روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الخامس والعشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت الخامس والعشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الخامسة والعشرون

تقلبت يمينًا ويسارًا عدة مرات بمقاومة غريزية لعدم الاستيقاظ، وهذا الصوت المزعج لا يتوقف، دوي مكتوم من هاتفها الذي لا تعي أين وضعته بعد أن غلبها النوم اثناء محادثة الأمس.
توقف فجأة الصوت لتتنفس براحة باعتقاد ساذج ان ألضجيج قد انتهى، قبل أن يعود مرة أخرى لتنتفض مجبرة على الأعتدال تبحث أسفل الوسادة وبجوارها على الفراش، تريد العثور عليه حتى تغلقه نهائيًا.
اَخيرًا عثرت عليه، وقد كان على حافة الفراش وعلى وشك أن يقع.
تناولته سريعًا وقبل أن تهم بغلقه، تفاجأت بالأسم المدون، ” سون سون💗 My Love” يتصل بك.
– يا مصيبتي.
دمدمت بها مرفرفة بأهدابها بعدم استيعاب قبل أن يعود إليها وعيها جيدًا وتتذكر وضعها الجديد، وخطيبها المزعج الذي لم يرحمها منذ الأمس باتصالاته، وقد دون بنفسه هذا اللقب المخجل لها على الهاتف الذي تناوله منها في جلسته معها، بجرأة لم تعتاد عليها من أحد قبل ذلك.
همت لتنفيذ ما نوت عليه بإغلاق الهاتف ولكن قلبها لم يطاوعها، وفتحت تجيبه رغم تعب الرأس الذي يفتك بها:
– الووو… صباح الخير.
– صباح الورد والفل والياسمين، اخيرًا القمر حن ورد عليا، وحشتيني.
قال الأخيرة بحرارة جعلتها تبتلع ريقها بتفكير مضني للبحث عن كلمات تناسب رقته، فجاء ردها بتعلثم:
– ااا وانت كمان… وانت كمان وحشتني يا…حسن.
– أحلى حسن دي ولا ايه؟ حبيبي يا مقاول حياتي انت.
ابعدت الهاتف عن أذنها مغمغمة بصوت خفيض يشوبه الإستغراب:
– دا شارب ع الصبح دا ولا ايه؟
– شهد!
– أيوة يا حسن انا معاك هو .
قالتها وقد عادت بالهاتف ملبية النداء، لتتابع بحرج:
– بس يعني….. هي الساعة كام معاك دلوقت؟
– الساعة سبعة، بتسألي ليه؟
قالها ببساطة وكأنه يخبرها بأخبار الطقس، أغمضت عينيها لتتمالك حتى لا تخطيء في الرد، فخرج صوتها اَخيرًا برجاء:
– يا حسن انا بسأل عشان مستغربة، إمتى لحقت تنام؟ عشان تصحي بدري كدة؟ دا احنا فضلنا ع الشات لقريب الفجر.
جاء رده بمكر مشاكسًا:
– اَه لما نمتي مني….
ضغطت على شفتها بحرج، ولم تستطع الرد عليه ليزيد عليها بضحكه مستطردًا”
– يا قاسية يا ام قلب جامد، دا انا فضلت اهاتي وابعت في الرسايل انده عليكي لما تعبت وفي الاَخر استسلمت وودعتك مجبر، بس بصراحة بقى، أنا معرفتش انام غير يدوب ساعتين خطف، وصحيت بسرعة عشان اكلمك واتصبح بصوتك، ها بقى عاملة إيه؟
– هاا
قالتها لينطلق بموجة من الضحك مرة أخرى، فتغضنت ملامحها بحنق حقيقي هذه المرة حتى كادت أن تبكي في ردها عليه:
– إنت بتضحك عليا يا حسن عشان مش مركزة، وانت فايق ومروق، ربنا يسامحك.
بمهادنة سريعة منه، رد بصوت جمع بين اللطف والحنان:
– لا لا لا من غير زعل يا قلبي، انا بس بناكفك عشان تفوقي وتصحيلي، الساعة سابعة وانا قايلك من امبارح هعدي عليكي بالعربية عشان نتفسح.
– طب والشغل يا حسن؟
قالتها متحججة لتتنصل قليلًا من حصاره وهذه الشبكة من المشاعر التي يحاوطها بها، في وضع جديد لم تعتاد عليه قبل ذلك، فحياتها الجافة وداومة العمل والمسؤولية جعلتها وكأنها اسلوب حياة في الوحدة والتكيف معها، ولكنه كان لها بالمرصاد:
– مجاتش على يوم يا شهد، ثم اعملي حسابك يا قمر، احنا من هنا ورايح هنبقى مع بعض على طول، حتى الشغل هحاول انظمه معاكي، عشان نخلق وقتنا الخاص بينا، على ما نجتمع في بيتنا لوحدنا يا قلب سون سون.
– يا لهوي تاني سون سون.
تمتمت بها بعدم انتباه لتصل إليه، فقال حازمًا يجفلها:
– أيوة يا شهد، هتدلعيني بسون سون أو سونة، وانا هقولك يا شوشو، دي مفيهاش جدال ما بينا، عشان يبقى في علمك يعني، تمام يا شوشو.
– تمام يا سون سون
قالتها بابتسامة جميلة ارتسمت على ثغرها، وقد نجح في استدراجها لتجاريه فيما يريد .
❈❈-❈
ليلة طويلة من السهد والتفكير المقلق قضتها، رغم ادعائها السعادة والتصنع معه بذلك، لتضيف على إرهاق ذهنها بمعلومات الأمس التي زادت عليها بأضعاف، حتى أنها لم تحتمل مرافقته الغرفة إلى الصباح، وتركته فور شعورها باستغراقه في نوم عميق، لتأتي إلى غرفتها الخاصة بالتصوير والبث المباشر لمتابعينها، وجلست بشرفتها حتى غفت على كرسيها، ولم تستيقظ سوى على لمساته في الصباح الباكر، ليكون وجهه اول ما تقع عليه عينيها في بداية يومها؛
– صباح الخير.
قالها بصوت متحشرج بأثر النوم، شعر رأسه المبعثر بعدم اهتمام، عاري الجذع بهيئة طبيعية كباقي البشر، قبل ان يرتدي حلته، ويرتدي معها ثوب القوة والسلطة المتمسك بها منذ نشأته العسكرية مع والده، بوسامة غير متكلفة، هذا الوجه الذي كانت تعشقه قديمًا، قبل أن تكبر وتعي بالعيوب القوية بشخصيته، والغير قابلة على الإطلاق لتغيرها.
– صباح النور
تمتمت بها بعد فترة من تأملها الصامت له، مع استرخائها للمسات اصابعه الحانية على بشرتها، فعاد بمخاطبتها:
– صحيت وملقتكيش جمبي، قومتي ليه وسيبتني؟
اعتدلت هذه المرة لتجيبه بارتباك:
– ممعلش، بس انا بصراحة مكنش جايلي نوم، خوفت لازعجك، واقلق نومك إنت كمان معايا
بحنان نادرًا ما يصدر منه، تفاجأت به يقترب يقبلها على وجنتها، يجفلها بقوله:
– وماله يا قلبي كنت صحيت معاكي عادي يعني.
قالها ثم توقف برهة ليخيب ظنها البريء بقوله:
– ساعتها كنا هنستغل الوقت بقى في أي حاجة، شغل، رياضة، نكمل ليلتنا الحلوة، المهم اننا نتعب وننام بعدها، بدل ما تقعدي لوحدك.
اخفت بصعوبة عدم رضاءها، لتومي برأسها تدعي الاقتناع مغتصبة ابتسامة كرد له، فنهض فجأة مررًا كفه الكببرة على شعر رأسها قائلًا بمداعبة:
– يا للا فوقي بقى واصحي، يا تفردي ضهرك ع السرير، بدل نومة الكرسي المتعبة دي.
بفعل كانت غير مخططة له على الإطلاق، اعتدلت تمسك بكفه توقفه، قبل أن يبتعد لتسأله:
– كارم هو انت بتحبني؟
القى نظرة على كفها المطبق على يده، ليطالعها بابتسامة متسلية ورد غير مفهوم:
– أنت شايفة إيه؟
ودت أن تخرج ما في صدرها وتصارحه بكل مخاوفها وهواجسها، بالإضافة لجرح قلبها من خياناته المستمرة لها، ولكن غموض نظراته وتلاعبه المقصود حتى في الرد عن هذا السؤال الهام لها، جعلها تتراجع بتصميم أكبر على المضي قدمًا في النهج الجديد معه، وهو التعويض عما كسر بداخلها أو خسرته، بالحصول على أكبر قدر من المكاسب منه، فقالت بابتسامة متلاعبة:
– مش بالشوف يا كارم، بالأثبات يا قلبي، اثبتلي انك بتحبني.
اطلق ضحكة مجلجلة ليقرصها في خدها قائلًا :
– حبيبتي الطماعة، كل حاجة عندها بتمن….. لكن انا برضو سداد.
ختم بتقبيل الجزء الذي قرصه، قبل أن يتركها ذاهبًا، ولكنها استدركت تهتف لتوقفه مرة أخرى قبل أن يمسك بمقبض الباب:
– طب انا عندي ليك طلب يا كارم.
طرد من صدره زفير كثيف قبل أن يلتف نحوها يقول بسأم:
– عايزة ايه تأني يا رباب؟
– عايزة اغير السواق والحارس.
سألها باهتمام مستغرب الطلب:
– ليه يعني؟
كان من الممكن أن تخبره بالسبب الحقيقي وهو التشكيك في الأثنان، ولكن بعند منها، فضلت عدم الافصاح، قائلة بكذب:
– هو كدة انا عايزة اغيرهم، مش انت بتحبني وبتنفذ كل رغباتي، انا بقى بقولك اهو اني مش طايقة الاتنين.
رمقها لمدة من الوقت صامتًا بتفكير، ثم ما لبث أن يأخذ القرار وهو يتحرك ذاهبًا:
– حاضر يا رباب، اصبري بس على ما الاقي اللي يحل مكانهم.
– يعني اصبر لأمتى بالظبط؟
هتفت بها خلفه، ولكن لم يستجيب وتابع طريقه نحو الوجهة التي يقصدها، لتسقط هي على الكرسي من خلفها، ودائرة من الحيرة تبتلعها
❈❈-❈
خرج من غرفته يتخايل بخطوات متأنية مقصودة في طريقه ليتناول وجبة افطاره على المائدة التي ارتصت بالإطعمة الخفيفة بعدة انواع، وكان في انتظاره والدته وشقيقه الذي كان يرمقه بامتعاض معلقًا:
– اهو خرج اهو المحروس، بقالنا ساعة ننده ومنتظرين طلتك البهية يا سي الحبيب.
ناظره حسن من طرف أجفانه ليدنو من والدته طابعًا قبلة على خدها قائلًا بتجاهل متعمد للاخر:
– صباح الخير يا ست الحبايب، سامحيني لو اتأخرت عليكي، بس انتي عارفة بقى المشغوليات
ضحكت مجيدة تنقل بنظرة ماكرة نحو ابنها الأكبر، قائلة باندماج معه:
– صباح الخير يا قلب ماما، عارفة يا حبيبي ومقدرة، طول الليل سهران، انا خدت بالي من نور الأوضة اللي ما اطفاش غير بعد الفجر.
تنهيدة طويلة خرجت من حسن وهو يجلس ورأسه تهتز بدراما مستهبلًا:
– حقيقي بجد السهر تعبني أوي يا ماما.
– يا قلب امك يا خويا.
عقب بها أمين متهمكمًا بغيظ، لتباغته مجيدة بتوبيخها:
– ولد عيب، هي الالفاظ اللي بتتقال هناك في القسم، هتتقال هنا كمان في البيت؟
صاح بها أمين منفعلًا يستنكر قولها:
– امال عايزاني اقول ايه بس يا ماما مع فقع المرارة ده، يعني المحروس يفضل يحب طول الليل في التليفون، وجاي معانا احنا الصبح يعملي فيها التعبان، وانتي كمان بتجاريه في الدلع المرئ بتاعه ده؟
تخصرت مجيدة تقارعه بقولها:
– وما ادلعهوش ليه يا حبيبي ان شاء الله؟ مدام مراضيني وهيريح قلبي بجوازه….
– وهجيبلك أحفاد يا ماما.
قالها حسن بإضافة دغدغت مشاعرها وزادت من حنق الاَخر، وهو يتابع تأثر والدته:
– يا نور عيني يا حبيبي انت، ربنا يرضى عنك يارب زي ما مراضيني.
قالتها وتناولت طبقًا كبيرًا من البيض المقشر لتضعه أمامه، بتدليل صريح، تقبله منها بابتسامة ممتنة، طابعًا قبلة أخرى على كف يدها، ليصيح بينهم أمين معترضًا:
– الله بقى، دا احنا دخلنا كمان في التفرقة، بتفرقي بين ولادك يا مجيدة، تزغطي في الباشا وتدعيلوا، وانا بقى اتفلق.
بهزة برأسها التي التفت نحوه، أومأت بتأكيد وإصرار:
– اعمل زيه وانت تتساوى في المعاملة، بسيطة أهي.
لوك أمين اللقيمة في فمه، وتعبير الحنق يعلو قسماته، ثم جاء دوره في اصنطاع الدراما لينكر بكذب مفضوح:
– يعني بتذليني يا مجيدة، عشان ملقتش بنت الحلال اللي ترضا بيا، عكس المحروس اللي ربنا وفقه في اللي البنت اللي بيحبها، محظوووظ .
– الله اكبر.
هتف بها حسن مكبرًا، وفمه ممتلئ بالطعام، لينهض فجأة، رافعًا طبقه معه قائلًا:
– يا ناس يا شر كفاية قر، انا نفسي اتسدت يا ماما، هروح اريح في اوضتي بقى عشان حاسس اني فرهدت، طاقة الجو هنا مش مبشرة خالص يا ماما على مشاعر الواحد وأحاسيسه، عن اذنك بقى…….
قالها والتف مغادرًا، غمغمت من خلفه مجيدة بنزق نحو الاخر:
– كدة برضوا تسد نفس اخوك، اخص.
– اسم الله على اخويا اللي نفسه اتسدت، دا هبش طبق البيض كله.
قالها أمين ردًا عليها، قبل ان ينتبه لقول الاَخر، والذي التف إلى والدته يخاطبها قبل دخول غرفته”
– متنسيش بقى يا ست الكل تجيبلي كوباية الشاي وحتة كيك معاهم، ماشي.
– ماشي يا روح قلبي.
قالتها مجيدة ليباغتها أمين بسؤاله:
– كيك إيه؟ هو انتي عملتي كيك؟
ردت مجيدة تدعي الانشغال في الطعام:
– لا يا حبيبي، دي الست أنيسة ادتني صنية من اللي عملتهم هدية امبارح في الخطوبة وانا حطيتها في التلاجة عشان اخوك لما يحب ياكل منها…..
– على جثتي……
هتف امين يقاطعها ليتابع وهو ينهض ملوحًا بسبابته، وبتهديد صريح:
– يعني هو يحب في التليفون وياكل كيك كمان، على جثتي يا مجيدة، الصنية في التلاجة محدش هيهوب ناحيتها، ولو حصلت أخدها معايا القسم، هعملها يا مجيدة، وان شالله حتى افرقها ع المساجين.
قالها ونهض مغادرًا من أمامها، لتعقب من خلفه:
– دا انت بقيت صعب اوي يا أمين .
رمقها مضيقًا عينيه بشر قبل أن يختفي داخل الطرقة المؤدية للمطبخ، لتنطلق هي بضحك مكتوم من خلفه متمتمة:
– يا ولاد المجنونة.
❈❈-❈
– والله ما سرقت، والله ما سرقت حاجة، جيبولي المصحف احلف لكم لو عايزين، انا مسرقتش وربنا اعمل ايه عشان تصدقوني…
– بــــــس، وقفي بقى الله يخرب بيتك .
هدر بها ضابط التحقيق بعد أن فاض به من ثرثرتها المستمرة من وقت أن دلفت إليه.
افتر فاهها لتفتح مرة أخرى في وصلة البكاء والتنديد بظلمها، ف أشار الضابط يوقفها بكف يده التي لوح بها أمامها، ليفاجئها بجهاز الحاسوب الذي تلاعب به قليلًا، ليخرج لها دليل إدانتها:
– إيه ده؟
لوح لها بسبابته كي تقترب من سطح المكتب؛ الذي ثبت عليه الحاسوب لمستوى نظرها، كي تشاهد المعروض على شاشته.
دنت برأسها لتجد نفسها في موقع اظهرها بالكامل وكأن كاميرا مخصوصة وضعت لها في زاوية مختفية، لتظهر بوضوح صورتها من وقت أن جلست على الكرسي الخشبي بجوار المكتب الزجاجي لصاحبة المحل، ثم جلسة التأمل في كل ما حولها حتى أتتت على الخاتم الذي كان على الارض، وتناولته لتتأمل به بانشداه قبل أن تضعه بجيب سترتها؛ الذي اخذ نصف الشاشة ، قبل أن يظهر طول جسدها بالكامل وهي تغادر مع ميرنا، بصدمة جعلت رجفة من الزعر تزحف على طول سلسلة ظهرها، بنظرة ساهمة تسمرت مودة عدة دقائق تبتلع ريقها قبل ان تصيح بإنكار مكشوف وسيل من الدموع يبلل وجنتيها:
– دي واحدة غيري والنعمة يا باشا، مش انا، مش انا والنعمة……..
أوقفت لتبكي بحرقة افقدتها الباقي من حجج كاذبة تخلتقها لتنجي نفسها، مما جعل الضابط يفقد اعصابه، ليضرب بكف يده على سطح المكتب صائحًا بعنف ونفاذ صبر على رجل الأمن خارج الغرفة.
– يا مدبولي، انت يا مدبولي، دخل الست اللي عندك.
على الفور دلف الرجل ليمتثل بتحية عسكرية ملوحًا له، وبصوت جهوري:
– تمام با فندم.
ثم بنصف استداره التف برأسه للخلف قائلًا:
– اتفضلي هانم .
قالها لينحي نفسه من أمام السيدة التي دلفت بهيئة ملوكية، تلقي نظرة ازدراء نحو مودة التي جف ريقها وانسحبت الدماء منها لتبدوا بهيئة كانت ستبدو مثيرة للشفقة نحوها، لو في وضع اخر غير هذا الوضع المدانة فيه.
– اتفضلي اقعدي يا هانم.
قالها الضابط مبادرًا بالحديث مع المرأة التي جلست على المقعد، لتقول وعينيها عادت مرة أخرى لمودة:
– الف شكر يا سعادة الظابط، انتو جيبتو الحرامية؟
صاحت مودة مستهجنة بإصرار غبي على الإنكار:.
– حرامية مين يا ست؟ هو انا اعرفك؟
بهدوء قاتل، رددت ناهد من خلفها ترمقها بنظرة كاشفة :
– يعني انتي متعرفنيش يا مودة ولا حتى اشتريتي مني الفستان اللي انتي لابساه ده؟
ابتعلت مودة لتنزل بنظرها نحو ما تريديه، وقد ضُحضت منها جميع الحيل، في جريمة سقطت بها من رأسها حتى أخمص قدميها، بدون قصد منها، انها لم تدخل المحل بغرض السرقة أصلا، لقد كانت تبتغي شراء الفستان وفقط، من أين ظهر لها هذا الخاتم لتتعامل معه بطبيعتها وتضعه بجيب السترة بدون تفكير، ليتها علمت بقيمته كي تُشغل عقلها قبل أن تأخذه كما تأخذ زجاجات الروائح والأشياء الخفيفة التي تسعدها من غرف رواد الفندق، والتي لا تعني لهم شيء، لكن بالنسبة لها، هو السعادة نفسها.
– فوقي يا مودة، انتي سرحانة في ايه؟
صدرت من الضابط بصوت عالي أجفلها لتنتفض مزعورة على واقعها الأليم، ثم تتابع قول الضابط للمرأة:
– يعني انتي كدة يا ناهد هانم، بتأكدي إن البنت دي هي اللي سرقت؟
– انا متأكدة مية المية يا باشا.
قالتها المرأة بثقة قبل أن تُجفل بسقوط مودة مغشيًا عليها على الأرض الصلبة أسفلها.
ليصيح على أثرها الضابط منزعجًا:
– يا مدبولي، انت يا مدبولي، تعالى شوف البنت دي ولا جيبلها أي زفت يفوقها.
❈❈-❈
بداخل الغرفة التي تعمل بها، وبقلق يتعاظم مع كل دقيقية وكل اتصال تجريه على هاتف الأخرى ولا يأتيها الرد غمغمت صبا بضيق:
– استغفر الله العظيم يارب، دي مالها دي؟
التفت شادي هذه المرة ليسألها بعد فترة من التريث مع انتباهه لهذا التغير الملحوظ بها:
– مالك يا صبا؟ ومين دي اللي طلعتك عن شعورك؟
وكأنها كانت في انتظار سؤاله، ومشاركة احد ما خوفها:
– قصدي ع البت مودة، أصلها غايبة عن الشغل النهاردة وبتصل بيها من الصبح لكن مفيش أي رد، دا حتى سواق الأتوبيس بتاع الشغل، لما سألته عنها قالي انه قعد فترة طويلة في انتظارها، وهي حتى مكلفتش نفسها تبلغه غيابها أو تاخيرها، انا مش فاهمة، البت دي اول مرو تعملها .
في غمرة استرسالها في هذا الأمر الهام لها، كان هو يركز مع كل كلمة توافق تعبيرات وجهها القلقلة بصورة ضايقته لحزنها، فقال بنبرة مهدئة:
– طيب براحة على نفسك طيب، ما يمكن التليفون فاصل شحن ولا حصل معاها ظرف طارئ، مش لازم تكون حاجة وحشة حصلت معاها يعني؟
بعدم اقتناع حركت رأسها، وازدادت ملامحها وجومًا، لتردف:
– مش مطمنة، الغياب المفاجئ ده وهروبها امبارح قبل ميعاد الأنصراف، دي غير انها متصلتش بيا تاني من وقت ما قالت انها عاملالي مفاجأة.
بابتسامة ودودة رد يطمئنها بكلماته:
– طب مش يمكن كل اللي بيحصل منها ده، من ضمن خطتها في المفاجأة اللي عملاها، اصبري شوية يا صبا، وتوقعي الخير، علٌه يكون كذلك.
تنهيدة مثقلة صدرت منها بامتثتال لقوله، لتردف وهي تفكر بصوت عالي معه:
– يمكن يكون صح زي ما بتقول، خصوصًا يعني ان انا نفسي كنت مشغولة عنها امبارح، في خطوبة شهد، رغم انها كانت ع الضيق، بس كانت ليلة جميلة اوي.
– شهد دي اللي تبقى بنت صاحب ابوكي زي ما قولتي امبارح؟
قالها بتذكر جعل ابتسامة ساحرة تزين ثغرها، لتعقب بمرح:
– إيه ده؟ ما شاء الله، دا انت عندك ذاكرة قوية في انك تفتكر حاجة زي دي، انا نفسي قولتها من غير تركيز .
– انا عمري ما اغفل عن أي تفصيلة تقوليها أو شيء يخصك.
ود أن يقولها بصوت واضح لها، ولكن الجزء اليقظ بداخله، جعله يتراجع، ليخرج بقول روتيني في هذه المواقف
– المهم انك فرحتي يا صبا، عقبالك انتي كمان.
خبئت ابتسامتها المبتهجة ليحل محلها واحدة أخرى، ليس لها معنى، مما جعلها ترتد عليه بضيق، يسألها بريبة:
– ليه يا صبا التغير ده؟ هو انا قولتلك حاجة وحشة؟
بدا على وجهها الحرج وهي تتهرب بعينيها نحو الملفات المرتصة على سطح المكتب أمامها، وجاء ردها بغمغمة:
– لا طبعا انت مقولتش حاجة وحشة، دي حاجة بتتمناها كل البنات، بس….
توقفت فجأة وتوقفت النبضات بقلبه في انتظار ردها الذي جاء متأخرًا، بعد أن ارتفعت انظارها إليه، فيُقابل بهذا الوميض الغريب بعينيها:
– بس للأسف ابويا مش سايبلي فرصة للحلم، حاصر خياراتي في البلد وولاد عمي، وحكاية اقنعه إن الدنيا براح وولاد الحلال في كل حتة، مش بس في البلد وولاد عمي، حاجة أشبه بالمستحيل.
غصة مؤلمة شقت حلقه ومرارة الحزن بصوتها شعر بها بداخل جوفه، مع شيء آخر بنظرتها لا يجد له تفسير، بصعوبة حاول تجاوز الألم بصدره، ليسألها بفضول:
– طب وانتي رافضة البلد والجواز من ولاد عمك ليه؟
أجابته بسهولة وجرأة المدافع عن حقه في الحياة:
– مش عيب في ولاد عمي ولا البلد، بس أنا مش عايزة ابجى نسخة من خواتي البنات، ولا حريم خواتي اللي هما برضوا بنات عمي، انا رافضة جواز الجرايب من الأساس، ورافضة العيشة في القرية، انا حبيت المدينة ودا حجي.
ردد من خلفها بتأيد ومؤازرة، بنبرة تبدوا عادية، ولكن صداها داخله كان يصدح بصراخ:
– طبعا حقك يا صبا، وحقك تختاري اللي انتي عايزاه كمان.
– طب ادعيلي.
قالتها بلهجة تقارب دلالها الفطري الذي بات معتادٌ عليه منها، وهي تنهض فجأة عن كرسيها، تجفله بقولها:
– انا رايحة قسم مودة، اشوفها جات ولا لسة، ولا اعرف حتى إيه الأخبار؟ لتكون وصلت أو بلغت غياب.
ظل صامتًا ولم يرد، حتى غادرت الغرفة ليتمتم من خلفها:
– يارب يحصل يا صبا، يارب
❈❈-❈
في المخزن الخلفي لدكان المعلم عابد الورداني، فتح العامل الباب على مصراعيه بغرض تناوله لبعض الأجولة المخزنة، وما أن دلف بخطوتين للداخل حتى تفاجأ بسبة وقحة أجفلته منتفضًا، ليدمدم بخوف غريزي، قبل أن ينتبه على صاحب الصوت:
– بسم الله الرحمن الرحيم، مين؟ معلم ابراهيم .
اعتدل الاَخير عن نومته فوق ألاَريكة الخشبية الوحيدة، ليجلس زافرًا بنعاس، عينيه لم يفتحها جيدًا بعد، بشعر اشعث ووجه متجهم، اثار القلق بقلب العامل ليردد له باعتذار لا يخلو من الريبة:
– انا اسف يا معلم ابراهيم لو كنت صحيتك، بس يعني…. هو انت من امتي نايم هنا؟
ازداد تجهم ابراهيم لينفر من انفه وفمه زفرة حانقة، وأصابعه تهرش في سمانة القدم الذي رفعها على الاَريكة بجواره، متمتمًا بفظاظة ليست بغريبة عنه:
– وانت مال أهلك؟ انام هنا ولا هناك، دا شيء يخصني.
أومأ العامل برأس مطرقة بحرج، ليتابع طريقه نحو الداخل يدمدم باعتذار اَخر:
– حقك يا معلم حقك…..
– استنى هنا ياض.
هتف بها إبراهيم مقاطعًا الفتي ليوقفه امرًا:
– استنى قبل ما تدخل جوا ولا تاخد حاجة، روح ع القهوة اللي في اخر الشارع، هاتلي كوباية شاي اتصبح بيها.
– بس انا مقدرتش اتأخر، المعلم عابد مستني الطلبية في الدكان عشان نظبط الحسابات والدنيا هناك.
قالها الفتى باعتراض على تخوف من نوبة غضب ابراهيم، والذي ثار على التوقع هادرًا بشراسة ووجه مقلوب:
– ما تولع الطلبية ولا تتنيل تستنى، اخلص ياض هات كوباية الشاي وبعدها اعمل اللي انت عايزه، انا أساسًا قايم مخنوق ونفسي افش خلقي في حد.
انتفض الفتى ليذعن صاغرًا على غير ارادته، وذهب لتنفيذ أمره مغمغمًا بكلمات حانقة وغير مفهومة.
تبع اثره حتى اختفى ليتناول من جيب بنطاله علبة السجائر والقداحة، ليضع واحدة بطرف فمه يشعلها، يسحب الانفاس منها بنهم، ثم ينفث الدخان الكثيف في الهواء، متذكرًا سبب نومه هنا.
لقد كانت ليلة بشعة بكل ما فيها، ليلة اعادت عليه ذكريات سوداء، كان يظن أنه تجاوزها وتناساها،
كلمة حريق، هي أقل وصف لهذا الذي شعر به وقت رؤيتها بصحبة المتحذلق خطيبها المزعوم، ملعونة وجميلة كسابق عهدها قديمًا، مدللة أبيها التي كان يفتخر بها، ويتسابق الجميع لنيل رضاءها، حينما كانت حلم شباب المنطقة!
وقد كان أبلهًا بولهه بها كالبقية، تحركه مشاعر غبية واحلام مراهقة، وقد ظن أنه على وشك الفوز بها،
قبل أن تصدمه بعنجهيتها عليه، وتقلب أيامه بجحيم رفضها……
وكانت القاسمة بعد رحيل والدها…..
– الشاي يا معلم ابراهيم.
هتف بها العامل يقطع عنه استرسال ذكرياته، ليقترب منه واضعًا الكوب الساخن ومعه قنينة ماء، فاعتدل ينثر بطرف سبابته رماد التبغ المحترق من السيجارة ، وتناول الهاتف يفتحه اخيرًا ليرى كم الرسائل والاتصالات المهولة من خيبته الأخرى أمنية، بعدم اكتراث ضغط على الشخص الوحيد المهم إليه، ليصله الاستجابة السريعة منها:
– ايوة يا ابراهيم انت فين يا بني؟ ابوك قالب الدنيا عليك.
– الوو ياما، انا معاكي اهو بخير اطمني، ايه الأخبار بقى؟
❈❈-❈
بداخل غرفة بأحد المستشفيات الحكومية القريبة من القسم، تم تحويلها برفقة رجلين من الأمن، بعد أن فشلو في إفاقتها، وخشي الضابط ان يتحمل مسؤولية الإهمال عنها، ليأمر بنقلها حتى يتم فحصها من قبل الأطباء اللذين قيموا حالتها بالضعف الشديد، ويتم الأمر بحجزها حتى تستعيد عافيتها، مع الإعتناء بها جيدًا.
فكانت ميرنا أول الزائرين لها بعد الإفاقة، بحجة الإطمئنان عليها مع وصلة من التوبيخ بلوم متقن:
– كدة برضوا يا مودة؟ هي دي عملة تعمليها فيها؟ ولا دي جزاة تعبي معاكي؟ تخلي وشي في الأرض، ليه بس يا مودة حرام عليكي.
على سريرها الطبي الذي كانت جالسة عليه بنصف نومة، ونصف جلسة متكئة على الوسادة القطنية من خلفها، تضغط على عينيها ببكاء حارق ومستمر صامتة، لتهتف بها الأخرى بعدم اكتراث لحالها:
– ما تردي يا مودة، سيباني اتكلم واهاتي مع نفسي، ايه بقى، هي القطة أكلت لسانك؟
جاء رد الأخيرة، وهي تمسح بطرف كوم فستانها الجديد، لتلطخه بالدموع العالقة على وجنتيها، وما ينزل من أنفها وقد ذهبت زهوته وفرحتها به بما وصلت أليه الاَن بسببه:
– يعني عايزاني اقولك ايه بس يا ميرنا؟ والله ما كنت اقصد، ولا كنت عايزة اسرق من الأساس.
قاطعتها ميرنا لتقول متهكمة، بتصنع الانفعال في قولها:
– يا سلام… ولما هو كدة، مين بقى اللي جابتها الكاميرات وهي بتحط خاتم الست في جيبها؟ الماظ يا مودة، بتسرقي خاتم الماظ.
– يا ستي والله ما اعرف انه الماظ.
صرخت بها، لتتابع بحرقة:
– دا انا حتى حطيته في جيبي ونسيتوه، روحت البيت وقلعت الجاكت وسط الغسيل ونمت وما افتكرتش غير تاني يوم، وحتى ملحقتش ادور عليه والقاه، على الأقل كنت نجدت نفسي وخلصت.
بانتباه شديد ادعت ميرنا لهفتها في حديث الأخرى لتجد لها حلا سريعًا:
– طب ما احنا فيها اهو، ابعتي لستك تدور وتجيبوا وتنقذك
ابتسامة مريرة ارتسمت على ملامحها، ليخرج صوتها بأنين موجع:
– ستي مين اللي قولها؟ ستي مين بس؟ دي لو عرفت مش بعيد تاخده وتكتم عليه، انتي متعرفيهاش، دا حتى لو كلفت حد يروح ويدور هناك، مش بعيد تعمله فضيحة وتلم الشارع، مينفعش حد يدخل الأوضة غيري.
– اااه
أومأت بها ميرنا بهز رأسها، لتطرق برأسها تدعي تفكيرًا عميقًا في هذه المعضلة، قبل أن ترفع رأسها إليها قائلة:
– طب معنى كلامك كدة يا مودة، ان انتي لازم تخرجي، ودي متنفعش غير بتنازل الست ناهد، بس دي بقى هنعملها ازاي؟
علقت مودة بلهفة الغريق الذي يتعلق بقشاية:
– كلميها يا ميرنا، وقوليها ان مودة هتقلب الدنيا وتخرجه.
عوجت المذكورة ثغرها لتحدجها بنظرة لائمة تردد:
-أكلم مين يا مودة، هو انتي سبتيلي فرصة مع الست اللي طول عمرها بتحلف بأخلاقي وبأني زبونة مميزة عندها، دي بعد اللي حصل جات عندي وهزئتني إن جيبتلها واحدة حرامية، لدرجة انها كانت هتلبسني في المصيبة معاكي، ولا انتي فاكرة ان قضيتك ما لطتنيش، دا انا اتحقق معايا من قبل ما يجبوكي، ولولا الظابط شاف الفيديو وعرف اني بريئة، لكان زماني دلوقتي مشرفة معاكي.
بخيبة أمل ويأس شل تفكيرها، دمدمت مودة بسذاجة تتأسف لها:
– انا أسفة يا ميرنا اني عرضتك لكل المشاكل دي، سامحيني.
تنهيدة كبيرة طردتها ميرنا من صدرها، تدعي الأسى لحال الأخرى قبل أن تجفلها فجأة بقولها:
– على فكرة صح يا مودة ، مدام ناهد دي مجرد مستأجر للمحل، لكن المول نفسه بالهيلمان دا كله، ملك عدي باشا.
بعدم فهم ناظرتها مودة باستفهام:
– عدي باشا بتاعنا…… طب ايه يعني؟ هو ممكن يطردني لو عرف؟….. ولو انتي قصدك ايه بالظبط؟
تراقصت مقلتيها بحركات غير متزنة لتجيبها بمكر:
– بصراحة مش عارفة، انا بفكر معاكي اهو……
الا صحيح، هي صبا معرفتش بموضوعك؟
قالت الأخيرة بنبرة مختلفة عن الباقي لم تنتبه لها مودة التي اجابتها بعفوية وعدم تركيز:
– لا طبعًا، وهتعرف ازاي يعني؟ هو انا شوفت حد من الصبح غير الظباط والدكاترة.
❈❈-❈
في طريقها نحو الذهاب، بعد أن سألت عن مودة وعلمت بأن الوضع على ما هو عليه في حالة الغموض المحيطة بغيابها، كان القلق ينهش قلب صبا التي كانت لا تكف عن المحاولات البائسة في الاتصال بها، حتى كادت أن تصطدم بأحدهم، قبل أن تملك زمام امرها متراجعة في الوقت المناسب، لتردد بالإعتذار قبل حتى أن تنظر عينيها الرجل:
– أنا اسفة.
– مفيش داعي للاعتذار محصلش حاجة اصلًا.
بلكنته الراقية وهذه النبرة التي أصبحت تعلمها، رفعت رأسها إلى صاحب الصوت، لتلتقي عينيها الجميليتن بعينيه المتصيدة، خضراء لكن عميقة، على قدر صفاء اللون بها، على قدر الغموض في عمقها وجرأتها، يخاطبها وكأنه على صلة بها منذ سنوات عديدة:
– عاملة إيه يا صبا؟
تمتمت ترد باقتصاب بغرض اختصار الحديث كي تذهب:
– الحمد لله يا فندم عن……
– عامل ايه شادي معاكي؟ مستريحة في الشغل معاه؟
مقاطعتها المقصودة وسؤاله المباغت لها جعلها تجيب بتحفز غير مبالية:
– الحمد لله يا فندم، مستر شادي من احسن المديرين هنا، يارب بس اكون انا على قدر المسؤلية معاه.
بشبه ابتسامة جانبية رمقها بها، ولم تعرف تفسيرها لتشعر بعدم الارتياح، حتى تدخلت رئيسة القسم التي أتت فجأة، وبصوت ظهر فيه الإهتزاز، ذلك لدهشتها بحضور رجل الأعمال وصاحب الفندق بنفسه إليها:
– يا أهلا يا فندم، نورت القسم كله، اا تؤمر بأي شيء يا عدي باشا.
أومأ لها برأسه، وقبل أن يهم بالرد عليها سبقته صبا من أجل أن تنصرف:
– طب عن اذنكم .
– استني يا صبا.
اوقفها من قبل أن تتحرك، ليباغتها بقوله الغير متوقع:
– كنت عايز اهنيكي بثقة مستر شادي انه اعتمد عليكي اخيرًا في تجميع البيانات .
توسعت عينيها بإجفال، غير مصدقة تركيزه معها في هذا الأمر، وفي هذه النقطة بالذات، فكان رد رئيسة القسم هو الأسبق لها:
– لا يا باشا، شادي مغيرش النظام، دي صبا كانت جاية تسألني عن واحدة صاحبتها .
– اممم صاحبتها.
قالها بلهجة ساخرة متهكمة لتثير بداخلها الحنق لفعله الغير مبرر.
فاض بها، فتحركت على الفور تكرر استئذانها للإثنان كي تغادر، تاركة في المكان اثر عطرها الرقيق، فتظل عينيه معلقة بطيفها حتى اختفت، غير منتبهًا لحديث المرأة التي كانت تموت في جلدها خوفًا من هذه الزيارة الغريبة.
❈❈-❈
انتهت اخيرًا من تجهيز نفسها بعد فترة طويلة من البحث بين اكوام ملابسها حتى اختارت شيئًا قديمًا من خزانتها، يناسب خروج اَنسة مع خطيبها، بنطال جينز مناسب وعليه سترة نسائية لم ترتديها منذ فترة طويلة، ولكنها كانت رقيقة لتظهر قدها الممشوق بنعومة كانت تدفنها اسفل ملابس الرجال، والتي لا يصح ارتدائها الاَن على الإطلاق، هي ليست بقليلة الذوق حتى لا تعرف التعامل في مثل هذه المواقف المستجدة معها، حتى تعتاد على الأمر، أو بالأصح تعود لعهدها القديم.
أطلقت شعرها لخلف ظهرها، متخلية عن الربطة الكئيبة، بشرة وجهها لم تفعل بها الكثير، سوى انها وضعت كريم الأساس الذي علمتها عليه صبا ليلة أمس، وخط الكحل الرقيق، ثم لون الشفايف وضعته بصعوبة، بالكاد يظهر عن اللون الطبيعي، كانت ترى نفسها مرضية إلى حد ما حتى فاجئتها رؤى التي اقتحمت الغرفة مهللة:
– ايه الحلاوة دي؟
على أثر الصوت المفاجئ انتفضت شهد مجفلة، لترد بتوبيخ:
– اخص عليكي، كدة برضوا تدخلي الاوضة هجم وتخضيتي، مش عوايدك دي يا رؤى؟
تبسمت الأخيرة لترد وهي تتقدم نحوها بابتهاج خالطه الانبهار والإعجاب:
– إنا اَسفة يا قمر لو كنت خضيتك، بس الباب كان مفتوح والله وانا دخلت عشان اندهلك، يعني داخلة على غرض، بس ايه الجمال ده؟ اقسم بالله انا كنت عارفة انك طلقة وصاروخ ارض جو كمان.
– ياااه.
تمتمت بها شهد بخجل تخفيه لتتابع بإنكار:
– مش لدرجادي يعني! قولي كويسة وخلاص.
– كويسة وخلاص!
قالتها رؤى بابتسامة خبيثة تتلاعب على محياها، لتلتف حولها تتأملها يمينًا ويسارًا، وتردد بمرح:
– يا باشا ما هي لو كانت كويسة وخلاص أو عادية، مكانتش طلعت من قلبي كدة، دا انتي هتقلبي الشارع برا لما تخرجي والناس تشوفك، لكن البلوزة دي متهيألي ما بتلبسيهاش خالص قبل كدة، كذا مرة اشوفها في الدولاب عندك وافتكرها ضيقة ولا مش عجباني وعشان كدة سايباها، دا غير البنطلون كمان…… ايه ده يا عم!
بارتباك ملحوظ ظهر في حركة يدها المضطربة ردت شهد وهي تمررها داخل خصلات شعرها المسترسل كالحرير معها:
– ااا هي فعلا كانت معايا من فترة طويلة، ويمكن أكثر من سنة كمان، كنت اشترتها في مرة كدة لكن مجاتش فرصة البسها، ما انتي عارفة، انا معظم مشاويري شغل…
لم ترد رؤى وظلت تتمعن بها بأعين تلمع بالفرح،سعيدة بهذا التغير المفاجئ لشقيقتها، والتي عبست بوجهها كي تسألها بجدية مصطنعة:
– مقولتش بقى، ايه اللي دخلك هجم كدة؟ وكنت جاية تندهيلي على إيه؟
استدركت فجأة لتضرب بكف يدها على جبهتها بتذكر قائلة:
– يا نهار ابيض، اَه صحيح دا انا نسيت اقولك، اصلي البشمهندس وصل برا ومستنكي في عربيته، وشاورلي في البلكونة عشان اندهلك .
– وتوك اللي فاكرة يا رؤى؟
قالتها بلهجة موبخة، لتستل هاتفها وحقيبتها لتعلقها على كتف ذراعها تطالعها بغيظ لتردف لها وهي ذاهبة:
– دا انتي المرقعة والمياصة تنسيكي اسمك.
لحقت بها رؤى متمتمة من خلفها:
– وماله لما ابقى مايصة، دي حتى كلمة جميلة وفيها عبر.
كانت شهد قد وصلت لنصف المنزل حينما سمعت قول شقيقتها لتلتف إليها بتوعد ضاحكة:
– اخلص بس مشواري، وانا اخليكي تشوفي العبرة بحق للمياصة اللي عجباكي دي.
قالتها ثم التفت نحو زوجة ابيها التي تسمرت مزبهلة لرؤيتها كما فعلت امنية ايضًا، فقد كانت جالسة في الجهة الأخرى حينما تفاجأت بها:
– لو عوزتي أي حاجة اطلبيني ع التليفون، انا هحاول متأخرش ان شاء الله.
اومأت نرجس رأسها بتشنج، وعقبت رؤى بشقاوة:
– يا ستي ومتتأخري براحتك، فيها إيه يعني؟ دا انتي حتى طالعة مع خطتشيبك اللاه.
للمرة الثانية التفت لها، غير قادرة على منع الضحك لكن بمزيد من الوعيد:
– هقتلك والنعمة هقتلك، اهدي بقى واتبطي خليني اخرج بقيمتي قبل ما ارتكب جريمة معاكي.
اومأت رؤى مزعنة بطاعة وابتسامة لم تفارقها، حتى اذا خرجت شهد ركضت نحو الشرفة مدمدمة:
– هروح اشوفها وهي بتركب العربية مع خطيبها .
بصدمة وعدم تحمل التفت أمنية تحدج والدتها بنظرات حارقة لتضرب بكف يدها على فخذها ثم على صفحة وجهها، وتغمغم بغليل وقهر:
– يعيني على بختك القليل يا أمنية.

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى