رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الخامس 5 بقلم عائشة حسين
رواية ملاذ قلبي سكن الجزء الخامس
رواية ملاذ قلبي سكن البارت الخامس
رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة الخامسة
لم تمنح نفسها فرصة التفكير، أو الزهد في رؤية ما تركه لها هذا الصموت
قفزت من فوق فراشها بحيوية بعدما خفت حزنها وبهت، وأيقنت أنه غادر رغم حسرتها أنها لم تودعه لكن يكفي أنه أصبح الآن بأمان بعيدًا عن تدابير خالها وفساد ابنه
ارتدت ملابسها وخرجت متجهة للمكان الذي ذكره في رسالته.. حرصت ألا يراها أحد أو يسألها عن وجهتها حتى وصلت للمكان المقصود. وقفت دقائق تتأمل النافذة، نافذة عبر منها شيئًا إليه والعكس، نافذة فتحت لها بابًا آخر لا تعرفه.
اقتربت تفتش حافة النافذة، لتجد مفتاح منزله بداخل ورقة مطوية.. (ادخلي المندرة الصغيرة هتلاجي حاجه تخصك)
كرمشت الورقة مفكرة غير مترددة اتجهت للباب وفتحته ثم دخلت وأغلقت خلفها، خطت لداخل الحجرة المقصودة والتي توجد على الجانب الأيمن وتطل على الشارع الفاصل بين منزلهم ومنزله.
وجدت صندوقًا فوق طاولة صغيرة وبجانبه مغلف أصفر اللون، فضته بإنفعال شديد وأنفاس لاهثة
مرت نظراتها فوق السطور والحروف بسرعة فلم تفهم لتعاود قراءته بهدوء وصوت مسموع تتخلله الأنفاس الطويلة المترددة، سيقف قلبها من تلك المفاجآة (الهدية دي كانت ورد بعتتهالك من بدري بس مكنتش عارف أديهالك كِيف واترددت كَتير..مش هجول مشوفتهاش لا شوفتها وإن شاء الله تعجبك،..الكريم دا
حادت نظراتها لما ذكره لتستقر فوق كريم طبي سقط من المغلف… قلبته بين كفيها ثم عادت للقراءة
(دا علشان العلامة الي سببها الجرح فوشك تروح وتختفي ومتسببش أثر يضايجك بعدين… وعلشان أي علامة تاني لسانك هيكون السبب فيها)
ابتسمت لمشاكسته البسيطة متنهدة لتتابع
( أنا سبتلك السماعات هدية مني علشان لو بتسمعي دروسك عالفون … متشكر جدًا ياسكينة مش هنسالك دفاعك عن ورد ولا كلامك الحلو عنها، يمكن تشوفيه عادي بس هو مكانش عادي بالنسبالي ومش هنساه وبإذن الله أردهالك..
أشوفك بخير واتمنى تاخدي بالك من مذاكرتك وتخلصي وكفاية كسل ولعب.. مفتاح البيت معاكي أمانة عندك ودا علشان لو حبيتي تذاكري أو تجعدي لوحدك وبلاش عند البير.. آه نسيت أجولك التلاجة مليانة كل حاجه ممكن تكوني بتحبيها علشان لما تدخلي تذاكري.. البيت مفيهوش عفاريت ياسكينة بالعكس البيت فيه دفا وحب وروح الي بنحبهم ومشيوا موجودة ومحوطاه مسبتهوش… وأنا أسف ألف مرة إني زعلتك مني كان نفسي أشوفك وأجولك كل دا بس حضرتك يا زفتة عملتي مجموصة جال يعني بتحسي جوي..سلميلي على مودة ومتعرفيهاش حاجه علشان متزعلش . ولو احتجتوا حاجه افتكري دايمًا ليكم أخ مستني إشارة منكم، تأمروا وهو ينفذ)
ضمت الورقة دامعة، لاتصدق كلماته ولا اهتمامه بها، منذ متى لم يعاملها أحد بذلك الحنو وتلك الرقة..
همست ببكاء (ياريتك ما مشيت يا حمزاوي هفتقدك والله)
تركت الورقة فوق الطاولة وأمسكت بسماعاته تتحسسها بحنين، تعيد مواقفهما سويًا مبتسمة… تحركت أناملها بفضول تفتش عن هدية ورد..
لتجد فستانًا غاية في الروعة والرقة، اتسعت عيناها بإنبهار وهي تفرده أمام نظراتها تتأمله بإعجاب واضح.
وصلتها رسالة فتركت الفستان وأمسكت بالهاتف وقد صدق حدثها كان هو (ورد جالتلي إنك دخلتي البيت، متنسيش أوعي تسيبي المفتاح لحد)
رفعت حاجبها مندهشة كيف علمت ورد بدخولها فكتبت (البيت فيه كاميرات يا دكتور البهايم ولا إيه.؟)
ابتسم حين وصلته الرسالة، توقف علي الطريق وأرسل لها قائلا (يمكن..)
جلست متربعة منسجمة تخبره (شكرًا حبيت الهدية جوي ياحمزاوي هفتقدك جدًا وهتوحشني يا دكتور البهايم ..)
احتفظ بالرد لنفسه، داخله.. ثم أمسك هاتفه وبدل الشريحة بأخرى لا يعرف أرقامها أحد.. بانيًا بينه وبينها سورٌ عالي… حتى يتخطى تلك الأيام والمواقف وينسى الوجوه
************
فى المساء..
حين غلب الحنين راضية أفصحت، شردت في الماضي البعيد تبلل جفاف شوقها وتشقق أرض حنينها بقطرات الكلمات الباردة.
سكينة جالسة منتبهة على غير العادة تستمع بإهتمام لما تحكيه والدتها، بينما مودة ليست فحاجه للانتباه فحين يُذكر اسم حمزة كل ما فيها ينتبه ويسلم لقدره من العشق.
سألت سكينة لأول مرة متذكرة حمزة (خالي كان زي حمزة يا راضية.؟)
غاصت نظرات سكينة بمقلتي راضية التي ارتبكت متفاجئة بسؤالها، لتهمس مبتسمة وعينيها تلمع بالفخر (حمزة شبه أبوه فكل حاجه، من كتر حب ورد لاخوي جابت حته منه فالشكل والطبع)
أكدت مودة متذكرة الماضي بحنين (خالي كان حِنين جوي وبيحب الناس كلها وكل الناس بتحبه وتحترمه، مكانش يدخل بيتنا إلا وف يده لكل واحد مننا الي بيحبه)
لمعت عيناه سكينة منشدهةً بما يحكونه (كان بيجبلي إيه..؟ أنا مش فاكرة حاجه )
ضحكت مودة برقة قائلة (كنتِ بتاخدي حاجتك وحاجتي وحاجة عمار)
أخرجت لها سكينة لسانها قائلة (أحسن تستاهلوا)
وضعت سكينة رأسها فوق فخذي راضية الجالسة أرضًا هامسةً بتثاؤب (نوميني يا راضية بجالي يومين مش عارفه أنام…)
أشفقت عليها راضية ومدت كفها تجاهها بحنو تربت فوق خصلاتها مغمغمة، لتشير سكينة لمودة (هاتي عباية أبويا يا مودة وغطيني)
امتثلت مودة وفعلت ما طلبته سكينة، ودثرتها متسائلة (ذاكرتي انهرده يا سكينة..؟)
فتحت سكينة عين واحدة أسقططت نظراتها فوق ملامح مودة مفكرة.. لتقول (شوية)
ابتسمت مودة هامسةً بإشفاق (نامي وهبجا أصحيكي)
همست سكينة بتوسل (صحيني لقيام الليل يا مودة أوعي تنسي)
قطبت مودة مندهشة من طلبها، لتدثر سكينة وجهها قائلة (فجلبي حاجه قيام الليل هو الي يجبها يامودة)
ابتسمت مودة رغم عدم فهمها لمقصد سكينة ولا ما تريده، لطالما كانت أختها غامضة، لاتفصح عن شيء بسهولة لكنها ستفعل ما طلبت منها قد يحقق الله لهما أمنيتهما سويًا.
*********
في القاهرة
طرق الباب قبل أن يدخل للشقة مهللًا بإبتسامة واسعة ومرح (أنا جيت يا أم حمزة)
نهضت ورد متلهفة لرؤيته، مندفعة بكل مشاعرها تجاهه، ضمها بين ذراعيه ضاحكًا، بينما هي تتنهد بعاطفة ولا تكف عن الغمغمة بالحمد لوصوله سالمًا.. ابتعدت عنه ترتشف ملامحه التي اشتاقتها قائلة (وحشتني يا جلب أمك)
خلع حقيبته عن كتفه، ولف ذراعها حول ذراعه وخطا بها للداخل قائلًا (وإنتِ كمان ياورد.. خلاص كدا مفيش جنا تاني ولا هسيبك)
عبست بعدم استحسان لكن سرعان ما ابتسمت تسأله (كلهم بخير ياحمزة.؟)
أكد بإبتسامة واسعة وتنهيدة راحة تفارق صدره (الحمدلله)
جلسها فوق الآريكة يطمئن على أحوالها، بينما هي صامتة شاردةً في ملامحه كعادتها حينما يغيب عنها لمدة طويلة.
هز رأسه قائلًا (طبعا عايزه تسألي عن الزفتة.. بس فعلا تعبان، هنام أصحى أحكيلك كل الي عيزاه) هزت رأسها بتفهم.. لينهض بعد أن طبع قبلة فوق رأسها وغادر للراحة..
بعد مرور ساعتين
استيقظ من نومه وخرج يبحث عنها وجدها فوق كرسيها المفضل كعادتها اقترب منها وطبع قبلة دافئة فوق خصلاتها هامسًا بإبتسامة (وحشتيني يا أم حمزة)
فتحت عينيها وتتبعته بنظراتها حتى جلس أمامها، سألته بإبتسامة واسعة قاصدة تلك المشاعر السلبية التي عبقت صدره ودفعته لأن يهرب ويأتي تاركًا كل شيء خلفه (روجت خلاص يا حمزة)
أجابها بسعادة وهو يأخذ كفها ويقبل باطنه كما تعود (هشوفك ومروجش) استرسل متنهدًا (حاسس كأنه جبل وإنزاح، جنا بجت هم يا ورد)
جاملت قوله بإبتسامة باهتة، زاهدة الجدال والنقاش فعلى أية حال إن كان مقدرًا له العودة سيعود رغمًا عنه.
نهض تاركًا كفها بلطف، يخبرها بحماس (هجوم أعمل جهوة نشربها سوى وأرجعلك)
هزت رأسها بالموافقة وعادت لشرودها وأفكارها التي تغلق عليها كعادتها ولا تبوح له بها… دقائق وكان يعود حاملًا فنجانين
وضعهما وأخرج هاتفه ينقر فوقه، تناولت فنجانها وهي تسأله (سكينة عجبها الفستان يا حمزاوي.؟)
ارتبك، توترت نظراته التي ارتفعت إليها فاصطدمت بإبتسامتها الماكرة.. أغفل ذكر أمر تدليل سكينة له ولم يذكره لها، لكنها عرفته كالعادة
(بتجول عجبها وحلوووو)
عاد للنقر فوق هاتفه متذكرًا هذا التدليل الذي لم يحبذه ويرفضه من ابنة عمته، رافضًا تباسطها معه.
سألها بفضول أشبه بعتاب حاني وهو يترك هاتفه ويمسك بفنجان قهوته(ليه مجبتيش واحد لمودة.؟)
ابتسمت قائلة ببساطة، ونظراتها لا تبرح وجهه(علشان أنا مجبتوش يا حمزة عملته، وعملته لسكينة مخصوص من بدري)
تفهم قولها ووعاه جيدًا لكنه جادل (ليه متعمليش لمودة زيه..؟ من متى يا ورد بتكسري خاطر حد؟ )
كانت نبرته عاتبة لائمة تقبلتها بإبتسامة وهي تخبره متهربة (بتسأل كتير يا حمزاوي وبجيت فضولي هي سكينة عدتك ولا إيه.؟)
تنهد مُدركًا أن والدته تتهرب كعادتها من الإجابة فأثر الصمت.. لكنها قالت بفخر وإستحسان (سكينة طلعت جدعة يا حمزة)
أكد ونظراته تتهرب من والدته (بصراحة جوي.. متوقعتش ترد كِده يا ورد)
ابتسمت ورد قائلة (ربنا يصلح حالها ياحمزة ودعوتها وأمنيتها تتجبل)
قطب متسائلًا بحيرة (دعوة إيه.؟ هي جالتلك حاجه..؟)
ضمت شفتيها مفكرة قبل أن تخبره بخبث (هي جالتلي مرة كِده إني أدعيلها)
رنين جرس المنزل فانتفض مبتهجًا يخبرها متحمسًا (دا الواد حسن)
دخل الآخر مُهللًا كعادته، احتضن صديقه معاتبًا (كل دا في الصعيد حبيته خلاص)
سحبه للداخل مرحبًا، فاستقبلته ورد بمودة (اهلا يا حسن)
انحنى يلثم ظاهر كفها بتأدب وهو يسألها بينما يجلس على ركبتيه أمامها (أخبارك ايه يا خالتي عاملة إيه..؟)
(الحمدلله يا حسن) قالتها وهي تربت على خده بحنو..
جلس بجانب حمزة قائلًا (وحشتنا يا صاحبي إيه الدنيا..؟ قاعد في الصعيد ومعطل مشاغلنا)
تأفف حمزة منزعجًا (خلاص رجعت مفيش جنا تاني)
ابتسمت ورد هازئة، ليشير لها حمزة هازًا رأسه بيأس (أهي الابتسامة دي بترعبني)
ربت حسن فوق ركبته قائلًا (أخبار الصعيد وبنات الصعيد..)
مال فم حمزة يخبره بتهكم (كويسين)
غمز حسن متحمسًا وهو يطالع ورد بإنبهار (شوفولي واحدة زي خالتي ورد هوافق علطول)
ضربه حمزة فوق كتفه موبخًا (ما تحترم نفسك)
أجاب حسن مازحًا (إيه غلطت.؟ حد يطول يتجوز زي ورد يا فقر)
أجابت ورد التي كانت تستمع بصبر وإصغاء(موجودة يا حسن )
انتبه لها حمزة قاطبًا بشك، نظراته الراكضة إليها تطلب توضيحًا.. هتف حسن مقلدًا لهجتهما(ودوني الصعيد بجا طيب .؟)
غيّر حمزة الحديث الذي لا يروقه (عايز أتقدم لزهرة)
(لاا) قالتها ورد قاطعة بحدة، ليعتدل جسد حمزة ويتصلب، بينما هتف حسن مؤيدًا(وأنا لاااا)
هتف به حمزة مستاءً في ضيق (ليه وإنت كمان ليك رأي فجوازي)
أكد حسن بقوة (أيوة ومش طايقها وياريت متجيش الشغل تاني معاك)
قال حمزة بحدة (بس أنا عايزها)
استغفرت ورد بضيق، قبل أن تقول (هي لعبة.؟ أنا مش حباها هتخالفني يا حمزة)
سألها بحزن(من متى يا ورد؟ ما أحنا كنا متفجين وتمام إيه حصل أنا مش فاهم.؟)
قالت ببرود وهدوء بينما هو يشتعل داخله (عادي.. غيرت رأيي ولو مصمم يبجا براحتك)
قالتها في حسم ونهضت من مكانها مغادرة لحجرتها..
رن هاتف حسن فأجاب منفعلًا (عايزه إيه.؟)
صرخت به (إنت أكيد مع حمزة باشا) جاءها صوت حمزة الرائق مؤكدًا قولها (إزيك يا هند)
(أهلا بالباشا ما لسه بدري يا بابا..)
قال حمزة في أسف(معلش ياهند عارف اتأخرت بس خلاص)
قالت هند في حسم (بالليل تكونوا عندي وإلا والله أقفلكم المطعم وأرجعكم للبيت تاني يا فشلة)
هتف بها حمزة في صبر(حاضر من عنيا)
أخذ حسن الهاتف منه وأجابها بفظاظة (خلاص قولتي الي عندك غوري يلا)
أغلق الاتصال ونهض للشرفة ليرى المطر الذي بدأ ف النزول.. تبعه حمزة متذكرًا المواقف التي مر بها مع فتاتين انحشر اسميهما في عقله عنوة… أخذه الحدث فحكى لحسن عن رحلته مع إغفال سكينة وما يخصها كله..
*****
بعد مرور ثلاثة أيام
سألت راضية بقلق (حمزة مشي ومتكلمش عايزين نكلمه نطمن عليه)
بشّت مودة مستحسنة، بينما قفزت سكينة متحمسة تسألها (حد معاه رقم ورد..؟)
هتفت راضية بأعين لامعة (حمزة كان كتبهولي فورجة) دفعتها سكينة متلهفة (جومي جبيه يا راضية نكلمهم) لم تكن سكينة بأقل منها لهفةً لمعرفة أحواله بعد أن غادر وأغلق هاتفه
أطاعت راضية وذهبت لحجرتها مفتشة، تدور فيها محاولة التذكر أين وضعت الورقة، بينما الفتاتين خلفها يساعدنها في البحث..
نداء عمار جعلها تنسحب وتتركهما يبحثان هما.. صرخت سكينة بعد دقائق من البحث بجدية (لجيته)
قالتها ونظراتها تمر فوق الأرقام بشغف مبتسمة، اقتربت منها مودة سعيدة، أخرجت سكينة الهاتف مقررة الاتصال به وعدم انتظار
والدتها، تملك من الشوق ما يجعلها لاتصبر
نقرت الأرقام وانتظرت بفراغ صبر.. كلما طال الرنين تأففت بإنزعاج… حتى جاءها صوت ورد الدافىء فتهللت
(السلام عليكم ازيك يا مرات خالي ورد.؟)
أجابتها الأخرى بشك (إزيك يا حبيبتي مين معايا..؟)
فتحت المكبر لتسمع مودة التي إلتصقت بها تستمع بتلهف.. منتظرة أن يُمن عليها بسماع صوته
(أنا سكينة يا مرت خالي)
(إزيك يا حبيبتي عاملة إيه.؟ أخبارك إيه..؟)
هتفت بها ورد في سعادة، لتجيب سكينة التي تمسك بها مودة مستمعة في خجل لا تقوى على نفضه ومهاتفة ورد..
(الحمدلله بخير إنتِ بخير ودكتور البهايم.؟) ضحكت ورد ملء فمها وهي تجاوبها مستمتعةً (زي الفل بيسلم عليكي)
وصلتها ضحكات حمزة ومزحه فصرخت مندهشة (حمزاوي ده الي بيضحك.؟ معجول.؟ دا كمان بيهزر زينا..؟ أمال كان ماله هِنا.؟)قطبت مودة بضيق من تدليل أختها بينما
ازدادت ضحكات ورد من كلماتها، وأخبرتها باستمتاع (بيضحك وبيهزر وكل حاجه ياسكينة، فوج ما خيالك يصورلك كمان)
هتفت سكينة وكلها شغف لسماع صوته لكنها أثرت الصمت خاصة في وجود مودة
(انبهرت بجد.. إحنا اتصلنا نطمن عليه، راضية جلجانه لأنه مكلمهاش وطمنها عليه وكمان تليفونه مغلق) قالتها بأسف وخيبة كأنها تشتكيه لها لتُشير له ورد منادية (حمزة تعالى)
سألها من بعيد مُبعدًا الهاتف عنه (إيه مين.؟)
أجابته بإبتسامة لامعة (سكينة بتسأل عليك)
اندهش مما قالت (سكينة غريبة.؟ إيه فكرها بيا وعايزه إيه.؟ )
غمغمت سكينة بغيظ (ماشي يا حمزة الكلب)لكزتها مودة في عتاب غير راضية فتجاهلتها سكينة وانتظرت رده لتثأر منه
تناول الهاتف وفتح مكبر الصوت محمحمًا (إزيك يا سكينة عاملة إيه.؟)
(زي الزفت على دماغك يا دكتور البهايم يا كئيب هو إحنا بنشحت منك ولا حاجه..؟ بترد وإنت جرفان)
تأفف منها بينما ورد تضحك بإستمتاع على كلماتها، رمق حمزة والدته بنظرة مندهشة بعدما شعر بتشفيها فيه واستحسانها ما قيل(بس بس إيه..؟ إنتِ مفيش فايدة فيكِ)
صرخت سكينة منزعجة منه بشدة
(إيه هو الي عايزه إيه.؟ بنشحت منك.؟ أمال بس لو احتجتوا حاجه افتكروا ليكم أخ.. وتؤمروا.. وأول ما وصلت جفلت تليفونك ولما كلمناك تجول عايزه إيه..؟ طلعت بوج على الفاضي يا واد خالي )
مسح حمزة وجهه مغتاظًا لا يستطيع إيقافها بينما أكدت ورد (معاها حج والله يا واد خالها)
صرخ بها حمزة في حنق (اخرسي شوية، أنا مش بوج يا زفتة واحترمي نفسك بدل ما أجي أجطع لسانك دِه وأرتاح )
ماثلته صراخًا امتزج بغضبها وحزنها منه (خرست، أنا محترمة غصب عنك، وسلام يلا طالما كويس وزي الجرد خلاص ..)
أخذت منها مودة الهاتف في جرأة أنفاسها تعلو وتهبط بإنفعال (ازيك يا دكتور)
هدأ قليلًا مع نبرة مودة اللطيفة (إزيك يا مودة عاملة إيه.؟ طمنيني عنكم)
أجابته بخجل بينما سكينة تراقبها مشتعلة تكاد تنفجر (الحمدلله إنت بخير وخالتي ورد.؟)
أجابها بحنو (الحمدلله.. أمال عمتي فين..؟)
قالت وهي تشير لسكينة التي اعتصمت بالغضب والنفور (تحت.. تحب أناديلها)
رفض حمزة، رغبة في التخلص من تلك المكالمة (لا هبجا أكلمكم تاني طمنيها.. في رعاية الله)
أغلق الاتصال بسرعة متهربًا، لتثبت ورد نظراتها عليه تصرّح بالعتاب (ليه يا حمزة كده..؟ )
وضع الهاتف قائلًا (عادي، بعدين مسمعتهاش بتجول إيه.؟)
أشارت له (كلمها وراضيها عيب يا حمزة كانوا متصلين يطمنوا عليك ميصحش هي معاها حج بصراحة)
نهض من مكانه ضائقًا رغم موافقته (حاضر هشوف) شعر أنه أخطأ بالفعل وهذا ما جعله يشعر بالحزن والضيق ويتقبل نصيحة والدته وطلبها
******
في بداية المساء أعاد الشريحة مُقررًا الحديث معها،جلست ورد بالقرب منه بعدما أخبرها أنه سيهاتف سكينة لمراضاتها
اتصل بها فلم تجب، كرر الإتصال فأجابت منزعجة صارخة به (عايز إيه.؟)
هتف بنبرة رائقة هادئة كعادته (ماشي بترديها..؟ )
قالت في عناد وفظاظة (لو عاجبك)
نطق على الفور بإعتذاره الصادق الذي لامس قلبها (أنا آسف حجك عليا ) صمتت مستمعة تقضم أظافرها بتوتر لا تجد ما ترد به وكل مشاعرها الآن متضاربة غير مفهومة
سألها محاولًا تلطيف الأمر(طيب إنتِ عاملة إيه..؟)
أجابت (بخير وكويسين..و لا وحشتنا ولا افتقدناك ولا أي حاجه خالص خليك عندك ومتجيش ولا تكلمنا)
اتسعت ابتسامته من كلماتها التي كانت عكس معناها وهو يعلم ليقول (حاضر.. بتذاكري ولا لا.؟) أجابته (مالكش دعوة)
سألها بصبر مواصلًا مراضتها
(طيب يا زفتة خلصتي الأكل أبعتلك غيره)
ابتسمت من كلماته وحنانه وصبره في مراضاتها، لكنها أكملت طريق تجاهله بعناد ليسترسل (كنت متصلة ليه.؟ محتاجه حاجه.؟)
صرخت به في ضيق حينما تذكرت كلماته (هحتاج منك إيه يا دكتور البهايم )
إعتذر منها بلطف وحنو (خلاص متزعليش مجصدش متبجيش نرفوزة يا سكينة اهدي)
ليفصح قائلا (أنا استغربت إنكم بتسألوا عليا)
سخرت بغلظة رغم تأثرها وحزنها بما قاله (صعبت علينا)
سرى بينهما صمت طويل قطعته بعد دقائق متأففة تهتف بضيق وإنزعاج من نفسها وعدم صمودها، مُصرّحة بشعورها (افتقدتك يا دوك مبلاجيش حد اتكلم معاه ولا أضايجه )
ضحك نصف ضحكة رائقة معاتبًا لها (كل المشكلة مش لاجيه حد تضايجيه..؟)
قالت منبهرة، غير مصدقة (حمزاوي ضحكت بجد ولا دي تهيؤات.؟)
هز رأسه مؤكدًا بمشاكسة (لا تهيؤات)
صمت مرتبكًا قليلًا لتستطرد ( يا حمزاوي مكنتش اتوقع إنك هتوحشني كِده أصلا)
سعل من كلماتها ونظراته تهرب مستكشفة ملامح ورد التي تستمع بإنشداه وسعادة! صامتةً مترقبة منذ بداية المكالمة، هكذا تعوّد، لا يفعل شيئًا دون علمها وموافقتها حتى لو كانت مكالمة هاتفية، هى أمه وأقرب صديقة إليه
(طيب الحمدلله اطمنت عليكم سلمي على مودة وعمار وراضية و خدي ورد)
ترك الهاتف وهرب للداخل لتجيب ورد مُطيبة خاطرها (متزعليش يا سكينة من حمزة…)
صاحت ساخرة مستنكرة (أزعل من حمزة..؟ لا طبعا إنتِ بس خليه يجي جنا وأنا هاخد حجي بنفسي)
قالت وردة برضا (حاضر فأجرب وجت هبعتهولك)
سألتها بلهفة اختبأ خلفها توسل (هتيجو كتب كتاب عمار …؟ أوعي متجبيش دكتور البهايم وتيجي نفسي أشوفك جوي )
قالت مؤكدة (لا إزاي هنيجي بإذن الله بس ربنا يهدي دكتور البهايم)
قالت حزينة لإنهائها المكالمة (مع السلامة يا مرت خالي ورد)
(مع السلامة يا حبيبتي سلمي على راضية ومودة)
(حاضر مع السلامة)
********
في اليوم التالي ظهرًا
هتف عمار وهو يشير لسعد ابن خاله (شايف المطعم الكبير دِه يا سعد..؟) هز سعد رأسه ونظراته تركض حيث أشار (حلو نتغدى فيه)
ابتسم عمار قائلًا بتوضيح (مش جصدي.؟ إنت عارف مين الشيف فيه.؟)
حك سعد ذقنه متحيرًا يسأله بنظرة غامضة(مين.؟)
توترت ملامح عمار بقلق لكنه تابع (حمزة واد خالي)
فغر سعد فمه مذهولًا، ليسأله بضحكة ساخرة (واه واد ورد.. و واد الاستاذ عبدالحكيم طباخ)
اكتست نظرات عمار بالندم لإفصاحه هذا الأمر وقد أخبرته به أمه ذات مرة متفاخرة بما حققه حمزة وامتلاكه مطعمًا كبيرًا في العاصمة يدرّ عليه دخلًا وفيرًا يكفيه مرّ الحاجه.
حاول عمار التوضيح شاعرًا بتأنيب الضمير لكن سعد كان قد أخذ قراره ولم يستمع لباقي كلماته، اندفع لداخل المطعم الكبير الفخم.. جلس حول أول طاولة منتشيًا بصيده
طلب عمار ضائقًا من نفسه وتهوره الذي قد يجلب له المشاكل (يلا بينا يا سعد من هنا)
استرخى سعد فوق كرسيه قائلًا (في إيه يا واد.. هناكل زي غيرنا وندفع)
لم يزل عمار واقفًا كله أمل أن يغادر سعد من هنا لكن هيهات فقد نال فريسته على طبقٍ من فضة
صرخ سعد مصفقًا يطلب نادلًا، تأفف عمار وهو يجلس مستسلمًا يجلد ذاته على فعلته المشينة منتظرًا هبوب رياح الكراهية.
جاء النادل وأملى عليه سعد ما يريده، بينما زهد عمار الأمر وجف حلقه من نظرات سعد التي تفتش عن حمزة منتظرة أن يقع في مصيدته.
جاء الطعام وتناول سعد بشهية جيدة، ليسخر بعد أن انتهى (بيطبخ زي الحريم.. وكَلُه حلو جوي واد الإستاذ عبدالحكيم) مسح عمار وجهه مستعيدًا رباطة جأشه فهو لم يتناول لقمة واحدة مما أمامه بسبب الخوف الكامن داخله مما قد يفعله سعد.
أشار سعد للعامل، همس بأذنه وهو ينقّده.. مما استجلب انتباه عمار وسأله (في إيه.؟)
أشار له سعد بعجرفة (هتشوف)
دخل النادل للمطبخ هاتفًا (حمزة في ناس برة بيقولوا قرايبك وعايزين يشوفوك)
تبادل حمزة النظرات الغامضة مع حسن الذي سأله وهو يقترب منه (مقالوش عايزين ايه.؟)
أجابه النادل مبتسمًا (الراجل عجبه الطبق بتاع حمزة وبيقول إن قريبه وعايز يشكره)
صرفه حمزة بإشارة من أصابعه، ليعدّل من ملابسه ويخرج مقررًا معرفة هويتهم ومقابلتهم بترحاب فهو تعود منذ زمن أن يطلبه أحدهم ما لشكره، لكن تلك المرة لا يعرف لما شعر بالقلق خاصة حينما ذكر له النادل أنهم أقرباؤه، فلا أحد يعرف بمكانه وأمر مطعمه سوى قلائل..
خرج حمزة مبتسمًا يتبعه حسن في تحفز امتزج بفضوله،
حين إلتقت نظرات حمزة بمثيلتها لعمار القلِق المهتز فَهِم ما يدور… وعرف هوية الجالس الأخر دون أن يرى وجهه.. وقف يلتقط نفسًا عميقًا قبل أن يتقدم مستعدًا لتلك المواجهة، سأله حسن الذي لاحظ توتره وضيقه (تعرفهم.؟)
هز حمزة رأسه قائلًا بتنهيدة (أيوه..)
سأله حسن وهو يقف أمامه مانعًا بعدما رأي ملامح حمزة المنقبضة بحزن (متروحش هنقولهم مشي)
أبعده حمزة وهو يأخذ نفسًا عميقًا وقرارًا حاسمًا (لا هروح)
مع كل تقدم لحمزة كان توتر عمار يزداد وارتباكه يتصاعد، ينقّل نظراته بين ابني خاله في اهتزاز وزعر حقيقي مما قد يحدث.. كلما اقترب حمزة اتسعت ابتسامته أكثر كأن تلك الابتسامة سلاحًا يشهره في مواجهة ما ينتظره والذي يعرفه كما يعرف سعد المتعجرف ونيته ومقصده.
(سلام عليكم منورني يا شباب)
رماها حمزة وهو يجلس بجانبهما في رزانة، يوزع ابتسامته وترحابه بينهما بالتساوي..
أجاب سعد ضاحكًا بخبث(ازيك يا حمزة مش تجول يا راجل إنك بتطبخ زين ووكلك حلو يا راجل دا إنت بتطبخ أحسن من عمتك وأمي.؟)
كان أسلوبه ساخرًا غليظًا دفع الدم لرأس حسن الذي كان واقفًا في تحفز وإستعداد، بينما كان حمزة مازال صابرًا يبتسم برزانة وهدوء.
ابتلع عمار كلماته ولم يدري ماذا يفعل، ليجيب حمزة وهو يضع ساقًا فوق الأخرى بغرور بينما كفه تمتد لعلبة السجائر الخاصة بسعد أمام نظراته.. أخذ منها واحدة وأشعلها قائلًا ببرود (كويس يا سعد الأكل عجبك، كسبنا زبون جديد)
قاطعه سعد مستفزًا بضحكته الشامتة (لازم أعملك ريفيو) أمسك هاتفه تحت نظرات حسن النارية وعمار المتخاذل،فعّل خاصية البث المباشر ومال يهتف وهو يقترب بكرسيه من حمزة الصامت المحتفظ بثباته
(أهل جنا الكرام وحبايبنا انهرده في القاهرة مع ابن عمي حمزة أكبر طباخ هنا، أكله زين جوي وميتشبعش منه أحلى من أكل حريمنا)
حاول عمار إثنائه عن فعلته لكنه فشل، تقدم حسن يريد سحب الهاتف ليمنعه حمزة بفطنه ويقترب من شاشة الهاتف قائلًا بإبتسامة (طبعا أهلا وسهلا بناس جنا المحترمين يشرفوني فمكاني.. على رأسي.. وليهم معاملة خاصة هما بس يجوا ويجولوا من طرفي.. ومش بس الفرع دِه.. لا كمان الفرع التاني والثالث بإذن الله بنجهزه في أسيوط جريب هفتتحه هناك اتمنى من حبايب الاستاذ عبدالحكيم يشرفوني هناك وينوروني.. المكان كله تحت أمركم، ومش هندفعكم زي سعد واد عمي.. ليسترسل حمزة هازئًا (أصل صمم يعملي ريفيو بنفسه علشان ميدفعش الحساب لما لقاه غالي عليه.. بعد ما خاف أخليه يغسل المواعين)
انحسرت ابتسامة سعد متفاجئًا مرتبكًا، أخفض الهاتف زاعقًا (جصدك إيه.؟)
وقف حمزة بصلابه وهو يخبره ببرود (شرفتني يا سعد)
قالها وغادر للداخل على الفور غير مستمع لمهاترات سعد ولا كلماته القاسية، تبعه حسن على الفور .. ليسحب عمار ابن خاله ويخرج به مستعدًا لمواجهة أخرى مع والدته لا يقدر على التكهن بنهايتها.
*****
في قنا كانت سكينة تستمع للبث بغيظ شديد بعدما جاءتها مودة بالهاتف لتخبرها بما فعل سعد.
زمجرت غاضبة تلعن أخيها وسعد، مشفقة على حمزة برغم أنه أثلج صدرها برده وصموده إلا أنها حزينة لأجله.
تركت الهاتف وركضت تاركةً أختها.
ذهبت لمنزله ودخلته مقررة مهاتفته، حاولت الاتصال به لكنه لا يجيب كعادته فأرسلت له ودموعها تنساب في ألم لا تعرف سببه
(حمزة متزعلش من الحيوان دِه.؟)
ابتسم حين قرأ رسالتها رفع الهاتف وأخبرها برسالة أخرى (أزعل ليه..؟ بعدين كان في حد جلي مش كل الناس يتزعل منها ويفرقولنا)
ابتسمت من بين دموعها لتذكره كلماتها، فأرسلت له (جدع يا حمزاوي هزجته بمزاج والله)
اتسعت ابتسامته وهو يكتب ليشاكسها (كملي عليه بجا لما يرجع مش هوصيكي..)
أكدت بحماس شديد (عيب يا حمزاوي وراك رجالة هصورهولك فيديو تيك توك)
خرجت ضحكته رغمًا عنه، لترسل له معاتبة (طب كنت إعزمني يا حمزة وأكلني)
قال بتأكيد (من غير عزومة أطلبي والي عيزاه يجيلك يا سكينة)
أرسلت له بعدما مسحت دموعها واستعادت روحها (إنت كِده بوج يا حمزاوي، هتجبلي ازاي.؟)
أكدّ بتحدي (جربيني وشوفي، وبالمناسبة بلاش حمزاوي دي )
كتبت معاندة له (مش ممكن أبدًا يا حمزاوي)
تأفف منزعجًا، لينهي الحوار والجدال قائلًا (مجولتيش نفسك تاكلي إيه من المطعم بتاع واد خالك.؟ )
عددت ما تريده ساخره وداخلها تعلم أنه لن يفعل فقط يهزأ منها ويسخر من رغباتها، نظر لساعته وكتب (الساعة ٩ بعد بكرة يا سكينة هيكون عندك الي طلبتيه)
ضحكت قائلة متحمسة (هنشوف بس لو خسرت تيجي كتب كتاب عمار ولو كسبت هنفذ أي حاجه تطلبها مني، وأوعدك وعد مخلفهوش أبدًا)
شاركها حماسها (اتفجنا.. استني بجا يلا)
همست قبل أن تغلق وتعود لمذاكرتها (اتفجنا يا حمزاوي)
*******”
في اليوم المحدد كانت قد تجاهلت ما قاله ووعد به، ظنًا منها أنه يمزح وأن ما قالته ليس على قدر من الجدية، ولا يرقى لإهتمامه
لكن مساءً بالموعد المحدد..
جاءتها مودة صارخة تحاول إيقاظها (جومي يا سكينة)
دفعتها حانقة (مودة عايزه أنام علشان المذاكرة)
عادت إليها مودة قائلة بسعادة (جومي شوفي حمزة يا بت)
غطت سكينة رأسها بالدثار متجاهلة (ماله حمزة)
كشفت عنها مودة الدثار من جديد صارخة (جه وجايب حاجات كتير تحت وبيسأل عليكي)
نفضت سكينة الغطاء حينما وصلتها كلماتها، قفزت تسألها بلهفة (بجد حمزة تحت يا مودة)
أكدت مودة بسعادة وهيام (أيوة بيسأل عليكي عايز يسلم جبل ما يمشي)
اتجهت سكينة للخزانة بسرعة تحاول إرتداء عباءة وحجاب لتلحق به.. أمسكت هاتفها مستعدة للنزول تحت نظرات مودة المراقبة، لتصلها رسالته المخيبة لأمالها (تم يا حلوة..فكري وهفكر فوعد بينا متخلفيهوش)
سمعت صوت سيارة تسير بأقصى سرعة، جعلتها تركض للنافذة خائفة أن يكون فعلها وغادر دون رؤيتها.. وقد صح ظنها حينما وصلتها رسالته (الموضوع كلفني كتير.. بس مش مشكلة أنا كدها يا بت عمتي)
همست ونظراتها تتبع سيارته الفارة عبر النافذة (كدها يا حمزاوي) اكتفت بغمغمتها وداخلها رغبة قوية بإنهاء الأمر عند هذا الحد وإيقاف التواصل بينهما، تشعر بشيء غير مألوف لا يروقها، كلما نظرت لمودة تشعر بتأنيب وإنزعاج لا تفهمه.. فقررت أن تكتفي بهذا الحد فهل تقدر..؟
هتفت مودة وهي تراقب معها سيارته المغادرة (خسارة.. يارب ييجي كتب كتاب عمار)
نظرت إليها سكينة بصمت حزين، لتهتف مودة محاولة استقطاب حماس سكينة (جاب حاجات كتير جوي من مطعمه الجديد فسوهاج بيجول الإفتتاح جريب بإذن الله)
سألتها سكينة وهي تطالع النافذة المفتوحة (جاب إيه.؟)
عددت مودة لها ما قد أحضره من أطعمة مختلفة مبردة منها ما يحتاج للتسوية ومنها ماهو جاهزًا بالفعل ويحتاج فقط للتسخين.. كل الذي عددته سكينة كان ما أشتهته نفسها وطلبته منه بمزاح
عادت سكينة تسألها وهي تنظر لشاشة الهاتف بلهفة (جاب الحاجات دي إزاي من أسيوط لجنا.؟)
شرحت لها مودة وهي تجلس فوق طرف الفِراش (كان في عربية تانية مجهزة بيجول تبع المطعم)
سألتها مودة مندهشة لصمتها وشرودها (مش هتنزلي تشوفي..؟)
هزت سكينة رأسها وأفكارها تتخذ مسارها ناحيته، متذكرة أن عليها أن تعده بشيئًا لا تعرفه.
***
اليوم كتب كتاب أخيها، تأنقت اليوم لمعرفتها أنه آتى بصحبة والدته اليوم للحضور رغم رفضه الأمر، ارتدت الفستان الذي أحضرته لها ورد..
جلست على حافة السور الخلفي الفاصل بين منزلهم ومنزله.. تنتظر لرؤيته قبل أن تبدأ المراسم ويعود لمنزله نائيًا بنفسه عن الجميع
خطا ناحية المنزل ببط، واضعًا كفوفه في جيوب بنطاله شاردًا، لولا إلحاح عمته ما حضر ولا جاء تلك الأمسية من الأساس وجوده ثقيل على قلوبهم غير مرغوب فيه يقرأ نفورهم في ملامحهم الكاشفة وتفضح بغضهم النظرات.. استوقفته بندائها الرائق الذي تشوبه الضحكة
(حمزاوي)
توقف مكانه يدور بنظراته في الأرجاء باحثًا عنها، همسها اليوم يحمل له دفئًا غريب.. استقرت نظراته المنطفئة عليها لتتوهج وتشتعل من جديد حين نهضت من مكانها وتقدمت تستعرض ما ترتديه قائلة بعتاب (اتأخرت ليه.؟)
ابتلع ريقه يخفي تأثره هامسًا (مش فارجة عارف إن وجودي مش مرغوب فيه)
خالط همسها الرائق حزنًا بينما حملت له نظراتها اللامعة عتابًا رقيقًا وهي تهمس (متجولش كدا أنا بجالي كتير مستنياك)
دق قلبه بعنف مُعلنًا ثورة ستقلب حياته، وهو يسألها بنظرات غائمة بشتي المشاعر (ليه خير)
دارت حول نفسها مستعرضة بضحكة طفولية بعدما نفضت عنها تأثرها بحزنه مقررة الخروج به من تلك العاصفة(علشان أخد رأيك ففستاني)
تخللت أنامله خصلاته الطويلة وهو يتنهد بتوتر مما تفعله تلك الصغيرة وتأثيرها عليه، حثته مرة أخرى(ها إيه يا حمزاوي)
رفع نظراته يتفحصها بدقة ملتهمًا شغوفًا، لتستقر نظراته الغائمة فوق شفتيها المطلية بعناية… دارت قليلًا مشجعة له على الحديث بينما هو يتخذ ناحيتها خطوة مرتبة، مسحورًا بهيأتها وجمالها، لتتوقف عن دورانها مصطدمة بصدره، مستقرة بأحضانه بخطأ غير مقصود ولا مستحب، تعانق نظراته منجذبة إليه، أحاط خصرها بذراعه ، فشهقت متفاجئة متخبطة، تلجمها الصدمة وإحساس آخر لا تعرف كنهه احساس يدفعها نحوه ويكبلها عن القيام برد فعل.. مأخوذة بما تراه بعينيه من حنان يأسر .. اقترب وقبلها
فتصلبت تائهة وواجمة، بينما كان هو لا يعرف سوى أنه أراد فعل ما فعل وليته ينسى أو يغفر له ندمه.
أفاقا من توهتهما على نداء بإسمها، انتفضت غير مصدقة مستنكرة بخزي ، تطالعه بنظرات مهزوزة تحجب خلفها سحابات من الدموع وعتاب سكبته له..
أشاح لاهثًا وقد خلى قاموسه من الأعذار والكلمات، تراجعت خطوتين مطأطأت الرأس ومازالت أنفاسه هو عالقة في الضيق..
التفت يودّ الإعتذار (أنا….استدارت راكضة للداخل لا تقبل كلماته فهي تشاركه الذنب وتقتسم معه الخطيئة
لا تلومه بل تلوم نفسها الي انصاعت وموافقتها وبقائها وإرادتها التي كُبلت بالمفاجأة
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)