روايات

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الجزء الرابع عشر

رواية وما ادراك بالعشق البارت الرابع عشر

رواية وما ادراك بالعشق الحلقة الرابعة عشر

الفصل الرابع عشر _ قل أحبك ! _ :
قبل ثماني و عشرون عامًا …
أصاب أعصابه انهيارًا قاسٍ، منذ ورده ذلك الاتصال بمكتب شركته من حارس العقار الذي يضع به زوجته الثانية، و الذي كان مفاده أن زوجته الشابة عثرت عليها امرأة الحارس فاقدة الوعي بشقتها بعد أن تلقّت منها استدعاءًا عاجلًا، لم تستجيب “رحمة” للطرق على باب الشقة، مِمّا اضطر الحارس في الأخير لكسر الباب و السماح لزوجته بالدخول، لتجدها على هذه الحالة الخطيرة
لم يعرف الحارس ماذا يصنع سوى أن يهاتف السيد، و بدوره طلب “يحيى” في ارسال طبيب العائلة إلى شقة الزوجية السريّة، بينما يترك كل شيء من يديه و ينطلق من فوره إلى هناك …
-رحمــة ! .. صاح “يحيى” و هو يلج إلى الشقة عبر الباب ذي القفل المكسور
أخذ يبحث هنا و هناك مثل المجنون، و برزت أمامه زوجة الحارس فجأة هاتفة :
-الست رحمة هنا في أوضتها يا بيه …
و تنحت جانبًا مبتعدة عن رواق الغرف تمامًا، ليتوجه “يحيى” إلى حيث أشارت الأخيرة لمكان زوجته، اقتحم غرفة النوم و المشاعر المتضاربة تعصف به، اختلج قلبه بنبضةٍ زائدة ما إن رآها تجلس فوق السرير، بآخره، تضم ساقيها إلى صدرها و كتفاها يهتزان بينما تدفن وجهها بين مرفقيها
انتفضت لسماع صوته، و ضربته الصدمة حين رفعت وجهها و شاهد تعبير هزّه في الصميم، ذعر خالص لم يسبق له رؤيته قط، و لاحظ جلدها الشاحب و شعرها المتشابك، كانت في حالة من الفوضى …
-رحمة ! .. كرر “يحيى” بصوتٍ اهدأ و هو يخطو للداخل نحوها
لكنها تستوقفه مهاجمة بعدائيةٍ :
-خليك مكانك.. اوعى.. اوعى تقرب مني.. ماتقربش مني !!!
تسمّر “يحيى” بمكانه ملتزمًا بأمرها المرتعب، نظر في عينيها الحمراوين المللتين، و قميص نومها القطني المجعّد، يبدو أنها كانت تعاني لساعاتٍ.. و لكن مِمّا ؟
لماذا !؟؟
-طيب إهدي بس ! .. تمتم برفقٍ رافعًا يداه في بادرة مسالمة
و أخذ يقترب صوبها مستطردًا :
-مالك ؟ إيه إللي حصل ؟ أنا آخر مرة ماشي و كنتي كويسة. آه كنتي لسا رافضة تتلكمي معايا. بس ماشوفتكيش في الحالة دي !!
بات قريبًا جدًا منها الآن، فتوترت أكثر و هي تتطلّع إليه كغزالٍ عالقة في شركٍ و هو الوحش الذي سيفترسها، كتمت شهقتها حين أخفض جسده و جلس قبالتهاعلى طرف السرير، لم يحاول أن يلمسها، حافظ على المسافة بينهما و هو يقول بهدوءٍ :
-قوليلي حاسة بإيه ؟ أنا كلمت الدكتور و جاي في الطريق !
اتسعت عيناها بمزيدٍ من الهلع عندما صرّح بذلك، نبتت الدموع من عينيها في هذه اللحظة و هي تقول من بين نحيبها المرير :
-لأ.. لأ.. أنا مش عايزة حاجة منك.. سيبني أمشي من هنا.. سيبني و أنا بوعدك مش هاتشوفني طول عمرك و لا تسمع عني حتى.. لو حصل غير كده اعمل فيا أي حاجة.. سيبني أمشي أبوس إيدك سيبني أمشي !!
أجفل “يحيى” مرتبكًا من الحالة التي آلت إليها أمام عينيه، حدق فيها متأثرًا بشدة و هو يقول بلطفٍ محاولًا التقرّب إليها :
-رحمة. هدّي نفسك. إيه إللي بتقوليه ده. أنا عملت إيه أساسًا خلاكي توصلي للحالة دي. انتي بقالك فترة بعيدة عني و أنا سايبك براحتك لحد ما تصفي من ناحيتي لوحدك.. ف مالك بجد ؟ مالك !؟؟
-انت هاتقتله ! .. رددت بصوتٍ مكتوم عندما أمسك بوجهها أخيرًا
مضت ترتعش تحت لمسته بينما يسألها عابسًا بقوة :
-إيه ؟ بتقولي إيه أنا مش فاهم حاجة !!
غمرت الدموع وجهها و بللت يداه و هي تعلن بأسى شديد :
-أنا حامل !
جمد “يحيى” من الصدمة.. حقًا… صدمة أعجزته كليًا عن إبداء أيّ ردة فعل.. فقط بقى ينظر إليها ساهمًا بينما تنفعل مجشهة بالبكاء :
-أبوس إيدك ماتقولش أنزله. أنا عايزة ابني. انت كنت بتديني حبوب منع الحمل بإيدك. أنا ماخدعتكش و حملت فيه من وراك. ربنا عايز كده. أحلّفك بإيه عشان تسيبلي ابني. أنا مش عايزة غيره. سيبه ليا و أنا مش هالزمك بأي حاجة هاتطلقني و أنا هاكتبه باسمي. هاخده و هاختفي من حياتك خالص بس ماتحرمنيش منه !!
بدا و كأنه لم يكن يستمع لها جيدًا.. كان عقله مشغولًا بالكارثة التي ألقيت عليه …
حبلى !
زوجته الصغيرة.. رغمًا عن كل الاحتياطات التي إتخذها لعدم وقوع هذا الشيء بالتحديد.. وقع رغم أنفه.. “رحمة” حبلى !!!
-الدكتور وصل يا بيه !
انتزعه صوت زوجة الحارس من أفكاره، رفع يديه عن زوجته و نهض على مهلٍ متحاشيًا النظر إليها، إلتفت نحو زوجة الحارس و قال آمرًا بجمودٍ :
-خمس دقايق و دخليه.. و بعدين ممكن تنزلي لو عوزتك هابعت لك.
حنت الأخيرة رأسها باحترامٍ :
-أمرك يا بيه.
تحرّك “يحيى” على الفور تجاه الخزانة، فتحها و نقّب عن لباسٍ مناسب لأجل زوجته حتى تقابل به الطبيب، ثم عاد إليها و أزاح الغطاء من فوق قدميها …
-ارفعي إيديكي ! .. أمرها باقتضابٍ
أطاعته في الحال و رفعت يديها ليلبسها ثوب أكثر احتشامًا من خلال رأسها، سوّاه فوق جسمها جيدًا، و بسط الغطاء فوقها ثانيةً، ثم ذهب بنفسه ليحضر الطبيب من الخارج
لحظاتٍ و رأته “رحمة” عائدًا برفقة رجلٌ في متوسّط العمر، سمح المحيّا، ألقى عليها التحية في البادئ فلم ترد، ليقول و هو يفتح حقيبته و يشرع بسحب جهاز قياس الضغط أولًا :
-قوليلي يا مدام في حاجة معيّنة بتشتكي منها في الفترة الأخيرة ؟
رمشت “رحمة” بتوترٍ و هي تمد ذراعها إتباعًا لتعليمات الطبيب و قالت بجفافٍ :
-بقالي كام يوم همدانة.. بنام فجأة في أي وقت أو بيغم عليا.. ماعرفش.. و ماليش نفس للأكل !
و صمتت قبل أن تخبره بأنها أرسلت في شراء اختبارًا للحمل مع زوجة الحارس، و إن الاختبار أسفر عن نتيجة إيجابية حتى في المرة العشرة التي كررته فيها، تطلّعت إلى زوجها فقط بينما يقيس الطبيب ضغط دمها …
-ضغطك واطي جدًا ! .. تمتم الطبيب عابسًا :
-أكيد ده من قلّة الأكل.. ريّحي من فضلك عشان أكشف عليكي.
نظرت “رحمة” إلى “يحيى” و هي لا تعرف كيف تتصرف، ليقبل عليها دون أن يتفوّه معها بكلمةٍ، يدفعها بكتفيها حتى استلقت فوق ظهرها، يرفع لها الثوب حتى صدرها و هو يغطيها من الأسفل بالدِثار، كشف فقط عن المنطقة التي أراد الطبيب أن يفحص من خلالها، وجّه الأخير سماعته الطبيّة إلى أسفل منطقة البطن المكشوفة أمامه ليتأكد من شكّ معيّن …
تذبذبت “رحمة” من برودة القطعة المعدنية و لم تشعر بالراحة أبدًا في هذا الوضع، شعرت بالدموع تفيض من عينيها لا إراديًا فلم تعبأ بمداراتها، إذ علمت مصيرها سلفًا، من سكوته أيقنت بأنها خاسرة لا محالة، و إنه سيجبرها على التضحية بجنينها، بالطبع لن يسمح لها بحمل طفلًا منه
من هي لتنجب له أولاد ؟ إنها مجرد فتاة فقيرة جاهلة.. مهما فعلت لن ترقى لمستواه المادي أو الاجتماعي.. خاسرة بكل المقاييس …
-مبروك يا يحيى بيه المدام حامل ! .. قالها الطبيب بإشراقٍ ما أن قبض على النبض الطفيف للجنين برحم أمه
هال “رحمة” أن تستمع إلى تأكيد الخبر، مِمّا جعل داخلها ينهار أكثر و تبدأ بالبكاء بصوتٍ عالٍ الآن، لم تعد قادرة على كتم بؤسها و معاناتها عند هذا الحد،
ارتبك الطبيب لإستشعاره ذلك التوتر الشديد بالأجواء من حوله، بدأ يجمع أدواته في الحالو غامر بإلقاء تهنئة على “رحمة”.. لكنها أبدًا لم ترد
ليسارع “يحيى” باصطحاب صديقه الطبيب للخارج و هو يتحدث إليه بشأن حالة زوجته الصحية، تركها وحيدة لبضعة دقائق لم تنقطع خلالها عن البكاء و لا لحظة واحدة، شعرت بالمرتبة تنخفض بجوارها حيث كانت تدفن وجهها في الوسادة لتكتم صوت عويلها الطفولي، انتفضت حين شعرت بلمسة يده على ظهرها يعقبها صوته القوي :
-رحمة.. بطلي عياط.. من فضلك بطلي عياط عشان تعرفي تسمعيني !
كلماته لم تفعل شيء سوى أن زادت في بكائها، فتأفف بسأمٍ و مد يداه ليقلبها نحوه، شدّها من رسغيها لتجلس أمامه، ثم لفّ ذراعيه حولها و ضمّها إليه، جعلها ذلك تبكي أكثر،أمضى “يحيى” الدقائق التالية على هذا النحو، صامتًا يحاول تهدئتها بينما تفرغ ما صدرها على صدره هو لدرجة أن قميصه تبلل بشدة من قطرات دموعها …
-خلاص خلصتي ؟ لازم نتكلم يا رحمة ..
كان يضم وجهها في صدره، أحس برغبتها الحثيثة بالابتعاد عنه، فلم يستبقها رغمًا عنها، أفلتها ببطءٍ، لتتراجع عنه و قد كفّت تمامًا عن البكاء، نظرت له بأعين حمراء منتفخة وقالت بلهجةٍ متصلّبة :
-أنا هاعمل إللي انت عايزه.. هانزل الحمل.. بس بعدها كل واحد فينا في طريق.. أنا مستحيل أكمل معاك و انت على إيدك دم إبني لو هاتموتني مش هاعيش معاك ثانية بعدها.. أنا موافقة نعملها و في أسرع وقت.. بعدين مش عايزة أسمع منك غير كلمة الطلاق.. و بس.. مش عايزة منك أي حاجة.. الطلاق و بس !
-هاتقولي حاجة تاني و لا خلاص كده ؟ .. تساءل “يحيى” بفتورٍ
نظرت له بعداء و لم تعلّق، فتنهد قائلًا :
-مين قال إني عايزك تنزلي الحمل يا رحمة ؟ أنا آه ماكنتش عايزك تحملي. بس خلاص حصل.. و أنا إستحالة أفرط في حتة مني.
حدقت فيه مفغرة فاها الآن، اتسمت تعابيره وجهه بالجدية و هو يتابع :
-إللي في بطنك ده مش ابنك لوحدك. ده ابني أنا كمان. و أنا أقدر أتحمل مسؤوليته من و هو لسا في بطنك لحد ما يخرج للدنيا و يكبر كمان.
أجفلت “رحمة” و هي تقول بتلعثمٍ :
-بس.. بس. انت قلت مش عايز ولاد تاني. مش عايز ابن يشارك ابنك و يقسم معاه ورثه !!
-صُلبي ! .. قالها “يحيى” بحزم، و أكمل بنفس اللهجة الشديدة :
-لو جه ولد الاتنين هايبقوا صُلبي.. الاتنين ولادي. خلاص بقى أمر واقع. زي ما قولتي يا رحمة.. ربنا عايز كده.
هزت رأسها مرددة :
-أنا مش مصدقة !!
ابتسم بانهزامٍ واضح و قال :
-لأ صدقي.. أنا مش هافرط في ابني إللي منك مهما حصل.. لو كنت أعرف إن جوازي منك نتيجته حمل ماكنتش اتجوزتك. و كل احتياطاتي فشلت للأسف.. و رغم كل ده أنا متمسك بالطفل ده.. سواء ولد أو بنت. مافيش حاجة وحشة ممكن تمسّهم طول مانا عايش.
ألمتها صراحته بشأن شرط زواجه منها، ما أكد لها أن هذا الزواج يُقام على غرض واحد فقط هي تعرفه جيدًا، و لكن هناك شيء يهمها أكثر الآن، و أحسّت بأن وعده بالإبقاء على الجنين كافيًا لها بل و يفيض
لم تعد تريد شيء بعد الآن.. تريد عائلتها.. عائلتها الخاصة فقط …
__________________________________________
الوقت الحاضر …
لم تتحسن حالته المزاجية حتى بخروج والدته و أخته من غرفة عمه، صحيح هدأت ثورة السيدة “فريال” و تركت “صفيّة” تصطحبها إلى جناحها في هدوءٍ، لكنه حتى اللحظة لم يستطع نسيان وجهها و أثناء مرورها أمامه
إذا لم يكن مخطئًا، و إن كان يعرف أمه و يحفظها كما يظن، فإنها تمر بوقتٍ عصيب، بل هي مكروبة بشدة، و الأمر يتخطّى ما اقترفه أبيه بحقها، أنّى له أن يعرف الحقيقة إذن ؟
يحتاج أن يعرفها بشكلٍ عاجل.. و إلا سيتعثر عليه المضي بحياته و هو يرى أمه تسوء حالتها على هذا النحو يومًا بعد يوم.. لا شيء أهم من أمه.. هي الأولوية بحياته.. و إن كانت تعرف هذا سيتوجب عليها طمأنته أو التحدث إليه
كيف يجعلها تفعل ذلك الآن ؟
هو بحاجة ماسّة لهذا أو سيفقد عقله …
-أنا هامشي !
إلتقطت أذنه صوتها، حيث كان يقف يحدق من خلف زجاج نافذة مكتبه الشفاشة، قطرات الندى تترك آثارًا تدعو للتأمل هناك، ربما شتت عقله قليلًا، حتى إلتمس وجودها
استدار ليواجهها عابس الوجه، رآها تقف عند أعتاب الباب المزدوج، و قد ارتدت معطفها تحضرًا للرحيل …
-هاتخرجي في البرد ده ؟ .. دمدم “عثمان” بلهجةٍ حادة، و تابع :
-خليكي هنا الليلة دي. في نوّة برا و المطرة لسا هاتشد. الطريق مش أمان.
أخذت “سمر” تفرك كفيّها متمتمة بشيء من التوتر :
-ما انت قلت هاتخلّي السواق يوصلني.. أنا هاجي تاني بكرة و هاقضي النهار كله مع الولاد. بكرة اجازتهم و انا وعدت فريدة.
تأفف “عثمان” بنفاذ صبر و قال بعصبيةٍ طفيفة :
-سمر.. أنا آخر حاجة عايزها دلوقتي إني أضايقك. اسمعي الكلام. هنا بيتك بردو. و بصراحة أنا مش هاضم بياتك لوحدك في البيت القديم. الحارة دي سمعتها مابقتش تمام زي الأول أصلًا.
شعرت بالمأزق الذي تعمّد أن يضعها به، و لكنها فكرت بسرعة لتخرج منه، فقالت بلهجة حيادية عساها تخدعه :
-خلاص هاروح عند فادي !
كانت تتجنّب النظر إليه مباشرةً، لكنها لمحت شيئًا بطرف عينها، كان يغلي من الغضب حرفيًا، بدا ذلك على اهتزازات جسده و الاحمرار الذي طفى على سطح بشرته البرونزية
لهثت الآن حين تنبهت لخطواته السريعة نحوها، ليكون أمامها خلال ثوانٍ قليلة، حمدت الله إنه لم يمد يده إليها و لم يحاول لمسها بأيّ شكلٍ، فهذا الرجل الذي بالكاد تعرّفت عليه لديها إنطباع عنه لا يمكن أن تنساه، تهوّره و تصميمه، هذا الرجل يفعل حقًا ما يريد، و لا يلين إلا بارادةً منه فقط …
-يعني بيت فادي و لا بيت جوزك ؟؟ .. سألها “عثمان” من بين أسنانه المطبقة بشدة
يجب أن تمنع نفسها من الرمش الآن حتى يستشف منها خوفًا، و بجهدٍ يحسب لها سيطرت على أعصابها المهزوزة بشدة و نظرت إليه، في عينيه مباشرةً و هي تقول بثباتٍ واهِ :
-أكيد انت مش ناسي.. لما جيتلي البيت القديم و اتكلمنا واتفقنا.. ده كان اتفاقنـ آ ا…
-××××× إتفاقنا ! .. قاطعها بسبّةٍ نابية أجحظت عيناها من الصدمة
ليخطو نحوها خطوةً أكبر فلا يبقى بينهما سوى سنتيمترات قليلة، ثم يقول بحدة :
-انتي مش هاتخرجي من هنا. و تنسي خالص إن ليكي بيت تاني غير البيت ده. أخوكي مهاودك عشان القصة كلها على هواه. الشيء الوحيد إللي يهمه في كل ده إنه يضايقني أنا بالذات مش بيساندك زي ما انتي فاكرة. هو ده أخوكي فادي. أناني مابيفكرش إلا في نفسه. حتى لو انا المقصود من وجهة نظره مش شايف ولادك المحرومين منك. لسا قلبه أسود و شايل و مش هايتغير !!
عبست مستغربة ما يقوله.. لم تفهم على وجه التحديد ماذا يقصد و لماذا قد يكن له أخيها أي بغضاء !؟؟
لكنها ردت عليه متخطيّة المهم لأجل الأهم :
-لازم تقدر إني حقيقي متلخبطة.. أنا مش مستوعبة لسا أي حاجة !
بدا جليًا لها كم المجهود الذي يبذله حتى لا يفقد أعصابه، مسح “عثمان” على وجهه متمتمًا شيء لم تسمعه، ثم عاود النظر إليها و قال بعد برهةٍ بصوتٍ هادئ :
-سمر.. هاتيلي ألف دكتور. بردو مش هاقتنع إنك نسيتيني.. انتي إستحالة تنسيني. كل إللي عيشناه لا يمكن يتنسي. انتي مراتي. خلفتي مني مرتين. قصاد الناس كلها انتي مراتي. كل حاجة تشهد. بصي في وشوش عيالك. بصي في عنيا انا.. بصي على صورنا في كل مكان حواليكي !!!
و أشار لها على طول ذراعه، إلى مجموعة من الصور المؤطرة موزعة بإتقانٍ على جدران غرفة المكتب، و فوق المكتب نفسه إطار يجمعه بعائلته الصغيرة مع زوجته و شقيقتها الصغرى …
حملقت “سمر” في الصور و هي تشعر بمزيد من التخبّط، ثم نظرت إليه عاجزة عن الرد، ليقول بصرامةٍ :
-آخر كلامي.. مافيش خروج من البيت ده. انتي هاتقعدي هنا في بيتك معايا و مع ولادك. و هاتنامي في سريرك. جنبي !!
ليست لديها فكرة كيف لم تحاول الهرب من أمامه حتى الآن، لكنها بقيت راسخة بمكانها و هي ترد عليه بغضبٍ و قد أثار حفيظتها :
-انت ماتقدرش تجبرني على كده.. و لا تقدر تحبسني في بيتك غصب عني أنا مش هاسمحلك !!!
ضحك فجأة فأجفلها، ضحكة قصيرة عدلت مزاجه السوداوي، ثم قال ببروده الشهير :
-مبدئيًا أنا أقدر أجبرك تعملي أي حاجة أنا عايزها. بس ده مش اسلوبي و انتي عارفة. معاكي انتي بالأخص بحس بمتعة ماتتوصفش و انتي بتعملي إللي أنا عايزه بارادتك حتى لو مش على مزاجك.. تاني حاجة بقى أنا مش هاحبسك. إطلاقًا. بس هاخيّرك.
قطبت في تساؤلًا دون أن تتكلم، فأردف متنهدًا :
-قدامك حل من الاتنين تشوفي إيه فيهم هايريحك أكتر. الأول إنك تعقلي كده و توافقي ترجعي لبيتك و ولادك و تعيشي معانا زي ما كنتي معززة مكرمة.. التاني إنك تخرجي و ترجعي للحارة و البيت القديم تاني و تعيشي على راحتك. بس قسمًا عظمًا يا سمر. لو رجليكي خطت برا عتبة البيت ده الليلة دي أو قررتي ترجعي البيت القديم في أي وقت من الأوقات. ساعتها لا هاتبقي مراتي. و لا هايبقى ليكي عندي عيال. حتى ملك أنا ضامنها مليون في المية. هي كمان لو وقفتي على شعر راسك مش هاتعرفي تاخديها مني. لا دلوقتي.. و لا حتى لو رجعت لك الذاكرة… القرار ليكي !
و رماها بنظرةٍ فوقية، ثم مر من جوارها إلى خارج المكتب، لكنه توقف قبل أن يبلغ العتبة تمامًا و ادار نصف جسده فقط ناحيتها قائلًا :
-أنا طالع أريح في أوضتي. أوضتنا.. في حالة قررتي تقعدي و ناسية مكانها اسألي حد من الخدم و هايدلّك.. بالإذن يا بيبي !
و تركها و ذهب
ذهب حقًا.. بهذه البساطة تشعر بأنها مجرّدة من أيّ دفاعاتٍ ضده… مرةً أخرى لا تعرف كيف.. عزلاء ! ……………………………………………………………..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى