روايات

رواية وسام الفؤاد الفصل الثامن عشر 18 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الفصل الثامن عشر 18 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الجزء الثامن عشر

رواية وسام الفؤاد البارت الثامن عشر

رواية وسام الفؤاد الحلقة الثامنة عشر

إن الحب هو الذي يحول المر حلوًا، والتراب تبرًا، والكدر صفاءً، واﻷلم شفاءً، والسجن روضةً، وهو الذي يُلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة.
جلال الدين الرومي
✨✨✨✨✨✨✨
“هو قلبك ده مدقش باسمي ولو مره ده حتى بيقولوا القلوب عند بعضها… معقول قلبك محسش بقلبي!”
فاجأها بكلماته تلك، لم تتخيل أن تسمع منه ما قال لتوه! كادت تسمع دقات قلبها المتسارعة أثر كلماته، ضغطت شفتيها معًا بارتباك وسحبت يدها من اسفل يده، واستدارت لتهرب من نظراته التي تفتـ ك بقلبها، وقالت بنبرة ساخرة:
-إنت أكيد بتهزر!!!
ضحك بخوف وهو يهز عنقه نافيًا، وقطب جبينه قائلًا بتأكيد:
-لأ مش بهزر… أنا حبيتك يا هبه
رفع كتفيه لأعلى مردفًا:
-معرفش حصل امته وإزاي بس أنا بجد حبيتك وعايز أكمل حياتي معاكِ بشكل طبيعي
أخذت تفرك يدها وهي مطرقة رأسها لأسفل بإحراج شديد وبارتباك، رفعت رأسها لترمقه بنظرة خاطفة ثم زاغت ببصرها عنه وقالت بتلعثم:
-مـ… لـ.. لأ مينفعش ده يحصل أ… أنا مش موافقه
شبك ذراعيه حول صدره وقال برتابه:
-خدي وقتك وفكري أنا مش مستعجل اعتبري أننا مخطوبين واتعرفي عليا من جديد…
رمقته بطرف عينيها ثم نظرت نحو باب الغرفه تتمنى الفرار من هذا الحوار الذي زلـ زل كيانها ودك حصون قلبها، وعندما لاحظ ارتباكها حاول تخفيف الموقف فابتسم مردفًا بمرح:
-دا أنا واد طيب والله ودمي خفيف وأتحب جربيني ومش هتندمي
رمقته سريعًا ثم أشاحت بصرها ولم تُعقب، فحمل الحقيبه قائلًا:
-طيب أنا همشي بقا ونتكلم بعدين
غمز لها قائلًا بابتسامة:
-سلام يا عسل
لم تحرك ساكنًا ولم تنبس بكلمة بل وقفت تنظر لأثره فاتحة فاها بدهشة، مسحت جبينها المتعرق وتمتمت:
-دا باينله إتجنن ده ولا إيه! أو ممكن تكون دي أحلام العصر إلي مبيبقاش ليها تفسير…
حكت رأسها وقالت: بس إحنا لسه الصبح!
نظرت لخزانة الملابس الفارغة ومسحت على شعرها محدثة حالها بتعجب:
-عاوزني أديله فرصه! فجأه كده!
قطبت جبينها ورددت بشدوه:
– يا وقعه مربربه! انا أحسن حاجه أروح أكل… عشان أحاول أستوعب إلي حصل ده وأشوف هعمل إيه!
__________________________
كانت ترقد على سريرها تعبث بهاتفها المحمول ففتح فؤاد باب الغرفة وأدخل رأسه منه ناظرًا بطريقة مضحكة وقال:
-ممكن أدخل؟
اعتدلت جالسة وقالت بنزق:
-ما إنت دخلت أصلًا…
ضحك بخفوت وهو يدخل للغرفة ويغلق الباب خلفه، فأردفت بتبرم:
-مش عارفه هفضل أعلم فيك لحد امته… يبني فيه حاجه اسمها استئذان يعني خبط على الباب الأول
جلس جوارها على الفراش وقال بسخرية:
-وأنا هفضل أقولك الإستئذان ده مع أي حد غير مراتي لحد امته!
نفخت بنفاذ صبر وقالت:
-اللهم طولك يا روح عاوز إيه يا فؤاد؟
-وراكِ إيه النهارده؟
-ولا حاجه هزاكر شويه
-لأ تزاكري إيه هما يعني إلي زاكروا خدوا إيه قومي إلبسي عشان نخرج مع بعض… أنا قررت أفسحك
تهلل وجهها فرحًا واتسعت عيناها بذهول قائلة:
-وحياة أمك يا فؤاد هتفسحني
فؤاد بابتسامة:
-وحياة خالتك لخليكِ تقضي يوم تحلفي بيه طول حياتك
صفقت بيدها بحـ. ماس وقالت بفرحة:
-فوريره اديني تلت دقايق وهكون جاهزه قبل ما ترجع في كلامك
اقتربت من خزانة ملابسها لتُخرج ملابسها وهو يتابع حركاتها بحب، استدارت تنظر له قائلة:
-يلا قوم إستناني بره عشان ألبس
نهض واقفًا وخرج من الغرفة مبتسمًا دون خوض أي جدال.
وبعد ما يقرب من نصف ساعه وقف جوارها ناظرًا للبحر، يستند على قضبان الحديد التي تحاوط حافتيه، التفت ينظر نحوها فطالعته بابتسامة عذبة ثم أعادت النظر أمامها واختفت ابتسامتها لتحل محلها علامة استفهام وسألته:
“هو إنت ليه صابر عليا لحد دلوقتي.. مع إني مفتكرش إن عمري قولتلك كلمه حلوه تعلقك بيا!”
دنا منها وقال بصوت رخيم:
-أنا مش محتاج منك كلام يا وسام… عينك قالت إلي في قلبك من زمان
تنهدت بعمق وعادت تجلس على المقعد الحجري تُطالع الطريق أمامها بشرود، نظر لها لبرهة كم يتمنى أن تخبره بما يجيش به صدرها! لترتاح فيرتاح خلده، زفر بقـ. وة عله يُخرج إنفعالات قلبه ويُطفئ لهيبه الذي يزداد اشتعـ. ـالًا كلما رأى حالتها تلك، تبعها بهدوء ليجلس جوارها، يطالعها بإشفاق، نظرت له قائلة باقتضاب:
-إنت تستاهل واحده تحبك وتديك كل الحلو إلي في الدنيا… لكن أنا!!!!!
قطع المسافه الفاصلة بينهما وحاوط كتفها بذراعه فسندت رأسها على كتفه وقبضت على كفه الأخر بكفها، كشخص يطلب منك الأبتعاد وهو المتشبث بك، وويضمك بقـ. وة صارخًا اتركني!
التفت حوله يتفقد خلو الطريق وقبل رأسها، قال بحنو:
-الحلو من إيد غيرك مر والمر من إيدك حلو… أنا بحب وسام ومش عايز غيرها…
أغلقت جفونها عندما لامس ذقنه جبهتها، هـ. اجمها خضم من الأفكار لمَ لا تخبره الحقيقة! فكما قال لها مسبقًا هو زوجها وليس مجرد معجب يركض خلفها، نعم زوجها ويحق له أن يعلم! ترددت كثيرًا ثم استجمعت قوتها وقالت:
-أنا كنت رافضه أقولك عن سبب رفضي ليك بس… بس إنت لازم تعرف… وأرجوك تفكر كويس أوي قبل أي قرار وأنا راضيه…
ابتسامة راضية ارتسمت على شفتيه وقال بود:
-أنا إلي راضي ومن قبل ما تحكي…
شددت قبضتها على يده وكأنها ترجوه ألا يتركها وقالت بنبرة مرتعشة وخافته:
-فؤاد أنا… أنا جسمي… جسمي…
برقت عيناها بالدموع التي لم تُطلع عنانها، عادت تتذكر واقعها الأليم وماضيها القاسي، شعر فؤاد بعلو أنفاسها وقلقها الزائد فقرب يدها من شفتيه وطبع على باطن كفها قبلة ودودة ثم أنزل ذراعه الأخر عن كتفها ليحاوط خصرها عله يُطمئنها، وهو يقول بنبرة هادئة:
-اهدي يا وسام
أخذت شهيقًا عميق من أنفها وأخرجت الهواء من فمها لتهدأ، أزاحت ذراعه عنها واعتدلت في جلستها لتستطيع تأمل تأثير كلامها التي ستنطلق به على صفحة وجهه، وقالت بأسى:
-فؤاد… أنا… أنا اتعرضت لحـ. ريق شوه جسمي.. يعني أكتافي ورجلي وظهري و..
طأطأت رأسها لأسفل مردفةً بانكسار:
-أنا بقيت بشعه… إنت مش هتقدر تبصلي يا فؤاد إذا كنت أنا مبقدرش أبص لنفسي… مش هتقدر صدقني عشان كده بقولك إني منفعكش… أنا منفعش حد أصلًا
أطلقت العنان لعبراتها الحارة لتسيل على وجنتيها، فاعتدل في جلسته ومد يده ليقبض على إحدى يديها ويربت عليها بحنو قائلًا:
-وأنا قولتلك إني راضي بأي حاجه وهتفضلي في نظري أحلى وأجمل بنت في العالم… يا وسام أنا بحب قلبك وروحك وملامحك كل حاجه فيكِ ومش مجرد شوية حـ. روق هتبعدني عنك…
أطلق تنهيدة طويلة وقال:
– حبيبتي أنا أهم حاجه عندي أشوف ابتسامتك وضحكتك الحلوه إلي بتنور حياتي… وأي حاجه تانيه مش مهمه
شهقت باكية فأردف بحب:
-لا عشان خاطري بلاش عياط أنا يعز عليا دموعك دي..
أخرج منديلًا من جيبه ومسح دموعها ثم قال مُداعبًا:
-قمر حتى وإنتِ بتعيطي
أخذت المنديل من يده ومسحت دموعها وهي تقول بجدية:
-فكر كويس يا فؤاد أنا مش عايزه أظلمك و..
قاطعها قائلًا بوجوم:
-أفكر في إيه؟ هو إنتِ متخيله إني ممكن أبعد عنك عشان السبب التافه ده! أنا مش هيبعدني عنك إلا الموت يا وسام
-بعد الشر عليك متقولش كده
نهض واقفًا وقال بابتسامة:
-قومي خلينا منضيعش وقت عشان أفسحك وأغديكِ… وعشان كمان عايزك في مشوار كده بتتهربي منه بقالك فتره..
قطبت جبينها باستفهام:
-مشوار إيه ده؟
-هتعرفي بعدين…
نهضت واقفة وتوجها لسيارته، ركبت جواره وانطلق، ساد الصمت بينهما طوال الطريق كل يرمقها بنظرات حائرة بين وهلة وأخرى يتردد أن يسألها عن تفاصيل ما حدث معها فهو يعرف تمام المعرفة أن وراء نظراتها تلك سر أخر أدهى وأمر مما قالت قبل قليل! لكنه ليس بالمكان الملائم سيصبر لكنه حتمًا سيعرفوبما تواريه، مر الوقت وهو يحاول إخراجها من بؤرة أفكارها يمزح معها، يداعبها ويضحكان، وبعدما ذهبا للملاهي وقضيا وقتًا ممتعًا، أخذها لأحد المطاعم ليتناولا الغداء بصحبتها…
______________________
لم تذهب فرح للجامعه في هذا اليوم وأصرت أن تُحضر له الغداء بيدها، ستطبخ له الدجاج مع الملوخية التي علمت من والدته أنه شغوفّ بها، دخلت للمطبخ ووقفت تنظر للخضروات متمتمة:
-استعنا بالله
لم تترك أحدًا تعرفه من قريب أو بعيد إلا وأخبرته بأنها ستطبخ اليوم، أخذت تعد الطعام بابتسامة عذبة لم تفارق شفتيها وتغني بحب، وبعد ما يقرب من أربع ساعات تنهدت بعمق قائلة:
-تم بحمد الله
بدأت تكشف الأوانى وتُطالعهما بفخر فلأول مرة تطبخ بمفردها، فدائمًا ما تأكل مع والدته “صفاء” ومن يدها، واليوم أصرت كامل الإصرار أن تطبخ له، انتبهت أثر فتحه لباب الشقة، هرولت إليه وهي تغني بسعادة:
-حبك في قلبي عزيز أطيب من الاكل اللذيد
اتسعت ابتسامته قائلًا:
-إيه الروقان ده!
رفعت كفيها قائلة:
-طبختلك حب بكل ملوخيه
هزت رأسها بسرعه نافية ما قالت لتوها، وضحكت مصححة:
-قصدي طبختلك ملوخية بكل حب
شاركها الضحكات وأقبل يضمها بحنو ويقبلها بحب قائلًا:
-حبيبي أشطر شيف في الدنيا
خرجت من أحضانه وقالت برجاء:
-يارب تعجبك يارب
غمز لها قائلًا:
-يا روحي أي حاجه منك حلوه… هغير هدومي بسرعه على ما تجهزي لنا الأكل
أشارت لعينيها قائلة:
-من عنيا الجوز
وبعد دقائق جلسا مقابلها لتطعمه بيدها أول ملعقة وهي تغني مبتسمة:
-دوق معايا الحب… دوق… دوق… دوق
كان مبتسمًا فتح فمه ليتذوق ما بالملعقة، ثم أخذ يومئ رأسه لأسفل بابتسامة مصطنعة، فتلاشت ابتسامتها وقالت بترقب:
-إيه وحش ولا إيه؟
أشار لها بإبهاميه أنه تمام.. دون النطق بكلمة، وكيف ينطق وما زال تحت تأثير تلك الصدمة! فابتسمت مجددًا وأخذت ملعقة من الطبق الأخر لتقدمها له وهي تغني:
-دوق معايا الحب… دوق… دوق… دوق
فتح فمه بقلة حيله، وتلقائيًا تقوس فمه لأسفل متقززًا، ضغط شفتيه معًا ثم بصق ما بفمه وبدأ يسعل، فصاحت:
-إبه ده يا يوسف… إيه إلي عملته ده؟ يا سيدي حتى لو وحش احترم مشاعري دا أنا واقفه بقالي أكتر من ٣ساعات على رجلي
رفع إحدى حاجبيها وسألها:
-فرح إنتِ دوقتي الحب ده؟!
تلعثمت قائلة بنبرة خافته:
-لا لسه
-يبقا لازم تدوقي الحب ده من إيدي
أخذ يوسف ملعقة من الطعام وقربها من فمها وهو يغني بابتسامة:
-دوقي معايا الحب… دوق… دوق… دوق
وحين تذوقت ما بالملعقة، وضعت يدها على فمها وركضت للحوض لتبصق ما به، فتبعها واستند على الحائط قائلًا بابتسامة:
-الظاهر بدل ما تحطيله ملح حطيتِ صوابعك فيه فطلع مسكر بزياده
تنحنحت بإحراج قائلة:
-الظاهر أنا اتلغبطت وبدل ما أحط ملح حطيت سكر
جلست على المقعد ووضعت يدها على خدها بحسرة، وقالت:
-ماما صفاء قالتلي متعمليش حاجه وركزي في مزاكرتك قولتلها لأ أنا هجرب أطبخ بنفسي
نظرت له وأردفت:
-ورحت مشوحه بإيدي كده يا يوسف قولتلها بعصبيه دا أنا ست بيت وهطبخ لجوزي
ضحك بخفوت وقال:
-إحنا ناكل جبنه وبالليل نروح نتطفل على ماما وناكل عندها
وكأنها لم تسمع ما قاله نظرت للفراغ بشرود وقالت:
-أنا كمان قولت لمامتك متطبخش هنزلها أكل…
ضـ. ربت رأسها قائلة بحسرة:
-يا شماتة ماما صفاء فيا
قهقه ضاحكًا وقال:
-متقلقيش أنا هقولها إني أكلت الأكل كله من حلاوته
أشارت له بسبابتها وقالت برضا:
-على فكره إنت زوج صالح وأنا محبتكش من فراغ
ضمها قائلًا:
-يا حبيبتي أنا كل يوم بفتكرك في صلاتي
شددت على ضمه وقالت بحب:
-ويا ترى بقا بتدعيلي بايه؟
-بيدعيلك ربنا يهديكِ ويصبرني عليكِ
تعالت ضحكاتهم فدفعته وقالت بنزق:
-ماشي يا يوسف
هرولت لغرفتها وأخذ يعدو خلفها ليراضيها فمهما فعلت ستظل مجنونته التي يعشقها!
______________________
استأذنت رحيل من عملها باكرًا فالأمس كان ذكرى ميلاد أختها وتريد أن تشترى لها هدية مختلفة عن كل عام تود إدخال السرور لقلبها فكل عام تشتري لها كتابًا لكن في هذا العام اختلف الأمر فقد قررت أن تشتري لها أدوات الملاكمة، وسيكون لها فرصة هي الأخرى لممارستها هوايتها التي تركتها جانبًا مذ اعوام، فوالدهما كان بطلًا للملاكمه ودربهما كثيرًا فى صغرهما لكن بعد وفاته أخذ عمهما كل الأدوات وباعها بثمن بخس، أكمل صديق والدهما مسيرة تدريبهما لأعوام أخرى، حتى علم عمهما وأبرحهما ضـ. ربًا فانقطعتا عن تلك الرياضة ومرت السنون.
تنهدت بعمق وابتسمت فقد اشترت ما أرادت، نظرت للأفق حولها فقد أوشك الليل على اسدال ستارة عتمته، حملت هاتفها لتسأل أختها إذا انتهت من حلقة القرآن فلأول مرة تتأخر بتلك الطريقة.
وعلى الصعيد الأخر كان يراقبها من بعيد حتى انتهت فوقف أمامها قائلًا بخبث:
-توكتوك يا آنسه؟
هزت رأسها نافية وهي تقول:
-لأ شكرًا
لم يغادر وقال باصرار:
-تعالي بس هوصلك إنتِ مش عارفاني ولا إيه!
-لأ شكرًا أنا مركبش تكاتك
غمر بعينه وقال بابتسامة ساخرة:
-طبعًا متعوده على الملاكي
رمقته بغيظ وغادرت المكان، وهي تطلب رقم أختها التي لم تجب بعد! فقررت العودة للبيت لحين مجيئها.
نظر الشاب لأثرها وتمتم لنفسه:
-هتعملي عليا شريفه… ماشي يا قشطه مسيرك تقعي تحت إيدي!
*******
ومن ناحية أخرى
“واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين”
رتلت سديل بصوت مرتجف وأعين دامعة فاليوم فقط استطاعت أن تختم القرآن في جلسة واحدة، وبعد انتهائها سجدت شكرًا لله وازدادت شهقاتها وهي تردد:
-سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، اللهم لك الحمد بما رزقتني، اللهم اجعل القرآن ربيع صدري ونور دربي وجلاء همي اللهم وزد نور قبر والداي
وحين رفعت من السجود أقبل نحوها الجميع مهنئين، ضمتها معلمتها وسألتها سديل بترقب وبأعين بارقة بالدموع:
-كده هقدر ألبس ماما وبابا تاج الوقار صح؟
ضمتها المعلمة وقالت:
-ربنا يبارك فيكِ يا سديل وينفع بيكِ يا بخت أهلك بيكِ يا بنتي والله اكيد فخورين بيكِ وأكيد هديتك وصلتهم يا حبيبتي
شهقت باكية وقالت بصوت متحشرج:
-أنا كده معدتش عايزه حاجه من الدنيا اللهم لك الحمد…
بدأن الإحتفال بها وأعطتها معلمتها شهادة الإيجازة ومبلغ من المال كمكافأة دنيوية ولأجر الأخرة أعظم..
________________________
“يبنتي سيبي إيدي بقا”
قالها فؤاد نازقًا من وسام التي تجلس مقابله تمسك يده بكلتا يديها ليتوقف عن اعطائها حقنة المخدر “البنج” ليُعالج ضرسها، هتفت بقلق:
-لأ يا فؤاد إنت هتوجعني وبعدين كل دي حقنه؟!
-صدقيني مش هوجعك بصي إمسكي في الكرسي وغمضي عينك… والله أنا ايدي خفيفه إن شاء الله
نظرت له خوف تطالعه بملامح ممتعضه، فأردف بنبرة مطمئنة:
-يلا بقا متخافيش يا وسامي
نفخت بحنق وقالت:
-إنت ليه مصمم تختم اليوم كده اتفسحنا واتبسطنا ليه بقا وجع الضروس ده يا عم
-يبنتي بقا متتعبنيش وافتحي بوقك
ازدردت ريقها وهي تلتفت حولها بارتباك وكأنها تبحث عن مهرب، لكنها استسلمت وفتحت فمها وهي تمسك بمقبض الكرسي بيد وبملابسه باليد الأخرى، بدأ في اعطائها الحقنه فتاوهت بصراخ مكتوم، فقال بتركيز:
-بس خلاص معلش يا حبيبتي خلصت أهوه
ابتعد عنها فاعتدلت جالسة وقالت بعصبية:
-والله إيدك تقيله… وجعتني والله
ابتسم قائلًا:
-معلش مش هوجعك تاني
بدأ بإعداد باقي أدواته وأردف بابتسامة:
-أقولك مسحوق الغسيل راح فين بس متجيبيش سيره لماما؟!
اتسعت عيناها قائلة:
-انا قولت إختفاء المسحوق ده بفعل فاعل أصل أنا شيفاه الفجر!
-بصراحه هو وقع من إيدي لما…
قهقه ضاحكًا وجلس على المقعد مقابلها ليقول من خلف ضحكاته:
-لما كنت بستحمى بيه
شهقت بذهول ووضعت يدها على فمها ثم قالت:
-فؤاد إنت استحميت بمسحوق الهدوم!!!
أومأ رأسه فقهقهت ضاحكة، قال:
-لقت ريحته حلوه افتكرته شاور جل
أكمل ضحك، فقالت:
-دا أنا هقول لأمك وللعيله كلها
رتب على صدره باستعطاف وقال:
-لأ استري عليا الله يسرك دا أنا جوزك برده
قالت من خلف ضحكاتها:
-لا سامحني مش هقدر لازم أقول
ابتسم وهو يطالعها بحب وقال:
-لو تعرفي ضحكتك دي بتعمل فيا إيه مش هتبطلي تضحكي
تبدلت ضحكاتها لشبح ابتسامة على ثغرها وقالت بخفوت:
-فؤاد هو إنت مش عايز تشوف أثر الحـ. روق في جسمي؟!
استدار يطالعها بأعينه التي انبعث منها سهام حب إخترقت تلافيف قلبها وقال وهو يُعد أدواته:
-بطلي هبل يا وسام
أردف بجدية:
-ها البنج اشتغل ولا لسه؟
-أيوه شكله أشتغل بوقي نمل
اقترب منها وهو يقول:
-طيب يلا افتحي بوقك
وحين لاحظت قربه المبالغ قالت بغيرة:
-وإنت بقا لما بيجيلك بنات بتقرب منهم كده!
ابتسم بجاذبية وقال مداعبًا:
-على حسب يعني لو بنت زي القمر زيك كده بقرب أما بقا لو وحشه هقرب ليه!
-يا سلام!!!
قهقه ضاحكًا وقال:
-متقلقيش أنا واخد راحتي عشان إنتِ مراتي وبعدين مبيجليش بنات أصلًا أغلب إلي بيجلي أطفال ورجاله
قبل مقدمة رأسها ثم قال:
-أنا أصلًا ميملاش عيني غير وسام
ابتسمت بحياء وظلت تطالعه بحب أثناء انشغاله بضرسها وهو يبادلها الإبتسامة بين حين وأخر.
________________________
وفي المساء كان آصف جالسًا على الأريكة مقابل التلفاز يقرأ كتابًا بتركيز، وعلى يمينه الشرفة المفتوحة على مسرعيها وامها ستار باللون البيج يتحرك بفعل نسمات الهواء العليل، الذي وصل لصفحة وجهه، وكانت ابنته تجلس امامه على الأرض منشغلة بألعابها.
خرجت هبه من المطبخ مرتدية اسدالها تحمل بيدها كوبًا من اللبن فهي تتلاشى التعامل معه طول اليوم، انتبه لها حين مرت من أمامه وجلست جوار ابنته، رمقها بابتسامة أخفاها برفع الكتاب أمام وجهه تنحنحت وقالت:
-يلا يا چوري اشربي اللبن عشان ميعاد النوم جه
ترك الكتاب جانبًا وقال عابثًا:
-برتقالي هاتيلي كوبايه أنا كمان
رمقته بنظرة جانبية وقالت:
-وأنا مالي روح هات لنفسك
ضحك بخفوت وقال:
-ليه كده يا برتقاله المعامله الناشفه دي أنا زعلتك في حاجه!
نظرت له معقبةً بجمود:
-قوم نام يا أحمر
انتبهت أثر صوت چوري:
-ماما شبعت كفايه بقا
-لأ اشربي الكوبايه كلها عشان تبقي قويه يا چوري
شربته الطفلة بقلة حيلة ونهضت لتنام فصاحت هبه:
-إيه ده فين الحضن والبوسه بتاعت ماما
ضمتها چوري وقبلتها قائلة:
-تصبحي على خير يا ماما
كادت چوري أن تغادر فناداها آصف:
-طيب وأنا مليش من الحب جانب ولا إيه يا ست چوري!
ركضت إليه لتضمه وتقبلته وقالت بابتسامه:
-تصبح على خير يا بابا
-وإنتِ من أهل الخير يا حبيبة بابا
دخلت چوري لغرفتها فنظر آصف لهبه قائلًا بابتسامة:
-أحلى حاجه إنها بتدخل تنام لوحدها وكويس انك عملتها ميعاد نوم
اومأت رأسها وكادت أن تنهض لكنه جلس جوارها على الأرض وحدق بوجهها قائلًا:
-مش هتشربيني اللبن زي چوري دا أنا هفتان ومحتاج أتغذى
ارتسمت على شفتيها ابتسامة جليدية وقالت:
-اللبن في المطبخ قوم اشرب… أنا هقوم أنام عندي شغل بدري
غمز لها قائلًا بجراءة:
-علطول كده طيب مفيش حاجه كده زي چوري
نهضت واقفه وقالت بنزق:
-إنت بتستظرف باين
اتجهت لغرفتها فتبعها بسرعة، وضع يده حائلًا أمام باب غرفتها وقال:
-بكره هستناكِ في المطعم خلصي شغلك وتعالي عشان نرجع ع البيت مع بعض
عقبت بنزق:
-ماشي أي أوامر تانيه!
هز رأسه نافيًا فأردفت: تصبح على خير
أراد مشاكستها فقال بابتسامة:
-تصبح على خير حاف كده
عقبت بسخرية:
-تحب ألفهالك في ساندوتش وأحطلك معاها خضار عشان تبقا صحيه
ضحك ولم تشاركه بل أرفت بنزق:
-أحمر أنا مليش في المحن ده إنت جاي العنوان الغلط متستناش مني حاجه زي كده عشان أنا بجد مبحبش جو التلزيق ومليش في المحن
وبابتسامة مستفزة قال:
-دا كلام! هو فيه حد ملهوش في المحن؟
أشارت لنفسها قائلة بحزم:
-أنا مليش في المحن ولا التلزيق.. وطلبك بتاع الصبح مرفوض.. إوعى إيدك بقا عشان هقفل الباب
أزاح يده فأغلقت الباب بوجهه، وقف لبرهة ثم هتف بحدة مصطنعة:
-لعلمك بقا أنا مش موافق على الكلام ده ملكيش في المحن قوليلي وانا أديكِ دروس خصوصيه إنما ترفضي كده خبط لزق مينفعش… أنا بقدم طلب استئناف عشان تفكري تاني يا برتقاله
لم تعقب بل وقفت خلف بابها تستمع لكلماته وتكتم ضحكاتها متمتمة لنفسها:
-والله دمه خفيف
أردف قائلًا:
-تصبحي على خير مع إني برده مش موافق على النوم بدري ده وبقدم طلب استئناف تاني انك تفكري وتخرجي تقعدي مع العبد الفقير لله
ضحكت فسمع صوت ضحكاتها وابتسم، لكنها جلست على سريرها مقررةً ألا تخرج من غرفتها
_________________________
وتحت المظلة في حديقة البيت اجتمعت العائلة على العشاء، وُضع الطعام على مفرش طويل على الأرض جلس الجد على رأسه وحوله الرجال ثم النساء وجهت وهيبه كلامها لسديل قائلة:
-اخلعي يختي البتاع الي على وشك ده عشان تعرفي تأكلي
شاهيناز مؤيدة:
-ايوه يا سديل دا فؤاد ونوح زي إخواتك متتكسفيش
تلعثمت سديل وقالت بإحراج:
-لأ يا طنط أصل… أصل أنا متعوده عادي هعرف أكل
مريم وهي تربت على ظهر سديل بابتسامة:
-سيبيها براحتها يا ماما متحرجوهاش
ابتسمت سديل أسفل نقابها ولم تنبس بكلمة، ليقاطعهم الجد قائلًا:
-كل عام وإنتوا بخير يا حبايب بمناسبة إقبال شهر رمضان المبارك
الجميع:
-وإنت بخير يا جدو/ عمي/بابا
رفع سبابته محذرًا وقال بابتسامة عريضة:
– إن شاء الله أول سحور بكره عشان كده أنا بحذركم كلكم من التخلف عن السحور أو الفطار
امتزجت الضحكات مع الهمهمات المؤيدة لما يقول، بدلت شاهيناز نظرها بين رحيل وسديل ووسام وقالت:
-انتوا تعملوا حسابكم بكره عاوزه مساعدتكم هنغسل السجاد وننضف البيت كله تنضيفة رمضان ويد الله مع الجماعه
نظر ثلاثتهم لبعض وقبل التعليق قال هشام:
-رحيل خدي بقا شهر رمضان أجازه عشان امتحاناتك قربت ومتقلقش مرتبك زي ما هو.. يعني من بكره مفيش شغل
عقبت رحيل بإحراج:
-لأ أصل …
قاطعها بحزم:
-مفيش أصل… مش هقول اعتراض الموضوع منتهي
ربتت مريم على ظهرها وقالت:
-خلاص طلما خالو قرر الموضوع انتهى وبعدين متتحرجيش إنتِ بقيتِ واحده من عيلتنا
شاهيناز بحب:
-والله ربنا يعلم معزتكم في قلبي من معزة فرح بنتي
رحيل بابتسامة عذبة:
-ربنا ميحرمناش منكم يا طنط ويديم المحبه بينا
كانت سديل شاردة في عالم أخر تفكر أتخبرهم أم لأ ترددت كثيرًا قبل أن تقول بصوتها الناعم الذي نادرًا ما يسمعانه فهي هادئة تُفضل الصمت والإستماع:
-جماعه أنا بعتبركم عيلتي بجد و… عايزه أقولكم خبر
انتبه الجميع أثر صوتها وكلماتها تلك، فأردفت بخجل:
-النهارده كان يوم مميز أوي في حياتي… النهارده يوم ميلادي
رحيل نافية:
-يوم ميلادك كان امبارح يبنتي مش النهارده
ابتسمت سديل أسفل نقابها وقالت:
-لأ النهارده يا رحيل… أنا اتأخرت بره البيت عشان ختمت القرآن على جلسه واحده وأخدت الإيجازة الحمد لله
ردد الجميع بابتسامة:
-اللهم بارك
الجد:
-لا دا إنتِ لازملك هديه مبروك لوحدها كده متنفعش
لمعت عيني رحيل بالدموع وهي تطالع أختها بفخر وقالت:
-دي أحلى مفاجأه في الدنيا
رتبت وسام على يد رحيل بحب وقالت:
-عقبالنا
-يارب
ظل الجميع يتبادلون أطراف الحديث والمداعبات حتى انفض المجلس..
_____________________
في اليوم التالي
خرجت فرح من البيت تتابط ذراع يوسف للجامعة، فاختبئت حبيبة خلف النافذة تراقبهما من فتحة ضيقه بغيرة مشتعلة وأعين غاضبة، وهي تتمتم:
-ربنا ياخدك يا بومه.. أنا بكرهك… بكرهك
قالت ساميه التي تجلس مقابلها:
– بدأ العد التنازلي اتفقي إنتِ مع أسامه زي ما قولتلك وسيبي الباقي عليا
وعلى ذكر اسم أسامه نهضت حبيبة واقفة وقالت:
-فكرتيني ب أسامه المفروض أروحله عند الكليه دلوقتي
نهضت ساميه هي الأخرى وقالت:
-المهم متنسيش تتفقي معاه
نفخت حبيبة بحنق وقالت:
-ماشي هحاول مع إن الموضوع صعب مش عارفه هقوله يعمل كده إزاي!
_____________________
جلس أسامه على درج الكلية يضع سامعة للهاتف بأذنه يستمع للمعزوفات والأغاني التي تحرك مشاعره، رأى فرح تدخل للجامعة مع يوسف فرمقها بابتسامة فهو دائم إختلاس النظر إليها، وحين رآه يوسف ينظر نحو زوجته زم شفتيه وطالعه بغضب، مر يوسف بجواره وربت على كتفه وهو يقول بنزق:
-بص قدامك يا حبيبي
وقف أسامه وقال باحترام مصطنع:
-دا أنا كنت سرحان بس يا دكتور
حرك يوسف رأسه باستنكار ودخل للكليه وهو يقبض على يد فرح التى يتراقص قلبها فرحًا أثر غيرة زوجها، مال يوسف نحوها قائلًا بهمس:
-متقعديش في مكان الواد ده فيه
اومأت رأسها بابتسامة ودخلت لمحاضرتها.
من ناحية أخرى ابتسم أسامه بسخرية وعاد يجلس مرة أخرى حتى رأى أحمد يدخل من بوابة الجامعة فأقبل نحوه.
-كده برده يا أحمد مكنش العشم يبقا إنت مكنتش بتعتبرني صاحبك بجد… المفروض تصاحب صاحبك على عيبه يا جدع
ابتسم أحمد وقال برتابة:
-المرء على دين خليله يا أسامه… ويا تسحبني لتحت يا أسحبك لفوق والصراحه أنا مقدرتش أسحبك لفوق ولا إنت قادر تسحبني لتحت يبقا لازم نفترق
قهقه اسامه بالضحكات وقال بسخرية:
-إيه يا عم الكلام الكبير ده! الظاهر كده الروايات لحست دماغك
نظر أحمد في ساعته وقال بجدية:
-عن إذنك يا أسامه هتأخر على المحاضره
غادر أحمد ووقف أسامه ينظر لأثره لبرهة مضيقًا بين حاجبيه ويفكر فيما قاله، قاطعه إشارة حبيبة له فأقبل نحوها مبتسمًا، ضـ اربًا بكلام أحمد عرض الحائط.
______________________
بدأن بغسيل السجاد كان البيت يخلو من الرجال جلست مريم مقابلهن ليتبادلن أطراف الحديث، قالت وسام:
-أنا أكتر حاجه بحبها في فؤاد لما يقولي يا بابا بحس كده براحه وانتعاش غير طبيعي
أطلقت مريم ننهيدة من حلقها وقالت:
-بجد يا بنات الجواز حلو اوي وإلي يقول غير كده يبقا اختار غلط أو نصيبه كده فميقرفناش
قالت آخر كلمة وضحكت وشاركنها الضحكات، لتقول رحيل بمرح:
-والله يا جماعه شوقتوني للجواز
سديل وهي تشير لأختها بمرح:
-راعوا مشاعر السناجل شويه واسكتوا لتتحسدوا
غمزت وسام ل رحيل بعينيها قائلة:
-بس إيه يا رحرح مفيش أخبار عن حضرة الظابط
اتسعت حدقتي رحيل وقالت بنزق:
-والله يا وسام إنتِ وفرح فضيحه أ… أنا قولتلكم مفيش حاجه بس مش عارفه إنتوا ايه ده مبتصدقوش!
تجاهلت مريم ما قالته رحيل وسألت وسام بابتسامة واسعة وبفضول:
-إحكيلي يا ويسو مين الظابط ده أصل أنا بحب الحاجات دي أوي..
جلست وسام على السجادة المبتله مربعة رجليها وقالت:
-يا ستي الظابط ده يبقا محمود ابن عمك… يالهوي يا مريم لو شوفتي نظراتهم لبعض… واقعين يبنتي وباين خالص
أخذت رحيل ترش المياه على ملابس وسام وهي تقول:
-يا بنتي اسكتي إنتِ فضيحه والله!
نهضت وسام وجلست جوار مريم وهي تضحك وأكملت:
-طيب هسالك سؤال يا مريوم هو محمود عمره جه البيت هنا
هزت مريم رأسها نافيه وقالت بانتباه: تصدقي أنا برده كنت مستغربه لا عمره ما عملها
وضعت وسام رجلًا فوق الأخرى وقالت:
-كان جاي يشوفها يعني واضحه أوي
أخذت مريم تربط أساور الموضوع ثم مصمصت بشفايها وقالت:
-يابن الإيه يا حوده بس عرف ينشن الواد ده
دبدبت رحيل قدمها في الأرض وقالت بنزق:
-والله ما أنا عامله معاكم وهروح أكنس جوه مع طنط
ثم تركتهن وغادرت فتبعها وسام وهي تشير لها بمرح قائلة:
-لوتفي استنى يا لوتفي
نظرت مريم لسديل التي تغسل السجاد بهدوء ولم تشاركهن سوى بالضحكات والابتسامات وقالت:
-ساكته ليه يا سوسو مقولتيش حاجه! إيه رأيك في الكلام ده؟
ابتسمت سديل وقالت في هدوء:
-هي الحكاية واضحه بس حرام يعني متحرجوهاش
ابتسمت مريم بإعجاب وقالت:
-والله إنتوا بنتين زي القمر من بره ومن جوه يعني يا بخته إلي تبقوا من حظه ونصيبه
ابتسمت سديل بخجل ولم تعقب فهكذا هي هادئة للغاية.
________________________
وحين اقتربت من المطعم رأته فأشاحت بصرها عنه وكأنها لم تره، طالعها أيمن باشتياق وظل يحدق بوجهها وهو يستند على عظم سيارته السوداء، رأته يتطلع إليها لكنها تظاهرت بلامبالاه ومرت جواره وهي تنظر للطريق أمامها تغض طرفها عنه وكأنها لا تعرفه من قبل، فناداها:
-هبه… هبه
لم تعيره اهتمامًا ولم تكترث لندائه، أكملت طريقها لتدلف إلي المطعم فتبعها ينادي:
-هبه… إنت مبترديش ليه؟
التفتت إليه وقالت برسمية:
-اسمي دكتوره هبه لو سمحت ياريت نحفظ الألقاب يا أستاذ أيمن
-أستاذ! للدرجه دي بقينا أغراب عن بعض!!!
ابتسمت بسخرية وقالت:
-هو إحنا امته كنا قريبن، احنا طول عمرنا أغراب يا أستاذ أيمن…
قال بسخرية:
-أنا عرفت بالمسرحيه إلي كنتِ عملاها مع جوزك عليا يعني لسه متجوزاه من قريب وكمان الطفله دي بنته مش بنتك و…
قاطعته قائلة بتبرم:
-والله أنا مبعملش مسرحيات ومش ذنبي انك فهمت غلط
شبك ذارعيه أمام صدره وقال بخبث:
-ويا ترى بقا سعيده في حياتك؟
عقبت بغضب:
-وإنت مالك أصلًا مش من حقك تسألني سؤال زي ده… وعن اذنك عشان مينفعش وقفتنا كده
اعتدل في وقفته واشار لها لتتوقف قائلًا:
-استني بس لحظه…
استدارت تنظر إليه بنزق فأردف بنبرة هادئة:
-وحشتيني يا هبه ونفسي أتكلم معاك… أنا هطلق مراتي عشان مش مرتاح معاها ونفسي نرجع تاني أنا عارف إنك مش مرتاحه مع جوزك وعارف انك لسه بتحبيني زي ما أنت بحبك و…
قاطعه صائحة بغضب:
-إنت جايب الكلام ده منين… أنا بحب جوزي وعيب أوي إلي إنت بتقوله ده!
كان آصف مختيئًا خلف الجدار، يستمع لحوارهما من البداية، ابتسم بسعادة لردها الصارم، دنا منها وقبض على يدها وهو يضغط على أسنانه بغضب ويرمق أيمن بغيظ قائلًا بنبرة حادة:
-هو أنا مش قولتلك متجيش هنا تاني!
عقب أيمن:
-أنا كنت بقول كلمتين لهبه وخلاص خلصت وماشي
وجه أيمن حديثه لهبة قائلًا:
-هستنى منك رد يا هبه
صاح آصف بغضب:
-تستنى رد من مين! أعتقد هي ردت عليكِ أمشي بقا ومتعترضش طريقنا تاني عشان بعد كده تصرفي مش هيعجبك
لم ينبس أيمن بكلمه وبدل نظره بينهما بامتعاض ثم غادر في صمت تام، نظرت هبه لآصف وقالت:
-منتعصبش محصلش حاجه
شبك ذراعها بذراعه وابتسم قائلًا بهدوء:
-أنا واثق فيكِ يا حبيبتي بس الراجل ده غتت وبيعصبني
ابتسمت وسحبت ذراعها منه بحياء قائله:
-طيب هنمشي ولا إيه!
-لأ خلينا نتغدى الأول
______________________
وقبل زوال الشمس وقفت رحيل جوار أختها أمام قبر والديهما، قبر بين قبور كثيرة لكنهما تعرفانه جيدًا، يرتديان ملابس حالكة السواد تلائم حالة قلبهما الآن، كانت الأرض مليئة بالغبار الذي أمسك بذيل عبائتة سديل وبنطال رحيل الواسع الطويل، مسحتا التراب عن ظهر القبر، وقالت رحيل بخفوت:
-وحشتوني
لمعت عيناهما بالدموع متمنية لو تضم القبر بين يديها فقد اشتاقت لوالديها وأخيها، قاومت رغبتها بالبكاء ورسمت ابتسامة واهيه وقالت:
-جينا نقولكم أخر أخبارنا… عارفه إننا مجيناش من زمان بس حصل حاجات كتير اليومين إلي فاتوا
أكملت سديل:
-بابا احنا دلوقتي بقا لينا عيله ناس بتحبنا وبتخاف علينا
رحيل: وكمان بقيت بشتغل كاشير في مطعم وبقبض كويس…
ضحكت بخفوت وقالت:
-وجبت أدوات الملاكمه عشان أتدرب أنا وسديل بس تدريب في البيت هناعب يعني ونتسلى
انسابت العبرات من مقلتيها وقالت بصوت متحشرج:
– سديل بقا هتقولكم خبر حلو
ولت رحيل ظهرها للقبر تحاول كبح دموعها، وأكملت سديل بنبرة رقيقة وهادئة:
-بابا… ماما… أنا سديل.. بنتكم ختمت القرآن وسمعته على المعلمة في جلسه واحده… كنت بسعى جاهدة عشان أختم لسببين أولهم إني ألبسكم تاج الوقار يوم القيامه والثاني أقرأ وارتقي في الجنه
أطلقت تنهيدة طويلة وقالت:
-دي كانت هديتي ليكم المره دي ولسه هبعتلكم هدايا كتير…
قبلت القبر وهمى الدمع يجري من عينيها وهي تقول:
– وحشتوني أوي
جلستا بين القبور وأخذتا تقصان على قبر أهلهما كل التفاصيل حتى أوشكت الشمس على الزوال.
خرجت رحيل من المقابر وهي تقبض على يد أختها لتتفاجئ بصاحب التوكتوك الذي نظر لها بابتسامة عابثة وغمز لها بجراءه، نفثت الهواء من فمها بضيق وحمدت الله أن أختها لم تلحظ نظراته تلك! لكنه وقف مقابلهما وقال بمشاكسة:
-اركبوا أوصلكم
رحيل بتبرم:
-لأ شكرًا إحنا هنركب مواصلات
-بس اركبوا وأنا هريحكم في السعر
قال جملته بخبث ومبتسمًا بمكر، فأسرعت رحيل الخطى وهي تقبض على يد أختها بخوف، ليفاجئها قائلًا بجراءه:
-هو أنا مش أد المقام ولا إيه يا مزز… طيب دا أنا هدفع زي أي حد
وقفت رحيل وهدرت به:
-هو إنت عايز إيه؟ وإيه إلي بتقوله ده! لو سمحت متقفش في طريقنا عشان مضطرش أتصرف معاك تصرف مش هيعجبك
ضحك بصخب وقال بسخرية:
-يامه تصدقي خوفت يا بت
قبضت رحيل على يد أختها وأسرعتا الخطى إلى حيث يسير الناس ولا تدري لمَ يرمقهما أهل القرية بنظرات تشع سخرية وإزدراءً، سألتها سديل:
-هو فيه إيه الناس دي بتبصلنا كده ليه! والواد الكالح ده بيتكلم كده ليه!
مطت رحيل شفتيها ورفعت كتفيها لأعلى قائلة:
-معرفش سيبك منهم يلا امشي بسرعه أنا كرهت البلد دي بالي فيها!
____________________
انقضى يوم شاق قضينه بترتيب وتنظيف وغسيل السجاد، وبعد أنا اغتسلت وسام دخلت لخالتها التي تُعد الكنافة بالمطبخ وقالت:
-ما تاخدي يا خالتو تسرحيلي شعري
رمقتها خالتها بطرف عينها قائلة بسخرية:
-شايفاني يختي فاضيه وقاعده أحط حنه ولا حاجه!
تخصرت وسام وقالت بتبرم:
-لعلمك بقا أنا هقصه وأرتاح منه بدل الحوجه ليكِ كل شويه
عقدت خالتها ملامح وجهها وقالت:
-طيب على الله تقصيه وأنا أديكِ علقه سخنه
انتفضت وسام أثر ذراعيه التي حاوطت كتفيها وقالت:
-خضتني ياعم والله إنت بتطلع الساعه كام!
ابتسم وقال:
-تعالي وأنا أسرحلك
نظرت خالتها لابنها قائلة:
-ايوه خدها يا فؤش وريحني من ذنها
قبضت وسام على يد فؤاد وقالت:
-ولا الحوجه ليكِ يا خالتو.. يلا يا فؤاد
جلست أمامه على طرف سريرها وهو خلفها، يمشط خصلات شعرها مبتسمًا بحب، وبدون سابق إنذار قال:
-إنتِ اتحـ. رقتِ إزاي يا وسام؟
انتفضت أثر جملته وأغلقت جفونها بقـ. وه كأنها تهرب من الذكريات التي بدأت تتوافد على مخيلتها أثر سؤاله…
___________________________
جلس محمود في غرفته ينظر لشاشة الهاتف مترددًا أن يُهاتفها الآن أم ينتظر للصباح! دلف أحمد للغرفه وهو يصفر ويغني:
“يا ستار قلبي ولع نار دا أنا عيني منك مستحيل أستغنى عنك نظره ترضيني..”
فقال محمود بسخرية:
-يبني إنت كل ساعه في حال شويه أغاني وشويه قرآن
اعتدل محمود في جلسته واردف:
-يا حبيبي ما هو يا أغاني يا قرآن القلب مبيشلش الإتنين
جلس أحمد على سريره وحمل مصحفه وهو يقول:
-متقلقش أنا قلبي كبير شايلهم الاتنين… والحمد لله خلصت لحد سورة العنكبوت وجاري التكمله اطلع إنت منها
هز محمود رأسه باستنكار وقال:
-ربنا يهديك يا أحمد يا أخويا
خرج محمود من الغرفة متوجهًا للشرفة ليطلب رقمها وينتظر الرد…
*******
على جانب أخر نامت اليوم باكرًا فقد أُنهكت طاقتها ما بين التنظيف وزيارة القبور القادرة على قضم ظهرها نصفين، وعندما صدع هاتفها بالرنين فتحت عين واحدة ووضعته على أذنها لتجيب بصوت ناعس وخافت:
-ألو
بد صوتها غريبًا فنظر لإسمها مجددًا ليتأكد أنه طلب الرقم الصحيح، تنحنح محمود قائلًا بإحراج:
-رحيل معايا؟!
أجابته بصوت شديد النعاس:
-مش عارفه
قطب حاجبيه بذهول من اجابتها تلك! وسألها بترقب:
-يعني رحيل معايا ولا مين؟
أجابته وهي نائمة:
-ولا مين
-إنتِ كنتِ نايمه ولا إيه أنا شكلي صحيتك؟
سألته رحيل:
-إنت مين؟
حك محمود عنقه وقال:
-أ.. أنا محمود الظابط محمود
-وعايز إيه؟
ارتبك ومسح على شعره وهو يقول بتلعثم:
-أ.. م.. كنت متصل أقولك إن عمك وافق نعمل قاعده عرفيه
قالت بنبرة بدت له جادة:
-خليها رسميه عشان ميحصلش مشاكل… و… وكمان نعرف نحل في الامتحان ونروح الشغل بعد ما نغسل السجاد وناكل توت… عشان بتاع التوكتوك
نظر للهاتف لبرهة يستوعب ما تقوله من جمل غير مرتبطة ببعضها، ضيق عينيه ثم قال باستفهام:
-هو مين معايا؟
قالت رحيل بنعاس:
-انا محمود
كبح ضحكاته وسألها مجددًا:
-محمود مين؟
قالت موضحة:
-الظابط محمود
ضحك بخفوت وقال:
-إنتِ شكلك نايمه والله… طيب هبقا أكلمك بعدين
عقبت رحيل في سرعة:
-ولا قبلين
مستنيه رأيكم في الحلقه❤️

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى