روايات

رواية هواها محرم الفصل الرابع عشر 14 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل الرابع عشر 14 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت الرابع عشر

رواية هواها محرم الجزء الرابع عشر

رواية هواها محرم
رواية هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة الرابعة عشر

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
الفصل الرابع عشر من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
صعد إلى شقة والدته التي لم يرها منذ عدة أيام ، استقبلته بحبورٍ كالعادة وتحدثت مدللة وهي تحثه على الدخول :
– وحشتني أوي يا طوفة ، كدة ماشوفكش بقالي أسبوع .
كان الحزن والضيق ينبعثان من ملامحه ورأتهما جيداً لذا تابعت على الفور بنبرة متجهمة عنيفة :
– عملت فيك إيه بنت انتصار ، كانت جوازة الشوم ، من يوم ما اتجوزتها وأنا مابقتش أشوف ضحكتك .
زفر بقوة وجلس على الأريكة مقابل لها يفرد ظهره ويطالعها قائلًا بعبوسٍ وملامح منهكة :
– مابقتش عارف أعمل إيه معاها ، جربت كل الطرق اللي ممكن تخليها تحبني ، مستفزة من الدرجة الأولى وبتعرف تخليني أتجنن عليها وممكن أموتها في إيدي بس بردو مابحبش غيرها .
ظهر عليها التعجب ككل مرة برغم تكرار هذا الوضع وتحدثت وهي تمط شفتيها بحيرة ويداها تتحرك هنا وهناك :
– لو كانت بتحبك كنت قلت دي عملالك عمل ولا سحر ، أنا مش عارفة برغم كل عمايلها دي بتحبها على إيه ، مش هي بنت أختي بس ماتستاهلش ضُفرك .
تعمق في عينيها ونطق متسائلًا بيأس :
– عندك حل؟ ، لو عندك حل قوليه ولو مافيش يبقى بلاش نفس الكلام كل مرة وسبيني اقعد ارتاح شوية .
زفرت باستسلام ونظرت يمينها تفكر قليلًا ثم عادت إليه وقالت بنوعٍ من المكر :
– يمكن بتغير عليك .
انفلتت منه ضحكة عالية تعبر عن مدى تألمه وهو يعيد مستنكرًا :
– تغير عليا ؟ ، أميرة تغير عليا أنا ؟ ، طب إزاي؟ ، أنا أدفع نص عمري وأشوفها غيرانة عليا ، دي حتى مفكرة اني قاعد عند چيچي ولا أي رد فعل .
ركزت في حديثه ثم قالت مستنكرة بنبرة موبخة ناعمة :
– تعرف أهي چيچي دي اللي حبتك بجد ، برغم سمعتها والكلام اللي حواليها بس عندي أحسن من بنت أختي ، بس هقول إيه الغلط على ابني .
كانت نظرة اللوم تحتل عيناها تجاهه فتجاهلها ونهض ينزع سترته ثم ارتمى بجوارها وتمدد على الأريكة يضع رأسه على ساقيها ويغلق عيناه مردفًا بنبرة منهكة :
– قلتلك كل الكلام ده ميؤوس منه ، زي حالتي بالضبط .
امتدت يدها تغوص في خصلاته وهي تقول بحنين ودلال فائض خاصاً به وحده :
– يابني طلقها وخلاص ، اخلص من معاناتك دي وطلقها وأنا من بكرا اختارلك واحدة تقولك سمعًا وطاعة ، دي بنت فرعونة .
تصلبت عضلاته وتأهبت أنفاسه وهو يردف بغلظة وتناقض مخيف :
– مستحيل أطلقها ، أنا بحبها وعايزها في حياتي ، أنا ممكن أموتها بس ماطلقهاش ، أطلقها علشان تجري تروح للكلب اللي اسمه يوسف اللي لسة لحد دلوقتي مستنيها وماتجوزش ومفكر إنها هترجعله ؟ .
اغتاظت من حديثه ولكن كالعادة تصمت وتغض الطرف عن حالته وأقواله وظلت تدلك له رأسه ثم خطر إلى عقلها فكرةً ما لذا قالت بخبث :
– طيب إيه رأيك لو تجرب معاها أسلوب جديد ، فيه مثل بيقول ما يكسر الست إلا ست زيها ، وإنت بتقول جربت معاها كل الطرق بس ما جربتش تطنشها وتحسسها إنك مابقتش تحبها وبدأ قلبك يميل لغيرها .
أعجبتها فكرتها الخبيثة وتحمست منتفضة تلتف وتحرك يداها نحوه لينهض ففعل وجلس يطالعها بترقب واستفهام فتابعت مبتسمة :
– طب تصدق بقى إن هي دي الفكرة اللي هتجيب مناخيرها الأرض وتخليها تحت طوعك ، اسمع مني بس ، جرب كدة تبين لها إنك بدأت تحب واحدة تانية غيرها .
شرد فيها يفكر فشجعته بملامحها المتأهبة وتابعت تدس سمومها في عمق رأسه :
– مش أنت نفسك تشوفها وهي بتغير عليك ! ، أهي دي الحاجة الوحيدة اللي هتخليك تشوف غيرتها ، هي بتعاملك كدة لإنها ضامنة حبك وعارفة إنك مهما تلف بترجعلها بس كل ده بالسمع بس ، خليها بقى تشوفك وإنت مع غيرها .
امتزجت كلماتها بصورة المدعوة چيچي وهو يشعر ربما والدته محقة في هذا الأمر ، ربما حقًا السمع ليس كالرؤية ، ليبدأ في حياكة خطة من فكرة والدته وتأليفه وقد راقت له كثيرًا وهو يتخيل نتائجها من الآن .
❈-❈-❈
يقود صقر وتجاوره نارة متجهان إلى منزل حسن العدلي
نبضاتها صاخبة متوترة شاردة لأول مرة تكون معه وتنشغل عنه سابحةً بأفكارها في هذا اللقاء الذي أصبح على شفا دقائق .
كان يسترق النظرات إليها وهي مصوبة أنظارها للخارج تفكر لذا امتدت يده تغزو يدها الساكنة بالقرب منها ، كان غزوًا هفت إليه ، هذا ما تحتاجه الآن لذا التفتت إليه سريعًا منتبهةً له تطالعه بابتسامة مرسومة باتقان ولكنه كان غارقًا في عينيها التي تعكس مدى توترها ، عاد لأمامه وتحدث بنبرة رخيمة ثابتة ليبث لها كل ما تحتاجه من دعم :
– أنا جنبك دايمًا .
تمسكت بكفه ردًا عليه وقد التمعت عيناها بوميض الحب واستطاع تشتيت أفكارها لتقول بحب :
– وده اللي مطمني .
شدد بحنو على قبضتها ثم رفع يدها إلى فمه ولثمها وعاد يسرع في قيادته كي لا يتأخرا عن الموعد الذي تم تحديده مع يوسف أمس .
❈-❈-❈
يجلس في شرفة غرفته يتلاعب بحاسوبه المرتكز أمامه على طاولة دائرية ، يبث ويعرض ما يملى عليه من أفكار إلحادية بات مقتنعًا بها .
لو رفع نظره عاليًا إلى السماء وتأملها لثوانٍ فقط بتعمن وتعقل لاهتدى من ضلالته ولكنه اختار أسهل الطرق للفرار من مأساته العائلية .
طرقات على الباب جعلته يتأفأف بضجر ويطبق حاسوبه مستنشقًا قدرًا كبيرًا من الأوكسجين كي يستقبل الطارق فهو لم يعد يرغب برؤية أحدٍ من أهل هذا البيت .
فُتح الباب فظهرت والدته التي دلفت تغلق الباب خلفها وتطل برأسها نحوه قائلة بحنانٍ فطري وتوترٍ ملحوظٍ خوفاً من صده لها :
– بتعمل إيه يا طه ؟
قلب عيناه بملل ثم تحدث بنبرة عاقة كأنه يبصق الكلمات :
– خير ؟ ، جاية ليه ؟
أطلقت العنان لنفسها وحررت كفيها وهي تخطو نحوه حتى وصلت إليه وجلست دون مقدمة تردف بعيون ثاقبة :
– جاية اتكلم معاك ، لازم نتكلم يا طه وتقولي على اللي جواك ، أنا شيفاك بتبعد عننا أوي يابني ، إنتِ ابني البكري ونور عيني وأنا ماقدرش تبعد عني ، احكي لي مالك ؟
برغم صدمته من حديثها الذي يظهر للمرة الأولى إلا أن نظرة السخرية كانت بادية عليه من عطفها ، نظرة جعلتها تشعر بالذنب والألم معًا ، ابتسم بعلو ليكمل سخريته من حديثها بل أصبح يضحك ضحكات معبأة باليأس والبؤس والغضب ثم قال ببرود ظاهري وداخله كالبركان :
– احكي إيه ؟ ، وتتكلمي مع مين ؟ ، اللي إنتِ جاية تعمليه دلوقتي ده فات وقته من زمان أوي ، فات وقت الكلام .
رفع سبابته يشير بإصبع اتهام واضح وهو يتخلى عن هدوءه ويكمل بعيون تبعث شرارت حقدٍ :
– إنتِ من سنين اخترتي السكوت يبقى تكملي في سكوتك وملكيش دعوة بيا ، وسيبك بقى من جو ابنك والكلام ده ، لا انتِ أمي ولا الراجل اللي تحت ده يبقى أبويا ، أنا متبري منكم ومستني اليوم اللي هغور فيه من هنا .
التمعت عيناها بدموع الحسرة والقهر وهي تجوب برأسها رفضًا لحديثه الناحر الذي يدمي قلبها وروحها المنهكة ولكنه أكمل بقسوة دون اكتراث لحالتها :
– قومي اخرجي من هنا .
شهقة مؤلمة خرجت منها ولكنها تمسكت بالبقاء والفرصة التي اتخذتها بعد فوات الآوان وتحدثت مجددًا بخفوت مبررة علّه يسمعها :
– معاك حق تكرهني ، أنا مش بلومك ، إحنا السبب في اللي وصلتله ده ، بس صدقني غصب عني ، أنا كنت صغيرة ومش فاهمة حاجة ، فكرت إني كدة بطيع ربنا في جوزي وبحترمه .
وكأنها ألقت قنبلة داخل فوهة بركانه فانفجر وبرزت عروقه مردفًا بتمرد واضح :
– لالالالا ، استني استني بس ، إنتِ صح هو ده اللي موجود في العقلية بتاعتكوا ، هو ده اللي دينكوا قال لكوا عليه ، مهو مطلوب منه يهينك ويضربك وانتِ تسكتي وتحطي راسك في الرمل زي النعام مهو دينك قالك بقى وإحنا نتهان ونتسب ونتضرب ونسكت ونسجد له شكر علشان بر الوالدين وإلا هنخش جهنم مش كدة ؟ ، إنما لما نقول نعم وطيب وحاضر ونتهان ونسكت نخش الجنة كلنا ونعيش بقى معاه في الجنة وهو يا سلام عليه فايز دنيا واخرة ده مابيسبش فرض واحد ، مش هو ده الدين اللي اختارتوه لينا وحتطوه في عقولنا من سنين لحد ما بقينا متخلفين ومذلولين ؟…
كان وجهه لا يشبه وجه ابنها الذي تعرفه عن ظهر قلب ، كان شخصًا آخر بملامح تجزم أنها خرجت من الجحيم لترتطم في حديثه وملامحه في آنٍ واحد رطمة جعلتها تفقد النطق ، تطالعه بذهول مصحوب بخوفٍ لأول مرة يتجلى فوق ملامحها ، خائفة منه وذاهلة من حديثه ولكنها بعد ثوانٍ نطقت أحرفها المتلعثمة تقول :
– إإ ، إيه اللي إنت بتقوله ده يا بني ، الدين ماله ومال تصرفات أبوك ، الدين بريء من عمايله ، ماتفهمش دين ربنا غلط زيه .
– ربنا ! .
نطقها بتبسم خبيث ساخر وهو يهز رأسه بعدما بردت حدته وملامحه وكاد أن يجادلها لولا تذكره بإخفاء أمر إلحاده عنهما حتى يغادر هذا البيت وهذه البلد كلها ، إن ناقشها فسيكون جدالًا عقيمًا لا يسمن ولا يغني من جوع معها فهي تظن كما يظن معظم الجهلة المؤمنون .
لذا لف رأسه للجهة الأخرى وتحدث بجمود :
– سبيني لوحدي ، وتاني مرة ماتحاوليش تصلحي حاجة اتكسرت مليون حتة .
لف لها مجددًا يتعمق في عينيها وبصق الكلام مستكملًا :
– هتبقى مشوهة .
أدركت أنها داخل ساحة حربٍ ولكنها أتت بعد النهاية ، أتت بعد الخراب ، مجيئها لن يفيد بشيء فجميع الأطراف هنا خاسرة .
نهضت من مكانها وتحركت تغادر بخيبة أملٍ جديدة بل حسرة جعلتها آيلة للسقوط في أي لحظة وهي تعيد كلماته وما وصل إليه بسببهما .
❈-❈-❈
يقف في الحديقة ويحمل هاتفه منتظرًا إجابتها على اتصاله وعيناه تنظر نحو غرفتها ، مؤكد تلك المشاكسة نائمة بعمق الآن فاليوم عطلتها .
بعد عدة ثواني فتح الخط وأجابت بنبرة حماسية ناعسة :
– عمر ؟ ، إنت كويس يا حبيبي ؟
ابتسم بحب على نبرتها وحنيتها نحوه التي لا تناسب شخصيتها وسنها ولكن من له على الحب سلطان .
تنهد يجيبها بتوبيخٍ محبب :
– فيه بنت كتب كتابها بعد كام يوم تنام لحد دلوقتي ؟ ، عامةً أنا كنت طالع اشتري شوية حاجات وبمَ إن النهاردة أجازة قلت اسألك لو حابة تيجي معايا بس خلاص خليكي نايمة وأنا هروح لوحدي .
قفزت في حركة بهلوانية من فوق فراشها لتكن في لمح البصر داخل الحمام قائلة بنبرة محذرة وعيون متسعة يتلألأ فيها الحماس :
– أوعى تتحرك من مكانك خطوة واحدة يا عمر ، دقيقتين وهكون عندك ، بس هتفطرني لإني جعانة .
هز رأسه مستغفرًا بابتسامة بعدما توغلته السكينة وقال ليثير حنقها :
– في حد يجوع أول ما يقوم من النوم ؟
– أيوة فيه ، أنا .
قالتها بتبرم لذيذ ثم أغلقت الهاتف وأسرعت تستعد للذهاب معه .
❈-❈-❈
توقفت سيارة صقر أمام فيلا حسن حيث العنوان المنشود .
كان حسن يقف متأهبًا في استقبالهما منتظرًا بلهفة رؤية ابنة شقيقه التي طال انتظارها .
لمحته نارة ولكن ملامحه باتت بعيدة عنها وبرغم هذا البعد إلا أن قلبها بات ينبض بعنفوان مطالبًا إياها بالترجل والتقدم منه والتعرف عليه عن قرب .
ترجل صقر أولاً ثم التفت يفتح بابها ويمد يده لها ليبث داخلها كل ما تحتاجه من دعم وبالفعل ناولته يدها وترجلت تجاوره وتحركا معًا صوْب حسن الواقف تجاوره زوجته وابنه يوسف .
وصلا إليهما ليبادر حسن سريعًا بنبرة تتساقط من ينابيعها الفرحة قائلًا والابتسامة تشع من وجهه :
– أهلًا بالغالية بنت الغالي ، أهلًا وسهلًا نورتوا المكان .
كانت عيناه وملامحه تعبر عن حالته لهذا لم تحتَج لوسيط كي تشعر بالراحة نحو هذا الرجل ، نعم هناك شعورًا متناقضًا يتوغلها ربما الرهبة ومعها القليل من الراحة ولكن هذا الرجل هو أول من ارتاح قلبها له هنا وهي دومًا تثق في حدثها .
سلم حسن على صقر بودٍ وترحاب وكذلك يوسف الذي انتهى من سلامه ثم اتجه يسلم على ابنة عمه التي بدورها مدت يدها تبادله الترحاب وعلى ثغرها تشكلت ابتسامة ناعمة جعلت قلب عاشقها يئن ويشتعل ولولا العشق والخاطر لكان يوسف ملقيًا أرضًا هو وذراعه وعيناه .
ويبدو أن القلوب ترسل شفراتٍ يصعب حلها لذا فقد شعرت نارة بتصلب صقر فابتعدت والتزمت الجدية وأسرعت ترحب بزوجة عمها ذات الوجه البشوش الضاحك التي لم تكتفِ بمد يد نارة لها بل أسرعت تطوقها بذراعيها في عناق دافيء تعبر به عن سعادتها برؤية ابنة هذه العائلة صاحبة الملامح الناعمة اللطيفة .
شعرت نارة بتوترها يتلاشى ورهبتها بدأت بحزم أمتعتها لترحل بينما تحدث يوسف بصوتٍ رخيم مرحبًا :
– اتفضلوا ادخلوا نورتونا .
أسرع حسن يفسح لهما المجال والفرحة تجعله يشبه طفلًا سعيدًا متحمسًا لقضاء الكثير والكثير من الوقت مع ابنة أخاه .
دلفوا جميعهم وجلسوا لينهال وابلًا أشد من كلمات الترحاب والسرور بينما أتت حنان من الأعلى تركض حتى توقفت تتحمحم بحرج حينما لاحظت وجود صقر لذا تحدثت بنبرة راقية :
– السلام عليكم .
ردوا السلام بينما هي اتجهت تقف أمام نارة وتبتسم معرفة عن نفسها بأسلوبٍ محبب مرح وهي تفتح ذراعيها :
– أنا حنان بنت عمك ، هاتي حضن بقى .
ابتسمت لها نارة ووقفت تبادلها عناقًا جديدًا يملؤهُ الود ثم ابتعدت تردف بنبرة متحضرة :
– أهلًا يا حنان ، مبسوطة إني شوفتك .
ابتسمت لها حنان وتحدثت مبادلة :
– وأنا كمان مبسوطة جدًا .
اتجهت حنان ترحب ب صقر ثم جلست تجاور والدها بينما تحدثت نارة بعدما استمدت من استقبالهم الراحة :
– أنا كنت قلقانة من المقابلة دي ، بس حقيقي استقبالكم فرحني جدًا ، يعني بجد كإني مش أول مرة أشوفكوا .
أومأ حسن وتحدث بحنان صادق :
– فعلًا يابنتي وده إحساسي أنا كمان ، يا بنت الغالي يا غالية ، طمنيني عنك عاملة إيه ؟ .
أومأت له بابتسامة راقية تردف باختصار :
– الحمدلله .
ثم نظرت تلقائيًا نحو يوسف وتحدثت متسائلة :
– أومال فين باقي العيلة ؟
تحدث يوسف وهو ينظر في ساعته حيث تأخر عماه عن الموعد لذا زفر وتحدث بنبرة لينة تخفي ضيقًا :
– زمانهم على وصول ، هما مش بعيد ساكنين قريب جدًا .
أومأت متفهمة بينما لم يستطع صقر منع نفسه من قول ما يجول في عقله :
– هما دايمًا متأخرين .
لم يعلق حسن فهو يشعر بالخزي منهما بالأساس بينما ابتسم يوسف وتحدث بمرح ليغلف الأجواء المشحونة بالتوتر :
– أستاذ محمد أوعى يكون حكمك مسبق كدة دايمًا ؟ .
– بيقولوا الكتاب بيبان من عنوانه .
هكذا نطقها صقر بشموخ حيث شعر بالضيق من هذان الشقيقان فكيف لهما أن يتأخرا على موعد تم تحديده مسبقًا ، كيف سيقنعاه بعد ذلك بحبهما لابنة أخيهما ؟ .
تحدثت زوجة حسن وهي تنهض قائلة بتبسم وحنو وفرحة :
– هروح أحضر الغدا عقبال ما سمير ورضا ييجوا .
تحركت تغادر المجلس قبل أن تسمح لهما بالاعتراض وتبعتها حنان وبدأ حسن في حديثه كي يشغلهما إلى أن يأتي شقيقاه .
❈-❈-❈
في طريقهما إلى مطعم معتاد كي يتناولا وجبة قبل البدء في التسوق ، كانت ثرثارة بالقدر الذي جعل أذناه لم تعد تستوعب حديثها ولكنه يستمع لها مجبرًا بحب ، باتت تشبه طفلة تخبر والدها الغالي بتفاصيل ما يحدث معها .
وللحق فهو يتقن دور الأب المطيع المتأني في علاقته معها .
ما إن انتهت حتى نظرت إليه كأنها تستجوبه وقد بدأت تدوي صافرة الإنذار في رأسها قائلة بعيون ضيقة :
– عمر إنت سامعني ؟
– طبعًا يا حبيبتي .
هكذا أجابها وهو ينعطف يسارًا من شارعٍ فرعي لتسأله سؤالًا مصيريًا بانتباه شديد :
– طب أنا كنت بقول إيه ؟
ضحك ولف نظره لها وهو يقود قائلًا بنظرة ثقة ثابتة وهو يتمنى إثارة حنقها ولكنه قرر إرضاؤها :
– إن المطبخ يكون لونه بينك وندور على كڤرات للأجهزة تكون شكلها لذيذ .
– شاطر .
هكذا ردت مبتسمة برضا عليه فعاد ينظر أمامه ولكنه تفاجأ بسيارة تأتي مسرعةً من خلفه وتسبقه لتقف أمام سيارته تعيق حركة سيرها .
كانت حركة سريعة لم يستوعبها عمر الذي توقف وقوفًا مفاجئًا مما أحدث صوتًا مدويًا في الأسفلت لذا صرخت مايا بصدمة وهي تستند بكفيها على تابلون السيارة قبل أن ترتطم به أما هو فنظر لهذين الاثنين اللذان يطالعانه بعيون تقطر شرًا واضحًا .
أدرك بفطنة ماذا يريد هذان الاثنان ، نظر خلفه فلم يجد أحدًا وسيارة الحرس لم تتتبعهما اليوم ، زفر بقوة وهو يعود يطالع هذان اللذان بدآ يستعدان للترجل لذا انحنى يلتقط من أسفل مقعده عتلة خاصة بتغيير العجلات وفتح باب السيارة يستعد للترجل وهو يقول بتحذير صائب وعينه مكنبة على مايا :
– أقفلي ورايا وأوعي تنزلي من العربية وكلمي صقر .
ترجل يطالعهما وهما يترجلان وفي يد كلٍ منهما عصا غليظة فابتسم بتهكم وتحدث بعلو وهو يواجههما :
– خير يا شباب ؟ ، إنتوا تبع مين ؟
تحدث أحدهما باستهزاء وهو يطالعه بنظرات حقدٍ واضحة :
– واضح إنك عيل *** ومشاكلك كتير .
– عيل !
رددها عمر ساخرًا وهو يطالعهما ويدرس في عقله الحركات التي تعلمها أثناء عمله في صالة الرياضة ، دراسة سريعة مرت على عقله ليتفادى هجماتهما ويخرج من هذا الشجار بأقل الخسائر ومع ذلك ظل يردد ذكر الله على لسانه وهو يراهما يأتيان وقد بدأ أولهما في الهجوم وهو يوجه ضربة مباشرة إليه تفادها عمر وانتبه سريعًا للآخر الذي كاد يصيبه في رأسه ولكنه صدها بعتلته وأبعده عنه وبدأ الشجار بينهم .
ولأنه من غير العدل اثنان على واحد بدأت تتلفت يمينًا ويسارًا تبحث عن أحدهم وفي يدها الهاتف تحاول الوصول إلى صقر دون جدوى لذا فهي لم تلتزم بوصيته وفتحت الباب وترجلت بقلبٍ سبقها تبحث بغير هدى عن أداة لتدافع بها عن حبيبها فلم تجد سوى بعض الأحجار ملقية جانبًا فأسرعت إليها تنحني وتلتقطها سريعًا ثم بدأت برميها واحدًا تلو الآخر عليهما مباشرةً حتى أنها أصابت إحداهما في رأسه فتملكتها جرأة وباتت تسبهما بألفاظ طفولية ونبرة حادة وعمر يجابههما واستطاعت مساعدته في انشغال الآخر بتفاديها واستطاع عمر أيضًا توجيه ضربات قاسية للأول حتى خر أرضًا متألمًا وذهب للآخر الذي كاد يقترب من مايا التي تلبستها روح العشق الجريئة وهي ترميه بالحجارة وتسبه تكرارًا وأجهز عليه عمر في ضربة على رأسه جعلته يترنح ويسقط بجوار زميله متألمان ، لم يكونا قويان بالقدر الكافي كما ظنهما فعلى ما يبدو أن سمير العدلي ذاك لا يصلح لاختيار رجاله كما لا يصلح لتربية أبنائه .
نظر لهما عمر نظرة غضب وانحنى يقبض على تلابيب الأول وتساءل بقسوة :
– مين اللي باعتكوا يالا ؟
كان شبه متأكدًا من المرسل ولكنه أراد دليلًا وهذا ما تفوه به الرجل حينما قال وهو يئن متمسكًا برأسه وضلعه :
– سمير العدلي .
نفضه عمر وجر مايا نحو السيارة وركباها سريعًا وانطلق هو يقود للخلف قليلًا ليتجاوزهما ثم مر منطلقًا في طريقه وقد بدى عليه التعصب والصمت فنظرت له مايا بتفحص لتطمئن عليه فوجدت كدمة أصابت أنفه وفمه فتحدثت بحنو وذعر :
– عمر إنت اتعورت .
– أنا مش قلتلك ماتنزليش ؟
نطقها بحدة أفزعتها وأجفلت لثوانٍ تطالعه ثم تحدثت باندفاع :
– يعني كنت عايزني أسيبك تواجههم لوحدك ؟ ، وصقر موبايله مش بيجمع كنت هعمل إيه يعني ؟
– ماتنزليش بردو وملكيش دعوة ، افرضي كان قربلك الكلب ده .
أدركت أن حدته خوفًا عليها لذا هدأت نبرتها وتحدثت بتروٍ جديد عليها :
– خلاص يا عمر حقك عليا ، بس ماتنكرش إني ساعدتك .
تنفس بقوة كي يهدء من حدته وهو يمسح بكفه عن أنفه المكدوم ثم طالعها بعيون دارت على ملامحها فوجدتها تبتسم متباهية بمَ أنجزته وبمهارتها القتالية لذا لف وجهه فهذا ليس الوقت المناسب للمرح وتحدث بهدوءٍ نسبي :
– حاولي تكلمي صقر تاني .
بالفعل التقطت هاتفها وحاولت الاتصال بـ صقر مجددًا ولكن هاتفه كان خارج نطاق التغطية .
❈-❈-❈
في تلك الأثناء كان صقر ونارة يستقبلان سمير ورضا .
دخلا يلقيان السلام ويوزعان طاقة سلبية في المكان بمجرد حضورهما .
وعلى عكس حسن لم تشعر نارة بالراحة لرؤيتهما ولا لنظراتهما نحوها ، وكأن هناك ثقلًا أطبق على صدرها فجأة ولكنها تحاول تجاوز هذا الشعور .
امتدت يداها لزوجها الذي قبض على يدها بينما وقف أمامهما سمير الذي رحب أولًا بصقر والآخر قابل ترحيبه بثبات وعيون صقرية خاصته يتفحص ملامح هذا الرجل .
ثم التفت إلى نارة يطالعها بنظراته ، داخله يستهزء بابنة الكافرة كما ينعتها ، لولا مصلحته لطردها فهذه آخر ما ينقصه ولكنه تحامل ليحصل على مبتغاه ونطق بمَ لا يعكس داخله قائلًا بودٍ زائف وتبسم مكلف :
– أهلًا وسهلًا يابنتي ، شبه أبوكي الله يرحمه بالمللي .
أومأت له برهبة تملكتها فحرر يدها وابتعد وجاء دور عمها رضا الذي يشبه أخاه في الشكل والقبول .
جلسوا مجددًا وبدأ سمير يتحدث بطريقته العنجهية الكاذبة ويوجه الأسئلة إلى صقر الذي أدرك جيدًا شخصية هذا الرجل .
كانت الأجواء متوترة خاصة لدى حسن ويوسف ونارة التي تعجبت من تجاهل سمير ورضا لها برغم أنهما من أرادا رؤيتها لذا لم تتردد بالنطق المفاجيء في قول :
– فيه سؤال عايزة أعرف إجابته .
تنبهوا لها جميعهم وركز سمير في السؤال المتوقع الذي بدأ يزين إجابته ككعكة عيد ميلاد فتابعت هي ونظراتها مثبتة عليه :
– ليه ودتوني ملجأ ؟ ، ليه محاولتوش تاخدوني تربوني هنا وسطكم ؟
ربما بعد رؤية هذان باتت تحمد ربها أنها لم تنشأ وتكبر وسطهم ولكن كان عليها أن تسأل وتتأكد من جوابهما .
نكس حسن رأسه أرضًا بخجل فإجابته ستؤلمها بينما ترك رضا تلك المهمة لشقيقه الذي فرد كتفيه بتعالي في جلسة ثقة وهو يجيب بكذب مزين :
– غصب عننا يا بنتي ، جدك الله يرحمه هو اللي أخد القرار ده غصب عننا كلنا وحاولنا معاه كتير حتى اسألي عمك حسن .
قالها وهو ينظر نحو حسن الذي التزم الصمت فعاد يتابع قبل أن تنتبه :
– جدك كان زعلان من أبوكي علشان اتجوز واحدة أجنبية مش مننا ولا من ملتنا .
أطلق سهم الحزن نحو قلبها فالتمعت عيناها بالدموع وهي تتساءل بنظرة مشتتة خاصة بعدما علمت بعض المعلومات من السيدة لبنى :
– أمي مش مسلمة ؟
تلك الجملة آلمت أعماق صقر دون أن تنتبه ولكنه يظهر ثباته بينما أسرع حسن يصحح قائلًا بحنو :
– لا يابنتي ، اللي عرفناه إنها أسلمت بس جدك كان غلطان وكلنا غلطنا ودلوقتي نتمنى تسامحينا .
نطقها بانكسار فطالعه سمير بغيظ وكذلك رضا الذي تحدث بعد صمتٍ طال :
– مالوش لزوم نرجع لورا ، إحنا نبدأ صفحة جديدة واللي فات مات ، وبعدين إحنا بقالنا فترة بندور عليكي بعد موت جدك بس ماعرفناش نوصلك .
أسبلت رأسها توميء بهدوء بينما داخلها لم يهتدِ بعد ، ظنت أن رؤيتهم ستسعدها ولكن إن بعد الظن إثم وهذان آثمان بالقدر الذي يجعلها لا تصدق حديثهما
تحدث صقر بثبات ينافي غضبه الداخلي :
– طيب ممكن تقوللنا ليه رجعتوا تدوروا عليها تاني بعد السنين دي ؟ .
أدرك حسن مقصده لذا أجابه دون مراوغة :
– عندنا حق ليها لازم تاخده ، ورث أبوها .
أسرع سمير يداري حديث شقيقه بحديثٍ كاذب :
– وبنت أخونا ، حتى لو غلطنا زمان بسبب أبويا بس هي لحمنا ولازم ندور عليها .
تعمق صقر في نظراته الخبيثة وشبح ابتسامة ساخرة مرت على ملامحه التقطها سمير الذي توترت نظراته لذا عاد ينظر نحو نارة التي باتت تشعر بالضيق وقال بتخابث متعمد :
– جدك كان تاجر على قده وكان عايز ولاده حواليه بس أبوكي كان ليه خطط تانية بعيد عن تجارتنا علشان كدة سافر برا واتجوز ، وإحنا اللي كبرنا التجارة دي وتعبنا فيها ولما رجع وعرفنا على أمك ساعتها أبويا طرده وحلف علينا كلنا واخد عهد إننا مانكلموش ، بس حتى لو عدى سنين الدم عمره مابيبقى ميه .
كانت تطالعه وهو يبصق تلك الكلمات القاسية التي أطبقت على أنفاسها لذا نظرت حولها لثوانٍ ثم تحدثت :
– هو ممكن نقعد في الجنينة ؟
أومأ حسن مسرعًا فهو يشعر بها ونهض يرحب بالفكرة قائلًا :
– أيوة طبعًا يا حبيبتي البيت بيتك ، خلونا نتغدا برا في الجنينة وندخل نكمل كلامنا هنا .
نهض صقر يردف بنبرة صلدة :
– مالوش لزوم الغدا ، لو ممكن نشرب قهوة برا ونتكلم في تفاصيل ورث نارة يبقى تمام .
تلك الجملة لم تعجب سمير أو رضا ولكنهما ابتلعاها مرغمين وتحركوا جميعهم للخارج بعدما رضخ حسن لرغبة صقر الثابتة برغم محاولاته .
❈-❈-❈
منذ أن دلف فيلته وهو يجلس في ظُلمة وظلام على مقعده الذي كاد يحترق من حرارة جسده الغاضب ، كلما لملم سعادته بصعوبة عادت وانسكبت مجددًا .
مال هذه الدنيا لا تتوافق مع ما يريده ؟ ، حتى تلك التي ظن أن كل سبل النجاة تؤدي إليها تعلمت القسوة ؟
عن أي قسوة يتحدث وهي تجلس في غرفتها تبكي منذ أن غادر .
تعلم أن معها كل الحق ولكن قلبها لا يتقبل فكرة خصامه خاصة وهي رأت في عينيه الخذلان حينما وضعت أمامه شرط فسخ العقد إن لم يتنازل .
يخبرها قلبها متحدثًا أنه كان هناك عدة طرق أخرى للضغط عليه ، ليعنفها عقلها وينطق داخلها موبخًا ( وهل ستأنب نفسك من البداية أيها القلب الواهي ؟ ، كيف ستروضه إذًا إن بت هكذا ضعيفًا ؟ )
برغم استجابة القلب للعقل إلا أنه يجد عدة مببرات يدافع بها عن عشقه وهو يخبره ( ولكنه وحيدًا ليس له غيري ، لقد فقد جميع عائلته وهو يحبني بصدق ، أنا لا أريده أن يظن أنني بسهولة سأتخلى عنه )
ضحك العقل ساخرًا وأردف بتوبيخ داخلي ( وهل تظن أنه غبي مثلك ، إنه خبيث ويقرأ عناوينك قبل أن تكتبها ، لذا اصمت تمامًا أيها المتقلب ودعني أحل الأمر ) .
هكذا انتهى الحديث داخلها بعدما أقنعت نفسها بأنها لم تخطيء وأنه يجب عليه إثبات حبه .
رنين هاتفها أنبهها باتصالٍ من ابنة خالتها فتعجبت وكفكفت فائض قطراتها تجيب :
– سلام عليكم ، أزيك يا رحمة .
أجابتها رحمة بود وترقب بعدما لاحظت تحشرج صوتها :
– وعليكم السلام ، أزيك يا خديجة ، إنتِ كنتِ نايمة ؟
تحمحمت خديجة تجيبها :
– لا لا صاحية ، فيه حاجة ؟
تحدثت رحمة موضحة :
– أيوة أنا لقيت إعلان عن سنتر طالب مترجمين لغات ، دخلت قدمت وقلت ابعتلك لأني عارفة إن كان نفسك في حاجة زي كدة بعيد عن وظايف الشركات ، لو كدة هبعتلك لينك الإعلان وادخلي تواصلي معاهم .
فكرت لثوانٍ بالفعل هذا ما تمنته وهو أن تصبح مترجمة لغة تستطيع تعلم من يرغب بذلك لذا تحدثت بود وقد استطاعت رحمة سرقتها من أفكارها :
– تمام يا رحمة ابعتي ، وأنا هتواصل معاهم واللي فيه الخير يقدمه ربنا .
– ونعم بالله ، خلاص هبعتلك حالًا وسلميلي على خالتو .
أغلقت معها وأرسلت لها كود الإعلان الذي تصفحته خديجة جيدًا وما إن اطمئنت حتى أرسلت لهم طلبًا مصحوبًا برقم هاتفها كما هو مطلوب .
❈-❈-❈
يجلسون في الحديقة يتحدثون عن أمور الميراث الخاصة بنارة والتي يترأسها سمير الذي يسعى للمراوغة والحصول على أهدافه لذا تساءل بمكر :
– طب انت يا محمد بيه رأيك إيه ؟ ، ولعلمك أنا نفسي من زمان اشتغل في مجال العربيات ، مش محتاج شركا معاك ؟ ، يعني واضح إن شغل العربيات ده كويس وبيكسب لو كدة ممكن نتشارك سوا وفلوس نارة تبقى في الحفظ والصون بردو ولا إنت شايف إيه ؟
كاد صقر أن يجيبه ولكن رنين هاتفه قاطعه لذا تحدث برتابة وهو يلتقطه :
– عفوًا .
وجده عمر ففتح الخط ونهض مبتعدًا قليلًا وعيناه منكبة على نارة بتفحص دقيق بينما تحدث مترقبًا :
– خير يا عمر ؟
تحمحم عمر بعدما توقف بسيارته جانبًا بالقرب من المطعم وتحدث :
– فيه اتنين طلعوا علينا وأنا ومايا خارجين بس ربنا ستر واتعاملت معاهم بس حبيت أعرفك إنهم تبع ـــــــــ .
– سمير العدلي .
نطقها صقر قبل أن ينطقها عمر بينما نظراته انكبت على سمير الذي يبتسم بحماس لقرب نجاح مخططه حيث يسعى للشراكة مع صقر بالجزء المنهوب من ورث نارة .
أومأ عمر وتحدث وهو يطالع مايا المستمعة بترقب :
– بالضبط ، سمير العدلي .
– تمام يا عمر ، هبعتلك عربية الحرس حالًا .
أغلق قبل أن يتلقى رداً من عمر وأسرع يهاتف رجاله فأجاب أحدهم باحترام :
– نعم يا محمد بيه ؟
نطق من بين أسنانه بغضب يبدع في إخفائه من ملامحه :
– إنتوا ليه مش ورا عربية مايا هانم ؟
تحدث الحارس موضحًا بتوترٍ :
– يا فندم النهاردة أجازة مايا هانم وإحنا ماجلناش خبر إنها هتطلع .
أغلق صقر في وجهه قبل أن يتفاقم غضبه ويصبه عليه لذا تحرك عائدًا نحو الجمع ثم تحدث وهو ينظر نحو سمير :
– أستاذ سمير ممكن كلمة .
ابتسم سمير بحماس وهو ينهض بينما ظهر التعجب على وجه نارة التي تتبعتهما بنظراتها وهما يبتعدان قليلًا .
تساءل سمير بابتسامة سمجة عريضة :
– اتفضل يا محمد بيه ؟ ، هنتكلم عن الشراكة!
انحنى صقر قليلًا نحوه وهمس بالقرب من أذنه بنبرة حادة تحمل تهديدًا خفيًا :
– مايا اللي بنتك ضايقتها في الجامعة تبقى أخت نارة ، وعمر اللي إنت باعت كلابك وراه يضربوه يبقى خطيبها ونارة ومايا وعمر يهموني واللي يزعجهم هيتعامل معايا أنا ، واضح يا أستاذ سمير ؟
تشبح وجهه بالذعر والتوتر وهو يردد مصدومًا بتشتت :
– أخت نارة ؟ ، إزااااي ؟
عاد ينحني قليلًا نحوه ويردف بهمس عنيف :
– بنت العيلة اللي اتبنت بنت أخوك وربتها أحسن مليون مرة من لو كانت اتربت مع واحد زيك .
ابتعد وتركه في ذهوله وتحرك عائدًا نحو نارة يردف بثبات :
– يالا يا نارة لازم نمشي حالًا .
نهض حسن ويوسف متعجبان وتحدث حسن بلطفٍ وهو يطالع ابنة شقيقه :
– لسة بدري يا محمد بيه .
نظر له صقر بملامح حادة وتحدث بجمود :
– الجايات أكتر ، يالا يانارة .
نهضت نارة متعجبة ولكنها غادرت معه بعدما ودعت عائلتها على أمل عودة اللقاء بينهم أما سمير فوقف يتتبع أثرهما بصدمة ألجمته وقد أدرك أن خصمه لا يستهان به ولكنه قرر اللعب معه بتعالي يغذيه الطمعذ .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
لم يتزحزح من فيلته ، لم تطأ قدمه الحديقة حتى .
ربمَا يذهب ليلًا إلى المسبح في الجهة الخلفية ليطفيء داخله لهيب شوقه لها .
منذ عدة أيام لم يرها ، لم يسمع صوتها ، لا هو حاول ولا هي حاولت .
صمتًا تامًا من كلاهما كأنهما لم يتعرفا أبدًا ، أيامًا يفكر في طلبها أو طلباتها .
إحداهما هينٌ والآخر عسير بل شبه مستحيل ، كيف يمكنه التخلي عن كل تلك الأموال التي تضمن له العيش برخاء وثراء مدى الحياة وليس فقط له بل لها ولأطفاله الذين سيأتون منها .
كيف تفكر هذه وعن أي دمٍ تتحدث ، ماذا عن دمائه التي تتأجج دومًا ، إلى الآن لا يستوعب رغبتها بالرغم من أن هذا كان طلب صقر أيضًا ولكنها صدمته حقًا .
لا أحد يعلم عنه شيء ، حتى صقر لا يعلم كيف مرت طفولته قبل أن يصبحا صديقان .
لقد خيرته بينها وبين تلك الأموال ولم تراعِ رغبته ، لقد عانى من التخلي باستمرار .
ولكن ، ربمَا خيارها كان نوعًا من أنواع الضغط عليه لذا ابتعد كل تلك الأيام .
تلوى فيها على صفيحٍ ساخنٍ دونها ، نعم بالفعل استطاعت الضغط عليه بل استطاعت دهسه وكتم مشاعره داخله ، امتنع عن الخروج حتى لا يراها برغم توسل عيناه وقلبه لرؤيتها .
عاش تلك الأيام على ذكرى عناقها الأخير وهو يبتسم ساخرًا من نفسه ومن حالته بعدما كان يتعالى على هؤلاء اللواتي تتهافتن عليه أصبح ذليلًا لعشقها يعيش فقط على ذكرى عناق ! .
لذا فهو سيتنازل ، بعد تفكير طال أمده سيتنازل عن جزء من ثروته ، سيتنازل عن الجزء الأسود منها وسيترك لنفسه الجزء الرمادي ليعيش كما يريد ولينتشل من الحياة ما حُرم منه ، لو كان الأمر بيده لدفع كل تلك الأموال في الانتقام من ميشيل موراكو فموته لم يشفِ غليله بعد .
أجرى عدة اتصالات ليحل تلك المسألة وليريها إثباتاته ، نعم سيحتال قليلًا ليقنعها ولكنه أمرًا مباحًا ، يكفيها أنه رضخ لرغبتها أو هكذا سيدعي .
ها هو يقف أمام مرآة الزينة يستعد ليخرج أخيرًا ينوي الذهاب إلى صقر فهناك الكثير ليتحدثا فيه خاصةً وأن الآخر ترك له حرية القرار بعدما علم ما به .
تناول زجاجة عطره ونثر منها القليل ثم ابتسم لهيئته في المرآة يردف بنبرة متوعدة ليثبت هذا في رأسه قائلًا :
– هيا ماركو ، افعلها لأجلها ، افعلها لأجل الحصول عليها .
زفر ووضع عطره ثم تحرك يغادر الغرفة ومنها إلى الأسفل ينتشل هاتفه ليهاتف صقر وهو يفتح باب الفيلا يخرج منها .
تحدث صقر بترقب متسائلًا بثبات يخفي فضوله لمعرفة قراره :
– أين أنت ؟
تحدث خالد وهو يستقل سيارته :
– في طريقي إليك .
زفر صقر ونظر إلى نارة التي تجلس أمامه قائلًا :
– في انتظارك .
أغلق خالد معه وتحرك يقود سيارته متجهًا إلى فيلا صقر ، مر من أمام فيلتها كأنه لم يرها ، هكذا ادعى بثبات يحسد عليه برغم قلبه الذي هوى حينما أحس أنها تراقبه .
وكان إحساسًا ثاقباً في محله حيث بالفعل كانت تقف كعادتها مؤخرًا تنظر من نافذتها علها تراه ، لم تكن قاسية القلب والمشاعر مثله .
اعتقدت أن لحبها قوةً ستجعله يرضخ لطلبها في اليوم الثاني ولكنه خذلها .
أياماً تبكي كل ليلة وفقدت شهيتها مجددًا والتزمت المنزل بعدما أثبت لها أن حبه لم يكن قويًا كفاية .
باتت تخجل حتى من النظر إلى والدها بعدما راهنت على حبه ومع ذلك تراقبه ، تسترق النظر إليه خاصة وهي على يقين أنه لم يبرح الفيلا .
ربما يتملكها بعض القلق مع الحنين مع الشوق ولكن أبدًا لن تتنازل .
ربمَا صمته هذا سلاحًا ذو حدين كما أخبرها والدها أمس ، والدها الذي لأول مرة تجده منصفًا له .
حينما أخبرها أمس أن اختفاؤه هكذا يعني تفكيرًا استهلك طاقته ، حينما أخبرها أن أمره ليس هينًا فهو جاء من عالمٍ مختلفٍ تمامًا وعليها استخدام كل وسائل الهدنة معه دون أن تتنازل .
اتخذت نصيحة والدها درعًا كي تحتمي بها من هجوم أفكارها وتركت أمره لحين إشعارٍ آخر
والآن فها هي تقف لربما رأته وهذا ما حدث بالفعل وأخيرًا رأته لذا فدموعها تهطل بلا توقف ، لقد مر من أمامها كأن لا شيئًا يربطه بها .
مر كريحٍ صرصرٍ عاتية اقتلعت في طريقها قلبها العاشق فتركتها تقف خاوية هشة يأكلها الحنين والشوق والصدمة والآن ليتها تعلم أين هو ذاهب لتستريح من هذا الضغط والحزن الذي تعيشه منذ أيام .
❈-❈-❈
سمعت صوت سيارته فتنبهت لها بعد غياب طال أمده ولكن بالنسبة لها لم تعرف للراحة طعمًا سوى في هذه الأيام التي عاشتها من دونه .
رجفة مرت على جسدها فأشعرتها بالبرودة ورهبة أصابتها وهي تستعد وتنهض لاستقباله بالكثير من التوتر والخوف .
خرجت من غرفتها ثم تحركت نحو الدرج وهي ترى باب الفيلا يفتح وما إن وطأت قدمها لتنزل الدرج حتى تفاجأت به يدخل وتجاوره تلك المدعوة جيجي بل تلتصق به ويده تلتف حول خصرها .
ضيقت عيناها تطالعه بتعجب وبدأت تنزل الدرج ببطء لترى ماذا تفعل هذه هنا .
وصلت إليهما وباتت تطالعهما بتفحص ، أما هو فكانت نظراته مصوبة نحوها يتمنى أن يلمح في عينيها ولو نظرة غضبٍ تعبر عن غيرتها .
كانت جيجي تطالعها بحقدٍ لم تستطع إخفاؤه ، هذه غريمتها بل سارقة حب حياتها فكيف تحبها ؟
ولكن تجاهلتها أميرة وببرودٍ لم تقصده قالت :
– خير ؟
تحدث عاطف وهو يبعد يده من فوق خصر چيچي ويتقدم منها قائلًا بعيون تجول فوق ملامحها كأنه اشتاق إليها :
– چيچي هتقعد معانا هنا كام يوم يا أميرة لإن شقتها فيها شوية تصليحات .
تعلم يقينًا أن هذه لعبة من ألاعيبه ولكن كيف ستتحمل وجود هذه معها عدة أيام وهي التي لا تطيق التواجد بمكان هي فيه لعدة ثواني ؟
زفرت ببعض الضيق الذي جعله يشعر بالانتعاش والنشوة ثم تحدثت بتوبيخ دون اكتراث لوجود چيچي التي لم تتأثر حتى :
– وماقعدتهاش ليه عند مامتك ؟ ، هتقعد معايا هنا إزاي ؟
رفع يده يزيح خصلاتها المتمردة كشخصيتها فنفضت رأسها من لمسته تبعدها عنه فزفر وأنزل يده يتحدث بنبرة ثلجية :
– كلها يومين تلاتة بس يا أميرة ، ميصحش الاستقبال ده لضيفة بردو .
تقدمت چيچي منه وتحدثت وهي تلتصق به عمدًا بفجور :
– على فكرة أنا قلت لـ طوفا بلاش آجي هنا وأروح أقعد في أي أوتيل بس هو صمم ، إنتِ عارفة إنه بيعزني جدًا .
لم تعطِها عناء النظر لها حتى بل نظرت له وتحدثت ساخرة باشمئزاز يصيبه في مقتل :
– طوفا ؟ ما جمع إلا ما وفق .
قالتها وتحركت عائدة لغرفتها في الأعلى وهي في حالة من الغليان الذي تسعى لاخفائه أمامهما ، تفور قهرًا على حالها ، تتأجج حزنًا على ما وصلت إليه حياتها .
أما هو فنظر إلى چيچي بمغزى وتحدث وهو يشير إلى غرفة ما :
– دي الأوضة اللي هتقعدي فيها ، ملكيش دعوة بأميرة في غيابي يا چيچي .
تجاهلت تحذيره وألصقت نفسها به أكثر تتساءل بهمس :
– طب إيه رأيك لو تيجي ترتاح جوة شوية وأهو يبقى جزء من الخطة ؟ .
أبعدها عنه يزفر بملل ثم قال :
– ريحي يا چيچي دلوقتي ولما أرجع هنتكلم .
زفرت بضيق وتحرك هو يلتفت ويغادر بعد أن قرر الاستمرار في خطته خاصة وقد لمح طوفان من الغضب مخبأً خلف جليد نظرتها وظنه الغيرة .
❈-❈-❈
في فيلا صقر
يجلسان في غرفة الاستقبال حينما زفر خالد وتحدث بترقب وبلغته الأم :
– لقد فكرت جيدًا ، سأتنازل عن ثروتي ، أو جزءًا منها ، سأحتفظ بالنقود التي جمعتها من شركاء شركة موراكو قبل تصفيتهم ، تلك النقود خاصة بتجارة السيارات وهي حقٌ لي ، والآن أريدك أن تخبرني أين يمكن أن أتبرع بهذه النقود .
تعمق صقر في عينيه وتساءل بشك :
– هل حقاً ستترك كل تلك الأموال ؟
زفر بنفاذ صبر قائلاً :
– هل جئت أمزح معك ؟ ، نعم سأتركها .
زفر صقر ومط شفتيه متعجباً ثم تساءل بترقب :
– كم عددها ؟
دس يده في جيبه يخرج هاتفه ثم فتحه وضغط عدة ضغطات ليظهر صورةٍ ما فعرضها عليه قائلاً :
– هذا التقرير بالحساب أرسله لي البنك أمس .
تناول صقر الهاتف ونظر لحساب خالد للحظات قبل أن يرفع عيناه إليه بحدة وهو يقول موبخاً :
– هل أنا غبي أمامك لأصدق أن هذا المبلغ هو إرثك يا أحمق ، أنت تتحايل خالد .
تحدث بغضب من بين أسنانه حتى لا تسمعهما نارة :
– أخفض صوتك لسنا في حفل زفاف ، هذا كل ما لدي وهذا ما سأتنازل عنه وأنت ستغلق فمك هذا ويكفي ما فعلته بي ، لولا تدخلك لكنا أنا وخديجة زوجين الآن ، لا تختبر صداقتنا صقر ، بدأت ثقتي فيك تهتز .
تعمق صقر في نظرته لثوانٍ مرت كدهر واستطاع فيه جمع أفكاره حيث قال بهدوء قاتل :
– حسنًا كما تريد ، ولكن تذكر حديثي جيدًا ، تلك الأموال ملعونة ، لن أخبر أحدًا بألاعيبك ولن أمنعك بعد الآن ، سأتركك للندم يأكلك مثلي .
باغته بنظرة غاضبة ولم يتأثر بهذا الحديث بل ابتسم وتزين وجهه بملامح باردة وهو يقول باستمتاع :
– هذا جيد ، والآن هيا سنرحل ، سنذهب لنجلب الأموال من البنك لنرى أين سنتبرع بها .
زفر صقر ونهض يردف بتجهم وهو ينظر في ساعة يده :
– حسنًا ، ولكن يجب أن أذهب إلى شركتي بعدها .
تطرف بذقنه يردف مقررًا :
– لا شركة لك اليوم ، كن صديقًا جيدًا ليومٍ واحدٍ أمامنا أمورًا كثيرة لنفعلها .
جاءت نارة من الداخل تحمل صينية بها فنجانين من القهوة واتجهت تقدمها إليهما فقال صقر بنبرة حبٍ خاصة بها وهو يعاود الجلوس :
– اجلسي جميلتي لأخبركِ أمرًا .
نظرت إلى ماركو بترقب ثم جلست جوار صقر تناظره متسائلة بالإيطالية :
– ماذا هناك ؟
تحدث بعد تنهيدة وهو ينظر إلى خالد ذو النظرات الثاقبة :
– خالد سيذهب ليتنازل عن تلك الأموال ، سنذهب سويًا وسنرى أين يمكننا التبرع بها ، فـ لتطمئني قلب خديجة .
– ليس لك شأنًا بقلب خديجة ، دعها لي سأطمئنها بنفسي ، والآن هيا أمامنا عدة أماكن سنذهب إليها .
كان هذا رده المتجهم حيث شعر بالاحتراق ما إن ذكر صقر قلب خديجة فنفخ الآخر بتجهم وتساءل بضيقٍ كاذب :
– إلى أين ستذهب أيضًا .
لم يبالِ بوجود نارة وتحدث باستفاضة :
– سنذهب إلى طبيبٍ جراحي ، من أجل الختان .
صدمة لثوانٍ يطالعه بغضب لذكره هذا أمام زوجته بينما أخفت نارة ملامحها بخجل .
نهض بعدها يردف بنظرة يشع منها التشفي :
– حسنًا فليكن اليوم لك كما تريد .
❈-❈-❈
مساءًا
في سيارة خالد التي يقودها صقر .
وبعد أن توقفا في فيلا الأول التفت له صقر يطالعه ويكتم ضحكاته متحدثًا بتخابث :
– هيا ترجل وادخل منزلك ودعني أذهب إلى زوجتي بسيارتك وسأرسلها لك غدًا .
كانت ملامح الألم والضيق مرتسمة على وجهه وهو يقول غاضبًا بنبرة مستفَزة من بين أسنانه :
– لن يحدث ما قاله هذا الطبيب ال**** ، عن أي شهر يتحدث تبقى فقط ثلاث أسابيع على زواجي ، لولا حالتي لكنت قطعت لسانه وهو ينطقها .
ابتسم صقر ثم تحدث بتشفي :
– هذا كي تتعلم التحكم في رغباتك ، أنا حقًا سعيد بأساليب تلك الفتاة معك ، استطاعت إخضاعك لأمورٍ لم تكن تمر على عقلي .
ضحك والتفت ينظر أمامه مسترسلًا ويده على المقود :
– هيا ترجل أم أنك لا تستطيع المشي ؟
كور خالد قبضته واندفع قاصدًا توجيه ضربة له في وجهه ولكن صقر مال قليلًا ليتفاداها فانفلتت قبضته وتسببت له في حركة زائدة عن المتوقعة أدت إلى تألمه لذا أطلق تآوه وهو يعض على شفتيه قائلًا بحدة وأنين :
– سأقتلك صقر .
ضحك الآخر عليه واعتدل يقول باستفزاز :
– حسنًا ولكن مؤكد ليس الآن ، هيا ترجل أم أنادي خديجة لتراك وأنت في هذه الحالة ؟
اعتصر خالد عيناه بقوة كي يصارع غضبه ولا ينقض عليه وليحدث ما يحدث ولكن جُل ما يقيده هو موعد زواجه لذا فزفر بقوة وفتح الباب يحاول الترجل بصعوبة وهو مع كل حركة يباغته الألم فبات يسب ويلعن بسبابٍ لاذع حتى نجح في النزول من السيارة وتحرك نحو باب الفيلا يفتحه ويدلف بحذرٍ شديد وصقر يجلس في السيارة يطالعه بترقب وتشفي غير مسبوق وعلى محياه ابتسامة واسعة .
❈-❈-❈
كانت في غرفتها حينما أخبرتها نارة بكل ما تعلمه لذا فهي الآن في قمم سعادتها .
لقد أثبت حبه ورضخ لطلباتها لذا فبات حنينها واشتياقها له ظاهرًا على ملامحها بعدما أخفته في قلبها لأيام حتى أوشك على الصراخ .
لا تعلم لمَ لا يهاتفها إلى الآن ولكن مؤكد الآن يتألم خاصةً وأن نارة أخبرتها منذ قليل أنه على وشك الوصول وبالفعل وقفت في شرفتها من خلف الحائط الزجاجي تنتظره إلى أن رأت سيارته يقودها صقر وهو يجاوره لذا زفرت براحة ودلفت غرفتها بسكينة عرفت طريقها إلى قلبها أخيرًا بعد أيامٍ مرت عليها كدهرٍ كامل جربت فيها أسوء أنواع الفكر والاشتياق خاصةً وأنها مستجدة على أمور العشق والعذاب .
جلست على طرف فراشها تفكر في أمره ، مؤكد الآن يعاني ويتألم وهو بمفرده داخل هذا البيت الواسع .
أخذها الحنين لمهاتفته ولكن تأبى أن تكون من يبدأ خاصةً بعد أن جربت خصومته القاسية ولكن قلبها يحثها على الاطمئنان عليه حتى لو كان الأمر مخجلًا فشرعًا هما زوجان وبعد أيامٍ قليلة ستصبح في بيته .
هكذا حفزها قلبها لذا فنظرت لهاتفها الموضوع جوارها وتناولته وشردت تقلب فيه وتتقلب بين أمرين ؛ تهاتفه أم لا .
❈-❈-❈
بصعوبة بالغة صعد الدرج ودلف غرفته وعلى الفور تحرك إلى فراشه يتسطح عليه مطلقًا زفرة قوية اقتربت من الصرخة لذا عاد يلعن صقر وبهجت وعائلته ويأتي عندها ويعجز قلبه ولسانه .
عادت تقتحم عقله الآن ، ويبدو أن عقله أراد الانشغال بها كي يتغاضى عن الألم قليلًا ، ملامحه منكمشة ولكنه يتخيلها .
ماذا سيحدث إن أتت الآن إليه وجاورته هنا على فراشه وظلت معه حتى يحين زفافهما ، لن يلمسها وسيبقى ملتزمًا حتى موعد الزفاف وهذا إجبار وليس خيار ولكن لتأتي وتنعش قلبه المتآكل لرؤيتها ، ألا يستحق هذا بعد كل ما فعله وبعد تنفيذه لرغباتها ؟
ألا يستحق هذا بعد الألم المضاعف الذي يعاني منه الآاااان .
تأوهًا صدر منه عندما حاول التملل ثم عاد يسب صقر وبهجت مجددًا دون المساس باسمها برغم أن هذا طلبها خالصًا حتى أن بهجت لا يعلم عنه شيئًا .
أصدر هاتفه صوت رسالة عبر الواتساب فامتدت يداه على الفور تنتشله متناسيًا آلامه لذا صرخ بحدة ومع ذلك فتح الهاتف وطالعه بنصف عين وملامح منكمشة ليرى من المرسل حيث دله قلبه أنها هي .
وبالفعل كانت رسالة منها روت ظمأه وأنعشت قلبه وغزى مسكنها جسده وهو يقرأها .
كلمتان فقط ولكن بالنسبة له كانتا أقوى أنواع المسكن حيث قالت ( إنت كويس )
ابتسم بتيه فها هي تكسر حاجز الخصومة وتبدأ بالصلح ولو كانت انتظرت قليلًا لكان فعلها ولكن تبقى هي صاحبة القلب الحنون في هذه العلاقة .
عند ذكر الخصومة عادت أحداث آخر لقاء بينهما تتقافز إلى عقله ، نظراتها وحديثها وفتورها معه عادا يقتحمان قلبه الملتاع شوقًا .
ليزفر بقوة وهو متمسك بالهاتف يطالع رسالتها بترقب بعدما عادت ملامحه لقساوتها .
على الجهة الأخرى كانت تنتظر إجابته خاصة وأنه قرأ رسالتها ولكن طال انتظارها لذا زفرت بغيظ وتركت الهاتف مفتوحًا كما هو على الفراش ووقفت تتجه إلى حمامها لتأخذ حمامًا يساعدها على الاسترخاء .
أما هو فيقبض على الهاتف يلوكه بين أصابعه ويفكر في رد مقتضب خاصةً وأفكاره تأخذه لتنفيذ عقوبة عليها حتى لا تكرر التعامل معه على ذاك النحو من الصلابة والجمود ! .
لذا بدأت يده تدون كلمتين فقط عبارة عن ( شكرًا لاهتمامكِ )
أرسلها وانتظر يسلط عيناه على الهاتف كأنه ينتظر نتيجة مصيرية .
ابتسم بغرور حينما وجدها قرأتها ولم تبتعد عن المحادثة وهذا يؤكد له أنها تنتظر رسالته من خلال مؤشر الصحين الأزرق .
والآن تبدلت الأدوار وبات ينتظر هو رسالة أخرى منها ولكن طال أمد انتظاره .
تبخر غروره بعد حوالي 10 ثوانٍ ووجد يده تدون ما في قلبه ( ولكني أتألم خديجة ، ليتكِ جواري )
ليتابع حينما وجدها مقروءة ( تعلمين هذا الطبيب الأحمق أخبرني أنه يجب أن أنتظر أكثر من شهرٍ حتى أتزوج ، ولكن اطمئني هذا لن يحدث سأستعمل أدوية مضاعفة حتى أتعافى )
ابتسم بشرود وقد تناسى ألمه ويتحرك للجهة اليمنى ولكن بمجرد أن حاول عاود يتآوه بحدة ويعود لمكانه وهو يستمر في سب صقر وبهجت ثم دوّن بحماس وجرأة ( لن أنتظر ساعة واحدة بعد زواجنا ، لو تعلمين كم أنا مشتاق لكل ما فيكِ )
كان يفسر عدم ردها بالخجل فهو بات يعلمها لذا ظل يكتب رسائله وتابع ( ألم تشتاقي لي خديجة طوال هذا الأسبوع يا خالية القلب ؟ )
كان سؤالاً ينتظر رده بترقب ولكن لا رد أتاه يثلج قلبه حتى برغم ظهور علامة قراءتها لرسائله لذا انتابه الضيق الذي جعل ألمه ينهش فيه ودوّن مجددًا بأصابع غاضبة ( قولي شيئًا )
لم تجبه أيضًا لذا كور قبضته بغيظ وغضب ثم قام بحذف الرسائل جميعها في خيار ( حذف لدى الجميع )
وزفر بحنق وألم وألقى الهاتف بإهمال على الفراش ثم نظر لسقف الغرفة بضيق يعتلي صدره ويزيد من حدة ألمه .
❈-❈-❈
بعد دقائق خرجت من حمامها ترتدي منامة أخرى وتلف حول خصلاتها منشفة ثم نظرت للهاتف الذي تم إغلاقه تلقائيًا وتنهدت بضيق ثم اتجهت إليه تعاود فتحه لتتعجب من رسائل تم حذفها .
رفرف قلبها بحماس خاصة وأن تطبيق الواتساب الخاص بها لا يمحو الرسائل المحذوفة من الطرف الآخر بل يظهرها وها هي تقرأها بوجهٍ متورد وقلبٍ يشبه طفلًا حصل على لعبةٍ تمناها وباتت تعض على شفتيها خجلاً وتقلب عقلها بين أمرين الرد أو التجاهل
وأخيرًا دونت جملةً لو تعلم وقعها على قلبه وعقله وجسده الآن لما كتبتها
( اشتقت لك كثيرًا ) .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى