روايات

رواية هالة والأدهم الفصل الثالث عشر 13 بقلم هدى زايد

رواية هالة والأدهم الفصل الثالث عشر 13 بقلم هدى زايد

رواية هالة والأدهم الجزء الثالث عشر

رواية هالة والأدهم البارت الثالث عشر

رواية هالة والأدهم الحلقة الثالثة عشر

❤ الخاتـــمة ❤
سحب إبراهيم نفسًا من لفافة التبغ ثم نظر له و قال:
– إن شاء الله من غير مقاطعة زي النهاردا السنة الجاية
إمتى احنا متفقناش على كدا يا هيما !!
قالتها ليالي وهي تضع أطباق الحلوى، جلست حذاء أخيها الذي نظر لها وقال:
-جوزك بيحاول يستفزني ها؟!
– معلش يا حبيبي دلوقتي هايعرف غلطه
بعد مناواشات عديدة أدت أخيرًا لتحديد عقد القران بعد مرور أسبوع من الآن، كانت هذه المدة المحددة لتحضير كل شئ يخص هالة
على الرغم من قصر المدة إلا إنها لم تعترض أمام إبراهيم بناءً على تعليمات أدهم الذي كاد أن يبكي من فرط توسله له .
********
بعد مرور أسبوع
جلست هالة على المقعد المجاور لمقعد أدهم، بينما كان هو يضع كفه في باطن كف اخيها، يردد الكلمات خلف القاضي الشرعي، و الإبتسامة لا تفارق شفتاه، انتهَ أخيرًا و ردد الجميع في آنٍ واحد.
– بارك الله لكما و بارك عليكما و جمعا بينكما في خير .
سقطت دموعها إثر فرحتها و خوفها الشديد في ذلت الوقت، وقف أدهم و معه هالة ضمها في لهفة و حب، نظر إبراهيم لزوجته و قال باستفسار:
-ألا إيه حضن كتب الكتاب دا يا ختي مكنش على أيامنا ؟!
ردت ليالي و قالت بنبرة مغتاظة منه:
– لا كان موجود يا حبيبي بس أنت اللي كنت مستعجل في كل حاجة و ضيعت عليا أحلى أيامي
غمز بطرف عينه و قال بإبتسامة:
-خلاص هنعملوا دلوقت
-لا خلاص بعد إيه ؟! هي الحاجة بتيجي قبل و بعد
-ياستي المهم تيجي
-لا شكرًا مش عاوزاها
-وترجعي تقولي أنا مش نكدية و إن أنا اللي نكدي اهو خليكي فاكرة !!!
وقف أدهم يتراقص مع هالة وسط القاعة، في أضواء خافتة، لكز إبراهيم حبيبته الهائمة في هذا المشهد الرومانسي و قال:
– ما تيجي تتضمني و ننسى الدنيا زيهم
مالت ليالي برأسها على كتفه و الإبتسامة تزين ثغرها لثم جبهتها و هو يمسد على ظهرها بحنانٍ بالغ احتوى حزنها في لحظة هادئة، رغم أن هذه المرة مرتها الثانية في الحمل إلا إنها أكثر عصبية و غضب يحاول قدر المستطاع تفهم هرموناتها تلك
و لكن على ما يبدو أنه لن يفهمها مهما حدث .
******
بعد مرور ستة أشهر كاملة
لم يحدث شيئًا جديدًا يذكر سوى قلق هالة الذي يتزايد داخلها و تحاول إخفائه بسبب تأخر حملها
بينما كان أدهم يرَ أن الأمور تمر بشكلٍ طبيعي و أن لايوجد تأخر كما تتدعي، لا ينتهي الشاجر بينهما على أبسط الأسباب، و لكنها قررت أن تتوقف عن عصبيتها تلك في هذه الفترة تحديدًا، كان أدهم جالسًا جوارها يرتشف القهوة في صمتٍ تام، بينما نظرت هي له و قالت:
– هو عمك بيعمل معاك كدا ليه ؟ مش عاوزك تكبر و لا تبقى ناجح زيه ليه ؟!
– عشان عاوزني أفضل تحت طوعه من الآخر كدا كان رسمني إني جوز بنته
ضحكت بصوتٍ مسموع حتى انهمرت الدموع من عيناها و كأن القدر لا يريد أن يختبر غيرها، نظر لها أدهم ولا يعرف مالداعي لكل هذه السخافات التي تفعل وقت النقاش الذي يدور بينهما، وقفت عن مقعدها و قالت بجمود :
– طلقني يا أدهم
نظر لها نظراتٍ مغتاظة ثم قال بضيق:
– بس يا هالة بس ربنا يهديكي و بطلي جنان
– أدهم أنا مش مجنونة و بقلك طلقني
رد أدهم و قال بعصبية لا تقل عن عصبيتها شيئًا:
– ما هو لما تقولي طلقني و احنا لسه متجوزين مكملناش ست شهور يبقى جنان لما تفضلي تتضحكي زي الهبلة و أنا طالع عيني و مش عارف أحل مشكلتي ازاي يبقى جنان لما تدوسي على كل حاجة بيني و بينك عشان حضرتك عاوزة بس تطلقي يبقى دا عين الجنان يا هالة
غادر أدهم الشقة و هي تركض خلفه كي تلحق به و تجبره على المواجهة لكنه لم يمتثل لأوامرها تلك
و صفع الباب خلفه بقوةً، فتحته و قالت بوعيد
– ماشي يا أدهم و الله العظيم ما هاسيبك
صفعت الباب وجلست خلفه ضامة ساقيها أمام صدرها ظلت تبكي حتى كادت أن تفقد وعيها
مر اليوم و لم يأتي أدهم و لا تعرف أين هو، كانت حائرة لا تعرف ماذا تفعل تخبر أخيها أم لا فإن أخيرته سيقف بجانبه كما يفعل دائمًا
حاولت أن تصل إليه و لكن دون جدوى، ظلت
تجوب الردهة ذهابًا إيابًا و عيناها لا تبرح ساعة الحائطة لتجد أن الساعة تجاوزت الخامسة فجرًا و لم يأتي، و بعد مرور عشر دقائق تقريبًا أتى و هو لا يرَ أمامه مازال لم يتحدث معها تجاهلها متجاوزًا إياها، ولج المرحاض ثم خرج بعد أن اغتسل افترش بجسده على السرير، ارخى جفنيه وقبل أن يغط في نومًا عميق سألته بنبرة حادة قائلة:
– كنت فين يا بيه و راجع لي وش الفجر؟!و لا فاكرها وكالة من غير بواب ؟!
– هالة لمي الدور أنا تعبان و محتاج أنام
سألته بنبرة ساخرة و قالت:
-هو في دكتور محترم يقول لمي الدور ؟!
رد على سؤالها بسؤالًا بنبرة لا تقل عن نبرتها و قال:
– و هو في دكتورة عاقلة تتخانق مع جوزها وش الفجر ؟!
ولها ظهره و قال بهدوء وهو مازال مغمض العينين
-نامي وقول اللهم اغزيك يا شيطا.ن بدل ما هو راكب راسك كدا
لم تمتثل لأمره و ظلت جالسة حتى صباح اليوم التالي، كانت الساعة التاسعة صباحًا حين كان واقفًا ينظر لصورته المنعكسة في المرآة يصفف خصلات شعره بأنامله، بينما هي كانت تأكل أناملها من فرط الغيظ، نظر لها و قال بنبرة ساخرة:
– طب و بعدين هتفضلي كدا تأكلي في نفسك كتير ؟!
لم تعقب على سؤاله شاحت بوجهها بعيدًا عنه
بينما هو سار تجاهها جلس على جافة الفراش
و قال بنبرته الحانية:
-متزعليش مني امبارح كنت متعصب اوي مستقبلي كله كان على كف عفريت و اللي بنيته في سنين هايروح، و أنتِ بدل ما تطمنيني بتطلبي مني الطلاق بقى وحياتك دا كان وقته امبارح ؟!
داعب خديها و قال بإبتسامة واسعة:
– فين إبتسامة لولو القمر اللي بتنور يومي ؟!
ابتسمت رغمًا عنها لتقنعه بأنها مررت الموقف على خير، اليوم ستثبت لأخيه و للجميع أن أدهم خائن و الدليل الشقة التي يقضي فيها الثلاث ساعات الأخيرة من الليل يومًا.
بعد مرور ساعة تقريبًا
وصل أدهم إلى تلك البناية التي يتردد عليها بشكلٍ يومي، كانت جالسة في سيارة الأجرة
حين لوح بيده لحارس العقار الذي على ما يبدو أنه يعرفه جيدًا، دفعت النقود ثم ترجلت من السيارة متجهة نحو البناية انتظرت المصعد حتى توقف في الطابق السابع، ما هي إلا ثوانٍ و طلبت المصعد ولجته وضغطت على نفس الطابق الذي صعد فيه زوجها، نبضات قلبها تتسارع جميع شكوكها ستُصبح حقيقة الآن، الطابق مكون من شقة واحدة و هذا سهل عليها الأمر كثيرًا، قرعت الناقوس
بعنف حتى فتح لها أدهم و حاول رسم الدهشة و الذهول على وجهه، تمتم بجدية مصطنعة و قال:
– هـ ا هالة ؟! أنتِ عرفتي المكان دا ازاي؟!!
تجاوزته و هي تدفعه بعنف سارت مندفعة تجاه إحدى ادغرف بحثت في كل مكان و لم تجدها خرجت له مرة أخرى و قالت:
– هي فين ؟
سألها بنبرة متعجبة و قال:
– هي مين ؟!
أجابته بعصبية:
– مراتك التانية فين ؟!
رد أدهم بتفهم و قال:
– اه مش تقولي كدا من الاول يا شيخة خضتيني
سار تجاهها عانق أنامله بأناملها و قال:
– تعالي معايا و أنا اخليكم تتعرفوا على بعض
كادت أن تفلت يدها من يده لكنه قبض عليها بقوة حتى توقف عن أحدى الغرف دس يده في جيب بنطاله و قال:
– المفروض كنت عرفتك عليها من بدري وجبتك بس مشكلة وفرتي عليا حق الأجرة
دفعته في كتفه و قالت من بين أسنانها:
– و كمان ليك نفس تهزر ؟!
دفعها من خصرها و قال بنبرة ساخرة:
-اقرئي دا لو بتعرفي يعني يا دكتورة ؟!
نظرت للوحة معدنية كبيرة دون عليها اسم زوجها تمتمت بخفوت قائلة:
-الدكتور أدهم أحمد الشرقاوي أخصائي النسا والتوليد و استشاري المناظير
نظرت له و قالت بإبتسامة واسعة:
– دي عيادتك الجديدة يا حبيبي ؟!
أومأ لها برأسه و قال:
-هي صغيرة بس تكفي الغرض
– مبروك يا حبيـ….
ردت مقاطعة مبا كتها قائلة:
– بس و أنا أعرف منين إن دي عيادتك فعلًا مش شقتك الجديدة اللي هتتجوز فيها بنت عمك ؟!!
ردت أدهم بنبرة مغتاظة و قال:
-هو أنتِ مستخسرة فيا كلمة حبيبي هو أنا للدرجة مش واثقة فيا .
لم تعقب على سؤاله بينما هو حاوط ظهرها مسندًا بذقنه على كتفها و قال:
– طب أنا بقالي معاكي ست شهور في الست شهور دي عمرك شوفتيني ببص لواحدة غيرك ؟!
كادت أن ترد لكنه قاطعها قائلًا بسعادة:
– شفتِ اومال إيه بقى دا أنا حتى ملاك بجناحات
نظرت له وقالت بنبرة مغتاظة:
– إيه الثقة اللي أنت فيها دي منين ؟!
– منك يا روحي
– متبقاش تثق فيا تاني
ضحك علي حديثها و راح يقول بتذكر:
– قولي لي صحيح يا روحي هو إيه التخفي العظيم اللي عملتي دا ؟ يعني مش تخلي التاكسي يبعد إن شاء الله متر عشان ما شوفكيش ؟!
– أنت شوفتني ؟!
– دي مصر كلها شافتك ياروحي و الصراحة كنت ميت على روحي من الضحك على التخفي العظيم بتاعك
ضحكا الثنائي الجميل و ذابت الخلافات بينهما كالعادة كما أن عادت الحياة لمجرها الطبيعي
انشغل أدهم على مدار ستة أشهر كاملة في إثبات نفسه أمام امبراطوية عمه الذي كان يريده نسخة منه، ساعدته هالة في بناء مستقبله من جديد، على الرغم من فكرة العودة إلى المانيا مازالت مسيطرة عليه بشكلٍ كبير يا ليتها توافق.
*******
في مساء أحد الأيام
كانت واقفة مع أخيه في ردهة المشفى في انتظار مولده الثاني، كانت تشعر بالغثيان الشديد و ماهي إلا دقائق و بدأ سائل دافئ ينساب على فخذيها، جلست جوار والدتها و أخبرتها بخفوت فردت والدتها قائلة:
– لا متاخديش مسكن اصبري دلوقتس ننزل نشوف دكتورة
ردت هالة و قالت بحزنٍ دفين :
– على إيه يعني ياماما ما هو امبارح كان معادها فاكيد جت أنا هنزل اخد مسكن عشان أقدر اكمل اليوم
لم تستطع السيطرة علي ابنتها ما إن تر كت والدتها انسابت دموعها على خديها، مرت على الطبيبة المتخصصة و قالت بهدوء بعد أن تحكمت في نبرة صوتها المرتعشة:
– هو احم هو أنا المفروض كان معادها امبارح بس مجتش و النهاردا حصلي وجع شديد في بطني و ضهري و بعدها حسيت بيها
نظرت الطبيبة و قالت بهدوء:
-أنتِ متجوزة بقالك قد إيه ؟!
ردت هالة و قالت بيضق لتعرضها لمثل هذه التساؤلات :
– أنا مش جاية اتعالج
تابعت بجدية:
– أنا جوزي دكتور نسا وتوليد، أنا جوزي الدكتور أدهم أحمد الشرقاوي لو حضرتك تعرفي
– طبعًا أعرفه عز المعرفة دا كان زميلي في الكلية
تابعت بهدوء قائلة:
-أنتِ جاية عاوزة تعرفي الحمل اتأخر ليه ؟!
– لا
ردت الطبيبة و قالت بنبرة حائرة:
– مدام هالة أنا حقيقي مش عارفة حضرتك جاية ليه ؟! ياريت تعرفيني
– أنا كنت متجوزة قبل كدا و محصلش حمل و لا مرة حملت و لا مرة اتأخرت عليا دايما بتيجي في معاده بالكتير بتيجي متأخرة يوم واحد بس زي كدا فأنا كنت حابة بس اخد مسكن و أشوف الوجع الشديد دا سببه إيه
أومأت الطبيبة بتفهم و قالت:
-طب اتفضلي اقعدي على السرير عشان نشوف الرحم أخباره إيه ؟!
جلست الطبيبة على المقعد أمام الشاشة وبدأ تحرك الأشعة يمينًا و يسارًا، كانت هالة عيناها معلقتان على الشاشة لا تفهم شيئًا لكنها في انتظار تفسير الطبيب، نظرت الطبيبة لها و قالت:
– هو أنتِ متجوزة بقالك قد إيه ؟!
ردت هالة بنبرة متوجسة:
– سنة و شهرين
حركت الطبيبة رأسها علامة الإيجاب و تابعت كشفها حتى سألتها هالة بتوجس
– خير يا دكتور الرحم في حاجة ؟!
نظرت الطبيبة لها و قالت بجدية:
– هو في حاجة بس مش قادرة أتاكد منها اوي بس خليني دلوقتي اسألك سؤال و بعدها ليكي طبعًا حرية القرار
– خير يا دكتور ؟! قلقتيني
– أنتِ مؤمنة بالله و عارفة إن أي حاجة ربنا بيجيبها خير
– طبعًا و الحمد لله على كل حاجة، خير يادكتورة
ردت الطبيبة و هي تقف عن المقعد ثم أشارت لها بالقيام، جلست خلف مكتبها و بدأت تدون لها بعض العقاقير الطبيبة، جلست هالة امامها لا تعرف مالذي تتدونه لها حتى قالت بإبتسامة واسعة:
– أنتِ متأكدة إن هي غيابة عن معادها يوم واحد بس ؟
ردت هالة بضيق من كثرة تساؤلات ادطبيبة و قالت:
– دكتورة هو في إيه بالظبط ؟ أنا مش فاهمة إيه كل الاسئلة دي ؟!
ردت الطبيبة و قالت:
– مبروك يا هالة أنتِ حامل في تمن أسابيع بالظبط و داخلة على الأسبوع التاسع
تمن أسابيع ازاي ؟! دكتورة حضرتك بتقولي إيه إذا كان الشهر اللي فات كانت عليـ….
أردفت هالة عبارتها المتعجبة و هي تتحدث بعدم استعياب، طرقت ثم ولج بعدها أدهم
وقفت الطبيبة تصافحه بينما حاولت هالة أن لا تخبره بما لكن الطبيبة تسرعت و اخبرته قائلة:
– مبروك يا دكتور و ربنا يقومها لك بالسلامة
عقد أدهم ما بين حاجبيه و قال بإبتسامة واسعة:
-هي مين ؟!
-هو فين إيه يا جماعة كبكم مش مصدقين كدا ليه مبروك دكتور أدهم مدام هالة حامل في أسبوعها التامن و قربت تدخل على التاسع كمان
نظرت هالة لأدهم و قالت من بين دموعها وهي تنظر لزوجها و قالت:
– أدهم هي تقصد هالة مين ؟!هالة دي اللي هي أنا ؟! أنا هابقى أم أدهم هي بتتكلم عليا أنا ؟!
انقلب حاله و تزحامت أفكاره، ظل يهدأ من روعها حتى يعرف ما قالته الطبيبة منذ الدقائقهل حقيقة أم لا، أعطته ورقة من اللون الأبيض و الأسود بها صورة جنين في أسبوعه الثامن تحديدًا، أشارت الطبيبة بالقلم و قالت
-هو أنا لسه مش متأكدة اوي بس الواضح كدا و الله اعلم في جنين تاني الحمل لسه ضعيف عشان مش ظاهر بأمر الله هنتأكد بعد أسبوعين تكون الدنيا أحسن مبروك مرة تانيـ….
قاطعة مباركتها و هي ترَ بأعين ذاهلة سقوط هالة فاقدة للوعي، لم تتحمل هالة هذا الكم من المفاجآت تم نقلها لغرفة عادية بعد أن عمل اللازم لها، علم الجميع بخبر حملها عمت السعادة على العائلة بينما كان أدهم في عالمًا و أخير‘ا بعد طول إنتظار تحققت أمنتيه، كفكف دموعه للمرة التي فشل في عدها.
أدهم أدهم
نادته بنبرة خافتة استدار بجسده كله لها، جلس على حافة الفراش تناول كفها بين راختيها و قال:
– قلب أدهم و عيونه و دنيته كلها
ابتسمت تلقائيًا لتذكرها ما حدث تحسست باطنها و قالت:
– أنا حامل يا أدهم أنا طلعت بخلف و هبقى أم قريب أنا مش بحلم مش كدا ؟!
طبع قُبلة حانية على كفها و قال:
– لا يا روحي مش بتحلمي و حقيقة،ربنا كريم و قادر على كل شئ، ربنا خيب ظن ناس كتير قوي كانت كانت
امتنع عن الكلام كي لا يجرح حبيبته بكلمات
رغمًا تفوه بها و لأول مرة منذ سنة و أكثر
عقدت ما بين حاجبيها و قالت بنبرة متسائلة:
– قصدك إيه ؟!
كفكف دموعه و قال باسمًا:
– و لا حاجة يا حبيبي سيبك من الناس و كلامها و الدنيا كلها خلينا فرحتنا الحلوة دي
سألته بإبتسامة باهتة قائلة:
– عمك كان بيقلك إني عمري ما هاخلف و لا أكون أم صح ؟!
أومأ لها برأسه علامة الإيجابثم قال بنبرة متحشرجة إثر البكاء
– آخر مرة شفته فيها كانت يوم ما اتخانقت أنا وأنتِ كان بيحاربني بأي طريقة عشان أرجع له و أبقى تحت جناحه، وقف ضدي و مبقتش عارف اشتغل في مصر سبت له البلد كلها و سافرت أختي كانت فاهمة إن دي رغبة مني
نظر لها أدهم و قال بأعين مليئة بالدموع
-بس الحقيقة هي إن مكنتش عارف اشتغل في مصر شغل خاص بيا كل ما افتح عيادة يقفلها بطُرقه الملتوية، كرهت البلد باللي فيها
قررت أسافر عشان أعرف اجهز أختي بقيت ادعي ربنا يسترها معايا و أعرف اخلص جهازها و متحسش بأي حاجة أول ما ليالي اتجوزت اتشاهدت حسيت إن حِمل و راح من على قلبي، بقيت اقول لنفسي حتى لو مشتغلتش خالص مش مشكلة اهو بقيت بطولي و هعرف اشيل نفسي
تناول كفها بين راحتيه و قال بنبرة حانية و هو يطبع على ظهر يدها قبلة ناعمة:
– بس أنتِ جيتي خطفتيني و بقيت زي المجنون عاوز أأقرب بس ببعد عشان مش عارف حتى تمن أكلتي الإسم دكتور و الفعل عمي ماسكني من روحي و مضيق عليا كل الطرق و السكك و كأنه حوت بالع كل النلس في بطنه
قلت لنفسي ما تسافر تاني يا أدهم و اعملك القرشين و تعال اتجوز و لا خدها و سفروا إيه المشكلة ما كتير بيعمل كدا عادي يعني !!
تنهد بعمق و قال :
– إصرارك على وجودك هنا في مصر خلاني مش عارف ارجع تاني المانيا و لا عارف اعيش هنا كل خطوة يظهر لي عمي و يبوظها لي
يا كدا يا اتجوز و ادير كل اعماله، رفضت
نظر لها و قال بقهرٍ و حسرة:
– عايرني ! تخيلي لما قلته سبني اشوف حياتي و اسافر و ابني مستقبلي زي ما أنت ما عملت قالي إيه ؟
ردت هالة بنبرة متعاطفة قائلة:
– إيه ؟
– قالي هتعمل لمين لما مراتك عقيـ..
لم يُكمل حديثه و قال بنبرة مختقنة:
– سيبك من كل دا خلاص بقى
ابتسم له وقالت:
-مراتك مش هتخلف و لا ليها في الخلفة أصلًا و إنها تحمد ربنا لأنك متجوزها تقبل ترفض مش حقها و إنك مهما عملت عشان تخلف مش ها تخلف مش كدا ؟!
عقد أدهم ما بين حاجبيه و قال:
– و أنتِ عرفتي ازاي ؟!
ردت باسمة قائلة:
– لا أبدًا أصله جالي مخصوص و قالي نفس الكلام و قالي لو بحبك بجد اسيبك تتجوز اللي تجيب لك اللي يشيل اسمك بدل ما أنا مليش لازمة
عمي جه البيت و قالك الكلام دا يا هالة و أنا آخر من يعلم ؟!
أردف أدهم عبارته الغاضبة و هو يتابع عيناها التي لا تبرح خاصته، تحسست خده و قالت بإبتسامة واسعة:
– سيبك جه إمتى و سيبك من كل دا كفاية عليا فرحتك و عوض ربنا لينا
تابعت بسعادة غامرة و هي تضع يدها على باطنها و قالت:
– دا طلع عوض ربنا جميل قوي يا أدهم
– و هو دا اللي كنته بقوله لك يا هالة اصبري و كل حاجه بتتمنيها ها تتحقق
ردت هالة قائلة:
– ايوة بس الأمنية دي اتحققت متأخرة قوي يا أدهم
نظر لها نظراتٍ معاتبة ثم قال بعقلانية:
– مافيش حاجة ملهاش زمان و مكان و ربنا كاتب لك تخلفي بس مني، حكمة ربنا في تأخير حملك هي إن مكنش ولا أب من اللي اتجوزتيهم هو الشخص المناسب
تابع بتساؤل و هو يمرر ظهر يده على خدها و قال :
-طب و حياتي عندك كان ها يبقى حالي إيه لو كنتي خلفتي من حد فيهم و اتحملتي الضرب و الإهانة عشانهم ؟!
مالت بوجهها على كفه طبعة قبلة ناعمة بالكاد يشعر بها ابتسمت و قالت:
– ربنا يخليك ليا يا حبيبي
وقف عن مقعده و جلس جوارها و هو يقول بنرته الحانية:
– و يخليكي ليا يا روحي
لحظاتٍ من الصمت الشديد قبل أن تسأله بفضول قائلة:
– دومي
– اممم
– هو ازاي أنا حامل و بينزل عليا د.م مش كدا يبقى غلط البيبي ؟!
ابتسم على سؤالها و قال بنبرة حانية مطمنئة
– متقلقيش يا حبيبي دا بيحصل في حالات كتير و بيستمر لمدة تلت شهور مثلا و يمكن أقل و دا بيكون زيادة البيبي مش محتاجه
ردت باسمة و هي تقول بنبرة متعجبة
– أنا ازاي مأخدتش بالي إني حامل لو كنت عملت عمايل
سألها بنبرة متعجبة و قال:
– يا ستي احنا فيها قولي لي بقى هتعملي إيه
ابتسمت ملء شدقيها و هي تعد على أصابع اليد قائلة:
– كنت نمت على ضهر و طلبات حاجات كتيرة زي ما الستات ما بتعمل
تابعت و هي تنظر له قائلة بحماس:
– و طلبت منك أكل في وقت غير أوانه و تقعد تقضي معايا أكبر وقت و أنت بتوعد ابننا على إنك هتبقى احلى أب و هاتبطل عصبية عشان مايطلعش زيك عصبي و توصي عليا و تقول لأبننا إنـ…
بترت حديثها ثم نظرت له و هي تقول بإبتسامة واسعة من بين دموعها:
– أنا بقيت بقول ابننا يا أدهم ؟! أنا حامل و هبقى أم
لم يعقب على حديثها الذي لم تمل منه اليوم و الذي على ما يبدو أنها لن تنتهي منه حتى ينتهي الحمل نفسه لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها .
بعد مرور شهرًا كاملًا
كانت واقفة تنظر لصورتها المنعكسة في المرآة
تتحسس باطنها و هي تقول بإحباط:
– هي بطني مش راضية تكبر ليه ؟! مع إن بأكل كتير ؟!!
رد أدهم و قال بنبرة وهو يعقد رابطة عنقه و قال:
– يا روحي أنتِ لسه في بداية التالت و لسه قدام شوية متستعجليش بكرا بطنك تكبر و تبقي شبه الكورة
زفرت ما برائتيها و قالت:
-إمتى بقى بجد إمتى؟!
التقط معطفه و قال بنبرة حانية وهو يقبل رأسها:
– متقلقيش يا روحي قريب إن شاء الله يلا باي بقى عشان اتأخرت
ردت بتذكر قائلة:
– هات أكل معاك عشان مش هعمل أكل
وضعت يدها على باطنها و قالت بإبتسامة واسعة:
– حامل بقى
القى قبلة في الهواء و هو يؤمى برأسه علامة الموافقة فهو ليس لديه أي حلًا آخر، لقد فرغت هالة طاقة العشر سنوات من الحرمان دفعة واحدة، لم يكل و لن يمل و لكن أن تمنتع عن حقوق الشرعية خوفًا على حملها هذا أكثر ما أزعجه حقًا خلال الفترة الماضية، بعد أن قرأت نصف المقالات التي كتبت عن الحمل
و هي قررت أن تسمح له أخيرًا .
******
بعد مرور يومان
كانت في مكتبه تجذبه من يده تجاه سرير الكشف و تقول برجاء
– خليك جدع بقى يا دومي
رد أدهم و قال بتعب و إرهاق
– دومك تعبان و هلكان و أنتِ يا هالة لسه عاملة سونار امبارح و كدا غلط يا ر‘حي المفروض كل أسبوعين و في الشهور الأخيرة مرة في الأسبوع أنتِ بقى غير الناس عاوزة كل يوم ؟!
ردت بتوسل و هي تقترب محاوط يدها حول رقبته قائلة بنبرة ناعمة:
– عاوزة أشوف ابننا يا دومي و اسمع النبض تاني
رفعت عويناته الطبية ولكنه قرر أن يعكس دفة الحوار و هو يجبرها على الخروج من غرفة المكتب و قال:
– تعالي بقى لما احكي لك زمان كانوا بيطمنوا على البيبي ازاي قبل ما يخترعوا السونار اللي واكلة دماغي بي .
دفعها برفق للخارج رغم تذمرها لكنه نجح في مغادرة العيادة، منذ أن علمت بأنها تحمل داخل أحشائها طفلين و ليس طفلًا واحدًا
تريد أن تشاهدهما ليلًا نهارًا .
بعد مرور أشهر الحمل كاملة على خير
وضعت هالة توأمها أنثى و ذكر، اسمتهما
كارما و كرم، جلس أدهم على حافة الفراش يطالعهما بأعين مليئة بالفرحة و السعادةثم قال:
-بس كارما صغنونة قوي كدا ليه ؟!
ردت والدة هالة قائلة بإبتسامة واسعة:
– الحمد لله إنها قامت بالسلامة الصغير بكرا يكبر يتربوا في عزك يا حبيبي
جذبت هالة يد أدهم و قالت بنبرة متعبة:
– هما شبه مين يا أدهم؟!
– شبهك يا روحي
رد إبراهيم و هو يحمل صغيره الثاني الذي تجاوز العام بأشهر قليلة
– شبه مين يا عم دا أنا أختي أحلى دول شبهك أنت يا أدهم
ردت ليالي و قالت بإبتسامة واسعة وهي تلكزه كتفه قائلة:
– لا ياحبيبي اخويا أحلى
ردت والدة هالة و قالت بنبرة ساخرة:
– دلوقتي اخوكي بقى أحلى ماهو كان بيقول على ولادك البدع وكان بينك و بينه مصانع الحداد و مستحلفة له تردي حق ولادك يوم هالة ما تولد ؟!
ردت ليالي بجدية مصطنعة:
– لا يا يا طنط ماهو اخويا بردو و مبحبش أبدًا يقول عنه كلمة وحشة
ضحك إبراهيم و قال بسخرية:
– اللي بتقلك أخوها دي اخوها اشترى سكوتها بعربية و قطر لسه نازلين جداد لعيالها ووعدها بفانوس رمضان ليها قبل عيالها فـ تلاقيها في النفاق مش كدا
ضحك الجميع على كلمات إبراهيم بينما عبست ليالي بملامحها و هي تنظر لزوجها الذي حاوط كتفها ضامها إليه و قال بجدية مصطنعة:
– بس يا عيال دي لولو العسل كله ومتعرفش تنافق
رفعت هالة بصرها لزوجها و قالت:
– هما حلوين يا أدهم
رد أدهم وهو يحملهما و قال بإبتسامة واسعة:
– حلوين وحشين كفاية إنهم منك.
اغروقت عيناها بالدموع و هي تنظر إليهم، ابتسم لهما و قالت بنبرة مرتشعة إثر البكاء
– اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك، وعدك حق يارب.
******
بعد مرور عام كامل
كانت هالة جالسة مع أولادها في غرفة الألعاب خاصتهم، تلهو و تشاركهما معظم اوقاتهما في اللعب حتى الآن لم يرأهم أحدًا من الأصدقاء و المعارف تخشى أن تصيبهما العين و تقهر هي فيها لم يمانع أدهم علي تعليماتها الصارمة
بالأحرى لا يقوَ أن يفعلها من الأساس، كان صغيرها يبعد عن شقيقته ليعرف ان يستمتع بالعابه بعيدًا عنها، بينما كانت الصغيرة تتذمر
من أفعاله تلك، بدأت المشاجرة بينهما كالعادة
حتى تتدخلت هالة لفض النزاع قائلة بجدية:
– كارما كدا غلط دا أخوكي حبيبك يلا العبـ….
قاطعها صوت رنين المنزل تعجبت و هي تنظر لساعة الحائط تمتمت و هي تسأل حالها بخفوت
– غريبة دا مش معاد رجوع أدهم ؟!
تابعت بتحذير لأولادها قائلة:
– العبوا هنا و محدش يعمل صوت خالص ماشي
خرجت من غرفتهما متجه نحو باب الشقة
نظرت من العين السحرية وجدت أخيها و زوجته و أولاده، فتحت و الإبتسامة تزين ثغرها قائلة:
– حبايبي الحلوين وحشتوني
اختفت الإبتسامة من على ثغر أخيها و قال:
– طب قولي إني وحشتك معاهم عشان مراتي متقعدش تذل فيا في الرايحة و الجاية
تجاوزها و هو يلج غرفة الالعاب مع أولاده و قال:
– جهزوا الغدا عشان جعان
ما إن فتح باب الغرفة دوى صياح الأطفال ليندمج معهم إبراهيم و كأنه طفلًا، نزع عنه معطف حلته و رفع أكمام قميصه الأبيض ليبدأ معركة جديدة مع العاب الجديدة ابتاعها لهما
على الجانب الآخر من نفس الشقة
كانت ليالي تقطع الخضروات و هي تعاتب هالة قائلة:
– ملكيش حق بردو يا هالة هو يعني أدهم هايحسد عياله دا حتى أبوهم ماينفعش كدا يا روحي مش كل ما يقول حاجة عنهم تكسفي
ردت هالة قائلة:
– مش قصدي و الله يا ليالي بس أنتِ متعرفيش أنا ببقى مرعوبة عليهم ازاي أنا نفسي بخاف عليهم من عيني
– يا حبيبتي سيبك من الكلام دا و سيبها على الله هو الحارس
-و نعم بالله
تابعت بتذكر قائلة:
– صحيح جبتي الهدية اللي قلت لك عليها عشان أدهم ؟!
– اه يا حبيبتي جبتها
تابعت هالة بنبرة حزينة:
– تعرفي يا ياليالي أنا مقصرة في حق أدهم قوي و مع ذلك هو ماشتكاش أنا حاسة بي بس هعمل إيه بس أنا وقتي كله مع الولاد
ردت ليالي و قالت:
– رتبي وقتك عندك أنا مثلا لما لاقيت إن شغلي هايجي على مسؤولية ولادي أخدت إجازة طويلة و لما حصلت مشاكل كبيرة بين عمي و أدهم و طرد اخويا قمت قدمت استقالتي و قلت الشغل اللي يجي علي اخويا وولادي مش عاوزاه جه اخوكي بعدها أجر لي شقة عشان اعملها عيادة من حاولي شهرين
لاقيت نفسي بهمل في إبراهيم وولادي عشان ابني العيادة ولادي بيتعبوا وأنا مش جنبهم
ردت هالة قائلة بعتاب :
– اخس عليكي يا ليالي وهو أنا ولا ماما كنا بنقصر معاهم و لا حتى إبراهيم ؟!
نظرت ليالي لها و قالت بهدوء:
– يا حبيبتي محدش فيكم قصر و أنا مقولتش دا بس عيالي يتعبوا و أنا موجودة يبقى مستحقش أبقى أم يا هالة .
في المساء
بعد أن غادر إبراهيم و عائلته و غفى الأطفال في سباتٍ عميق، جلس أدهم يحتسي قدح القهوة في هدوءٍ تام، كان يتابع التلفاز بإهتنام شديد رغم خفض صوته بناءً على تعليمات هالة، خرجت من غرفتها في كامل زينتها
و لأول مرة منذ قترةً طويلة، حاول تجاهل هذا الجمال لكن بحركاتها و غنجها نجحت و بجدارة في هزمه، جلست جواره و قالت بخفوت
– هو أنت مش المفروض عندك شغل بكرا ؟!
رد يإبتسامة سمجة وقال:
– لا بكرا الجمعة
ابتسمت له و قالت بنغج بالغ:
– طب بما إن النهاردا الخميس و بكرا الجمعة مبيفكرش بحاجة ؟!
رد بنفس الإبتسامة وقال:
– لا مبفكرش
– طب افكر لك أنا
– لا تفكيرك وحش
تنهدت بعصبية مفرطة و هي تقف عن الاريكة و قالت:
– طب على العموم بقى النهاردا عيد ميلادك و أنا كنت ناوية اعملك مفاجأة بس أنت طلعت متستاهلش و كل سنة و أنت طيب و عن أذنك
رد أدهم بجدية مصطنعة:
– و لازمتها إيه كل سنة و أنت طيب خديها يا مدام أنا مبحبش حد يتفضل عليا
وقف عن الأريكة و قال:
– و من غير عن أذنك ها
ولج حجرته و ما هي إلا ثوانٍ معدودة و تبعته
احتضنته من الخلف و جميع عبارات الأسف التي تعرفها قالتها دفعة واحدة، لاحت إبتسامة خفيفة على ثغره، التفت لها محاوطًا خصرها بين ذراعيه بينما أعادت رأسها قليلًا للخلف
همست من بين شفتيها قائلة بحنو و حب:
– كل سنة و أنت حبيبي
مال بوجهه على وجهها ارتوى من رحيق شفتاها الذي لا يرتوي منه أبدًا، نظر لها و قال بإبتسامة واسعة:
– و أنتِ دنيتي الحلوة و نور عيني
********
بعد مرور عدة سنوات من السعادة و الشقاء
تجمعت العائلة في يوم الجمعة من كل أسبوع
ما دام أدهم و عائلته هنا بمصر، في الأوان الأخيرة قرر السفر إلى المانيا و الاستقرار هناك
بدلًا من تحكمات عمه الذي لا يهدأ عنه أبدًا .
ولجت كارما التي تجاوزت عامها العاشر بأيام معدودة هزت جسد خالها إبراهيم الذي للتو ارخى جفنيه، الوحيدة من بين أفراد العائلة
التي لها هذا الحق حتى ليالي نفسها لا تملك هذا الحق، وقفت أمامه و نير ان الغيظ تأكل قلبها من أفعال ابنه، فتح جفنيه بتثاقل متسائلًا بنبرة تملؤها النعاس:
– في إيه يا كوكي ؟!
– قوم شوف ابنك دي
اعتدل إبراهيم في جلسته و الإبتسامة تكشف عن نواجزه تسأل في جدية مصطنعة قائلًا:
– ماله و مالك اللي مابيفهمش اللي اسمه أنس دا ؟!
-عاوزنا نروح شرم و أنا عاوزة أروح أسوان
حك إبراهيم مؤخرة رأسه و قال بجدية
– و طبعًا عاوزة حكم محكمة مش كدا ؟
– اه قوم يلا
بعد مرور دقائق
جلس إبراهيم على المقعدة و انقسمت الأحفاد العشرة إلى مجموعتين، نظر أنس لأبيه الذي تجاوز الثانية عشر من عمره بأشهر قليلة و قال:
– كل واحد فينا هايقول أسبابه والدوافع اللي خلته عاوز يروح المكان بتاعه و بعدها يضدر حكم المحكمة بعد إجماع رأي الأغلبية زي ما متعودين
رد إبراهيم بتفهم و قال بجدية مصطنعة
– مافيش مشكلة و أنا الحمد لله معروف بالنزاهة و الشفافية
رد أنس ساخرًا من جملة أبيه
– طبعًا طبعًا
وقف أنس يترافع و كأنه محام له عدة أعوام
ظلت جدته تمتم بالبسملة عليه و على لسانه الفصيح الذي لم يخطئ في حرفًا واحد.
ابتسمت والدته و قلبها يتراقص طربا على ذاك الصغير الذي يشوبه والده حد التطابق في كل شئ انتهت المرافعة و صفق له الجميع و على رأسهم الجدة و هي تقول
– ياختي اسم الله عليك طالع لأبوك عقبال ما أشوفك وكيل نيابة يارب
رد إبراهيم بجدية قائلًا :
– عندك غلطتين ياريت ناخد بالنا بعد كدا يا أنس
وقف أنس و قال بعتذار:
– عذرًا سيدي القاضي و لكن ربما لأني مازلت أشعر بالتعب
وقفت كارما عن مقعدها متجه نحو خالها، تنحنت ثم قالت بصوتها الرقيق.
– سيدي الكاضي
ضحكت الأطفال عدا إبراهيم الذي نظر لها بعتابٍ بينما رد أنس مصححًا لها قائلًا:
-اسمها سيدي القاضي بالقاف مش الكاف
أخرجت لسانها وقالت بلكنة شبه مصرية لكنها حاولت قدر المستطاع التحدث بها كي لا يسخر منها:
– مسألكيش أنتِ
ضحك أنس و انضم له أخوته، و اخوتها، نظرت لخالها الذي هدر بصوت عال نسبيًا و قال بجدية مصطنعة:
– محكمة
التزم الجميع الصمت و بدأت هي تُكمل مرافعتها قائلة:
– سيدي القاضي حضرات السادة المستشوارين
ضحك أنس بقوة و هو يردد كلماتها الركيكة و متسائلًا:
– مستشوارين ازاي يعني كانوا في بيعملوا استشوار ؟!
دبت قدماها أرضًا بينما تابع إبراهيم قائلًا بتغزل :
– متزعلش نفسك يا جميل قول اللي يعجبك كمل و أنا سامعك بقلبي قبل قلب المحكمة
تابعت كارما بإبتسامة واسعة و غنج:
– يرضيك يا قاضي نروح شرم في الشتا بدل ما نروح اسوان ؟! و تخلف بوعدك ليا ؟!
لطم كرم بيده على وجهه و همس بالقرب من أنس قائلًا:
– أختي كسبتي القضية خلاص
رد أنس قائلًا:
– متقلقش أنا بقالي تلت أيام بحضر في المرافعة دي و إن شاء الله ربنا ينصرنا و بعدين القاضي عنده نزاهة متقلقش
– أنت شايف كدا ؟!
– اه
– طب أشرب بقى
رد إبراهيم على سؤالها و هو يراقص حاجبيه
– لا طبعًا مايرضنيش يا جميلة المانيا
تنهدت كارما ثم قالت بنبرة غنجة:
– و أنا التمس من عدالة المحكمة إنها تبص لنا بقلبها و توافق على طلباتنا
رد إبراهيم و قال باسمًا:
– أنتِ تلتمسي قلب المحكمة و قلبي أنا كمان يا جميل
وقف أنس و قال باعتراض:
– أنا اعترض يا سيدي القاضي
رد إبراهيم و قال:
– اعتراض مرفوض و اهمد بقى و اقعد عشان هناخد برأي الأغلبية
تابع بجدية قائلًا:
-اللي موافق يروح شرم يرفع إيده و اللي موافق يروح الاقصر واسوان يرفع
ايده
رفعت العائلة باكملها أيدهم متضامنين مع أنس نظر لهما و قال بإنتصار
– عاش يا رجالة
عبست ملامح كارما لخسارتها القضية، رد إبراهيم و قال بجدية مصطنعة:
– حكمت المحكمة حضوريًا و بإجماع الآراء السفر إلى مدينة الأقصر
صاح الجميع معارضًا بينما ردد إبراهيم و قال:
– اعترضك مرفوض يا أنس باشا أنتوا عددكم تسعة و أنا وكارما حداشر
– ازاي يعني يا بابا ؟!
– هي واحدة و أنا عشرة و لا أنا قليل في البلد ؟!
ردت الجدة بجدية مصطنعة و هي ترفع ذراعيها للأعلى قائلة:
– لو أنت بتحسبها كدا يا قاضي يبقى أنا كمان مش قليلة في البلدة و لا إيه يا هيما ؟!
رد إبراهيم قائلًا بعتذر لابنة أخته:
– معلش بقى يا كوكي الحكومة حكمت
تابع بجدية و هو يطرق على سطح المنضدة الزجاجي و قال:
– حكمت المحكمة حضوريًا بالسفر إلى شرم الشيخ عشرة أيام و محافظة الاقصر واسوان عشرة أيام رفعت الجلسة .
عمت الفرحة في المكان مع صياح الصغار و على رأسهم أنس الذي انتصر في النهاية، ركض الاطفال نحو إبراهيم مرددين كلمات أنس بسعادة غامرة:
– يعيش إبراهيم باشا
التف الأطفال حوله و حاولوا التعبير عن فرحتهم قدر استطاعتهم، رؤية هذا البيت هكذا هذا هو الحلم الذي طال تحقيقه لدى الجدة و ها هو يتحقق بعد سنواتٍ عجاف
كل ما تريده من هذه الحياة الآن هو أن ينعم ابنائها و أحفادها بحياة هادئة خالية من الحزن
و التعب .
بعد مرور عامين
تجمعت الغائلة في منزل هالة و أدهم لحفل عيد الميلاد، انجبت ثلاثة أطفال بعد توأمها الأول آخرهما أحمد تيمننًا بإسم والد زوجها
أتمم عامه الثالث، التف الجميع حول المائدة
يرددون الأغاني الخاصة بهذه المناسبة .
وقف الصغير بين والديه و السعادة ترتسم علي ثغره، اطفى الشمع ثم صفق و كذلك الجميع بدأ الأطفال يوزعون الهدايا عليه
حتى أتى دور كارما طبعت قبلة ناعمة على خده ووضعت هديتها بين يده .
بعد مرور ساعة تقريبًا كان أنس يبحث عن أخيه الصغير كي يغادرون، وحده داخل غرفة
كارما ولج بعفوية و قال بنبرة معاتبة
– كدا يا ميمو تبهدل اوضتها دي كوكي هاتبهدلك دلوقت تعال يالـ….
قاطع حديثه ما إن سقطت عينه على صندوق من البلاستيك بها مجموعة من الخطابات، قاده فضله يقرأ هذه الاوراق الملونة، التقط واحدًا منهم و قام بفتحه قرأ ما دونته يدها بأعين ذاهلة ابتسم حتى كشفت الإبتسامة عن نواجزه تناول ورقة أخرى و قرأ جملة واحدة من ثلاثة كلمات فقط فرغ فاه ليردد كلماتها
بخفوت ….
❤النــــهاية ❤

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هالة والأدهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى