهدة عميقة حين شعر بها هكذا، و كأنها قد فعلت ما أرادها أن تفعله، أسند جبهته إلى جبهتها، و بدا إنه يقاوم كل المشاعر لاتي تجيش بأعماقه لها هي فقط، لا يصدق متى يمحي الحواجز بينهما.. متى يجعلها ملكًا له.. هو يعلم يقينًا بأنه لو أحب أن يفعل ذلك الآن و حالًا لن تقاومه طويلًا… و كم يريد أن يفعل.. كم هو بحاجة أن يفعل
و لكن صورته هو.. صديقه المقرّب و الذي اتضح بأنه أخيها.. “عثمان البحيري” حتى و هو لا يعلم أيّ شيء عنهما يمنعه من المساس بها
تراجع “رامز” قبل أن تلمس شفتاه شفتاها، ضغط على أسنانه و هو يجبر نفسه على تركها و الإبتعاد عنها خطوتين قائلًا بهدوء :
-أنا هاسيبك ترتاحي دلوقتي. الصبح هانفطر سوا.. و بعدين هاخدك لعثمان زي ما اتفقنا… تصبحي على خير !
و توّجه على الفور صوب باب الغرفة، غادر مسرعًا، بينما بقيت “شمس” بمكانها للحظات، تشعر بحرارة متزايدة في الغرفة رغم برودة الجو، مشيت بإعياءً إلى السرير، ارتمت فوقه مطلقة آهة تعب، أغمضت عينيها لا تنفك عن التفكير فيه.. في حبيبها… حتى غلبها النعاس أخيرًا !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى