روايات

رواية لولا التتيم الفصل الثامن 8 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل الثامن 8 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء الثامن

رواية لولا التتيم البارت الثامن

رواية لولا التتيم الحلقة الثامنة

انتشلته من شروده ليوجه نظره لها بغيظ قبل أن يتجه ناحيتها ساحبًا إياها من ذراعها بقوة متجهًا لغرفتهما، هتفت ما إن دلفت الغرفة باستغراب:
_ في ايه؟ ساحبني كده…
قطعت حديثها شاهقة بخضة حين التف لها فجأة بعد أن حصرها بينه وبين الحائط وعيناه اللامعه كانت غريبة حتى أنها لم تستطع تفسير تلك اللمعة هل هي غضب؟ أم شيئًا آخر خفي؟!
هتف من بين أسنانه بغيظ واضح:
_ اسمعي بقى.. عدى الكام ساعة الي الواد ده هيقعدهم على خير عشان أنا بتنقط بسرعة وأنتِ عارفة.. بلاش أمور التلزيق بتاعتكم دي.
أنهى حديثه وهو يبتعد عنها ليخرج ثيابه من الخزانة بجسد مشدود.. لا يعلم ما أصابه فجأة أليس هو من عرض على “بدر” القدوم من البداية؟ لِمَ أنتابه الغيظ الآن وتمنى لو لم يقدم هذا العرض أساسًا؟ ..
طالعة ظهره بضيق لا تعلم متى سيتقبل العلاقة البسيطة بينها وبين “بدر” من بعد أن تزوجا لم ترى “بدر” سوى ثلاث مرات أخرهم كانت في الاحتفال بعيد مولد “يونس” الأول.. يومها تحديدًا ولأول مرة حدثت بينهما مشادة أعنف من هذه لبعض

 

المواقف التي حدثت بينها وبين “بدر” والتي عقب عليها “يوسف” وأبدى اعتراضه بها، تنهدت بيأس وهي تقول:
_ تلزيق ايه يا چو ربنا يهديك.. أنتَ مش شايف إنك مكبر الموضوع.
ودون اهتمام بما تقوله كان يلتفت لها وهو يرتدي قميصه المنزلي:
_ بلاش تحسسيني طول الوقت إنك عرفاه اكتر من نفسه، أنتِ بقالك اكتر من ٣ سنين مشفتهوش يعني في حاجات كتير اتغيرت عادي هو مش لسه بدر الي كان مقيم عندكوا قبل ما يتجوز.
قطبت حاجبيها بضيق مرددة:
_ ايه مقيم دي! هو يعني ما عشان كان بيعتبر ماما زي والدته عشان تعتبر مربياه مع طنط، وعلي اخويا كان صاحبه وكانوا بيحبوا يقعدوا مع بعض، وأنا كان بيعتبرني اخته الصغيرة وكان بيساعدني كتير في المذاكرة، يبقى معناها أنه كان مقيم عندنا؟
ابتسم ساخرًا وقال:
_ لا يا شيخة ده انا ظلمته.. بعدين مذاكرة ايه الي كان بيساعدك فيها هو كان علمي رياضة وأنتِ كنتِ علمي علوم!؟
رفرفت بأهدابها ببراءة وهي تجيبه:
_ ماهو يا حبيبي الفيزيا والكميا كانوا مشتركين بينا.. وانا بقى مكنتش افهم فيهم حاجه خالص، وبيدو كان شاطر فيهم..
اقترب خطوتان حتى أمسك بكتف عباءتها ليرفعه لأعلى مغمغمًا بحدة:

 

_ بيدو مين يا بت.. صفية اتظبطِ أنا على أخري!
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تردد بأعين متسعة:
_ بت! وبتمد ايدك عليَّ كمان! بعدين أنا لساني واخد على بيدو دي من زمان بتطلع غصب عني.
أبعد يده عنها بتهكم قائلاً:
_ متعشيش الدور ايدي ايه الي بمدها عليكِ! وبعدين مفيش حاجة اسمها متعودة.
ضاقت ذرعًا منهُ فزفرت بضيق وقالت:
_ خلاص يا چو بقى، يلا نطلع عشان نتغدى.
سبقته ليأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتبعها وهو يدعو الله سرًا ألا يفقد أعصابه عليهما.
______
انتهى الغداء بمدح “بدر” لطعام صفية كالعادة وبعض المرح بين الجميع، وخاصًة الصغير “يونس” الذي بدى ندًا آخر ل”بدر”.. انتهى الطعام بسلام، وصنعت “صفية” ثلاثة أكواب من الشاي الساخن وأسقطت بهم أوراق النعناع الطازج الذي يفضلوه جميعًا والذي يقترن دومًا بجلسات الصفاء خصوصًا أنه ولحسن الحظ وقت العصاري..
_ ياسلام على كوباية الشاي بالنعناع العظمة دي.. بجد المزاج طالبها جدًا.
هذا ما ردده “بدر” وهو يلتقط كوب الشاي منها لتبتسم له بود مرددة:
_ بالهنا..

 

جلست لجوار زوجها وبدأ الحديث في بعض الأمور الجانبية والتي كانت تخص حياة “بدر” في تلك الفترة المنصرمة حتى قالت “صفية” باستفهام كبير:
_ يوسف قالي أنه شافك في المحل، من امتى وأنتَ بتقف فيه يا بدر؟
ابتسم “بدر” بخفة وقال:
_ من دلوقتي.. ولكل الفترة الي جاية إن شاء الله، أو لحد ما الاقي شغل يعني.
عقب “يوسف” بعدم فهم:
_ ازاي برضو؟ يعني ليه سيبت شغلك؟ وكمان مراتك هترضى إنك تقف في محل العطارة؟ ولا إيراد محل العطارة هيكفي مصاريفها؟!
وبدون مقدمات كان يقول بملامح جادة رغم إرهاقها من الخوض في هذا الموضوع تحديدًا:
_ أنا استقلت من شغلي، واتخانقت مع لليان، وسيبت البيت، ومش ناوي ارجع، وبكرة ان شاء الله هروح اجيب هدومي من هناك، عشان قررت استقر هنا.
نظر لوجههما الذي ظهرت عليه الصدمة واضحة بصمت، حتى رفرفت “صفية” بأهدابها بعدم استيعاب وهي تقول:
_ ايه؟ مين؟ كل ده؟ ازاي؟
رفع “بدر” حاجبيهِ متهكمًا:
_ أنتِ هنجتي؟
هزت رأسها كأنها تنفض صدمتها قبل أن تقول:
_ أنتَ بتتكلم جد؟ أنتَ عملت كل ده؟ ليه؟ واشمعنا فجأة كده؟!

 

ردد بشرود وهو ينظر أمامه:
_ بنفضل نتحمل لحد ما بتيجي لحظة مبيكونش للتحمل معنى في قاموسنا.
أردف “يوسف” متسائلاً:
_ ايه الي حصل لكل ده يا بدر؟
أخذ نفسًا عميقًا جدًا قبل أن يزفره بتمهل وكأنه يسترجع خلال هذه اللحظات القليلة كل ما مرَّ بهِ في الأيام السابقة, تحدث أخيرًا بصوت بدى هادئًا كأنه يسرد شيئًا لا يخصه:
– حصل الي متوقعتوش, او يمكن جه في بالي بس كنت بقول مستحيل خلافتنا البسيطة توصل للنقطة دي, كنت عارف إننا لو صلنا لهنا بالذات هتبقى النهاية.
سألته “صفية” بقلق:
– وايه هي النقطة دي؟
نظر لها بجانب عيناه وقال:
– أنها تتفضل عليَّ باللي عمله ابوها معايا.
عاد بنظره أمامه كأنه يحدث ذاته حائرًا:
– رغم انه معملش حاجة غير أنه اتوسطلي عشان اشتغل مساعد مدير, أنا الي بمجهودي استمريت وبعد كام شهر اترقيت وبقيت مكان المدير بعد ما تعب واستقال, الفيلا أنا الي اشتريتها بمرتبي ولحد وقت قريب كنت بسدد قسطها, العربية برضو شاريها بفلوسي الي من تعبي ومجهودي! يعني هو معملش غير الخطوة الأولى بس, مش من حقها تشوف إن كل الي أنا فيه بسبب أبوها!

 

أنهى جملته الأخيرة وهو ينظر لهما كأنه يسألهما عن رأيهما دون أن ينطق, قرأت “صفية” الحيرة واضحة في عينيهِ فتمهلت قبل أن تقول بتحفظ:
– متزعلش مني يا بدر, أنتَ كلمك صح وكل حاجة, بس ده الطبيعي.. مراتك هتفضل شايفة إن لولا وسطة باباها مكنتش بقيت هنا, لولا أنه اتوسطلك مكنتش قدرت توصل لإنك تكون مساعد مدير في أول حياتك كده.. أنا فاهمة إن كل الي جه بعد كده كان جهدك وتعبك, بس بتفضل الخطوة الأولى هي أهم ما في الحكاية… هتفضل الحقيقة إن مجهودك وتعبك لوحدهم مكنوش أبدًا هيوصلوك إنك في سن 28 سنة تبقى مدير شركة كبيرة ومعروفة زي دي, حتى لو كان ممكن ده يحصل مادام ربنا كاتبلك المكانة دي, بس محدش بيفكر كده, كله هيشوف نفس الي مراتك شيفاه, بدر أنتَ لحد وقت قريب مامتك كانت فاكرة إن الفيلا الي أنتَ قاعد فيها بفلوس مراتك وأبوها! اعتقد إنك كنت غلط من البداية.
هز رأسه مستنكرًا يسألها:
– غلط؟ غلط يا صفية؟ أنتِ الي بتقولي كده؟ أنا عملت كل حاجة عشان حبيتها بجد, وأنتِ أكتر واحدة عارفة الي بيحب ممكن يعمل ايه, لما وافقت أغير حياتي وظروفي كان عشانها وعشان شوفت أنها بتحبني ومستعدة تقف جنبي لحد ما طرقنا تتلاقى ونكون سوا.
– قصدك لحد ما تليق بيها.
– صفية!
قالها “يوسف” خارجًا عن صمته محذرًا لها في التمادي بحديث قد يضايقه, ليوقفه “بدر” وهو يقول:
– استنى يا يوسف, سيبها تكمل, عاوز اشوف الموضوع من عنيكوا, يمكن أفهم وجهة نظر أمي هي كمان, ويمكن تكون في حاجات لسه غايبة عني.

 

تنهدت بحزن قبل أن تقول:
– بدر, أنا مش قصدي أضايقك, وطول السنين الي فاتت وقبل ما تتجوزها عمري ما فكرت أتكلم عن موقفك معاها ولا عن ارتباطك بيها, كنت شيفاك راضي ومقتنع فسكت.. بس طبيعي مامتك مقدرتش تعمل ده لأنك ابنها, يعني يعز عليها تشوفك بتغلط وتقف ساكتة.
أخذت نفسها ترتب كلماتها كي لا تجرحه دون قصد وقالت:
– الطبيعي يا بدر إن الست هي الي بتوصل للراجل مش العكس.. يعني لو حبت واحد غني وهي أقل في المستوى بتنقل ظروفها وحياتها عشان تعيش في طبقة الأغنياء ..في المكانة الي فيها جوزها وبتبدأ تتأقلم على ده, ولو العكس وهي الي غنية وحبت شخص أقل منها في المستوى ومتمسكة بيه هي الي بتنزله على الأقل في الأول لحد ظروفه ما تتحسن.. مش ترفعه الأول لمستواها بعد كده تتجوزه.. وده بيكون اختبار ليها ولحبها , لو اتجوزته وهو في مستواه وقدرت تغير حياتها وظروفها وتعيش ظروفه يبقى هي فعلاً بتحبه وزي ما بيقولوا مستعدة تعيش معاه على رغيف وشوية ملح, ولو مقدرتش تتحمل يبقى حبها مش كفاية عشان جوازهم وعلاقتهم تنجح فبيكون الانفصال هو أسلم حل له ولها.. لكن في حالتك هي حتى محاولتش تجرب.. محاولتش تعيش ظروفك بعد كده واحده واحده ترفعك وتترفع معاك.. هي مضحتش بحاجة عشانك يا بدر, والحب تضحية مادام التضحية دي في استطاعتنا ومش هتموتنا ولا هتيجي على كرامتنا, أنتَ بقى ايه دليلك أنها بتحبك؟
زاغت عيناه دون هدى كأنها يبحث عن إجابة قبل أن يقول بصوتٍ بدى يأتِ من بعيد:
– اختارتني, رغم إنها كانت تقدر تتجوز واحد غني وأغني من والدها كمان, ومكانتش مضطرة تختار واحد لسه هتبذل معاه مجهود عشان يناسبها, وكمان هي بتقولي دايمًا أنها بتحبني وأحيانًا بشوف ده في تصرفاتها.

 

وقبل أن تعقب سبقها “يوسف” هذه المرة وهو يقول:
– مش معنى أنها اختارتك يبقى حبها قوي, ما يمكن أعجبت بيك وقتها, يمكن عجبها حبك ليها والتضحيات الكتير الي من وقت ما عرفتها وأنتَ بتقدمها, في أسباب تانية ممكن تفسر اختيارها ليك غير أن حبها هو السبب, وحتى لو فعلاً اختارتك عشان حبتك, الحب درجات يا بدر, وعشان نقدر نكمل ونواجه كل الظروف الي بتقابلنا لازم يكون الحب ده قوي, عشان مش من أول أزمة تقابلنا تقضي علينا.
كانت تطالعه بعدم تصديق وهو يتحدث, انظر من يتحدث عن الحب وقوته! يوسف! قاسي القلب متبلد المشاعر! هل بالفعل يدري أن قوة الحب هامة لكي تستمر العلاقة؟ قوة الحب! وماذا عن الحب نفسه؟ هل له وجود من الأساس! إذًا بناءً على كلامه لن تستمر علاقتهما, لكنها استمرت لخمس سنوات حتى الآن, لم تستطع كبح أفكارها فعقبت:
– مش شرط, يعني مش ده الأساس لكل العلاقات في علاقات بتستمر من غير حب, بس بتبقى باردة وملهاش معنى, وفي علاقات بيكون فيها طرف واحد هو الي بيحب أو هو الي حبه قوي وهو بيكون سبب استمرار العلاقة, بس في نفس الوقت بيكون أكتر حد بيعاني وبتكون علاقة مُهلكة, معتقدش أنك حابب تعيش الحياة دي يا بدر وتكون الطرف الي متمسك والسبب في نجاح العلاقة لوحدك.. صدقني أنتَ في غنى عن الإرهاق ده, وكويس إن مفيش بينكوا ولاد يعني هتبقى حر أكتر في تفكيرك.
وقبل أن يعقب “بدر” كان صوت “يونس” يصدح ما إن دخل للغرفة:
– ماما, تيتة عوزاكِ تحت.
نهضت بوجه واجم وهو تستأذن:
– عن اذنكوا هشوفها واطلع.

 

تحركت خارجة من الغرفة وأنظار “يوسف” تتابعها كظلها, هو ليس بأحمق كي لا يفهم تلميحاتها, هي لم توجه حديثها ل”بدر” بل كان موجهًا لهُ, تُرى متى ستتوقف عن انتظار حبه؟ متى سترضى بنمط حياتهما الهادئ, اللطيف, لِمَ لابد أن يكون الحب طرفًا في الأمر؟ ظل ثواني يفكر في الأمر حتى….
– ياخي روح منك لله, البت شوية وهتطفش مِنك ومن برودك.
انتبه لحديث “بدر” ليلتفت له مرددًا بشرود:
– بتقول ايه؟
ابتسم ساخرًا وهو يقول:
– بقول آه, ياله أنتَ ايه السماجة الي فيك دي! لا بجد, يعني 5 سنين متجوزين ولسه محبتهاش يا بجم, ده واحد غيرك معاه واحده زي صفية كان زمانه غرق فيها مش حبها!
زفر بقوة قبل أن يقول وهو ينظر لهُ بسأم:
– هو مين حاطت في دماغكوا فكرة إني مبحبهاش؟
انتبهت حواس “بدر” لحديثه فقال باهتمام:
– يعني أنتَ بتحبها؟
أردف “يوسف” بهدوء:
– طبعًا بحبها, مش مراتي؟ هكرهها ازاي يعني؟
ضرب “بدر” كفًا بالآخر وهو يقول:
– ياخي أنتَ بهيم! هو احنا عاوزينك تحبها عشان هي مراتك؟ احنا عاوزينك تحبها عشان هي صفية.

 

طالعه “يوسف” كأنه برأسين وقال:
– وايه الفرق؟ ما صفية هي مراتي! أنا بجد مش فاهمكوا, ولا عارف هي منتظرة مني ايه؟ بحبها.. آه بحبها طبيعي, مراتي وأم ابني, وعمري ما شوفت منها حاجة وحشة, وهنكمل مع بعض العمر كله إن شاء الله, فأكيد بحبها, وبخاف عليها, ويهمني أنها تكون كويسة, ومش هقدر أشوف بيتي من غيرها لأني اتعودت إنها دايمًا فيه ومقدرش أدخل يوم مالقيهاش فيه, بضايق لما بتزعل أو أزعلها, وبحاول أعمل الي ممكن يفرحها, وبحترمها وبقدرها… مطلوب مني ايه تاني بقى؟؟!
نظر له “بدر” بحيرة, هو حقًا يفعل كل شيء, ولكنه للأسف يفعله بدافع أنه طبيعي فهي زوجته.
وضعت طبق الحلوى الذي أعطته لها والدة زوجها فوق الطاولة وعادت لتدلف للغرفة لكنها توقفت وهي تستمع للجزء الأخير من حديث “يوسف” فأدركت أن الحديث عنها, ولاإراديًا كانت تقف لتستمع علّه يضيف ما يخمد نيران قلبها.
– ماشي يا يوسف, كل ده جميل ويتحسبلك بصراحة, بس مش دي النقطة, يعني احنا عاوزينك تعمل ده عشان دي صفية, يعني مش عشان لو أي واحده تانية مكانها ومراتك برضو كنت هتعمل نفس الي بتعمله, ها … قولي لو أنتَ متجوز واحدة غير صفية كنت برضو هتعمل كل ده؟
صمت قليلاً يفكر حتى أجاب بحيرة كبيرة:
– مش عارف, حقيقي مش عارف, مانا مجربتش اتجوز غيرها عشان اعرف يعني يا بدر! هو ليه اسألتكوا غريبة وطلبكوا أغرب.. يعني لو بحبها عشان هي صفية, هتفرق معاملتي في ايه عن إني بحبها عشان هي مراتي!؟
هز “بدر” رأسه يأسًا وأجابه:
– مش هينفع أشرحلك للأسف, هتعرف ده لوحدك لو في يوم حبيتها وهي صفية.
زفر باختناق وهو يشيح بيده قائلاً:
– يوه أنا مش ناقص لغبطة كفاية الي أنا فيه.. تخيل مين تحت؟

 

سأله “بدر” بعدم فهم:
– تحت فين؟
– عند ماما.
– مين؟!
– شيرين.
اتسعت أعين “بدر” بصدمة قليلاً وهو يردد:
– معقولة! هي رجعت امتى؟
أجابه “يوسف” بهدوء:
– من أسبوعين كده.. اطلقت.
ضيق “بدر” عيناه بشيء من الحدة وهو يقول:
– آه, عشان كده جنابك متلغبط؟ ايه بتفكر ترجعلها؟
اتسعت أعين “يوسف” هذه المرة بعدم تصديق:
– أنتَ اتجننت يا بدر؟ أنتَ هتعمل زي صفية؟ ارجع لمين؟ وليه مش مستوعبين إني متجوز ومخلف, وأنا مش من الرجالة الي ممكن تهد بيتها وعيلتها عشان كلام هايف زي ده.
سأله “بدر” بهدوء ظاهري:
– يعني لو مكنتش متجوز ومخلف كنت هترجعلها؟
أجابه بصدق:
-لأ, أنتَ أكتر واحد عارف هي عملت فيا ايه كويس.
– ولو مكنش الي عملته؟
أردف بضيق حقيقي:
– عاوز توصل لأيه؟ بدر أنا لا راجل عينه زايغة ولا خاين عشان ابص لواحدة مين من كانت وأنا متجوز, غير إني بقدر صفية وبحترمها وهي متستاهلش مني كدة, بس برضو أنا دي مش أخلاقي, فقفل على الموضوع.. حكايتي أنا وشيرين انتهت من 6 سنين ومش هتتفتح تاني مهما حصل.

 

– وياترى ده رأي شيرين هانم؟وياترى برضو ده كلام ولا ده الي في قلبك؟
اهتاج منفعلاً وهو يضرب الطاولة الصغيرة التي أمامه بكفه:
– ياخي ما تولع, هو أنا كمان هتحاسب على ظنون ونوايا الناس! ما ترحموني بقى بجد مش فاهم أنا بقى مطلوب مني ايه!؟
تعجب “بدر” لانفعاله المبالغ, فسأله بهدوء:
– طب اهدى في ايه؟ محصلش حاجة لكل ده أنا بسألك عادي, عشان ممكن تحاول تبوظلك حياتك.
ضغط على شفتيهِ بأسنانه حتى كاد يتسبب بقطعهما قبل أن يحررهما ويقول بصوت متهدج:
– صفية حامل.
بُهت “بدر” من جملته والآن علم سر انفعاله الزائد, رفرف بأهدابه بعدم استيعاب متسائلاً:
– ازاي؟ هو مش الدكتور قال ممنوع حمل لها تاني؟
توحشت معالمه وهو يقول:
– الهانم ر…
– معلش اتأخرت عليكوا.
قالتها “صفية” التي قررت التدخل فورًا كي لا تدع لهما فرصة للحديث في هذا الموضوع, جلست مكانها وهي تقول:
– ها يا بدر نويت تعمل ايه؟
——————————
– وحاسة بأيه دلوقتي؟
تنهدت براحة قبل أن تجيبها:
– حاسة إني مرتاحة, مرتاحة أوي يا ليل, حاسة إني كنت تايهه وعرفت طريقي.

 

أتاها رد الأخيرة المرح:
– ياااااه, حمدالله على السلامة يا رأفت ياخويا.. طلعتي عينا يا شيخة, أخيرًا عرفتِ طريقك.
ضحكت “ريهام” بمرح مماثل وهي تجيب:
– أصل النور كان قاطع فمكنتش شايفة الطريق.
سألتها “ليل” بهدوء:
– وامتى ناوية تراضي الغلبان الي عندك, وتكملوا حياتكوا بجد.
أجابتها حائرة:
– مش عارفة بس الوضع مش هيطول.
أنهت حديثها معها, لتخرج للصالة فوجدت “عاصم” ممد فوق الأريكة كما تركته, اقتربت منه لتسمعه يقول:
– خلصتِ مكالمتك السرية مع صاحبتك؟
– ايوه.
قالتها وهي تجلس أمامه ليقول بشك:
– اقطع دراعي إن ما كانت كل المكالمة نم عليَّ.
ضحكت بلطافة وهي تقول:
– بصراحة آه, بس بالخير والله.
استمعت لرنين جرس الباب فكادت تتجه له لتجد “عاصم” قد اعتدل وهو يقول:
– ساعديني أقوم.

 

– ماتخليك هشوف مين أكيد مامتك أو باباك.
– لا ده واحد مستنيه.
– طب ماهو الي يجيلك يا عاصم, مش هتعرف تقف لوحدك.
أجابها بنفاذ صبر:
– ياستي مش هيدخل ده هستلم منه حاجه ويمشي, بعدين معرفوش تقابليه أنتِ ازاي يعني.. ادخلي بس بسرعة هاتي محفظتي, بس وصليني للباب الأول ليمشي.
استند عليها حتى وصل لباب الشقة فاستند على الباب عوضًا عنها ودلفت هي للداخل, وبعد ثواني أتت لتعطيه المحفظة من خلف الباب المفتوح, أخذها منها وأخرج نقودًا للرجل واستلم منه صندوق ما متوسط الحجم.
أغلق الباب لتسنده على الفور حتى عادت بهِ لغرفة المعيشة, جلس بحرص فوق الأريكة ووضع الصندوق فوق الطاولة مشيرًا لها أن تجاوره, فجلست جواره بعدم فهم, أشار للصندوق وهو يقول:
– يلا افتحي.
– ايه ده؟

 

تنهد بهدوء مجيبًا:
– بصي يا ستي, أنتِ قولتِ دي فترة خطوبة, يعني المفروض خروجات وهدايا ودلع وكده, بس للأسف أنتِ شايفة مقدرش أخرج من باب الشقة, فقولت مادام مفيش خروجات يبقى على الأقل يبقى فيه هدايا, ولأني مش هعرف أخرج أشتري هدية, طلبتها أونلاين يارب تعجبك.
طالعته بتقدير ورغم سعادتها لأنه يحاول إسعادها لكنها قالت:
– ليه تتعب نفسك, أنا مش محتاجة حاجة.
ناظرها بأعين محبة وهو يقول:
– أعمل ايه بحبك وبحب أفرحك.. بس يارب هديتي تفرحك بجد أحسن أعيط.
ورغم خجلها من نظرته وحديثه لكنها ضحكت بخفوت على جملته الأخيرة, وبدأت تستكشف محتويات الصندوق, لتشهق بعدم تصديق وهي تمسك شيء بيدها:
– اسكتش رسم!؟أنتَ لسه فاكر؟
وبنفس النظرة المحبة, الحنونة, أجابها:
– عمري ما أنسى حاجة بتحبيها.
رفرفت بأهدابها متوترة وهي تقول:
– ايوه بس.. أنا بقالي اكتر من أربع سنين مرسمتش, تفتكر هعرف!؟
ابتسم بحزن حين أدرك أنها قد تخلت عن هويتها منذُ حادثتهما القديمة, لكنه أخفى حزنه يقول:
– بيقولوا الي متعود على حاجة, حتى لو مخه نسي جسمه بيفضل فاكرها, هتلاقي ايدك بترسم لوحدها.
أخرجت الألوان بحماس كطفلة صغيرة تجرب لعبة جديدة, أو عادت لها لعبتها المفضلة, حماس أرضاه وأشعره بالسعادة وأنه قد أُصيب في اختيار هديته, هتفت بفرحة:
– ارسم ايه؟
ذم شفتيهِ بتفكير قبل أن تلتمع عيناه بخبث وهو يقترب منها قليلاً بجسده وقال:
– ارسميني.

 

توتر جسدها لقربه, وأخفضت نظرها تعبث بالفرش بتوتر وردت:
– مش هعرف.. يعني محتاجة افتكر الرسم بأي حاجة سهلة.
أجابها بعبث:
– ده أنا مفيش أسهل مني, جربي بس وهتلاقي ملامحي بتترسم لوحدها.
رضخت لرغبته فقالت ضاحكة:
– خلاص, ماشي.
– بس أنا هاخد مقابل طبعًا.
رفعت عيناها تسأله:
– مقابل؟
رد بغرور مصطنع:
– آه طبعًا, مش هسيبك ترسمي ملامحي الوسيمة, وكمان هتلطع كام ساعة قدامك ثابت عشان ترسميني.
– ممكن ارسمها على مراحل.
عقد حاجبيه بضيق مصطنع:
– لا ماحبش أنا بقى التسيب ده, ترسميني يبقى ننجز عاوز أشوف الرسمة.
هزت رأسها موافقة:
– ماشي خلاص.. مقابل ايه طيب.
كبح بسمته بصعوبة وهو يجيبها بجدية:
– عشان أنا محترم وابن ناس, هكتفي ببوسة واحدة بعد ما تخلصي.
شهقت بحدة وهي تنهض واقفة:
– عاصم متستعبطش! احنا مش قولنا مخطوبين!

 

رفع حاجبه باستهجان:
– اهو أنتِ بقى الي بتستعبطي, احنا هنطبق الكلمة بحذافيرها! مخطوبين ازاي لا مؤاخذه ده أنتِ بتدخلي معايا الحمام!
شهقت بقوة أكبر حتي كادت تزهق أنفاسها واتسعت عيناها بدهشة لحديثه قبل أن تنهره:
– آه يا قليل الأدب! اسمها بدخلك الحمام, أنا بسيبك وبطلع أساسًا, غير كده دي جزاتي إني بساعدك!؟
أشاح بيده بلامبالاة:
– يا ستي اقعدي هتلاقيكِ ما بتصدقي أصلاً.. هتنجزي ولا أخلي كل جزء من وشي عليه بوسه وأبهدلك!
ألقت الفُرش عليهِ بضيق وهي تقول:
– أنتَ هتذلني .. خد حاجتك اهي مش راسمه حاجة.
تركته ودلفت للداخل لتستمع لصوته:
– بت.. ريهام, أنتِ يعني بتستغلي أني مش هقدر أقوم وراكِ, ماشي, طيب وحياة أمي لترسميني وهاخد البوسة يعني هاخدها, هو هيبقى لا مية ولا نور!
وضعت كفها فوق فمها تخفي صوت ضحكتها بعدما استندت على باب غرفتها لتستمع لحديثه.. تشعر بقلبها يضحك كما تضحك عيناها وفمها, تشعر بكثير من الرضا لمحاولاته معها دون كلل ومحاولته للتقرب إليها حتى ولو بخطوة بسيطة, ينبئها حدسها أن القادم سيكون كافيًا لإزالة آثار الماضي وبقوة.. ولكن اختفت ضحكتها فجأة وأنزلت كفها حين خطر بعقلها شيء… هل يمكن لسرها الخفي أن يُكتشف؟؟ هل يمكن أن يأتي اليوم الذي ستكون هي فيه في موضع الاتهام ويتطلب منها التبرير؟ وهل سيصفح عاصم؟؟ نفضت رأسها بقوة وهي تهمس لذاتها:
– عاصم مش هيعرف حاجة, سري مش هيتكشف.. مش لازم يعرف.
تُرى ماذا تحمل ريهام في جعبتها؟؟!!!

 

___________________
باليوم التالي…….
كانت تتحدث مع والدتها تسرد لها ما استمعت إليه أمس من حديث زوجها لبدر، وتشتكي تعبها من أنها لم تستطع الحصول على قلبه للآن..
_ يابنتي أنتِ عاوزه إيه؟ جوزك موفرلك كل حاجة وكويس جدًا معاكِ ومحترم ناقصك إيه بقى لكل الي عملاه ده؟
_ناقصني يحبني.. جوزي موفرلي كل حاجة فعلاً ومحترمني وكويس معايا بس مبيحبنيش يا ماما..
رددت الأخيرة بصوت خافت وقد تحكمت بها غصة بكاء قوية وأدمعت عيناها كحالها كلما تحدثت في هذا الموضوع مع والدتها أو “ليل” .. تشعر بألم ليس بهين يفتك بقلبها وهي تدرك تمام الإدراك هذة الحقيقة المؤلمة أن زوجها لا يكن لها أي مشاعر.. يتعامل معها من باب الواجب فقط.. كل ما يفعله تجاهها من اهتمام ورعاية واحترام وغيره يأتي من باب أن هذا واجبه كزوج.. بمعنى آخر إن كانت أي فتاة أخرى مكانها لحازت بنفس الذي تتمتع بهِ الآن.. ولعلّ هذا أكثر ما يثير جنونها ووجعها.. تريده أن يفعل ما يفعله لأجلها هي ” صفية” وليس لأجل زوجته أيًا من كانت، كما قال له بدر بالأمس .. تحبه منذُ فترة الخطبة ولم تستطع منع نفسها من الإندفاع تجاهه بكل مشاعرها.. وكيف لها ألا تفعل وهو رجل تتجمع بهِ الكثير من الصفات الجيدة لأقصى حد والتي جذبتها جذبًا للوقوع في حبه، ورغم أن زواجهم تقليدي بحت فلم تكن تعرفه قبل أن يتقدم لخطبتها وقد رشحتها له والدته لكنها أحبته بحق.. ولكن اصطدمت بالواقع وأدركت أن مشاعرها هي فقط من تحركت خلال فترة خطبتهما وهو لم يحدث معه المثل هو فقط رآها الفتاة المناسبة ليس إلا..
الجميع لا يفهمها… لا أحد يفهمها.. يرونها تافهة فماذا تحتاج بعد كل ما يقدمه زوجها؟ يرون كونه يحبها أم لا لن يشكل فارق.. الأمر ليس بكل هذة الأهمية.. ” أنتِ مأفورة الموضوع يا صفية بصراحة، حب إيه الي متمسكة بيه ما هو بيعملك كل الي أي واحدة تتمناه محتاجة إيه تاني بس!”، كانت هذة كلمات والدة زوجها ذات مرة.. والآن لم يختلف حديث والدتها عن حديث الأخرى..

 

تنهدت بتعب منهية الحديث بهذا الموضوع الذي لن يجني ثماره مع والدتها فرددت بهدوء :
_ خلاص يا ماما أنتِ معاكِ حق أنا مش ناقصني حاجة… عاوزه حاجة؟
ردت والدتها بهدوء :
_ لا ياحبيبتي بالسلامة وسلميلي على يوسف وبوسيلي الواد يونس على ما اشوفه..
أنهت حديثها مع والدتها بكلمات مقتضبة مغلقة المكالمة معها ونظرت أمامها للفراغ.. تفكر في حالها، هل من المعقول أن يكونوا جميعًا على حق وهي من تعطي الموضوع أكبر من قيمته؟ هل حقًا الحب لا يشكل فارقًا كبيرًا في الحياة الزوجية؟!حتى بدر بالأمس أحست بتردده بعد أن سرد له يوسف ما يفعله معها..
أنتبهت لخروج صغيرها الذي استفاق للتو يفرك عيناه بكفيهِ، ففتحت ذراعيها له ليقبل عليها جالسًا بين احضانها لتقبله بقوه على وجنته وهي تهتف بحب :
_ جعان يا حبيبي تاكل؟
_هستنى بابا.
رددها بهمس وهو لم يفق كليًا بعد.. صغيرها ذو الأربع سنوات هو أجمل ما حدث في علاقتهما.. هو ثمرة حبها اليافعة حتى وإن كان حبها هي فقط يكفي أنها ترى فيهِ أبيهِ بكل ملامحه وخصاله… نسخة مُصغرة من ” يوسف” بلا أي مبالغة.. وربما هذا ما يضاعف حبه في قلبها..
صوت مفتاح الباب تلاه صوت خطوات وتيدة تعرفها عن ظهر قلب فاتسعت ابتسامتها تلقائياً وهي تطالع طلته البهية.. وركض الصغير يستقبل أبيهِ العائد من العمل كالعادة.. رفعه لأحضانه مقبلاً إياه بإبتسامته التي تسحرها ومن ثم اتجه لها يقبل أعلى رأسها بإبتسامة مرددًا بصوته الدافئ :
_ عاملة ايه يا صفصف؟
أجابته بهدوء وأعين مهتمة :
_ الحمد لله يا حبيبي، أحضر العشا؟
تنهد بإرهاق مرددًا :
_ ياريت أنا محتاج اتعشى واقعد معاكوا شوية واناام عشان كان يوم مُتعب جدًا..
وقفت تهتف بإبتسامة واسعة:
_خلاص غير هدومك وخد شاور على ما احضر الأكل وبعدها هعملكوا كيكة شيكولاته تجنن من الي بتحبوها..
ابتسم لها بهدوء وهو يردد بإمتنان:
_ربنا يديمك لينا يا ماما..

 

أنهى حديثه متجهًا للداخل بعد أن أنزل الصغير أرضًا.. لتقف هي محلها بسكون.. إن كانوا يرونها غير محقة في تفكيرها من حديثها عن معاملته لها…إذًا ماذا سيفعلون إن رأوا بأعينهم؟ بالطبع سيتهمونها بأنها لا تستحق ما هي بهِ وتسعى خلف غاية تافهة كما يسمونها.. ولكن إن أخبرتهم بسرها الخفي وهو أن زوجها لا يحبها لأنه ببساطة يحب أخرى، حتى وإن أنكر وتحجج بمسؤلياته وأنه لن يعود لها، لكن من الواضح أنها مازالت في قلبه، هل سيبقون على رأيهم؟؟؟! وأكثر ما تخشاه أن يضعف يوسف ذات يوم أمام تلك الحرباء المتلونة..
_______________
ناظرته وهو يسحب حقيبته خلفه وقد تهاوت على كرسي خلفها, ترى ذهابه الأبدي ولا تستطع إيقافه, تراه يبتعد ولا تستطع أن تقول كلمة واحدة توقفه بها.. بُهتت ملامحها منذُ ألقى عليها آخر كلماته والتي قالها منذُ دقائق قليلة..
وقف أمامها يناظرها بقوة وقسوة لم تعهدها وقال:
– أخر الي احنا فيه هو الي هقوله دلوقتي يا لليان, أنا هرجع لأصلي.. لبيتي وأهلي وشغلي, أصلي الي أنتِ عايرتيني بيه وإن لولا والدك مكنتش هبقى هنا دلوقتِ, مش هجادل في كلام اتقال خلاص.. بس هقولك الي هيحصل..
نظر حوله قليلاً ثم أعاد نظره لها:
– بيتي ده هيتقفل.. وأنا هرجع لبيتي في المنطقة, ولمحل أبويا الله يرحمه هشتغل فيه, وأنتِ قدامك حل من الاتنين, يا تطلعي من هنا على بيت والدك, وساعتها…
ابتلع تلك الغصة التي تشكلت في حلقه وهو يكمل:
– وساعتها هبعتلك ورقتك, وتبقى قصتنا انتهت, يا تطلعي من هنا على بيتي الي في منطقتي الي اعتقد فاكره عنوانه, وتكوني مستعدة تعيشي معايا على ظروفي.. والقرار يرجعلك.

 

اتسعت عيناها دهشةً واستنكارًا وهي تشير لذاتها صارخة:
– عاوزني أنا أروح أعيش في حواري! أنتَ أكيد اتجننت يا بدر, مكانش كلام وقت عصبية يعمل بينا كل ده؟ ليه تقفل بيتك وتمشي؟ وتستقيل من شغلك؟ كل ده ليه؟! وبعدين أنا لسه معتذرة مكبر الموضوع ليه؟
ابتسم ببرود وهو يمسك مقبض حقيبته الكبيرة:
– مخي قفل بقى تقولي ايه.. أنا مكبر الموضوع يا ستي صغريه أنتِ.. أنا قولت الي عندي يا لليان, سلام.
– بدر, بدر أقف أنا بكلمك.
صرخت بها بعنف وقد تجمعت الدموع بعينيها وأحمر وجهها انفعالاً لكنه لم يقف, ولم يلتفت, بدر أدار ظهره لها بلا رجعة.. ومن قهرتها كانت تنهض واقفة لتصرخ بهِ وهو يخرج من باب الفيلا:
– مش هجيلك… في ستين داهية.
وقف مستديرًا لها لينظر لها بنظرة معاتبة, حزينة, جعلت ثورتها تهدأ وهي تتعمق في نظرته لتعلم أنها جرحته للمرة التي لا عدد لها, وعاد مستديرًا ليكمل طريقه خارجًا…من حياتها.
جلست فوق الكرسي مرة أخرى لتجهش في بكاءٍ عنيفٍ وهي تنظر لباب الفيلا المفتوح بقهر… ظلت هكذا دقائق حتى رأت والدها يدلف منه, والذي ركض لها ما إن رأى حالتها المنهارة ليحتضنها برفق متسائلاً بفزع:
– مالك يا حبيبتي؟ مالك يا لليان حصل ايه؟ بدر كان هنا؟ أنا شوفت عربيته وهو ماشي.
تمتمت بشرود بكلمات متقطعة:
– بدر..بدر..سابني.. هو سابني..خلاص..

 

خفتت أنفاسها وهي تتمتم بكلمتها الأخيرة, ابعدها والدها عنه ليرى احتقان وجهها باللون الأحمر بشكل غير طبيعي, ردد بفزع وهو يحتضن وجهها:
– مالك يا حبيبتي؟ لليان اهدي حاسه بايه؟ هجيبلك ماية.
أنهى حديثه متجهًا للمطبخ بخطوات مسرعة, ليتركها تردد بأنفاس ذاهبة وهي ما زالت تنظر للباب المفتوح:
– ب…بدر.. م..ما..ما.. سا..سارة… ز.. زين…
وكأن عقلها استحضر قائمة المفقودين, الذين خرجوا من حياتها بلا رجعة..
عاد والدها بكوب الماء ليسقط منهُ مدويًا صوتًا عنيفًا بعد أن وجد ابنته فاقدة للوعي وأنفها ينزف الدماء بغزارة, ليصرخ باسمها فزعًا قبل أن يركض ناحتيها..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى