روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء التاسع عشر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت التاسع عشر

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة التاسعة عشر

لم يأتيه مزاج للخروج في هذا الوقت، عقله المشتعل لا يهدأ من التفكير عن سر هذا التجاهل، انها المرة الرابعة ، يبعث بالصور التي التقطتها لها كاميرا المبنى معه، وهي تراها ولا ترد.

من فرط غضبه كانت اقدامه تهتز بعصبية رغم ادعاءه مشاهدة التلفاز، مما اجبر زوجته لتسأله، بفضول استبد بها :

– عمر هو انت مستني حد يكلمك؟
– حد مين؟.
سألها بتجهم وعدم تركيز، لتضطر للتوضيح له:
– انا جصدي يعني عشان شكلك مضايج، ماسك الريموت وعينك كل شوية تروح ع التليفون…….

توقفت عن التكملة بخوف، وقد ارهبها بنظرته الحادة ، ليضيق عينيه بتمعن اربكها ، ثم يعقب:
– ما شاء الله، دا انتي لماحة اها وبتاخدي بالك.

طالعته بعدم فهم ليضيف قالبًا الطاولة نحوها:

– دلوجتي عملتي فيها مش فاهمة، وانتي بتسأليني عن اللي معصبني، ومتعصبش ليه وانتي حاطة ايدك في المية الباردة؟ شهور وانا مستنيكي تبشريني ولا تريحي جلبي بالخبر اللي مستنيه، لكن مفيش فايدة، ولا علاج نافع ولا زيارة للدكاترة نافعة، جوليلي يا بت، هو انتي فيكي امل ولا لاه؟

اجفلها بسؤاله المباغت لترد بدفاعية:
– هو انا عندي كام سنة عشان يروح مني الامل؟ خبر ايه يا بوي؟ انت ليه محسسني ان عدى علينا سنين؟ ولا حتى علاج الدكتورة اللي بتجول عليها، دا هي بنفسها اللي جالت اني زينة وعال، بس الموضوع محتاج وجت….

ضرب بكفه يده على فخذه بغيظ ليردف لها:
– سلامات يا وجت، يعني انا هفضل مستني كدة على ما يحصل او ميحصلش، كل اللي عليكي انا زينة انا زينة، وانا ميكلش معايا الكلام ده، عايز نتيجة.

اعتلى الاعتراض ملامحها، رغم مجاهدتها الا تنفجر به، فهي لا ينقصها شيء حتى تجد منه هذه المبالغة في صب حنقه بها

– يعني انا اعملك ايه اكتر من كدة؟ باخد برشام وماشية على علاج، هخلج مثلا استغفر الله العظيم يارب، ولا اشتريه من السوج؟

ارتفع طرف شفته بسخرية تخلو من المرح، واسلوبها وهذه النبرة الجديدة منها لا تعجبه، بل يرى فيها لمحة من تمرد لن يسمح بها ابدًا.
ليخرج صوته مخاطبًا لها بهدوء خطر:
– شايف حسك علي واتعلمتي تتمجلتي على كلامي، اسمعي يا بت، عشان انا عارف زين جوي، ان امك هي اللي بتعبي مخك بالكلام عليا، بس هي متعرفنيش ولا تعرف لسة غضبي، احسنلك يا غالية تخلي بالك معايا ، لان مرة تانية لو اتكرر استخفافك ده، متلوميش الا نفسك يا هدير، عشان ساعتها هتعرفي صح مين هو عمر…….

تهديده الصريح بث الرعب بقلبها، لتبتلع اعتراضها وتؤمئ له بهز رأسها مزعنة بطاعة:
– حاضر، مش هكررها تاني.
– شاطرة .
تتمتم بها ليعود للتقليب على شاشة التلفاز بجهاز التحكم الذي يمسكه بيده، وطاقة من الغضب تشع منه قادرة على إحراق الغرفة بما فيها، تجعل المسكينة تزداد انكماشًا على نفسها تجنبا له.

❈-❈-❈

بداخل القاعة المظلمة، إلا من ضوء الشاشة العملاقة، والهدوء الذي يسيطر على معظم الحضور الا منها، فقد كانت تكتم ضحكها بصعوبة، كلما لمست تذمره وحنقه بعدما اجبرته ليأتي بها الى هنا بمحاولات حثيثة، شملت الدلال والاستعطاف، وكل اسلحتها في التأثير عليه، ليجلس معها الاَن بوجه عابس عاقد الحاجبين بتجهم ، عينيه تدور في الانحاء حولها، غير منتبهًا على الإطلاق لمشاهدة الفيلم الذي تعرضه الشاشة الفضية الاَن.

تمتمت بهمس تشاكسه:
– ما خلاص بجى يا عارف وانتبه للفرجة ع الفيلم، مش كفاية حاجز كرسي جمبي فاضي، وانا لازجة فيكي زي الجرادة ومش سيباك، نعمل ايه تاني؟

كتم زفرة هائلة بداخله، وابصاره اتجهت خلفها قبل ان يعود اليها ويرد ضاغطًا على أسنانه بغيظ:

– ما هي دي المشكلة، انك مش حاسة ولا واخدة بالك، وانا عيني مراجبة الرجالة اللي محاوطانا من جميع الجهات، اعمل ايه وانا شايفهم بيركزوا فيكي اكتر من الفيلم نفسه.

قارعته بعدم تصديق:
– يا عااارف، ويعني انت لو شايفهم صح مركزين فيا، كنت هتسكتلهم، دا مش بعيد كنت عملت فضيحة.

جذبها فجأة يهمس بوعيد:
– ما هما لو واحد بس كنت كسرته دلوك، لكن لما يكونوا كذا واحد وانا مش ملاحق، وعمال احسب اتخانق مع مين فيهم الاول، دا احله ازاي؟

بابتسامة مستترة لتتجنب غضبه حاولت مهادنته:
– يبجى نركز في الفيلم يا حبيبي، مدام محدش فيهم اتعرض لي ولا يجدروا، وانا معايا الأسد بتاعي، بس بيني وبينك يعني، السيما فيها مية واحدة غيري، هما بجى فاضين لنا بس؟

عبس بملامح مكفهرة، يرمقها بنظرة لا تخلو من اعجاب رغم ضيقه، فهذه الغبية لا تقدر كم هي جميلة وملفتة للنظر بحق، وان ارتكب جريمة اليوم فسوف يكون بسببها، ليته ما رضخ لإلحاحها ووافق بالمجيء الى هنا.

هم ان يرد عليها، ولكنه انتبه لوجود اخر ما كان يتوقع حضورهم، في الصف الثالث من خلفهم، بجلسة اسرية بامتياز، اب وام وطفلهم.
لتغزو ابتسامة ماكرة ثغره، وحين انتبهت له زوجته لتسأله عن السبب ، اومئ لها بذقنه نحو الخلف، لتتوسع عينيها بدهشة، سرعان ما تحولت بعدها لغيظ وهي تغمغم بتوعد:

– يا بت اللذينة، عملتيها يا نادية!

❈-❈-❈

بعد انتهاء الفيلم وخروج الحضور من القاعة ، وقفت تستقبلها في الردهة الخارجية بتحفز، وقد أكملت المشاهدة بصعوبة، مع مراقبتها لهما، ومشاكشاتهم لها، وكأن شقيقها اتفق مع زوجته في كيدها، رغم ادعاء البراءة

عقب عارف المجاور له:
– اموت واعرف ايه جالبك، ما هم جاين ينبسطو زينا، ايه اللي حصل يعني؟

– اللي حصل ان السوسة دي جصدت تجيبه معاها ، بعد انا ما بعتلها ع الوتس وصورت السيما، واحنا داخلين.

تبسم عارف بذهول، ليزيد عليها :
– صورتي السيما يا مجنونة، ومستغربة انها جات بجوزها على هنا دوغري؟

دبت بقدميها على الأرض بغيظ تعبر عن قهرها:
– متنرفزنيش يا عارف، انا بعت الصورة عشان اغيظها، بعد ما طلعت هي وجوزها من غير ما تبلغني، مش كان واجب برضوا يا خدونا معاهم، دا زورها مصر كلها تقريبًا.

لم يقوى على كبت ضحكاته، حتى أصبح يغطي بكفه على فمه، ليتمتم بمرح:
– يعني انتي كان جصدك تغيظيها، جامت هي اللي غاظتك، مطلعتش هينة نادية دي.

– انت كمان هتعصبني يا عارف.
تمتمت بها قبل ان تنتبه لاقترابهم منها ، شقيقها الذي بدت السعادة جلية على ملامحه حتى اظهرته اصغر من عمره الحقيقي، يضمها بذراع ويحمل طفلها على الذراع الاخر، لانت ملامحها ابتهاجًا له، حتى كادت ان تنسى غضبها، لولا رؤية الابتسامة الواضحة على وجه هذه الخبيثة:

– فيكم الخير يا جماعة والله، دا انا افتكرتكم مشيتوا وسبتونا.
القى بالكلمات غازي نحوهما، فجاء الرد من ابن عمه، الذي اشتعلت رأسه بالمرح:
– واحنا نجدر يا كبير، بس انتوا ليه مجولتلناش؟ حتى كنا حجزنا التذاكر مع بعض.

– ما هي جات مفاجأة يا واد عمي، دا انا ولا كان على بالي والله.
تمتم بها غازي، لتتكفل زوجته بالباقي نحو صديقتها اللدودة ببراءة:
– اصل انا لما شوفت الصورة اللي بعتيها، وشكل السيما من برا، شبطت في غازي زي العيل الصغير، هو الأول كان هيرفض ، بس لما شافها معايا وعرف ان انتوا هنا، وافج على طول، والحمد لله جدرنا نلحق التذاكر، انتي مش فرحانة بجيتنا يا روح؟

ضيقت الاخيرة عينيها بتفحص في الرد لها:
– يعني انتي بتسأليني يا نادية؟ ياريت بس تكونوا انبسطو بالفرجة ع الفيلم، ولا اللف والفسح على باقي المعالم الأساسية للبلد؟ يا ترى ايها احلى فيهم؟

تبسمت نادية بوسع فمها تجيبها:
– والله ما اجدر احكم بأيها الأحلى، اليوم كله النهاردة كان ولا الخيال، يتحسب من عمري كله ، ولا ايه يا غازي؟ شالله ما يحرمني منك ابدا.

سمع منها ليبادلها الابتسام والرد بتناغم تام معها:
– ولا منك يا ام العيال….. عارف يا ولد عمي، حاول تفسح مرتك انت كمان، دي اختي وانا عارفها، تموت في الفسح والقراية في الكتب.

قال الأخيرة بغمزة بطرف عيناه، قابلتها هي بعبوس دون مواربة، وكأنها عادت طفلة تغضب على أتفه الأسباب، فجاء الرد من زوجها:

– ومالوا يا عم الحج، دا انا ازورها مصر كلها، ملحجناش المرة دي، نلحق المرة الجاية ، ولا ايه يا ست روح؟

كورت فمها بضيق لتحتج:
– وأيه اللي يمنع المرة دي؟ بكرة ناخد اليوم كله يا عارف، وانا هجولك على اسامي أماكن جديدة واحلى كمان.

توجهت بالاخيرة بمغزى نحو نادية التي لم تفتر ابتسامتها ولو لحظة ، ليأتيها الرد من شقيقها:

– بكرة مينفعش يا غالية، احتمال بسيوني الدكتور يكتبله على خروج، وانا وعدته انه هيفضل في شقتي طول مدة متابعته، لحد ما ربنا يتم شفاه على خير، ويرجع البلد، يعني لازم نفضولوا الشقة ونسافر….. ودلوك يدوب نروح ونريح جسمنا عشان التعب اللي مستنينا، ياللا بجى، ولا هنفضل واجفين الليل بطوله هنا

قالها وتحرك يسحب زوجته التي القت بنظرة اخيرة نحوها، أثارت ابتسامة متسلية على وجه عارف، الذي أخذ جزاءه بلكزة قوية على خصره منها، ليحتج بدفاعية:

– طب انا عملت ايه دلوك يا بوي؟

غمغمت وانظارها منصبة نحو التي رحلت امامها:
– طلعت لئيمة وخبيثة، مليش دعوة يا عارف، انا كمان عايزة اتفسح اليوم كله ، اشمعنا هما

لم يقوى على كبح ابتسامته، ليسحبها من ذراعها مهادنًا لها:
– حاضر يا مجنونة، في اول فرصة هاخدك وافسحك لما تشبعي، انا شكلي اتغشيت لما افتكرتك كبيرة وعاجلة.

❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي
وعلى فراشها الذي لم تغادره منذ يومان الا للضرورة القصوى، حتى أثارت القلق بقلب المرأة العجوز، وقد ذهب ظنها أن ما اصابها هو مرض عضوي، بتفكيرها المحدود ، فبماذا كانت ستخبرها هي اذن؟

ف الحقيقة المؤلمة والكتمان هما اكبر الأسباب لما اصابها من وهن، ولكنها اليوم تشعر ببعض التحسن، حتى انها تخلت عن التسطح والنوم، وقد كانت جالسة في هذا الوقت تتأمل من شرفتها المفتوحة على مصراعيها، اعداد الطيور التي تتقافز على اغصان الشجرة التي رمت بفروعها لداخل الشرفة، واصواتهم تعزف الحانًا ما اروعها، بخيال الأم الملكومة، يراودها احساس مجنون ، ان بعض هذه الطيور تسكنها الارواح، وربما كان فقيدها من ضمنهم، لذلك دائمًا ما تراقبهم وتبحث عنه من بينهم، هي تعلم انه حولها حتى ان لم تراه، ومع ذلك تركض خلف هذا الأمل الضئيل…..

– سليمة .
صدح الصوت من مدخل الغرفة بعدما طرقت صاحبته على الباب ، وحينما لم يأتيها الرد اضطرت لدفع الباب والولوج لداخل الغرفة، حاملة صنية الطعام مثل كل صباح.

– تاني يا برضوا يا مرة عمي؟ تاعبة ومحملة،
تمتمت بها قبل ان تنهض لتتلقفها منها، لتبزغ ابتسامة صافية على وجه المرأة معبرة عن فرحها:
– يا ماشاء الله، عيني باردة عليكي، مدام جومتي من على سريرك ، يبجى اتحسنتي النهاردة يا بتي.

وضعت سليمة صنية الطعام على الفراش، ثم اقتربت لتقبل المرأة وتطمئنها بامتنان:
– الحمد لله يا مرة عمي، انا والله ما عارفة اتشكرك ازاي، يومين وانتي تطلعي بصنية الوكل لحد عندي كل وجبة ، تعبتك معايا ومش عارفة اودي وشيي منك فين؟

بادلتها سكينة قبلتها، ثم خطت معها بخطواتها البطئية حتى جلست معها على فراشها ، لتخاطبها بحنو:

– تعبك راحة يا نور عيني، انا فرحتي بس الاقيكي ترجعيلي زي الاول، شديدة وجوية، متعودتش خالص على تعبك ولا ضعفك يا بنيتي.

تتحدث برقة اجبرت سليمة على السؤال الملح:
– هما عيالك طلعوا ليه كدة يا مرة عمي، وانتي وعمي الله يرحمه اطيب خلق الله.

فهمت المرأة العجوز لمقصدها، فتبسمت بحرج تجيبها:
– ومين جالك ان عيالي كلهم عفشين، انتي عيشتي واتربيتي وسطيهم، نعيمة دي معاهم معاهم عليهم عليهم، طول عمرها تابع لاختها ، واختها دي جلبت من ساعة ما اتجوزت وبعدت عينينا، مع انها ما كنتش عفشة معايا ولا مع ابوها.

قاطعتها سليمة:
– لا يا مرة عمي، دي اول مرة هتكلم معاكي بصراحة، بس هويدا طول عمرها بتكرهني وانا حاسة بكدة من وجت ما كنا عيال صغيرين، رغم انها دايما بتحاول تظهر غير العكس، بتك كانت مستكترة عليا حبكم ليا .

لم تعارضها سكينة فهي الاعلم بطبيعة ابنتها الحاقدة على ابنة عمها اليتيمة، والتي خصها الله بمجموعة من المميزات، من جمال وأدب واخلاق عالية جعلتها محط تقدير من الجميع، حتى ابنها المتمرد وقع اسير عشقها ليتزوجها من الصغر ولكن العند ورأسهِ اليابس في الاصرار على تطويعها بالقوة، فكانت النتيجة ان خسرها وخسر معها نفسه.

– سكتي ليه يا مرة عمي؟ ولا نسيتي الأهم…. ولدك .

ردت بنظرة منكسرة، ترافقها تنهيدة متعبة:
– مالوا ولدي؟ ما هو خد جزاته في اعز ماليه، ربنا يلطف بيه، دا بجي واحد تاني خالص دلوك.

– هو لساتوا بيجيلك؟
سألتها سليمة بفضول، وكان رد المرأة:
– بياجي يا بتي يسأل عليكي وعلى صحتك، ويشوف طلباتي جبل ما يمشي بعدها، رغم انه بيكابر جدامي ويعمل نفسه زين، بس انا حاسة بيه، بجى واحد تاني خالص، اتكسر.

– ربنا يلطف بيه.
تمتمت بها سليمة ردًا لها، فهي الاعلم بصحة ما تردف به المرأة، ولكن ما بيدها حيلة لنجدته، عليه ان ينقذ نفسه بنفسه.

❈-❈-❈

– يعني انت دلوقتي خارج وماشي؟ هتسيبني لوحدي في المستشفى يا بسيوني؟
قالتها بصدمة اجفلته، قطب بغرابة لقولها، ولكنه واصل ملطفًا:

– امال عايزاني اجعد طول عمري في المستشفى يا بنت الناس، مش احمد ربنا ان وصلت للمرحلة دي؟ عجبالك انتي كمان لما تطلعي وتروحي على بيتكم .

عبست تعقب بنبرة عاتبة، متجنبة النظر اليه عن قصد:
– لا اطمن مش هتأخر، كلها يومين تلاتة والدكاترة يصرحولي انا كمان بالخروج، يعني يا عالم هشوفك تاني ولا لأ؟

تهتم به وتعاتبه، ما بالها هذه الفتاة تشعره بأهميته بالنسبة لها، والغريب في الأمر هو تقديره هو وعدم معارضته، وكأن تاريخ ما يجمعها، انه حقًا وضع غريب له:

– اطمني يا مشمش، لو جيت ولجيتك مشيتي هسأل وازوكم في بيتكم عشان اطمن عليكي

ردت بلهفة:
– صحيح يا بسيوني، هتزورني في بيتنا بجد؟
– طبعا يا بت الناس، انتي ناسية انك انقذتي حياتك، والله جميلك ده هيفضل معلج في رجبتي لحد يوم الدين.

فترت ابتسامتها بعدما اخبرها بالسبب خلف اهتمامه بها، وهو الامتنان لفعلتها معه، حينما دافعت وكانت سببا في إنقاذه، والقبض على المجرم الذي حاول قتله، فجاءت الضربة لها، وهي لم تندم ابدا على ذلك، حتى ولو تلقت الاف الضربات في الدفاع عنه.

– مفيش داعي تحمل نفسك جميلة، اللي حصل كان بتقدير ربنا، يعني كان ممكن اوي واحدة غيري تدخل وتاخد هي الضربة.

– انتي طيبة جوي يا مشمش.
قالها بصدق تجلى في عينيه، حتى اجبرها تبادله النظر بخاصتيها، فيحدث بينها تواصلًا ما، لا يعرف له اسمًا، ان كان اعجاب او تقدير، او شيء آخر، وكأنه يعرفها منذ الصغر ، او نشأت معه في بلدته، هناك رابط يجمعهما ولا يعرفه، ولكنه مستريح وسعيد به

❈-❈-❈

اما في غرفته، وبعد ان عرفت بخروجه من المشفى، كانت في هذا الوقت ، تلملم اشيائه من أدوية وملابس قليلة قد اتي بها ، وبعض المتعلقات التي تخصه ، كالهاتف وسلسلة المفاتيح، وتضعهم داخل حقيبة متوسطة، جاء بها يوسف لهذا الغرض من اجلها، والذي دخل في هذا الوقت يبشرها:

– انا خلصت الإجراءات يا وردتي، وخدت التعليمات الكاملة عن مواعيد المتابعة، وخطة العلاج اللي هنمشي عليها:

ردت بامتنان:
– ربنا يخليك يا يوسف، انا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه؟
اقترب يناغشها كعادته، كلما لمس منها الاطراء على اي شيء يقدمه لها:
– انتي تأمري يا وردتي، اتمنى بس ربنا يهديكي ويحنن قلبك عليا.

– يحنن جلبي كيف؟
سألته بعدم فهم اصبح يلازمها هذه الايام، ليواصل مقربًا رأسه منها:
– ودي محتاجة شرح يا وردتي، دي حاجة كدة تتحس لوحدها، توصل من القلب للقلب، اااه، ياما نفسي ربنا يقرب البعيد.

زحفت السخونة لوجنتيها، وقد اخجلها غزله الصريح، لترتد برأسها للخلف في محاولة للإبتعاد قليلا عن حضوره الطاغي وهذه الدوامة التي بدأت تلفها كلما حاول تقريب المسافة بينهما، لتحتج بضعف:

– يوسف بلاش كلامك ده، مينفعش.
– مينفعش ليه يا ست؟
ردد بها مستنكرًا، ليطلف لهجته:
– انا جوزك يا حلوة، وقربنا نوصل خلاص، بسيوني هيخرج وان شاء الله مش هسيبه غير لما نتفق على كل حاجة النهاردة.

– نتفق على ايه بالظبط يا يوسف؟
صدح الصوت الخشن من مدخل الغرفة، لينتفض الاخير، ويبتعد عنها ليتلقاه مادحًا بمراوغة:

– بسيوني باشا، عيني باردة عليك يا بطل، وشك منور والدموية ردت فيه، عقبال يارب ما يتم شفاك على خير يارب .

دلف لداخل الغرفة، متقبلًا ترحيبه بابتسامة مبهمة اعتلت ملامحه، في الرد له:
– تشكر يا يوسف، فرحتني يا غالي ان الواحد يرجع لطبيعته وشدته ، دي نعمة نحمد ربنا ونشكر فضله عليها.

تمتم يوسف مصفقًا بكفيه بمرح يمازحه
– ايوة يا عم ونفرح بيك بقى، فرح وهيصة
تأثر بسيوني بلمحة صغيرة من حياء، جعلته يبتسم عن حق هذه المرة، لتأمم من خلفه ورد بتمني:

– اللهم امين، يسمع منك ربنا ويجعله عن جريب.

– يارب ، ان شالله حتى يبقى معانا.

تفوه بها بقصد فهمه بسيوني جيدًا، لتصدح منه ضحكة عاليه وغريبة، معلقًا:

– ربنا كريم يا يوسف، ربنا كريم
قطب الاخير يطالعه بارتياب ثم ما لبث ان يغير دفة الحديث بقوله:

– يااارب، المهم انت تقوم دلوقتى تتشطف وتغير هدومك، عشان ننزل ع البيت ، اختك جهزت الأوضة من امبارح!

– اوضة مين؟
– اوضتك يا بسيوني، اللي جهزهنالك في شقتنا.

– شجتكم! لا يا سيدي كتر خيرك، انا مكاني موجود ومترتب جاهز .

– مكان ايه يا خوي؟
خرج السؤال من وردة وقبل ان يجيبها صدح صوت غازي الدهشان من مدخل الغرفة:

– يا ما شاء الله عليك يا بطل، دا انت جاهز كمان، واحنا كمان جاهزين ياللا .
تطلع يوسف لصديقه الذي دلف لداخل الغرفة، وخلفه ابن عمه عارف، ليوجه السؤال ليكليهما:

– ياللا على فين؟ هو انتوا خارجين مع بسيوني .

رد عارف:
– ايوة امال ايه؟ احنا هناخد الباشا ع الشجة نريحه فيها ونعرفه عليها جبل ما نسحب ونسافر احنا ع البلد.

بابتسامة متسلية عقب بسيوني:
– مش بجولك يا سيدي مكاني جاهز ، ياللا بجى يا ورد عشان تاجي معايا .

– نننعم، ورد مين اللي هتاجي معاكم؟
صاح بها يوسف امام ذهولها ، ليرد الاخر ببساطة:
– ورد اختي يا عم يوسف، ولا انت عايزني اجعد فرداني من غير ما حد يراعيني، ترضهالي؟

افحمه بمكره لينقل بنظره نحو صديقه يطلب الدعم، ولكن غازي كان الأسبق بحكمته، قبل ان يسحبه معه للخارج:
– لا طبعا يا باشا، دا يوسف ابو الأصول، تعالي معايا عايزك في كلمتين.

❈-❈-❈

هتف غاضبًا فور ان انفرد به في جهة بعيدة عن الجميع بحديقة المشفى
– بيلاعبني يا غازي، اقسم بالله بيلاعبني، صاحبك مش عايز يريحني وانت شكلك متفق معاه.
صفق غازي كفيه ببعضها معبرا عن استياءه:
– يخرب عجلك، اتفق معاه عليك انت، انت مجنون يا يوسف؟

– اه مجنون، عشان انا عايز اقرب وانتوا بدل ما تسأعدوني بتبعدوني عنها،

يتفهم جيدا سبب غضبه ولكنه لا يتقبل الاتهام الصريح منه:
– اسمع يا يوسف، مش معنى اني بحبك، تستغل انت وتزودها عليا، انا ما عملتش غير الاصول، والراجل عايز اخته تراعيه ، يعني دا واجب عليك انت تعرض عليه، قبل ما هو يطلب.

– طب ما يقعد عندي، انا مجهزله الأوضة بقالي اسبوع نراعيه انا وهي ، والله ما هتأخر عنه، متخليهوش ياخدها، صاحبك عايز يعذبني انا عارف والله .

اشفق ليجذبه اليه، يضم رأسه نحوه ، ثم يخاطبه بلطف:
– البت مكتوبة على اسمك، هو معندوش فرصة يحجزها عنك، زيح من مخك المخاوف والهواجس، واتحمل شوية، اللي يحب لازم يستحمل .

تطلع اليه باستجداء، قائلًا:
– بس انا مش هعرف اشوفها زي ما احب، دا هي كانت في بيتي وكنت بشتاق لها، اشحال بقى لما تبقى بعيد عني، وفي حاجز واقف ما بيني وما بينها؟

ربت غازي على كتفه بابتسامة حانية يجيبه:
– مهما طالت المدة ولا وسعت المسافة، برضوا اخرها ليك، يا واد دي مكتوبة على اسمك، الصبر يا عمنا، اتعلم من اللي سبقوك شوية، دا احنا ياما اتشندلنا.

استطاع بدعابته ان يفصله قليلًا، فتبسم بقلة حيلة ليتقبل مجبرًا ابتعادها عنه،

ثم بعد قليل توقف على مدخل المشفى يراقبها وهي تستقل السيارة بجوار شقيقها وعينيها لا تفارقه، في تواصل بصري لم يقطعه سوى فعل بسيوني حينما لوح له بيداه بابتسامة انبأته بصعوبة القادم مع هذا العنيد، ولكنه محارب شرس، لن يترك ارض المعركة ابدًا سوى بالفوز بجنيته الصغيرة

❈-❈-❈

في وقت لاحق
خرجت فتنة بكامل زينتها متجهة نحو الخارج، دون رقيب او حسيب، والدها العزيز اعطاها حرية الذهاب والعودة وقتما تشاء تجنبا لوجع الرأس من تذمرها الدائم وخلق الشجار مع أشقاءها، وحتى بناتها التي تضج منهن على أتفه الأسباب، رغم ترك رعايتهن لوالدتها، المرأة المسكينة التي تلجمت هي الأخرى عن تكرار الاسئلة معها بعد تحذير زوجها لها، فقد وضع الرجل ثقته الكاملة بها ، ظنا منه انها نضجت في العمر وانجاب ثلاثة من الابناء، وانه بذلك يخفف عنها.

كانت تسير بتخايل وكأنها طائر طاوووس، مغتر بجمال هيئته، يغمرها الحماس نحو المقابلة الهامة ، سوف تضغط عليه اليوم ، ولن تتركه سوى بعد ان يتخذ خطوة جادة، دائما ما يلهيها بمعسول الكلام ، لكنها اليوم حسمت ولن تتراجع عما تريده.

– رايهة فين يا فوتنة.
ضغطت على نواجزها لتلتف نحو الملعونة التي سحبت البساط من تحت اقدامها، بجمالها ولغتها الركيكة، ومكرها قبل اي شيء:

– بتسألي ليه؟ انت مالك اروح فين ولا اجي منين؟
تمايلت جوليا بخطواتها نحوها، وشعرها الحريري يتناغم معها ، لتجيبها بابتسامة لطالما استفزتها:

– حبيبتي يا فوتنة انا بسألك عشان اعرف هتتغدي معانا ولا ايه؟ اصل انا عندي خبر حلو اوي عايز الكل يبقى حاضر وانا بقوله.

ردت بحدة ونفاذ صبر:
– خبر ايه؟ جولي على طول انا ماعنديش مرارة ويمكن ملحقش اتغدى اصلا

بدلال تجيده، لفت جوليا بخصلة كبيرة على اصبعها ، تجيبها بحالمية:
– هبقى ام زيك يا فوتنة، انا حااامل.

لو كانت النظرة تحرق، لما ترددت ابدا عن فعلها، كان ينقصها هذه الملعونة وتثبيت اقدامها بالمنزل، وهي التي توقعت طردها بعد شهور قليلة، بعد أن يزهد شقيقها منها، او بغضب والديها، ولكن لم يحدث.

زفرت داخلها تكتم على حريق شب بداخلها، لتهديها ابتسامة صفراء وتهنئتها على مضض:

– مبروك يا ختي، اللف مبروك .
قالتها ولم تنتظر ردًا منها، لتستدير نحو وجهتها مغمغة داخلها:
– الهي ما يكمل ولا تشوفيه يا بعيدة، جطيعة تاخدك وتغورك من هنا خالص، ولا اسيبهالك انا احسن، عشان اخلص من خلجتك يا سااتر…….. الله يخرب بيتك صالح، امتي بجى تخلصني؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى