روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والتسعون 93 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والتسعون 93 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثالث والتسعون

رواية أغصان الزيتون البارت الثالث والتسعون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثالثة والتسعون

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الثالث والتسعون :
الجُـزء الثـاني.
”گالحرمان الذي تُشبعهُ بعطاءٍ مُفرط، بعد عُمر مديد من اللاشبع.“
____________________________________
أحست بأصابعهِ التي تضغط على ظهرها أصبعًا أصبعًا، ورغمًا عن أنفها كانت مشاعرها الأنثوية تستيقظ دون أدنى مجهود، گالحرمان الذي تُشبعهُ بعطاءٍ مُفرط بعد عُمر مديد من اللاشبع. ذراعيها مسترخيان جوارها، تاركة نفسها تمامًا، عدا أنفاسها المضطربة التي تحاول بقوةٍ خائرة التغلب عليها. كلماتهِ تخترق مسامعها بوضوح رغم خفوت صوتهِ، فأحست كأن جلدها يذوب بحرارة أنفاسهِ الملامسة لكتفها، وآخر ما سمعته قبيل أن يبعد رأسه عنها :
– لولاكي مكنتش لحقت حتى أدفنها.. مش عارف انتي عملتي كده ليه وإزاي، بس انتي أنقذتيني.
كانت قادرة على استجماع شتاتها محاولة استغلال الموقف لصالحها، حتى وإن كانت على يقين من ردهِ، أرادت بذلك أن تقوم بالمحاولة الأخيرة :
– أنا قدمتلك آخر خدمة ممكن أقدمهالك ، بس انت عارف إن كل حاجه ليها مقابل.
توجس خيفة أن تطلب منه الصعب، وبدا توجسه على تعابيره المرتابة وهو يسألها :
– وإيه هو المقابل؟!.
لم تنتظر كثيرًا كي تخبره عن رغبتها فور سؤالها :
– سيبني أمشي من هنا.
حطّ الغيظ على كافة مداركهِ كما يحطّ الصياد على فريستهِ، وتلونت بشرتهِ بحُمرة مهتاجة وهو يحاول الضغط عليها بشكل غير مباشر :
– وزين؟؟ هتسيبيه وتمشي؟!.
نفت احتمال گهذا فورًا وقد تبدل أسلوبها لآخر مُعادي في لمح البصر :
– مـسـتحيـل.
فآتاها ردّه المُصرّ هو أيضًا :
– وانا كمـان مستحيل أسيبلك ابني وتمشي بيه.
بدأت نبرتها الهجومية تزداد حدتها في عِناد وإصرار :
– أنا محدش يمسكني من إيدي اللي بتوجعني يا حمزة.. انت عارف كويس لو انا عايزة آخده وامشي همشي ومش هتعرفلي طريق.. أنا بديك فرصة متخسرش ابنك للأبد.
– أنا شايف إنك بجحة شويتين وانتي بتكلمي عن ابني اللي من صلبي.
– عشان أنا اللي ر……
قاطعها قُربه الذي تجدد فجأة، وهو يجتذبها بقوةٍ لتلتصق بصدرهِ مرددًا :
– خليكي معايا، وانا مستعد اضمنلك حياة تانية خالص.. كل اللي فات هنساه بس توافقي.
كأن صورة آل زيّان بالكامل قد انبثقت فجأة أمام عينيها، ورأت والديها المتوفيان اللذان فعلت كل هذا لأجل قصاصهم:
– إنت بتقول إيه ؟؟.. إحنا في بينا دمّ يا حمزة، انت ابن عدوى.
انفعل وهو يرفعها قليلًا لتكون في مستوى طولهِ الفارع، فـ استندت دون قصدٍ برسغيها على صدره وهو يهتف :
– أنا مفيش بيني وبينك حاجه، لو على اللي حصل من أبويا فـ كل واحد يشيل شيلته وانا ماليش دعوة بيه.. أنا ماليش ذنب ولا انتي كمان ليكي ذنب عشان تعيشي كل حياتك بتجري ورا تار.
وفي خِتام عباراتهِ خفت صوته وهو يصرحّ برغبته :
– أنا عايزك.. محتاجلك جمبي يا سُلاف، ورغبتي في وجودك معايا كل يوم بتزيد عن اللي قبله.
تهدجت أنفاسها وهي تحاول التملص من حِصار ذراعيهِ، ومازالت ترفض الركوض خلف رغباتٍ تعاكس كل ما تظن إنها تضمرهُ له :
– اللي سعيت عشانه طول عمري مش هيتمحي بأستيكة لمجرد إنك اعترفت إن ليا عند أبوك حق.
أحس بضعفها، حتى في دحرها له لمس ذلك الوهن الذي أكل قوتها، كأنها لم تعد قادرة على إصرافهِ عنها، فلم تكن فرصة يمكن تفويتها، وكان عليه تتويج هذا الحوار بشئ لن تنساه أبدًا، فـ تركها تهذي وتهذي بدفاعاتها المعتادة، حتى وجد فرصة أخيرة لتقبيل شفتيها وإغلاقهم بين شفاهه المفعمة بالرغبة، فلم يتردد وأخرس صوتها بشفتيه، بعد أن ضمن إحكام قبضتيه على ذراعيها حتى يُفشل محاولتها للخلاص فشل ذريع؛ لكن المفاجأة الحقيقية أن ذراعيها لم تتحرك قيد أنملة، وإنها تخدرت بالكامل في أول لحظة لمست شفاهه المبتلة شفتيها كلها، فـ انهمكت حواسها ومداركها مع هذا الشعور الذي تحسه للمرة الأولى، بعدما تغيب عقلها عن الحضور في تلك اللحظة. لم يترك “حمزة” تلك الملحمة تمر مرورًا كريمًا، دونما ترك تأثيرهِ الطاغي عليها بحرفية شديدة، فجعلها گالعجين سهل التشكيل، حتى إنه حرر قبضتيه المُحكمة على ذراعيها، وتسربت لمساتهِ لتشمل ظهرها كله، وفي الأخير كانت يده تنتصف بين رقبتها ووجهها يُقربهُ إليه أكثر وأكثر حتى تلاصقت أنُوفهم، وفي لحظةٍ حرر قيد شفتيها، فـ سحبت أنفاسها بتلاحقٍ كأنها كانت مكتومة لوقتٍ طويل، بينما أسند هو رأسها على صدرهِ وضمّها إليه ومازالت لديه رغبة جامحة في الكثير منها، لولا إنها أفاقت أخيرًا من أثر الكارثة التي وقعت منذ قليل، وأدركت إنها خسرت خسارة فادحة بإستسلامها الأول أمامه، فـ انفلتت من بين أحضانه بدون أن يمنعها، وأولته ظهرها وهي تردف بصوتٍ متهدج :
– أخـرج دلـوقـتـي.
قبل أن يتفوه كلمة واحدة كانت قرعات عنيفة تطرق على الباب، فـ فتحه ليرى “زيدان” أمامه وهو يقول :
– أنا قولت برضو تلاقيك هنا.. الجدع اللي اسمه نضال ده مستنيك تحت وراسه وألف سيف يشوفك.
تنهد “حمزة” عاجزًا عن التخلص من تأثيرها عليه بالكامل، حتى إنه رفض رؤية أي مخلوق آخر الآن :
– مش عايز أشوف حد.. خالص.
تجاوزهُ ومرّ من جانبه بخطواتٍ مندفعة، هربًا من أي مواجهة الآن قد تُفسد نعومة اللحظات القليلة التي قضاها معها، بينما استغلت هي تلك الفرصة وتناوبت تلك المقابلة عنه :
– أنا هنزل أشوفه عايز إيه.
قطب “زيدان” جبينه مستشعرًا غرابة فيها، لا سيما شفاها وذقنها المُلطخان بأحمر الشفاة الوردي، فتلوت شفتيه وهو يسألها :
– أشمعنا!!!.
تصلبت “سُلاف” في ردّها عليه قائلة :
– ملكش دعوة، أنزل وانا جاية وراك وخلاص.
سرعان ما تغير لون وجهه وهو يصيح أمامها :
– لا انتي فاهمة غلط خالص، أنا مش شغال هنا خدام انا طالع لأبو البشوات مش ليكي، يعني من الآخر متدنيش أوامر.
وتقوست شفتيه بإنزعاج وهو يتابع أثناء ابتعاده عنها :
– مبقاش إلا الأوامر كمان هاخدها من حُرمة (سيدة).
أحست “سُلاف” بإنتفاخٍ في شفتيها أثر قُبلتهِ المحمومة، فـ مضت نحو المرآة ونظرت كي تتفاجأ بوجهها الملطخ، كتمت شهقة خافتة وأمسكت بمنديل ورقي في عجالة، ثم بدأت تُزيل آثار اللون العالق في جلدها كي تُجدده بآخر، ونفسها اللوامة لا تصمت عن توبيخها وتعنيفها بقوةٍ، وهي تحس تضارب كبير بين عقلٍ وقلب، بعدما كان كلاهما في اتجاهٍ واحد، يبدو أن أحدهم بدأ يسلُك طريقًا آخـر مُتبعًا هـواه.
***************************************
استمع “صلاح” للتنبيهات الروتينية في ساحة الإنتظار بالمطار في أحد الدول التي هبط إليها گزيارة (ترانزيت) ، حتى إنه لم يهتم كثيرًا بالإنصات إليها وانغمس عقله بالكامل في خطواته التي سيخطوها ما أن تحل أقدامه الولايات المتحدة الأمريكية. رنّ هاتفهِ فنظر للشاشة قبل أن يجيب :
– أيوة يا شافعي، طمني كله تمام؟.
تأفف “صلاح” منزعجًا وهو يسأله :
– خبر إيه ده اللي هيضايقني أنا مش ناقص!.
جحظت عيناه بغتة، وانتفض من مكانهِ من شدة وقع المفاجأة على مسامعه :
– بتقول إيــه!!.. أسـما مراتـي أنا مـاتت ؟؟.. أمتـى وإزاي؟؟.
استمع إليه وعقله غير قادر على استيعاب الأمر كله، بالرغم من حالتها الصحية التي كان على دراية تامة بها، إلا إنه لم يتخيل أبدًا أن تغادر الحياة مبكرًا هكذا، وما زاد الطين بله هو علمه بإنها دُفنت وانتهى الأمر أيضًا، دون أن يعلم هو شيئًا :
– كمان!!.. حمزة دفنها، بالشكل ده من غير حتى جنازة!.. إزاي يتـصرف من غـير ما يـرجـعلي!.. ده انا لسه مكلـمه من شـويـه ومقـالش أي حـاجه.. طيب طيب، أرجع إزاي يابني آدم أنا خدت تأشيرة بالعافية، وكمان كلها بكرة الصبح وابقى وصلت خلاص أنا كلها يومين بالكتير وهرجع.. خلي عينك على كل حاجه يا شافعي.. سمعتني؟.. تمام.
أغلق هاتفه وقد تجمدت حواسه كلها، لم يعد قادر على استنباط ردود أفعال ولده، منذ وفاة “يسرا” والأخير قد انقلب حاله رأسًا على عقب، كأنه إنسان آخر لا يعرفه، حتى تصرفه هذا ودسّ أمر خطير گهذا عن والده لم يكن في نظرهِ سوى تقصير شديد الخطورة، مهما كانت دوافعهِ هو في نظره مُذنب حتى الآن، وإلى حين عودته لا يعلم ما الذي سيتغير، قد يعود ليجده مجرد رُفات لإنسان كان يعرفه من قبل، وليس ولده الذي ترعرع في كنفه، وأكد على ذلك شعورهِ بثمة تغييرات جذرية فيه، حتى هو لا يعلم إلى أين مداها؟!.
**************************************
– يعني إيــه مش هـينفـع يا سُـلاف، عـايزة تستنـي إيـه تاني أنا مبقتش فاهمك.
نظرت “سُلاف” من حولها بتوترٍ وهي تلفت انتباهه لإرتفاع صوتهِ :
– بـس يا نضال صوتك؟؟.
لم يكترث “نضال” بأي من ذلك، وأعلنها صراحة لها بإنه قد حرق كل السُفن :
– ميهمنيش خلاص، إحنا وصلنا يا سُلاف ومينفعش الحكاية تتختم بشكل غير اللي عايزينه.
حررت “سُلاف” تنهيدة حارّة من صدرها، وكُل ما يشغل تفكيرها الآن هو “زين” :
– مقدرش يا نـضال، اللي بتطلبه مستحيل، أنا مش هسيب زين يعني مش هسيبه.
أطبق بأصابعه على مرفقها وهو يزأر بغيظ تملّك منه :
– انتي كده بتضحي بنفسك وبيا، بتضحي بينا كلنا عشان عيل مش مننا.
– صدقني أنا هلاقي الطريقة اللي أخرج بيها من هنا ومعايا زين.. ساعتها بس هبقى حقيقي انتصرت، لكن أمشي واسيبه ده مستحيل.. مستحيل يا نضال، قول لعمي كده وانا عارفه إنه هيفهمني، محدش غيره هيفهم.
خلّصت يدها من قبضته وهمست في الأخير :
– بلغه إني هرجع وابني في حضني، وإلا مش هرجع خالص.. وجودي من عدمه مرهون بزين يانضال، وبس كده، انت لازم تمشي من هنا دلوقتي، وانا هعرف أمتى وازاي اتصل بيك.
أمر غير معقول، لم يظن للحظة أن ترفض الذهاب معه، أو إنها تصمت كل هذا من أجل رضيع ليس من دمها، إنها تفسد كل الخطط والمعايير، تفسد حتى العهد الذي اتخذته يومًا بالقضاء على نسل آل القرشي دون استثناء أحد، ها هي تُبعد “حمزة” عن دائرة السباق مُقررة الإكتفاء من إنهاء “صلاح” فحسب، أما ولده فقد خسر خسرانًا مبينًا، ولم يعد لديه ما يخسره مرة أخرى، ولهذا قررت عِتقهِ؛ ولكن ما نتيجة هذا العتق؟.. هذا هو الأمر المخيف حقًا.
***************************************
لم تحصل على قدر كافي من ساعات النوم، فقط ثلاث ساعات من النوم المتقطع الغير منتظم، لتصحو على مفاجأة عدم تواجدهِ بجانبها. فزعت “سُلاف” وهي تنظر من حولها بهلع، ثم همّت بمغادرة الفراش بعجالة وخرجت صوب غرفته مباشرة، لتجده بالفعل قد أخذه معه، والآن يجلس معه يُلاطفه ويُطعمه بنفسه، في وجود المربية الجديدة التي جلبها مؤخرًا. صفقت “سُلاف” الباب بقوة، ثم نظرت للمربية وهي تأمرها :
– Get out.” أخرجي”
أومأت الفتاة رأسها بالإيجاب وانصاعت على الفور، بينما سددت “سُلاف” نظراتها الحانقة نحوه وهي تهتف :
– وبعدين معاك؟.. مش هتبطل تاخده من جنبي وانا نايمة؟.
مسح “حمزة” بقايا الطعام من على فمهِ قائلًا :
– محتاجين نبقى نحدد الوقت اللي هقضيه مع زين عشان نمنع المشاكل التافهه دي.. أنا مش عايز يبقى في بينا احتكاكات من أي نوع.
ثم وجه نظراته نحوها وتابع :
– ياأما تنقلي هنا معايا وتبقي سهلتي علينا احنا الأتنين.
اقتربت “سُلاف” لتأخذ الصغير من أمامه، متجاهلة تمامًا كل ما قاله :
– ده اللي ناقص.
أوقفها قبل أن تنصرف ووقف قبالتها ليقول :
– أنا هعمل قسم عندي في المكتب وعايزك انتي اللي تمسكيه.
ارتفع حاجبيها بذهولٍ من تطور تفكيره بشأنها وسعيه لتوطيد العلاقة بينهما بأي شكل :
– أنا هشتغل معاك؟؟.. ليه هي مكاتب البلد كلها خلصت ومش فاضل غير حمزة القرشي اللي هشتغل معاه.
كان رزينًا هادئًا، وكأن ما خلف ذلك هو الإنهيار المكتوم :
– افهمي يا سُلاف، القسم ده هيكون بدون أجر للناس اللي متقدرش تدفع أتعاب المحاماة، وهنختار القضايا دي بعناية عشان الخدمة تروح للي يستاهل.
تعجبت من روح الملاك البرئ التي بدأت ترفرف من حوله، وسألته في سخرية :
– مش مصدقة.. من أمتى وانت يهمك حد غير نفسك!.
فسّر لها نفسه بإيجاز شديد وبدون أن يُطيل في الحديث، وفي نبرته لمحة من الإنكسار:
– دي صدقة مني عشان يسرا وماما.
أدركت أن التقليل من شئ گهذا سيكون سخيفًا للغاية، فتراجعت عن سخريتها معلنة إعجابها بخطوته :
– تقبل الله.. بس أنا مش هقدر أتولى حاجه زي دي، أنا مـ…..
قاطعها محاولًا التأثير عليها :
– دي حاجه لله.. وانتي مش هتتأخري عن حد محتاجك تنصفيه.
كان التأثير عليها صعب للغاية، حتى إنها أنهت الحوار بقرارها القطعي :
– آسفه.. في ناس كتير تقدر تساعدك في حاجه زي دي غيري.
أولته ظهرها لتنصرف مصطحبة الصغير في أحضانها، فـ نادى عليها لتقف في محلّها :
– سُلاف.
توقفت عن السير فلحق بها، انحنى وقبّل الصغير ثم وضع في يدهِ لُعبتهِ ذات الأصوات الرنّانة، ثم ابتعد خطوة للخلف ليفسح لها المجال كي تمر.. فـ مرّت. خرجت وهي تدعو الله أن تمرّ تلك المحنة الصعبة، أن تخرج من هنا كما دخلت، بدون أن تخسر نفسها أو قلبها، بدون أن تُصاب بعدوى قد تلازمها وتعيش في أحضانها باقي عمرها، وبدون أن تخسر “زين”.
أكمل “حمزة” ارتداء ملابسهِ السوداء بالكامل، محافظًا على هيئة الحِداد التي ستلازمه قليلًا، من أجل زيارة والدته وشقيقتهِ أولًا ثم النظر في أعماله التي تكدست ثانيًا. كان خاليًا من أدنى معاني الحياة، مفتقدًا الرغبة في العيش، متمنيًا انتهاء العذاب الذي يحسهُ وتأنيب الضمير الذي أهلكهُ. توقفت سيارتهِ في أحد إشارات المرور، فـ انبثقت صورتها أمام عيناه، تلك المرة التي كانت متنكرة فيها في هيئة أحد المتسولين وقام بطردها من أمام السيارة، أغمض عيناه بقوةٍ فرآها مرة أخرى، في ذلك اليوم الذي أفسدت فيه زفافه وأعلنت خبر زيجتهم أمام الجميع، لم تختفي من أمام ناظريه بأي شكل، وكأنها تعششت في ذهنهِ، حتى ظهر له ذلك العجوز بائع المناديل الورقية ليقول :
– محتاج مناديل يابيه، اشتري مني ربنا يجبر بخاطرك ويرزقك.
كان “حمزة” قد بدأ هلاوسهِ، حتى إنه تحدث لنفسه كأنما لا يرى ذلك الرجل :
– أنا تعبت.. تعبت أوي ومش عارف أخرتها إيه.
انشغل الرجل بأمره وسأله بإشفاقٍ صادق :
– ألف سلامة يابني، في مستوصف قدام لو تحب تروح!.
بدأت أوجاعهِ تتضاعف عليه كأنما لا يتحمل المزيد منها، وأفاض بما يجيش به صدره بإسترسالٍ غريب :
– اللي تاعبني مينفعش معاه دكتور، أنا نفسي معرفش مالي.. أنا عايزها ولا عايز انتقم منها؟.. محتاجها ولا عايز أحسّر أهلها عليها وآخدها منهم زي ما خدوا يسرا مني.. بكرها ولا بحبها وعيان بداء الإنكار!؟.
فأجابه العجوز بعفوية شديدة :
– يبقى بتحبها.. اللي بيكره مشاعره عمرها ما تتوه منه كده، انت فعلًا عيان يا بيه، عيان بيـها.
****************************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى