روايات

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل السادس 6 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل السادس 6 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الجزء السادس

رواية ما بين الألف وكوز الذرة البارت السادس

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الحلقة السادسة

عملت جاهداً يا الله ربما كان قليلاً
ولكنه حيلتي فلا تردني خائباً ♥️
صلوا على نبي الرحمة…
___________________
تحفزت جميع حواس رائد وهو يكاد يبلغ باب منزل عبدالعظيم، لكن وبسبب ارتفاع الصرخات بالداخل أسرعت قدماه تلتهم الأرض أسفله، وما كاد يقتحم المنزل حتى صدرت صرخة كما لو كانت لطيرٍ ذبيحٍ :
” بــــــــابــــــا ”
استّل رائد سلاحه بسرعة مخيفة، يحطم الباب والذي كان متهالكًا بالفعل؛ ليعلم ما يحدث وبمجرد دخوله للمنزل هالهُ ما رأى…
كانت تسبيح مقطعة الثياب تضم رجلًا عجوزًا وهي تصرخ صرخات جريحة، وجوارهما مقعد متحرك مُحطم، وحولهما العديد من النساء ذوات الملامح المريبة .
تقدم بتحفز يرفع سلاحه في الهواء :
” ايه اللي بيحصل هنا ؟؟”
انتشر التوتر في الأجواء واتسعت أعين النساء المتشحات بالسواد، وتسبيح في أحد الأركان تولول وتصرخ بشكل مخيف :
” قتلوه …قتلوه بسببي، قتلوه، حد يلحقه ابوس ايديكم ”
نظر رائد للمكان حوله بعجز لا يفهم ما حدث، لكن فجأة وكأنه استوعب للتو كانت النساء يحملن عصيّ وأسلحة بيضاء وكأنهن قطيع من المجرمين، والدماء تملء الأرضية، وتسبيح ….تسبيح مقطعة الثياب وبدون نقاب أو حتى حجاب .
هنا وحلل عقل رائد ما يحدث لتتسع عيونه وهو يصرخ بجنون :
” محدش يتحرك خطوة من مكانه ”
وكأنه بصراخه أجبر عقولهم على العمل والاستيقاظ من تلك الصدمة التي حلت عليهم بحضور رجل مُسلح .
واستغلت إحدى النساء اخراج رائد هاتفه ليتحدث به، ودفعته بقوة صوب الجدار للهرب، لكن ما لم تحسب له حساب هو أن رائد لم يكن رجلًا عاديًا، بل كان شرطيًا وبالفعل قد تدرب على ردات الفعل السريعة، حيث اندفعت يده تمسك بتلك المرأة في عنف مخيف ساحبًا إياها داخل المنزل ملقيًا بجسدها النحيف ارضًا وبعنف :
” قولت محدش يتحرك ولا حابين استخدم اسلوب تاني ؟!”
ارتعشت النساء من مظهره بينما هو نظر نظرة سريعة صوب تسبيح التي كانت تمسك بيد والدها تقبلها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة، تنفس بصوت عالي ثم وضع الهاتف أعلى أذنه قائلًا بكلمات مقتضبة :
” أنا في نفس الحارة بتاعة عصابة جلال هات عساكر عشان فيه شوية زبالة هنا، وهات معاك إسعاف ”
أنهى حديثه وهو ينتبه لتشنج وجه إحدى النساء بمجرد نطقه للجملة، ثم انتبه على تسبيح التي قالت ببكاء وعويل :
” حسبي الله ونعم الوكيل فيكم، حسبي الله ونعم الوكيل”
ويبدو أن كلماتها لم تنل اعجاب النساء حتى سارعت احداهن للفتك بها لولا يد رائد التي منعتها وهو يصرخ :
” مكانك يا روح امك لغاية ما البوكس يوصل ويلمكم وهناك هعرف اتصرف معاكم، أصلها سايبة عشان كل واحد يلطش اللي ميعجبوش ”
أنهى حديثه بنظرات تحذيرية مخيفة، ثم استدار لتسبيح التي كانت تضم جسد والدها الشاحب والساكن بلا حراك وقد تسببت دماؤه النازفة من رأسه ببركة دماء أسفله.
” قومي غطي شعرك ووشك ”
كانت تلك الجملة الوحيدة التي استطاع نطقها في تلك اللحظات، ويبدو أنها لم تصل واضحة لتسبيح التي رمقته بأعين تائهة فتحرك هو بحذر وعينه وسلاحه مازالا موجهين صوب النساء يمسك حجابها الذي لمحه ارضًا يلقيه أعلى وجهه متحدثًا بخشونة غير متعمدة :
” البسي حجابك ”
وكأنها أفاقت للتو لتدرك بأي حالة كانت أمامه، بدون حجاب ودون نقاب، انتزعت الحجاب من بين يديه تغطي شعرها بسرعة، ثم نهضت ببطء تكتم تأوهًا وهي تتحرك صوب الداخل وغابت دقائق حتى خرجت بنقابها مجددًا وقد ألقت عباءة بالية على جسدها بدل تلك التي تقطعت تحت أنامل النسوة .
دقائق أخرى مرت حتى ارتفعت أصوات سيارة الشرطة في المكان واحتلت الصدمة وجوه النسوة، اندفعت عناصر الشرطة للمنزل يمسكون بالنساء اللواتي ارتفع عويلهن وسبابهن في المكان …
ثم تحرك رائد ليرشد الإسعاف صوب والد تسبيح والتي بمجرد رؤيتها لحال والدها يخرج من المنزل محمول كالجثة، انهارت ركبتيها وهي تطلق صرخة موجوعة، لتمسكها يد رائد بسرعة قبل أن تنهار ارضًا تحت نظرات الجميع والتي للعجب كانت شامتة بها ..
نظر لهم بشر وهو يرفع جسد تسبيح بقوة غير مراعيًا لحالتها تلك، ثم تحرك بها هامسًا :
” اوعك في يوم تسمحي لنفسك بالانهيار تحت عيون شمتانة ”
نظرت له تسبيح من بين دموعها وكأنها لا تستوعب كلماته، فأشار بعينه صوب محيطها لترى بعض النسوة يلقين لها نظرات شامتة سعيدة، وقد تعرفت عليهن، هن أنفسهن من عائلات الشباب الذين أبلغت عنهم لأجل أفعالهم .
ودون أن تشعر رفعت رأسها للاعلى، مبعدة يد رائد عن ظهرها وخصرها، ثم حدجتهم بقوة واهية تحاول بها تحدي ألسنتهم للنطق أمامها حتى تفرغ بهم غضبها .
سارت صوب سيارة الإسعاف بقوة تُحسد عليها ورائد يتابع كل ما يحدث بأعين خبيرة، حتى سمع الجميع صوت تكسير .
التفتت جميع الرؤوس ليروا أن هناك امرأة قد كسرت جرة من الفخار خلفها تعبيرًا عن سعادتها لرحيلها عن المكان ولمنع عودتها حسب الاعراف في بعض المناطق .
استدارت لهم تسبيح تنظر لشظايا الفخار أسفل قدمها ثم رفعت رأسها لتلك المرأة التي كانت تتشح بالاسود والتي وصل لها خبر وفاة ابنها في السجن صبيحة اليوم .
ابتسمت من اسفل نقابها تقول :
” اظن مفيش عقاب ليكِ اكبر من عقاب ربك بحرمانك من البذرة الفاسدة اللي ربتيها، ولسه …..”
أنهت حديثها تصعد السيارة بسرعة كبيرة أسفل نظرات رائد المعجبة بما فعلت، ثم تحرك صوب سيارته يسير لها خلف سيارة الشرطة وقد بدأت الخيوط تتشابك في عقله …
__________________
كانت تجلس أمام التلفاز في بهو منزلهم، تحدق به في استمتاع كبير حتى قاطع ذلك صوت رنين جرس المنزل، لكنها أبت أن تتخلى عن فيلمها المفضل لأجل أحد، مما اضطر والدتها للخروج من المطبخ حانقة :
” ايه يا مروة مش سامعة جرس الباب ؟؟”
لوحت مروة بيدها في رجاء :
” لحظة بس يا ماما ارجوكِ، البطل بيعترف للبطلة”
وكان الرد من والدتها هو تضارب كفيها في حسرة على عقل ابنتها التي ما تزال في عالم الابيض والاسود، تسجن نفسها به دون السماح لأحد بجذبها خارجه :
” قال يعني اول مرة تشوفي الفيلم، يابنتي ده انا كل ما المحك قاعدة في البيت بتكوني بتتفرجي على الفيلم ده”
وكما توقعت لم يصل لها جواب من ابنتها، وبمجرد أن فتحت الباب ابصرت وجه عبدالجواد الذي ابتسم بهدوء :
” مساء الخير يا خالتي ”
” عبدالجواد، عاش من شافك يابني، ليه الغيبة الطويلة دي ؟؟”
ابتسم عبدالجواد يستجيب لدعوتها الصامتة له بالدخول وهو يردد بجدية :
” مشاغل، حضرتك عارفة الشغل في المواقع وبهدلته ”
” أيوة ربنا يعينك يابني، اتفضل اتفضل عمك حسين شوية وهيوصل ”
اعتذر عبدالجواد بهدوء :
” بعتذر لو ازعجتكم في وقت زي ده”
” اخص عليك يا بني وهو احنا بينا الحاجات دي، تعالى تعالى ”
أنهت حديثها ثم صاحت بصوت جهوري لتنبأ ابنتها بقدوم ضيف معها :
” عبدالجواد هنا يا مروة ”
قرع قلب عبدالجواد بقوة بمجرد سماعه لاسمها، لكنه ادعى الوقار والهدوء وهو يدخل للبهو حيث توجد جورية قلبه الحبيبة ليبتسم لها :
” ازيك يا مروة ؟!”
ابتسمت مروة بسمة واسعة تلاقي عبدالجواد بود :
” اهلا، نورت البيت ”
سارعت والدة مروة بالاستئذان مشيرة صوب المطبخ :
” طب أنا هروح اعمل كوبايتين قهوة واجبلك كيكة من اللي بتحبها يا عبدالجواد، وشوية وعمك هينزل ”
ابتسم لها عبدالجواد عالمًا في نفسه أنها تقصدت تركهما وحدهما، وقد قدر ذلك لها، علّه ينال ما يروي صحراء قلبه .
” اخبارك يا مروة ؟؟”
انتبهت له مروة :
” الحمدلله أنت ايه اخبار شغلك واخبار الدنيا معاك ”
هز لها عبدالجواد رأسه بهدوء مبتسمًا يحاول ايجاد أمر ليفتتح الحديث بينهم :
” احم ألا صحيح فين رانيا مشوفتهاش، هي نايمة ؟؟”
رمقته بتعجب واضح :
” رانيا ؟! ايه اللي هيجيب رانيا؟؟ أنا مشوفتهاش من وقت ما رجعنا من المؤتمر وأنت وصلتنا ”
تعجب عبدالجواد الأمر :
” هي كانت قالتلي هتبات عند امبارح والمفروض كنت جاي أخدها انهاردة بعد الشغل ”
هزت رأسها بحيرة وهي تردد :
” معرفش والله يا عبدالجواد هي لما وصلتني، مرة واحدة قالتلي فيه حاجة مهمة محتاجة تعملها، اعتقد ممكن يكون عمي عارف أنت عارف هي كل حاجة بتقولها ليه ”
هز رأسه لها متناسيًا شقيقته وكل شيء في لحظة بعدما سمع اسمه منها، منحها بسمة واسعة وهو يردد بحب :
” تمام، أنا فكرتها هنا فكنت جاي اوصلها ”
هزت له رأسها وصمتت لا تدري ما تقول في تلك اللحظة، تخجل من وجوده وتشعر بثقل في الهواء حينما تصبح معه في نفس المكان، الله وحده يعلم كيف تتمالك نفسها في كل مرة يقوم بتوصيلها مع رانيا، فجأة سمعت صوته يقول بهدوء :
” عمي كان بيقول إنك بتدوري على شغل ”
ابتسمت له بتوتر تهز رأسها :
” أيوة لسه بدور فعلا ”
ابتسم لها عبدالجواد وقد نال فرصته أخيرًا عارضًا عليها وسيلته للتقرب منها :
” طب ايه رأيك تيجي تشتغلي معايا …قصدي معانا أنا وبابا في واخواتي في الشركة؟؟ احنا محتاجين محاسبين هناك ”
صدمت مروة من عرضه وصمتت بحيرة، هل يعرض عليها العمل في شركات التعمير الخاصة بوالده؟! وهل لها أن ترفض تلك الفرصة فقط لأنها جبانة تخشى التقرب منه ؟!
وما كادت تجيب حتى قاطعهم صوت والدها الذي رحب به خير ترحيب وهو يقول :
” عبدالجواد اهلا بيك يا بني”
نهض عبدالجواد ليرحب بوالدها في المقابل لكنه قبل ذلك نظر لها نظرة سلبت أنفاسها وهو يقول :
” هستنى ردك متنسيش ”
ثم نهض يلاقي والدها تاركًا إياها شاردة فيه وفي حديثه ….
______________________
كانت تجلس بكل كبرياء مستقيمة الظهر أعلى اريكته، وجوارها يجلس مختار هادئ صامت كالمعتاد في المقابل كان هو، يحاول سبر أغوار تلك المرأة التي تمثل له تحديًا ولغزًا سيتأكد من فك شفراته بنفسه ذات يوم .
” ها قولت ايه ؟؟”
نظر صلاح صوب مختار ثواني ليسمع ميمو تردد :
” اتكلم براحتك مختار عمره ما هيمثل خطر على حد …”
صمتت ثم أضافت بمكر :
” إلا لو أنا عايزة كده ”
وملامح مختار لم تتأثر بما قالت، بل بدا جامدًا كما هو ولم تظهر إشارة تدل أنه استمع لما قيل منذ ثواني .
وخرج من صلاح اغرب رد قد يصل لها على عرضها :
” تشربي ايه ؟؟”
ارتسمت بسمة صغيرة على جانب فم ميمو وهي تراه يتخابث عليها، ولم ينتظر صلاح سماع ردها بل نهض صوب مطبخهم يسمع نبرتها الماكرة :
” نسكافيه ”
توقف في طريقه يلوي شفتيه بأسف :
” للاسف معندناش غير شاي تشربي ؟!”
هزت رأسها موافقة اقتراحة، ثم ابصرته يغيب داخل مطبخه، لتعطي لنفسها حرية التنقل في المكان بأكمله تعبث بهذا وذاك، حتى وقعت عينيها على بعض الأوراق التي كانت تتوسط طاولة في أحد أركان المنزل، كانت لتتجاهلها لولا رؤيتها لصورة أثارت ريبتها وهي تنحني ببطء ممسكة بالصورة …
شعرت بأحد يقف خلفها، لم تفزع فهي تعلم أنه مختار، استدارت له ببطء وقالت بخبث شديد :
” تفتكر ايه ؟!”
نظر لها مختار نظرات غامضة بدا كما لو أنه يتحدث معها بلغة لا يفهمها إلا هي، لتهز رأسها بهدوء :
” أنا برضو قولت كده ”
ابتسمت تضع الصورة مكانها، ثم نهضت تنظر حولها في المنزل بفضول، فضول لمعرفة المزيد عن ذلك الرجل الذي يثير حيرتها ويحفز عقلها طوال الوقت على التفكير به.
وفجأة توقفت عينها على إحدى الصور المتواجدة على الجدار، اقتربت بخطوات بطيئة صوبها تتجاهل مختار الذي أخرج هاتفه وشرع يلتقط صورًا لكل الاوارق المتواجدة على الطاولة .
بينما هي توقف أمام تلك الصورة تبتسم بسمة غريبة قبل أن تسمع صوت صلاح يخرج من المطبخ يتحدث بهدوء وبسمة :
” ممكن بس بعد ما مختار يخلص تصوير في الورق يرجعها مكانها عشان ده شغل رائد وممكن يزعل لو حد بوظه ”
فزعت ميمو من صوته تستدير صوبه بسرعة وقد شعرت فجأة بالتوتر ليمنحها صلاح غمزة عابثة، يضع الصينية أعلى الطاولة وهو يعتدل في وقفته ينظر لمختار الذي أعاد كل شيء لمكانه ثم تحرك بهدوء وجلس مجددًا كأنه لم يفعل شيئًا، بينما تحدثت ميمو لتصرف ذهنه عما حدث :
” مش ملاحظ إن موضة الصور دي عفى عليها الزمن ؟؟”
نظر لها صلاح بتعجب ليجدها تحمل صورة له بين يديه حينما كان في عمر العشرين تقريبًا، ابتسم يتحرك لها :
” موضة ايه بالضبط !!”
” يعني أنك تتصور والمصور يحطك مرتين في الصورة كأنك واقف قدام مرايا ”
ضحك صلاح بصوت مرتفع يلتقط الصورة من يدها وهو يحدق فيها ثواني، ثم نظر بطرف عينه لمختار يقول بسخرية لاذعة :
” ايه يا ميخو مش شايف شغلك كويس ليه ؟؟”
ولم يعطه مختار ردًا، سوى رفعة حاجب صغيرة، بينما ميمو نظرت له بتعجب تراه يضع الصورة مكانها أعلى الطاولة وهو يشير لصورته قائلًا بينما أصبح على مسافة قريبة منها :
” ده انا، صلاح السقاري، وسيم ها ؟؟ ”
أشار للشخص الآخر في الصورة والذي كان يغمز في الصورة في حركة مشاكسة :
” وده اخويا التوأم، صالح السقاري، حلو بس مش زيي اكيد ”
رفعت حاجبها وضحكة متهكمة تكاد تخرج منها عليه، عما يتحدث هذا الرجل، الإثنان في الصورة يبدوان شخص واحد، عدا اختلاف نظرات كلٍ منهما .
اقترب منها صلاح يردد بهمس :
” واضح أن ميخو مبقاش يشتغل بضمير، يعني عرفتي عنواني وعرفتي كل شيء عن رائد ومعرفتيش إن ليا توأم ؟؟ ”
أنهى حديثه يتحرك صوب المقعد لتلحق به ميمو وهي تحاول اخفاء صدمتها من تلك المعلومة، هو لديه أخ توأم، وفجأة ضربتها ذكرى ليست ببعيدة وهي تردد مشيرة له بصدمة :
” يعني مش أنت اللي كنت في القسم في اليوم إياه ؟؟ لما كنت لابس لبس مبهدل وشعرك منكوش، مكانش أنت، كان اخوك؟؟ عشان كده لما قابلتك قدام القسم كنت وقتها لابس لبس غير اللي شوفتك بيه جوا ؟!”
ابتسم صلاح بحنق وهو يمد يده لها بكوب الشاي :
” لا كان انا مش صالح ”
” أنت ؟؟ بس شكلك وقتها كان…”
قاطعها صلاح متنحنحًا بحنق يأبى تذكر ذلك الأمر المخزي له، وتلك النقطة السوداء في صفحته البيضاء :
” وقتها كان عندي ظروف اضطرتني اكون بالشكل ده، لكن في العادة صالح هو اللي بيكون معفن مش أنا ”
وكما تصور فقد رمقته بتشوش ليحرك يده في الهواء :
” سيبك من بلوتي، وخلينا في بلوتك ”
اعتدلت في جلستها تركز بشدة على حديثه بينما هو ارتشف ببطء من كوب الشاي الساخن أمامه :
” قولتيلي بقى انك هتساعديني اخلص من سعيد بشرط اني معملش شيء بدون معرفتك ؟؟ وكل شيء يكون باتفاق ”
منحته ميمو بسمة مغترة مع إماءة صغيرة توحي له مقدار الثقة بأنه سيفعل فهي لن تسير معه ذلك الطريق وهي تجهل خطواته :
” بالضبط يا حبوب ”
رفع صلاح حاجبه وكأنه يخبرها بحماقة ما تطلب منه، منذ متى كان يُعلم أحدهم بخطوته القادمة، أو متى فكر حتى في اخبار أحد عن خطته إيزاء شيء ؟!
قرأت ميمو تعابير الاعتراض على وجهه بوضوح تام، لكنها لم تبادر بتبرير شيء، هي لن تسلم نفسها وما خطتت له لسنوات لشخصٍ لاتعرفه فقط لأنه وسيم وذكي .
نظر لها صلاح ثواني قبل أن يبادر بالسؤال :
” ايه سببك ورا كل اللي بتعمليه ؟! ”
لم تفهم سؤاله للوهلة الأولى، لكن فجأة أدركت ما يقصد لتقول ببسمة :
” كان ممكن اسألك نفس السؤال، بس انا مش فضولية ”
ابتسم يتكأ للخلف واضعًا قدم أعلى الاخرى بهدوء :
” وانا فضولي، فحابب اعرف ايه السبب اللي يخليكِ مش طايقة سعودك بالشكل ده، بغض النظر أنك مرات ابوه فالمفروض اساسا يبقى هو اللي مش طايقك ويحاول يخلص منك ”
أطلقت ميمو ضحكة صاخبة وهي تميل بجذعها العلوي مستندة على قدميها بذراعها، ثم اطالت النظر به قبل أن تقول ببساطة :
” صدقني سعيد مش دايب فيا، أنت لو خيرته بين أنفاسه اللي مخلياه عايش وبين قتلي، هيختار قتلي ويموت بسلام ”
باغتها صلاح بخبث :
” وده يثبت اعتقادي إن فيه شيء غريب ما بينكم، لأن مهما كان، عمر ما علاقة الولد بمرات الاب توصل للشكل ده من العداء، ده حتى سندريلا مكانتش بتكره مرات ابوها رغم كل اللي عملته فيها”
وتلك البسمة الخبيثة على فمها أخبرته جيدًا أن ما فعلته به تعدى حدود عقله، حيث اقتربت منه ميمو فجأة وهو ظل ثابتًا في مكانه يسمعها تهمس بصوت منخفض كأنها تخشى أن يستمع لها مختار وتجرح مشاعره أو ما شابه :
” تفتكر ايه يا لذوذ ؟؟ ممكن اكون عملت ايه في سعودي عشان يحتاج يخلص مني بالشكل ده ؟؟”
ضيق صلاح عينيه ينظر لها عن قرب وقد خرجت نبرته خافته مثلها وبنبرة أكثر سخرية أردف :
” حاجة اسوء من أنك تخليه يمسح ويكنس البيت وتقطعي ليه فستانه عشان ميحضرش الحفلة ؟؟”
كان حديثه ساخرًا، لكنه اثار موجة ضحك كبيرة لديها وهي تعود لمقعدها جوار مختار الصامت، ثم اعتدلت تستند بيديها على ظهر المقعد بكل تجبر :
” لا، مقطعتش الفستان ليه، أنا قطعت ليه حاجة اهم من الفستان ”
نظر لها بفضول لكنها لم تضف سوى كلمات قليلة :
” ها يا لذوذ مقولتش رأيك؟؟ معايا ولا عليا يا غالي ؟! ”
وكما تفعل معه فعل، حيث نهض واقترب منها بخبث وهو يقول بنبرة تشبه خاصتها بشكل كبير :
” لو فاكرة أنك ممكن تجبريني اوافق على شرطك اللي ملوش اي لأزمة عندي عشان أنتِ حلوة بس ….”
غمز لها يضيف :
” فأنتِ صح لاني موافق يا حبوبة ”
ابتسمت له ميمو وهي تقول وما زالت عينها مصوبة لعينه :
” تمام، وعشان تعرف إن ميمو بتحب تدلع اللي معاها، انهاردة بليل هيوصلك اول مسمار في نعش سعودي”
” الظاهر إن سعودك غالي اوي عندك ”
هزت ميمو تقول بجدية مخيفة :
” أنت بتقول ايه بس، ده في مقام ابني يا جدع ”
ورغم أنه مقت تلك الكلمة ومقت صلتها بتلك العائلة، والتي لا يدري كيف وافقت عليها، هل اضطرتها الظروف أم كان ذلك بكامل إرادتها، إلا أنه قال :
” متخافيش أنا قرصتي خفيفة ….لحد دلوقتي ”
______________________
” خالتو ازاي معلش ؟؟”
كانت تلك جملة صالح والتي خرجت جاهلة حانقة، تلك الفتاة الرقيقة البشوشة، هي خالة لتلك القطة المتشردة؟؟ أي عقل سيصدق تلك الادعاءات الغبية ؟؟
اقتربت رانيا بتحفز تنظر لصالح بشر وصدمة من هيئته التي تنافي تمامًا هيئته التي رأته بها سابقًا، بينما جوارها هاجر تنظر له بإعجاب كبير ومحمود ينظر للجميع بعدم فهم ..
تحدثت هاجر حينما طالت حالة الصمت تلك تحاول تخفيف الأجواء :
” أنا ابقى اخت مامتها من الاب، لأن بعد ما جدتها ( ام مامتها) ماتت بابا اتجوز ماما وجابوني على آخر العمر و…”
صمتت فجأة حينما وجدت جميع الرؤوس استدارت لها، يحدقون فيها بتعجب لما تقول، لتبتسم هاجر بغباء وهي تردد :
” أنا مكانش المفروض اقول كده صح ؟؟ ”
هزت رانيا رأسها بيأس على خالتها والتي تكبرها فقط باعوام قليلة حيث يبلغ عمر هاجر ٢٦ عام فقط، وقد كانت هي اصغر اشقاء والدتها والتي تسكن مع خالها الأكبر وزوجته في منزله هنا في القاهرة، لكن هذه الفترة كان خالها مسافرًا، وهذا من حسن حظها حتى لا تتعرض لتحقيق منه حول ما تفعل .
مدت رانيا يدها بلا مقدمات وهي تتحدث :
” التليفون ؟؟”
نظر صالح لمحمود الذي ابتسم له بسخافة يحاول أن يفكر في حل لتلك المشكلة، وصالح يعلم جيدًا أنه إن اخبر تلك المتشردة أنهم نسوا الهاتف، يقسم أن تجعل اسم أخيها علكة تلوكها الأفواه لسنين قادمة، لذلك قال وهو يحاول الهدوء :
” طب ممكن نقعد الاول ؟!”
فتحت رانيا فمها للرفض، لكن هاجر سارعت تقول بلطف :
” اكيد، أنا مش مصدقة اساسا اني واقفة مع حضرتك عادي كده، أنا لو كنت اعرف أنك الحرامي اللي سرق تليفون رانيا كنت جبت كل الكتب بتاعتك تمضي عليها ”
نظر لها صالح باستنكار يحاول فهم تلك الفتاة الغريبة :
” شكرًا والله يا هاجر على ذوقك، مرة تانية إن شاء الله، اقولك لما تشوفيني لابس بدلة ومسرح شعري ابقي تعالي اطلبي توقيعي، أنا لما بلبس البدلة ببقى في مود التوقيع”
هزت هاجر رأسها وهي تقول بسعادة :
” تمام ..هتلبس بدلة امتى ؟!”
نظر لها صالح ثواني ،ثم أشار لرانيا التي كانت متخصرة تراقب أفعال خالتها بحنق شديد :
” متأكدة أن المتشردة دي بنت اختك ؟؟ ”
هزت هاجر رأسها بالايجاب تتعجب سؤاله، لكنه لم يهتم وهو يتحرك سابقًا إياهم صوب المقاعد، بينما خلفه رانيا ومن ثم محمود الذي تحرك ليجاور هاجر يقول بفضول شديد :
” مش أنتِ برضو بتاعة القُرص والعيش الفينو ؟!”
نظرت له هاجر بجهل لما يقول، لا تفهم ما يريد، لكن محمود لم يتوقف عن الحديث وقد أُتيحت له الفرصة أخيرًا لمحادثة تلك البسكوتة الرقيقة :
” آخر مرة دخلت عندك جبت قرصة بعجوة كانت جميلة اوي تسلم ايدك ”
ومجددًا أعطته هاجر نظرة جاهلة لما يتحدث به، جلست جوار رانيا التي تقابل صالح وهي تجلس مقابل ذلك الشاب الغريب والذي أخذ يصف لها كم كانت تلك ” القُرص ” لذيذة، وكم كانت العجوة ناعمة الملمس وشهية المذاق .
” بس مش غريبة بنوتة رقيقة زيك تقف في فرنة عيش كده ؟! مش صعبة الشغلانة دي ؟!”
” فرنة عيش ؟؟”
قالت رانيا وقد فهمت ما يقصد لتسخر منه :
” قصده المخبز بتاعك يا خالتو ”
هزت هاجر رأسها بإدراك فهي تدير أحد المخابز على بعد شارعين من هنا، مخبز تقوم فيه بصنع مخبوزات وكعكات من جميع أنحاء العالم، فلطالما كانت تلك هوايتها المحببة والتي ترسل استرخاءً لقلبها :
” أيوة فهمت، لا مش صعب بالعكس الشغل لطيف اوي وهادي ”
هز محمود رأسه متفهمًا لما تقول، فما يفكر فيه الآن هو أبعد وصف عما تعمل به هاجر، فهو لا يأتي في عقله سوى تلك الافران الكبيرة ذات الحرارة المهلكة والدقيق المتناثر في كل مكان حيث يصنعون الخبز للزبائن .
” على كده ممكن استلم عيش التموين من عندك ؟؟”
فتحت هاجر فمها ببلاهة :
” نعم ؟! عيش تموين ؟!”
” أيوة عيش التموين اللي قد الجنيه الفضة ده، لو بتوزعوا عندكم في الفرن عيش التموين ممكن اجيب البطاقة من ابويا واجي اجيبه من عندكم أنتِ اولى بكل قرش من الغريب ده كفاية أنك بنت وبتشتغلي شغلانة متعبة زي دي ”
ضحكت رانيا بصوت مرتفع ساخر تشير لهم :
” قولتلك والله شمامين ”
ضرب صالح الطاولة بعنف جعل رانيا تنتفض للخلف بخوف وهلع كبير :
” ما تقفلي بقك وتحترمي نفسك انا ساكتلك من الصبح، أنتِ بتتكلمي مع ناس محترمين مش شوية شمامين ”
هز محمود رأسه وهو يرسم ملامح الجدية على وجهه، حتى كاد هو ذاته يقتنع بما قال صالح .
” أيوة صح، احنا ناس شمامين مش سوية محترمين”
أشارت له رانيا وهي مازالت متراجعة في مقعدها تترعب داخلها من ذلك الرجل والذي تبدو ملامحه عن قرب مخيفة :
” شوفتوا بيهددني ازاي ؟! طلعي يا خالتو التليفون وصوري بسرعة ”
صمتت تنظر لصالح الذي كان يرمقها وكأنه على وشك التهامها ومضغ عظامها دون ذرة تردد، لتتراجع عن تهديدها وهي تقول بهدوء :
” أنا بس عايزة التليفون بتاعي ومش هتشوف وشي تاني”
قال صالح بتمني :
” والله نفسي، ده انا مُنى عيني مشوفش وشك ده مرة تانية بس نعمل ايه بقى، حظي الهباب هو اللي هيخليني اشوفك تاني ”
ضمت رانيا ذراعيها لصدرها في تحفز :
” ده ليه إن شاء الله، اشوفك تاني بتاع ايه ؟! مش خلصنا ؟؟”
اقترب صالح من الطاولة يستند بذقنه على يديه قائلًا بنبرة هائمة وبسمة مصطنعة :
” مقدرش على بعدك يا حبي ”
اصطنعت رانيا تعابير مشمئزة بوجهها وكأنها على وشك التقيأ وهي تقول :
” ايه القرف ده ؟؟”
تراجع صالح لمقعده وهو يردد باقتناع :
” عندك حق، هو قرف فعلًا، تخيلي حد يتغزل في وشك، حاجة مرعبة ”
فتحت عينها بصدمة من وقاحته لتضرب الطاولة منتفضة من عليها وهي تصرخ وقد جرحها تعليقه، من يظن نفسه ليطلق احكامًا حول هيئتها والتي لم تكن بالسيئة، بل كانت فتاة كأي فتاة بملامح مقبولة صغيرة ورقيقة عكس طباعها التي اكتسبتها لتربيتها وسط منزل ملئ بالرجال الخشنين :
” احترم نفسك، أنت فاكر نفسك مين ؟! فكرك أنا هستنى غزل منك ليه ؟؟ الدنيا جات عليا اوي كده ؟؟”
نهض صالح ليقف قبالتها ويظهر فرق الطول بينهما، كثيرًا بعضًا من الرهبة في صدرها منه :
” أنتِ اللي فاكرة نفسك مين يابت أنتِ؟ من وقت ما جيتي تاخدي ام التوقيع على كتابك _ اللي اللهي يتحرق _ وأنتِ بتتكلمي من مناخيرك ولا كأنك بنت ملك بريطانيا ”
نظرت له رانيا بصدمة جعلته يظن أنه رماها بتهمة مشينة، لكن رانيا لم تنتظر حتى يدرك ما قال لها، تلتفت حولها تحاول البحث عن شيء تكسر به رأسه، لينتبه لها صالح وهو يبحث معها عن ذلك الشيء الذي لا يعلمه :
” بتدوري على ايه ؟!”
” على حاجة افتح بيها نافوخك ”
رفع عينه لها يردد بوقاحة :
” ما اهو أنتِ واحدة قليلة رباية اساسا، فين أهلها البنت دي يا آنسة هاجر ؟!”
قالت هاجر والتي كانت ترمق ما يحدث بخوف من احتدام الموقف :
” في اسكندرية، بس والله هي كويسة، مش عارفة كل ما تشوفك تتعفرت ليه ؟! ”
نظرت لها رانيا بحنق ليردد محمود وهو يحاول تهدئه الأجواء :
” يا جماعة مش كده مكانش تليفون اللي يعمل فينا كده، ده مهما بينا قرص بعجوة وبسكوت نواعم”
وكأنه بكلماته تلك ذكّرها بأمر هاتفها لتفتح عينها وهي تصرخ :
” تليفوني …فين التليفون ؟؟”
أخرج محمود هاتفه ووضعه في يدها وهو يقول بجدية كبيرة :
” عليه رصيد كتير يعني تتكلمي براحتك، لسه مجدد الباقة ”
نظرت رانيا للهاتف بتعجب :
” أيوة بس …ده ….ده مش بتاعي ”
” لا ده تليفوني أنا ”
تشنجت ملامح رانيا بتهكم :
” وانا اعمل ايه بتليفونك يا استاذ ؟!”
” دكتور لو سمحتي ”
حسنًا تلك الصدمة كانت أقوى من استيعاب رانيا لتردد بصوت عالي مستهجن لما سمعت منه منذ ثواني :
” د…ايه ؟؟ دكتور ؟؟ ”
هز محمود رأسه لا يفهم سر تعجبها مشيرًا صوب صالح :
” أيوة دكتور، وصالح كمان دكتور ”
رددت هاجر بتعجب :
” صالح ؟؟ هو مش الاستاذ صلاح برضو ؟؟”
ابتسم صالح بحنق وهو يقول بجدية يجلس مجددًا :
” لا يا آنسة هاجر، أنا مش صلاح، أنا صالح اخوه التوأم”
فتحت رانيا عينيها بصدمة وقد ارتفعت شهقتها المذهولة في المكان تشير له :
” أيوة ..أيوة صح، أنا قولت لا يمكن تكون صلاح اللي شوفته يوم البرنامج في القاهرة، التاني كان محترم، انما أنت متربتش ولا شوفت دقيقة احترام في حياتك ”
ضرب صالح المقعد بقدمه وهو يصرخ في وجهها:
” يابت هتغابى عليكِ، اتقي شري وبطلي طولة لسان”
” بقولك ايه يا جدع أنت أنا عايزة تليفوني لاحسن وربنا افضحك أنت واخوك واقول انكم حرامية ونصابين ”
مال محمود على صالح ومازالت عينه مثبتة على رانيا التي كانت في تلك اللحظة قاب قوسين من الاشتعال :
” البس، يعني بدل ما ننقذ سمعة اخوك، هنمرمغ سمعتكم أنتم الاتنين ”
سخر صالح وهو ينظر له باستهجان :
” ده على اساس إن سمعتي فلة يعني ؟؟”
” على رأيك ده انت مفيش ست بقت تطيق تبص في وشك جوا المستشفى، ودلوقتي هيبقى جوا وبرة المستشفى ”
تنفس صالح يحاول أن يستدعي كل ذرة هدوء يمتلكها أو لا يمتلكها وهو يقول بتريث :
” اسمعي يا آنسة رانيا، من الآخر كده تليفونك مش معانا، لأن احنا نسيناه في البيت، فبكرة في نفس المعاد هنيجي نسلمه ليكِ، ولو مستعجلة اوي ممكن بعد الشغل اقابل حضرتك عند المستشفى وتيجي تاخديه وتختفي من وشي خالص وارتاح”
وقح ؟؟ نعم ومتبجح ايضًا، سرق هاتفها، وجعلها تقف طوال اليوم في الميدان تنتظر أن يمن عليها ويعيد لها هاتفها الذي سافرت لأجله لساعات، ثم يتخلف عن موعده، وبعدها يعطيها موعد آخر ويأتي ليخبرها أنه لم يحضر هاتفها، وإن أرادته لتأتي مرة أخرى وتأخذه منه، أو تذهب لمنزله…
هنا ولم تتحمل أن تصمت ثانية لتنتزع هاتف هاجر منها والتي كانت صامتة تراقب ما ستئول إليه هذه المناقشة تردد بجدية :
” هاتي التليفون ده، أنا بقى هرجع تليفوني بمعرفتي”
رفع صالح حاجبه لاويًا طرف شفتيه في تزامن ساخر وهو يراقب ما تفعل، لا يدري ما تفكر به، لكن ايًا كان فقد أخذت تلك الفتاة من وقته الكثير وهو يحتاج للعودة إلى عمله .
نظر في ساعته يردد بجدية :
” طب يا آنسة أنا مضطر امشي عشان شغلي، ولما تعرفي هتنتقمي مني ازاي هتلاقيني في المستشفى اللي على اول الشارع أنا ومحمود”
نظر له محمود قائلًا بتذمر :
” ومحمود ماله طيب ؟! انا مليش دعوة يا رانيا، هو وأخوه اللي عاملين مشاكل ”
امسكه صالح من ثيابه وهو يقربه منه ضاغطًا على أسنانه بتهكم وغضب :
” ياض يا بجح، ايش حال ما أنت اللي وقعتنا مع الاشكال دي واخدت التليفون وأنت مش واعي، وأنت برضو اللي نسيت التليفون في البيت وخليت الاشكال دي تيجي وتتكلم معانا ”
ورغم حديثه الوقح والمهين إلا أن رانيا وضعت الهاتف على الطاولة تردد بجدية :
” أنا بقى هوريك الاشكال دي هتعمل ايه ؟؟ انا بلغت البوليس وهو بقى يبقى يتصرف معاكم ”
” أعلى ما في خيلك اركبيه، أنا اللي عندي قولته عجبك عجبك مش عجبك إن شاء الله ما عجبك، أنا مفيش عندي حيل ادادي وأراضي، ومليش خلق للستات اساسا ”
رفعت رانيا حاجبها وهي تردد :
” قال يعني والستات هتموت عشان حضرتك تدادي وتراضي فيهم، ده أنت آخر شخص ممكن ست تفكر تكمل باقي حياتها معاه”
وبمجرد انتهاء حديثها سمع الجميع صوت سيارة الشرطة في المكان لينظر محمود وصالح صوب الباب بصدمة، ثم عادوا بنظرهم لرانيا التي كانت متعجبة كذلك سرعة وصولهم.
ودون أن يشعر أحد أخرج محمود علبة السجائر الخاصة به يضعها في ثياب صالح بسرعة كبيرة، وكذلك القداحة الخاصة به، ثم أخرج هاتفه ووضعه أيضًا في جيب صالح :
” احتياطي ”
نظر له صالح بشر ثواني، ثم أدار عينيه صوب رانيا يتحدث بتعجب :
” هما كانوا مستنيين اشارتك ولا ايه ؟!”
____________________
يجلس في اجتماع مهم في مكتبه بعيدًا عن الأعين وقد يبدو للرائي أنه اجتماع كغيره من تلك الاجتماعات التي يعقدها رجال الأعمال عادة، لكن مع سعيد رائد الفساد في البلاد كان الأمر مختلف .
فجلوسه ذلك لم يكن لخيرٍ أبدًا .
ابتسم يستمع لمحادثة أحدهم وهو يلقي بملف أمامه يحمل عدة أسماء وصور وأمام كل صورة بعض البيانات الطبية :
” دول الدفعة الجديدة، وفي الصفحة التانية هتلاقي موافقات خطية من المعنيين على اللي هيحصل ”
رفع سعيد عينه لهم وهو يغلق الملف يشبك كفيه ببعضها البعض مرددًا بجدية :
” مش شايف أنك بالغت شوية في المبالغ اللي مكتوبة دي ؟؟”
نظر الرجل حوله لمن معه لا يدرك ما يرنو إليه سعيد، أي مبالغة تلك ؟؟ لقد استغلوا جبن وحاجة هؤلاء الاناس لأخذ أعضاء موتاهم قبل الدفن:
” مبالغة ايه يا سعيد باشا، العضو عندك أقل من تمنه في السوق السودة بتلات أضعاف ”
عاد سعيد بظهره للخلف وفي عقله تدور بعض الأمور، قبل أن يقول باقتراح :
” خليهم أقل من تمنهم في السوق السودة بعشر أضعاف ”
وملامح الذهول التي ارتسمت على وجه الجميع حوله أخبرته جيدًا ما سيعانيه معهم للاقناع، لكنه لم يحد عن رأيه وهو يقول :
” بس قدام الكل احنا واخدين أقل بتلات أضعاف بس ”
هنا واتضحت لعبة سعيد ذلك الشيطان الخبيث، لا يكفي أنه يستغل حالة الفقراء لسرقة أعضاء موتاهم ودفنهم فارغي الجسد ويشتري منهم تلك الاعضاء ببضع قروش مقارنة بسعرها الاصلي، بل يحاول استغلال أيضًا الحيتان الذين يبيع لهم تلك الاعضاء في السوق السوداء .
وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة، اعتدل سعيد في جلسته يقول بجدية :
” طبعًا أنتم هيكون ليكم من الحب جانب، وكل ما هتجيبوا اكتر كل ما هتاخدوا اكتر ”
ارتسمت بسمة على وجوه اتباعه والذين بدوا كما لو أنهم اتباع ابليس في تلك اللحظة، قبل أن يبادر أحدهم بالقاء ملف آخر يحمل عدة أسماء وصور :
” دي معلومات كل الدكاترة اللي عرفت اجمعهم، فيهم خمسة مش برشح أننا نقرب منهم لأنهم ممكن يفضحونا، وتلاتة حالتهم ممكن تجبرهم على الشغل لو ضغطنا عليهم، والباقيين مش معروف ليهم ردة فعل فبقترح نجس نبضهم ”
كان سعيد يُقلب في الملف أمامه وعينه تمر على الأطباء ليختار أحدهم يساعده في عمله القادم، فهو بدأ بشق طريقة نحو هدفه الذي يسعى له منذ سنوات طويلة، وأثناء تحريكه صفح الملف انتفض جسده فجأة وقد أبصر ما جعل عينه تتسع، رفع حاجبًا ينزع إحدى الصور من الملف وهو ينظر لها جيدًا، ثم قرأ الاسم في الملف :
” صالح السقاري ؟؟؟”
رفع عينه لأحد الرجال وهو يشير لصورة صالح :
” ايه ده ؟!”
نظر الجميع لبعضهم البعض دون فهم ما يريد :
” دكتور من ضمن الدكاترة اللي اخترناهم، أنا جبت كل الدكاترة اللي معروفين في التخصصات دي واكيد مش كلهم مناسبين و…”
قاطع سعيد كلامه وهو يشير له بيده مخرجًا هاتفه يبحث عن شيء معين حتى وصل له، رفع هاتفه يضعه جوار الصورة بيده وقد كانت شاشة هاتفه تعرض صورة صلاح في أحد اللقاءات جالسًا بتكبر ونظرات هادئة، عكس صورة صالح الذي كانت نظراته حادة أكثر..
” صلاح وصالح ؟؟؟ ”
صمت ثواني وكأنه يفكر، لكن قاطع تفكير ذلك رسالة من أحد رجاله على أحد التطبيقات وقد كانت عبارة عن بعض صورة من جريدة اليوم، فتح الصور وهو يحدق بها جيدًا قبل أن يعتدل في جلسته يقرأ بصوت عالي ما كُتب عنه بخط عريض :
” سعيد الاشموني …فاسد ثري ام ثري بسبب الفساد ( الحقيقة الكاملة وراء ثروة الاشموني ) ”
ابتسم سعيد بسمة جانبية وهو يقرأ كل ما كُتب عنه في الجريدة وكالعادة ما كان ليتلفت لها لولا تلك الكلمات التي أثارت انتباهه وبشدة، كلمات لا أحد يعلم عنها شيئًا، حتى والده نفسه لم يعلم عنها شيء :
” كيف استطاع سعيد الاشموني تكوين ثروة قارون وهو بمثل فساد فرعون؟! بعدما فقد جميع أمواله في استراليا منذ ثلاث اعوام، وقبل حتى أن يدرك أحدهم أمر إفلاسه، عاد الاشموني الصغير لمصر مع ثروة تفوق تلك التي فقدها بسبب عربدته، ما السر ورا ذلك ؟؟ ”
جمر اشتعل في صدر وارتجف جسده غضبًا وهو يرى اسم ( صلاح السقاري ) يزين خاتمة المقال، كيف وصل لكل ذلك؟؟ ما ادراه هو بأمر استراليا أو إفلاسه وقتها، كيف علم ووالده حتى لم يدري ؟!
احمرت عينه بشكل مخيفة وهو يضغط على هاتفه وقد توحشت ملامحه لدرجة أن الجميع حوله توجس منه خيفة، وفي ثواني خفت غضب سعيد حينما وقعت عينه على صورة صالح، ضغط عليها بقوة قبل أن يلقيها في منتصف الطاولة قائلة بحقد وغضب عماه عن صوت عقله :
” الدكتور ده تجيبوا قراره وتحاولوا تخلوه يبقى تبعنا”
نظر الرجال لصورة صالح ليقول أحدهم بتردد :
” أيوة بس ده من ضمن اللي …”
ضرب سعيد الطاولة بيده في غضب مخيف :
” ميهمنيش كل اللي هتقوله، يبقى معانا، ولو مش معانا يبقى علينا ”
” يعني ايه ؟!”
قال سعيد وعينه ما تزال مثبته على صورة صالح وقد اثارت فكرة حرق قلب صلاح على توأمه غبطة كبيرة في نفسه :
” يعني لو مبقاش الدكتور، هنخليه الحالة ”
______________________
دخلت مركز الشرطة بعدما تلقت استدعاءً للشهادة ضد من ارتكب في حقها وحق والدها جرمًا لأنها رفضت أن تصمت على الباطل، رفضت أن تشاهد ما يحدث وتصمت مثلهم جميعًا ..
دخلت تقاوم ارتعاش قدميها وهي تتذكر كلمات الطبيب لها بعد ساعات جحيم انتظرت لتنال خبر يثلج صدرها وكل ما حازت عليه هو رد هادئ بارد :
“للاسف الضربة تسببت في نزيف حاد للمريض ومع أمراضه المزمنة والسن مقدرناش نعمل حاجة، البقاء لله ”
ما يزال صدى صرخاتها يتردد في أذنها انهيارها وحدها في طرقات المشفى ترتجي من أحدهم نظرة مؤازرة، تتوسل تربيتة حنونة، تنظر حولها بتيه تبحث بين الوجوه على من يرشدها لما تفعل…
انتفضت تسبيح من لحظات عذابها ومازال جسدها يرتجف بعدما تركت جسد والدها مسجى في المشفى لتنتهي من ذلك الأمر الثقيل على قلبها، سمعت صوت العسكري يخبرها أن تتقدم للغرفة وبمجرد دخولها ابصرته يجلس بهيبة على مقعده ينظر لها بشكل اخترقها..
جلست تسبيح شاكرة أن وجهها لا يظهر منه سوى عينيها، ولو كانت تعلم أنها ستتعرض لكل ذلك لاخفت عيناها أيضًا علها تدفن تعابيرها عن الجميع .
بلعت ريقها تستمع صوت رائد الذي خرج عملي بشكل مستفز، لكنه حاول ألا يتأثر في تلك اللحظة بشيء :
” الستات قالوا إن كان فيه عداء قديم بينكم وأنك سبق واتهجمتي على واحدة منهم، ده صحيح ”
رفعت تسبيح عينها له بسرعة وقد اشتعلت مقلتيها بشدة :
” محصلش، دول هما اللي اتهجموا عليا أنا وبابا في البيت عشان البلاغ اللي قدمته ”
استمع لها رائد بانصات شديد :
” وايه علاقتهم بالبلاغ اللي قدمتيه؟؟ ”
ابتلعت ريقها تحاول أن تبدو ثابته بينما أكتافها منحنية بانهزام، كُسر ظهرها وفقدت سندها الوحيد، والله وحده يعلم أين هرب أخيها :
” لأنهم امهات الشباب اللي كانوا بيشتغلوا مع جلال، ولما وصل ليهم خبر موت عيالهم في السجن اتهجموا عليا ”
” كلهم امهات العيال ؟؟”
هزت رأسها نفيًا تحاول منع غصة بكاء عنيفة :
” لا اتنين منهم والباقي ستات بيتأجروا في الخناقات عندنا في الحارة ”
هز رائد رأسه وقد فهم جيدًا ما حدث، اثنتان من أمهات المتهمين تهجموا عليها انتقامًا لموت ابنائهم وأثناء ذلك اصابوها واصابوا والدها كذلك :
” تمام، المتهمين هيتعرضوا بكرة على النيابة وهيتم أخذ اقوالهم وكمان هيتم استدعائك لأخذ اقوالك ومتقلقيش أنا كنت حاضر وشاهد على اللي حصل وهياخدوا عقابهم لأن ده شروع في القتل مش شيء بسيط ”
” قتل ”
كانت كلمة خافتة منها وبصوت مذبوح، لكن رائد لم يصل له ما تريد فقال بتساؤل :
” ايه ؟! ”
رفعت عيونها له وياليتها لم تفعل، فقد كانت عيونها كيتيم أُلقى على قارعة الطريق بعدما تخلى عنه جميع احباءه، ازدرت تسبيح ريقها وهي تعيد كلمتها وصوتها خرج مرتعشًا :
” قضية قتل مش شروع، لأن بابا مات ”
فتح رائد عينه بصدمة مما سمع وهزته نبرتها وسقط قناع جموده وهو يرى اهتزاز جسدها بقوة فاضحة لما حاولت هي إخفاءه وهي مخفضة رأسها، نهض رائد من مكانه خلف المكتب وتحرك للأمام وهو يناديها بخفوت :
” تسبيح ..”
وقبل أن يتبع كلمتها بأخرى انهارت القشرة التي تخفي خلفها تسبيح تماسكها وهي تبكي بقوة ترثي والدها الحنون الذي لم يقصر بشيء رغم عجزه بسبب إصابته أثناء عمله قديمًا ..
انهارت ورائد يقف أمامها عاجزًا عن الايتان بشيء سوى أنه أخذ يناديها محاولًا أن يهدأها، لكن تسبيح وكأنها لم تصدق أن تجد أحدهم تبكي له حتى وإن لم يكن لها مواسيًا، وجدت من يسمع صراخها، من تجد صدى لشهقاتها لديه .
كل ذلك ورائد يقف أمامها وقد اهتز لمرته الاولى أثناء عمله، تلك الفتاة آلمته وبشدة وجعلته يفكر لأول مرة في ركن عمله جانبًا ويتدخل بصفته شخص عادي وليس شرطيًا ويساعدها …
انحنى ارضًا أمامها، لكن بعيدًا عنها بالقدر الكافي كي لا يتسبب لها في إزعاج، يبتلع ريقه :
” تسبيح، تسبيح فين والدك دلوقتي ؟؟ اندفن ؟؟”
هزت رأسها بلا وهي تقول بنواح :
” في المستشفى، مش عارفة اعمل حاجة مش عارفة اعمل ايه، اعمل ايه طيب ؟؟”
تألم لأجلها وهو يقول بتعب :
” متعمليش، أنا هتصرف، لكن قبل كل شيء خلينا نشوف ليكِ بيت تاني غير بيتك لأن مبقاش ينفع ترجعي”
رفعت عينها له بفزع ليبرر رائد حديثه بهدوء :
” جلال لسه هربان ومش بعيد يرجع ينتقم منك بعد ما خربتي حياته، غير أهل الحارة مظنش حد فيهم ممكن يكون مرحب بوجودك بعد ما أولادهم اتسجنوا بسببك ”
نظرت له من بين دموعها بعدما تبلل قماش نقابها :
” طب ….أنا …أنا مش عندي مكان تاني و..”
” متقلقيش أنا هتصرف ”
نظرت له ثواني وهي تشعر بضعف في أطرافها واختناق كبير في أنفاسها، لكنها قاومت كل ذلك وهي تنهض مستندة على مكتبة :
” ينفع امشي دلوقتي ؟”
لاحظ رائد حركتها غير المتزنة ليقترب منها بحذر :
” أنتِ كويسة طيب ؟!”
وقبل أن ينهي جملته وجد جسد تسبيح يرتطم بأرضية مكتبه في عنف كبيرة جعله يفتح عينه فزعًا وهو يصرخ باسم العسكري خارج بابه …..
___________________
لا يدري متى تخلص من تلك الفتاة واخيرًا، حسنًا هو لم يتخلص منها أو يستأذن منها بهدوء وغادر، بل هو أخذ هاتفه ومحفظته وجذب محمود من ثيابه وهو يترك الفتاتين بكل وقاحة في المكان ولم يقل كلمة سوى :
” المستشفى متتوهش ”
وبمجرد انتهاء كلماته كان قد اختفى مع محمود من المقهى وها هو ينتهي من إكمال تشريح إحدى الجثث التي يعمل عليها مع محمود منذ أيام، حيث كان التشريح بها دقيق، وذلك لأنهم قاموا بتفريغ الاعضاء وفحص كل عضو على حدة، وعلى غير عادته كان محمود يقوم بعمله على أكمل وجه .
” الكبد تالف ”
كانت تلك الكلمات خارجة من فم صالح الذي كانت اكفافه مليئة بالدماء، نظر له محمود يرفع ذراعه يحاول ارجاع خصلاته للخلف :
” مش ملاحظ حاجة ؟!”
قال صالح بجدية وهو يتفحص الجثة بكل جدية :
” ما أنا لسه قايل أن الكبد فيه ….”
لكن محمود وقبل أن يكمل هو جملته قال بجدية :
” لا مش قصدي كده، أنا قصدي مؤخرًا مش ملاحظ حاجة في المشرحة ؟؟”
نظر له صالح ثواني يحاول معرفة ما يقصد، لكنه لم يصل لشيء، حتى وإن حاول لأعوام عديدة فهو لن يصل أبدًا لما يدور في عقل محمود والذي قال بهدوء :
” في الفترة الأخيرة مبقاش يجيلنا جثث نسوان خالص، كلهم رجالة، عارف ده معناه ايه ؟!”
نعم هذا صحيح، فمنذ اسابيع وكل من يشرفهم بحضوره لمشفاهم كان رجل أو عجوز، هل الأمر متعمد ام ماذا .
اقترب محمود بنصف جسده العلوي لجزء صالح المقابل له وهو يقول بهمس :
” دي مؤامرة يا صاحبي، الستات أعلنوا الحرب ومش هيسكتوا غير لما يخلصوا علينا واحد واحد، وصدقني الموضوع مجرد وقت لغاية ما اشوفك جثة قدامي بعد ما سجدة تخلص عليك ”
رفع صالح حاجبه بسخرية وهو يبعد جسد محمود عنه :
” أما نشوف، قبل ما تفكر حتى تقرب مني، هكون مخرج اعضائها عضو عضو ”
أنهى حديثه لينظر له محمود نظرة مريبة وهو يعود لعمله وقد شارفوا على الانتهاء من الأمر :
” أنا حذرتك يا صاحبي، حاول تحسن علاقاتك مع الجنس الناعم، لاحسن مستقبلك وأنت متشرح قدامي ”
ابتسم له صالح يكمل عمله وكذلك محمود، ليقوم صالح بتحرك الجثة في وضع محايد ليصل إلى بعض الأجزاء الحيوية، لكن حينما أبصر محمود تحرك الجثة انتفض للخلف صارخًا صرخة عالية مرتعبًا من تلك التجربة التي لم ينسها بعد .
نظر له صالح بتعجب ليجد محمود يشير للجثة:
” ده اتحرك، والله اتحرك من شوية ”
تحدث صالح بدهشة من ردة فعله :
” يابني حتى وأنت فايق عقلك لاسع؟؟ أنا اللي حركته عشان اشرح الكلية ”
نظر له محمود بشك، يشعر أنه يكذب عليه حتى يعطيه الامان ثم يلقيه للزومبي ويركض هاربًا :
” طب احلف أنه متحركش لوحدك ”
حسنًا إن أراد تمرير اليوم لمحمود عليه مجاراة عقله وتفكيره المريب :
” والله ”
” لا قول الجملة كاملة، قول والله مصطفى متحركش لوحدك ”
أخرج صالح صوتًا حانقًا من حنجرته على هواية صديقة التي يعتقد أنه لن يتوقف عنها :
” مصطفى ؟؟ يابني هما ولاد اختك ؟! كل ما يجيلك واحد تسميه على مزاجك ؟؟ ما اسمهم في الملف معاك ”
هز محمود رأسه مشيرًا صوب مصطفى :
” هو حابب الاسم ده ”
تنهد صالح بحنق يعود لعمله وقد يأس من محمود من أن يتعامل يومًا بجدية مع حياته، وفجأة قاطع عملهم صوت رنين هاتف محمود الذي أخرج بيده دون أن يأبه أن قفازه ممتلئ بالدماء، وضع الهاتف على أذنه يمسك به باصبعين فقط :
” الو يا بابا ”
صمتت قليلًا تحت أنظار صالح المشمئزة من أفعاله تلك وقد أكمل العمل وحده حتى ينتهي محمود .
” هو لازم يعني يتسم بدني انهاردة ؟؟ ….يا عم لا ازاي نروح خطوبة بنت عمي ونرقص ونزغرط ليها لو عايز، إن شاء الله يكون عمي مشغول في الجاتوه ومياخدش باله مننا ”
صمت ثم قال بسخرية :
” لا مننا أنا وأنت مش مني لوحدي، ما هو مش بيطيقك أنت كمان يا ماجد هتعملهم عليا؟!”
أنهى حديثه ثم قال وهو ينظر لوجه صالح الذي كان يكمل عمله بهدوء :
” طب ينفع اجيب معايا صالح ؟!”
رفع له صالح عينه يحدجه بغضب، هل يحاول توريطه الآن في مناسبات عائلته ؟! هو الذي لا يحضر مناسبات عائلته الخاصة .
لكن محمود تجاهل كل ملامح الاعتراض الواضحة أعلى وجه صالح وهو يردد بجدية يعطيه ظهره :
” أيوة هو عايز يجي معايا ياكل جاتوه ”
قال صالح بغيظ :
” أنا مش بحب الجاتوه اساسا ”
لكن محمود لم يعطيه ردًا :
” يابابا اعمل ايه يعني لعمي ؟؟ أحرج صاحبي واقوله مش هاخدك عشان عمي مش بيحبني ولا بيحب صحابي ؟؟ ”
صمت ثم صاح بحمائية ودفاع :
” الله ما قولتلك الواد ماسك فيا مينفعش أحرجه واقوله مش هاخدك معايا، كده اكسر بخاطره ”
تشدق صالح بغضب وهو يود لو يغرز مشرطه في عقل محمود :
” يا عم اكسر خاطري، أنا مش عايز اروح في أي حتة معاك انت بالذات، أنا اساسا مش بحب عمك ده، مش هو أبو سالم ؟؟ مش بحبه الراجل ده ”
نظر له محمود وهو يقول :
” خلاص يا صالح بابا بيقولك تعالى وهو هيبلغ عمي بحضورك، أنت عارف أنه مش بيحبك ”
” يا عم ولا أنا بحبه، اروح فرح بنته ليه كانت بنت اختي؟! يا بني أنا مش بطيق حد من عيلتك غير ابوك، حتى أنت مش بطيقك ”
ابتسم له محمود يربت على كتف رفيقه بحب ليلوث ثيابه البالطو الابيض خاصته بالدماء :
” اصيل يا صاحبي، تتردلك في الافراح يارب، عقبال كده فرح صلاح لما اجي أجاملك فيه أنا وابويا ”
انتبه محمود لوالده :
” خلاص انا وصالح هنيجي بليل ناكل جاتوه ”
اغلق المكالمة وهو ينظر لصالح قائلًا ببسمة :
” العيلة كلها بتحبك يا صالح ”
نظر صالح لثيابه بتقزز :
” عيل معفن ”
بعد ساعة تقريبا انتهى الاثنان من العمل وخرجا من الغرفة ومعهم العديد من الأوراق التي تضم بين سطورها سبب وصول صاحب الجسد في الداخل لتلك الحالة، لكن بمجرد خروجهم وجدوا امرأة تركض صوبهم بعدما افلتت من عامل المشرحة وهي تصرخ :
” جوزي …جوزي يا دكتور عملتوا فيه ايه ؟! حرام عليكم عملتوا فيه ايه ؟؟”
قال محمود دون أن ينتبه لكلماته :
” البقاء لله، عملنا اللي علينا بس الأمر بيد الله ”
نظر له صالح وكذا المرأة بصدمة لما يتحدث به، بينما محمود لم يستوعب بعد ما قال، حتى تحدثت المرأة من بين دموعها بتعجب وجهل :
” هو …هو كان عايش لما جه ؟؟”
ضرب صالح رأس رفيقه بغضب وقد تجاوز محمود حدوده، كل ذلك وهو لم يشرب شيء، ماذا كان ليفعل إن كان الآن في عالمه الموازي ؟؟
” متهتميش لكلام صاحبي هو بس كان نفسه يبقى دكتور جراحة فتلاقيه مش مستوعب اللي كان بيعمله، نتيجة التشريح تقدروا تعرفوها من الشرطة لأن دي جريمة يا مدام، شدوا حيلكم ”
أنهى حديثه ثم تحرك ليبقى محمود في مكانه وهو يقترب منها قائلًا :
” يعني مش أنتِ اللي قتلتيه ؟؟”
رفعت المرأة وجهها له بصدمة وقد شحب وبقوة، ليعود صالح سريعًا يجذب محمود من معطفه بغيظ :
” معلش يا مدام أصله سهران بقاله ايام فبدأ يخرف ”
تحرك محمود خلفه وهو ما يزال ينظر للمرأة بشك، بينما الأخيرة جلست اعلى مقعد وهي ترتعش بحزن باكية ترثي زوجها .
خرج محمود وصالح من المشفى بعدما انتهى عملهما، وقبل أن يصعدا لسيارة محمود بعدما أودع صالح سيارته في التصليح بسبب ما حصل لها في مؤتمر صلاح، سمع الاثنان صوتًا خلفهما..
استدار الاثنان صوب الصوت والذي لم يكن سوى صوت رانيا التي تحركت صوب السيارة بسرعة كبيرة وهي تقول وقد ضغطت على نفسها حتى تأتي لهما هنا وكل ذلك لأجل منحتها التي انتظرتها سنة كاملة :
” اديني جيت المستشفى، ممكن لو سمحتم التليفون بتاعي ”
نظر لها صالح ثواني وقد ادهشه أنها أتت بالفعل :
” أيوة بس التليفون مش معانا ممكن تاخدي عنوان بيت محمود وتروحي هناك و…”
حسنًا هذا يكفي، يبدو أنها لن تنال هاتفها قبل السبعين إن استمرت على هذا المنوال :
لا أنا مش هروح بيوت حد، أنا مش فاهمة اساسا ازاي تطلب من بنت تيجي ليك البيت يا محترم، أنت هتجبلي تليفوني هنا ودلوقتي ”
كانت تتحدث وهي تضم يديها لصدرها ضاربة باقدامها الأرض في حركة تدل على نفاذ صبرها، وعينها لا تنزعها عن صالح الذي لم يهتم لما تقول :
” بصي يا اسمك ايه، مشكلتك حليها مع محمود التليفون عنده هو والغلطة غلطته هو، مش ناقص وجع دماغ ”
أنهى حديثه ثم نظر لمحمود الذي كان لا يهتم بهما وهو يجلس في السيارة يشعل لفافة عادية ليحارب الصداع في رأسه بعد ساعات وساعات من العمل الشاق :
” أنت يا زفت، خد البنت دي معاك اديها تليفونها، أنا هاخد تاكسي واروح بيه ”
هز محمود رأسه دون اهتمام :
” ماشي متنساش الخطوبة بليل ”
” لا هنساها، متقربش من بيتي لاني مش هروح معاك في حتة ”
أشار بيده لإحدى سيارات الأجرة حتى تقله للمنزل وقد بدأت الشمس بالمغيب، ثم تحرك نحوها بتعب يحاول العودة باسرع وقت للاستحمام، لكن وقبل أن يخطو للسيارة وجد من يجذبه من ذراعه بقوة للخلف حتى أن كُم قميصه خرج في يده .
ولم يكن ذلك الشخص سوى رانيا التي جُنّ جنونها وهي تراه يتجاهلها ويتحدث عنها كما لو كانت تتسول منه صدقة، وعند هذه الفكرة لم تقاوم شيطانها وهي تركض له جاذبة ثيابه لمنعه من الرحيل، وما لم تحسب له حساب هو خروج جزء من قميصه بين يديها .
نظرت رانيا لما في يديها وهي تقوس فمها بدهشة وعيناها متسعة بشكل مثير للضحك، في اللحظة التي استدار لها صالح ببطء وتحفز وبمجرد أن أبصر ثيابه بين يديها حتى تلبسته شياطينه وهو يتحرك صوبها وهو يصرخ :
” اه يا بنت الـ ”
صرخت رانيا برعب تتراجع للخلف تبحث لها عن مخرج ولم تجد سوى سيارة محمود الذي كان في عالمه الخاص، لتصعد لها وهي تصرخ به أن يتحرك، وقد كان أدار محمود سيارته دون فهم شيء، لكن قبل أن يتحرك قفز صالح بجسده في السيارة وهو يصرخ بجنون :
” أنا حاولت ابعدك عن شياطيني، لكن أنتِ اللي مصرة تخرجيهم، والله لاشرحك ”
أنهى حديثه يخرج مديته من جيبه لتشهق رانيا بصوت مرتفع وهي تهبط أسفل المقعد المجاور لمحمود تصرخ باكية مما يحدث، وصالح كان فقط يهدد كابحًا وبصعوبة لجام ذلك الكائن البدائي الذي يدعوه لحمل جسدها والقاؤه خارج السيارة ثم يمر عليها ذهابًا وايابًا .
مد بجسده للامام يحاول سحبها للخارج من أسفل المقعد وهو يصرخ بها بغضب، بينما محمود كان يدرك أنه مهما بلغت عشوائية رفيقه وبطشه فلن يمس امرأة بالسوء، لذلك كل ما فعله هو أن أشار لرانيا أن تتنحى جانبًا قليلًا، ثم قام بتشغيل الراديو ليصدح في السيارة اغنية اندمج هو معها وهو يقود ببسمة يحرك أصابعه على المقود باستمتاع، ويردد مع الأغنية بسعادة :
” شو كانت حلوة الليالي ….والهوا يبقى ناطرنا، …وتيجي تلاقيني وياخدنا بعيد …هدير المي والليالي ”
وعلى الجانب الآخر كانت رانيا قد استقرت أسفل المقعد تأبى الخروج رغم كل تهديدات صالح لها ويبدو أن الجلسة في الاسفل قد نالت اعجابها وهي تعانده بالخروج بكل قوة، وهو يخفي مديته وقد حقق رغبته في اخافتها منه، وصوت محمود جوارهما قد بدأ يعلو تزامنًا مع ارتفاع وتيرة الأغنية :
” اااه يا سهر الليالي …ااااه يا حلوة على بالي، غني…اااه”
_______________________
تتراقص في بهو القصر، تقفز هنا وهناك وكأن اليوم زفافها، حسنًا حتى زفافها لم تتراقص به كمان تفعل الأن، أغمضت ميمو عينيها تتذكر المرة الأخيرة التي تراقصت بها وقد كانت في زفاف ميرفت ابنة عمها والتي زُفت لرجل يبلغ ضعف عمرها حينما كانت في السادسة عشر من عمرها .
ميرفت تلك البريئة الساذجة التي لم تكن تستحق كل ما نالته في حياتها، لم تكن تستحق كل ما حدث …
صوت الاغاني يصم أذنها ترى ابنة عمها الحبيبة والتي تكبرها بعام واحد ترقص من قلبها بسعادة، سعادة فتاة وعدوها بحياة مثالية مليئة بالسفر والمتعة والراحة .
وقد كانت ميمو في تلك اللحظة سعيدة لسعادة ابنة عمها، تراها تتراقص مع فتيات الحي بعدما تزينت لزوجها والذي يبلغ من العمر ٣٣ عام، رجل يعمل مع والدها في نفس الشركة وقد رأى ميرفت مرة حينما كانت مع والدها وأعجب بها وأحبها على الفور ومن ثم طلبها لتصبح زوجته وحبيبته للباقي من عمرها، او هكذا اخبروها هم …
” ميمو ”
التفت ميمو على صوت نداء خلفها لتجد والدتها تشير لها بالاقتراب، نظرت صوب ميرفت التي كانت تتراقص مع اختها الصغيرة ثم ركضت صوب والدتها تقول ببسمة :
” نعم يا ماما ”
قالت والدتها بحب :
” أنا هرجع البيت دلوقتي عشان تعبت من الوقفة وأنتِ خلصي وهتلاقي مازن ونادر برة مستنيينك تروحي معاهم”
التوى فمها بغيظ فهي بوجود شقيقها لن تهنأ بشيء، فهم مزعجين وكل دقيقة سيأتون لاخبارها ( ألم تكتفي ؟؟؟ لنعد للمنزل…لقد تعبنا )، لم تتحدث ميمو بكلمة لوالدتها حول تذمرها وهي تهز رأسها:
” ماشي يا ماما روحي انتِ وانا هستنى لما اشوف العروسة بتتزف ”
كانت تتحدث ببسمة ولم تعرف لِم أصبحت ملامح امها مقتضبة غاضبة :
” ماشي، خلصي المهزلة دي وحصليني ”
ولم تدرك ميمو عن أي”مهزلة” تتحدث والدتها، ولم ترهق عقلها بالتفكير، بل عادت بكل بساطة صوب العروس وهي تطلق زغاريد عالية سعيدة لأجل سعادة مرفت، حتى شعرت وبعد دقائق أن هناك نظرات تحرقها، هناك من ينظر لها وهي تشعر بذلك .
استدارت بسرعة كبيرة صوب الخلف لتجده، هو ذاته نفس الرجل الذي كان ضيفًا لدى عمها منذ اسابيع، لم تره منذ ذلك اليوم، وقد حمدت ربها للأمر فهو يبعث لها مشاعر مخيفة تجعل صدرها يضيق خوفًا من نظراته .
ابتلعت ريقها وهي تحاول الابتعاد عن مرمى بصره، لكن عين جاد لم تتوقف عن التحديق بها حتى وجدت فجأة أحدهم يجذبها بعيدًا ولم يكن ذلك الاحدهم سوى مازن شقيقها الأكبر والذي يبلغ من العمر التاسعة عشر يردد بغضب جحيمي :
” مين الراجل ده اللي قاعد يبص عليكِ كده ؟؟”
نظرت له ميمو بوجه شاحب لم تفهم ما به :
” أنا…معرفش يا مازن هو اللي …”
قاطع حديهم اقتراب نادر منهما وهو يردد بنعاس :
” ايه يا ميمو مش يلا، عايز انام عندي بكرة شغل في الورشة ”
تحركت عين ميمو لوجه نادر والذي كان شقيقها الأصغر بينما كانت هي الوسطى، هذا بالإضافة لشقيقتها الرضيعة التي لم تكد تبلغ العام حتى .
” بس لسه العروسة ممشيتش ”
نظر مازن بشر صوب جاد الذي حدجه بسخرية وهو يقول :
” واحنا مالنا بالعروسة هنروح معاها ؟؟ بقولك اتحركي أنا خلاص تعبت ”
وحدث كما توقعت، أفسد إخوتها سهرتها، واضطرت لترك الزفاف قبل حتى أن تراها تُزف لمنزلها، وتحركت معهما بعدما اعتذرت لميرفت وزوجة عمها مع وعد بالذهاب معهم للعروس في صبيحة يوم زفافها لرؤيتها .
وخرجت ميمو غاضبة حانقة من مازن، الذي كان كالشوكة في خاصرها، لكن وبعد مرور عشر سنوات تتمنى لو تقبل قدم أخيها لأنه جعلها ترجع ذلك اليوم حتى لا تشهد بنفسها ميرفت وهي تُساق لمذبحها، فباليوم التالي وبدل أن يذهبوا لمباركة العروسة، عادوا بها محمولة على الأكتاف.
قُتلت ميرفت يوم زفافها، ودُق معها اول مسمار في سعادتها وحياتها الهانئة، ولم يكن موت ميرفت، سوى بداية جحيم لميمو .
انتفضت ميمو من ذكرياتها البعيدة على صوت رنين هاتفها، ابتلعت ريقها تتحرك صوبه وفي نيتها تجاهله، لكن رؤيتها لاسم صلاح جعلها تغير رأيها وهي تجيب دون تفكير ودون حتى أن تتمالك نفسها :
” الو”
تعجب صلاح من الجهة الأخرى لنبرتها التي يستمعها للمرة الأولى، قد كانت نبرة باكية وكأنها بكت لساعات أو نبرة ذبيحة ..
” الو يا ميمو شوفتي الاخبار ”
ابتسمت ميمو بسمة واهنة وكأنه يقف أمامها :
” أيوة شوفتها وكنت بحتفل من شوية وانا بتخيل وش سعيد و……”
وتوقف صوت ميمو فجأة ليثير الشك في نفس صلاح الذي ابعد الهاتف يتأكد أن المكالمة ما تزال جارية، ثم وضعه مجددًا يردد بتعجب :
” ميمو في حا…”
وقبل أن يكمل كلمته سمع صوت اصطدام قوي تبعه صوت سعيد الذي وصل له واضحًا، غاضبًا كالجحيم وهو يهمس بفحيح يخلع حزام بنطاله وعينه تنبأ ميمو بالقادم:
” وليه تتخيلي وش سعيد يا مرات ابويا لما ممكن اوريه ليكِ مباشر ………”
____________________
ومن ثم ؟!
ألم يرددوا طوال الوقت أن الانتقام وجبة تؤكل باردو ؟! حسنًا وهم سيتناولونها مثلجة….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين الألف وكوز الذرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى