روايات

رواية مملكة سفيد الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الجزء الثالث عشر

رواية مملكة سفيد البارت الثالث عشر

رواية مملكة سفيد
رواية مملكة سفيد

رواية مملكة سفيد الحلقة الثالثة عشر

#الثالث_عشر
#ظلم_قديم_وتار_مُبيت؟
قبل القراءة متنساش تعمل لايك على الفصل …
“أخي ما بَالُ قلبكَ ليسَ يَنقَى؟!
‏كَأنَّكَ لا تَظنُّ المَوتَ حَقَّا!
‏أَلا يَا ابنَ الذينَ فَنوا وبَادُوا
‏أَمَا وَاللّٰهِ مَا ذَهبُوا لِتبقَى!”
‏- أبو نواس.
صلوا على نبي الرحمة
_________________________
توقف بخيله على حدود المملكة بعدما انتهى من أمور جنوده داخل القصر وجاء لتفقد الحدود المشتركة مع مشكى، الحدود التي أصبحت حدود شائكة بعدما كانت مجرد حدود بالاسم فقط، نظر بأعينه صوب مشكى يرى جنود بافل يدورون على بعد صغير منه، يتمخترون على رمال مملكة ما كان لهم أن يطئوها يومًا سوى بوجوههم حينما تدفن فيها .
رفع عيونه بقوة يبصر قصر مشكى الملكي الذي يعلو أحد الجبال، وعيونه تنير بضوء مختلف وصوت داخل عقله يهمس بكلمات رفيقه :
” أنظر يا سالار، هذه مشكى ارضي وارض أبائي جميلة بكل ما فيها، وإن مت يومًا، اتمنى أن أكون شهيدًا مدافعًا عنها ”
ابتسم سالار بسمة صغيرة يحرك عيونه صوب الجنود الذي يتضاحكون أمامه بصوت صاخب ينظرون صوبه بنظرات ساخرة وكأنه مجرد مهرج يسليهم، وهو منحهم بسمة لطيفة يرفع كفه لأجلهم، لتبهت وجوه الجميع وتعلو نظرات التعجب وجوههم .
هبط سالار عن خيله يتقدم صوب الحدود بينهم يراقب أنهم تداركوا فاجعة ما فعل هو ودانيار وتميم واحضروا جنود كثر، وهذا متوقع فهم يمتلكون عداد ضخم، كالحشرات تمامًا يتكاثرون بشكل مخيف .
توقف سالار بينما جنوده كانوا مستنفرين جواره ظنًا أنه سيشن هجومًا أو ما شابه، لكن سالار فقط نظر لهم نظرات يقول بصوت هادئ وكأنه عابر سبيل مر بهم بالصدفة :
” السلام عليكم ..سمعت أنكم أتيتم لمشكى منذ فترة وجيزة، ولستم من شعبها صحيح ؟!”
نظر له الرجال بجهل، يتعجبون أن يقترب أحد رجال الممالك الأخرى والتحدث معهم بهذا الود، نظر له أحد الرجال يقول ببسمة ويبدو أنه لم يتواجه يومًا لا هو ولا أي واحد منهم مع سالار في ساحة الحرب ليجهلون محدثهم :
” نعم صحيح، ومن أنت ؟؟”
حركّ سالار رأسه وعيونه ينظر لمحيطه بهدوء :
” عبدٌ فقيرٌ إلى الله، دعكم مني واخبروني ما الذي تفعلونه في بلاد ليست لكم، ووطن ليس وطنكم ياقوم؟؟ ما بالكم استحللتم الدماء والأرض والعرض؟؟ لا يعقل أنكم ولدتم منبوذين، أعلم أنكم كنتم قبل ذلك مسلمين، لكن نبذتم أنفسكم عن دينكم وتركتم ارضكم واتبعتم أنفسكم فاصبحتوا منبوذين ”
على الغضب ملامح الرجال وغلت المراجل في صدورهم وانتفض أحدهم بقوة يدافع عن تلك الأرض التي لا يعلم عنها شيئًا على أية حال :
” من قال أنها ليست لنا يا هذا، نحن اخذناها وفزنا بها، إذن نحن الآن أهل هذه البلاد وهذه أرضنا ووطننا ”
ابتسم لهم سالار بسمة خفيفة، وجنوده حوله ينظرون له بصدمة وعدم فهم لسبب هذا الحوار، لكن سالار لم يهتم وهو يقول بهدوء شديد ونبرة تشع بالسلام :
” إذن، إن أخبرتك أنني قائد جيوش سفيد وعلى استعداد لمنحك منزل داخل بلادي، وأعطيك من الأموال حتى تكتفي واضمن لك ألا تجرفك امواج الحرب العاتية وأحفاظ على حياتك، هل تنضم لجيشي وتساعدني ؟؟”
اتسعت أعين الجميع وعلت نظرات متفاوتة أعينهم، لا يصدق أحدهم أنهم أمام قائد جيوش سفيد الذي كان بافل منذ أيام على وشك إحراق المكان لأجل ما فعل بهم، تبادل الجميع النظرات وقد بدأ الطمع يعلو عيونهم، والتردد يزين ملامحهم، وسالار منحهم بسمة واثقة ينتظر منهم ردة فعل وقد كانت حين تقدم أحدهم يقول بريبة :
” أنت تحاول خداعنا أليس كذلك ؟؟”
” لا عزيزي أنا لا اتبع نفس أساليب قائدك، فأنا لا اتحايل أو اخدع أحد ”
لمع الاستحسان على ملامح الجميع وقد بدت فكرة الانضمام لسفيد وتأمين حياتهم في مملكة آمنة مستقرة فكرة جيدة، لكن مستعبدة فهم ما كان لهم أن ينسلخوا عن حقيقة كونهم منبوذين، الأمر صعب، وهذا الرجل أمامهم لا بد أنه يسخر منهم فقط، وإن كان جادًا ما كان ليعرض أمر كهذا بهذه النبرة الساخرة وهذه البساطة، وقبل أن يحسم أحدهم تردده ويبدي رأيه بشأن عرض سالار، اعتدل سالار في وقفته يقول بجدية :
” حسنًا هذا ما كنت انتظره، إن كنتم على استعداد بالتفكير فقط مجرد تفكير في عرض لترك تلك الأرض التي تقفون عليها مقابل امتيازات أكثر مما تقدمها لكم، فهذا يعني أنها ما كانت يومًا وطنًا لكم، أصحاب هذا الوطن هم أنفسهم من يعانون ويُقتلون ويُعذبون على أيديكم ولم يفكروا لحظة في التخلي عنها لأجل شيء، وانتم تعيشون مرفهين ورضيتم تركها لأجل رفاهية أكبر، لا يستوون ..”
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عنهم ساخرًا وقد زرع داخلهم ما كان يرنو إليه من حواره ليسمع صوت رجل مرتفع :
” لكن هذا يعني أنك خدعتنا، مثلك مثل بافل ”
ابتسم سالار بسمة جانبية وعيونه قد ألتمعت بسواد قاتم وهو يقول دون أن يستدير لهم :
” جيد أنك تعلم ما يفعله بكم بافل، وفيما يخصني فأنا لم أكن اخدعكم بشيء، بل كنت أظهر لكم أنكم مجموعة مرتزقة لا وطن لكم ولا أرض ولا ذمة، أنتم حمقى تبيعون أنفسكم لمن يدفع أكثر، وأنا يومًا لن أقبل امثالكم داخل أرض سفيد، ولن أسمح أن يمس أحدهم ذرة رمال منها ”
ابتسم أحدهم بسخرية يتقدم الجميع صوب الحدود الفاصلة بينهم والتي كانت عبارة عن قطع حديدية كبيرة، تخطى ذلك الجندي الحدود يتحدث بصوت ساخر متحدٍ :
” ها أنا لمست رمال سفيد وإن أردت أن اتمرغ بها سأفعل”
استدار سالار ببطء يرمق قدم ذلك الرجل الذي يحركها على الأرض أسفله كما لو كان يدهس حشرة، ثم رفع عيونه صوب وجهه بهدوء شديد :
” حسنًا أمر التمرغ لا جدال عليه، فأمثالك من الخنازير اعتادوا التمرغ بالوحل، لكن نسيت أن هذه سفيد وليست بركة الوحل خاصتك، والآن امنحك ثلاث ثواني لتعود حيث كنت وإلا اعتبرت وجودك على ارضي تهديدًا ”
” وإن لم افعل ؟؟”
نظر له سالار ثواني ثم قال بملامح جامدة :
” لا انصحك ”
ضحك الرجل وتبعه أصدقاؤه بصوت صاخب وهم يراقبون ما يحدث وقد رنّ صدى ضحكاتهم في الأجواء، لكن فجأة تلاشت تلك الضحكات وعلت صرخات حادة عند تناثرت الدماء عليهم وقد شق سيف سالار معدة صديقهم دون أن يرف له جفن ..
سحب سالار السيف من معدته يرى جسده يتهاوى ارضًا، ثم رفع عيونه لباقي الرجال الذين شحبت ملامحهم بقوة وقال بهدوء شديد موجهًا حديثه لرجاله :
” ألقوا جسده لهم ولا تدعوا أحدهم يطأ رمال سفيد وإلا الحقتموه بصديقهم… وأنتم لديكم عشرون دقيقة لللحاق به، فإن كان محظوظًا لن يموت بسرعة ”
تركهم سالار يتحرك بهدوء شديد بعدما ألقى لهم نظرة مشتعلة يلوح بيده في الهواء :
” تحياتي لبافل وملاعينه ”
صعد سالار حصانه يرمق جنوده يحملون جسد الرجل يلقون به في مشكى ثم عادوا وتمركزوا في أماكنهم بملامح قدت من صخر، هز رأسه بهدوء يتحرك صوب القصر ليكمل عمليات التدريب التي تركها .
” لعنة الله على الكافرين”
_________________________
طالت نظرات إيفان صوبها وهي تتكأ بهذا الشكل على الشجرة، تنظر له بتحدي وكأنها تدعوه أن يتجرأ ويقترب لنزع اللثام عن وجهها .
رفع حاجبه لها لترفع هي خاصتها وكأنها تخبره ( ماذا ؟؟)، لكن إيفان ابتسم لها بسمة ساخرة يتقدم منها خطوات معدودة لتعود هي نفس عدد خطواته التي تقدمها، أطلق ضحكات مستنكرة :
” أنظروا من خرج صباحًا في تحدي سافر لي، لكنه يخشى اقترابي منه ”
” ومن قال أنني اخشاك ؟؟”
نظر لها إيفان ثواني قبل أن يشير بعيونه صوب كفها الذي يحمل السيف :
” لا أدري، ربما أصابعك التي تتحرك على قبضة السيف بشكل متوتر، أو ارتجافة يدك نفسها، أخبريني أنتِ يا ترى ما الذي يجعلكِ تخشينني ؟؟ ”
” أنا لا أفعل ”
هز رأسه باستهزاء :
” نعم صدقتك، إذن يا ….أنتِ لم تخبريني اسمك صحيح ؟؟”
نظرت له بشك لتحدثه معها بهذه البساطة، هذا الأمر جعلها تخشاه أكثر من تعامله معها بحذر أو صرامة، هذ الرجل كل ما به يخيفها ويستفزها وبشدة .
” لا بأس سنتجاهل الاسم وادعوكِ الملثمة الغبية”
اتسعت عيون كهرمان بقوة وشعرت بالغضب يندفع بين أوردتها بعد كلماته وهو تجاهل كل ذلك يقول ببسمة :
” يليق بكِ الغباء، فأي امرأة تلك التي ترتدي ثياب جندي وتحمل سيفًا وتأتي الملك لتقاتله دون سبب وهي تعلم أنها في أي لحظة ستسقط أسفل قبضته وحينها سيسقيها من المر كؤوسًا ”
ابتسمت كهرمان بسمة انعكست في عيونها وهي تتخلى عن مكانها تتحرك صوبه بخطوات حذرة بغرض إثبات أنها لا تخشاه :
” ومن أخبرك أنني افعل ذلك دون سبب ؟؟”
” حسنًا لا أجد سببًا لتلك الأفعال الرعناء، ولا مبرر لها سوى الغباء ومحاولات يائسة لإثبات شيء في نفسك، أو ربما …تحاولين لفت انتباهي لكِ ”
ختم حديثه ببسمة عابثة في قمة السخرية، لكنها بدل الغضب أو الانتفاضة محاولة الدفاع على نفسها أطلقت ضحكة فلتت منها دون وعي ولم تغير صوتها كما المعتاد، لتعلو نظرات غامضة عيون إيفان الذي اطال النظر بها يسمعها تردد بنبرة غريبة :
” ولِمَ لا تقول أنه ربما الدافع وراء كل هذا هو الكره، والعداوة ”
صمت إيفان ثواني ثم قال بصدمة كبيرة :
” أوه، كره وعداوة من امرأة ؟؟ ؟”
ثواني قبل أن ترتسم بسمة واسعة فخورة على فمه يقول بشكل مستفز لكل خلية داخل جسد كهرمان :
” هذا رائع يبدو أن نجاحي لم يصب الرجال فقط بالحقد والكره بل امتد ليشمل النساء كذلك الأمر، هذا أمر يُحسب لي”
نظرت له كهرمان بصدمة وقد أصابها إيفان للتو بخرس، لقد جاءت كي تثير استفزازه وتخبره أنه ليس صالحًا كما يظن وأنه مجرد حقير ظلم شقيقها، لكنه ببساطة اصمتها، بالله هل هناك من يرى نفسه بمثل ذلك الشكل مثله !؟
وإيفان تلقى صدمتها ببسمة وسعادة يهنئ نفسه على هدفه، ثم قال يفرك ذقنه بتفكير :
” إذن أنتِ تكنين لي كرهًا وحقدًا، وكأي امرأة طبيعية نالها ظلمٌ من رجلٍ ما، ارتديتي ثياب رجل وجئتِ لمبارزتي، أمر تقليدي معروف صحيح ؟؟ جميع النساء الكارهات يفعلن هذا بالطبع ”
نظرت له بعدم فهم لكنه بصق في وجهها كلماته حانقة :
” ألم يخطر بعقلك أن تأتي لقاعة العرش وتشتكي لي من أي ظلم تعرضتي له ؟؟ ”
” ومن أخبرك أنك ظلمتني أنا ؟؟”
نظر لها بعدم فهم يبصر اشتعال عيونها بغضب شديد :
” من ظلمته بين يديّ الله الآن، وأنا لن آتي واتذلل لك أسفل عرشك لاحصل على حقه، وأنا لا اريد أخذ حقه منك، بل سأترك عقابك لرب العالمين، أما عما افعله أنا فربما يمكننا تسميته وسيلة لتفريغ كرهي وغضبي منك، أن أراك امامي وسيفي بين قبضتي، يمنحني نشوة وأمل أنني قد أتخلص منك يومًا ”
كانت تتحدث وهي تنظر لعيونه بعيون بدأ اللون الابيض بها يتحول للأحمر من الغضب أو ربما من كبتها لدموعها، بينما إيفان في تلك اللحظة شعر بالصدمة لمقدار الكره الذي يقطر من بين حروفها، هل بالفعل ظلم إنسانًا في حياته ولم يرد عنه مظلمته حتى مات ؟؟ هو لا يتذكر أنه ظلم يومًا أحد.
اطال النظر في وجه كهرمان التي كانت دموعها متلألئة بالدموع، ثم تراجعت ببطء للخلف تقول :
” ربما لا تتذكره، لكن أخي كان يحترمك يومًا ما، كان يقدرك ويراك شخصًا عظيمًا، لكنك …لكنك خيبت أمله وظلمته، مات دون أن يسامحك، وأنا هنا مضطرة أن أراك تتمختر أمامي كل يوم تتباهى بعدلك أمام الجميع وأنت الظالم، تتغنى بصلاحك وأنت الفاسد ”
سقطت دموعها تتنفس بعنف وإيفان ما يزال صامتًا دون كلمة واحدة، الذهول هو كل ما يمكن أن تراه أعلى ملامحه، تنفس بصعوبة يحاول معرفة ما فعله، لكنها لم تسمح له تمسح دموعها ببساطة :
” ربما تكون تلك المبارزة لك نوع من أنواع الترفيه، لكنها تعني لي الكثير، من يدري ربما يحالفني الحظ وتنتهي المبارزة بموتك ”
راقبها إيفان تبتعد عنه ببطء ولم يتحرك أو يركض ليعلم من هي عكس ما كان يخطط، تركها تتحرك بعيدًا عنه ببطء شديد ولم يصدر منه سوى قول :
” لكِ ما تريدين ”
توقفت كهرمان بتعجب ليقول ببسمة لا معنى لها :
” ستستمر المبارزة بيننا حتى يسقط أحدنا، إما أنا أو …أنتِ ”
ابتسم كهرمان له بسمة صغيرة تنحني نصف انحناءة له :
” يبدو هذا عادلًا …مولاي .”
ختمت كهرمان حديثها تمنحه بسمة صغيرة ثم تحركت بعيدًا عنه وهي ما تزال تراقبه وحينما أصبحت على بعد منه استدارت وركضت بسرعة وإيفان ما يزال يحدق في ظهره وقد اضحت تلك المبارزة مع هذه الملثمة أكثر من مجرد لعبة، سيعلم من هي ومن هذا الذي ظلمه لتأتي هي وتبغضه بهذا المقدار، سيصل له، وحينها سيقف أمامها ينتزع اللثام ويخبرها بكل قوة أنه لم يظلم أحدًا ولن يفعل …
وفيما يخص الظلم عليه الآن ترك تلك المدعية تخرج من أسوار سجنه مع وطردها خارج أسوار قصره بالكامل، هذا يبدو عادلًا له .
_______________________
تقف جواره في منتصف الساحة حيث يتدرب دانيار عادة، وأمامه على أحد الأشجار هناك رسومات لدوائر تمثل هدفًا له، تنهد دانيار بصوت هادئ قبل أن ينظر لتبارك والتي كانت تضع لثامًا تخفي به جزء ليس بالهين من وجهها، وتقف بثياب محتشمة وحجاب طويل بعض الشيء تحمل بيدها سهم وبالأخر قوس، تنتظر تعليمات دانيار لها .
” حسنًا مولاتي، الأمر في غاية البساطة، كل ما عليكِ فعله هو تثبيت قدميكِ في الأرض، تشديد قبضتيك حول القوس والسهم، ضعي كامل قوتك في ذراعيكِ وكتفك، ركزي على هدفك واتركي السهم ليصيبه، واضح ؟؟”
هزت تبارك رأسها وقد حفظت تعليماته بالكامل تركز عيونها أمامها صوب الهدف تشعر بالخوف أن تصاب أثناء استخدام السهام، لذلك رفعت رأسها لدانيار تتساءل :
” هذا لن يؤذيني ؟؟”
” ماذا ؟؟ لا لا بالطبع لن تتأذي، فقط نفذي كل ما أخبرتك به، وسترين أن الأمر ابسط بكثير مما تعتقدين ”
هزت تبارك رأسها تتنفس، ثم شرعت تسمي الله قبل البدء في أي شيء، أمسكت القوس ووضعت به السهم، ثم رفعته وهي تحاول أن تتحكم بهما، لكن ما كادت يدها تستقر في الهواء حتى سقط منها السهم يسبب مسكتها الخاطئة، ابتسمت له بسمة صغيرة خجلة :
” اعتذر لك، أنا … أنا لا اعلم كل تلك الأمور ”
ورغم أنه لم يكن من النوع الهين في التدريب أو الصبور، إلا أنه لم يغضب أو يصرخ، بل نظر لها باحترام يقدر محاولاتها للنجاح في الأمر :
” لا بأس، دعيني اساعدك ”
ختم حديثه يميل ارضًا ليأخذ السهم، ثم نزع منها القوس يريها كيفية حمله وهي تراقبه باهتمام شديد وانبهار أكبر، ثواني حتى وجدت دانيار يعطيها القوس موضوعًا به السهم مشيرًا للهدف :
” والآن حاولي مجددًا ”
هزت رأسها تنظر للهدف تحاول أن تصيبه بدقة، ركزت وركزت حتى شعرت أنها على أتم الاستعداد لترك السهم، جذبته أكثر لتكون الضربة قوية، وما هي إلا ثواني حتى تركت السهم لينطلق في الهواء، ثم وضعت يدها أعلى رأسها لتخفي الشمس عن عيونها تراقب السهم، لكن للعجب لم يكن هنا شيء في الهواء ولا في الهدف، ضيقت ما بين حاجبيها بعدم فهم وهي تدور حولها..
ودانيار ينظر لها بصدمة وهو يقول :
” إلاما تنظرين ؟!”
” السهم لا أدري أين اختفى ؟!”
رفعت رأسها للسماء تبحث عنه لربما كانت قوتها مبالغ بها وقذفته بعيدًا، لكن صوت دانيار جذب انتباهها وهو يقول بصوت به غضب مكتوم :
” أين تنظرين مولاتي، السهم لم يتحرك خطوة بعيدًا عنكِ”
نظرت له بعدم فهم ليشير هو على السهم الذي سقط من يدها أسفل أقدامها بدلًا أن تقذفه، نظرت له بصدمة ثم رفعت عيونها لدانيار الذي كانت ملامحه مزهولة، ابتسمت له تحاول ايجاد شيء لقوله وهي تنحني لتحضر السهم :
” أوه ها هو ذا، يبدو أنه أفلت مني بالخطأ، سأعيد رميه”
صمت تحاول وضعه داخل القوس، لكن حينما فشلت مدته إلى دانيار تقول بهدوء وبسمة صغيرة :
” هل يمكنك وضعه لأجلي ؟؟”
جذب منها دانيار القوس والسهم يضعه بشكل معين، ثم مده لها :
” حسنًا ضعي كامل قوتك في ذراعيكِ، وركزي وإياكِ وافلاته بضعف، كما جذبتيه بقوة اتركيه بقوة ”
هزت رأسها تستمع لحديثه ثم جذبت السهام بقوة شديدة، ومن بعدها تركته بسرعة كبيرة كما قال، لتشعر أن جسدها اندفع مع السهم للإمام بشكل جعل دانيار يصرخ برعب وهو يمد يديه وكأنه سيتدارك الأمر :
” يا ويلتي”
سقطت تبارك ارضًا بقوة تشعر بوجع شديد في أكتافها وذراعها بسبب السقطة، لكنها لم تهتم لذلك، بل كل ما اهتمت به هو السهم :
” هل أصبته ؟؟”
نظر دانيار للسهم الذي أصاب فرع الشجرة بعيدًا جدًا عن الهدف فإن كانت مثلا تصوب على رأس رجل، بهذه الطريقة قد تصيب أنف رجل آخر خلفه :
” لا بل اصبتني أنا باليأس، انهضي مولاتي رجاءً، دعينا ننظر للجانب المشرق، لقد تحرك السهم بعيدًا عن محيط قدميك ”
ابتسمت تبارك تنهض تنفض ثيابها، ثم نظرت بحماس صوب الشجرة تبحث عن سهمها :
” أين هو ؟؟ أين اصبته ؟؟”
” هناك بجوار عش ذلك العصفور المسكين ”
رفعت تبارك عيونها أكثر لا تبصر ما يشير عليه لكنها لم تهتم، بل نظرت له تقول ببسمة :
” إذن هل سيأتي يومًا وأصبح رامية سهام بارعة!!”
تنحنح دانيار لا يود أن يحبط من عزيمتها :
” حسنًا لتصبحي رامية سهام اولًا، ثم نفكر في أمر بارعة، والآن لنكمل نحن نتقدم بشكل جيد ”
ابتسمت تبارك وقد شعرت بالأمل، هذا الرجل جوارها هادئ ومتفهم، يبدو أنها ستستمتع بالتعلم معه، أمسكت القوس والسهم ومدتهم له كي يجهزه لأجلها وهو امسكهم يقول ببسمة باردة :
” أوه يبدو أنني نسيت اخبارك، أن وضع السهم في القوس من مهام الرامي، فلن تأتي لي كي أضعه لكِ كلما اردتي استخدام سهم، تخيلي أن نكون في حرب وتركضين صوبي كلما اردتي وضع سهم، وقتها ستموتين قبل تبديل السهم الاول ”
نظرت له تبارك بتسائل ليضع لها السهم وهي امسكته منه تقول بجدية :
” هل تقول أنني ربما اشترك في حرب ما ؟؟”
” من يعلم ؟؟ لربما تحدث غارة على المملكة وقتها ستكونين في حاجة لتأمين نفسك ”
شعرت تبارك بالرعب من التفكير في الأمر، هي لم تأت هنا كي تفقد حياتها بطرق غريبة كأن تقع أسيرة أو تصاب بضربة سيفًا أو يخترقها سهمٌ، هي توقعت ميتة أكثر تطورًا كأن تضربها سيارة حديثة يرفض صاحبها التنازل وانقاذها فتموت على الطرقات، أو أن يتم اغتيالها في المشفى حينما تكتشف أن عبير وسميرة يعملون بشكل غير قانوني، أو تذهب ضحية أهالي حارتها حين تبلغ عنهم الشرطة لتسببهم لها في امراض نفسية عديدة، اسباب كثيرى لم تكن الحرب أحدهم..
تنفست بصوت مرتفع وهي تكمل تدريبها مع دانيار والذي لم يستمر صبره معها طويلًا، فبعد نصف ساعة كاملة من الفشل في الاقتراب حتى من الهدف صرخ دانيار بجنون :
” بالله عليكِ أين تنظرين؟؟ ها هو الهدف في منتصف الشجرة، ليس في الفروع ولا في الأرض ولا في الأوراق وبالطبع ليس في السماء، الهدف أمام عينيكِ مباشرة، أين تصوبين أنتِ يا امرأة ؟؟”
نظرت له تبارك بغضب شديد من صراخه :
” أنت لا تصرخ في وجهي بهذا الشكل، أنا الملكة في هذا المكان ”
تنفس دانيار بقوة وهو يتحرك صوب الهدف يشير له بيده :
” معذرة مولاتي، هيا انظري هذا هو الهدف، هذا هو، داخل تلك الدائرة الصغيرة و…”
فجأة توقف بصدمة حينما رأى السهم يصيب الشجرة جوار رأسه تحديدًا وعلى بُعد صغير من الدائرة الأكبر في الهدف.
رفع دانيار عيونه بصدمة صوب تبارك يرمقها بتشنج وكأنه يسألها ( الآن رأيتيه ؟؟) حينما كدتي تجزين عنقي؟؟ وتبارك لم تهتم لكل ذلك، بل ابتسمت بسمة واسعة تقول بسعادة وهي تضم القوس لصدرها :
” ها أنظر لقد فعلتها، يبدو أنني بالفعل امتلك قدرات داخلية جيدة ”
نظر لها دانيار بصدمة، لكن رغم ذلك تنهد يقول بجدية :
” حسنًا سنعتبر هذا انتصارًا كبداية، رغم أنني أتعجب أنكِ حتى الآن لم تصيبي الهدف مرة واحدة ولو بالصدفة، الأمر ليس صعبًا لهذه الدرجة، فقط تخيلي أن المكان حولك مظلم ولا بصيص ضوء واحد سوى الهدف فقط ”
نظرت له تبارك ثواني ثم قالت ببسمة :
” هذا يبدو سهلًا، لكنني لم احضر نظارتي الطبية، في المرة القادمة ربما استخدمها فهذا قد يساعدني لارى الهدف من الأساس ”
نظر لها دانيار بعدم فهم :
” عفوًا ؟؟”
ابتسمت له تبارك تقول بجدية وهي ما تزال تحدق في سهمها الاخير بفخر كبير تخبره متأخرًا بعض الشيء :
” أنا أعاني قِصر نظر ”
صمتت ثم أضاف :
” يعني أنني لا أرى بعد بُعدٍ معين، تصبح الأمور البعيدة نسبيًا مشوشة لعيني، لذلك لا أرى أي علامات واضحة على الشجرة ”
نظر لها دانيار بصدمة كبيرة، هل قضى كل ذلك الوقت يحاول تعليمها التصويب على شيء لا تراه ؟؟ هل تمزح معه ؟؟ يحتاج الآن لإخفاء تلك المرأة من أمام عيونه بسرعة كبيرة قبل أن يتخلص منها في فورة غضبه .
” أه صحيح هذا رائع، احسنتي مولاتي، والآن انتهى التدريب ”
” إذن هل بدايتي جيدة ؟؟”
” بل رائعة، يوم اضافي وتأخذين مكاني في الجيش ”
ويبدو أن ذلك الأمر اعجب تبارك التي ضحكت بخفة تدرك مجاملته لها وهي تسير بعيدًا عن الساحة :
” حسنًا لا تقلق، فلن افعل، والآن اسمح لي بالذهاب ..”
وبمجرد أن رحلت تنهد دانيار متنفسًا الصعداء يلقي جسدها ارضًا وهو يرمق السهم بحنق :
” احيانًا اكره كوني ذو فائدة في شيء …”
_______________________
وعدتُكَ
أن أتجاهَلَ عَينَيكَ مهما دعاني الحنين
وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجومًا
شَهَقت
وعدتُكَ
أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكَ
ولكنني رغم أنفي
كتبت…….
«مقتبس»
وعودًا قطعتها في لحظة يأسٍ بيني وبين نفسي، بنود خططتها كي اوقف الحرب بين قلبي وعقلي على حبك، تعهدت أن أتوقف عن تتبعك، لكنني اخلفت، وها هي بعدما أخبرته مئات المرات أنها لن تطأ معمله عادت إليه مجددًا، لا ليست دون كرامة، بل هي دون إرادة، عاشقة بائسة سقيمة وما لها من دواء سوى رؤيته .
ابتلعت برلنت ريقها تدور بعيونها في المكان تطمئن أنه خرج اتتنفس الصعداء حينما وجدت المكان خالي منه، لكن ليس من رائحته .
بدأت تنظف المكان رافضة أن تمس امرأة أخرى شيئًا يمسكه هو، تأتي يوميًا منذ جاءت للعمل بالقصر كي تنظف معمله بنفسها حتى وإن لم يعلم ذلك .
بائسة ؟؟ قليلة الصفة في حقها، هي في غاية البؤس واليأس أن تعود له مجددًا.
أن يركض صوبها يفتح ذراعيه لها مبتسمًا أن تسمع لقب دلالها من بين شفتيه .
” بيــــرلــــي ”
استدارت برلنت الصغيرة بفزع حين أبصرت جسد تميم الذي يحدق فيها بشر واعين متسعة، وفجأة اشتد غضب عيونه وهو يركض صوبها صارخًا :
” أيتها المجنونة ما الذي فعلتيه ؟! ابتعدي، ابتعدي ”
جذب تميم جسدها بسرعة بعيدًا عن العربة الخشبية الخاصة بوالدها وهو يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، وهي كعادتها وقفت جواره تنكس رأسها ارضًا وهي تبكي بصوت مرتفع :
” آسفة، أنا آسفة اقسم لم أقصد، لقد هربت الدجاجات من القفص وارتعبت من أن يشردوا بعيدًا، وبالخطأ اصطدمت بالسيارة لتنفلت عجلاتها وتصطدم بالجدار وتتحطم ”
نظرت للسيارة التي فسد جزء لا يُستهان به منها بسبب حيوانات والدتها التي تربيهم خلف المنزل، قبل أن تنفجر باكية بصوت مرتفع تقول بفزع ورعب استبد بها :
” أبي سيقتلني، يا ويلتي تميم سيقتلني، اقسم أنه سيقتلني ”
كانت مفزوعة بشكل كبير وهي تبكي تنكب على السيارة تحاول جمع القطع الخشبية وتصليحها مجددًا بشكل هستيري يائس، جعل تميم يجذبها بسرعة بين أحضانه وهو يحاول تهدأته :
” اهدأي بيرلي، لن يحدث لكِ شيء صغيرتي، لن يمسك العم بسوء اهدأي لا تبكي، لا تبكي ”
لكن برلنت لم تتوقف عن البكاء مرتعبة وزاد بكائها عنفًا حين سمعت صوت والدها الذي تلقى صدمته الكبرى حين رأى ما حدث لمزروعاته :
” ما الذي حدث هنا؟! ما الذي حدث لعربتي ؟!”
ابتعدت برلنت بسرعة عن احضان تميم تبكي بخوف شديد تحاول الحديث وهي تفرك يديها بتوتر في فستانها :
” أبي أنا…”
” هذا أنا عمي، لقد، لقد هرب حصاني من الاسطبل واقتحم ارضك بالخطأ وتسبب في كل هذا حتى أنه حطم الفخار الخاص بنا ودمر كل شيء و… أنا آسف حقًا ”
نظرت له برلنت بامتنان ولم تكد تتحدث بكلمة حتى أطلقت صرخة مرتعبة بسبب ضربة والدها التي أصابت تميم وهو يصرخ به أنه حطم مصدر رزقه بسبب طيشه وحصانه الأخرق .
ذلك اليوم تتذكر ما حدث، هرج أصاب المكان وشجار نشب بين العائلتين انتهى بتدخل تميم وقوله أنه سيتحمل خطأه وينقل ما يريده والدها بنفسه و بلا مقابل ليعوضه عن خسارته إلى جانب عمله مع والده، تحمل خطأ لم يرتكبه لأجلها ولم ينطق بكلمة واحدة يذكر فيها اسم برلنت ..
وفي النهاية وبعدما هدأت الأمور، لم يوجه لها سوى كلمات قليلة مصحوبة ببسمة لطيفة وهو يعطيها بعض الفواكه كي لا يبيكها :
” افديكِ بحياتي كلها بيرلي، وليس فقط مجرد أيام من العمل مع والدك صغيرتي، لا بأس طالما أن سوءًا لم يمسك ”
رفعت برلنت عيونها الباكية له بعدما اعتزلت الجميع في حديقة الحي بعيدًا عن الأعين وليس عنه بالطبع :
” شكرًا لك تميم ”
” عفوًا بيرلي …”
استفاقت برلنت فجأة من رحلة ذكرياتها التي تتمنى لو تُسجن داخلها بالقوة، أن يأبى الزمن إخلاء سبيلها، أو أن ترفض الحياة ابتعادها عن تلك النقطة …
تنهدت تعود بعيونها للمعمل، صوب حاضرها الذي يكفيها وجود تميم به لتبتسم وتسعد .
وأثناء تنظيفها انتبهت برلنت لشيء يلتمع أعلى الطاولة الخاصة بأدواته، اقتربت ببطء تحاول تبين هويته، وحينما لمسته انتفض جسدها بقوة تطلق شهقة مرتفعة :
” ما هذا الشيء ؟؟ ما الذي يحدث هنا ؟؟”
” مزعجة اقتحمت معملي وتحاول سرقة حجر الطاقة الذي عثرت عليه بعد عمل مكثف، هذا ما يحدث هنا ”
حدقت برلنت بالحجر دون أن تستوعب أن الصوت الذي خرج منذ ثواني لم يكن صوت أفكارها :
” حجر طاقة ؟؟ وماذا يحمل داخله ذلك الحجر ؟؟”
” طاقة كهربائية تولدت لحركة ذراته واحتكاكها الدائم، ومن المفترض أن من يلمسه دون عازل كما فعلتي يُصاب بشحنة كهربائية مميتة، لكن يبدو أن كامل الأسلحة تفشل امامك يا امرأة ”
” هكذا إذن ؟؟”
” نعم هكذا إذن ”
استقامت برلنت بعدما انتهت من فقرة تحديقها بالحجر تستدير صوب تميم تقول ببسمة صغيرة :
” يبدو مثيرًا للـ ….”
صمتت فجأة بصدمة حينما استعوبت واخيرًا ما يحدث في المكان ليزداد قرع قلبها داخل صدرها، وهي تتنفس بصعوبة محاولة الحديث .
ابتسم تميم يقول :
” مثيرة للشفقة ”
تحرك صوب الطاولة يرتدي قفاز عازل، ثم حمل الحجر يضعه في مكان مخصص له، وبرلنت شعرت بالصدمة مما سمعت، حسنًا ربما لم يتعرف عليها على أية حال، فهي تضع غطاء أعلى وجهها طوال الوقت و…
” إذن أيتها القردة ما الذي ألقى بكِ في معملي ؟؟ أولستِ أنتِ من اقسم على ألا يطأ المكان ؟؟”
فتحت فمها للحديث لكنه قاطعها يسبقها بحجها :
” نعم نعم أنتِ جئتِ مجبرة ولا تطيقين رؤيتي صحيح ؟!”
هزت راسها بنعم وهي ما تزال تحدق فيه بصدمة كبيرة، ليبتسم لها قائلًا :
” إذن ما رأيك أن اريحك واطلب من المشرفة بنفسي أن تغيرك وتضع فتاة أخرى تتولى أمر تنظيف معملي ؟؟”
” ماذا ؟؟ لااا”
كانت صرخة برلنت مقهورة مفزوعة أن يفسد ذلك الاحمق ما سعت له طوال تلك السنوات، هو لا يدرك ما احتاجت لفعله كي تتفرد بتنظيف معمله، يا الله ذلك الرجل لا يدرك شيئًا .
رفع تميم حاجبه متعجبًا ما قالت لتسارع القول :
” اقصد أنني لااا اهتم، جد عاملة أخرى أو لا تفعل فلا اهتم، من يريد أن يدفن نفسه وشبابه في تنظيف هذا المكان القذر؟؟ ”
” ماذا ماذا ؟؟ أي قذر هذا يا امرأة ؟؟ انظري حولك، انظري”
نظرت برلنت حولها بأعين ساخرة لتقع عيونها على بعضٍ من قشر الموز أسفل قدمه ليزيحه هو بسرعة أسفل الطاولة يقول بجدية :
” أنا أكثر رجال المملكة نظافة، أوتعلمين أنا لا أريد عاملة نظافة من الأساس، سوف اتكفل بالأمر بنفسي”
شعرت برلنت أن ما سعت له وما تعيش لأجله يتسرب من بين أصابعه، لذلك سارعت بالاعتراض :
” اسمع يا هذا …اقصد يا سيد، هذا المكان تحت إشرافي الخاص لذلك لا تعطلني عن العمل، هيا ابتعد عن طريقي لانتهي من العمل رجاءً ”
وبهذه الكلمات تخطته تاركة إياه ينظر في أثرها بصدمة كبيرة، ثم اخذت تنظف المعمل وهو يقف مكانه يحدق فيما تفعل بجهل، ليقرر في النهاية أن يتحرك وينتهي من عمله بدلًا من التحديق بما تفعل تلك العاملة ذات اللسان الطويل .
اندمج تميم في عمله وبرلنت كانت تتحرك في المكان تنظفه لأجله، لكن كل ثانية كانت تنظر إليه شاكرة غطاء الوجه الذي لا يوضع أين تحدق هي .
كان تميم يمسك تلك الكرة واضعًا إياها أمامه محاولًا التفكير في السلاح الجديد الذي يعتمد عليها، وفجأة نظر صوب برلنت يتساءل بجدية :
” أخبريني شيئًا، هل يزعجك أن تصابي بشحنة كهربائية تسري بين اوردتك كما لو أنكِ اشعلتي شرايينك ؟؟ هل تظنين أن ذلك الألم جيد ؟!”
نظرت له برلنت دون فهم لما يقول وهو يفكر في ذلك السلاح الذي سيخاطره به يحاول أن يشرح لها الأمر بعدما لم يجد غيرها في المكان، ليستبدل الحديث مع نفسه بها، على الأقل هي ستجيبه ردود تختلف عن ردود عقله :
” اعني تخيلي لدقيقة أنني اصبتك بسلاح تسبب في إصابتك بشلل مؤقت مع شعور حارق يسير في اوردتك، هل تظنين أن هذا قد يكون جيدًا كسلاح ؟!”
حدقت به برلنت في صدمة كبيرة تفتح فمها، وهو حمل الكرة يتحرك صوبها يقول بجدية :
” حسنًا سأشرح لك الأمر بشكل اوضح و…”
لم تسمح له برلنت بإكمال الحديث إذ سارعت ومنعته من الاقتراب بريبة شديدة :
” مهلًا توقف مكانك ولا تتقدم خطوة مني، ما بك كلما رأيت وجههي اكتشفت أنك تود فجأة تفجير قنبلة، هل تغريك فكرة رؤية جسدي يتناثر حولك أم ماذا ؟!”
رمقها تميم بعدم فهم، ما الذي تظنه تلك البلهاء، هل تعتقد أنه سيجرب بها سلاحه ؟؟ هو فقط يود أن يجد أمامه شخص يتحدث معه بأفكاره عله يصل لاجابة عما يدور بخلده، اقترب منها يحاول توضيح ما يريده :
” لا لا ما الذي فهمتيه أنا فقط اريد أن أسألك عن …”
لم تمنحه برلنت فرصة توضيح شيء، بل كانت عيونها تتحرك مع يده التي تحمل تلك الكرة الغريبة المؤلمة، تشعر بجسدها يرتعش خوفًا، وقد تخيلت للحظات أن تميم سينتقم من كل أفعالها معه سابقًا في هذه اللحظة، لذلك غطت وجهها بسرعة تصرخ مرتعبة :
” لا لا بالله عليك لا تؤذني، اقسم أنني لم اقصد فعل كل ذلك، لم اقصد تميم أنا آسفة، ارجوك أنا آسفة، ارجوك تميم”
توقفت يد تميم في الهواء فجأة يشعر بصاعقة ضربت جسده بأكمله في لحظات وصوت صرخات آخر بنبرة يعشقها يتردد في أذنه لمراهقة تبكي وهي تركض خلفه تتمسك بيده :
” أنا آسفة تميم، لم اقصد، ارجوك تميم سامحني، أنا آسفة اقسم لك لن يتكرر ذلك مجددًا ”
ارتعشت يد تميم الممسكة بالكرة لتسقط ارضًا بقوة وهو ابعد وجهه عنها بسرعة يعيد خصلات شعره للخلف يتنفس بصوت مرتفع :
” اخرجي من هنا ..”
ثواني مرت قبل أن تستوعب برلنت ما يحدث وترفع رأسها له، وتستوعب أنها للتو ترجته لأجل لا شيء، بل ونادته باسمه وكأنه ما يزال رفيقها، لكن يبدو أن تميم نفسه لم يستوعب أنها نادته باسمه، بل فقط صرخ بصوت مرتفع :
” اخرجي من هنا ألم تسمعيني ؟؟؟”
انتفض جسد برلنت برعب تجمع اشيائها وهي تهرول للخارج حتى أنها كانت تسقط على الدرج الداخلي، لكنها تماسكت تبكي بصوت مرتفع وصل لتميم الذي تقهقر جسده شيئًا فشيء يدفن رأسه بين ذراعيه يردد بتعب شديد :
” سامحيني بيرلي ..سامحيني، أين أنتِ ؟؟ لِمَ تركتني ورحلتي ؟؟”
______________________
تقف بعيدًا وهي تراقب النساء يعملن وهي بالطبع لم تتدخل وتقاطعهن، بل تركتهم ينتهون من عملها وعملهن، هي بالتأكيد لن تعمل معهن، ليس تكبرًا منها بقدر جهلها بكل ذلك فهي يومًا لم تفقه بتلك الأمور، هي عاشت وكبرت وترعرعت على القتال والصراخ والتألم، شربت من الوجع كؤوسًا حتى اكتفت ..
تنهدت تغمض عيونها بقوة تستند على الشجرة خلفها وقد عادت بذاكرتها لحياتها السابقة، حينما كانت تحيا حياة أقل من حياة أي بهيم، على الأقل لم تكن الحيوانات مضطرة يوميًا للتعرض لكافة الوان الذل واللمسات القذرة، كانت تحيا في بؤرة الفساد .
تحركت بقوة ترتدي ثياب تشبه ثياب الرجال وخصلات شعرها حرة خلفها، تحمل خنجرًا تتجاهل النظرات التي يوجهها لها رجال قبيلتها، تشعر بالغضب يكاد يقتلها وهي تبحث عنه بعيونها .
واخيرًا وجدته لتركض بجنون لا ترى أمامها سواه وهو يضرب والدتها، وفي غفلة منه ومن رجاله انقضت عليه تغرز حنجرًا في وجهه صارخة :
” اللعنة عليك يا سليل الشياطين، تبًا لك ولوالديك يا حقير، إلا أمي بافل، إلا والدتي يا قذر ”
وفي تلك اللحظة لم تهتم للرجال اللذين أسقطوا رأسها ارضًا حتى جرحت بشرتها بحبيبات الرمال، ولا بذراعيها اللذين كادا يُكسران بين اناملهم، بل فقط ابتسمت بسمة واسعة وهي ترى الدماء تسيل من وجه بافل، وصرخاته ترن في الأجواء .
أطلقت ضحكات متشفية تراه ينتفض صارخًا بجنون :
” سأقتلك …سأقتلك ايتها السافلة ”
ختم حديثه يتجاهل محاولة الجميع إبعاده عن زمرد التي لم تهتم وهي تراه يسحب شعرها بقوة متحركًا بها لساحة القبيلة وهي تصرخ محاولة الإفلات منه :
” ماذا ستفعل يا سيد الرجال ؟؟ ستقتلني ؟؟ ستضربني؟؟ لا بأس، لكنك ستحيا حياتك بأكملها تتذكرني كلما قررت تلويث نظرك ورؤية وجهك في المرآة ”
ألقاها بافل في الأرض بقوة لتطلق صرخة قوية حين انثنت ذراعها أسفل جسدها، ارتجف جسدها بقوة حين سمعت صرخة تعلمها جيدها، صرخة والدتها الحبيبة، اطهر نساء هذه القبيلة، بل اطهر نساء العالم ..
نظرت للرجال يمسكون والدتها مانعين إياها من التقدم وهي شعرت برجلين كلٌ يسحب ذراع لها جاعلين إياها تقف أمامهم، تراقب والدتها تصرخ بهم أن يرحموها، لكن أي رحمة ترتجي وهم لم يسبق وأن رحموها هي حين تكالبوا على تعذيبها، أي رحمة تأمل من شعب نبذوا وطنهم ودينهم وفطرتهم .
أطلقت زمرد صرخة مرتفعة حين شعرت بالسوط يسقط أعلى ظهرها وقد بدأ بافل رحلة الجلد التي لا تنتهي إلا حينما تسقط مضجرة في دمائها، ارتفعت صرخاتها باكية، كانت لسعات السوط تقتلها، تكرههم، تكره رجال هذه القبيلة ونسائها، تكرههم وتمقتهم جميعهم، ستقتلتهم، ستتخلص منهم جميعًا، ستنتقم لأجلها ولأجل والدتها، تقسم أنها ستنتقم منهم جميعًا ..
تنفست زمرد بصوت مرتفع تبعد عن وجهها غطاء الوجه وهي تمسح وجهها مزيلة دموعها بكفها وهي تحاول تهدئة قلبها الذي كان يرتجف وجعًا .
” مصيرك كان أن تولدي بينهم وتسير دماؤهم القذرة في اوردتك وتحملين صفاتهم، لكن رحمة الله أنكِ ولدتي من امرأة شريفة، امرأة ماتت تدافع عنك وعن نفسها، امرأة سيقف العالم يومًا وينحني لها احترامًا، سيفعلون ”
نهضت من مكانها وقد ملت الأمر، هي ستذهب الآن وتبحث عن سيفها وتعيده، لن تترك له آخر ذكرى من والدتها، سيفها الذي حُفر به اسمها، وخاض معها معارك لا عدد لها بينها وبين رجال بافل حين كانت تدافع عنها، لن تسمح له أو لأيًا كان أن يسلبها آخر ذكرى حسنة في حياتها البائسة.
في ذلك الوقت كان دانيار وبعدما انتهى من رحلته الشاقة في تعليم الملكة مبادئ الرماية، يجلس أسفل شجرة الأهداف يعمل على تنظيف سهامة وصقلها، عليه أن يعترف أن الملكة من ذلك النوع الذي يمتلك عزيمة وإصرار لتعلم أي شيء وهذه بداية مبشرة، لكنها متعبة .
تنهد بصوت مرتفع يترك السهم ويحمل آخر لتنظيفه مذكرًا نفسه أنه يحتاج لتفقد جيش الرماة واختبار الدفعة الجديدة منهم .
فجأة ومن بين افكار شعر دانيار بشيء يتحرك بسرعة كبيرة، رفع عيونه ليرى خنجر يتحرك بسرعة كبيرة صوب منتصف الهدف تحديدًا، مال برأسه يراقبه :
” ليت الملكة هي من أصابته بهذه الدقة ”
رفع عيونه صوب جسد يقف في منتصف الساحة الفارغة التي يحدها أشجار كثيرة، ويبدو أن الغضب كان رفيق له في هذه اللحظة، ابتسم دانيار بسمة صغيرة يقول ببساطة شديدة :
” كانت رمية جيدة بالمناسبة ”
ختم كلماته يعود لما كان يفعل دون يعبأ بشحنة الغضب التي ملئت الأجواء، وزمرد التي اكتفت مما يحدث تحركت صوب صارخة بغضب جحيمي تحمل خنجر آخر:
” أين سيفي يا هذا ؟! هل تظن أنني في مزاج يسمح لي باللعب معك ؟؟ اعطني سيفي قبل أن آخذه بالقوة ”
رفع دانيار عيونه ليرى أنها توجه الخنجر بالتحديد أمام رأسه، نظر لعيونها التي كانت تشتعل في تلك اللحظة، يفكر أن هذا السيف يمثل لها الكثير، لكن شيء في صدره يخبره أن يحتفظ به، لا يود إعادته لها، ولا يدري السبب .
” وإلا ؟؟”
ابتسمت زمرد بسمة أبعد ما تكون عن السعادة أو المزاح، تميل بعض الشيء تمركز خنجرها على رقبته :
” إن لم آخذه بالحسنى أخذته بالقتال يا هذا ”
ابتسم دانيار بسمة جانبية، ثم في ثواني قليلة كانت يده تمتد مسقطة خنجرها ارضًا وقبل أن تستوعب ما حدث كان جسدها كذلك يتبع الخنجر لتتأوه من الاصطدام القوي، رفعت عيونها له تراه ينهض بهدوء يتحرك بخطوات متأنية صوب الخنجر يلتقطة وهناك بسمة جانبية ترتسم على شفتيه، التقط الخنجر وبعدها مال يجلس القرفصاء وجسد زمرد ملقى ارضًا تحاول أن تنهض، لكن فجأة شعرت بحافة الخنجر تُثبت على رقبتها وصوت دانيار يصدح بهدوء :
” وأنا ما اعتدت يومًا الحسنى مع امثالك يا هذه، لذلك اختار القتال ”
استندت زمرد على مرفقيها تعتدل بنصفها العلوي تحدق في عيونه بشر كبير وصدرها يعلو ويهبط :
” لك ذلك، يسعدني أن آخذ منك سيفي ملوثًا بدمائك ”
” سنرى بدماء من سيتلوث ”
ختم حديثه يلقي الخنجر عليها، ثم نهض يتحرك صوب الشجرة يلملم سهامه ثم قال بجدية :
” غدًا مساءً في هذه الساحة موعدنا ”
تحرك ببساطة تاركًا إياها وهي ترمق أثره بقوة وتحدي :
” لكنني لا امتلك سيفًا، أنا من الأساس افعل كل هذا لأجل سيفي ”
تحدث وهو يحمل سهامه أعلى كتفه متحركًا خارج الساحة :
” سأحضر لكِ سيفًا فأنا لا اقاتل اعزلًا ”
توقف في سيره يستدير لها، ثم ابتسم ينحني لها بلطف شديد محركًا يديه وكأنه يرحب بأميرة :
” أراكِ غدًا سيدتي ”
ختم حديثه غامزًا، ثم تحرك خارج الساحة بكل بساطة تاركًا زمرد تراقبه بصدر يعلو ويهبط بغضب شديد، تشعر بالغضب ما يزال يغلي داخل قلبها، لكن صبرًا فالغد موعدهم وحينها لن تخرج سوى بسيفها …
_________________________
ها هي تجلس منذ ساعات داخل المكتبة تنتظر أن يشفق عليها العريف ويجلس ليشرح لها درسها لليوم، هي حقًا لا تدري أي درس هذا ولا تعلم لِمَ هي مضطرة لكل ذلك، لكن لا بأس هي ستكتسب ثقافة تفيدها في هذا المكان المريب .
لكن يبدو أن العريف والذي كان يقف أعلى درج خشبي ينظم بعد الكتب لا يهتم حتى لوجود تبارك منذ خمسة عشر دقيقة .
تنحنحت تبارك بصوت مسموع بغية أن ينتبه لها، لكن العريف لم يفعل، ارتفع صوت سعالها لينظر لها العريف من فوق الدرج الخشبي باستنكار مشيرًا على فمه بإصبعه مصدرًا صوتًا يأمرها بالصمت .
” اهدأي أنتِ في مكتبة، اذهبي وعالجي سعالك في المشفى ”
” لا، أنا فقط احاول أن…”
قاطعها العريف بنظرة محذرة :
” احتاج للهدوء هنا ”
شعرت تبارك أنها تثقل عليه، لكنه حتى لا يحاول المساعدة، هي فقط تضيع وقتها عليه، انتفضت عن الطاولة تعترض على كل هذا، وقد ذكرها هذا العريف بالعم متولي.
هل كل من يمتلك مكتبة يكون بهذا الازعاج ؟؟ كل من يتثقف يكون بهذا الشكل ؟!
تحركت صوب الدرج الخشبي وهي تنظر للعريف فوق بغيظ شديد، لكن ولأنها تنظر للأعلى ولا ترى أسفل قدمها، فجأة تعرقلت في شيء ما لتسقط بقوة على الدرج الخشبي الذي حاولت الاستناد عليه ليتحرك بقوة وأعلاه العريف .
أطلق العريف صرخة تزامنت مع انطلاق صرخات مرجان الذي تعرقلت به تبارك وهو يفترش الكتب حوله كالعادة .
” النجدة، ابعدي قدمك عن وجهي ”
صرخ العريف أعلى الدرج وهو يحاول التمسك بأرفف الكتب :
” النجدة، ستقتلني، تلك الفتاة ستقتلني، سالار أيها المتجبر تحرك وساعدني ”
تأفف سالار بصوت مرتفع والذي كان يختفي بين أرفف الكتب بعيدًا عن كل هذه الضوضاء، ترك الكتاب الذي يحمل جانبًا، يتحرك من مكانه بكسل شديد لا يريد حقًا أن يقدم معروفًا لهذا العريف بعد كل ما قاله وفعله به .
وحينما وصل حيث العريف أبصر تبارك التي كانت ساقطة ارضًا تحدق بجسد العريف المتحرك في صدمة كبيرة وشحوب تفرد أمامها ذراعيها وكأنه إن سقط ستلتقطه هي .
مال سالار برأسه يتنهد بتعب شديد :
” متى يرتاح الإنسان في هذه المملكة يا ترى ؟!”
تحدث العريف والذي كان ما يزال معلقًا يحاول التمسك بالارفف والنجاة من السقوط :
” أوه صدقني سألت هذا السؤال منذ سنوات وحتى الآن لم أصل لإجابة، والآن اترك اسئلتك الوجودية تلك وساعدني ”
نظر سالار صوب تبارك مشيرًا بكفه للعريف مستنكرًا:
” انظري الآن سنكون مضطرين للتعامل مع هذا الرجل بعدما يهبط ويكون مزاجه عكرًا، وكل ذلك بفضلك مولاتي”
” أنا… أنا لم أفعل، هو من سقط دون أن امسه ”
رفع سالار حاجبه يقول بحنق :
” حقًا أتقصدين أن هناك كارثة في محيطك لستِ السبب فيها ؟؟ هناك منافس قوي لكِ إذن ”
التوى ثغر تبارك كارهة لنظراته لها أنها مجرد متسببة في الكوارث، بالله كل ذلك يحدث دون إرادتها، صدف غريبة تدفع المشاكل لاحضانها:
” حسنًا أنت تتجاوز حديثك معي حقًا، انتبه فأنت لا تريد أن تُعدم لحديثك ذاك ”
اقترب سالار يحدث بعيونها الظاهرة من اللثام ساخرًا وبشدة :
” اوه حقًا ومن سيتسبب في اعدامي ؟؟”
نظرت له تبارك بقوة :
” أنا ”
تبادل الإثنان نظرات شرسة جعلت العريف يصرخ من الاعلى بجنون وقد كادت يده تنزلق عن الأرفف، يشعر برغبة عارمة في القتل، حسنًا هو يشعر بتلك الرغبة دائمًا، لكنها الآن اكبر من كل مرة .
” أنتم في الاسفل توقفوا عن هذا الهراء وانقذوني، سأموت بسبب شجاركم ”
وسالار لم ينزع عيونه عن تبارك قائلًا بقوة :
” لا تتفوهي بأحاديث لا قِبل لكِ بتنفيذها، ولا تنطقي بتهديدات لا قوة لكِ لفعلها وهذه نصيحة إضافية لكِ ”
” ومن أخبرك أنني انطق بما لا اقدر ؟؟”
” أنا لن انتظر ليخبرني أحدهم بذلك فأنا أعلم جيدًا بنفسي أي نوع من الأشخاص أنتِ …مولاتي ”
ضحكت تبارك بسخرية لاذعة :
” حقًا بعدما تنتهي من تقريعي واستفزازي تختم حديثك بمولاتي ؟؟ لكم أنت لبق وراقي! ”
ابتسم لها سالار يقدر حقًا قدرتها وشجاعتها على الحديث معه بهذه الثقة دون أن يرف لها جفن، هي تتحرك بخطى سريعة في طريق تعليمها .
صرخ العريف وقد ضعفت يده عن التمسك بالمكتبة يشير لمرجان الذي يراقب ما يحدث بصدمة، لا يستطيع استيعاب كل الامور، والبومة تتحرك فوق رأس العريف تصدر صوتًا مزعجًا جعل الاخير يردد :
” ابتعدي أيتها الحمقاء تتسببين في صداعي، وأنت مرجان احضر السلم بسرعة قبل أن أسقط من هنا واذهب لتحضر الملك ليشهد محاولة اغتيالي على يد الملكة وقائد الجيش”
ركض مرجان يمسك الدرج الخشبي الذي سقط على الارفف المقابلة يحاول تحريكه بحرص ووضعه عند الجزء الذي يتمسك به العريف، لكن ولكبر حجمه وضعف بنية مرجان سقط الدرج مجددًا منه وكاد يحطم جمجمة تبارك لولا يد سالار التي جذبتها بسرعة كبيرة :
” انتبهي ”
صرخت تبارك برعب تراقب الدرج وقد امسكه سالار يحركه صوب العريف ممسكًا إياه، بينما الاخير بدأ يهبط الدرج ببطء وخوف وحينما اصبع على الارض رفع عيونه لهما يصرخ بجنون :
” خارج مكتبتي، أنتم جميعًا للخارج، لا اريد أن أرى كائن حي واحد هنا ”
أشار سالار على مكان جلوسه بهدوء :
” لكن أنا لم انتهي من قراءتي بعد ..”
وكذلك اعترضت تبارك :
” وأنا لم اتعلم ما جئت لأجله ”
لكن العريف لم يسمح لهما بالاعتراض بكلمة إضافية يدفع بهما صوب الخارج بغضب :
” للجحيم، لا اهتم بكل ذلك، لتحترق المملكة بكم أجمعين ايها الحمقى ”
كانت تبارك مصدومة من تصرفات العريف وهي من ظنت أنه رجل مسالم هادئ حكيم بمظهره هذا، لكنه لا يمت لكل خيالاتها بصفة .
استطاع الحكيم دفعها للخارج، وسالار حمل الكتاب يتحرك هو بعدما فشل العريف في دفعه، تبعهم مرجان الذي يحمل عدة كتب وهو يتحدث بملل وحنق :
” والآن أين سأجد هدوءًا للقراءة ؟؟”
تحرك بعيدًا عنهما بحثًا عن مكان للقراءة، وبمجرد أن خرج الجميع سمعوا اصوات غلق الباب العنيفة، شهقت تبارك متراجعة للخلف بصدمة مما حدث، لقد طردها هي وقائد الجيوش منذ ثواني .
فُتح الباب فجأة وخرجت البومة يتبعها صوت العريف :
” وأنتِ أيضًا للخارج ولا تعودي الآن”
اغلق الباب مجددًا ليعلو صوت البومة التي قررت التحليق حتى ينسى العريف ما حدث وتعود، كل ذلك وما تزال تبارك في صدمتها :
” طب …طب اعمل ايه ؟! المفروض أنه يساعدني ”
رفع سالار حاجبه يضع الكتاب الذي يحمله بيدها، ثم تحرك بهدوء شديد ودون كلمة بعيدًا عنها، وهي تراقبه باستنكار شديد :
” أنت معقد نفسيًا على فكرة، مش سليم ”
نظرت أيدها التي تحمل الكتاب لتجد احرف فارسية وكلمات غريبة تعلو غلافه لتتشنج بحنق شديد :
” وده اعمل بيه ايه ده ؟؟ احضر عفريت ؟؟”
زفرت بغضب تتحرك خلفه بسرعة كي تلحق به، ليس لشيء سوى كي يقودها خارج تلك الممرات، على الأقل تصل لجزء تألفه في القصر ومن هناك تكمل وحدها ..
شعر سالار بخطواتها تتبعه ليبتسم ساخرًا، يتمنى فقط أن تتوقف عن تتبعه في كل مكان كالفرخ الصغير خلف والدته، لكن على الأقل هي صامتة، مهلًا هل هي صامتة بالفعل ؟!
استدار سالار برعب خلفه متعجبًا صمت تبارك وعدم ثرثرتها معه كالمعتاد، ليتخيل أنه ربما أصابها مكروهًا ما، وتبارك التي كانت صامتة فقط كي لا يشعر بها تسير خلفه انتفضت للخلف برعب حين استدار فجأة لتتوتر وهي تضم الكتاب لها :
” أنا …أنا هروح للملك و…”
” بالفصحى ”
” سوف اذهب لتفقد ما سأفعل باقي اليوم ”
رفع حاجبه يتنهد بتعب، ثم استدار يكمل طريقه وقد أدرك أن صمتها ناتج من ظنها الغبي أنه لا يشعر بها، وكيف لا يفعل وهي تحك قدمها في الأرض كل ثانية والأخرى، والآن بما أنه اكتشف وجودها فهي ستتحدث خلال ثانية…اثنتان …
” هو الكتاب ده بيتكلم عن ايه ؟؟”
لم يجبها سالار لتتحرك خلفه بأقدام تحاول أن تتدارك خطواته وهو يتجاهل كل ذلك :
” هل يمكنك تعليمي تلك اللغة، وما تلك اللغة من الأساس ؟!”
اجاب بهدوء شديد وهو يتحرك صوب حجرته لتبديل ثيابه :
” الفارسية ”
توترت ترفع عيونها له وهي تشعر بارتجافة تمر في جسدها تسأل سؤالًا تدرك إجابته قبل طرحه :
” أنت بتعرف تتكلم فارسي ؟؟”
” غالبية سكان الممالك الأربعة يستطيعون، فهي لغتنا الأم قبل التعريب، لكننا نتخذ الفصحى لغة رسمية ونهتم بتعليمها في المدارس لأجل سهولة قراءة القرآن الكريم ”
هزت تبارك رأسها وقد شردت فجأة في تلك الأحلام التي لم تزورها منذ جاءت للمملكة إلا مرة واحدة، تنهدت تنظر لذلك الكتاب بين يديها تحاول تهجئة الاحرف عليه، مستغلة تشابهها مع العربية رغم اختلاف نطق البعض منها، لكن وللصدمة وجدت نفسها تكرر الكلمات بمهارة شديدة :
” فتوحات پیامبر “. ( الفتوحات في عهد الرسول )
توقف سالار فجأة في سيره يضيق ما بين عيونه، ثم استدار لها ببطء ليراها احدث في الكتاب بانتباه شديد وتقرأ بعيونها ما خُط عليه .
” كيف استطعتي قراءته ؟!”
” هو ايه ؟؟ اه الكلمات دي ؟! فيهم شبه من العربي ”
” نعم لكن نطقك كان جيدًا أكثر من اللازم ”
قلبت الكتاب بين أناملها تقول بصوت خافت :
” ربما لسماعي تلك اللغة كثيرًا ”
نظر لها سالار ثواني، ثم استدار يكمل طريقه صوب حجرته وهو يفكر في الكثير حول ما يحدث معهم هذه الأيام، وتبارك سارت خلفه بصمت تحاول قراءة الكتاب مندمجة به دون أن تعي أين تذهب هي فقط تسير خلف طيفه حتى فجأة شعرت به يتوقف، رفعت عيونها له تتساءل عن سبب توقفه ليشير هو على باب حجرته :
” هذه غرفتي الخاصة ”
نظرت له ثواني دون فهم قبل أن تنتفض للخلف ترى نفسها تقف على اعتاب حجرته وكأنها ستحطم الباب وتقتحمها، تراجعت بخجل شديد تغلق الكتاب بسرعة :
” أنا فقط …اندمجت في محاولة الـ…حسنًا إذن شكرًا لك و…”
توقفت عن الحديث بتوتر قبل أن تتحرك دون مقدمات راكضة من أمامه وهو يتباعها ببسمة ساخرة يدخل جناحه بهدوء، وهناك بسمة صغيرة تسكن فمه دون شعور ..
______________________
تضم لصدرها حاوية من القش مغطاة بقطعة قماشية بيضاء اللون، وهناك بعض الدخان يخرج منها وهي تسير مبتسمة بسمتها اللطيفة، تتحرك في طريقها بكل هدوء دون أن تتوقف في مكانٍ محدد، تود إيصال ما جاءت لأجله وربما فازت أثناء ذلك بنظرة صغيرة منه، لا تدري ما الذي سيجعل المكتبة جوار المشفى، لكنها فقط تتمسك بأي محاولة صغيرة لرؤيته .
وأثناء طريقها سمعت صوت صرخات متوجعة تأتي من أحد الاتجاهات ركضت بسرعة صوب ذلك الصوت تبحث بعيونها عن صاحبه لتبصر سيدة ساقطة ارضًا وهناك صخرة مدببة تشبه قطعة الزجاج مغروزة في قدمها والجميع حولها يستعجل بوصول الطبيبة الخاصة بالنساء في القصر ..
وضعت لِيلا وعاء الطعام جانبًا تنبطح جوار تلك الفتاة بسرعة، تحاول كتم جروحها بغطاء وجهها الساقط، ضغطت على قدمها بقوة ثم انتزعت الصخرة لتنطلق صرخة الفتاة، وليلا بدأت تضمد جرحها بسرعة :
” تحتاج للتقطيب بسرعة كبيرة، أين الطبيبة هنا ؟؟”
” الطبيبة ذهبت لرؤية مريضة لها، أنا سأتولى الأمر من هنا”
ولم يكن ذلك صوت واحدة من الفتيات المتجمعين حول ليلا، بل كان صوته هو، من جاءت خصيصًا كي تراه ولو صدفة الآن تسمع صوته وتراه قريبًا منها و….يحمل امرأة أخرى ؟!
انتفض جسد ليلا بعيدًا عنه حينما وجدته يحملها ويتحرك بها بسرعة صوب المشفى كي يتحكم بكل تلك الدماء التي نزفتها، مخافة أن تسبب لها تلك الصخرة صدأ قد يؤدي لتأزم الحالة، وليلا مكانها تشعر بالصدمة مما رأت، بالوجع الكبير .
نهضت من مكانها تعدل من فستانها، ثم حملت الطعام الذي أحضرته لشقيقها تفكر أتسير خلفهم أم تنتهي مما جاءت لأجله وترحل ؟! وعقلها رجح الاختيار الثاني، بينما قلبها فضّل الاول لترمي بقرار العقل جانبًا وتسير خلف قلبها تركض بخطوات شبه مهرولة تحاول أن تهدأ فهو طبيب بالفعل وهذا عمله، لا داعي لكل ذلك الحقد ليلا، كفي غباءً.
لكن ومن يستمع ؟؟ لا العقل ولا القلب استوعبوا الأمر، دخلت المشفى بأقدام شبه مهرولة تبحث عنهم، وحينما فشلت مساعيها في الوصول إليه سمعت صوت صراخ عالي ينطلق من أحد الحجرات لتركض لها تقتحمها بقوة وكأنها جاءت للأمساك بهما متلبسين بجريمة نكراء .
انتفض مهيار ونظر صوب الباب بدهشة والسيدة لوهلة توقفت عن الصراخ هي ومن معها من صديقاتها ونظروا لها بعدم فهم، وهي تنحنحت تقول بجدية كبيرة :
” جئت اطمئن عليها، قد لا أستطيع النوم ليلًا بسبب شعوري بالذنب أنني لم اطمئن عليها ”
ابتسم لها مهيار بلطف، ثم بدأ ينظر لوجه المرأة والتي يبدو أن النبات المخدر قد أتى بمفعوله ليشرع في تقطيب الجرح، وهي تركز معه باهتمام شديد .
” لا تقلقي أنسة ليلا هي بخير، الحمدلله لم تكن الصخرة من ذلك النوع الذي يحتوي العديد من الملوثات، طهرت لها الجرح وسيتم تقطيبة ”
نظرت له بحنق طفيف وهي تتحدث بصوت مغتاظ :
” سلمت دكتور أتعبناك معنا ”
رمقها مهيار بتعجب ثواني قبل أن يبتسم لها :
” هذا واجبي آنسة ليلا ”
هزت رأسها تبعد عيونها عنه تقف في منتصف الغرفة بلا سبب لا تفعل شيئًا، هي فقط تعوق عمله وهي تقف كعمود الإنارة هكذا، كادت تتحرك للخارج حينما شعرت بسخافة وقفتها، لكنه فقط قال :
” رجاءً آنسة ليلا اعطني الاعشاب الخافضة للحرارة ”
ابتسمت ليلا بسمة واسعة تترك طعام شقيقها جانبًا، ثم تحركت تساعده وهو ابتسم يأخذ منها ما تعطيه، ومن ثم أخذ يجبرها شيئًا فشيء على مساعدته وذلك لخبرتها الكبيرة في الاعشاب الطبية والعلاج به .
دقائق حتى انتهوا من الأمر، فنهضت السيدة تستند على رفيقاتها وهي تسير بصعوبة على قدمها السليمة، تتحرك خارج العيادة شاكرة مهيار .
ومن ثم تحركت خارج المشفى والتي كانت خاصة بالنساء وجاء بها مهيار لهنا كي لا يخالف قوانين المملكة بأخذها لعيادته هو .
استدار مهيار صوب ليلا التي كانت تراقب الفتاة بخوف أن تستخدم قدمها وتتألم مجددًا، لتستفيق على صوت مهيار الذي أخذ يجمع ادواته وينظف المكان :
” احسنتي ليلا، لكِ مستقبلٌ باهر في العلاج، هل فكرتي يومًا في التخصص في الطب ؟!”
استدارت له ليلا تطيل النظر له، تبتسم له بسمة صغيرة خجلة :
” لا لم افكر في الأمر فأنا تخصصت في علم النباتات لأجل ابي وعمله، لكنني اقرأ بعض الكتب عن الطب ”
” أنتِ حقًا بارعة في كل ما تفعلينه ليلا، محظوظ بكِ والديكِ ”
ابتسمت له بسمة واسعة تشعر بالاطراء الشديد وقد كانت كلماته أكبر مكافأة قد تنالها يومًا من أحد:
” أوه اشكرك سيد مهيار، هكذا يخبرني أبي طوال الوقت، دائمًا ما يقول لي، ليلا يا ابنتي محظوظٌ ذلك الرجل الذي سيظفر بكِ بعد كل شيء ”
توقفت يد مهيار عن العمل، ثم استدار لها يراقب ملامحها وقد كانت تتحدث بعفوية شديد ليبتسم لها بسمة صغيرة :
” نعم ليلا، محظوظ وبشدة ”
توترت ليلا من نظراته تتحرك لحمل ما جاءت به وقد شعرت أن الطعام أصبح باردًا، نظرت له تقول بصوت منخفض :
” إذن أنا سأرحل الآن و… أراك لاحقًا سيدي الطبيب ”
ختمت حديثها تميل برأسها ميلة صغيرة، ثم نظرت له بلطف ورحلت بكل هدوء من المكان تاركة مهيار يتبعها بعيونه وهناك نظرات غريبة تلتمع بها، قبل أن يتنهد ويستدير يكمل ما كان يفعل .
بينما ليلا سارت خارج المشفى بأكملها تبتسم بسمات غريبة تشعر أن قلبها يقفز سعادة، تحركت صوب وجهتها كي تعطي شقيقها الطعام، لكن في طريقها للقصر أبصرت جسدًا يجلس في الحديقة، جسد تعرفه ولو على بعد كيلومترات.
اقتربت من ذلك الجسد ليتبين لها أنه شقيقها العزيز ومن غيره يجلس هذه الجلسة وهو منحني على الكتب، ابتسمت تقترب منه بهدوء شديد تطبع قبلة حنونة على وجنته :
” مرحبًا مرجان، جئتك بالطعام يا أخي…… ”
____________________
كلماتها لا تغادر رأسه، الوجع الذي استشعره في حديثها قتله ببساطة، هو ظالم في أعين احدهم؟؟ هو الذي تعهد منذ وضعوا تاجه أعلى رأسه أنه يومًا لن يُظلم شخص أسفل سماء مملكته، سيحيا فقط ليحقق للجميع عدلًا يستحقونه، سيكون كأجداده ومن سبقوه، لكنه الآن أخفق، هناك من يُكن له كرهًا وحقدًا لأنه ظلمه، لكن من هو يا ترى ؟؟
في تلك اللحظة سمع صوت الحراس يستأذنون دخول سالار لجناحه الخاص، رفع إيفان رأسه صوب باب جناحه يقول بهدوء :
” دعوه يدخل ”
فُتح الباب ليخطو سالار صوب إيفان الذي لغى كامل ما يفكر به وتلاشى كل شيء وهو يطيل النظر بسالار الذي جلس على أحد المقاعد بهدوء يقول :
” مولاي ..”
ابتسم له إيفان بسمة غامضة يقول بصوت خرج مخيفًا كأنه انبثق من قعر الجحيم :
” أرسل لي ملوك الممالك الأخرى رسائل منذ ساعة تقريبًا، الملك بارق أخبرني أن هناك هجوم حدث على مملكته مساء أمس استنزف قوى جيشه الذي يجهزه منذ سنوات وسقط رجال كثيرون، ولذلك هو يعتذر عن المجئ، بينما الملك آزار رفض المجئ ودخول مملكتنا مدعيًا أن مملكته تعاني الآن من ازمات كثيرة تمنعه الالتزام بكلمته في الحرب ”
صمت ينظر لعيون سالار جيدًا :
” اخبرني أن مخازن أسلحته تدمرت البارحة، رفض مساعدتنا بدعوى أنه لن يقحم جيشه بلا أسلحة في كل ذلك ”
اشتدت نظرات إيفان قسوة وهو يشعر بالغضب يشتعل داخل صبره وكلمات ذلك الجندي من يوم الهجوم على سكن الجنود تتكرر في أذنه مرات ومرات وكأن صداها أبى أن يغادر جدران قصره قبل أن يثبت له صحة كل كلمة .
” ومن سيفعل ذلك ؟! الممالك التي تتصارع لأجل مصالحها، ام تلك المملكة التي تصارع الحياة لتحيا ؟؟ أم مملكتكم ستتكفل بالقتال وحدها ؟؟ تصفوننا بالشرذمة والخنازير وأنتم كالاغصان المتناثرة كسركم أسهل من فرقعة إصبع ”
رفع سالار حاجبه ينتظر كلمات إيفان القادمة :
” إذن…”
” إما أن ننحني جانبًا نحن كذلك ونترك لهم مشكى خاصة وقد سقطت وانتهى الأمر، ونسير مطأطئ الرؤوس أو …”
أطال النظر في عيون سالار الذي كان يفكر في تلك اللحظة في كلمات ذلك الرجل الذي بكى وكاد يقبل كفه يترجاه أن يساعدوهم، هل جاء الوقت لينحنوا لمثل هؤلاء القوم ؟!
خرجت كلمات إيفان بوجه جامد واعين تصف الكثير :
” أو نكمل ما بدأناه.”
نظر له سالار ينتظرها صراحة منه، كلمة واحدة ينطقها ملكه ليتحرك، قبل أن ينقلب هو بالجيش ويتحرك دون كلمة منه ويُصنف خائنًا وليحدث ما يحدث .
هل يضع إيفان خلافاته السابقة بينه وبين أرسلان أمامه، ويتناسى أن من يُباد الآن ليسوا شعب صديق قديم تحول لعدو، بل بشر تنطق أفواههم بالله أكبر، اطفال ونساء وشعب كامل يُباد عن بكرة أبيه ؟؟
أم تنتصر نفسه العادلة والتي لم تتخلى يومًا عن محتاج، أن يسير نفس طريق ملك سفيد الاول وينتزع الحق من فم الباطل ؟؟
نطق إيفان بأعين غامضة تحكي أهوالًا قادمة وجسده قد ارتجف غضبًا والسواد احتل كامل أحرف كلماته والخيبة تقطر من فمه مصحوبة بجملة أدركها سالار منذ اللحظة الأولى لهذه الحرب :
” نحن في هذه الحرب وحدنا يا صديقي…..”
_____________________
جملة لا تتكون من مجرد أحرف، بل هي تحتوي حسرة وكسرة وقهر، فما بال شعبٍ أُنتزع منه سلاحه وجردوه من مطالبه والقوا به في ساحة الحرب واخبروهم أن يتولوا أنفسهم ؟؟
أما من معين ؟؟ ألا من حليف ؟؟
والإجابة كانت «نحن في هذه الحرب وحدنا يا صديقي»

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى