رواية قابل للكتمان الفصل الحادي عشر 11 بقلم خديجة السيد
رواية قابل للكتمان الجزء الحادي عشر
رواية قابل للكتمان البارت الحادي عشر
رواية قابل للكتمان الحلقة الحادية عشر
ترجلت بسمة من سيارة التاكسي وهي تمسك يد طفلها ورمقته بنظرات ناعمة وهي تتحرك معه للأمـــام وكان في الخلف معاذ الذي كان متجهم الملامح فلقد أصــر إبنه مالك على حضورهم حديقة الحيوان وهو لم يحبذ تلك الأماكن مطلقاً ولا يشعر بالاستمتاع لكن كان يسير معهم على مضض لانه اذا اخبرهم بأنه يريد الرحيل سوف تثور عليه بسمه وطفله أيضاً، لأن هذه المره كانت غير !.
وحتى تحسم بسمه ذلك الجدال أخبرته بمكان يشبه حديقه الحيوان وبه احصنه، حتي لعله يشعر بالاستمتاع مثلهما ولا يصر على الرحيل مبكراً
وكانت حقا سعيدة بالاجواء وأرادت أن تمكث ساعات إضافية فالرحيل أضنى قلبها و تمنت عندما تخبر زوجها برغبتها لم يدخــر وسعه من أجل إرضائها، ويلبى لها أمنيتها على الفور ويبقون وقت إضافي ..
استمرت بسمة وطفلها بالتنزه داخل الحديقة بسعاده فاصطحابهم هنا كلاهما، ما عدا معاذ الذي لم يستمتع بالأمر مطلقاً لكن حاول ان يجبر نفسه على السير معهما لانه يعرف جيد اذا طلب منهم الرحيل سيرفضون بشده ومن المحتمل أن يحدث شجار.. لذلك فضل الصمت.
توقفوا عند سور الاحصنه وكانت بسمه تطلع إليهم بانبهار، بينما تطلع معاذ بجانبه لابنه الذي كان يمسك مثلجات مزينة بالشكولاتة يأكلها بتلذذ وهو يتمتع ببرودتها وبالاجواء ايضا.
فسأله معاذ أثناء تناوله وسعادته البسيطة والغير معقدة
= عاجبك أوي الآيس كريم والمكان هنا.
أومأ مالك برأسه بالايجاب ثم رد بحماس
= المكان جميل أوي يا بابا يا ريت نيجي كل جمعه هنا كلنا .
تطلع أبيه له بعدم رضا ثم لاحظ تلك الواقفه منكسه الرأس بالخلف بقرب سور الاحصنه منبهره لما تشاهده أمامها وهي تأكل بالملعقة البلاستيكية الصغيرة أخر ما تبقى من المثلجات ببطء وبلا شهية فتكاد تذوب المثلجات، ثم أومأ معاذ له قائلًا بحماس منطفأ
= آه وماله بس لما تخلص الخروجه دي ونروح
في حين بسمة مازالت تلتزم الصمت والهدوء مكانها لا تشاركهم الحديث وعلت أصوات الفرحة من طفلها الذي قال منفجر الأسارير
= وعد يا بابا صح، هيييه .
نظرت زوجته له بطرف عينها ثم ابتسمت قليلاً من سخرية الموقف و ضغطت فوق أسنانها من شدة الغضب ورغبتها في ضرب زوجها الذي يوعد طفله بشيء لم يستطيع فعله فهي ليست غبية وترى جيد ملامحه المتهجمه من أول خروجهما الى وصولهم هنا،
ثم هتفت مبتسمة بسخرية طفيفة
= يا سلام لو ربنا يهديك وتفضل كده على طول يا حبيبي
أجاب بصوت رخيم وهو يجذب ياقة سترته للأسفل بثقة
= يا حبيبتى أنا طول عمرى حنين بس إنتٍ اللى ما بتشوفيش كويس
هزت رأسها باستخفاف ثم رفعت رأســها نحوه الاحصنه مجدداً، لتردف بنبرة عالية وهي ترسم تلك الإبتسامة اللطيفة على ثغرها
= الله الحصان شكله حلو أوي، هو فعلا بيكون الحصان أصيل مع صاحبه اللي رباه ورعاه زي ما بيقولوا!.
رد عليها المدرب بنبرة هـــادئة وهو يشير بإصبعه
= طبعا يا مدام الحيوانات في العموم اصيله و مش بتنسى اللي بيهتم بيها، ولما بنتعب يكون هم اول ناس جنبنا وبيحاولوا باي طريقه يهونوا علينا
صمتت لحظة واحدة ثم علقت بتلقائية بالغة وأنظارها مازالت مسلطة على الاحصنه
= ماشاءالله حاجه تفرح بجد، هو انا ممكن ابدله بجوزي !.
قطب زوجها الواقف جانبها جبينه مندهش و رمقها بنظرات ذهول وهو يرد عليها بتوبيخ قليل
= بسمة اتلمي انتٍ بتقولي ايه؟. انا سامعك على فكره .
مطت شفتاها للإمام وهي تبتسم بتشفٍ عظيم ثم ردت عليه بإقتضاب
= في إيه يا حبيبي مش قصدي حاجه ما تقفش كده انا قصدي يعني اجيبه يسلينا وقت غيابك، وبالمره تتعلم منه شويه أصل
تقدم منها خطوة بغضب مكتوم، وهو يقول بحده
= هو انتٍ هتلمي نفسك ولا اروحك وتكملي وصله النكد بتاعتك في البيت كويس؟ ولو قعدتي من هنا للصبح تتحايلي عليا تخرجي تاني مش هيحصل.
كان طفلهما يستمع الى ما يقولون وعندما هتف والده بالرحيل، هتف بلهفة وهو يلعق المثلجات بلسانه
= لا يا بابا عشان خاطري انا لسه عاوز الف تاني في الجنينه واتفرج على باقي الحيوانات، خلاص يا ماما مش لازم حصان طالما بابا متضايق، ممكن نجيب كلب انا نفسي اربيه في البيت! وكمان في واحد صاحبي في المدرسه قال لي أنهم مش بينسوا الناس اللي بتاكلهم في الشارع وبيدافعوا عنهم..
ارتفع حاجباه للأعلى في صدمة واضحة، و شهق بصدمة خافتة
= نعم أنت التاني؟!
تفاجأت بسمة هي الأخري من حديث أبنها لكن لم تهتم كثيرة، و هزت رأسها بتفكير وهي تتحدث مع نفسها بنبرة واهنة بحسرة
= يعني الحصان بيخفف عن صاحبه الزعلان
والكلب مش بينسى اللي بياكله! وانا بقيلي اكتر من خمس سنين براعي في بني آدم حيا يرزق.. و ما نونوش حتى بكلمه شكر !!.
نظر معاذ إلي صمت زوجته ببلاهة وهتف غير مصدق
= ما تردي يا هانم ولا خلاص مش قادرين تستحملوني وعاوزه تبدليني! انتٍ بحصان وابنك بكلب.. مش طايقني للدرجه دي!
لوى معاذ فمه بضيق ونفـــخ بصوت مسموع فأدركت بسمة أن زوجها ليس في حالة مزاجية جيدة تسمح بالمزاح، رفعت يدها تخفي ابتسامتها بكف يدها ثم تنحنحت بخشونة وهي تجيبه بطريقة مرحة
= بنهزر يا حبيبي.. وأنت خلاص يا مالك، عشان بابا لما الجنونة بتمسك فيه مش بيشوف قدامه!
جز علي أسنانه بغيظ ثم تحدث بتحذير وهو يرمقها بنظراته الدقيقة
= ها، هنغلط؟ تاني انا بقول نروح احسن.
ضغطت بسمة على شفتيها بقوة وهي تجيبه
بضيق
= هو انت كل اللي نازل عليك نروح.. نروح
خلاص اتكتمت اهو
هز رأسه برفض تام قائلاً بصوت جـــاد
= لا المره دي بتكلم بجد يلا بينا عشان نمشي انتوا بقيلكم كتير اوي هنا من الصبح اظن انا عملت اللي عليا وزياده خروج وخرجت مش عاوز بقى زن لحد آخر السنه ولا حد منكم يفتح معايا موضوع عاوزين نخرج معاك .
التفت ليرحل على الفور دون الانتظار الى سماع ردهم، بينما هتف مالك بصياح وهو يقفز في مكانه
= بابا استنى انا كنت عاوز اتصور معاك
عشان اوري لاصحابي الصور ويصدقوا ان انا عندي بابا زيهم وبخرج معاه.
❈-❈-❈
وصل آدم ومعه ديمة الى بلدها نحو منزل اعمامها حتى يضع حد لذلك الموضوع ولا يتعرضون لها مجدداً، بدى على وجهها الحزن وترقرقت العبرات في عينيها عندما ظهر غضب اشقاء والدها أول ما رأوها وبمنتهى الصراحه أيضا اخبروها بانفعال
= إيه اللي جابك هنا مش رحتي اتجوزتي من ورانا ومن غير ما تعتبرينا انتٍ واخواتك اننا موجودين في حياتكم يبقى ما توريناش وشك وحتى لو شفناكي بتموتي مش هنعبرك!.
هز رأسه معترض الأخ الصغير الذي يدعي فضل وقال بسخط
= هو أنت يا كامل أتأكدت بالأول ان اللي معاها ده جوزها مش ممكن يكون واحد كده ماشية معاه! ما احنا عارفين من زمان تربيه اخوك حاجه تكسف انت ناسي اللي عملوا فيا زمان لما اتبلوا عليا
رمقها عمها كامل بنظرات إحتقارية وهو يرد بتهكم
= اكيد حاجه زي كده مش هتفوتني إلا كنت قتلتها وغسلت عارها بايدي.
نظرت ديمة إلى عمها الآخر الذي يدعي”فضل” بذعر بائن في نظراتها فذلك نفسه الذي تحرش باختها وهي صغيره وبسببه انفصلت العائلتين بحكم لم يصدق الجميع أختها رانيا، لكن والدها لم يكذب اختها وفضل الانفصال عنهم حتى لا يتطور الأمر لاحقاً لانه كان يعرف شقيقه الصغير جيد متهور جدآ في أفعاله و مدلل لأنه كان اصغرهم.
تأملها آدم بقلق وسألها بجدية
= انتٍ تمام ؟
أفاقت من شرودها على صوته الهاديء، ثم أومــأت برأسها وهي تجيبه بوهن بصوت منخفض
= أهـا، بس يا ريت نمشي من هنا بسرعه انا مش مطمنه ليهم! أصلك ما تعرفهمش كويس قدي وبلاش تثق فيهم زياده
رمقها آدم بنظرات متفحصة وهو يقول
= ما تخافيش أنا معاكي!
شعرت برغبه بأن تمسك يده حتي تشعر بالطمأنينة والأمان وسط ذلك الوحوش من وجهه نظرها؛ تقدمت ببطء حتى لا يلاحظ أحد خوفها منهم وينتصر عليها واقتربت وذلك الاحساس المزعج سيطر عليها حيث تشعر بشئ فارغ وكأن ذلك الأهل أغراب عنها وآدم فقط هو القريب منها.
هزت رأسها مبعدة تلك الأفكار من رأسها ثم امتدت يدها نحوه دون ان يلاحظون وهو رغم استغرابه لكن لم يعترض! حيث هي قبل ان تمـد يـدهـا لمشابكه خاصته حدقت بكفه الذي امتد من الوراء وهـو يـريد مشابكه يـديهـا بالخفاء كما تريد وأحترم خوفها.. فعلاً بسيط ولطيف قد جعل قلبهـا ينبض بعنف.
غريبة في التفكير لم تستطع يوماً تفكيك شخصيته تلك ولطالما كانت بالنسبة لها لغزاً محير ولكن هناك شيء وحيد تعلمه ان هناك في مكان ما من روحه شخص طيب تعرض للظلم.
ثم هتف وتحدث آدم بهدوء حذر
= هي دي الأصول يا أهل البلد جاي ليكم لحد عندكم وبدل ما تكبروني! تسمعوني كلام زي ده وانت لسه قايل بلسانك انها مراتي و أننا مش بنعمل حاجه غلط
كادت أن تتعالي الأصوات بالغضب أكثر لولا تدخل عمهم الأكبر سناً وسطهم، فهتف معلناً بصياح
= استنى انتوا الاتنين خلينا نعرف هو جاي ليه بالاول، وطالما جي لحد بيتنا يبقى لي عندنا واجب الضيافه وبس.. تقدر تعتبرني في مقام عمهم اتفضل عاوز تقول ايه يا استاذ
دنت منه ديمة وضغطت بيدها علي يده و همست بصعوبة بالغة
= ده يكون عم بابا الله يرحمه.
ابتسم آدم مجاملاً له وشعر بأن ذلك الرجل سيكون له طوق نجاء لحل تلك المشكله لذلك يجب أن يكسبه بصفه احتراما، وهتف قائلاً بجدية بالغة
= أهلا بحضرتك أنا اسمي آدم، وانا جاي في خير ومش عاوز اتخانق ولا امد ايدي زي ما الأستاذ عمل واتهجم على حرمه بيتي معني يعني اعرف ان دي مش اصول البلد عندكم هنا
صـــاح به كامل بصوت هـــادر وقد إحتقنت نظراته
=انت بتخرف تقول ايه؟ ما تكونش جاي تحاسبني عشان مديت ايدي على بنت اخويا امال عايزني اعمل ايه لما اشوفها خارجه من بيت مش بيتها وانا متاكد اللي ساكن هنا راجل لوحده عازب! ده اقل حاجه كسر رقبتها
هتف مثله بصوت هـــادر ومخيف وقد تحولت نظراته للعدائية
= وبعد ما اتاكدت انها مش بتعمل حاجه غلط وانها مش بتكدب ومتجوزه فعلا تمد ايدك عليها تاني ليه؟ ما تحضرني يا حج وقبل ما ابن اخوك يغلط تاني الغلط بدا من عندكم ولو انتم فعلا يهمكم بنات اخوكم على الاقل كنت اشوفكم كل يومين والثاني عندهم لكن انا المره الوحيده اللي شفتكم فيها كان يوم عزاء المرحوم! ومن ساعتها ما لقيتش حد اقدر اطلب ديمة منه غير ازواج البنات التانيه ما هو ما تاخذنيش يا حج في الكلمه اي حد مكاني كان هياخد نفس الفكره اللي انا اخذتها ان انتم كل اللي يهمكم الورث ومش فارقه معاكوا البنات يبقى علي أي أساس هطلب ديمه منكم ولا هي هتقول لكم
وهنا ســاد الإرتباك والقلق بين كامل وفضل، و نظر عمهم الأكبر بحيرة وهو يتلفت حـــوله لكن إستشاطت نظراته غضباً وهو يعاود النظر إليهم وسألهم بصوت قاتم يحمل الشراسة
= هو الكلام ده صح هو انتم ما كنتوش بتسالوا على البنات امال كل اما اسالكوا تقولوا بنروحلهم كل أسبوع ليه والفلوس اللي كنت بتاخدها مني عشان تديها لهم يا فضل.. ما تردوا الكلام ده صح
إزدرد فضل ريقــه بإرتبــاك كبير وبحذر شديد دنــا منه وأجابه بتلعثم
= يا عم صالح ما تفهمش غلط هم اللي ما كانوش عاوزينا واخر مره اتخانقنا لما قلنا ديمه تيجي تسكن معانا ويومها اتخانقنا جامد والهانم رفضت تروح معانا وقالت هتفضل لوحدها في الشقه اهون ما تيجي تسكن هنا
كادت أن تفتح ديمة فمها وتبرر الامر لكن لم يساعدها فمها من شده الخوف والتوتر لكن أخذ الآخر ذلك بالنيابه عنها، رمقهم آدم بنظرات إحتقــــارية وتحدث بجمـــود أشرس
= حقها ما هتعمل ايه وهي ما هتعرفكمش ولا كانت بتشوفكم من وهي صغيره حتى، اخوكم الله يرحمه كان استاذي وكنت دايما باستمرار بزوره في شقته يومياً وعمري ما شفتكم بالصدفه حتى عنده وهو كان بيلمح لي بحاجه زي كده اوقات، و دايما كان بيوصيني على البنات عشان عارف ان هيسيبهم لوحدهم
يبقى معلش الغلط من عندكم سواء هي ما رضيتش تيجي تقعد معاكم وهي مش عارفاكم ولا شافتكم عمرها في حياتها ولا حتى دلوقتي .
شعروا الإثنان بالغضب منه لكن لم يستطيع أحد الإعتراض في حضور عمهم الذي هــز رأســه بأسف وهو يرد عليه باختصار
= تمام ممكن يكونوا غلطانين في النقطه دي فعلا بس ممكن افهم حضرتك جاي هنا ليه؟!.
إحتقن وجـــه آدم نوعاً ما وهو يقول بإصرار
= قلت لحضرتك انا مش جي اتخانق انا جاي في خير، وكل اللي عاوزه ان الود يرجع بينكم تاني حتى لو مجرد كلام بمعنى عاوزين تزوره ديمة اهلا وسهلا مش عاوزين براحتكم ! بس ما حدش بعد كده يرجع يحاسبها على اي حاجه وانتم اللي بعدتوا من الأول، وقبل ما تفهمني غلط انا مش بحاسبك لاني ما ليش حق بس بتكلم في حق ثاني واظن ده حقي لما ارجع الاقي مراتي مضروبه لازم احاول ارد لها جزء من اعتبارها حتى لو كانوا اهلها
تنهد ذلك الرجل بقوة وهو يتحدث بتفهم
= ماشي يا ابني عداك العيب، وانتٍ يا ديمه حقك علينا وما حدش هيضربك تاني ولا هيتعرضلك وإذا كان على الزيارات هحاول كل شهرين اجيلك بنفسي بحكم السن واني مش قادر على الحركه كتير بس استاذنكم تسيبوا نمره تليفونكم عشان اقدر حتى اتواصل معاكم كل أسبوعين احنا برده أهل وما ينفعش نقطع التواصل خالص كده.
أبتسم آدم وهو يقول بجدية
= تحت أمرك وتشرفنا اكيد، يلا بينا يا ديمه سلام عليكم
ابتسمت ديمة بشرود وسعادة فلقد تحققت رغبتها و وجدت من أصبح يهتم بها أخيرًا دون مقابل بالإضافة إلى أن كان لديها تلك الليلة درع حمايه بحق.
ثم هب واقفاً من على المقعد و ما زالت ديمة تتشبث بقبضته بقوة وخوف وشعر آدم أن الأمر لم يتوقف عند ضربهم لها فقط و يوجد من الأسرار أكثر وسوف يستفسر عنها لاحقاً، لكن فجأة تحرك ذلك الرجل نحوهم صائحاً بصرامة
= على فين انت عاوز الناس تاكل وشنا! انت هتتغدى وتبات معانا النهارده والدنيا كمان ليلت والطريق وحش عندنا بالليل الصبح تروحوا أحسن.
❈-❈-❈
دلف منذر الي منزله ليلقي بمفاتيح سيارة الخاصة به علي اقرب أريكة واجهته ثم ارتمي بنفسه علي الأريكة المقابلة بعد ذلك ليتنهد بقوة عضلات جسده متيبسة وكأنه كان يركض طوال اليوم، فكان يفعل كل شيء بنفسه كالعادة ولم يجد أحد يساعده ويخفف عنه، اعتدل ليفرغ ما بجيوبه محفظته وهاتفه وفي ذلك الأثناء إقتربت ضحي منه بِخُطى مترددة وحين شعر بها رفع رأسه ناظراً نحوها
تنهد بقله حيله وهو ينظر إليها ثم ابتسمت بحنان تعلم ما به جيداً تعلم انه يبذل قصاري جهده ليبدو طبيعيه تعلم انه يبذل مجهودا شديداً ليغتصب ابتسامه صغيره فقط .
إبتسمت له إبتسامة رقيقة وهي تقول
= حمد لله على سلامتك، ما رضيتش أنام إلا لما اطمن عليك
بدت عيناه تلتمع و تضعف وتلين نظراته وفي
الحال وضع كفاه على وجهه يَمسحه مُحاولاً
بعثرة الضعف الذي كان على ملامحه… فذلك كثير عليه حقا كان بالفعل يرغب بتلك الاجواء يعيشها لكن لم يتوقع حدوثها وعندما حدثت أيضا تشعره بالضعف تجاهها، هل ربما ذلك يحدث لانه كان واضح أمامها واظهر عيوبه!
فإلتوى ثغره بإبتسامة ناعمة وهو يرد
= تعرفي انا عمري ما فكرت مين اللي اسمحله يشوف مميزاتي و عيــوبي ؟.
اقتربت منه لتجلس ثم ربتت على ظهره و ضغطت على شفتيها قائلة بحذر
= ولا حد.. محدش مسموحله حتى اقرب الناس ليك لان مش كل الناس لازم تعرف كل حاجه بص انا عندي منطق اني مبحبش أقرب من الأشخاص أوي و مبعملش زوم على حياة الناس لاني بحس ان الناس من بعيد أحلى
فانا بحب اعيش كده و احب احس انه كل حاجه حلوه و كل الحاجه جميله، انما لو قربت من الناس هلاقي حاجات مش هتعجبني
و الناس بقا اللي هتختار تستحمل الحاجات اللي مش هتعجبك فيهم دول قليلين اوي
فأنا بحب اكون بعيد أحسن.. وأنا شايفه انت كمان لازم تعمل كده أنت مش لازم كل حد يعرف كل حاجه عنك
عقد حاجيبة بانزعاج من طريقتها الجديده تلك ثم قال بتهكم بعد أن نفذ صبره
= مش عارفه العقل اللي نزل عليكي مره واحده ده ولا انتٍ كنتي كده من الاول وانا مش واخد بالي؟ ولا تكونيش بتستخدمي الطريقه دي عشان تحاولي تأثيري عليا واعمل اللي انتٍ عاوزاه فقلتي اخده بالسياسه؟؟؟ ضحي لو دي وجهه نظرك فاللي احنا بنعملوا غلط واللي انتٍ قلتي من شويه برده غلط و القعدة دي غلط كمان .
اجابته بعد تنهيدة مطــــولة
= ساعات الغلط بيبقى هو الصح بس للأسف بيجي في وقت غلط، منذر مفيش انسان بيحاول مش بيفشل بس في حاجة عاوزك تبقى عارفها مفيش فاشل بيحاول.
بالكاد تماسك منذر وهو يهزها ويبعدها قائلاً بحزم زائف
= تقصدي ايه بقى؟. هو انتٍ مش قلتي الإهتمام اللي نزل عليكي مره واحده ده مش عاوزه مقابل لي؟ يبقى ليه دلوقتي بتحاولي تفتحي نفس الموضوع بطريقه غير مباشره ولا انا غلطان؟
هتفت مستنكره تفكيره ضيق الأفق
= موضوع ايه يا منذر قصدك موضوع الدكتور؟ طب ليه دي الحاجه الوحيده اللي كانت في دماغك على اساس ما عندكش مشاكل تانيه غيرها مش جايز عاوزاك تحاول مع أهلك تغير الفكره اللي مصممين يحطوك فيها وانك شخص فاشل و ما عندكش شخصيه! قلت مش عاوز تكشف عشان خايف من الفضيحه تمام بس انك تفضل زي ما انت ده كويس برده
استشاطت عيني ضحي على الأخير، وبرزتا من محجريهما وهي تضيف بصوت هامس بإصرار
= منذر انا ما بقتش فاهمك حقيقي؟ انت كده فعلا زي ما بيقولوا عليك ولا مش كده وعاوز تستسلم وتكون زي ما هم عاوزين.. طول الوقت بحاول احط مبررات ليك لا إلا لو ما عملتش كده فالاختيار هيكون أن أبعد عنك
لانك هتكون بالنسبه لي شخص مؤذي ؟ انا لسه فاكره لحد دلوقتي كل اللي كنت بتعمله زمان بغرض انك توقعني ! واهمها موضوع انك اصريت اكشف وتتاكد ان انا فعلا بنت بنوت ولا بضحك عليك قبل الجواز؟ ما انت لو ما لكش اعذار يا منذر يبقى انت اللي شخص مش سوي ومحدش عاقل يعمل كده
لم يحبذ ان تفتح ذلك الموضوع فاعترض علي طريقتها بصوت قاسٍ
= قلت لك بطلي تجيبي موضوع او سيره انك تمشي عشان ده مش هيحصل، و بالنسبه لموضوع أن اجبرتك تكشفي قبل الجواز فانا وضحتلك الوضع اللي انا كنت فيه يا ضحى انا لحد دلوقتي مش عارف غاده كانت بتخوني من امتى ولا هي اصلا قبل الجواز كانت كده وبتضحك عليا
تبدل لون بشرتها للحمرة المزعوجة ثم التفتت برأسها نحوه هاتفة بتجهم قليل
= آه فعشان كده قلت اضمن اللي جايه و لازم اخليها تكشف واتاكد هي هتخوني ذيها ولا لاء
بس هو مين فهمك ان الكشف ده هو اللي بيخليك تتاكد من عفت و شرف البنت
قبض منذر على كتفها بأصابعه الغليظة، ورد عليها بسخط وهو يعتقد أنها متعمدة الاستهزاء منه
= ما فكرتش بس ده الحل اللي كان قدامي ونفذت وعارف انه كان غلط، بس بالنسبه لواحد زيي كان افضل حل
أجابت عليه بصوت قوية وهي تقول بتحدي
= طب وليه ما تروحش تكشف ولما تبدأ تمارس حياتك بشكل عادي هيكون ده الحل
الصح
لم يتحمل منذر أكثر من هذا، فقبض أكثر على ذراعها، ثم هدر فيها بصوت متشنج
= شفتي بقى ان انتٍ زيهم لفيتي لفيتي وبرده جيتي لنفس الموضوع، كل واحد بيدور على مصلحته صحيح انتٍ ولا طايقاني ولا عاوزاني أبقي جوزك بحق وحقيقي وبتجبري نفسك تقربي مني عشان تخليني اروح للدكتور و اتفضح عشان خاطرك مش كده
خشيت ضحي أن يتطور الوضع بينهما لمشاجرة عنيفة فتتسبب برفضه التام بسبب خوفه من إحداث فضيحة بالعائله، وهي في غنى عن هذا الأمر، سلطت أنظارها عليه بهدوء وهي تقول
= ما فيش فضيحه هتحصل ممكن بكل بساطه تشوف دكتور بعيد عن المنطقة هنا ومحدش يعرف مكانه وهم الدكاتره اكيد بيتعاملوا مع الحاجات دي بسريه تامه، انت لو في نيتك تبقى احسن هتعمل المستحيل.. ما ترد يا منذر هو صح تفضل حاطط نفسك في ضغط نفسي وصعب بسبب اهلك وانت في ايدك تريح نفسك .
ذكريات تسابقت فجأة ذكريـات تليها في عقله ليسرح فيها أكثر، ثم أبتعد عنها وهــز رأســـه بإيماءة خفيفة وهو يجيبها بصوت مؤلم
= تعرفي أن اكتشفت الانسان لي بطاريات هي الحنان والراحة النفسية والحب والطمانينة؟
أجابته ضحي بهدوء حذر تأكد عليه
= طبعا والدلع كمان.. في ناس لما تدلع كمان بتحس بالراحه وتبقى كويسه
ابتلع ريقه ورد عليها بنبرة مرتجفة
= انتٍ عارفه انا بدلع نفسي كل يوم عشان كنت مش لاقي حد يدلعني.. أقعد ابص لنفسي في المراية وانبهر بنفسي واقول ايه هتعمل ايه النهاردة يا منذر وابص لنفسي وابص لعيني وابص لملامحي وابتدي احس اني بدي لنفسي طاقة.. الكلام كان يديني طاقة.. الدلع يديني طاقة.. كل الحاجات الآمنة دي اللي فيها رفاهية العواطف.. ده يخليني في احلى وقت وهو سر قوتي في الحياة واني لسه مكمل بعد كل اللي بيحصل فيا وبشوفه من اللي حواليا
أخفض رأسه متخاذل وهو يكمل بصوت حزين
= لكن في نفس الوقت بحاول اكتم انفعالاتي لأني مش متخيل اطلاقا إن رغم كل اللي حواليا وفي الاخر بدلع نفسي؟ و مفيش في حياتي حد يدلعني ويهنيني ويهتم بيا ويطلع كل اللي في قلبي مخزون ؟
كانت ضحي تصغي كثيراً له دون ملل أو كلل
بالرغم مِن عجزُها في أغلب الأوقات على فهمه إلا أنها كانت تعطي إهتماماً بكل شيء يخصه، للمرة الأولى تُقابل شخصاً يجعلُها
متوجسة للسماع لِما يقوله وهَذة المرة كانت
مختلفة تماماً، فهمت وأدركت كل حرف نطق
به، لربما لأن ذات الشعور راودها ..
فخفق قلبه بقــوة وهو يطالعها بنظرات قوية
ثم أضاف بصوت لاهث
= انا ملقتش حد يدلعني يا ضحى.. مفيش حد كان بيستناني على الغدا وما ينامش الا لما يطمن عليا! ده انا متهيالي اصلا لو كان جرى ليا حاجه في مره ولا مت كانوا هيحسوا بعضيها بفتره .
ظلت ضحي اكثر من دقائق تنظر له باعين متأثرة وتفكر كيف تخفف عنه هل بالحديث؟ لكن ماذا ستقول لتجعله ينسى جزء من معاناته السيئه للغاية، وعندما طالت الدقائق مجدداً اقتربت منه محتضنه إياه ربما لأنها أرادت ذلك، الشعور بدفئه ولمسه و خاصه حین بدی هادئ ويتحدث عما بداخله للمره الأولى منذ ان ألتقت به.. في حين انها تجاهلت التجاوب معه في الحديث وتجاوبت بالجسد .
شعرت بتصلبه إلا انها كانت لحظات معدوده
قبل ان يسترخي جسده.. ليرفع يديه يحتضنها بقوه ناحيته بينما يشتم رائحتها المغريه.. رعش قلبه من فعلتها تلك، وشعر بنفسه كطالب مجتهداً فاز بالتخرج فلقد كرمته والدته بتكريم مغلف بدقات قلبها.
دنى منها ولف خصرها بذراعيه يقربها منه و صدره يعلو ويهبط كلما تذكر أنه في أحضانها الآن، واضعا رأسه بعنقها وأنفاسه تتثاقل شيئا فشيئا، ثم خرج من أحضانها ونظراته التي تحاكي وتطلب الكثير والكثير، حتى شعرت به يتحدث بثقل
= هو انتٍ بتعملي كده على طول؟
رفعت يدها تحتضن رأسه ليحشرها بين رقبتها مجدداً، قائله بابتسامه خجولة
= قصدك عشان بحضنك هو انت بتضايق؟
نظر لها كأنه لا يصدق مثلًا، أو يريد ان يشعر بحنيتها الزائده عليه لأن وجع القلب لا يشفى غير بجرعة حنية كبيرة، إبتسم لها بعذوبة ثم
تحدث واعترض بتلهف
= لا خالص أعملي كده على طول لو تقدري!
تحدث بلهفة و دون وعي في حين ابتسمت برقه، وهي تهز رأسها بالايجاب ثم ضميته إليها زيادة و طبطبت عليه وهي تشعر إنها ترغب فيه ادخله داخلها حتى لا يتألم وتخرج قلبه بيديها وتقبله وتخبره أن لا يحزن.
بعد مرور وقت تمتم مستغفرا بخفوت ثم خلع قميصه ليلقيه علي الأريكة بإهمال ليتوجه بعد ذلك الي المرحاض ليغتسل قبل ان يخلد للنوم.. ارتمي منذر فوق الفراش ليغمض عيناه بإرهاق، بعد أن تأكد من أنه قد ضبط المنبه ليعاود من جديد وهو يقرأ أذكار المساء قبل أن ينام..
دلفت ضحي لغرفة نومها، وضعت مرطبها الليل وشددت من إغلاق مئزرها ثم رفعت الغطاء ونظرت لزوجها المتمدد بجانبها شارد العينين والذهن.. وعندما التفت لها عرفت بأنها أطالت السرحان فيه فأشاحت بوجهها جانبا .
ظل مستيقظ وشعر برغبه برجوعه لأحضانها فجأه، الرجوع لذلك الدفئ و الحنان الذي يقذفه مبتعدا عن مشاكل هذه الحياه التي يعيشها.. بالشعور بنبضها السريع حين يقترب منها، بدلا من الغوص عميقا في هذه الظلمات المحيطه به هو يدو الغوص بین یدیها و احضانها مستشعر الامان و الهدوء الذي فقده منذ زمن بعيد..لعل الحزن و الألم المحصور بقلبه يرحل و يتركه وحيداً.
نظر نحوها عندما اقتربت لتنام جانبه ليتنهد بقوة، أغمض عينيه بإرهاق فأتي بباله عينيها اللتان تعلقتا به عندما كان يتحدث اليها، كانت تناظره بهدوء بتيه و بـ.. حب!.. ماذا هل من الممكن ان يجد شخص يحبه؟ لأ لأ هز رأسه نافياً عن باله تلك الأفكار الحمقاء لكن لم يتوقف عقله عن رغبته في احتضانها وكأنها أصبحت بالنسبه له إدمان.
كان في داخله الأصوات التي تُخبره بأنه عاجز
عن الحب بعد الآن، ريما هو يستطيع أن يتوقف عن سماع العالم ولكنه لا يستطيع إيقاف الحرب الملحمية التي تقام داخله لا يستطيع صد جيوش الألم عنه، في داخله عواصم من القلق، بلدان محتلة من قبل الخذلان ووديان من الحزن..
أصبح الظلام الحالك يعمّ المكان لكن شعرت بتململه على السرير دليل عدم نومه! تماسكت وتصرفت كما لو أنها لم تشعر به أو بحركته و
سحبت الغطاء ثم اندست داخله..
مرت ثانية.. دقيقة.. دقيقة ونصف.. وبالفعل لم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن تشعر به يقترب منها ويلفها بيديه.. لَم تعطي رده فعل مما جعله حائراً متأكد بأنها غاضبة الآن… لكن جفل لوهلة عندما مررت يديها نحو شعرها تُعيده للخَلف مُتنفسة الصعداء وفي تلك اللحظة إنتبه انها مستيقظه فقد ظن أنها نائمة لكن تفاجأ بها وهو يراها تدفن رأسها في عنقه تتنفس عطره الرجولي المألوف لها متلذذة به بتأوه مهلك لرجولته، ففهم تماماً بأنها تريد احتضانه كما يريد بالضبط، وقد ناموا هذه الليلة في أحضان بعضهم البعض.
❈-❈-❈
مر الوقت سريعاً وبعد ساعات عادت بسمة لبيتها مع زوجها وطفلها الذي انطفت سعادته بسبب أفعال والده بنهايه اليوم وحاولت والدته أن تجبر بخاطره واشتريت له كل ما يريد من الشيبسي والعصير لكن مع ذلك لم يتوقف عن البكاء بحرقة
خلع معاذ ملابسه ليرميها بفوضاويه بكل مكان
ثم يرتدي غيره بكل عدم مبالاة، ليهزه صوت زوجته الغاضبة
= قولت مية مره بطل إهمال هيجريلك حاجه لو دخلت هدومك جوه بدل ما ترميها كده في الصالة
نظر نحوها بضيق وهو يقول بعدم اهتمام
= هوووف هو انتٍ عندك وسواس قهري ولا إيه يا بسمة! ما تشيليها وخلاص ولا ايه اللي هيجرا لو سبتيها مكانها
جذبت ملابسه لتضعها فوق الأريكة جانب قائله بسخرية طفيفة
= هو عشان بحب النظام وبيتي يكون نضيف يبقا كده عندي وسواس قهري، لم هدومك حالا وبطل العاده دي، ده أنا ربنا يصبرني عليك و خلاص جبت اخري ومش قادره استحمل اكتر من كده
رفع بصره إلى حيث أشارت بعينيها، اختلس النظر إلى طفله الذي يبكي، عقد حاجيبة باستغراب ثم صرخ معترضا يخفي غضبه
= هو انت يا ابني اتعلمت من امك النكد ذيها بتعيط ليه دلوقتي مش عملت لك اللي انت عاوزه! وغصبت على نفسي اروح المكان اللي انا مش حابه
لم يجيب إنما ظل بيكي فارتفع صوته قاصفا وهو يزجرها
= ما تقولي لابنك يبطل عياط، وشوفي ماله
ردت بسمة بلا مبالاة
= من غير ما أسأله عارفه بيعيط ليه عشان فضل ينده عليك هناك تتصور معاه وانت طنشته وما رضيتش وهو اصلا رايح الخروجه دي عشان يتصور معاك ويوري أصحابه زي ما بيوروه
اتسعت عيناه ببريق دهشة وأردف ساخراً
= يخرب بيت ام المنظره اللي فيها انتٍ وابنك
بطل هيافه واسكت انت التاني مش هتعيط على حته صوره أكبر ! كفايه أوي ان انا رضيت ورحت المكان المقرف ده وجيت على نفسي
علشانك
كانت عينا بسمة تضيقان وتضيقان مع كل كلمة يهتف بها.. حتى بدت في آخر كلماته كخط رفيع من الخطر والشرر، قبل أن تقول وتفرغ ما في داخلها
= لا انا خلاص جبت اخري منك هو انت ليه بجد بتعمل معانا كده؟ كمان بتقولها في وشنا أنك مجبر تفرح معانا شويه وتفرحنا.. هو احنا ما نعرفش نعيش حياه سعيده زي غيرنا و هاديه وما فيهاش الكابه اللي انت بتبقى فيها و بتعملها وفي الاخر بتيجي تتهمنا أن نحن معيشينك في نكد..ده انت دايما اولياتك مع اصحابك اكتر مننا اللي بتروح تفرح وتتبسط معاهم وناسي أن انت عندك أسره! اذا مش فاهم انك مطلوب منك تراعي اسرتك و تبسطهم فاديني بقول لك اهو وبفهمك انك لازم تنسى حياه العزوبيه بتاعه زمان ومش لازم طول الوقت كل حاجه تقضيها مع أصحابك واخرك تيجي بالليل تنام من غير ما تشوف طلباتنا
لم تنحسر واجهة الصرامة عن ملامحه مما جعل الأخري تستطرد هاتفة وخرج صوتها مرتعشا وهي تهتف به باستهجان والقهر في داخلها يتفاقم صارخاً
= طالما ربنا هداك ووديتنا كمل جيميلك للاخر وخلينا نستمتع ونفرح لاخر لحظه مش لازم تنكد علينا وتفكرنا أن ده يوم مؤقت وهترجع زي الأول تنكد على اللي جابونا.. ما كنتش هتخسر حاجه ده حته صوره هتتصورها معاه وكانت هتفرق معاه كتير انا مش عارفه كام مره هفهمك الموضوع ده، كل حاجه هايفه بالنسبه لك عكس غيرك مش لازم نمشي على هواك.. و ده طفل صغير
تنهدت بصوت مسموع شاعرة بالحزن الشديد ثم أضافت عليه بوهــــن
= بس إزاي مهما نحاول نفرح لازم تعمل موقف وتبوظ كل حاجه، عشان أنتَ عمرك ما حاولت تعرف إيه اللي بيبسطنا وتعمله تحسس ابنك بحنان الأب وصلته لدرجه النهارده عاوز ياخد صوره معاك عشان يثبت لاصحابه ان فعلا عنده أب ذيهم بيحبه زي ما بيشوف اصحاب ابهاتوا.. ده حتى الصوره عاملها حجه عشان يقرب منك حاول كده تفتكر اخر مره قعدت معاه تلعب وتضحك ولا حضنته ولا تروح تجيبه من المدرسه.. دائمًا تحاول بس الاستخفاف بطلباتنا ورغباتنا.. عاوز إبنك يشوفك ازاي وهو مش بيلاقيك اصلا وعلى طول مختفي ومشغول عنه! مع صحابك وخرجاتك.. اللي بدون مبالغه بتضحك وتفرح معاهم وتعمل كل اللي في نفسك وتيجي هنا بالعافيه تبتسم في وشنا
بدأت الصرامة تنحسر عن ملامح معاذ ويظهر فيها الضيق.. لم يستطع أن يحدد إن كان الضيق من جرأة زوجته أو من حقيقة كلامها الذي لا يعترف بأنه أمر هام لهم!
هز رأسه بيأس ثم قال مغير السيرة وهو يسمع قرقرة بطنه من الجوع
= بسمة انا جعان يلا شوفي اي حاجه من جوه أكلها انتٍ عارفه انا مش متعود على اكل بره وما عرفتش اكل معاكوا حاجه.. بس ما تكروتنيش بالله عليكي واعملي حاجه حلوه كمان
خلعت حجابها وهي تنظر له بغيظ فلا تصدق
بعد كل ذلك لم يهتم الى حديثها أو يؤثر عليه، رغم بكاء طفله وغضبها إلا أن الآن يخبرها بكل برود أنه جائع! ويتجاهل كل غضبهم منه.
هو لا يتغير حقا، كان عليه بدلا من التفكير بإنهاكها بطلبات كالعادة أن يطلب لهم العشاء من أحد المطاعم حتى لو كان لا يحب كثيراً أكلهم أو ملّ منه! لكن يفعل ذلك كعربون صلح عما بدر منه اليوم وجعل طفله يبكي باقي اليوم بدلاً أن يكون سعيد بتلك النزهه الوحيدة في حياته مع أبيه .
نظر مالك إلي والده بيأس ثم بارح المكان لغرفة نومه يغتسل أسنانه ثم يخلد للنوم لعدة ساعات يشحن طاقته ويستعيد حيويته التي هدرها والده وجعله يحزن ويبكي بعد ان كان سعيد وظن ان والده لقد تغير .. لكن أصبح متاكد الآن بان ذلك لم يحدث أبدا.
نظرت بسمة إلي ملامح طفلها البائس وهو يتحرك إلي الداخل لذا لم تهتم بطلبه أو بعواقب ما قد يفعله، وهي تهتف بكل عناد سافر
= انا مش هعمل حاجه انا داخله انام عشان تعبانه، المطبخ عندك اتفضل اعمل لنفسك اللي انت عاوزه
رمش بعينيه غير مصدق رفضها الصريح، ليعود صارم الملامح مشتعل العين ببريق خطير وهو يقول بغضب مكتوم
= نعم!. هو ايه اللي مش هتعملي حاجه انا بقول لك جعان مش قادر استنى
ازداد شيء من خوفها من ردة فعله إلا أنها تحدثت بأناقة مستفزة
= لا هتقدر ما تخافش انت شحط كبير ما شاء الله عليك مش عيل صغير عنده اربع سنين! لسه وانا راجعه تعبانه زيي زيك واكتر منك كمان على الأقل انت قاعد مكانك من ساعه ما خرجت وانا اللي راحه جايه اشوف طلبات إبنك و المشي هنا وهناك معاه
انفعل معاذ بغضب أشــرس قائلاً
= وانا مالي روحتي ولا جيتي مش انتٍ اللي شبطانه وكنتي عاوزه تخرجي انتٍ وابنك، هي دي اخره المعروف!.
إمتعض وجهها وهتفت بعبوس
= معروف إيه بس يا شيخ ده انت يوم ما عملتها طلعت عيني عشان توافق وطلعت عيني لما خرجنا و دلوقتي مش عاجبك كمان
نحاسبك عشان نكدت علينا
تساءل معاذ بلهجة أكثر هدوءً لكن أشد غضب
= هو كل الموشح ده عشان ما رضيتش اتصور مع ابنك فتروحي تعاقبيني و ما تحطيليش أكل؟!.
كتفت ذراعيها تقول بلهجة يلفها الإصرار
= لا، لأنك مش قادر مره تقدرني وتعرف أني بتعب زيي ذيك بالضبط، واذا كنت مش قادر تراعيني انا وابنك في طلباتنا البسيطه حتى يبقى ما تطلبش مني حاجه انا كمان من الأساس
نظر لها بإنفعال واضح ثم رد عليها معاتبًا
= اتغيرتي أوي يا بسمه بقيتي تردي عليا الكلمه بكلمه وكمان بتقوليلي لا! فين ايام زمان كنت قبل ما اقول اللي انا عاوزه تقومي تنفذي علي طول من غير نقاش.. دلوقتي هتعملي زي الستات الفاشله اللي بتسمعي ليهم في التلفزيون وعاوزه تخربي على نفسك وبتقولي لجوزك لا
لوت شفتاها وهي تستمع إلى حديثه باستخفاف، ثم هزت كتفيها وهي تجيبه بفتور
= ما حصلش الكلام ده طبعا من امتى كنت بنفذلك كل كلمه، انت هتعمل فيها سي سيد و بعدين انا ما بسمعش لحد ده كلامي من نفسي! عشان خلاص جبت اخري وزهقت.. واذا كنت مش شايفني ست و عاوزه اخرب بيتي عشان بقول لك لا مش قادره اعمل لك اكل عشان تعبانه زيك! فكمان الرجاله اللي بحق بيقدروا ازواجهم في المواقف اللي زي دي و بيساعدوهم مش بيحملوهم فوق طاقيتهم
شدّ معاذ على نواجذه وهو يراها ترد له كل كلمة، و غادرت بسمة الغرفة فلحقها قائلاً بغضب مكبوت
= هو انتٍ بتعامليني كده ليه يا بسمه هتنسي نفسك ولا إيه، الله يرحم أيام زمان هو انتٍ كنتي تطولي تتجوزي واحد زيي؟ ده انا الف وحدة تتمناني بس انا اللي اخترتك انتٍ مع الاسف تكوني مراتي بقي دي اخرتها
لوت فمـها إستهزائاً، ثم أطفأت غليونها على مضض وهي تردد بسخرية
= وانا مليون واحد اتقدملي بس رضيت بيك تكفير ذنوب مع الأسف برده!!.
اغتاظ معاذ من أسلوبها المستفز في التصرف معه، ثم التفتت له واضافت بسخط متعمدة الاستهزاء منه
= تصبح على خير يا! يا بتاع ألف واحده تتمناك
تحركت من الغرفة حتى لا يتصاعد صوت نقاشهما فيوقظ الطفل الذي نام وهو حزين بسببه كالعاده! وظل معاذ مكانه يشعر بغضب.. لكن هل تأثرت بسمة أبدًا بل شعرت بالاستمتاع.
فتلك العائلة حقا تشعرها بالاستمتاع كلما رأت غضبهم من شئ ما .
❈-❈-❈
في البلد، بعد أن أصر عم ديمة أن يظلوا هنا ويرحلون في اليوم التالي، رغم اعتراض ديمه الشديد إلا أن آدم اقنعها بأنهم محقون حتى لا يرحلون بالمساء ويحدث لها شئ سيء لذلك استسلمت لرغبته رغم عنها وبالنهايه هي ليست وحيده هنا وهو معها، حتى انها لم تظل معهم طوال الوقت وذهبت أولا الى غرفه بالمنزل تنام بها .
بعد مرور وقت، صعد آدم الي الاعلي الي تلك الغرفه يري حالتها الآن ليجدها غافية تقدم منها يدثرها بالغطاء جيداً و انزل احد اكمام
مازرها حتى يشعرها بالدفء كونها تشعر بالبروده بسرعه، التفت ينظر الي وجهها البريئة و هي تغفو بسلامة عينها المغلقة التي تبرز منها اهدابها الكثيفة انفها الصغير الأحمر كـ وجنتيها وشفيتها البارزة قليلاً و حمراء لشدة قبضة ذلك الوغد عمها عليها، و بشرتها الناعمة بيضاء اللون.. ارتفعت شفتيه بابتسامة هادئة تبدو صغيرة بريئة للغاية تأمله لها انتبه الي انتفاضة جسدها المفاجأة والتي جعلت جسدها يتحرك للاعلي ثم للاسفل مرة اخري كما انتبه الي قدمها التي بدأت بالتحرك بشكل عشوائي علي الفراش لا يعلم ما يحدث لها و لكن شهقة بكاء عالية قطعت تفكيره و يدها التي ارتفعت و كأنها تصد شخص ما يجثو فوقها جعلته مذهول من حالتها التي تبدو و كأنها تري أحد الكوابيس المزعجة تقدم منها و حاول ايقاظها بهدوء و هو ينزل يدها التي ترفعها بالهواء و لكن ما زادها ذلك الا انتفاضة وصرخت بصوت مختنق و مازالت نائمة
= أبعد عني متلمسنيش.. لأ لأ بـابـا
ازداد صوتها اختناق و هي تلوح بكلتا يديها
بالهواء و وجهها اصبح احمر بشدة و كأن
احدهم يخنقها
= يا اونكل آدم الحقيني.. خليه يبعد .. لأ لأ آدم ما تسيبنيش.. هيعمل فيا زي ما عمل في اختي رانيا.
عقد حاجيبة باستغراب وانزعاج وهو لا يفهم كلماتها جيد، لكنه امسك بكف يدها يضغط عليه بحنان وهو يهمس بصوت خافت منحني ليصل صوته الي أذنها قائلاً موضحاً
= ديمة متخافيش ده حلم.. متخافيش أنا هنا
تساقطت دموعها بغزارة و هي لا زالت تحرك
قدمها بقوة وهذا ما جعل الشرشف تسقط عن جسدها من التحرك والابتعاد عن يده و اخذت تشهق بحدة و كأنها بأعماق البحار تغرق ليمرر ابهامه برفق فوق يدها التي مازالت بين يديه و همس مرة اخري بحنو
= انا جنبك يا ديمة مفيش حاجة هتأذيكي
دلوقتي انتٍ بخير ده جوه عقلك بس.. انما مش حقيقي وعمره ما هيحصل تاني .
شعر بارتخاء حركتها و هدوءها رويداً رويداً
حتي تراخت جسدها و مالت رأسها الي الجهة
اليمني مع سقوط دمعة من عينها علي الوسادة
تبث لها حزن، ثم وضع يدها جوارها برفق و هو يتنهد براحة وامسك الغطاء يضعه عليها مرة اخرى
ظل آدم يفكر لما هذه الكوابيس بدأت تأتي إليها هنا بالأخص فاذا كانت تحلم بهيثم لما لا تأتيها هذه الكوابيس أيضاً عندما أصبحت تسكن معه؟؟. هز رأسه بيأس والتفت لينام على تلك الأريكة وترك لها الفراش حتى ترتاح.
بينما هي كانت اصوات متداخلة تطن بأذنها بلا رحمة صراخ مستنجد ألم ساحق لقطات سريعة و شبح هيثم يقترب منها بابتسامة تمقتها كثيراً، زادت وتيرة انفاسها و هي تهز رأسها بنفي لكنها لازالت نائمة فقط حيث هي تري ذلك بعالم اخر عالم يأتيها كل فترة ليذكرها بألم لن تنساه ابداً ازداد الصخب برأسها والاصوات تعلو و الشبح يقترب الي ان انتفضت برعب جالسة علي الفراش و هي تصرخ بقوة أيقظت ذلك النائم علي الأريكة مقابلاً لها.
فتح عينه بنعاس ليجدها تجلس علي الفراش و هي تتنفس بقوة و بصوت مسموع من انفاسها المتلاحقة و كأنها توقفت للتو بعد سباق للركض لاميال طويلة صدرها يعلو و يهبط بجنون و هي تضع يدها علي قلبها لعلها تهدئ، وقف يتقدم منها بهدوء و امسك الكوب الفارغ من اعلي وحدة الإدراج و سكب به بعض من الماء الموجودة بالزجاجة المجاورة له ثم مد يده لها هامساً بهدوء
= خدي اشربي عشان تهدي.
انتفضت اثر صوته الاجش و قد انتبهت للتو
عليه فقد كانت غارقة بعالم اخر حتي بعد
استيقاظها رفعت رأسها اليه و لمح هو الدموع
تملئ عينها و تكاد ان تفيض منزلقة الي وجنتيها لتمد يدها المرتجفة تحتضن الكوب باناملها التي احتلتها البرودة و ارتشفت منه بعض رشفات و مدت يدها بالكوب له مرة اخري ليلتقطه واضعاً اياه اعلي وحدة الادراج من جديد ثم نظر اليها متحدثاً بتساؤل و لطف
= احسن دلوقتي؟
أغمضت عينها و هي تتنفس الصعداء ثم نظرت إليه بأعين ممتنة قائلة
= الحمد لله شكراً
ثم انتبهت الي كونها في منزل اعمامها و هو موجود هنا نظرت له سريعاً بصدمة لتشهق وبحركة لا ارادية تمسكت بالغطاء تضمه عليها ليتنهد هو متقدماً نحو الأريكة من جديد يجلس عليها باريحية قائلاً بصوت عميق مطمئن
= ديمة خلاص اهدي حاولي تسيطري على نفسك عشان احنا عند ناس مش لوحدينا دلوقتي وبعدين هو انتٍ مالك أصلا ما كنتيش كده قبل ما نيجي وبعد ما نحل المشكله و يوعدك أنهم مش هيتعرضوا ليكٍ تاني تدخلي في الحاله دي ولا هو في حاجه تاني انا ما اعرفهاش .
في حين راقبها هو بهدوء عاقداً ذراعيه امام
صدره طال صمته لتلتفت اليه مرة اخري
ناظرا بتساؤل لتهز رأسها برفض و قد ادمعت عينها بقلة حيلة ثم هتفت بتوتر
= لا أنا كويسه ما فيش حاجه
هز رأسه بيأس منها ليعود ينام فخلال ساعات سوف يأتي الصباح ويرحلون لكن بعد دقائق تحرك ليخرج للخارج يشرب سيجاره ويعود، بعد ساعة نهضت ديمة ببطء وخرجت من الغرفة و امسكت حذاءها ترتديه و ما ان انتهت حتي امسکت بخصلات شعرها ترفعها الي الاعلي و وضعت مشبك شعر ليثبتها و ما أن فتحت الباب حتي وجدت آدم امامها كاد ان يفتح الباب ليدلف، عقد حاجبيه باستغراب لخروجها و هو يدلف الي الداخل قائلاً
= انتٍ خارجة ؟
هزت رأسها بالايجاب و هي تبتلع ريقها بتوتر
و تحاول عدم النظر الي عينه التي تشعر بأنها
تصيبها بالارتباك الشديد و تجعل قلبها يرتجف
بين ضلوعها نظر اليها قائلاً يتساءل
= علي فين! اللي تحت كلهم ناموا مالك؟ في حاجة مضايقاكي
مسحت بيدها علي عينها و هي تشير الي الخارج بارتجاف قائلة
=مخنوقة شوية هو ينفع اخرج اشم هوا
سريعًا ما تأججت مشاعرها المحتقنة حينما
انتصب آدم في وقفته وظهرت ابتسامته، كما تحولت نظراته للإشراق ودنا منها قائلًا بنبرة جاده نسبيًا
= طب تعالي ننزل احنا الاثنين تحت اكيد مش هسيبك لوحدك.. ممكن نفسيتك تهدى شويه فعلا
بعد فتره أخذها وهبطوا الى الاسفل يتمشون في شوارع البلد قبل طلوع الفجر! بالقرب من المنزل حدقت بشرود كبير في تلك الأماكن المختلفة امامها بصمت طويلاً، جذب انتباه صمتها و نظر إليها وقال بنبرته المميزة
= وبعدين يا ديمه مش قولتلك أن الحزن مش لايق علي جمالك.. وشك اتخلق عشان تضحكٍ بس. بطلي تفكير في حاجه هتتعب عقلك ونفسيتك
كل أفكارها تلاشت أمام هذا الغزل الصريح منه
بينما تذوب خجلاً وهي تنظر إلي عينيه التي
ترمقها بنظرات خاصة اربكتها هو لم يزيد ذلك
أراد فقط تغيير مودها تماماً.
ثم رفعت عينيها التائهة مجدداً نحو تلك الملامح الرجولية الحنونه بعيناه و حرکت شفتيها ببطء تُردِف بتلك الكلمات بنفس متثاقل وبشفتان مُبعثرة
= حاسه ان انا بكبر أوي سنا ونفسيا والسنين عماله تجري مني من غير ما اعمل اي حاجه الناس تفتكرني بيها واسيبلهم سيره حلوه انا بقيت اكره أوي كل سنه بزيدها وبتروح من عمري على الفاضي
كان متفهم جيد ماذا تقصد لذلك رد قائلاً بجدية
= على فكرة فكرة اننا بنكبر دي مش حاجه وحشه بالعكس كل ما بنكبر بنشوف الحياة احسن و بنوصل لحاله نضج محترمة… اقولك
كل ما تفكري في مشكلتك فكري في الحاجات الحلوه اللي طلعتي منها اكيد حتى هتلاقي اي حاجه حتى لو مجرد طريقه تفكيرك اللي اتغيرت اكيد عن زمان وقراراتك الجايه هتتغير بعد كده للأحسن
ضمّت شفتيها وأغمضت عينيها تمنع دموعها الحارقة من السقوط وهي تقول بإحباط
= المشكله أن قرارتي الغبيه دي كلها اخدتها بعد ما فكرت كويس اه والله
خبط بلطف فوق رأسها بالقرب من عقلها وهو يقول بتوضيح جاد
= ما إحنا القرارات الغبيه دي بقى لازم ناخدها عشان نتعلم.. يا ديمة لازم تكوني فاهمه أن فى ناس كتير هتتخلى عنك المهم ماتبطليش تحبي نفسك .
هتفت ديمة بفضـــول وهي تطالعه بنظراتها
متعجبه من حالته المشرقه طوال الوقت رغم مشاكله الكبرى
= نفسي أعرف جايب الرضا ده منين! بجد
سحب آدم نفسًا عميقًا، ثم زفره على مهل قبل أن يقول بغموض
= ايش عرفك أني راضي ولا لأ، انتٍ ليكي الظاهر وأنا أبان راضي، لكن مش يمكن فيه بيني وبين روحي عركة ما يقدر عليها حد
نظرت له بجدية وهي تقول بصوت حائر
= مش عارفه يمكن بس بحسك كده، كفايه مسامحتك لبنتك رغم كل اللي عملته ولسه جنبها وبتراعيها من بعيد.. يعنى لو رجعت هتغفرلها اى حاجة وترضى تعيش معاها عادي
رمقها بنظرات محبطه من وضعه مع ابنته وهو يرد بصلابة
=تخيلى آه…. أهبل انا صح اصلها ما عدتش صغيره برده تعرف تفرق بين الصح والغلط
بس مع كل ده بلاقي ليها اعذار
ابتلعت ريقها وأجابت عليه بصوتها المنكسر
= ده انا اخواتي بحس لحد دلوقتي مش راضيين يسامحوني على حاجة عملتها وهم كانوا السبب فيها كمان، بحس بيعاقبوني بانهم بيختفوا من حياتي وبقيت حمل عليهم.. و شوف انت لسه بتتكلم عن بنتك كويس رغم أنها بتستغل لك بس عشان الفلوس وتقرب منك
أوضح مقصده قائلاً بتنهيدة متعبة وهو يفرك جبينه
= ديمة دي بنتي الوحيدة مهما كانت وعملت، أنا بدأت أحب نفسى لما خلفتها أصلا فما بالك بعد كده سابتني ومشيت هحب نفسي ازاي من بعدها
حركت رأسها للجانب متحاشية النظر إليه، ثم ردت قائلة بحسرة
= عارف الفرق بينك وبين اخواتي إيه ؟ إنك بدور على حب مش على الكراهـية
عقد ما بين حاجبيه مدهوشًا من جملتها، ثم أكملت هي كلماتها قائله
= يعني كل العلاقات اللى بين الناس لو دوروا على أسباب انهم يكرهوا بيها بعض هيلاقوا مهما كانت ما بينهم حاجات حلوة ولو بردوا دوروا على أسباب انهم يحبوا بعض هيلاقوا مهما كانت بينهم حاجات وحشة… فاهم حاجه
واظب على مطالعتها بنظرات غريبة نظرات حملت بين طياتها خوفًا من أن تتلاقى تلك المهزله ثانياً مصيرًا مشابه لما تعرضت له سابقآ هي مصادفة بالأساس علقت مع شخص يعلم جيدًا بنواياها ولكنها غير مدركة بعد لحقيقة الوضع.. بعد دقيقتين أومــأ برأسه إيجابًا بأنه يفهمها وهي لا تريد أكثر من ذلك! ليزداد مع حركته تلك خفقات بقلبها.
ثم رفع يده يضعها علي كتفها بشكل حنونه تفاجأت من قربه الشديد، وشعرت بخفقان شديد في قلبها حيث لم تتخيل للحظة أن تؤثر بها هكذا، أو تحرك فيها شيئًا وبقوة.
طالعته بنظرات متعجبة من تحديقه بها و سرعان ما ابتسمت ابتسامه بسيطه لتفهمه عندما رفع يديه لها يدعوها لعناقه فاندفعت نحوه وهي تحيط ذراعيها حوله كالعائد من غربته يقوده الحنين! لم تدرك بأنها كانت تبكي حين إرتجف جسدها بين يديه، فرفع عيناه ليواجه عينيها الباكيتان التي بهتت.. أبعدها بهدوء ولطف ثم ربت على كتفها مرددا
= كفايه كده ويلا نروح قبل ما يصحوا و يدوروا علينا.
ضغطت ديمة على شفتيها قائلة بحرج وهي تتحاشى النظر إليه
= ماشي .
سار خطوتين وهي كانت صامتة ثم توقفت فجاه و اجبرته هو أيضاً ان يتوقف ظناً منه انها قد شعرت بالتعب نظر اليها و هي لا تبدي اي ردة فعل حتي تسائل عن سبب توقفها سقطت دمعة منها علي وجنتيها و تحدثت بامتنان
= شكراً علي كل اللي عملته معايا، واللي أخواتي ذات نفسهم وأهلي ما عملوش .
أبتسم بهدوء و هو يقف أمامها و يمسح دمعتها
بابهامه متحدثاً لها بحنو
= انا هفضل جنبك وقت ما تكوني محتاجاني يا ديمة
ابتسمت لموقفه شعرت به يقترب بل اكثر من المعتاد حتي همس أمام وجهها و هو يمسك
بخصلة من خصلاتها يستشعر نعومة ملمسها وهو يضعها خلف اذنها قائلاً
= وعمري ما هبص عليكي بنظرة متعجبكيش انا هكون جنبك مش عليكي يا ديمة و اوعدك اني هحافظ عليكي.
اتسعت ابتسامتها بتلقائية لـتضع يدها علي فمها و هي تقفز داخلها بسعادة لا متناهية تغمر روحها المتهالكة تود لو كان بالامكان اعادة الزمن مرة اخري و ان تمحي كل ما مرت به و تبدأ حياتها بلقاءه و تنتهي بجواره.
نظرت الي الأسفل مبتسمة ليشير لها الي الجهة الأخري و هو يقول بجدية
= يلا نرجع عند اعمامك عشان جعان جداً ومش هعرف أكل غير في بيتنا، فالاحسن نروح بدري
هزت راسها بهدوء و هي تسير جواره في طريق عودتهم الي المنزل و داخلها يتراقص كلمتان منه فقط جعلت من قلبها يدق! لكن فجأة شعرت باضطراب ساخراً داخلها هذه المرة تخطئ هو لن ينظر إليها كما تنظر اليه و لن يشعر اتجاهها بما تشعر به نظرت اليه و هو يسير بطوله الفارع و هيئته المميزة، ابتسمت بحزن علي نفسها و علي ما يحدث لها ثم حاولت ان تتغاضي عن شعورها حتي تقتله في مهده
فهو بالنهايه رجل وسينظر لها نظره غير راضيه بأنها فتاه سيئة فرطت في نفسها لأجل رجل آخر، صحيح هو زوجها الآن لكن زواج بالاتفاق لمده بسيطه وسوف ينتهي وهو يعاملها الآن كابنته لذلك لا يضع في عقله أن ينظر لها بتلك النظره لكن اذا شعر بما تشعر به حينها سينظر لها بتلك النظره التي تخشاها.
تود لو كانت مثله نقية، طاهرة، لم تدنسها الذنوب، أو تغرقها الآثام حتى النخاع فا تبوح بما يكن في قلبها لمولاها وهي على يقين بالفرج القريب.
أغمضت عينيها الباكيتان وخشيت أن يكون حدث ما لم ترغب فيه، وإلا لما تأثرت هكذا وانفعلت أحاسيسها، رغم إنكارها هي بالتأكيد لم تكن له شيء ما، وسيظهر ذلك مع مرور الأيام.
❈-❈-❈
وبعد مجئ الصباح، وصلت بسمة إلى الجامعة وهي تلهث بتوتر شديد لتلحق محاضرتها، او ربما ذهابها اليوم بالأخص لأسباب أخرى لم تستطيع مواجهتها بنفسها، فاثناء الفتره السابقه كانت تبحث عن ذلك الشخص الذي يدعى محمود فكانت تبحث عنه لغرض خاص لكن لم تجده الأيام السابقه وعلى امل ان تراه اليوم.
جابت بأنظارها المكان من الداخل باحثًا عن شخص بعينه. لتجده تحت أحد الأعمدة بالجامعة، فأسرعت في خطواتها قاصده إياه. وعندما وصلت له هتفت بصوت حذر للغاية
= ازيك يا محمود عامله ايه.
رفع نظراته إليها بتفاجئ وسرعان ما قال بإبتسامة عريضة
= بسمه ازيك بقيلي فتره مش بشوفك اقعدي واقفه ليه
ابتلعت ريقها مجيبة إياه بتوتر شديد
= كنت مشغوله أوي الفتره اللي فاتت معلش، ممكن كشكلك عشان أنقل المحاضرات اللي فاتت.. ولا ما كنتش بتيجي ذيي ومشغول في شغلك .
أشار بيده لها متحدثاً وهو يقول بابتسامه اكثر اتساعاً
= لا اتفضلي الكشكول تحت أمرك وانقلي اللي انتٍ عاوزاه.
هزت رأسها بالإيجاب بامتنان وجلست أمامه
ومد محمود يده لها بالكشكول فأخفضت نظراتها نحوه وأخذته بهدوء، ليتساءل باهتمام
= مش ناويه تقوليلي بقى ايه السبب اللي بيخليكي مش بتحضري المحاضرات زيي باستمرار؟ طب انا ومشغول في شغلي انتٍ ايه بقى الأسباب .
تنهدت بارتباك طفيف، ثم تطلعت ناظرة له بأعين متوهجة انبهار وهي تتساءل بصوت مهتم
= هاه، ما تسيبك مني وتقول لي أخبار شغلك إيه ولسه بتعرف توفق بين الاثنين وتتحمل المسؤوليه.. و الشغل والدراسه مع بعض.
كان الآخر مستغرب سؤالها فكلما تراه تتساءل عن وجهه نظره بالدراسه وكيف يستطيع أن يوفق بين العمل والدراسة بينها، لكنه بالنهايه استسلام وأجاب على اسئلتها طالما يتشاركون الحديث سواء عن أي شيء يجمعهم هنا حتى لو كانت دقائق قليله.. فمن الواضح الأمر بدأ أن يعجب….. به.
لكن فجاه قطعت حديثه قائله بتساءل بنبرة مهتمة
= هو ازاي ممكن تغير فكره حد عن الشغل والمسؤوليه والدراسه! ويفكر بنفس الطريقه اللي انت بتفكر فيها وتكون هي دي وجهه نظره ومقتنع بيها .
تفاجأ الآخر بحديثها، فهتف متسائلا باندهاش
= نعم لا مش فاهم قصدك يعني ايه .
ردت عليه قائلة بتوضيح جاد
= اقصد لو في واحد شايف الشغل والدراسه حاجه مش مهمه من وجهه نظره وما لهاش لازمه كمان، أنت بقى من وجهه نظرك الحاجات دي شايف ازاي ممكن يتغير ويبدا يفكر بنفس الطريقه اللي انت بتفكر بيها
حل الوجوم على قسماته باقتضاب، وردد متسائلاً بحيرة
= هو مين ده اصلا اللي بتتكلمي عليه
رفعت بسمة كف يدها للأعلى قائلة بعبوس وهي تشير به
=مش هتفرق معاك! انا عاوزه جواب على قد السؤال ازاي تخلي واحد يتغير ويشوف المسؤوليه والشغل حاجه مهمه وقد إيه لازم يتعلمها.
ضاقت أعين الآخر للغاية، ثم رد عليها بنفاذ صبر
= متهيالي ما فيش حد بيتغير يا آنسه بسمه
وطريقه تفكيري دي سواء انا ولا غيري! بتكون بالفطره وحسب البيئه اللي اتربى فيها عشان كده مش سهل انه يتغير و مش بكلمتين هقولهملك هتروحي تنفذيهم هتلاقي في ثانيه اتغير.. هو مين بقى اللي بتتكلمي عليه و مهتمه أوي كده انه يغير فكره ويبقى زيي.
زفرت بإنهاك بحسرة شديدة، ثم لوت ثغرها للجانب بفتور وهي تجيب بغموض
=ولا حاجه ما تشغلش بالك الاجابه وصلت وعندك حق ما فيش حد بيتغير .. عند أذنك عشان اتاخرت ولازم امشي .
نهضت لترحل لافظًة زفيرًا مشحونًا مجدداً من صدرها بيأس وإحباط فهي كانت تبحث عنه المرات السابقه لذلك السبب كان لديها أمل أن تعرف السر وتطبقه على معاذ لعله يتغير، لكن هو أيضاً أخبرها بها صراحه لا احد يتغير.
راقب محمود رحيلها بضيق شديد وحيرة وقد برزت حمرة عيناه بوضوح وحدث نفسه قائلًا بغلظة
= هو ايه اصله ده هي البنت دي بحالات؟ شويه هي اللي تتهرب مني.. وشويه هي اللي تجيلي برجليها، بت غربية بصحيح .
** ** **
_________________
مرت عدة أيام بطريقة روتينية، إستمرت بسمة تذهب إلي الجامعة حتى تجمع المحاضرات الفائته كالعاده وتركت طفلها عند ضحى، و قابلت هناك ديمه التي أخبرتها عن عده مواضيع باختصار شديد جعلت الأخرى لا تفهمها جيد .
ثم سـاد صمت متوتر بين الاثنتين، وترددت كلتاهما فيمن ستتولى الاسترسال في الحوار لكسر ذلك الحاجز الوهمي بينهما، ثم هتفت بسمة وتساءلت باهتمام
=ما تخليكي واضحه معايا يا ديمة انا مش فاهمه حاجه منك بصراحة أوي، كل اللي فاهمه ان انتٍ مش عايزه تطلقي من آدم عشان ما تكونيش لوحدك تاني! تمام كويس بس هو حد قال لك تطلقي أصلا طالما مش عاوزه
ظلت تفرك أصابع كفيها بارتباك مترددة فيما ستتفوه به، ثم هتفت بتردد
= ما هو انا مش هينفع اوضحلك كل حاجه بالتفصيل بس هو يعني باختصار ايوه المفروض هنتطلق بعد فتره! وده كان اتفاق بينا حتى اخواتي عارفين كده بس انا بعد فتره حسيت إني مش عاوزه ابعد عنه خالص وعاوزه افضل جنبه.. بس المشكله مش عارفه اقول له كده ازاي ومش عارفه حتى لو قلت له كده هيرضى يخليني جنبه ولا هيطلقني و مش عاوزني زي ما انا عاوزاه.. ما تقولي حاجه يا بسمه و تساعديني آمال انا بحكيلك ليه
أجابتها بسمة بحيرة وهي تعيد ضبط حجابها على رأسها بعد أن كان شبه منتزعًا
= هقول لك ايه وانا مش فاهمه اصلا حاجه منك على العموم براحتك مش لازم تحكي طالما الموضوع كبير كده، بس هو انا بصراحه أصلا كنت مستغربه جوازكم ده، انتم الفرق بينكوا كبير واستاذ ادم يعني مش من النوع إللي عينه زايغه واللي ممكن بيبص للبنات الصغيره فكلنا استغربنا أنه اتجوزك هو الفرق بينكم حوالي كام
كانت متفاهمه جيد لما تسألها ذلك السؤال لذلك أجابت عليها بتجهم واضح محاولًا تبرير الموقف
=١٨ سنه!. بس مش مهم السن هو مش كل حاجه وفي حاجات تانيه اهم نفكر فيها صح
ظلت تنظر نحوها، وردت عليها بجدية شديدة
=هو انتٍ متاكده من اللي انتٍ بتقولي ده يا ديمة ما ممكن الطلاق ده لمصلحتك وتشوفي لك واحد اصغر منك او من سنك او الفرق بينكم يكون مش كبير زي كده، اصل ١٨ سنه برده مش قليلين وانتٍ لو مش في دماغك دلوقتي تفكري فقدام هترجعي تندمي بعد كده في حاجات مش هعرف اشرحهالك افهميها انتٍ من نفسك بقي، بكره يعجز وانتٍ هتكوني لسه بتتعرفي على الحياه و الموضوع مش هيكون حلو.. ولو جبتي أولاد الوضع هيكون اصعب اساليني انا على المواضيع دي المسؤوليه شيلها صعب لوحدك، انا عدي عليا فتره زيك كده وكنت في سن صغير وفجاه لقيت نفسي مسؤوله عن بيت واسره وطفل لوحدي وجوزي وجوده زي قلته
توترت ديمة بالاول، ثم هزت رأسها نافية وهي تجيبها بارتباك
=بسمه انا فاهمه كل اللي انتٍ بتقوليه انا مش عيله صغيره، وبعدين شوفي انتٍ قلتي ايه رغم ان جوزك سنه صغير و وجوده زي قلته لكن اونكل آدم مش كده خالص.. اونكل آدم ده حد طيب وحنين أوي حد ما شفتوش في حياتي قبل كده، بيحب يساعد كل الناس من غير مقابل ويشوفهم فرحانين ومبسوطين حتى لو على حساب نفسه ومتسامح! حتي لو شخص غلط فيه جامد بس دايما عنده امل للحياه ان الكل هيتغير.. ده غير انه عمره ما ضايقني بكلمه وحشه وفي خلال فتره قصيره حسن من نفسيتي جدآ و اداني امل في الحياه عمر ما كنت حسيته قبل كده.. ده لما يشوفني زعلانه مش بيهدلوا بال إلا لما يريحني و يخليني أضحك وابتسم رغم كل مشاكل الدنيا اللي عنده لو تشوفيه بيعمل معايا ايه عشان يطلعني من الاكتئاب ده و….
علامات الاندهاش والصدمة ظهرت على الاخرى وهي تستمع الى حديثها ذلك ثم قاطعتها غير مصدقة
= بس، بس خلاص هو في ايه تاني يتقال ده لو رشدي اباظه ذات نفسه ما هتقولي عليه كده هو انتٍ وقعتي للدرجه دي؟ وانا اللي فكرتك عيله صغيره شبطانه زي العيال المراهقين وهتنسي مع الوقت لما تلاقي غيره في نفس سنك
شعرت بالخجل من واضحة ذلك، ثم أشارت بيدها موضحة بنبرة مرتبكة نسبيًا
= انا مش عاوزه غيره ولا قادره اتخيل نفسي مع حد تاني وشيلي حكايه السن دي من دماغك مش هي دي مشكلتي معاه أصلا.. انا مشكلتي اكبر من كده بكتير ومش هينفع اشرحها لك كلها بس كل اللي عاوزاه اني اعرف ازاي اقرب منه واخليه ما يطلقنيش
اضطربت بسمة من جملتها الأخيرة، وتلعثمت وهي ترد
= طب ما تفكري تاني يا ديمة في حاجات انتٍ مش هتشوفيها دلوقتي انتٍ دلوقتي السكينه سارقاكٍ، وبرده مهما كان واحد من سنك احسن بكثير على الاقل لما يبقي عندك ولاد هيفضل يرعاهم معاكي مش، الـ آآ معلش في الكلمه يعني هيفلسع بدري.. بدري وانتٍ اللي هتدبسي… وانتٍ برده لسه صغيره وحلوه و اكيد هتكوني عاوزه اللي يخرجك ويفسحك ويقول لك كلام حلو. لكن هو كلها كام سنه ومش هيكون قادر حتى يروح معاكي السوبر ماركت من تعب المفاصل اللي هتجيله
نظرت ديمة نحوها بصدمة كبيرة و رددت بوجهها المتجهم
= على فكره انتٍ دبشه يا بسمه ما بيتقالش كده ايه الكلام ده! ما تخلينيش اندم ان انا قلت لك وحاولت اخد رايك عشان تساعديني. وبعدين ما انتٍ لسه قايلاها معاكي اللي سنه صغير كان عمل لك ايه غير أنه قاعد يتفرج عليكي وانتٍ شايله المسؤوليه كلها.. وبعدين مين قال لك ان دي متطلبات الست ولا متطلباتي انا شخصيه؟ الست منين عاوزه اللي يتحمل المسؤوليه معاها ويكون راجل بجد ويحسسها بالامان وانتٍ لو لقيتي اي راجل قريب منك بس و وفرلك الحاجات دي هتتعلقي بيه وهتنسي كل حاجه ممكن تعجزيك تكوني معاه واولها سنه
جزت بسمة علي أسنانها بامتعاض كبير وهي ترد قائله بتهرب
=خلاص انا مش قصدي حاجه مالك قلبتي كده ليه ما تزعليش انا بس كنت بوعاكي على العموم يعني كلامك فيه جزء صح مش هنكر
وطالما انتٍ اللي عاوزه كده براحتك انا مالي و في الآخر انتٍ اللي هتلبسي ما ترجعيش بقي بعد كده تندمي وتقوليلي محذرتنيش ليه.. عشان الحب مش كل حاجه برده
لم تعقب عليها واكتفت برسم ابتسامة باهتة على محياها. يكفيها ما مرت به لتستعيدها في ذاكرتها، فتحاشت قدر الإمكان الحديث عنها.
ثم أخرجت تنهيدة عميقة من صدرها قائلة برجاء وهي ترفع بصرها للأعلى
= تاني يا بسمه على العموم قلت لك انا عارفه كل ده وبرده مصممه أن أنا اكمل معاه، ما تخافيش انا ما اخذتش القرار ده من يوم وليله لو عرفتي إللي انا شفته في حياتي هتفهمي ليه انا اتعلقت بيه بالسرعه دي وفي مشاعر جوايا ناحيته، وعلى فكره انا كان ليا تجربه سبقه لواحد برده من سني تقريبا او اكبر مني بحاجه بسيطه وفي النهايه خدت اكبر قلم في حياتي وكرهني في الرجاله كلها وكنت خلاص واخده عهد على نفسي ان انا مش هتجوز ولا ارتبط تاني لحد ما شفت اونكل ادم خلاني غيرت النظريه دي خالص وعرفت ان انا السبب، انا اللي اخترت غلط عشان كده المره دي لازم احسن الاختيار… ومن جهه ثانيه وحدتي واللي شفتها من اخواتي ده برده مخليني أن لازم اخد قرار صح
حركت رأسها بالإيجاب متسائلة بحيرة كبيرة وهي تشعر بالغرابه
= هو انا في حاجه مش فاهماها كل شويه عماله تردديها ايه اونكل آدم دي! مش فاهماها بتقوليها ليه هو مش برده جوزك و المفروض تقولي آدم على طول
قطبت جبينها بحرج كبير عقب عبارتها تلك، ثم تطلعت فيها بنظرات ضائقة هاتفه بتوتر
=هاه، آه صح بس لساني مش متعود اصل انا كنت بقول له كده زمان من وانا صغيره لما كان بيجي يزور بابا قبل ما يموت، ولسه مش متعوده اقولها وهو قال لي قولي اللي انتٍ عاوزاه.. مش قلت لك الموضوع كله على بعضه ملخبط
تجسست بسمة من الأمر محاولة استشفاف طبيعة الحديث بينهما، وعلاقتها بادم ثم قالت بضيق ساخرة
=وانتٍ بقى عاوزه يبصلك بطريقه ثانيه على انك مراته بجد و انتٍ لسه بتقوليله اونكل آدم
طب ما الكلمه دي لوحدها هتفضل حاطه حاجز ما بينكم وعمره ما هيبصلك على انك مراته! لو عاوزه فعلا يقرب منك اتعاملي على الأساس ده في كل حاجه في الكلام والحركات والاهتمامات.. افتكري كل اتنين متجوزين شفتيهم بيعملوا ايه واعمليه مع جوزك عشان يتعلق بيكي وما يطلقكيش زي ما انتٍ عاوزه
ابتلعت ريقها بخجل وهي تتخيل نفسها تفعل تلك التفاصيل مع آدم وهو متقبل الأمر او ربما لا، ثم اجابتها مترددة
= حاسه أن مش هقدر اعمل كده وهتكسف جدا، الموضوع برده صعب عليا شويه خصوصا ناحيته أنا كنت بعتبره زي اخويا الكبير زمان وفجاه بقى جوزي وفجاه بقيت بحس بمشاعر ناحيته. كل دي حاجات ملخبطاني .. مش عارفه ابدا منين
لوت بسمة ثغرها مرددة على مضض
= ما انتٍ لازم تعملي كده واكتر وزياده عشان تلفي عليه، ويتعلق بيكي وما يروحش لوحده تانيه وتعملوا اللي انتٍ بتتكسفي تعمليه.. لازم تنسي حكايه الكسوف ده وعوجه لسانك لما بتقوليله اونكل
شهقت بحده ثم ضاقت نظراتها لتصبح أكثر حدة وهي تقول بشراسة
=بعد الشر قال يروح لواحده تانيه قال ده انا بستحمل صور مراته اللي ماتت دي بالعافيه وانا شايفاها قصادي واللي مصبرني ان قال لي قبل كده انه اتجوزها جواز صالونات يعني ما حبهاش.. ولا موضوع بنته دي كمان اللي مش معبره وهو كل يوم والتاني عمال يتحايل عليها عشان بس ترضى عنه، نفسي بس امسكها كده واكسر رقبتها مش عارفه قيمته الغبيه
ارتفع حاجباها للأعلى باندهاش عجيب لكن هذا المرة كانت متفهمة موقفها نوعاً ما ولم تضغط عليها طالما هي لا تريد ان تكون صريحه معها بشكل كامل، ورددت مبتسمة
= اموت واعرف عمل لك ايه خلاكي مش شايفه حد غيره وهتموتي عليه كده! بقى آدم اللي قافل على نفسه سنين و بنشوفه في الراحه وفي الجاي بيبص قدامه بالأرض و عينيه ما بتترفعش يطلع منه كل ده ويخليكي تتعلقي بيه لدرجه الجنون دي؟ بقي غيرانه من واحده ماتت و من بنته كمان يا هبله.. لا ده انتٍ حالتك صعبه خالص
انتبهت إلي نفسها فوضعت يدها على فمها قائله بابتسامة حرجة
= بس بقى ما تحرجنيش امال انا بقول لك ايه من الصبح، اتنيلت وقعت خلاص ومش هقدر أبعد عنه.
أجابتها بسمة بحماس واضح وهي تشير بيدها موضحة
= طب ما تسالي اخواتك مهما متجوزين برده وعارفين ازاي ينصحوكي تقربي من جوزك وتخليه يتعلق بيكي، واكيد مش هيتمنوا لكٍ حاجه زي كده وانك تطلقي
جمدت هي من تعابير وجهها، وأشارت بكفها قائلة بجمود متعمدة إنهاء الحوار بذلك الموضوع
= مشغولين او انا اللي ما بقتش عاوزاهم فاضيين خلاص والاحسن يفضلوا مشغولين كثير كده، أصل اكتشفت وجودهم زي عدمه مش بيحققوا لي حاجه تخليني اعتمد عليهم ولا اشوفهم فعلا أخواتي بجد، وبدل ما اروح أسأل الغريب اسالهم هم وبصراحه خلصت كل الأعذار ليهم.
نظرت الأخري نحوها مصدومة، وتابعت ديمة قائلة بحكمة اكتسبها من تجارب الزمن
= فيبقى ليه ازعل؟ خليني احسن ارضى بالواقع وانهم من هنا ورايح بقيلهم حياه وانا بقيلي حياه، واللي هي هتكون مع آدم قريب ان شاء الله زي ما هم اختاروا البعد عني .
❈-❈-❈
في اليوم التالي، يوم الجمعه عطله الجميع كان الكل يجتمع في منزل شاهين ويحضرونا الغداء بعد أن انتهوا من تناول الإفطار، وكان الفتيات بالمطبخ والجميع بالخارج..نهضت بسمة عن المقعد، ونفضت يديها من البقايا العالقة بين أصابعها من تقطيع الخضروات، ثم دنت من سلفتها وهي ترمقه بنظرات ثابتة وقالت بهدوء
= خليني انا اكمل السمك وانتٍ اعملي الأكل المخصوص لمنذر زي المره اللي فاتت.. عشان ما يبقاش كتير عليكي تعملي ده وده
تركت ضحي ما تقطعه من خضروات في الصينية وهي تبتسم لها بامتنان قائله بحيرة
= تمام شكراً، بس هو انتوا اللي عادي كده بتاكلوا سمك على طول، طول الوقت بتحبوا للدرجه دي
عبست بسمة بوجهها ونزعت المنشفة القديمة من يدها فردت عليها بضجر
= مش موضوع بيحبوا ولا بيكرهوه هو إجباري كده في البيت طالما معاذ بيحبه، كملي بس احسن حماتك جايه علينا أهي
قاطعتها بالفعل دخول مايسة بصرامة قوية وقد قست نظراتها للغاية عليهم وهي تقول
= هاه خلصتوا ولا لسه، فاضل ساعه علي الغداء خفوا رغي شويه عشان تلحقوا تخلصوا
نظرت لها بسمة بابتسامة زائفة وهي تجيبها بتأفف
= خلاص يا حماتي ما تقلقيش قربنا نخلص اهو .
هزت رأسها بهدوء ثم صمتت لحظات بتركيز وسرعان ما عبست مايسة بوجهها قائلة بتذمر
= إلا قوليلي يا بسمه مش ناويه تخاوي مالك وتجيبيله أخ ولا أخت حتي، الواد كبر وبقى عايز اللي يلعب معاه وسنه دلوقتي مناسب لو جبتي عيل تاني
أشاحت بسمة بوجهها بعيدًا عنها وهتفت مستنكرة
= عيل إيه اللي اجيبه تاني بس يا حماتي ايه اللي جاب الفكره دي في دماغك، لما اقدر بس على اللي معايا !.
نظرت لها حماتها مدهوشة وهي تردد مستنكرة
= وما تقدريش ليه غيرك معاه بدل العيل ثلاثة وعشره ولا انتٍ مش في نيتك تجيبي تاني وهتكتفي بواحد؟ لا يا حبيبتي الكلام ده ما ينفعنيش والقرار ده ما تاخدهوش لوحدك
تجهمت تعابيرها للغاية فهي لم تقصد بالتأكيد مقدرتها على تربيه طفلها بل تقصد معاذ الطفل الأكبر! فستكون غبيه للغايه إذا أنجبت طفل اخر وحملت نفسها مسؤوليه أكبر فوق طاقتها وهي متاكده بأنها ستتحمل مسؤوليه الطفلين لوحدها كالعاده، ومعاذ لم يتدخل ردت عليها بصوت معترضًا
= انا ما قلتش كده يا حماتي ان شاء الله اللي ربنا راضيه هيكون.. ده حاجه بتاعه ربنا في الاول وفي الآخر
نظرت إلى ضحي المشغولة في عمل الطعام بهدوء، وقالت بصوت ماكر
= بكره هتجيبي غصب عنك وهتغيري لما ضحى تشيل هي كمان !
عقدت حاجيبها بعدم فهم وهي تتسائل بحيرة
= اشيل إيه مش فاهمه؟
اقتربت مايسة منها هاتفه بامتعاض ظاهر على محياها
= تحملي يعني يا حبيبتي وتجيبي عيل إيه اللي مش مفهوم في كلامي، ولا تكونش في حاجه في السكه ومخبيه عليا هنحسدك يعني ولا إيه
هزت ضحي رأسها نافية وهي تجيبها بتوجس
= لا يا طنط الموضوع مش كده أكيد ما فيش حاجه زي كده، وبعدين هتحصل أمتي بس واحنا بقيلنا شهرين متجوزين لسه بدري على الكلام ده
أشــارت لها حماتها بعينيها هاتفة بجدية
= بدري من عمرك يا أختي بسمه ذات نفسها حملت بعد شهر جواز وفي اللي اقل كمان، خلي بسمه تاخدك للدكتور اللي كانت بتكشف عنده يعمل لك تحليل شكلك عشان لسه جديده في المواضيع ده فمش عارفه.. ما تبقي تفهميها انتٍ كمان بدل الرغي اللي عمالين تروغوا على قله فايده
تهدل كتفي ضحي وهي تقول بقلق واضح
= اكشف ايه؟ لا ما ينفعش اقصد يعني حاجه زي كده هحسي بيها وهاخد بالي من نفسي اكيد وانا زي ما قلت لحضرتك لسه بدري على الموضوع ده، دي حاجه بتاعه ربنا
نظرت إلى الإثنين بضيق شديد قائلة بتجهم ساخر
= هو انا كل ما اكلم واحده منكم هتقول لي دي حاجه بتاعه ربنا هو انا قلت حاجه؟ بس هيجرا ايه لو عملتي تحاليل واتاكدنا بدل ما لقدر الله ينزل واحنا مش واخدين بالنا .. ما تحضرنا يا منذر
ألتفت الإثنين إلي منذر الذي كان يقف في الخلف، ثم تفرس في وجههم متساءلًا باهتمام
= بتتكلموا على ايه وتحاليل إيه اللي عاوزه ضحي تعملها .
التفتت ناحيته هاتفة بغلظة صارمة
= حمل يا حبيبي امك عاوزاها تعمل تحاليل حمل بس مراتك مش راضيه بتقول بقيلنا شهرين متجوزين ولسه بدري وانا بقى مصممه عشان مرات اخوك بعد جوازها خلفت بدري بدري.. وانا عاوزاها تعمل تحاليل ولو طلعت ما فيش حمل اهو بالمره تشوف لو في حاجه كده ولا كده مستخبيه واحنا مش واخدين بالنا ونبقى عملنا حسابنا
أنصدم منذر من كلماتها، و زاد انعقاد حاجبي ضحي وهي تردد باستغراب
= تاخدي بالك من حاجه مستخبيه اللي هي ايه؟ هو انا ليه حاسه من كلامك كأنك بتقولي فيا عيب وانا مداريه عليكي
لوت ثغرها مبررة مقصدها بابتسامة غير مريحة
= مش القصد بس منذر سبق ليه واتجوز و خلف، يعني لو في عيب هيكون معلش في الكلمه فيكي انتٍ أكيد.. وانتٍ يعني عشان سنك كبير حبتين وفرص الخلفه بتقل للي زيك فالمفروض نحرس من أولها ولو في علاج كده ولا كده تاخديه ويسرع الموضوع ده يبقى كويس .
نظرت ضحي لها بصدمة، وبدت حائرة تبحث عن كلمات مناسبة ترد بها عليها بنفس اسلوبها الفظ معها والوقح لكنها كانت بلا حيلة مع شراستها الحادة، دهشت بسمة أيضاً من صراحه حماتها الزائده، و حاولت أن تهون عليها وأسرعت تقول مبررة
= طنط اكيد ما تقصدش كده يا ضحى هي قصدها يعني انها خايفه عليكي عشان كده عاوزاكي تروحي تكشفي عند الدكتور مش أكثر بس أن شاء الله مش هيطلع فيه حاجه
وقريب هتشيلي عيالك
اقتربت من بسمة بضجر، وهي تقول بصرامة
= جرى ايه انتٍ التانيه هو انا كنت عينتك المحاميه بتاعتي انا عارفه كويس بقول ايه واقصد ايه! معلش الحق ما يزعلش وانا خايفه على مستقبل ابني وبصراحه حاجه زي كده كان لازم نعمل حسابها اصلا من قبل الجواز ونكشف، بس نعمل ايه كل حاجه جت بسرعه
تابعها منذر بنظرات متعجبة، وهز رأسه قائلًا باستنكار
= أمي هو انتٍ بتقولي ايه ممكن تخلي بالك من كلامك ومعلش ما حدش يتدخل في حاجه زي كده تاني، دي حاجه تخصني انا وضحي بس وسواء بقى حصل ولا ما حصلش حمل احنا المسؤولين عن نفسنا ويا ريت ما حدش يدخل نفسه في حاجه ما لوش فيها
لطمت أمه على صدرها بعفوية وواصلت صراخها المتعصب
= نعم وبتقولها لي في وشي ما تدخليش في اللي ما لكيش فيه! انت سامع نفسك يالا بقى انا خايفه عليك دي اخرتها تقول لي ما لكيش دعوه
تبدلت تعابير وجه أبنها للضيق متمتمًا بخفوت ممتعض
= حقك عليا اكيد ما اقصدش كده بس معلش
في حدود لازم اعملها في حياتي وانا ما بحبش حد يتدخل في اي حاجه تخصني انا و مراتي ويا ريت الموضوع ده ما يتفتحش تاني! تمام
التفتت أمه برأسها لتراقب أوجه تلك العابثات المتواجدين حولها ثم ردت بسخط جلي
= ولو ما قلتلكش تمام ومش موافقه هتعمل ايه هتجيب العصايه وتمدني ما ده اللي ناقص
ما كنتش بتعمل كده أيام غاده رغم طوله لسانها، ولا هي السنيوره الجديده قوتك عليا
وقالت لك ما تدخلش أمك في حياتنا واي موضوع يخصنا
انزعج منذر من إلصاق أمه لكل موضوع يحل به بتلك الخائنه، وانزعج أيضاً من ثرثرتها المزعجة وأجاب بامتعاض
= امي انتٍ رديتي على نفسك قلتي حياتنا و موضوع يخصنا، مش عارف ايه اللي فيها لما اقول لك مش عاوز حد يتدخل في حياتي ولا تقعدي تقولي كلام يضايقها ومش شرط على فكره ان العيب يكون فيها ولا فيا حتى مجرد تاخير عادي مش لازم بقى نضايق بعض بالكلام
وبعدين انا مش قادر استوعب ان انتٍ بتتكلمي في موضوع خلفه واحنا بقيلنا شهرين متجوزين وقبل ما تقوليلي بسمه ولا غيرها مش لازم اللي يمشي على الناس يمشي كمان على مراتي، فلو سمحت عشان ما نجرحش بعض ما نفتحش الموضوع ده وسيبيها زي ما تيجي
جلست ضحي مستاءة على طرف المقعد تهز جسدها بعصبية مضطربة وعجزت عن التفكير بذهنٍ صافٍ وسط تلك المشاحنه التي تحدث حولها وشبه توجهت لها اهانه! لكن صمتت إحترام لزوجها بما أنه بدأ يدافع عنها.. لكن لا تعرف نهاية ذلك الحديث الذي طال دون مقدمات الى شجار، تنفست الصعداء لافظة زفيرًا عميقًا من صدرها وهي تراقب الأوضاع بحذر.
بينما بسمه شعرت بالفرحه وان هذه الفرصه المناسبه أن تتدخل هي الأخرى قائله ببراءة زائفة
= والله عداك العيب يا منذر حاجه فعلا تخص اثنين وما ينفعش تلات يخش بينهم حد مهما كان مين وليه؟
نظر حماتها نحوها بعصبية بسبب شعورها أن البساط أصبح ينسحب من تحت قدمها، ثم صاحت بنبرة متشنجة
= بتلمحي لإيه انتٍ كمان يا بنت متولي انتٍ الثانيه عاوزه تقوليلي ما لكيش دعوه بحياتي وما تدخليش كمان، ما انتوا خلاص لفيته على عيالي و بتقوهم عليا
توجست بسمة خيفة من غضبها لقولها الحق فما ترفض الاعتراف به بأنها شخص فضوليه يتدخل في شؤون الآخرين دون الالتزام بالحدود، ففكرت سريعًا في إجابة مقنعة وخرج صوتها مترددة وهي تقول
= جرى ايه يا حماتي هو انتٍ هتمسكي فيا انا ما قلتش حاجه وبعدين يعني على رايك الحق ما يزعلش ودي الأصول وكل واحد حر في حياته وبلاش فعلا نضايق ونجرح بعض اصل يا حماتي برده الحاجات دي بتضايق لما بتتاخر الناس تقعد تزن
اغتاظت مايسة من ردة فعل بسمة و منذر ومن عبارتهم تلك وكأنها تستنكر عليهم حتى التنفيس عن غضبهم وما يزعجهم منها، فاستشاطت نظراتها وصرخت بقسوة معنفة إياهم على تخاذلهم معها
= انا بزن! جرى لكم إيه انتم الاتنين كل ده عشان خايفه على مصلحه عيالي هتقلبوها عليا وتطلعوني واحده حشريه وبضايق و بجرح الناس.. بقي دي اخرتها طب يا استاذ منذر مش هتدخل في حياتك ولا اللي ما يخصنيش ثاني مره اي أوامر تاني
رفع منذر حاجبيه للأعلى مبديًا غضبة المكتوم وهو يرد باقتضاب
= ما تقلبيش الموضوع من زاويه تانيه انا مش قصدي ازعلك كل الحكايه بحاول ارضي الطرفين عشان ولا تتعبي حد ولا حد يتعب فخلينا كده أحسن.
نهضت ضحي على مضض من على المقعد مقتربة من البوتاجاز ثم مدت يديها تغلق على الطعام وبعدها التفتت لترحل للخارج واسرع منذر خلفها مما أغضب أمه بشده، معتقده انها تفعل ذلك حتى تلفت انتباهه لها وينسى والدته ويفعل كل أوامرها دون إعتراض.
لكن ضحي رحلت من امامها قبل ان تقول كلمه وتعود تندم بعدها، هي مازالت تحمل في صدرها ضيقًا نحوها بسبب صراحتها الزائدة معها عن أمر فرص الإنجاب وسنها الكبير من وجهه نظرها.. لذلك رمقتها بنظرات أخرى أكثر انزعاجًا قبل أن تتجاهلها كليًا ، وتتركها في مكانها وترحل .
رفعت مايسة حاجباها للأعلى بتفكير قبل أن تهمس بتبرم
= ما طلعتش سهله ده انا لازم احذر منك بقى! النهارده الواد بيقول لي ما تدخليش في حياتي آمال بكره هيقول لي إيه ؟!.
بينما تجمدت نظرات بسمة على نقطة ما بالفراغ وشردت تفكر بتعمق فيما حدث، و رددت مع نفسها بنبرة مغتاظة
= هي ما قالتش ليه ولا انتٍ كمان يا بسمه هتدخل في حياتك، طبعاً هي دي تقدر تستغني عن أبنها التاني من غير ما تحشر بوزها في كل حاجه! يعني هفضل كده طول عمري حشره نفسها في حياتي!
❈-❈-❈
علي الجانب الآخر أكمل معاذ عد ما بحوزته من أموال بسيطة قبل أن يطويها ويضعها في جيب قميصه الأمامي، فقد أخذهم من والده والذي حصل عليهم سراً مبلغًا زهيدًا من المال لكي يشتري ما يلزمه وناقص بمنزله، واليوم سيخرج مع أصدقائه الى أماكن جديده عليه بالاضافه الى أنه يحتاج الى وسيله نقل حتى يتحركون براحه دون تعقد بين الطرقات .
راقب أخيه بنظرات متفرسة وهو يخرج خلف زوجته، ليذهب إليه ويقطع طريقه هامس برجاء
= منذر كنت محتاج منك خدمه بس ما تقولش لابوك وامك ولا حتى بسمه كنت عاوز مفتاح عربيتك
نظر له باستنكار قائلًا باقتضاب
= نعم لا طبعا هو انت معاك رخصه ولا بتعرف تسوق؟ خذلك تاكس ولا اوبر و لما ربنا يكرمك ان شاء الله وتتعلم السواقه ابقى اديها لك
نظر حوله بحذر ثم وضع يده على رأسه وبدأ في حكها قائلًا بصوت متحشرج
= ومين بس قال لك ان انا مش بعرف اسوق
واحد من صحابي علمني وبقيت لبلب في السواقه وتعالى شوف بنفسك لو مش مصدق
أشـاح منذر بوجهه للجانب ثم نفخ بنفاذ صبر مرددًا بعصبية
= وبعدين يا معاذ دي عربية بحق وحقيقي و هتسوق وسط الناس مش لعب عيال، افرض لا قدر الله دوست حد ولا انت جري ليك حاجه؟ اعمل انا ايه وقتها ولا هخلص من امك وابوك لما يعرفوا ان انا اديتها لك وقتها، ما تفتحش عليا فاتحه انا مش قدها ومش ناقص وجع دماغ
تنهد بعمق بعدم اقتناع ثم قال مبتسماً بسخافة
= ما انت قدها بقى وبتعرف تسلكني في الموقف اللي زي دي على طول من صغرك! إيه الجديد يعني
وضع يده عفويًا على جيب قميصه، ثم أخفض نبرة صوته بحذر
= ما تبقاش رخم بقى وهاتها رايحين مكان جديد و هتسهل علينا الحركه وغير كده الاوبر ده ولا السواقين هياخدوا مني كتير لو قضيناها مواصلات و اللي معايا على قدي.. وما فيش غير عربيتك اللي قدامي اديها لي المره دي وهتكون آخر مره أوعدك
ضغط منذر علي يده بغضب مكتوم أثر كلماته التي اشعرته بالضيق والمرارة فبالفعل طوال الوقت كان هو من يتحمل مصائبه ويدفع الثمن بدلاً منه، ومن الواضح بأن الآخر قد تعود على ذلك، فهو يعرف أخيه جيد متهور في تفكيره الغير عقلاني ويضعه دائما على خط النيران والمواجهة المباشرة للخطر وهي مخاطرة غير محسوبة العواقب، لذلك أصر علي الرفض و صــاح نافيًا بنبرة عالية أجفلته
= قلت لا يا معاذ، واتفضل ابعد عني بقى عشان مش فاضيلك
سار منذر إلي بعيد ليكمل اللحاق بضحى وظل الآخر غير مقتنع بالحديث وهو مثبت عيناه عليه بغضب شديد وقبل أن يتحرك مبتعدًا هو الآخر تفاجأ بأن شقيقه ترك الهاتف المحمول هنا فوق السفره والمفاتيح أيضاً وكان من ضمنها مفتاح السيارة وهو لا يريد أكثر من ذلك .
❈-❈-❈
لم تتمكن ديمة من النوم وهي تفكر في حديث بسمه! فسلطان النوم لا يرحمها من عذاب اللوعه ويمنحها بعض الراحة لكن راحة بدون أن تراه تشعر كأنها الليلة الأولى من ليالي العذاب التي حکمت عليها بها علي نفسها.
توجهت نحو الخارج دخلت بهدوء مفرط مكتبة واقتربت ببطئ وعلي اطراف اصابعها
وقفت أمام البيانو وهو كان نائماً بالخلف فمن الواحد أنه نعس دون انتباه، رفعت سبابتها تضغط علي إحدى مفاتيحه وهذه المره لم تتحرك وتهرب كعادتها! لكن مع الأسف لم يستيقظ .
التفتت لتقترب منه وتتامل أياه كان يميل وجهه للبراءة عندما يكون مغلقاً عينه الحنونه،
أبعدت هذه الأفكار من رأسها ودنت عند وجهه
هامة بالتحدث لكنه وبحركة خاطفة سحبها
من رقبتها اسفله وهو يعتلي جسدها بثقله
فصدر ذلك صوتها المبحوح لتهلع ليضع يده على فمها مغلقاً لها ملتصقاً بجسدها الناصع البياض و خصلاتها استقرت تداعب طرف كف يد آدم وزرقاوتيها الفاتنة تنظران بحدقة ناعمة جعلت منه يرتعد من نظراتها لأول مرة! ثم هتف بصدمة
= ديمة!
هزت رأسها بخوف وقلبها ينتفض، تخدر للحظة حقاً كان منظرها مثيراً لغرائزه نظر لها بحرج واستقام مبتعدا وهمس باضطراب
= اهدي ما كنتش اقصد بس خضتيني؟ إيه اللي مصحيك لحد دلوقتي أصلا.. محتاجه حاجه
اعتدلت في جلستها محاولة التنفس بطبيعية
وهي تردد بتوتر
= محتاجه مساعدتك؟.
أبتسم بخفة لكنه قرر أن لا يظهرها واستدار
ناظراً لها بأستفهام لترفع بصرها تقوس فكها وشردت في هذه العينان السوداء وهذه اللحية السوداء الكثيفة تخصة.. وهذا الذي يداعب جيوبها الأنفية عطره الرجولية فدنت منه هامسة تُجيبه بصوتاً ثقيل وخطير عليه
= عاوزك تعلمني العزف على البيانو! ممكن
❈-❈-❈
في الاعلي بمنزل منذر، كانت تجلس ضحي فوق الفراش وبنفس الوقت كان يندفع هو مباشرة في اتجاهها ليضع قبضتيه على ذراعيها متساءلًا بتلهف وهو يضغط عليهما
= عمال أدور عليكي وفي الآخر طلعتي فوق
اوعي تقوليلي انك زعلتي من كلام أمي، معلش يا ضحى ما انا قدامك اهو قلت لها ما تدخلش
زادت ألمها الموجعة حينما سمعته يلفظ من بين شفتيه تلك الكلمات المتكررة في حياتهما اليومية، فبات كأنها نصل حـاد يخترق جلدها بقوة وهي تردد
= ولحد امتى؟ هتسكتها النهارده وبكره وبعده وطول السنين اللي هنعيشها مع بعض كمان؟ و اخرتها ايه يا منذر والدتك من غير حتى ما تخليني اكشف ولا تسمعني اتهمتني ان انا عقيمه وكل ده ليه عشان انت اصلا كاتب طفل ما لكش علاقه به باسمك ومفكر انك كده بتستر على واحده عماله تتمددي بغلطها ومش فارقه معاها اصلا سمعتها
عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول باستفسار
= مالك يا ضحي ايه اللي فتح موضوع غاده دلوقتي.. وبعدين انا وانتٍ فاهمين ان انتٍ مش عقيمه ولا حاجه
نظرت له و هي على وشك البكاء و رديت بصوت منخفض
= أنا مضايقة أوي يا منذر.. وانت لازم تصلح اللي بوظته، لازم ابن غاده ما يفضلش مكتوب باسمك والكل مفكر ان ابنك او حتى اهلك بس يعرفوا الحقيقه دي! فكره ان في طفل مكتوب باسمك وانا احق بده مجنناني ومش قادره اتقبلها
كان طلبها مصيبة عند قوله، فدومًا أي شجار عنيف ما بعائلته يكن طرفًا فيه ينتهي ضده مهما كانت النتائج والخسائر ورغم هذا حاول أن يسيطر عليها، فأردف قائلًا بحذر
=ضحى انتٍ فاهمه نفسك بتقولي ايه عاوزاني بعد السنين دي كلها وبعد ما استحملت ان هم فاكرني اب جاحد ومش بسال على ابني افضحها وافضح نفسي معاها، وبعدين حتى لو سمعت كلامك وعرفت اهلي بس، مش هخلص من كلامهم ولومهم طول الوقت ان انا ازاي عملت حاجه زي كده وهسمع كلام ومعايره مش هخلص من هنا لبعد ١٠ سنين دول لما يصدقوا يمسكوا لي غلطه
نظرت له بيأس وإحباط ثم صاحت به بصرامة حادة
= هو انا كل ما اطلب منك حاجه تقولي مش هينفع عشان كلامهم إللي هفضل اسمعه، ما هو الوضع ده مش هستحمله اكتر من كده يا منذر
وانت لو مفكر نفسك بتعمل عمل بطولي تبقى غلطان عشان ما ينفعش طفل مش من صلبك يتكتب باسمك، وبعدين انت بتفكر تستر واحده هي مش فارقه عليها نفسها اصلا و هتفضل تستغلك طول ما هي عارفه نقطه ضعفك.. وهي ما عندهاش اصلا دليل على كلامها لكن انت عندك .. بس طبعا كالعاده عامل حساب ناس ما لهمش داخل انهم يدخلوا في حياتك كانك لسه عيل صغير مش راجل كبير ومسؤول عن نفسك وتقدر تحط حد لكل واحد هنا
نظر لها شزرًا وهو يعقب بنبرة عنيفة
= ضحى خلي بالك من كلامك وشوفي انتٍ بتقولي ايه؟
وضعت كفيها على ذراعيه قائلة برجاء خفيف
=حقك عليا وما تفهمش غلط انا مش بعمل زيهم بس كده كتير عليا بجد وكل ما اطلب منك حاجه عشان خاطري تعملها اجابتك بتنرفزني أكثر لما تقول لي خايف من كلامهم لما يعرفوا يجرحوني مع ان هم كده كده مش ساكتين وخلال الفتره اللي قعدتها معاك اتاكدت ان انت كل اللي قلتهلي صح.. طب مستني اكتر من كده إيه مش فاهماك
أبعدها عنه بحده وسألها منذر بلهجة خطيرة
=رجعتي تاني لموضوع الدكتور صح؟ ما تفهمي بقى وتحاولي تتقبلي الفكره انا ما ليش علاج ولو الموضوع سهل كده كان اللي زيي انحلت عقدته من زمان!
نهضت ضحي عن الفراش وهي تقول بعد تنهيدة مطولة
=انا مش عارفه ليه مصمم ما تكشفش عند دكتور وتشوف حالتك إللي إحتمال تكون ليها علاج وانت مصر تدفن نفسك بالحياه، هتخسر إيه لو رحت كشفت يعني
مـــر بباله مقتطفات سريعة وومضات خاطفة من مواقف عديدة ثم أغمض عيناه بانكسار وتحدث بنبرة منفعلة بصوته الموجعة
=هخسرك انتٍ يا ضحى؟ ما تفتكريش انا مش فاهم انتٍ ايه اللي مسكتك عليا لحد دلوقتي رغم اللي عرفتيه ومخليكي مكمله عشان عندك امل ان اروح للدكتور ويديني علاج و أخف إنما لو قال نفس كلامي وانا ما ليش علاج هتسيبيني أكيد طبعا!
تنهدت بتعب وحدقت في بنظرات لامعة وتمتمت بحزن
=غلطان انا في الحالتين مش هسيبك بس مش عاوزاك تفضل كده عاوزاك تحاول بدل المره عشره كمان! مش عاوزاك يائس للحياه ومستسلم لتعنيف أهلك، وصدقني لو الدكتور قال بنفسه ان ما فيش امل في حالتك هوعدك مش هفتح الموضوع ده تاني ومش هسيبك وهرضي واعيش بنصيبي معاك كده
رد عليها بعدم اقتناع وهو يشير بعينيه المجهدتين بحذر
=بتتكلمي بجد ولا بتضحكي عليا انتٍ خلاص فعلاً هتكملي حياتك معايا وهترضي بالامر الواقع ومش هتسيبيني.. طب احلفي انك هتعملي كده
رمشت بعينيها وهي تسبلهما نحوه، ثم همست بنعومة
=والله العظيم يا منذر هكمل معاك حياتي طول ما انت بتحاول وتعافر تتغير ومش شرط يكون التغير انك تخف وتكون سليم انت نفسك تغير في شخصيتك
رفع سبابته في وجهها بشك بينما صائحًا بغلظة
= طب طالما هتتقبليني كده عاوزاني ليه اروح للدكتور هو انا وحش للدرجه دي ولازم اتغير ولا بتحاولي تجمليني في عينك عشان انتٍ زيهم شايفاني عديم الشخصيه ومش راجل
اقتربت أكثر منه ثم أومأت بعينيها هاتفه بنبرة رزينة
= منذر الراجل هو الأمان و السند و الضهر وكل حاجه، ولو مكنش سند ولا ضهر يبقى مش بيمثل حاجه في حياه الست! وانا بقول لك كده عشان ما تفتكرش ان الرجوله يكون معاك فلوس ولا أنك تعرف تقيم علاقه مع واحده! لا إلا على كده اللي بيغتصب واحده وياخدها غصب عنها المفروض نقول عليه راجل هو كمان! بس هو مش راجل صح .
هز رأسه ببطء دون رد، ثم مدت يدها لوجهه وكورت يدها حوله، و أخبرته بنبرة دافئة في ظل ذلك البرود القاسي، فلمست قلبه وتغلغلت فيه
= الرجولة إللي بجد أحلى من المال والجاه والجمال يا منذر.. تعرف الرجولة دي معناها ايه ؟! الأمان .. أي ست في الدنيا ما تقدرش تعيش من غيره وانت لو حققتلي ده يبقى مش هدور على اي حاجه تاني واقول ناقصاني
شعر بلمسة رقيقة من أناملها على وجهه فأصابته برجفة بسيطة بالاضافه الى كلامها المعسول الذي بدأ أن يؤثر عليه، أبتعد وفرك طرف ذقنه بكفه دون أن يعقب، وأبعد نظراته عنها نافخًا بتبرم فخفق قلبه بقوة وتسارعت دقاته عندما أضافت قائلة بجدية
= انت مش وحشه الحياه هي اللي وحشه و الواقع محدش وحش الناس اللي بيخلوا الواحد يحس انه كده بس الحقيقه محدش وحش
تساءل منذر هاتفًا بصوته الخشن
= عاوزاني اعمل ايه معاهم؟
ابتلعت ريقها بتوتر ثم أجابته ضحي بتردد
= حاول تتعود و تخلي في تبلد في مشاعرك لغايه ما خلاص مش هتزعل تاني الموضوع مش صح بس مفيش حل تاني للاسف و ربنا معاك.. ومن ناحيه تانيه تعمل اي حاجه في مصلحتك ومن غير تفكير جرب تفكر في نفسك بس بدل ما انت بتفكر فيهم وتشايل همهم وهم ولا في دماغهم.. يبقي أنت كمان ولا تحطهم في دماغك، وبطل توقف حياتك دي عشان بس خايف تسمع كلمتين انت بتسمعهم كل يوم وبيجرحوك والوضع هو هو كل يوم وما فيش تغيير.. لحد امتى يا منذر بس فهمني الوضع ده هيستمر.
ضغط على جرح قلبه الذي لم يندمل بعد بتكرار تلك الحقيقة المريرة، فحاول أن يلملم كرامته المبعثرة وهو يردف بألم
= احساس اليتيم صعب بس الأصعب ان احس اني يتيم
سألته بحيرة واضحة على محياها
= بس انت مش يتيم
فصاح منذر بصوت متألم
= لا يا يتيم يا ضحى الاسم عندي اهل بس وجودهم زي عدمه، انا نفسي من زمان أوي حد يحبني وكنت بتمنى ده، واديكٍ شايفه اللي حواليا بيعملوا ايه فيا
أشارت بيدها قائلة بقلة حيلة
= بس الحب مش امنيه يا منذر.. الامنيه أن الحب ده يدوم
صمت لحظة بتفكير ثم أجابها بتنهيدة حزينة
= تفتكري لو اتغيرت ممكن الاقي الحب اللي يدوم! ويبطلوا يقولوا ليا الكلام الوحش ده و يجرحوني
جمدت هي من تعابير وجهها، ثم ابتسمت ابتسامه بسيطه وأجابته بهدوء حذر وهي ترمش بعينيها
= عارف انا اكتشفت ايه؟ أن شخصياتنا هي اللي بتجبر اللي قدامنا يحترمنا يعني انا لو من اول يوم كان اي حد ضايقني بكلمه عن الجواز والخلفه وكنت رديت عليه بشخصيه عنيفه شويه واحرجته وخليته ما يدخلش نفسه في اللي ما لوش فيه كان غصب عنه عمره ما هيفكر يفتح معايا الموضوع ده تاني والوضع برده ليك.. لو من اول يوم ظلموك وابتديت تشيل الحمل كله عليك اعترضت وقلت لا ده كتير عليا وانا مش هعمل كده؟ كان غصب
عنهم هيشيلوا الحمل معاك..
نظر لها مطولًا، ولم يعطيها أي رد صريح.
بقت الأخيره على أعصابها مترقبة قراره النهائي، حبست انفاسها وظلت محدقًة به محاولة تخمين ردة فعله، وبعد أن طــال صمته قرر الرد بصوت مضطرب
= ماشي يا ضحي أنا موافق أروح للدكتور! بس على شرط لو قال حالتي ملهاش علاج ونفس كلامي ما تطلبيش مني الموضوع ده تاني اتفقنا .
ابتسمت ضحي بسعادة من بين عبراتها الساخنة ونظرت في اتجاه منذر الذي كان يطالعها بنظراته الحنونة، ثم قالت بأمل
= ما فيش حاله ما لهاش علاج أن شاء الله ومع ذلك اتفقنا.
❈-❈-❈
بينما في منزل شاهين، لم تتوقف زوجته عن الشكوى بابنها منذر وزوجته مما جعل الأخر
يرد بحدة صارمة
= ما خلصنا يا مايسة هو انتٍ شويه تشكري في البنت وشويه تانيه تشتكي منها! مش كانت مريحاكي وقدتي تقوليلي شكلها طيبه و هتطلع احسن من بسمه عشان مريحني في شغل البيت.. ما تقعديش تقفلها على الواحده وكبري دماغك من شغل الحموات بتاعك ده
وقلت لك بدل المره ألف ما تدخلينيش في حكايات النسوان دي انا ما فيش دماغ اسمعك
وقبل أن ترد تفاجأ بهاتفه يرن برقم إبنه معاذ،
أجاب مستغرب وهتف بضيق مزعوج
= معاذ! انت اهبل يالا بتتصل بيا وانت في نفس البيت معايا
جاء صوته مرتعش وهو خائف
=لا ما انا مش في البيت اسمعني وركز معايا من غير ما تتعصب! انا خرجت مع اصحابي من حوالي نصف ساعة ودلوقتي في القسم وعاوزك تيجيلي حالا وتعمل حسابك في مبلغ محترم
تابع قائلا بتبرير وهو يحاول أن يبدو صلب
ولا يبكي من شده الرعب
= لاحسن انا خبطت واحد غصب عني بعربيه منذر وهو دلوقتي في المستشفى؟ و واحد صاحبي اقترح أعرض عليه تعويض كبير عشان يرضى يتنازل عن القضيه.. بسرعه الله يرضى عنك يا ابويا انت اكيد مش هتسيبني اتحبس صح!
نهض شاهين بصدمة هادر بصراخ متعصب
= نعم بتقول إيه! ومين اللي اداك عربيه منذر وانت مش بتعرف تسوق .
❈-❈-❈
وفي نفس التوقيت بالأعلى استمعوا الى باب المنزل يدق، اعتقدت ضحى بأنها بسمه صعدت حتى تستعجلهم للطعام لكن عندما فتحت الباب تفاجات به غاده أمامها، ابتسمت ابتسامه عريضة هاتفه بخبث
= ازيك يا عروسه عامله ايه معلش بقى جت متاخر ما توسعي كده خليني ادخل ده كان بيتي برده في يوم من الأيام وبيت ابني كمان
زفر منذر مستاءً من تلك اللعينة التي أفسدت حياته بالسابق وما زال يدفع الثمن حتى الان، دنا منها ليقف قبالتها محدجًا إياها بنظرات مخيفة، صائحًا بصرامة آمرة
=انتٍ اللي جابك هنا اطلعي بره، هو انا مش قلت مش عاوز أشوف وشك تاني ولا انتٍ بتحبي تتهزئي كثير
أسرعت غاده بالدخول وإعتراضت طريقه لتمنعه من الرحيل وشكلت بجسدها حائطًا أمامه، ثم ردت عليه بوقاحة فجة
=الله، براحه على نفسك أصلك مش بتسال على ابنك ولا عليا بحكم يعني ان انا كنت مراتك في يوم من الايام قلت اجي بنفسي واعمل الواجب بالمره ابقى كده غلطانه
وقفت ضحي بالخلف تراقبهما بأعين ناريـــة، كادت تفقد السيطرة على نفسها بسبب ما تراه يحدث على مرآى ومسمع منها، ما جعل نيرانها تآكلها وهي ترددها بكل جرأة و وقاحه بأن ذلك الطفل إبن منذر وهي قبل قليل كانت تضيق من سماع ذلك ثم تأتي هي وتاكد لها و ذلك أصبح يثير أعصابها بشده، كيف تكون تلك المرأة كذلك حقا! وقبل ان يقترب منذر ليتحدث معها قاطعته وأشارت بكفها نحو الباب قائلة بوقاحة متعمدة
= لا معلش سيبلي انا بقى الطلعه دي عشان انا في حياتي ما شفتش بجاحه بالشكل ده، هي كلمه واحده؟ اياكٍ تقربي من بيتي تاني ولا من جوزي ولو شفتك صدقيني هندمك.. و يلا اطلعي بره
شهقت غاده مدهوشة من طردها لها، وحلت تشابك ساعديها هاتفة بحنق كبير
=ياما تصدقي خفت ويا ترى هتعملي ايه؟
هزت ضحي رأسها كعلامة تأكيدية على جوابها، ثم قالت صائحة بتهكم مسيء
=لا من ناحية انا هعمل فأنا هعمل كتير واقل حاجه هنزل اقول لحمايه ومراته ووالدك لو وجب كمان انك ست مش كويسه وكذابه و خاينه ولو عايزين يصدقوني يعملوا تحليل لابنك ويشوفوه إبن مين؟ وخليكي كمان حاطه في اعتبارك أن قريب جدا الولد ده مش هيفضل على إسم جوزي كتير
نظرت لها مبتسمة باستخفاف مزعج، ثم تحركت قبالتها قائله بثقة
= لو كنتي تقدري تعملي كده كنتي عملتي من زمان انتٍ زيك زي اللي وراكي ده، هتخافي لان انا برده هقول اللي عندي ومش هسكت وفضيحه بفضيحه بقى
هدرت فيها بنبرة قوية لا تحمل إلا الصرامة
=جوزي ما عندوش فضايح اللي عنده فضايح هو انتٍ واللي مفروض تخافي وتتكسفي على دمك وما تقربيش من المكان ده تاني وتحمدي ربنا أن وقعك في واحد زي منذر سترك! لكن انا بقى ليا رأي تاني وشايفه اللي زيك تستاهل الفضيحه واكثر طالما بجحه وقليله الادب و مش متربيه ومش مقدره النعمه اللي فيها ولا عاوزه تتلمي! اوعي تفكري أنك هتفضلي كده عايشه في الحياة طايحه من غير ما تتعاقبي انتٍ ربنا عمال يديكٍ فرصه واثنين وثلاثه وانتٍ اللي مش عاوزه تستغلي ولا فرصه لصالحك وتتوبي
نظرت لها غضب شديد حاولت اخفاءه وقد تقوس ثغرها بابتسامة متباهية
= وانتٍ بقى اللي هتيجي تلميني على اخر الزمن، اتلمي يا بنت بدل ما المك أنا، انتٍ ما تعرفنيش كويس واسالي جوزك ياما شاف مني أيام سوده
اغتاظت ضحي من طريقة تعاملها مع زوجها فردت بنبرة عدائية
= لا شكلك انتٍ بقى اللي ما تعرفنيش كويس وما سمعتيش كلامي ولا فهمتيني لما قلت لك اطلعي بره بيتي وما تغلطيش في جوزي مرة تانية.. بس انا هعرف اطلعك بمعرفتي
أضاء عقل ضحي بفكرة ما، ترددت للحظة في تنفيذها فعليًا لكونها شبه جريئة، لكنها ستساعدها لو قليلاً في ذعر الأخري اتجهت إلى الخارج ثم وقفت بين الدرج وبكل قوه صاحت بصوت جهوري
= يا عم شـــاهـيـن يا طنط مــايــسـه تعالوا شوفوا واتفرجوا بنفسكم على الفضايح وقله الأدب بتاعه الهانم اللي عامله فيها مؤدبه! وانها ام حفيدتكم وهي…
توجست الأخري خائفة عندما رأت منذر يقف مكانه ولم يتحرك شبر واحد ليمنعها! فما جعلها تتحدث بكل ثقه لأنها تعرف جيد بأن منذر يخشى الفضيحه اكثر منها، لكن تفاجأت به صامد وغير مبالاة هذه المره. تسارعت دقات قلبها خوفًا، وهتفت مذعورة
= ما تعمل حاجه انت هتفضل واقف كده دي هتفضحك وهتفضحني!.
التفت بوجهه بجمود رغم توتره لكنها أساءت له اليوم كثيراً وهو مل من الصمت على أفعالها الوقاحة، بل ابتسم لها ابتسامة متشفية فهي نالت جزاء ما تستحقه عن جدارة يكفيه رؤية ذلك الخوف في عينيها ليشعرها بقيمتها الحقيقية.
هدرت ضحي بصوت مرتفع يحمل الغل متابعة
= يا عم شاهين اطلعلي عشان تعرف الحقيقه حفيدك من طليقه ابنك يبقي مش ابنـ…
أحست غاده بتلك البرودة التي كست بشرتها، و بالشحوب المريب الذي سيطر على وجهها فصاحت بفزع
= لالالا، اسكتي، هيسمعوكٍ كده!
ركضت إليها بتلهف مذعور عندما يأست من أن يتحرك منذر ويمنعها، لتضع يدها على فمها محاوله اسكاتها وهتفت بتوسل منفعل
= بس اسكتي يخرب بيتك ده انتٍ فضيحه اخرسي خالص… كتك نصيبه أنا طالعه أهو بس اتكتمي.
اضطرت أسفًا أن تخرج للخارج وهي شبة تركض من الرعب والخوف بأن يصعدوا الى هنا وتبدأ تتحدث ضحي بكل شيء تعرفه عنها، فمن الواضح لم يكن مجرد حديث كانت ستفعلها بالفعل وتخبر الجميع عن ســـرهـــا .
تنهدت ضحي بعمق وهي تعود للداخل واغلقت باب المنزل بعد رحيلها، ثم دنت من زوجها لتقف أمامه محدقة فيه بنظرات مطولة أسفة على حاله البائس، ثم قطبت جبينها مرددة بتوجس
= ماتقساش! علي نفسك يا منذر والله اللي انت عامل لهم حساب دول ما يستاهلوا اذا كانوا؟ معلش في الكلمه اهلك ولا الهانم اللي كانت هنا من شويه وجايه بكل بجاحه تكمل استغلالها ليك.
هوي فوق الأريكة بالصالة باعصاب متوتره، و رد عليها بجدية مقلقة
=ماقدرش والله ما أقدر، طلبتي مني موضوع الدكتور و وافقت فما تطلبيش اكتر من كده.. انتٍ مفكره الموضوع سهل واللي عرفتي ولا شفتيه حتي دي حاجه بسيطه من اللي بتحصل لي دائماً وكل يوم.
وضعت يدها على كتفه، ثم بدأت في تدليكه برفق كمحاولة منها لتهدئة أعصابه المشدودة، وهي ترد بهدوء
= هناخدها واحده واحده وهنكون مع بعض! مش انت كان همك الوحيد حد يهتم بيك و يكون جنبك ويسندك انا اهو موجوده.. بس ما تستسلمش ولا تيأس تاني عشان خاطر ربنا
شعر بأناملها الرقيقه بفقراته المتيبسة فاسترخى كتفيه إلى حد ما، لكن بقي أعصابه متوترة، أغمض عيناه براحه ليقول هامس برجاء
= هتستحمليني يا ضحى.
أومــأت بالإيجاب قائلة دون تفكير
= هستحملك يا منذر.
رفع منذر أنامله يدعك عينه بقوة أثر الدموع التي تساقطت رغم عنه وهو يشعر بالراحه أثر كلماتها، لتتسائل ضحي بحذر
= منذر هو انا ممكن أسألك سؤال وما تفهمش غلط؟ بس هو انت ليه لما عيونك بتدمع بتدور وشك عني وتفضل تدعك فيها جامد عشان تمسحهم
بادلها نظراته بحرج، وهتف معتذرا
= عشان الطبيعي ما فيش راجل بيعيط لا إلا هيكون رجل مش كويس وذي الستـ…
نظرت له مستنكرة عقليه تلك العائلة الدائمه فردت بجدية
=هشش بس ما تكملش ايه ده مين قال لك الكلام الاهبل ده، لا طبعا الرجاله بتعيط عادي زيها زي الستات حد كان قالهم أن الراجل الة يعنى دة انسان.. اصلا اللي مش بيعيط ويحس يبقى حيطة او جماد من حقك تعبر عن حزنك وغضبك، والمفروض تفرح انك لسه جواك قلب أبيض وبتحس مش قسيت علي نفسك بسبب شويه عادات وتقاليد
عقد حاجيبة بدهشة كبيرة من كلماتها التي اشعرته بالاعجاب و الاستغراب أيضاً، فتفاجا من ردت فعلها حقا ولم يتوقع بانها لم تشعر بالاشمئزاز والنفور عندما كان يفعل ذلك مثلها مثل الآخرين، ليقول غير مصدق
= هو انتٍ مش بتضايقي خالص في ولا مره عيط قدامك غصب عني ! أصلا بابا وغاده لما كنت بالصدفه قدامهم بعمل كده كانوا بيقولوا كلام يعني صعب وان انا ما ينفعش اعيط
هزت رأسها برفض ثم أومأ بعينيها مرددة بنبرة ذات مغزى
= احنا قلنا إيه من شويه يا منذر مش هنفكر في كلامهم ولا هنهتم غير لمصلحتك واللي انت عاوز تعمله اعمله طالما مش غلط ولا حرام، خلص كل عياطك حتي لو هتعيطي كل يوم وكل شوية طبيعي تبقي متأثراً انت بني آدم… وما فيش إيه قرآنية ولا حديث بيقول ان بكاء الراجل حرام مش كده؟ يبقى ليه تمنع حاجه ربنا حللها.. عيط يا منذر وما تشغلش دماغك بناس فاضيه حتى لو عاوز تعمل كده قدامي انا بس هكون سرك من أول النهارده لطول العمر.
هز منذر رأسه بتعجب قائلاً ببطء
= عندك حق؟ بس انا مش عاوز اعيط دلوقتي تاني! لما اعاوز يبقى اعمل كده انما دلوقتي لأ مش حاسس اني عاوز اعيط
صمتت للحظة تستوعب كلماته وحديثها للتو وكيف كانت تضغط عليه ليبكي، ثم ضحكت بلا مقدمات مما جعل الأخر يستغرب فعلها ذلك، وأطال النظر نحو قسماتها المتوردة وهي تبتسم ليقول بدهشة
= بتضحكي على ايه؟
أوقفت ضحكتها بصعوبة وهي تقول موضحة
= اسفه والله مش قصدي بس انا حسيت فجاه كاني بضغط عليك عشان تعيط مخصوص! و هي أكيد حاجه مش بتبقى عاوز تعملها دي مشاعر بتطلع غصب عشان تخفف عننا.. بس انا مش فاهمه ليه خدتني الجلاله أوي وبقيت عماله اقول لك عيطي يا منذر
صمت بتفكير مثلها و عندما تذكر طريقة حديثها انفجر ضاحك من طريقتها المحاكية معه ولم تستطع ضبط نفسها هي الأخري فواصلت ضحكاتها اللاهية، نظرت له بأعين لامعة محاولاً حفر تلك الصورة المشرقة و المبهجة لوجهه في مخيلتها لتخترق حواسها وتلهب مشاعرها أكثر نحوه دون وعي، لكن لماذا؟!. سؤال مباغت ضرب بنواياها عرض الحائط فهي لأول مره تشعر بهذا الاحساس تجاهه لا تعرف كيف ولماذا بعد كل ما حل بها من تحت رأسه ولكن شعرت برجفه غريبه تسري بجسدها وهي تراه كذلك سعيد لأول مرة، ثم علقت قائلة مبتسمة
= تعرف أن دي اول مره اشوفك بتضحك من ساعه ما اتجوزنا؟! يعني متهيالي لو قلت الكلام ده لحد هيجيب الحق عليا ويقول لي انتٍ اللي منكده عليه
تردد بذهنه كلماتها أنها لأول مره ترى ابتسامته فهو بالفعل لم يكن يبتسم او يضحك من قبل وكيف لم يلاحظ عليه احد ذلك، دائما يبكي ويعاني منهم فقط، رفع عينيه ينظر لها بألم ثم هتف من بين شفتيه بمزحة مؤلمة وصوته متحشرج اثر الغصه المريرة التي سرت بحلقه
= يا ستي ولا منكده ولا حاجه انا اصلا من قبل الجواز ولا بضحك ولا ببتسم حتى، انا نفسي مش فاكر اخر مره ضحكت امتى.. حاجه غريبه صح !.
تلاشت ابتسامته تدريجياً ثم صمت فوق صمتها ليعم السكون من حولهم الا من صوت انفاسه العنيفه فقد كان صدره يعلو ويهبط وعيون تترقق بها الدموع من جديد! لتسرع قائلة بصوتها الهادئة الذي يملؤه الاسف
= متهيالي انك كده هتعيط فعلا! وانا مش عاوزه كده بعد ما شفتك بتضحك و صدقت اشوفك فرحان شويه .
شعر بحاله ألم وخوف وقد اقشعر جسده من حديثه عن ذكرياته البشعه من أهله حوله تنفض تلك الأفكار عن ذهنه فهو لا يتحمل تخيل اذا كان منتبهين الى ذلك أم لا كالعاده
جائت أناملها تحيط بوجنتيه وتمسح دموعه برقه نازعه اياه من دوامه افكاره، كانت تهم بسؤاله ولكن هو لم يعطي لها فرصه مباغتاً إياها بحركه مفاجأه حين امتدت انماله خلف رأسها تتخلل اصابعه خصلات شعرها ليتحكم بها قبل ان يجذبها بداخل احضانه و يسند رأسه فوق صدرها يضمها له بحمايه واخذت هي علي الفور تربت فوق شعره بحنو نزولاً بظهره علي طول عموده الفقري في صمت تام لم يخلو من اصوات انفاسهم المتصاعده اثر تقاربهم.
وكأن هذا ما كان يحتاجه ليهدأ ثوره افكاره قليلاً و اوجاعه بداخل احضانها وهو يري تلك النظره من عينيها، شعوره بتلك الراحه والهدوء الروحي يذوب إياه بين يديها واحضانها هي فقط لا غيرها، وهو يضم جسدها كالغريق الذي يتشبث بطوق نجاته، فكلما شعر بألم أو حزن يبحث عن أحضانها كالطفل الصغير وفكر ربما ستكون ضحي طوق نجاته بحياته القادمة..!!
** ** **
يتبع…
لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)