روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثاني والتسعون 92 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثاني والتسعون 92 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثاني والتسعون

رواية أغصان الزيتون البارت الثاني والتسعون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثانية والتسعون

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الثاني والتسعون :-
الجُـزء الثـاني.
“الأمل الأخير بمثابة الخيط الرفيع الذي يربطك بالدنيا، فإذا انقطع تطايرت گ ذرات الغبار في مهبّ الريح.”
____________________________________
الكثير من التبريرات التي استمع إليها رجال الشرطة فيما نُسب إليهم من اقتحامهم منزل “حمزة”، محاولين تبرئة أنفسهم من ذلك الإتهام الذي قد يصل بهم لمصيرٍ مكروه، وفي النهاية أضطر أحدهم سؤال “سُلاف” نفسها للفصل في الأمر :
– الكلام ده حقيقي يا مدام؟؟.. هل فعلًا قرايبك جايين يخدوكي بالعافية؟.
كان “حمزة” ممسكًا ملف نتائج التحاليل الصحيحة التي أثبتت حقيقة بنوة “زين”، وإنه ليس طفلها وإنها لم تلدهُ، وكأنه يلوّح به أمام عينيها، من أجل أن تفهم إنه لن يتركها تذهب من هنا برفقة طفله، وأن عليها المكوث بجانبه وإلا ستخسره للأبد. إنه الوتر الحساس الذي يتلاعب عليه من أجل ضمان بقاءها لأطول وقت ممكن، خاصة وأن الرضيع متعلقًا بها ولا يعرف سوى إنها أمه الحقيقية. جف حلقها وتجمدت عضلات لسانها لوهله، حتى غابت عن تواجد إدراكها معهم للحظات، وهي تُمعن النظر للصغير المستيقظ بين يديها، وفي صدرها حريقًا ناشبًا، بل إنه هو الذي يتقلب على الجمر وتخشى أن تُصيبها نيرانهِ. انتبهت “سُلاف” على صوت “حمزة” وهو يحدثها بجديةٍ قائلًا :
– ردي على حضرة الظابط يا سُلاف.
تناقلت عيناها نحوهِ، فنظر لها رجل الشرطة متسائلًا بجدية كي يفصل هذا الأمر :
– انتي عايزة إيه؟.
أسبلت جفونها دون النظر لأي أحد، ويداها تضم “زين” لصدرها وهي تجيب في شئ من الخفوت :
– أنا هقعد هنا مع جوزي.
كأنه تنفس توًا، بعدما تأكد من نجاح خطتهِ التي أعدّها في عجالةٍ من أجل إبقاءها قِسرًا، بينما كانت كلماتها گوقع البارود على مسامع “راغب” و “عِبيد”، اللذان لم يظنا نهائيًا رد فعل گهذا مهما كان مبررها، وذلك ما دفع “راغب” للإنفعال المفاجئ، وبقبضتهِ كان يضغط بقوةٍ على رسغها صائحًا :
– انتـي بتـقـولـي إيـــــه انتي اتــجـننـتي؟!.
اندفاعه ذلك دفع “حمزة” للتهور، فـ دحره بعيدًا عنها ووقف أمامها يسدّ عنه الطريق وهو يهدر فيه :
– إيـدك مـتتحـطش عليها.. انت ســــامـع! ؟.
تدخلت القوات للفضّ بينهم بسلمية أولًا، محذرين الجميع من التمادي في الشجار حال تواجد الشرطة بينهم :
– وبعدين معاكم؟!.
خشيت “سُلاف” تطور الأمور لأكثر من ذلك، فـ تدخلت وهي توجه حديثها لرجال الشرطة :
– من فضلك تسيبهم يمشوا، دول ولاد عمي وانا اللي طلبت منهم ييجوا ياخدوني.
ثم وجهت حديثها لـ “حمزة” وكأنها توجهه لتبرئتهم وإخراجهم من هنا بسلام :
– ولا إيه يا حمزة!!.
لكنه كان ذا رأي آخر، ومتشبثًا برأيه الذي أقرّه من البداية :
– أنا عايز آخد عليهم تعهد بعدم التعرض يا فندم، أنت شوفت بنفسك أنا مش مآمن ليهم وعايز أحمي نفسي وبيتي من هجومهم المتكرر.
اتسعت عينا “سُلاف” اتساعًا، في حين كان كلاهما ينظران إليها بنظراتٍ شعّ منها الغيظ والحقد الشديدين، بعدما سلمّت لـ “حمزة” زمامهم دون قصدٍ، فداعبها “حمزة” وحركها وفقًا لهواه ووفقًا بما يفيد مصلحته، وإن كان ذلك على حسابها هي، في الأخير ستكون هي معه، وهذا مبتغاه منذ البداية وسبب كل ما افتعله اليوم.
***************************************
تصديق هذا الوضع كان شيئًا غاية في الصعوبة بالنسبة له، كيف يصدق أن ابنة أخيه ناصرت عدوهم اللدود من أجل طفل في حجم اليد، وليته طفلها!.. بل مُتبنى يحمل دمهم اللعين أيضًا. كانت صدمة شديدة التأثير على “مصطفى”، عجز عن تقبلها أو حتى التفكير فيها. جميعهم مصابون بحالة من الذهول الشديد، ومفاجأة لم تكن متوقعة بالمرة، كما سادت حالة من النقمة عليها، لسوء اختيارها المبالغ فيه هذه المرة. كتم “مصطفى” بعضًا من غيظهِ، غير قادر على مواجهة مشاعره الحانقة التي تتفاقم رويدًا رويدًا، وبثِقل لسانهِ هتف قائلًا :
– بنت أخويا أنا تعمل كده؟؟.. بعد كل اللي عملناه فيهم بتسلمنا لحمزة بإيدها!!.
زمجر “راغب” بإنفعال شديد، بعدما وصل لذروة عصبيته :
– أنا كـنت عارف إن العيل ده هيجيبلنا الكافية، أديها اختارته وسابت الكل ورا ضهرها.. لأ وكمان بتسلمنا للحيوان ده عشان نبقى لعبته كلنا.
بقى “نضال” صامتًا أمام كل ما يستمع إليه، عاجزًا عن الدفاع عنها أمامهم، بينما في أغوارهِ يلومها ويعاتبها، يخشى كل الخشية من تحقيق الأسطورة، يهاب اللحظة التي قد تسقط فيها “سُلاف” بأحضان الشيطان الذي تعهدت يومًا أن تحرقهُ، حينها لن يقدر أي أحد على استعادتها مرة أخرى. رفع “نضال” رأسه المدفونة بين راحتيه، ونهض واقفًا ليقول :
– أنا هروح أشوف الوضع إيه هناك يمكن أوصل لحاجه.. ربنا يسترها، حكاية موت أسما المفاجئ ده هيغير حاجات كتير.
شدد “مصطفى” عليه ضرورة العمل على استرجاعها بأي شكلٍ كان، وإن كلف ذلك كشفهِ هو شخصيًا :
– اتصرف ورجعهالي يانضال، أنا عايز سُلاف بأي تمن.. حتى لو اضطريت تكشف نفسك لأبن القرشي.
أومأ “نضال” رأسهِ متفهمًا وتحرك بالفعل نحو الباب :
– حاضر.
فرك “راغب” أصابع يديهِ معًا وهو يتمتم ساخطًا :
– مش قادر أتخطى اللي حصل!.. حمزة أخد عليا أنا تعهد بعدم تعرض، بنت أخوك خلت صباعنا تحت ضرسه بعد ما كنا هارسينهم كلهم تحت رجلينا.. مش بيلحقوا يفوقوا من ضربة عشان يلاقوا التانية، بص شوف وضعنا إيه معاهم دلوقتي!!.
ضرب “مصطفى” على مقعدهِ بقبضة اليد المتكورة غير قادر على تحمل المزيد من ضغط ولده عليه :
– بـــس كـفاية ياراغـب كـفايــة.. سُلاف هترجع تاني، ربنا مش هيخذلنا عشان عالم إننا أصحاب حق، وسُلاف عاقلة وهترجع ، أنا عارف إن زين نقطة ضعفها، بس هي أكيد هتلاقي مخرج.
تركزت عيناه على الفراغ مؤكدًا مرة أخرى :
– أكيد هتلاقي.
**************************************
منذ أكثر من ساعة ونصف والمنزل كله في حالة حركة وضجيج لم تكفّ ثانية واحدة، حتى بدأت الأجواء تهدأ رويدًا رويدًا. نظرت “سُلاف” عبر النافذة فترآى لها جموع رجال الأمن المصطفين في كل المداخل والمخارج وأمام المنزل، وحتى كاميرات المراقبة قد تم زرعها في أغلب نواحي المنزل وتم ربطها بجهاز الهاتف وجهاز الحاسوب المحمول الخاص بـ “حمزة”، كل تلك الإعدادات باشرها “زيدان” بنفسه بعدما اختفى “حمزة” من الوسط تمامًا. ألقت “سُلاف” بالمنشفة الصغيرة وفتحت الباب لتخرج بإندفاع، فصادفته في طريقها ليسألها بفضوله الشديد :
– رايحة فين يا ست الأستاذة؟.
رمقته “سُلاف” بشئ من الإحتقار وهي تهتف :
– وانت مالك انت.
تلوت شفتي “زيدان” منزعجًا وهتف بـ :
– عمومًا لو عايزة أبو البشوات هو مش في أوضته، هتلاقيه في الدور اللي فوق.
مرت كأنها لم تستمع إليه، وصعدت للأعلى كي تبحث عنه بين الغرف، دونما يأتي في مخيلتها مكان معين تبحث فيه، ومع مرورها أمام غرفة “أسما” تنبهّت حواسها الإستشعارية وأحست به في الداخل، فـ فتحت الباب ببطء لترى الإضاءة المفتوحة، وإذا به ممدًا على الفراش يعانق وسادة والدتهِ، عيناه معلقة بالحائط حيث صورتها مع أبنائها. أغلقت الباب وخطت خطوات حسيسة بإتجاهه، جلست على طرف الفراش دون التفوه بكلمة واحدة، تاركة هيبة الموقف المسيطرة على الأجواء. أغمض “حمزة” عيناه وحرر قيد لسانه لينطلق بكل ما يحمله في قلبه :
– خدتي مني حتى حزني على أمي!.. بدل ما أعلن الحداد عليها خلتيني انشغل بيكي وأجرى وراكي عشان أحاصر خططك ومؤامراتك عليا، ده انا حتى مكنتش معاها في اللحظات الأخيرة، سعيي عشان أعرف اللي مخبياه عني سهّاني عنها.. بس انا مكنتش اعرف حاجه عن حالتها.. كل ده بسببك، دخلتي حياتي قلبتيها كلها، ولسه فيكي نفس تكملي.
بماذا ترد؟ بماذا تدافع عن موقفها؟.. مازالت مؤمنة إنه استحق كل شئ، وإن لم يكن عدائها معه قائم منذ سنين مديدة، فهو الشيطان الذي أرادت محاربته ومحاربة فساده الموروث بكل ما أوتيت من قوة. لم تتفوه “سُلاف” كلمة واحدة، بينما فتح “حمزة” عيناه ونظر نحوها، فإذا بعيناه المحاطة بهاله حمراء فاقعة، تنم عن طول البكاء والحسرة، وأخفضت بصرها عنه حينما كان يتابع :
– إزاي أخليكي تصدقي إنك هتفضلي هنا تحت عنيا طول ما زين معاكي؟.
اعتدل في جلسته ليصبح أقرب إليها وهتف بخشونةٍ حازمة :
– انتي عايزة إيـه بالظـبط ؟؟.. واحدة غيرك كانت باست إيدها وش وضهر إني مسجنتهاش.. انتي زورتي في أوراق رسمية ونسبتي ابني لنفسك وكمان خدعتيني، ولسه عايزة تديني على قفايا تاني!.
سألته بصراحة مطلقة كي تنهي حيرتها التي أشعلت النار في رأسها :
– عايز إيه يا حمزة!.. مش ده الولد اللي رفضته و….
هدر فيها صائحًا :
– أنا راجل عيل ورجعت في كلامي، ليكي عندي حاجه!!؟.. ابني وهيعيش جمبي، وانتي كمان هتعيشي هنا، خلاص الإختيار مبقاش بتاعك.
نهض “حمزة” عن الفراش فـ لحقت به وهي تصيح :
– وجودي معاك مش هينفعك بحاجه.
فـ التفت إليها يقول بإصرارٍ مستميت :
– انتي التمن اللي هيدفعوه أهلك كلهم.. خلاص مبقاش ليهم فيكي حق، لما تموتوني بقى أبقي امشي وخدي الولد معاكي ساعتها، غير كده نفسي مرتبط بنفسك طول مااحنا الأتنين عايشين.
رمشت عيناها عدة مرات غير مصدقة ما تسمعه :
– انت أكيد بتهذي؟!.
فصرخ في وجهها بعدما نفرت عروق وجهه وأصيبت بشرتهِ بإحمرارٍ متوهج :
– هو انتوا سيبتوا فـيـا عـقل!.
رنّ هاتفهِ الموجود على مساحة بعيدة عنه، فـ مشى نحوه ليقرأ أسم أبيه على شاشة الهاتف، وبدون أي مقدمات كان يطردها من الغرفة :
– أخرجي بـرا.
لم تجعله يكررها مرتين، وانسحبت بصمت وهي تفكر كيف السبيل للخروج من هنا بعدما حاصرها من كل اتجاه. أما عنه، فأجاب على المكالمة وفي صوتهِ ضيق متحشرج، يود لو يصرخ في وجهه أو يطلق عليه الرصاص فـ يخرّ ميتًا، جزاء تسببه في موت أمه وتجاهله الطويل لها. خرج صوته مكتومًا وهو يجيب :
– أيوة يا بابا.. في البيت، انت اللي فين؟.. معرفش انك سافرت، لأ انشغلت مع ماما عشان تعبت شويه.
ابتلع “حمزة” ريقهِ وهو يحاول تجاوز الكذبة التي اختلقها، مانعًا نفسه من الإنهزام أمام الإنهيار المكتوم في نفسه، وتابع حواره معه :
– أيوة هحصلك بس مش دلوقتي.. كمل انت ورجع حق يسرا وبعدين يحلها ربنا.
قطب “حمزة” جبينه بإستغراب وهو يقول :
– أنا بعتلك رسالة!!.. رسالة إيه؟.
حتى هذه اللحظة.. لا يعلم “حمزة” أيًا من كواليس ما حدث، لماذا لم يسافر، وكيف لم يصل إليه “عطا” ووصل لزوجته؟.. وما شأن تلك الرسالة التي يتحدث عنها والدهِ، وما أمر اختفاءه المفاجئ؟.. استمع “حمزة” لعتاب “صلاح” وهو ينهره بشدة لتخاذله عن أقتصاص حق شقيقته، وبرر نفسه أمامه مختلقًا أعذار ليس لها أساس من الصحة :
– قولتلك ماما تعبت وفضلت معاها.. المهم يابابا، لما تخلص الحوار جه كلمني وأنا هجهز كل حاجه لإستقبالك.. لأ مش هاجي، انت هترجع لوحدك.. مستنيك ، سلام.
أغلق” حمزة” المكالمة ولم يتردد في الإتصال بـ “عطى”، عساه يجد لديه حلّ اللغز المفقود.
***************************************
تركت “سُلاف” رضاعة “زين” مع سماع صوت فتح الباب، والتفتت كي تراه يدخل للغرفة وعلى وجهه تعابير غريبة، فأشاحت ببصرها عنه وهي تسأل بفتور :
– أفندم ؟.
فسألها بتحيرٍ مشتت :
– انتي ملاك ولا شيطان؟.
قطبت جبينها بدون فهم، بينما تابع مرحبا هو :
– حيّة عايزة تنهيني ولا ملاك حارس محاوط عليا.
برفقٍ ليّن سحب مرفقها كي تقترب منه وتابع :
– أنا مبقتش عارف انتي عايزة إيـه؟.. بس عارف أنا عايز إيه منك.
ازدردت ريقها بتوجسٍ مرتعب، وسألت بتخوفٍ من جوابه الذي استشفته تقريبًا :
– عايز إيه ؟.
فصارحها :
– عايزك.. محتاجك جنبي دلوقتي، خلاص يا سُلاف.. مبقاش في ليا غيرك.
توترت وهي تحاول سحب مرفقها منه نافية صدق مشاعره :
– انت مش عارف انت بتقول إيه وحزنك خلاك آ….
قاطعها دونما السماح لها بمتابعة عبارتها :
– أنا مش مجنون وعارف أنا عايز إيه كويس صدقيني.. انتي اللي هتنقذيني من الدوامة دي.
جذبها بغتةً حتى وقعت رأسهِ على كتفها، وبعناقٍ عنيفٍ كان يضمها إليه ويكرر :
– انتي الأمل الأخير يا سُلاف إني أرجع تاني، والمرة دي لو خسرت الخسارة هتبقى بحياتي كلها.
**************************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى