روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس عشر 15 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الخامس عشر 15 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الخامس عشر

رواية وبها متيمم أنا البارت الخامس عشر

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الخامسة عشر

الفصل الخامس عشر
بإنهاك شديد كان يجر أقدامه جرًا حتى سقط على أقرب مقعد وجده أمامه ليلقي سلسلة مفاتيحة على الطاولة القريبة منه، ثم يمد ساقيه المتعبان أمامه، وهو يتمتم بوجع:
– ااه، رجلي معدتش حاسس بيها، دا انا لو عدت لشغل الفاعل مش هبجى كدة.
خلفه زبيدة التي كانت تدلف مع ابنتها ربتت بكفيها على كتفيه العريضين تخاطبه بحنان:
– سلامتك من أي وجع يا أبو ليلة، من الصبح مخدتش نفسك، من الشغل للجري ع المستشفى ورا شهد، ومنها على الست ام شادي كمان، ربنا يديك الصحة، تحب اجيبلك ميه وملح وادلكهملك؟
ابتسم بعرض وجهه يتناول كفها يقبلها ليقول متغزلاً:
– حرام اتعب اليد الحلوة.
ضحكت زبيدة بخجل تحذره بعيناها، لينتبه لصبا التي ضيقت عينيها الجميليتين للإثنين تقول بخبث:
– على فكرة اللي لسة معاكم، ولا اختفيت ولا اتبخرت في الهوا.
زام ابو ليلة بفمه يتصنع الإمتعاض وتحركت زبيدة قائلة وهي تنزع كفيه عنها:
– انا رايحة احضرلك حمام سخن تريح فيه جتتك، وعلى ما طلعت تلاجي الوكل جاهز تاكل وتريح على فرشتك بالمرة.
عقب من خلفها وعيناه تتبعها حتى اختفت داخل مطبخها:
– يريح جلبك يا أميرة.
قالها ليعود بانظاره نحو التي جلست على الاَريكة المقابلة له، متكئة على الوسادة تناظره بمكر، فخاطبها:
– مالك يا بت بتبصيلي كدة ليه؟ هتاخديلي صورة يا ختي؟
عادت تضيق عينيها لترسم ابتسامة شقية على ثغرها، بصمت فتابع لها:
– حاببها وواجع فيها كمان عندك مانع يا ست صبا؟
ضحكت نافية بهز رأسها تجيبه:
– لا يا عم وانا اجدر اعترض؟
– أيوة كدة اتعدلي .
قالها ثم استطرد نحو الناحية المعتادة في حديثه لها :
– عجبالك انتي كمان لما ربنا يهديكي وتلاجي اللي يحبك، مع اني عارف ومتأكد انه موجود بس انتي ادي اشارة ونجي على كيفك، من ولاد عمك….
انتفضت لتقف فجأة تقاطعه بتهرب لتتجنب الصدام معه، بحديث منتهي بالنسبة إليها:
– ان شاء الله يا ابو ليلة ادعيلي بس الاَجي واحد زيك، عن إذنك بجى عشان عايزة اروح اغير هدومي واساعد امي في الغدا.
قالتها وركضت على الفور، دون انتظار الرد، فهم عليها هو ليغمغم بسخط في أثرها:
– اه يا بت الفرطوس، برضوا بتهربي كالعادة كل ما افتحلك سيرة الجواز وعيال عمك، براحتك! لكن بجى هتروحي من جدرك فين؟
❈-❈❈
– نعم! عايزة إيه بروح امك.
هتف بها بأعين مشتعلة نحوها وقد تصدرت بجســ دها
أمامه توقفه في إحدى الطرقات في المستشفى الضخم، بعد ركض خلفه ومحاولات عدة في محايلته وأرضاءه، فقالت تجيبه لاهثة:
– طب سيبني اخد نفسي الأول، ساعة كاملة وانا الف وادور وراك زي الشحاتة عشان بس تبصلي، إيه يا براهيم؟ هو انت ليه بقيت صعب كدة.
كشر بأنيابه ليباغتها بغرز أصابع كفه الخمسة في لحم ذراعها يقول بشراسة:
– ليكي عين كمان تحكي وتتحاكي معايا بعد غلطك وقلة حياكي وانتي راشقة عينك في الراجل ولا اكنك شوفتي رجالة قبل كدة يا بت الو……
كتمت أمنية شهقة مجفلة وقد فاجئها بلفظه الخارج معها، فقالت بصوت باكي لألم ذراعها وامتهان كرامتها، بهذا اللفظ المهين في وسط الرواق حتى انه وصل لعاملة المشفى الراقي التي كانت تمر بجانبهم وبدا ذلك على نظرة الإزداء التي رمقتهم بها:
– على فكرة يا ابراهيم انا كدة الناس ممكن تفتكرني واحدة من اياهم، بعد اللفظ اللي قولته، وبهدلتك دي ليا .
شعر بحجم تطرفه المبالغ به هذه المرة بالفعل، فتدارك لينزع يــ ده عنها ليهدر متمتمًا:
– ما انتي اللي بتجيبه لنفسك، عشان لو محترمة وعامل حساب للراجل اللي واقف جمبك مكنش دا كله حصل.
تمتمت بضعف وهي تدلك على ذراعها الموجوع:
– تاني برضوا هتقول محترمة والكلام ده، الله يسامحك.
ناظرها بأعين ضيقة للحظات، وقد راقه هذا الضغف منها وهدأ غليله بما فعله معها، فقال ملطفًا:
– انتي عارفة اني راجل حامي وبغير، يعني لازم تقديريها دي.
انتبهت لترفع رأسها مرددة بعدم تصديق:
– بتغير! يعني انتي بتحبني وبتغير عليا بجد يا إبراهيم.
– أمال كدب؟ ولا انا كنت خاطبك ليه من أساسه؟
قالها ليرى في عينيها الوان الفرح بعد الدموع، بابتسامة ارتسمت على وجهها ببلاهة، استغل ذلك ليرمي سمه على أسماعها:
– وكأنك مش مصدقاها، لا يا حبيبتي، صدقي واتأكدي منها دي، أنا بس اللي بحبك، وانا بس اللي يهمه مصلحتك، واديكي شوفتي بعينك، اختك البرنسيسة بتفرق ازاي في معاملتها معاكي ومع اختك الصغيرة، دي مبيناها عيني عينك.
صمتت تزم فمها وقد بدا أن كلماته أتت لتزيد من قناعتها بذلك، فتابع بمكر:
– واضح إنك حاسة باللي بقولوا ولا من رأيك اني فاهم غلط؟
على الفور ردت:
– لا طبعا يا ابراهيم، انت كل كلامك صح، انا مش حمارة عشان مخدتش بالي.
تبسم بانتشاء يجيبها:
– لا طبعًا يا غالية اسم الله عليكي ما تبقي حمارة، دا انتي ست البنات كمان.
تبسمت بفرحة تغمرها فكلمات الغزل منه لا تصدر إلا ندرة، فتلتقطها هي كهلال العيد بالنسبة لها، فتمتمت بلهفة؛
– وانا بموت فيك يا ابراهيم، بس لو تخف طبعك القاسي وعصبيتك شوية….
– مقدرش..
هتف بها ليتابع بانفعال:
– مينفعش تقوليها دي لراجل زيي، العصبية والطبع الحامي، دي حاجة مش كل الرجالة تتحملها، ولا انتي عايزاني بارد وخيخة؟
نفت بهز رأسها تعترض؛
– لا طبعًا بعد الشر عليك ما تبقى خيخة، دا انت راجل وسيد الرجالة كمان.
تبسم باتساع يكتنفه إحساس السيطرة، ليعوض نقصًا ما بداخله، فقال بحمائية يدعيها:
– خلاص يبقى تخلي بالك على شعوري ومتزعلنيش تاني، قولتلك انا مابتحملش
قالت بلهفة وقد أنساها السبب الرئيسي لإهانتها منذ قليل:
– من عنيا الجوز، انا تحت امرك في كل اللي تقول عليه.
اومأ برأسه ليقول بزهو:
– وانا كمان رضيت عنك وعشان كدة هنزل اخدك على الكافتبريا تحت نشرب لنا حاجة ساقعة.نروق نفسنا قبل ما نرجع تاني.
– حبيبي يا ابراهيم.
قالتها بلهفة مبالغة جعلته يحدجها بحذر؛
– طب اظبطي كدة شوية، ووطي صوتك، وانجري ياللا قدامي ع الاسانسير، انجري .
سمعت لتعدوا سريعًا مزعنة لأمره كالمغيبة، وبشعور الأنتصار كان يخطو خلفها بتمهل وثقة.
❈-❈❈
في الغرفة التي امتلأت بعدد الأفراد الجدد بها، وبعد ان هدأت العاصفة قليلًا، كان الحديث الدائر بلطف من مجيدة نحو لينا التي اتخذت مقعدها بجوار شهد على فراشها الطبي:
– ها يا حبيبتي، يارب تكوني اقتنعتي دلوقتي ان أمين ظابط محترم، مش اللي كان في دماغك خالص.
سمع الاَخير واحتدت عينيه يريد الأعتراض عما تتفوه به والدته، لتزيد عليه الأخرى بقولها:
– متزعليش مني يا طنت، بس الموضوع ملوش دعوة بقناعتي ولا اللي بيدور في دماغي، ابنك مش باين عليه أساسًا.
هتف بها الاَخير بانفعال وقد أفقدته حكمته:
– نعم يا حبيبتي، امشيلك بقى بالبدلة والنجوم اللي عليها، ولا أنزل تحت اجيب المسدس الميري، واحطه في وشك عشان تصدقي؟
شهقت بصوت عالي مستنكرة تخاطب مجيدة:
– شايفة يا طنت الجليطة وقلة الزوق، بقى دا ظابط ده؟.
– بعامل مجرمين وسوابق يا ماما، عايزاني اجيب الزوق منين؟
قالها بفظاظة زادت من اشتعالها وتسلية مجيدة التى كانت تخفي بصعوبة استمتاعها بمناكفات الإثنان وانفعال ابنها، وخروجه عن طوره الطبيعي الهاديء بفضل هذه المشاكسة.
من جهتها لكزت شهد صديقتها في الخصر بمرفقها، ترمقها بتحذير حتى تتمالك قليلًا، أما حسن ف التزم الهدوء في قوله:
– يا جماعة من غير عصبية، بصراحة انا مش فاهم ايه سبب سوء التفاهم ما بينكم للدرجادي؟
صاحت به لينا تجيبه:
– قوله إيه اللي ميسببش؟ اخينا ده كل ما اشوفه، لازم تحصل ما بينا خناقة.
– والله انا راجل هادي والناس كلها عارفة عني الصفة دي، يبقى الأكيد بقى، إن انتي اللي بتجري شكلي .
قالها ببرود جعلها تشهق شهقة أعلى من سابقتها، حتى بدت كالصرخة لتقول:
– أناااا، أنا اللي بجر شكلك؟ إنت قد كلامك ده؟
تدخلت مجيدة تهادنها بمرونة:
– ميقصدتش والله، صلي ع النبي يا حبيبتي وهدي نفسك.
– اللهم صلي عليك يا نبي.
تمتمت لينا بها ومعظم الأفراد في الغرفة معها، قبل أن تقول شهد متصنعة العتب:
– أيه يا ست لينا؟ من أول ما دخلتي خناق خناق، هو انتي نسيتيني جاية تزورني ليه؟
بشراسة برقت فيروزيتيها نحوها ونحو افراد اسرتها لتهتف بغضب:
– لا يا حبيبتي منستش، ولا نسيت اني جاية اتخانق معاكي، انتي وجماعتك دول.
على الفور خرج رد نرجس بلجلجلة واضطراب :
– ليه بس يا بنتي؟ هو احنا عملنالك ايه كمان؟
– محدش فيكم من الصبح افتكر يبلغني يا ست نرجس، ولولا اني اتصلت بيها وعرفت بالصدفة، مكنتش هعرف اساسا.
قالتها بعفوية وحمائية جعلت رؤى ترد بدفاعية:
– القلق والخوف عليها هو اللي نسانا والله، سامحينا عليها دي يا أبلة لينا.
رقة الصغيرة في الرد جعلت لينا ترتخي قليلًا، حتى شقت ابتسامة صغيرة ثغرها لتقول لها بتسامح:
– هسامحك بس عشان ابلة دي.
ضحكت رؤى، وتبسمت مجيدة قائلة بمزاح:
– بسم الله ما شاء الله، اللي يشوفك دلوقتي، ميصدقش عاصفة الصحراء اللي دخلت علينا من شوية.
استجابت لينا ضاحكة لها، لتزيد من ابتهاج الأخرى بها، مع انتبهاها لردود افعال ابنها وانظارها المصوبة نحو لينا التي بدأت مع صديقتها ومعها حديث ودي، جعله ينتفض فجأة يجفلها :
– طب مش كفاية كدة بقى؟ يا للا بينا يا ماما، احنا يدوب نروح.
عبست مجيدة بوجهها ترد نحوه بامتعاض:.
– وليه يا خويا يدوب نروح؟ ورانا الديواان؟
– لا يا ماما ورايا شغلي، عايز اللحق انام لي ساعتين، عندي وردية القسم بالليل.
قالها بجدية جعل مجيدة تنهض مجبرة، تلملم حقيقيبتها وقالت مخاطبة الجميع:
– طب مدام كدة بقى، ناخد الجماعة نوصلهم معانا، هتيجي معانا يا ست نرجس نوصلك مع بناتك؟ ولا انتي يا لينا؟
ردت الاَخيرة:
– لا يا طنت متشغليش نفسك، انا معايا عربيتي، دا غير اني مش هروح اساسًا، أنا هبات جمبها ع السرير نفسه.
ضحكت شهد وتمتمت مجيدة بإعجاب:
– حبيبتي ربنا يخليكم لبعض، بس يعني هما في المستشفى هنا هيرضوا بالكلام ده؟
هتفت بها لينا بانفعال أجفلها:
– طب خلي حد هنا يعترض، إن كانت ممرضة ولا دكتور ولا حتى مدير المستشفى ذات نفسه!
ضحكت مجيدة وبطرف عينيها تخطف النظرة نحو ابنها وهي تغمغم:
– لا دا انتي مشكلة فعلآ يا لينا .
ردت رؤى بالقرب منها:
– أبلة لينا دي العسل كله .
– اه يا حبيبتي عندك حق.
تمتمت بها مجيدة قبل أن تعيد السؤال نحو نرجس:
– ها يا ست نرجس، مش هتيجي معانا بقى؟ ما هو مينفعش كمان يرافقها اكتر من واحد، حسب ما اعرف عن قوانين المستشفى.
بتردد أجابتها:
– ما هي البت أمنية خرجت مع خطيبها، مضطرة استناها ترجع الأول عشان نروح مع بعض، تشكري يا ست ام حسن.
– ست ام حسن!
تمتمت بها مجيدة باستغراب اول مرة تسمعها، قبل أن تتجه نحو المذكور والذي نهض عن مقعده على مضض يقول:
– انا مش متعتع من هنا غير لما اطمن!
بفراسة شاكسته مجيدة:
– على مين بالظبط يا حبيبي؟
ارتبك قليلًا من نظرتها الكاشفة له ليرد بجدية يدعيها:
– على عبيد طبعًا يا ماما، دا في العناية المركزة واحنا في عرض خبر كويس عنه ، وشهد برضوا.
غمغم بالاخيرة داخله، ولكنها بدت وكأن مجيدة سمعتها، لتبادله ابتسامة رائعة بلمسة خفيفة من كفها على كتف ذراعه، قبل أن تتركه لتخرج وخلفها ابنها الثاني، والذي لم يفته نظرة أخيرة نحو المجنونة الأخرى، قبل يغادر الغرفة.
❈-❈❈
– خايفة؟
سألتها زهرة باهتمام وهي تراقب ارتباكها الملحوظ وتوترها بجلستهن في غرفة الإنتظار بعيادة الطبيبة النفسية، فخرج ردها بانفعال:
– مش موضوع خايفة ولا زفت يا زهرة، أنا مش مقتنعة اصلًا، وحاسة انها عطلة ع الفاضي .
– ع الفاضي!
غمغمت بها زهرة لتتابع:
– في إيه يا نور؟ مش احنا برضوا اتفقنا ان الزيارة دي هنعتبرها مجرد تعارف مع الدكتورة، ولو يا ستي معجبكيش الوضع او القعدة إمشي ومتجيش تاني؟
– اَه ، ويرجع بقى مصطفى يجيب اللوم عليا اني مصبرتش ولا نفذت رغبته، انا مش فاهمة، هو ليه ميحولش رغبته دي للجواز من واحدة تانية تخلفلوا الطفل اللي بيتمناه؟ ليه موقف حياته مع واحدة مفيش منها رجا، زيي.
عصبيتها المبالغة في الحديث لفتت انظار معظم السيدات المنتظرات حولها، لتثير استياء زهرة التي همست لها بتحذير:
– خلي بالك يا نور، انتي كدة بتلفتي نظر الناس إليكي وانتي واحدة مشهورة ومعروفة، ميغركيش التمويه اللي انتي عملاه بالنظارة السودة ولا الطرحة اللي لفاها على وشك، لا يا حبيبتي، انتي كدة ممكن تتكشفي، والستات دول حتى لو مستوى عالي وراقين، برضوا مش هيتأخروا انهم يشيروا ولا يعمولوها رواية عنك بالاشاعات.
صمتت نور بتأثر، ليصدر صوتها برجاء هامس:
– اديكي قولتيها بنفسك يا زهرة، خليني امشي بقى، انا مش مستريحة.
بدعم منها، قبضت زهرة على كف الأخرى تخاطبها بحنان:
– يا حبيبتي بس اصبري، انا كنت زيك كدة في الأول، وجاسر هو اللي غصبني ع الدكتورة هنا، وكان احسن قرار منه، لأني بصراحة بقيت انسانة تانية معاها، اتخليت عن الخوف وعن كل شيء بيزعجني، اعتبري انك بتتكلمي مع نفسك، انسي انها دكتورة، هو انتي مبتحبيش تتكلمي مع نفسك؟
ابتلعت نور لتصمت عن الرد، وبداخلها تتمنى الصراخ، أنها تكره الحديث مع نفسها، بل هي تكره نفسها، وتكره الحديث والفتح في جراح الماضي المخزي!
– استاذة نورهان، دورك يا فندم..
هتفت بها مساعدة الطبيبة لتقطع عنها شرودها، نهضت زهرة قائلة:
– ياللا يا أستاذة نورهان، خلينا ندخل، قبل ما ترجعي في كلامك ولا تهربي.
❈-❈❈
في داخل حجرة الطبيبة التي جلسن أمامها هي وزهرة التي تبادلت حديثًا ودي سريع معها قبل أن تعطيها انتباهاها كاملًا وتحدثها بابتسامة رائعة:
– يا أهلا بالنجمة، نورتي عيادتي المتواضعة يا فنانة.
بادلتها نور الأبتسام باضطراب لترد التحية وكفيها تفركهما بعنف أعلى حجرها.
– ميرسي، العيادة منورة بيكي طبعًا يا دكتورة.
رمقتها الطبيبة بصمت قليلًا لتزيد من تورترها قبل أن تسألها بلهجة رقيقة:
– ليه الخوف والقلق دا كله؟
ردت بدفاعية وصوت مهزوز:
– لا طبعُا انا مش خايفة، وإيه اللي يخليني اخاف ولا اقلق يعني؟
تدخلت زهرة قائلة:
– انا من أول ما جينا بفهمها ان الموضوع أبسط بكتير مما تتخيل، بس هي مش مقتنعة.
– انا جيت ضد رغبتي، عشان بس ارضي جوزي .
قالتها نور بحدة قابلتها الطبيبة بهدوء، لتخاطبها بتروي:
– قالتلي زهرة على فكرة، وانا مش هضغط عليكي في أي كلام، اقولك، انتي متتكلميش خالص النهاردة في أي حاجة تخصك، وقت الجلسة ده، انا خليه كلام ستات، بيني وبينك وزهرة.
قطبت نور تطالعها بعدم فهم، والطبيبة لم تعطيها فرصة، فقد تجاهلتها واتجهت مخاطبة الأخرى:
– ها يا ست زهرة، عاملة ايه مع ولادك؟
❈-❈❈
– إدخلي يا مودة ادخلي، بيت ومطرحك يا حبيبتي.
هتفت بها ميرنا وهي تتقدم الأخرى داخل منزلها، لتشعل الإضاءة، دلفت الأخرى خلفها لتكتم شهقة الإنبهار داخلها، رغم جحوظ عينيها وتدلى فكها بشكل فاضح، تبسمت ميرنا بسعادة داخلها لتجلس واضعة قدمًا فوق الأخرى على الأريكة البيضاء العصرية، لتدعوها:
– إيه يا بنتي؟ هو انتي هتفضلي لازقة كدة على مدخل الشقة؟ ما تحركي رجلك دي وتعالي اقعدي جمبي هنا .
سمعت مودة لتبتلع ريقها في محاولة لإدعاء الرزانة، والتحلي ببعض الزوق في قولها:
– بسم الله ما شاء الله، شقتك حلوة أوي ، انا مكنتش اعرف انك غنية كدة.
اطلقت ميرنا ضحكة مدوية لتقول:
– وهو انا لو غنية يا هبلة زي ما بتقولي كدة، كنت قعدت في الشغل وخدمة اللي يسوى واللي ما يسواش؟
– أمال إيه؟
تمتمت بها بعدم فهم، وردت الأخرى بعد أن أشارت لها بيدها كي تجلس على المقعد المجاور لها:
– يا بت افهمي، الشقة دي هي الحاجة الوحيدة اللي استفدت بيها من جوازتي الأولى، يعني مش ورث من بابا ولا ماما، انا وحيدة ومليش حد زيك يا مودة.
رددت مودة من خلفها:
– وحيدة زيي؟ طب ازاي؟ أمك اللي سابتك ولا والدك؟
سؤالها كان به نوعً من الغباء استفز ميرنا ولكنها حافظت على هدوئها حتى لا تنجر للمنطقة الخطرة في تاريخها:
– امي بقى ولا أبويا، المهم اني وحيدة وخلاص يا مودة، انا وانتي بنصارع الحياة بطولنا ، أمال انا ليه حبيتك ودخلتي قلبي، عشان ظروفك تشبهني.
بابتسامة مستخفة ردت مودة باستهجان:
– اشبهك فين بس وازاي يا ميرنا؟ انا فين وانتي فين؟ انا ساكنة في اوضة معفنة فوق السطح مع ستي اللي بتعد عليا اللقمة في الأكل ، وانتي ما شاء الله في شقة طويلة عريضة، دا حتى في الشكل، انتي جمال وحلاوة وجسم ولا المليكان، وانا جســ مي واقع وقصيرة……
هتفت ميرنا تقاطعها بانفعال تدعيه:
– بطل عبط يا بت، وخلي عندك شوية ثقة في نفسك، اتعلمي يا ختي من المنيلة اللي بتمشي معاها.
– صبا!
– ايوة صبا، شوفي يا ختي التناكة والعنجهية اللي هي فيها.
التوى ثغر مودة باستياء تردف للأخرى:
– وغلاوة النبي عندك يا شيخة بلاش تريقة، وانا اَجي حتى ربعها عشان اقلدها؟
انتفضت ميرنا لتنهض وتنهضها معها لتقول بتحفز:
– بقولك ايه يا بت انتي، انا النبرة دي محبهاش، قومي دلوقتي معايا، هأكلك أكلة معتبرة وبعدها هوضبك واخليكي واحدة تانية، عشان تعرفي ان السر في الاهتمام، مش في الهبل اللي انتي بتقوليه ده.
بلهفة وعدم تصديق قالت مودة:
– انتي بتتكلمي جد يا ميرنا.
ردت تجيبها بثقة:
– وجد الجد يا روحي، دا أنا ميرنا يا بت والأجر على الله.
❈-❈❈
في اليوم التالي صباحًا
خرجت صبا من المصعد في طريقها لمغادرة المبنى، بعد أن اطمأنت صباحًا على والدة شادي ونيته في الذهاب للعمل، لتأخذ قرارها في الفعل مثله، كانت تعدو بخطوات مسرعة، حتى تلحق بأتوببس الفندق، حتى أنها لم تنتبه له وقد كان يتابعها من الجهة الأخرى، جهة الدرج الذي هبط منه، خمس أدوار حتى لا ينضم معها في هذه المساحة الصغيرة، غير عابئُا بتعب أقدامه، يكفيه تعبه الداخلي، والصرعات التي تدور بعقله منذ قولها مساء أمس، وفعلها اليوم، لقد كانت على استعداد للتغيب عن دوام عملها من أجله! أيعقل أن تكون تعلقت به؟ أم هو التعود؟ أم هو إفتقاد للأمان في غيابه؟ أم أنه! يا إلهي يشعر برأسه على وشك الانفجار من كثرة التخمينات والتكهونات، تنهد بثقل شديد، فقلبه لا يحتمل املا كاذبًا يعد نفسه به، هي كالنجمة رغم قربها منه، وهو المثقل بهموم ومسؤولية كبيرة وجد نفسه مزروعًا به ولا يستطيع التنصل منها، هذا بالإضافة إلى العديد من الفروق الهائلة بينهم.
سحب شهيق طويل ليعود لواقعه متمتمًا بالإستغفار قبل أن يخرج من المبنى، حتى يلحق بها، ولكن بسيارته المتواضعة، يتمنى لو يأتي اليوم لتشاركه بها.
❈-❈❈
استيقظت شهد من نومها على اثر الحركة التي كانت تشعر بها حولها، فتحت عينيها للضوء لتلتقي بفيروزتي صديقتها المشاكسة دومًا والتي اصرت وفعلت بأن باتت ليلتها معها رغم اعتراض التمريض ومسؤلي المشفى.
– صباح الخير يا بيضة انتي صحيتي؟
قالتها لينا وهي تجفف بالمنديل الورقي على وجهها الذي بللته بالماء منذ قليل، اعتدلت الأخرى بجذعها على الفراش الطبي تجيبها بابتسامة:
– يا صباح القلش والأستظراف، العروسة باين نومة الكنبة عجبتها فقايمة مصحصحة بدري بنشاط.
ضيقت عينيها لينا تطالعها بغيظ اثار ابتسامة شقية على ثغر شهد لتهتف بها :
– بذمتك مين فينا اللي بيقلش دلوقتي؟ ولا مين فينا اللي قايم رايق من الأساس؟
تمطعت شهد لتفرد بذراعيها وتثنيهم مصدرة أصوات بدلع وهي تقول:
– يا ستي بقى، مرة من نفسي ابقى رايقة، واهو عشان تتأكدوا اني كويسة واستحق الخروج من امبارح.
تغيرت ملامح لينا لتأخذ وضع الجدية وهي تقترب لتجلس على طرف فراش الأخرى تقول:
– لا انتي مش كويسة يا شهد، وبلاش تكابري….
همت لترد الأخيرة ولكن لينا أوقفتها متابعة:
– بقوولك بلاش تكابري….. انتي بتضغطي على نفسك كتير وانا بفوت، لكن في دي مينفعش، انتي عارفة وانا عارفة كويس قوي، انك تعبانة ولازملك بريك عشان تفصلي شوية، مفيش حد كبير ع التعب .
ردت شهد تدعي التفكه:
– الله يا ست لينا ، دا انتي بقيتي محللة نفسية جامدة بقى؟ ايه يا عسل؟ دي مكنتش وقعة دي اللي وقعتها امبارح وخلت الكل يقلق عليا.
لم تستجيب لها لينا وقالت بإصرار:
– متحاوليش تهربي بالهزار ولا تاخذيني في دوكة زي عوايدك، انا مش غبية عشان مكونش فهماكي؟ اللي انتي بتعمليه ده اسمه انتحار.
– انتحار!
– أيوة انتحار، انتي لازم تشوفي نفسك وتفكري فيها، محدش هينفعك لو وقعتي.
عبارتها الأخيرة أصابت شهد في الصميم، لترد بشبه ابتسامة ليس لها معنى قائلة:
– اللي يشوف العقل والرزانة دلوقتي، ميشوفش الجنان بتاع امبارح وانتي ماسكة في خناق الظابط.
– ظابط!
هتفت بها لينا باستنكار لتتابع:
– دا لا يشبه ولا حتى يليق عليه بأسلوبه البيئة المستفز ده.
ردت شهد ساخرة:
– بيئة ومستفز كمان! واسم الله عليكي انتي بقى اللي راقية ومن جاردن سيتي، يا بت دا انتي دخلتي في الراجل امبارح زي القطر، ولولا الست والدته واخوه موجودين، لكنتي لميتي علينا المستشفى بزعيقك.
استشاطت لينا غضبًا لتهدر بها:
– طب والنعمة يا شهد لو ما لميتي لسانك الطويل ده، لكون مطلعة عليكي القديم والجديد ولا يهمني تعبك ولا مستشفى وزفت.
قالت شهد لتزيد من استفزازها:
– بجد! طب ما توريني كدة.
بغيظ وتوعد نهضت لينا تقفز لتحط بكفتيها الباردتين تدعي خنــ قها، مع علمها الأكيد أن اللمس في هذه المنطقة عند شهد يصلها كدغدغة لا تحتملها لتنطلق ضحكات شهد بصوت عالي ونبرة طفولية بعيدة عن شخصيتها الجادة وهي تتوسلها:
– خلاص يا مجنونة شيلي إيدك اللي عاملة زي التلج دي مش قادرة اتحمل.
بعند طفولي ردت لينا بابتسامة تكتمها:
– لا مش هشيل، عشان تحرمي تتحديني مرة تانية، يا اللي عاملة فيها سبع رجالة انتي.
اصوات الضحكات والمرح بصخب منهن كان يصل لخارج الغرفة حتى تفاجأ به حسن الذي طرق بخفة وهو يدفع الباب ليلج داخل الغرفة، ليصله هذه النبرة الغريبة لشهد في الضحك، نبرة صافية خالية من الهموم، نبرة شقية بأنوثة ناعمة لفتاة تدعي الرجولة والتجهم يعتلي وجهها دائمًا:
– صباح الخير، هو انتو بتتخانقوا ولا بتهزروا؟
قالها قاطبًا بتوجس،
على الفور نزعت لينا كفيها بحرج لتعطي الفرصة لشهد تلتقط أنفاسها وتحاول التوازن أمام حسن الذي كان يراقب احمرار وجهها بابتسامات تلملمها بأثر الضحكات السابقة، فقالت:
– لا بشمهندس مفيش خناق ولا حاجة، ربنا ما يجيب خناق.
اضافت لينا على قولها:
– دي حاجة بسيطة يا بشمهندس، عشان بس الهانم تحرم تطول لسانها تاني.
رمقتها شهد مضيفة عينيها بتوعد، ورد حسن يقارعها:
– واضح كدة ان طبعك الحامي دا يا اَنسة لينا مع الكل حتى مع اقرب الناس ليكي، مش بس مع أمين اخويا.
عبست ترفع طرف شفتها بغيظ وتولت شهد تغير دفة الحديث، تجنبًا لبدء مشاجرة أخرى قد تفتعلها صديقتها المجنونة:
– ما قولتليش يا بشمهندس، اخبار عبيد إيه؟
بابتسامة صافية اجاب يطمئها:
– الحمد لله يا ستي، ربنا كتبله عمر جديد، ودلوقتي فاق من الغيبوبة وبقى حاسس بالدنيا.
– بجد؟
هتفت بها وهي تعتدل بجذعها لتتابع باهتمام:
– يعني كدة هيعيش ومش هيموت؟
تعقد حاجبيه يجيبها بدهشة لسؤالها المباشر:
– لا إن شاء الله ما يموتش، ربنا يحفظه لامه واخواته البنات، انا كنت معاهم من شوية، دول كمان مش مصدقين لحد دلوقتي رغم انهم شافينه بعيونهم .
– تمتمت بالحمد وتدخلت لينا تقول:
– اكيد عشان الصدمة صعبة عليهم، دا غير انه محتاج وقت على ما يقدر يتفاعل معاهم، ضربة المخ دي حاجة صعبة اوي وبتحتاج وقت على ما البني ادم يرجع لطبيعته.
أومأ حسن يوافقها:
– فعلا عندك حق، انا عرفت من الدكتور انه هيفضل تحت الملاحظة عشان يعرفوا كمان درجة الوعي عنده.
– انا عايزة اروح اشوفه.
قالتها شهد وهي تنزل بقدميها على الأرض، قبل أن يوقفها حسن على الفور بقوله:
– أوعي تتحركي من مكانك يا شهد، الدكتور بتاعك منبه عليا جامد انك متروحيش هناك ولا تشوفيه أي شيء يأثر على أعصابك.
هتفت به منفعله:
– معني كدة ان حالته لسة خطيرة، أمال بتطمني ليه بقى ومش عايزني اروحله؟
هتف هو الاَخر بدوره حازمًا:
– انا مقولتلكيش انه رجع ووقف على رجليه، احنا اطمنا بس انه رجع للأحياء، ومتفقين ان حالته صعبة، وهتحتاج وقت ورعاية، الدكاترة مش سايبنه، وأهله أنا شرحتلهم عن حالتك، يعني مفيش داعي لزيارتك الكريمة.
– ازاي يعني…….
تفوهت بها تنوي الجدال قبل أن تقاطعها لينا بصرامة:
– اسمعي الكلام يا شهد وبطلي عِند بقى، جيتيك هنا من الأول كانت غلط، كان كفاية اوي تهتمي من بعيد لبعيد، وانتي عارفة ومتأكدة إن اعصابك مبتتحملش!
حدجتها بنظرة غاضبة اخرستها عن التكملة، وتدخل حسن بسؤاله:
– عارفة ومتأكدة من إيه؟
ردت شهد بوجه عابس:
– متشغلش نفسك انت يا بشمهندس، انا بس كنت عايزة اسأل الدكتور المسؤل عن حالتي، عشان اخرج بقى.
❈-❈❈
في انتظارها في داخل الحافلة التي تقل مجموعة كبيرة من موظفي الفندق، تفاجأت صبا بالهيئة الجديدة لصديقتها التي صعدت بثقة وتخايل حتى جلست بجوارها، تلقي التحية بابتسامة:
– صباح الخير يا صبا.
بتأمل شديد ردت تجيبها:
– صباح النور يا حبيبتي، ايه التغير ده؟
قالتها مشيرة على قصة الشعر الجديدة والزينة المتقنة لوجهها، ضحكت الأخرى تقول بلهفة:
– عجبتك التسريحة ولا المكياج، دا لسة كمان لما اقبض، هجننك بالطقمة اللي هاجيبها، ما انا لازم اللبس واهتم بنفسي.
القت صبا نظرة خاطفة نحو بعض الأشخاص الذين انتبهو للحديث لتخاطبها بنظرة محذرة:
– وطي صوتك شوية، الموظفين بقوا مركزين معانا .
– ياختي وما يركزوا.
قالتها ثم توقفت على الفور للنظرة القوية من صبا، فتابعت بصوت خفيض:
– انا بس كنت عايزة اسالك، حلو عليا الشعر القصير، ولا المكياج، مظبوط كدة على بشرتي ولا لسة في أثر بهتان؟
صمتت صبا قليلًا بتفكير ترمقها، قبل أن تجيبها:
– أكيد طبعا التغير كويس، بس انتي مقولتيش انك رايحة الكوافير امبارح، أو عندك مناسبة تخليكي تعملي دا كله.
ضحكت مودة لتقول مبتهجة:
– لا ما انا مروحتش الكوافير، دي واحدة صاحبتي ، بس إيه ممتازة، عملت معايا شغل ماسكات وحاجات للبشرة والشعر، ولا شغل الصالونات الكبيرة الغالية.
توقفت لتلتف للأمام بشرود تتمتم:
– بنت حلال أوي! ربنا يخليها.
❈-❈❈
وصلت الحافلة لمقر العمل، ليترجل منها الموظفون والموظفات، كل فرد في اتجاه قسم عمله، وتفرقت مودة عن صبا، بعد أن ولجتا الإثنتان بداخل الفندق، كل واحدة في اتجاه، صبا والتي كانت في طريقها نحو غرفتها تفاجأت بإحدى العاملات توقفها:
– اَنسة صبا لو سمحتي استني.
التفت إليها باستفسار تسأله:
– نعم، عايزني في حاجة؟
اجابت المرأة بعملية قبل أن تلتف وتتركها:
– مش انا يا اَنسة، دا عدي باشا هو اللي طالبك.
تطلعت صبا نحو الجهة التي أشارت نحوها المرأة قبل أن تغادر، لتجد هذا المتعجرف جالسًا على مقعده، في الركن الذي أصبح خاص به وحده، واضعًا قدم فوق الأخرى يناظر في بعض الأوراق الخاصة بالعمل، زفرت داخلها بضيق قبل أن تجر قدميها عنوة لتقف أمامه ملبية:
– أفندم حضرتك.
رفع عينيه عن الأوارق بنظرة خاطفة قبل أن يجيبها بعد دقيقة من الصمت:
– الناس بيقولوا تحية الصباح الأول وبعدين يتكلموا.
بشبه ابتسامة ليس لها معنى ردت بغيظ تكتمه:
– صباح الخير يا فندم، كنت عايزني في إيه بقى؟
ازاح الأوارق من فوق أقدامه ليضعهم على الطاولة القريبة منه قبل أن يرد:
– مستأذنتيش ليه امبارح قبل ما تخرجي وتكسري أمر مديرك؟
برقت عينيها الجميليتين لتقول باندهاش:
– انا كسرت أمرك ومستأذنتش كمان؟ يا فندم انا مبلغة حمدي وواخدة منه الإذن……
– كان يجب الإذن يبقى مني أنا مش حمدي.
قالها بمقاطعة حادة ليردف:
– أنا اللي أصدرت الأمر، يبقى تيجي لحد عندي وتطلبي، وانا بقى ساعتها اقرر إن كنت هسمح أو لأ، انا رئيس العمل والمالك، مش حمدي .
زاد احتقانها وزاد الغضب المكتوم بداخلها منه، ودت أن تقرعه برد يناسب عنجهيته ولكنها تمالكت لتنهي الأمر بدبلوماسية تعلمتها قريبًا لتجيبه:
– تمام حضرتك، في أي حاجة تاني؟
ردها المبهم وهذه الابتسامة الصفراء وكأنها تقصد التهوين من الأمر لإنهاء الحديث، يزيد من غضبه، ذكائها الحاد يقطع عليه حبل أفكاره وما قرره منذ الأمس لعقابها.
– عايز حاجة تاني يا فندم؟
عادت بقولها له، فلم يجد أمامه سوى أن يصرفها بهزة خفيفة من رأسه، تلقفت الأمر الغير منطوق، حتى تذهب من أمامه على الفور، لتقع عينيها على من ولج للفندق بخطوته السريعة، لتعدو نحوه كطفلة متلهفة تهتف بإسمه :
– مستر شادي، مستر شادي
توقف هو الاَخر لها بابتسامة يستقبلها ثم يتابعا طريقهما نحو الغرفة التي تجمعهما للعمل
أمام انظار الاَخر وهو يتابعهما مظلم الوجه مغمغمًا باحتقان:
– ماشي، ماشي يا صبا!

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى