روايات

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الخامس عشر 15 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الخامس عشر 15 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الجزء الخامس عشر

رواية وما ادراك بالعشق البارت الخامس عشر

رواية وما ادراك بالعشق الحلقة الخامسة عشر

الفصل الخامس عشر _ أحلاهما مُرّ _ :
قبل ثماني و عشرون عامًا …
مرّت الأشهر التالية من الحمل سهلة، بالرغم من عدم الوئام التام بينها و بين زوجها، كان يأتي كل يومان ليزورها و يطمئن على أحوالها، لا يظهر لها معاملة سيئة على الإطلاق و يقوم بواجبه تجاهها على أكمل وجه
لكنها ليست متبلّدة الحس، تعلم يقينًا بأنه يكره حقيقة إنها بلغت مرادها و لو بدون قصدٍ و حملت بطفلٍ منه، و تعرف أيضًا بأنه يتمنى لو لم يلتقي بها، و هذا غريب، لأنها بالكاد لمست منه مشاعر تختلف تمامًا عن تلك التي صرّح بطريقة غير مباشرة أنها السبب الوحيد لزواجه منها، هذه المشاعر اختفت فور أن أخبرته عن حملها، بوغت.. و كأنه هُزم بالفعل …
-بس الدكتورة قالت إني أقدر أولد طبيعي ! .. قالتها “رحمة” كأنما تطرح جدالٍ
ضبط “يحيى” الوسائد خلف ظهرها و أطمأن على استقرارها فوق الفراش، ثم جاء ليجلس قبالتها، أخذ يحدق لبرهةٍ في بطنها المرتفع مثل جبلٍ و هو يقول بهدوءٍ :
-تقدري تولدي طبيعي.. بس ليه أخليكي تعاني و تتألمي ؟ أنا مش عايز أغامر بيكي تحت أي ظرف. انتي أمانة في رقبتي. انتي مراتي و هاتبقي أم ابني أو بنتي. يعني في كل الأحوال مهمة جدًا بالنسبة لي.
ابتسمت رغمًا عنها عندما قال ذلك، بينما يمد يده إلى الطاولة المحاذية و يمسك بطبقٍ يحتوي على قطع فاكهة، تقرّب إليها أكثر و هو يدفع بقطعة من التفاح بفمها، طاوعته و راحت تاكل من يده و هي تمسّد على بطنها متمتمة من خلال مضغها :
-أنا حاسة إنها بنت.. ده احساسي من فترة.
رفع حاجبه معلّقًا بابتسامة :
-فعلًا ؟ و إيه يا ترى إللي خلّاكي تحسي الإحساس ده !؟
-عشان شقيّة.. شقيّة و بترفس جامد.
-بس دي كده مواصفات الولد مش البنت !
ابتلعت “رحمة” ما تبقّى بفمها، و قالت و هي تتنهد بأريحية :
-لأ. دي مواصفاتي أنا.. أنا طول عمري كنت شقيّة. حتى لما كنت طفلة. أمي كانت بتعرف تسايسني. بس ياما أخدت علق من أبويا. أنا قلت لك كان قاسي عليا أد إيه.
رمقها بنظرة متعاطفة، مد يده متلمسًا بطنها و هو يقول برفقٍ :
-الولد عندي زي البنت. كل إللي يجيبه ربنا حلو.. و بعدين انا بعتبر نفسي أب لاربعة.. عثمان صفية. و رحمة و البيبي إللي هاتجيبه.
مسّت كلماته فؤادها و ألحت عليها رغبة قوية في البكاء، لكنها تمالكت نفسها و هي تقول دامعة العينين :
-انت بجد فرحان إني هاجيبلك بنت أو ابن تاني !؟؟
جاوبها بلا أدنى ترددٍ :
-طبعًا. مش معنى إني ماكنتش عايز أخلّف تاني بعد ولادي الاتنين يبقى أكره طفل جاي من صلبي حتى لو جه غلطة.. بكرة هاتشوفي هاعمل إيه عشان ابني إللي في بطنك. مهما حصل أبوه يبقى يحيى البحيري. مش هايكون أقل من اخواته في أي حاجة.
نظرت له “رحمة” مبهورة بالرؤى التي منح إليها لمحاتٍ، سحبت نفسًا عميقًا ملء رئتيها و زفرته براحة، الآن طمأنها، زوجها الذي يخلف أيّ وعد يقطعه، ليس هناك مجالًا للشك به بعد الآن
ستنجب طفله، و هو سيحبه، سيكون كل شيء بخير …
__________________________________
اصطحب “يحيى البحيري” زوجته الصغيرة إلى المشفى التخصصي بمدينة القاهرة، بعد أن استراحا يومًا قبل موعد الولادة المُحدد، تجهزت “رحمة” بمساعدة اثنتان من طاقم التمريض، نزعت كل ملابسها و ألبسوها رداء العمليات، وضعوها فوق السرير الجرّار
و لكن قبل أن ينطلقوا بها، ولج إليها “يحيى” و معه الطبيبة الأربعينية ذائعة الصيت، تطلّعت “رحمة” إلى زوجها و هي لا تستطيع إخفاء التوتر الذي يعصف بها …
-إيه الأخبار يا مدام رحمة ؟ يا ترى جاهز ؟
نقلت “رحمة” بصرها إلى الطبيبة ذات الوجه المليح المبتسم، لم تستطع مجاملتها بابتسامة لأنها حقًا كانت خائفة من التجربة الوشيكة، لكنها ردت عليها بثباتٍ :
-أنا تمام يا دكتورة.. و جاهزة !
أومات الأخيرة باستحسانٍ قائلة :
-حلو أوي. أنا عارفة بردو إنك متوترة و قلقانة عشان دي أول مرة. بس بطمنك هي نص ساعة بالكتير و هاتلاقي البيبي في حضنك.
-إن شاء الله ! .. تمتمت “رحمة” مرفرفة بعينيها
اقتربت الطبيبة منها خطوتين و هي تفتح مجلّدًا طبيًا و تناولها قلمًا و هي تقول بلباقةٍ :
-الأول بس قبل ما ننقلك على أوضة العمليات.. ممكن أخد امضتك هنا ؟
و أشارت إلى محل التوقيع أسفل المحرر الطبّي …
عبست “رحمة” متسائلة :
-حضرتك عايزاني أمضي على إيه !؟
حانت من الطبيبة نظرة صوب “يحيى” و انتبهت “رحمة” لذلك، عاودت الأخيرة النظر إليها قائلة كأنما حصلت على الإذن :
-ده إقرار منك بتسمحي من خلاله بالتعديل البسيط إللي هاعمله بعد الولادة.
ارتابت “رحمة” الآن و هي تواصل تساؤلاتها :
-تعديل إيه أنا مش فاهمة !!
تنهدت الطبيبة قبل أن تقدم لها شرحًا موجزًا :
-بعد ما نخرج البيبي هانعمل اجراء بسيط مش هاياخد ثواني. أنابيب فالوب إللي بتربط المبايض بالرحم هانستأصلها من المبيضين بتوعك. و ده يعتبر تحديد نسل دائم معظم السيدات بتلجأ له. غير استئصال الرحم ده آمن و مالوش أي تأثير على الدورة الشهرية. لكن بيضمن لك 100% إنك مش هاتخلفي تاني أبدًا.
انسحبت الدماء تمامًا من وجه “رحمة” و هي تحملق بطبيبتها التي واكبت معها رحلة الحمل من البداية و حتى هذه اللحظة، انفجرت بوجهها بغضبٍ مستطير :
-انتي اتجننتي صح ؟ أنا لا يمكن أسمحلك تلمسيني. عارفة لو مديتي إيدك عليا. أنا هامشي من هنا و مش هاولد في المستشفى دي خالص …
-رحمـة !
جمدت لوهلةٍ بمكانها، أخيرًا خرج “يحيى” عن صمته، رفعت رأسها لتنظر إليه و قالت منفعلة :
-يحيى. مشيني من هنا. أنا لازم امشي من المستشفى دي حالًا.
رد عليها بهدوءٍ مخيف :
-مافيش مشي يا رحمة. انتي هاتولدي هنا !
ارتبكت من المعنى المبطن بكلامه، لكنها تابعت آملة ألا يصدق حدسها :
-انت سمعت هي قالت إيه !؟؟
أومأ لها قائلًا بنفس الهدوء :
-سمعت.. إهدي دلوقتي …
و توّجه إلى الطبيبة مستطردًا بلطفٍ :
-ممكن تنتظرينا برا خمس دقايق يا دكتور. محتاج أتكلم مع رحمة على إنفراد.
ابتسمت الطبيبة منصاعة لطلبه، انسحبت للخارج و معها الممرضتان، ليبقى هو مع زوجته على إنفرادٍ كما أراد، كان يمسك الآن بالوثيقة الطبيّة و القلم، اقترب أكثر نحو “رحمة” التي أخذت تهز رأسها للجانبين متمتمة :
-انت إللي عايز كده صح ؟ انت إللي طلبت من الدكتورة تعمل كده !!
مرةً أخرى يختفي أيّ شكل من أشكال الملائكية في محيّاه أو نظراته، ينظر إليها بتعبيرٍ أجوف و هو يقول ببرودٍ :
-الموضوع ده لازم ينتهي هنا يا رحمة. مش ممكن أرجع عن قراري. ف مافيش داعي تعملي كده في نفسك و انتي داخلة عمليات.
ارتعش فمها و هي ترد عليه بدموعٍ :
-انت كأنك هاتدبحني.. ده إللي انت عايزه بجد !!؟؟
أغمض عينيه ساحبًا نفسًا عميقًا عبر أنفه، ثم نظر لها ثانيةً و قال :
-انتي لما قولتيلي إنك حامل مانطقتش بكلمة واحدة تبين لك إني مش عايز الحمل ده. و لا مسّيتك بشر و فضلت محافظ عليكي و على إللي في بطنك لحد اللحظة دي.. و انتي خلاص هاتولدي دلوقتي.. معقول بعد ده كله شايفاني انسان وحش ؟
رحمة بغضب : لما تطلب مني مخلّفش تاني طول حياتي.. تبقى انسان وحش أيوة. انت حتى ماخدتش رأيي !!
-مش محتاج أخد رأيك في مسألة منتهية بالنسبة لي. انتي حملتي مرة و كنا واخدين بالنا.. مش هاسمح إن إللي حصل يتكرر تاني و الحجة تكون هي هي.
-يبقى الطلاق هو الحل ! .. هتفت بحزمٍ :
-أنا مش هامضي و لا هاوافق إنك تعمل فيا كده. قلتهالك و بكررها. أنا أكبر أحلامي أكون أم. و نفسي أخلّف ولاد كتير. نفسي أعمل عيلة كبيرة و أعوّض إللي اتحرمت منه طول عمري.. مش عايزة أخلّف منك تاني. طلّقني و سيبني أبدأ حياتي منغيرك. دي مش حياة إللي أنا عايشاها معاك أصلًا !!
بقى محدقًا بها في صمتٍ لدقيقة، ثم قال لاويًا ثغره بابتسامةٍ تهكمية :
-عايزة تطلّقي يا رحمة ؟ طلبتيها كتير. أوكي أنا ماعنديش مانع. و هاحقق لك طلبك و العملية دي انسيها خالص. هاطلقك و هاسيبك تشوفي حياتك و تتجوزي و تخلّفي براحتك.. بس …
لم تكاد تصدق ما قاله حتى قطع كلامه باستثناءٍ رافعًا اصبعه، ليكمل و الشر و الجبروت يبدوان عميقًا في نظرته و نبرة صوته :
-ابني إللي هاتدخلي تولديه ده. مش هاتشوفيه و لا ثانية واحدة و لحد آخر يوم في عمرك. أنا اتجوزت على مراتي و في نظرها خونتها و خلّفت من واحدة غيرها. بس إللي هاعمله إني هاخد ابني و أروح أطلب منها السماح. و هاستحمل أي حاجة ممكن تعملها فيا. لأني عارف أد إيه هي بتحبني و ماتقدرش تستغنى عني. هاتغضب شوية بس هاتسامحني في الآخر. و هاتقبل إنها تكون أم لأبني على الورق و قدام الناس كلها.. أما انتي يا رحمة. هاتنسي إنك شوفتيني أصلًا. و مالكيش عيّل مني. و مبروك عليكي حياتك الجديدة.. منغيري !
استمعت إليه مصدومة كلّما تفوّه بكلمة أشدّ قساوةً من سابقتها، هزت رأسها محاولة إقناع نفسها بأنه لم يقول كل هذا، و قالت :
-انت ماتقدرش تعمل كده.. ماتقدرش تحرم أم من ضناها !!!
جاوبها “يحيى” غير متوّرعًا :
-صدقيني يا رحمة.. أنا أقدر أعمل أي حاجة.. جرّبيني !
أطبق الصمت الآن، و لم تعد قادرة على إشاحة بصرها عنه طرفة عين، لقد أوقعها بين خياران.. أحلاهما مُرّ !!
فماذا تختار !؟
هل تقبل ما يفرضه عليها فلا تنجب أبدًا طيلة حياتها و تكتفي به و بطفلها منه ؟
أم تنال حريتها و تذهب لتقترن بغيره و تنجب أولاد كُثر و تؤسس عائلتها الكبيرة كما تمنّت ؟
الخيار الثاني هو الراجح منطقيًا.. بلا شك كانت لتختاره لو ألقاه عليها قبل بضعة أشهر.. قبل أن تحسّ بأول خفقة من جنينها.. بأول ضربة.. بحركاته الأولى و نموّه بأحشائها يومًا بعد يوم.. لقد عاش بداخلها لأشهر.. يأكل و يشرب منها.. إنه بمثابة روحٌ منها.. فكيف تتخلّى عن روحها !؟؟؟
هل تبادل “رحمة” طفل واحد ببقيّة أطفالها ؟؟
ليس منطقيًا على الإطلاق !!
و لكنها فعلت …
عندما شدّت القلم من يده و أخذت الوثيقة لتوقّعها، وقعّتها بالحبر الممتزج بدموعها، دموع من غير بكاء، راقبها “يحيى” مبقيًا على صمته حتى انتهت و سلّمته الوثيقة، أخذها بدون كلمة، و استدار خارجًا في هدوء، بينما تلج الممرضات إليها و يصطحبنها الآن إلى غرفة العمليات
و بعد نصف ساعةٍ كما وعدت الطبيبة، خرجت إحدى الممرضات و هي تحمل المولود الملتف بقماطٍ أبيض سميك، توّجهت به نحو والده الذي قام عن مقعد الاستراحة و هي تقول مبتسمة :
-ألف مبروك يافندم.. مدام حضرتك جابت بنت زي القمر. شوفها !
أجفل “يحيى” مرتبكًا في البادئ عندما وضعت الممرضة الطفلة حديثة الولادة بين ذراعيّ أبيها، إذن كانت “رحمة” محقّة، إنها فتاة …
نظر “يحيى” في وجهها المستدير، حمراء مثل الفراولة، لها شعر بندقي كثيف، أنفها ضئيل للغاية و شفاهها صغيرة لكن ممتلئة
إنها ليست المرة الأولى التي يُرزق بمولودٍ، و لكن ينتابه إحساس غريب، لا يعرف من اين أو كيف، لكنه سعيد، الآن لا يمكنه منع نفسه من التبسّم و هو يرنو إلى طفلته، يحس بنورٍ ساطع يشع منها و هي بين يديه هكذا، فوجد لسانه يُقرر من تلقائه فجأة :
-شمس !
سمع “يحيى” الاسم الذي بدر إليه من حيث لا يدري، و تمسّك به في الحال و كأن لا غيره يليق على الهدية الثمينة التي وهبت إليه، حدق “يحيى” بوجهها النائم و قرّبها إليه أكثر، همس بالقرب من أذنها بينما يضمها إلى صدره برفقٍ شديد كأنما هي قابلة للكسر مثلًا :
-شمس.. انتي اسمك شمس يحيى صالح البحيري.. انتي بنتي.. انتي شمس !!
_________________________________________________
الوقت الحاضر …
التهديد !
لقد أجاد استخدام سلاحه هذه المرة.. لولا أن ساومها على أطفالها لما خضعت له هكذا.. على الرغم من إنها لا تتذكرهم و لا تتذكر أيّ شيء من حياتها معهم.. لكنها اختارتهم …
هكذا ببساطة، لا يمكن ظان تغامر بخسارتهم، خاصةً عندما إلتمست قوته و قدرته حقًا على تنفيذ تهديداته، إنه ذو سلطان، هذا واضحًا و كل شعرة بجسمه تنطق بذلك، من الأفضل ألا تعانده، فهذا حتمًا لن يصبّ في مصلحة أيّ أحد
قرعت “سمر” على باب الجناح الذي أوصلتها إحدى المستخدمات أمامه و ذهبت، كانت متوترة و ساقاها ترتجفان، تواصل القرع بقوة أكبر حين تأخر بالإستجابة، و هي طبعًا لن تجرؤ على فتح الباب من نفسها
حبست أنفاسها فجاة حين إنفتح الباب و برز زوجها المزعوم من خلفه شبه عاريًا، إذ بدا و كانه فرغ للتو من استحمامه، لا يرتدي سوى منشفة عريضة تحيط بخصره، و الماء يقطر من شعره و جسده إلى الأرض، ابتسم بتسليّة و هو يرى الصدمة تجلل وجهها هكذا، ربما لم يقتنع بمسألة فقدان الذاكرة التي تدّعيها، لكنه لا ينكر أن اللعبة بدأت تعجبه الآن، حتى و لو حقيقية …
-أهلًا يا بيبي ! .. تمتم “عثمان” بلهجةٍ مرحة
كرهت “سمر” تعبير الانتصار على وجهه، و لكنها لا زالت عاجزة عن تخطّى ما تراه و لا تدري ماذا تفعل في هذا الموقف، تنظر إلى وجهه و تبذل ما بوسعها حتى لا تنزلق عيناها إلى جسده، ذاك اللعين.. اللئيم !!!
-باين عقلتي و قررتي تفضلي في بيتك.. أيوة كده تعجبيني.. اتفضلي يا قلبي ادخلي …
و تنحى لها جانبًا حتى تلج أمامه، كزّت “سمر” على أسنانها بقوة لتقمع رغبة مُلحة بالفرار، و أجبرت نفسها على المضي للداخل
مدت ساقها و بلغت عتبة الجناح الكبير متطلعة حولها بانبهارٍ، إنه بمثابة شقة مفتوحة، مترف، واسع جدًا، و تفوح منه روائح نظيفة، منعشة، و أبرزهم رائحته هو، صابون الاستحمام خاصته يعبّق الأجواء و يدوّخها، فتقاوم مجددًا رغبتها بالنظر ناحيته، تركز فقط على تأمل المكان عساها تتذكر شيء
يا لهذا الثراء و الترف كله، هل كانت تعيش هنا حقًا ؟
هل هذا الجناح كان بالأمس القريب لها ؟ تتشاركه مع زوج يُدعى “عثمان البحيري” ؟
بل هذا القصر كله.. كانت تسكنه ؟
كيف كانت حياتها يا ترى ؟ كيف تعرّفت إليه ؟ كيف تزوجته ؟ كيف و كيف …
أسئلة كثيرة جدًا بحاجة لإجابات، و هو من سيجاوبها على تساؤلاتها، هو لا غيره !!
-إيه بدأت تندّع !؟
استدارت “سمر” نحوه بعد طرحه هذا القول، قطبت حاجبيها بعدم فهم، فاستطرد بسخريةٍ واضحة :
-قصدي الذاكرة.. مافتكرتيش حاجة لحد دلوقتي ؟ أنا عندي فكرة حلوة أوي هاتخلّيكي تفتكري في ثواني !
و رمى منشفة صغيرة من يده كان يجفف بها شعره، أخذ يقترب منها على مهلٍ، بينما تشهق بذعرٍ و تتراجع بظهرها للخلف و هي تقول بحدة :
-انت ناوي على إيه ؟ يعني بتهددني و بتجبرني أقعد هنا و في أوضتك كمان عشان تستفرد بيا ؟ و الله لو قرّبت مني لـ آ ا …
-هاتعملي إيه يعني ؟ .. قاطعها “عثمان” باستخفافٍ و لا زال يتقرّب إليها
حتى كسرت تراجعها طاولة صغيرة، تعثّرت قدمها و كادت تسقط، لو لا أن لحق بها و قبض على خصرها النحيل بكفّاه، اجتذبها ناحيته مستمتعًا بتلاصقهما ببعض و الدفء الذي تبثه فيه، ليغمغم بنعومة آبيًا إفلاتها رغم مقاومتها :
-حسبي يا بيبي.. إهدي على مهلك. الجسم ده مايستحملش عنف.. اسأليني أنا !!
احمرّ وجهها من شدة الإنفعال، جمعت قبضتيها لتحاول دئه عنها بكل قوتها و لكن بلا جدوى، فهسّت من بين أنفاسها المهتاجة :
-لو ماكنتش مصدقة إنك جوزي ف أنا دلوقتي متأكدة. أنا إستحالة أرتبط بحد زيك.. انت.. انت …
و بترت عبارتها عندما لم تجد المعنى المراد، فأكمل عنها :
-سافل ؟ انتي قولتيلي كده المرة إللي فاتت لما كنت معاكي في البيت القديم !
اغتاظت من بروده الملموس في التعامل معها، و حتى كلامه، و لكن قبل أن تبدي أيّ ردة فعل استبقت يده الأمور كلها حين ارتفعت لتنزع حجاب رأسها بحركة واحدة ماهرة، ندت عنها صرخة قصيرة سرعان ما كتمتها بيديها، بينما يقول بجدية محدقًا بقوة إلى عينيها :
-أنا قلت طول ما انتي معايا لوحدنا مش عايز أشوف حجاب على راسك. مفهوم ؟
غمغمت بحنقٍ : و انا قلت مافيش لمس أو قرب من أي نوع.. انت مش معقول. مابتعرفش توفي بوعودك حتى !؟؟؟
-لأ بعرف ! .. قالها و أفلتها أخيرًا بعد لحظة واحدة
تنفست الصعداء حين صارت حرّة، أخذت ترتب شعرها الذي تناثر حول وجهها للخلف، و في نفس الوقت تتواصل معه بالعين …
تنهد “عثمان” ساندًا يده على خاصرته المنحوتة و هو يقول بفتورٍ :
-أنا وعدتك إني هاديكي وقتك.. لكن ماحددتش الوقت.. ف أحسن لك تساعدي نفسك أو تتأقلمي على وضعك. و أنصحك بالحل التاني لو طوّلتي في النسيان.. عشان زي ما انتي عارفة يا بيبي. أنا بملّ بسرعة !
و أولاها ظهره متجهًا إلى حجرة الملابس، لتهتف من مكانها :
-أنا مش عارفة حاجة.. ماتعاملنيش كأني بستعبط. أنا لو افتكرت هاضرب نفسي 100 قلم على ارتباطي بيك أصلًا !!
سمعت قهقهته العالية من داخل الحجرة، فاستشاطت أكثر و بالكاد كتمت صرخة مقهورة بصدرها.. هذا الرجل قدرها… كيف ستكون أيامها المقبلة معه ! ………………………………………………………………………

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى