روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الثالث 3 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل الثالث 3 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الثالث

رواية قابل للكتمان البارت الثالث

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الثالثة

الفصل الثالث
_________________
في منزل فوزي والد ضحي، و بداخل غرفة ضحي كانت تجلس في الغرفة تحاول خلع الوشاح من فوق شعرها وتلتقط الدبابيس منه و توخزها بداخل قطعة من الأسفنج الملون أمامها وهي شارده في عرض الزواج من ذلك الأستاذ زميلها بالمدرسه، حيث ما ألقي ذلك الأستاذ عليها من كلمات ليس بالشئ الهين.
الأمر بات صعب حقا كانت تتمنى باي لحظه أن يتقدم إليها اي شاب وستوافق على الفور فهي
بدأت فرص خطبتها تتضاءل مع مرور كل يوم، فيما كان كل من حولها لا يرحم بأسئلتها و فضولهم، مما جعلها تشعر وكأن الأمر بيديها؟ بيديها تختار الشخص المناسب؟ و بيديها أن تتزوج في أسرع وقت ممكن؟ وبيديها تسير الحياة كما تريد!
لديها يقين كبير بنسبة 70% أو ربما أكثر أن هناك فتيات يتزوجن لسبب واحد فقط، وهو للتخلص من أحاديث الناس عنهن، وليس لأنهن يريدون الارتباط نفسه، وفي بعض الأحيان يضطرون للتخلي عن حقوقهم البسيطة حتى تسير الأمور بسرعة و يتزوجوا… وهي على يقين أيضاً أنهم لو أسكتوا الناس وأسرهم دون التدخل في حياة الآخرين، ستكون الحياة أفضل للجميع، وخاصة للفتيات.
أخفضت رأسها بيأس وإحباط ولم تستطيع الإنكار فهي أيضا باتت مثل تلك الفتيات تريد الزواج لاسباب أخرى خارج نطاق المعقول، تريد الارتباط حتى تتخلص من لقب عانس!
تريد الارتباط حتى تتخلص من احاديث الجميع حولها ومن ضمنهم أهلها! تريد الارتباط حتى تتخلص من الاستيقاظ على شيجار جديد بين والدها ووالدتها! تريد الارتباط حتى لا تضيع فرصتها في الإنجاب! تريد الارتباط حتى تكون عروس وتجرب فستان الزفاف مثل اي فتاه تحلم بذلك اليوم! تريد الارتباط حتى عندما تجلس في أي تجمع أسري لا يلقوا عليها من كلمات مسمومة! لا يعلم احد غير الله كيف تعاني منها طوال الليل .. و تريد الارتباط حتى لا يمر العمر بسرعه أكبر وتجد نفسها وحيده في هذا العالم الذي لا يرحم النساء العازبات .
لكن أليس يقول الواقع أن الارتباط يكون عندما نجد الشريك المناسب والزوج الصالح لنا والحبيب الذي نكون على يقين بأنه مستعد يقود باقي العمر معآ دون أن يرحل ويتركنا في منتصف الطريق ويغدر بنا، ويكون سند وأمان لنا.. أليس من المفترض أيضا أي فتاه مقبله على الزواج تفكر في المسؤوليه الصعبه التي في انتظارها قبل أن تفكر في التخلص من لقب عانس .
هزت رأسها بيأس والدموع تملأ وجهها فكيف وصلوا الى هذا التفكير الغريب، أيكون العيب بهم أم في المجتمع؟
أزدردت ريقها بملامح متألمة تفكر هل تخرج الآن وتخبر والدها بان يوجد عريس سيتقدم لخطبتها قريباً أم تنتظر وتفكر بجديه أكثر! لكن يجب ان تضع في الحسبان بان الفرصه لا تأتي مرة أخرى.. رفعت رأسها لتنظر الى المراه بخجل وحزن من نفسها فهل ستفرط في حقوقها بالفعل وتتنازل! فاذا كانت ستتنازل قبل الزواج فماذا سيكون بعد.
وفجاه بدأت تتعالى اصوات خناق والدتها و والدها كالعاده من الخارج بصوت عالٍ
= انا مش قلت لك يا هانم تقوي القميص ده عشان عاوز اخرج هو انتٍ خلاص ما بقتيش تسمعيلي كلمه في البيت ده .
تنهدت بقله حيله ونهضت تغلق الباب عليها
وضغطت بيديها فوق أذنيها بقوة لا تريد سماع صوتهم! فهذا يجعلها تشعر بالضغط أكثر و الاستسلام الى رغبه الزواج حتى تتخلص من تلك المعاناة وترتاح … وكأنها على يقين تام بان الزواج بذلك الوقت من ذلك الشخص سيكون الراحه إليها وليس الدمار .
❈-❈-❈
في المساء، كان آدم يجلس بجانب إبن عمه حسنين في الصعيد بالخارج أمام الاراضي الزراعيه، فهو كل حين وآخر يأتي لزياره اقاربه الذي يسكنون بمسافه ليست قليله عنه، ارتشف الشاي قبل أن يعقب متسائلاً باهتمام
= وبعدين يا ولد عمي ناوي تفضل كده طول العمر لوحدك ولا إيه؟ موضوع بنتك وعملت اللي عليك وزياده واديك بقيت متاكد وعارف اللي فيها انها عمرها ما هتقرب منك وتعتبرك أبوها رغم أنك مش مخليها محتاجه حاجه.. يبقى بقى تعمل اللي ربنا امرنا بيه وتشوف نفسك وبلاش تظلمها اكتر من اكده .
رفع آدم عينيه إليه بغرابة و سأله بعدم فهم
= مش فاهم يا حسنين قصدك ايه .
تنهد بعدم رضا علي حاله قبل أن يتحدث بجدية
= قصدي ان انت تتجوز وتشوف حالك يا آدم! طالما بنتك الوحيده ما بقتش عاوزك في حياتها وكرهتك يبقى اعمل عيله غيرها و اتجوز وخلف كمان، ولا هي حاجه عيب ولا حرام
أتسعت عيناه باستنكار وهتف قائلاً بخيبة أمل
= اتجوز وأخلف بس إيه يا حسنين بعد ما خلاص قربت علي الأربعين! انا عارف انه مش عيب ولا حرام بس الموضوع عندي يختلف وبعدين انا نسيت الجواز ده من زمان هاجي اعمله دلوقتي .
هز رأسه بضيق وغضب منه و تتمتم بصوت جاد
= اذا كان اللي عندهم 70 و80 سنه بيتجوزوا انت لسه هتفكر يا آدم كفايه عمرك إللي ضيعته في المحاكم ورا بنتك عشان تثبتلها انك اب كويس وتستحقها وفي الآخر خسرت وهي بعدت عنك وأنت عمرك بيضيع وبقيت لوحدك، ما تبصلهاش بالسن يا ادم انت محتاج فعلا واحده في حياتك ومحتاج كمان اولاد عشان يعوضوك عن بنتك كفايه حرمان لنفسك مش فاهم اصلا رافض الفكره ليه ما انت الحمد لله معاك اللي يقدر يخليك تتجوز بدل الواحده إثنين يبقى ايه اللي يمنع
حاول أن يهدأ حاله ليهدأ أيضاً قلبه الذي ينبض بقوة، و قال بصوت حزين للغاية
= العيب فيا أنا يا أبن عمي! ما بقتش قادر على فكره ان ادخل حد في حياتي واظلمه.. و بعدين عيال ايه اللي هاجيبهم وانا في السن ده و هلحق افرح بيهم واربيهم امتى ولا هيفضل مكتوب عليا اخلف وملحقش افرح بعيالي قدام عينيا ويتربوا بعيد .
هز رأسه يائسًا من صديقه و إبن عمه “آدم” ، و رد بجمود
= استغفر ربنا يا آدم العمر بيد الله انت مالك متشائم أوي كده، ما انا ياما زمان كنت بتحايل عليك وكان دايما جوابك لما اخلص من موضوع بنتي واهي كبرت و فضلت بعيد و انت كمان كبرت وفضلت لوحدك.. وبعدين زي ما بتبص لقدام بص كمان من ناحيه تانيه انك هتكبر وتعيش وبعد الشر يعني عنك هتموت لوحدك يبقى ليه يا ابن الناس! ما تجيب واحده تشيلها همومك وتساعدك وصدقني الحل انك تتجوز ويبقيلك اولاد ثاني هم اللي هيعوضوك شويه عن بنتك اللي قدام عينك ومش طايلها.. وبعدين هتكون اول ولا اخر واحد يعني يتجوز ويخلف في سن الاربعين ما تيجي تسمع العجب عندنا في الصعيد.. ده ساعات ربنا بيطول في عمرهم وبيشوفوا أحفاد احفادهم كمان
زفر بحنق متأففًا من محاصرته وقبل أن يرد بالرفض التام صمت دقائق وبدأ يفكر بحديثه الأخير فهل بالفعل سيظل ويموت وحيد دون أن يرعاه أحد ويكون جانبه فهو بدأ أن يفقد الأمل في عوده ابنته له بعد أن سيطرت عليها خالتها من كل النواحي، ويجب أن يكون صريح مع نفسه إحتمال كبير ان تظل ابنته طول الحياه بعيداً عنه.. ضيق آدم عينيه بدهشة هاتفاً بتوتر شديد
= طب يعني حتى لو سمعت كلامك مين دي اللي هتستحمل تتجوز واحد زيي على طول حزين و متشائم من كل حاجه حواليه .
أجاب حسنين و الفرح يرسم بسمة تملئ ثغره بعد أن بدأ يلاحظ تأثره بحديثه هذه المره أخيراً
=ولاد الأصول كتير أنوي أنت بس وانا اجيبلك بدل الواحده 10.. وإذا على حزنك والحاله اللي انت دخلت نفسك فيها بارادتك وياما حاولت معاك تطلع منها وانت اللي سايب نفسك، بكره ده كله هتنساه اول ما تشوف بنتك ولا ابنك بين ايديك وهم بيكبروا .
شعر بغصة علقت في حلقه و قلبه يخفق بقوة من كلمات إبن عمه التي اثرت فيه ذلك الحلم الذي تمناه كثيراً بشده! رغم انه تحقق يوماً ما ولديه الآن طفله لكنها لا ترغب بوجوده جانبها ولم يعيش معها لحظات الابوه ان تكبر امامه ويرعاها وتناديه بابي، يا الله كم عاش معاناه كبيرة وهو يحارب الجميع علي امل أن ينتصر في النهايه ويحصل على ابنته لكنه مع الاسف خسر الكثير.. لكن هل من الممكن أن يعود و يشعر بتلك الأحاسيس التي افتقدها مع ابنته الأولى وينجب طفله اخرى غيرها ترغب بوجوده .
زفير حار اخرجه بقوة وهو يتطلع الى السماء الغائمة بشرود
= معقول الحلم ده ممكن يتحقق بعد السنين دي كلها ويبقيلي طفل من تاني.
مسح على وجهه بيده بضيق شديد صحيح لم تكن تلك المره الوحيده التي يفتحه بموضوع الزواج والانجاب وأن يكون له أسره من جديد لكن تلك المرة ظل يفكر مرات عديدة حتي شعر بذبول جليّ علي ملامحه، وهتف بهمس جارف
= الله يسامحك يا حسين بعد ما كنت خلاص نسيت الجواز والخلفه واتلاهيت في همي من بنتي الوحيدة، هتخليني ارجع من تاني وافكر بالاولاد .
❈-❈-❈
في اليوم التالي بداخل المنطقه كانت اصوات الأغاني والفرحه تنبعث من ذلك حفل الزفاف، وذهبت ضحى لتبارك وتهني فشقيق العريس يكون زوج نرمين صديقتها وعندما وصلت ضحى جذبت علي الفور صديقتها الى جانب حتى تتحدث معها بموضوع ذلك العريس لعلها تريح تفكيرها وترشدها الى الطريقه الصحيحه .
تغَّضن وجه نرمين بالصدمة الكبيرة قبل أن تهتف بغضب شديد
= لا ده انتٍ باين عليكي اتهبلتي خالص يا ضحى! عايزه تتجوزي واحد شارط عليكي ان بعد ما يتجوزك هيتجوز تاني عادي! وانتٍ المطلوب منك توافقي على الشرط ده غصب عنك ليه ان شاء الله معيوبه ولا ماسك عليكي ذله .
عضت ضحي شفتيها تجلي حنجرتها بحثا عن كلمات تسعفها لمحاورتها قائله بتوجس
= وطي صوتك يا نرمين انا ما قلتلكيش ان انا وافقت انا لسه بفكر .
في ذلك الأثناء كان منذر يمر في الطرقات يبحث عن المرحاض وعندما انتهي تحرك ليعود الى الأسفل حيث الزفاف فشقيق العريس يكون صديقة وهو من عزمه على الزفاف، وقبل ان يخطي خطوه للخارج استمع إلى أصوات مبهمة تأتي من الداخل، كانت أصوات عاليه قادمه من الداخل توقف بفضول ليرى ما الذي يحدث و اذا كان يريد احدهم المساعده!. لكنه تفاجأ بفتيات يقفون و يتحدثون ومن بينهما أحدهم يتحدث بصوت عالٍ.
= تفكري في ايه يخربيتك ما الجواب باين من عنوانه، ده حتى ما استناش أنه يتجوزك وبعد كده يفكر في واحده ثانيه! لا ده قبل ما يتجوزك بيعرفك أنه راجل عينيه زيغه و ما بيملاش عينه ست واحده! مالك بتبصلي كده ليه عشان بقول لك الحقيقه ما هي ملهاش معنى غير كده؟ مش هختلف انه مش بيعمل حاجه عيب ولا حرام وده شرع ربنا احسن ما يروح يعاشر واحده في الحرام زي غيره.. بس يا حبيبتي هو بيعمل لنفسه حاجه تشفع له ومش هتفيدك لكن هو ولا فكر في مشاعرك
ولا انك بنت بنوت وما سبقش ليها الجواز ولا الكارثه الثانيه اللي انتٍ ما فكرتيش فيها انه عنده 40 سنه وما عندوش اولاد خالص و احتمال يكون هو اللي بيرفض الموضوع عشان يقعد يبدل الستات براحته من غير أزمات !.
ازداد تجهم نرمين وهي تضيف باستياء
= انا مش فاهماكي بجد يا ضحي الموضوع باين من اوله لاخره غلط وانتٍ لسه بتقوليلي هفكر هو للدرجه دي ضغط أهلك و الناس عليكي في وقت طويل من حياتك علشان تتجوزي ممكن يوصلك انك تتنزلي التنازل ده وتيجي على نفسك وتعملي حاجه انتٍ رافضاها ؟.
ضجت ملامحها بوجع لا يطاق وآلمها قلبها لفكرة المواجهه لما تمر به من قسوه المجتمع بل شعرت بقلبها يذوب اكتواءً بنيران، أشاحت ضحي بوجهها عن مرمى بصر صديقتها وردت بخفوت دون أن يرف لها جفن
= مش موضوع تنازل وبس يا نرمين! دول بقوا يؤذوني نفسيًا وهم عارفين كده وبرده بيضغطوا عليا؟ تعبت و زهقت من كلمه مش هنفرح بيكي بقي يا حبيبتي؟ ولا الجملة اللي نفسي الغيها من القانون الإنساني«هما الناس عميوا ولا ايه ما شاء الله عليكي ده انتٍ قمر» ده انتٍ دخلتي التلاتين يا خرابي ده انتٍ كسرتي التلاتين، خلي بالك البنت زي الزهره لو دبلت خطابها بيقلوا.. هم الرجاله اتعاموا ولا ايه؟ معلش.. انا قلقانه عليكي الحقي اتسطري
خايبه مش هتعرف تعيش مع ولادها دي لو لحقت اصلا تخلف!
نغزها شعور الألم البالغ معاودًا الخيبة على هيئتها لأن بالنسبة لها الأمر نفذ صبرها ومع ذلك نظرت بعينين معذبتين إلى وجهها تحاول التحلي بالصمود الذي دائما تمثله أمام الجميع
رفعت ضحي يدها تمسح دموعها الخائنة
وبدأت تتحدث بصوت باهت عن ذلك الألم بين طيات روحها
= عاوزاني بعد كل الكلام ده بقى اعمل ايه ويكون موقفي ايه؟ مش بإيديا على فكرة ان انا عديت ال 30 وكمان داخله على الاربعين وما فيش حد بيتقدملي ولا اتجوزت ولا اتخطبت.. بيالمني الضغط من الناس والنوعية دي من الأسئلة؟ هما بيحاسبوني على آقدار مش بتاعتي ولا بايدي !!
كان منذر مزال يقف ويستمع الى الحديث رغم أنه تأكد لا أحد يريد المساعده لكن لا يعرف لما لم يرحل وظل مكانه خلف الحائط وقد بدأ يشعر بالفضول أكثر ليعلم آخر الحديث، بينما ملقيا بنظره جانبيه لـ” ضحي” التي كانت تقف تبكي بشدة.. توتر قليلاً من ان يراه احدهم و حينها سيكون في موقف محرج، لكن تجمدت نظراته عليها وهو يرى ملامحها واضحه، لم تكن عينه زائغه يوماً ولم يلفت نظره أي إمرأه مهما كان جمالها.. ولم يكن شخص فضولي يتدخل في حياه الآخرين!
ولكنه لن ينكر إنجذابه للاحاديث الدائره بينهما عن هذه الفتاه ولا يعلم لما؟ أبتسمت بإنكسار وترطبت عينيها بفعل الدموع وهي تتابع حديثها بتحشرج
= شوفي كده أي قعدة منزلية فيها ولد و بنت
هتلاقيهم بيقولوا للولد تحب تطلع إيه يا حبيبي لما تكبر؟ البت بقي مش بيسالوه على طموحها بيدعوا لها تكبر وتتستر ومهما نجحت مهما عملت هتلاقي دايما اللي يقفلك وتقول لك؟ يا شيخة بلا خيبة مش هيفضلك غير بيتك وجوزك مهما نجحت مهما عملت مهما كافحت؟ في الآخر برده لو ماتجوزتش هيقولوا باىِرة و فاتها القطر.. ولسه بعد كل ده بتساليني ليه ضغط الناس و المجتمع ما اثر عليكي عاوزه بعد كل ده ما ياثرش عليا ازاي ؟..
رمقتها بضعف شديد ومالت شفتاها في ابتسامة مريرة وهي تتابع ببطء ثقيل
= يا نرمين انا تعبت حقيقي، تعبت من كل حاجه واللي تعبني اكتر الموضوع مش بايدي وبتحاسب عليه؟ بتحاسب عشان عديت سن ال 30 وما فيش عرسان يتقدموا ولا اتجوزت !!.
شعرت نرمين بالعطف نحوها تعترف بانها كانت قاسيه معها رغم انها تعلم ما الذي تمر به لكنها لا تريد ان تقع نفسها في كارثه وتندم بعد فوات الأوان لذلك كانت حاسمه معها، ربتت علي كتفها بحنو كنوع من الدعم قائله بتأثر
= بس يا حبيبتي خلاص ما تعيطيش، سواء عديتي ال 30 ولا لسه في العشرين حتي! الكلام ده هنسمعوا وانا كنت زيك وما فيش بنت في المجتمع ده هتعدي غير لما تسمعلها كلمتين يسدوا بدنها ومعاكي أن كل ما البنت تكبر الكلام بيزيد ويتعبها اكتر.. عشان كده الحل في ايدينا إحنا ما نسمع لهمش انتٍ اتجوزتي ولا اتطلقتي هيتكلموا.. هيتكلموا بلاش تتسرعي عشان بس شويه كلام مش بيخلص.. مش جايز يكون في نصيب كويس مستنيكي قدام بلاش توافقي تدفني نفسك بالحياه
ابتعدت قليلا وهي تقول بإحباط شديد و الدموع تملأ وجهها الذابل
= والنصيب الكويس ده هيجي امتى هو انا كل ده ومش مستنيه يا نرمين انتٍ عارفه انا بقى عندي كام سنه دلوقتي هستنيه اكتر من كده إيه! وبعدين جو ما حدش عارف اللي جاي ايه واكيد اللي جاي احسن وبلاش تستعجلي هو اللي جايبني ورا وبيحصل في الافلام والمسلسلات انما على ارض الواقع اللي نحن عاوزينه مش بيحصل .
استدارت تنظر لها هاتفة بإصرار وغيظ
= وعشان مش بيحصل نرمي نفسنا في النار بايدينا ونرجع بعد كده نعيط ونقول ليه بيحصل لنا كده بس يا ضحى بطلي هبل انا متاكده ان انتٍ لو وافقتي على الهبل ده هتيجي بعد اسبوع واحد وهتضربي نفسك 100 جزمه انك وافقتي.. يا بنتي ما تفوقي ده مش موضوع واحد مش عاوز يغضب ربنا ولا صريح معاكي من الاول وبيقول لك اللي فيها ده واحد عينه زيغه ومش مريح ولو وافقتي على زوجه واحده هيجيبلك الثانيه والثالثه بعد كده وهتكوني في حياته على الهامش غير موضوع الخلفه اللي انا متاكده اصلا وشاكه فيه انه هيمنعك منه اما انتٍ بنفسك قلتلي لسه بيقول لك في شروط تانيه هيقولها لك بعد ما الموضوع يدخل في الجد؟؟ و لما هي اولها كده بيقول لك هيتجوز عليكي امال بعد كده هيشرط عليكي بايه وبعدين اصلا إيه يشرط عليكي دي وليه .. هو مش الجواز برده إتفاق بين الإثنين مش واحد يشرط والثاني ينفذ
وقفت ضحي أمام صديقتها صامتة، الحزن والحيرة واضحة عليها عينيها أحيطت بهالات تعب، العذاب غشي على وجهها الذابل لتظهر كوردة مكسورة.. ومستسلمه!. هزت نرمين رأسها بعدم استيعاب بأنها بعد كل ذلك الحديث ولم تؤثر عليها وهتفت بنبرة حادة
= يا نهار ابيض انتٍ لسه بعد كل اللي قلته بتفكري وساكته ضحى اعملي اللي انتٍ عاوزاه دي حياتك مش حياتي.. انا مالي انا حذرتك وانتٍ حره بس ما تجيليش بعد كده تعيطي وتقوليلي أعمل ايه انا شلت ايدي من الموضوع خلاص .
تحرك منذر بعد أن استمع للحوار الدائر بالكامل بخطوات بسيطة لكنه كان أكثر حرصًا على عدم افتضاح أمره بأنه كان هنا، وكانت ملامح وجهه غامضة نوعاً ما فالكلمات تدور حول عقله نحو شيء واحد فقط! فلما لأ؟ أليس مناسبة للأمر؟ بل ستكون اكثر شخص مناسب و ربما تكون هذه التي يبحث عنها حتى تكون قابلة للكتمان.. شابة لا تفكر سوي بالارتباط فقط مهما يكلفها الأمر ولا يهمها شيء آخر! من يكون ذلك العريس؟ أو عمره أو ماذا يعمل أو أخلاقه أو أي شيء من هذا القبيل.. فضغط المجتمع عليها سيجعلها تستسلم إليه بالتأكيد دون اعتراض .
اقترب منه صديقه مصطفى اخو العريس هاتفاً مبتسماً
= في ايه يا منذر انت فين كل ده.. كنت بدور عليك. تعالي عشان عاوزك تسلم على حد معرفه كان صاحبنا زمان.
نظر له مطولاً بحرج ثم تحدث هامسًا له بارتباك
= هاه كنت بدور على الحمام.. بقول لك ايه يا مصطفى مش اللي هناك دي نرمين مراتك هي مين اللي واقفه معاها دي اختها .
عقد حاجبيه باستغراب والتفت نحو الخلف ينظر الى ما يشير لكن لم تكون الرؤيه واضحه حيث تقدم بعض النساء الى الداخل، ليقول بتعجب
= فين دي؟ مش واخد بالي وبعدين نرمين ملهاش اخوات بنات.. اكيد واحده من صحابها ولا قرايب العروسه .
أمسك منذر يد صديقه وأشار مجدداً باصرار قائلاً باهتمام غامض
= طب معلش بص كويس يا مصطفى تاني البنت اللي واقفه قصادها دي و جسمها مليان شويه ولابسه أسود في أبيض.. هي تقربلها ايه واسمها ايه .
❈-❈-❈
في منزل معاذ لج إلى الداخل ليجد زوجته تجلس واجمة الملامح عابسة النظرات، حتي أنها لم تلقِ عليه التحية، اتجه مباشرة نحوها جالس فوق الأريكة أمعن النظر فيها متسائلاً بفضول
= ياسو! حبيبتي قاعده بتعملي ايه؟ وايه الكتاب اللي في إيدك ده .
مطت شفتها السفلى قائلة بعدم اهتمام
= أبدا دي مجله عن حب ودعم المراه لنفسها و ازاي تكون زوجه في بيتها وبتتكلم كمان عن المشاركه بين الأزواج في البيوت وحياتهم اليوميه
امتعض وجهه على الأخير وهتف بغضب
= طب احرقي أو أرمي الحاجات دي عشان هي اللي بتهدم البيوت، قال مشاركه قال! قومي اعمليلي العشاء أحسن بدل الحاجات اللي بتقرايها دي
ضربت بيدها على فخذها هاتفة بحنق
= تأكل إيه يا معاذ حرام عليك مش فطرت واتغديت واتعشيت تحت عند امك وطلعت هنا وخليتني اعمل لك صينيه بسبوسه واكلت نصها ولسه عاوز تتعشى بعد كل ده.. اموت واعرف بتودي الأكل ده كله فين وانت شبه خله السنان كده.
هز رأسه ناظرآ لها متسائلاً بصدمه
= هو انتٍ بتعدي عليا الأكل ولا ايه يا بسمة وانتٍ ايه اللي مضايقك اكل كام وجبه في اليوم
دققت النظر في وجهه بهدوء زائف، ثم عنفته بغيظ مكتوم
= ولا متضايقه ولا نيله اتفضل يا حبيبي المطبخ قدامك أهو وروح اعمل اللي انت عاوزه .
أخذ من طبقه الفاكهه الذي جانبه صابع موز وبدأ في تقشيره ليتناوله وهو ينظر لها بحدة مرادفا بعدم تصديق
= نعم! هو انتٍ عاوزاني أروح أعمل لنفسي الأكل كمان؟ امال انتٍ لازمتك ايه؟ مش هي دي برده مهمتك في البيت الظاهر كتر الحاجات اللي عماله تقرايها قصرت عليكي
أبتسمت له ابتسامة صفراء وهي ترد قائله ببرود
= لا يا حبيبي مش محتاجه تقصر عليا عشان ده الواجب والصح ان الزوج عادي جدآ ممكن يقوم يعمل لنفسه اكل وشرب وكمان ينظف مكان ما بيقعد مش ملزمه الزوجه ليل ونهار تعمل وتطبخ .
لوح لها بيده وهو يرمي قشر الموز بالأرض بعدم مبالاة تحت صدمتها ونظراتها المشمئزه من طريقته تلك، هاتفاً بازدراء
= وانتٍ ما تقوميش تعمليلي ليه ان شاء الله
ما انتٍ زي القردة اهو قدامي ما فيكيش حاجه
وضعت يديها على رأسها ضاغطة عليها وهي تقول بتبرم
= قال يعني لو تعبانه هتساعد، روح يا معاذ من قدامي وشوف عاوز تاكل ايه عندك في المطبخ جوه شوفلك اي حاجه خفيفه مش محتاج تطبخ ولا حاجه عشان كل وجع الدماغ ده.. مش هتنقص ولا هتزيد حاجه لو قمت حطيت لنفسك سندوتشين واكلتهم وسديت جوعك اللي مش بيتسد ده.. وشيل القرف اللي انت رميه على الارض ده كمان انت مش قاعد في الشارع! ولا لازم تستنى كل حاجه اعملها بنفسي !.
لوي شفتيه بسخرية لاذعه وهو يقول بعدم رضا
= سندوتشين! ومالك جايه على نفسك كده ليه، وبعدين مين قال لك ان انا عاوز اكل حاجه خفيفه انا عاوزك تقومي دلوقتي تطبخيلي محشي .
نظرت إليه بحقد وهي تجيب إياه بتشنج
= لا ده انت زودتها أوي وقلبك جايبك.. محشي ايه الساعه ١١ بالليل.
أبتسم معاذ بسماجه وهو يرد بصوت مستفز
= نفسي فيه وعاوز اكله دلوقتي عندك مانع!
رمقته بنظرات مزعوجة من أسلوبه الفج عده لحظات، ثم اعتدلت في جلستها أمامه و صاحت بحنق صريح
= بص يا حبيبي و يا روحي؟ خليك دائما عارف حاجه مهمه، أن اللي هيستحملك في الدنيا دي هي انسانه واحده بس، وهي امك !! مش انا يا روح امك فااتفضل كده ذي الشاطر روح لامك تعمل لك المحشي اللي عاوزه.
❈-❈-❈
بـعـد مـرور أسبوعين.
أمام النيل كان يجلس منذر فوق مقعد وهو ينظر أمامه بملل وتأفف فمعاذ أصر أن يخرج بصحبته اليوم على غير العاده، وها هو قادم اليه وهو يحمل بيده اكواب حمص الشام و تتمتم بصوت خافت
= ادي يا عم حمص الشام اللي بتحبه، قولي بقى نفسك فيه تاني وانا اعمله لك تحب ندخل سيما زي زمان .
نفخ الآخر بضيق شديد ثم قال بامتعاض
= في ايه يا معاذ انا مش مراتك يا حبيبي انا اخوك فمش لازم لما تعوز مني حاجه تعمل كل الليله دي قلتلك تعالى دغري على طول.. و وفر على نفسك وعليا.
أجاب أخيه بإبتسامة يخفي توتره و الحرج الذي يشعر به عندما فهم أخيه ملعوبه
= جري ايه يا عم منذر هو انت على طول كده قفشني وبعدين في ايه يا سيدي لما نخرج مع بعض بقيلنا كتير أوي ما شفناش بعض وكل واحد مشغول في حياته .. يعني على الاقل زمان كنا بنتجمع كلنا في بيتي يا اما في بيتك مع مراتاتنا ونتغدى انما من بعد ما طلقت قفلت على نفسك وما بقيناش نشوف بعض خالص .
لوي شفتيه بسخرية مريرة وهو يردد بفهم
= آه انا كده فهمت سبب الخروخه هي امك كلمتك ولا ابوك؟
أردف معاذ في وجهه تحت نظراته المتعجبة و عيناه المتسعة من الصدمة
= منذر هو انا اللي مقفوش اوي كده ولا انت اللي بتقرأ الطالع أنت عرفت منين ان ابوك هو اللي قال لي روح اتكلم معاه في موضوع الجواز وشوف دماغه فيها ايه .
أخذ منذر نفس عميق وكان مستاء جدًّا من أفعال أسرته فهو يعرف جيد لما يصيرون هذه المره أن يتزوج بسرعه خوفاً من أن يكون مازال يفكر في زوجه اخية بسمة، رفع عيناه بوجهه و هدر من بين أسنانه بصرامة شديدة
= بص يا معاذ عشان اجيبلك من الآخر رجوع لغاده مش هرجع ولو الدنيا اتقلبت على بعضها مش هرجع لي البني ادمه دي تاني ابني بقى مش ابني محدش لي دعوه بحياتي، والمره دي فهمهم ان انا لما اعوز اتجوز انا اللي هختار انا سبتهم المره اللي فاتت يتحكموا في حياتي لما أبوك راح طلب ايديها من غير ما ياخد رايي وانا عشان ما رضيتش أصغره وافقت وقلت اهو أعيش معاها ممكن تطلع فعلا بنت ناس وكويسه انما شفت معاها اسود ايام حياتي فمش مستعد بعد ما خلاص خلصت منها ومن اللي شفته في حياتي معاها ارجع تاني للقرف ده بايدي .
عقب الآخر علي كلماته قائلاً بجدية
= يا عم بالراحه في ايه الناس عماله تبص علينا انا مش عارف بيركبك عفريت ليه كل ما تسمع اسم البنت دي خلاص اهدى ما حدش اكيد هيغصبك على حاجه مش عاوزها، وانا مش عارف اصلا ابوك ليه طلبها للجواز لما انت ما قلتلوش انا اتفاجئت بيه واحنا هناك لما كان بيطلب ليا نسمه انه اتكلم كمان على غاده ليك فكرت ان انت اللي طلبتها منه مع انك ما جيتش معانا وبعد كده فهمت اللي فيها ان ابوك عاوز يجوزنا احنا الاثنين سوا .. بس والله ما كنت راضي على حكاية يجوزك من غير ما ياخد رايك ويدبسك دي .
أغمض منذر عينيه وقال بنبرة مختنقة
= هو أبوك علي طول كده هي عادته ولا هيشتريها، المهم عشان نجيب اخر الموضوع ده إذا ابوك وامك سالوك ثاني قول لهم ان منذر قالي بنفسه أن فيه واحده عجبته وهو بيفكر يروح يتقدملها بس بعد ما يتاكد الأول من اخلاقها ويسال عليها .
لمعت معاذ عيناه بذهول، ثم أردف قائلاً بسعادة
= بجد يا منذر طب ما تقول لي ساكت ليه ده احنا هنفرحلك ان أخيرا في واحده في حياتك بدل القفله اللي انت قافلها على نفسك دي من ساعه الطلاق واهو الحمد لله المره دي تختار بنفسك عشان ما ترجعش تزعل.. بس هي مين ومستني ايه ما تروح تقول لابوك عشان تتقدم لها .
صمت لحظة ثم رد بزهو وفخر كأنه يخبره بأمراً عظيماً، فهذه المره أخيرا سيختار من تلقائي نفسه وليس مجبر
= ده إللي هيحصل أن شاء الله قريب .
❈-❈-❈
وقفت بسمة في المطبخ تقوم بإعداد الحلويات الذي طلبها زوجها معاذ منها، فكالعاده لا يفعل شيء إلا الجلوس أمام التلفاز أو جهاز الكمبيوتر ويطلب ما لذّ وطاب من الأطعمة التي يشتهيها، تقسم أنه وكأنه امرأة حامل تتوحم فعندما كانت حامل بمالك طفلها الوحيد لم تكون حالتها كذلك مثله.. تحركت قليلة تجاه طفلها الذي كان يجلس في الخلف
أعلي الطاوله فكانت تقف تمسك بيدها ملعقة خشبية تحرك بها ما في القدر.. وباليد الأخري تمسك كتاب مالك تذاكر له.. فان لم تفعل كل شئ بنفسها لم يحصل ومعاذ يرفض رفض تام مساعدتها.
زفرت أنفاسها بزهق عندما شعرت بترنح من التعب والإعياء جلست متأوهة بعذاب على مقعد بجانب مالك الذي كان يكتب الاسئله التي تلقنه إياهم.. فكرت للحظات فلو كان زوجها رجل بحق معاون ومسؤول ويساعدها فما كانت تشعر بتلك الاعباء التي فوق راسها طوال الوقت ولم تنتهي .
لوت شفتيها بسخرية مريرة عندما تذكرت رفضة التام في التعاون معها بأي شيء ودائما يخبرها أن مسؤوليه البيت من اختصاص المراه فقط وليس الرجل، وكأنه هو يفعل مسؤوليه الرجل وينزل يعمل ليكسب المال
من عرق جبينه.. وليس يعتمد على مصروف والده، هزت راسها بيأس فمهما تتحدث يظل دائما على رأيه! وذلك بسبب الطريقه الخاطئه التي نشأ بها في منزل والدته كل شيء موجبا له دونه عناء .. لو كانت لم ترى منذر وكيف يفعل كل شيء بنفسه لكانت قالت ان هذا طبع العائله لكن دائماً تلك التصرفات و التعودات تحصل مع معاذ فقط! وها هي الآن تحصد نتيجه هذا الدلال الزائد .
انتبهت الى ما كتبه طفلها ثم بدأت تصحح له ما كتبه وأثناء ذلك لاحظت عبوسه الملازم له منذ أن عاد من المدرسة، فسألته باهتمام وقلق
= ايه يا مالك يا حبيبي مالك في حاجه مضايقك؟
هز رأسه يقول بتبرم طفولي غاضب
= النهارده صحابي في المدرسه كان بيوريني على التليفون بتاعه صور مع باباه وهم بيتفسحوا في اماكن اول مره اشوفها وكان متصور صور كتير حلوه
لم تعقب على كلامه بل ابتسمت له بحنو الأمومة لتقول مقترحة
= طب يا حبيبي ما انا كل جمعه بخدك ونروح نتفسح نبقى نتصور المره الجايه ماشي.. ويبقى وريه اصحابك الصور براحتك .
اعترض طفلها هاتفاً بحنق شديد
= بس الصور اللي بتبقى مع اصحابي دايما بيكونوا متصورين مع باباهم اوريهم صورتك ليه؟ هو ليه بابا مش بيخرج معانا نتفسح ويتصور معايا كمان.. هو مش بيحبني!.
لوهلة شعرت بالحيرة والتخبط فمعاذ يرفض الخروج معهم ويخرج بمفرده مع اصدقائه للتنزه، و عندما كانت تقترح خروجهن معآ كـعائلة ودوده يخبرها بانه لا يشعر بالسعاده والحماس معهم، ولا هناك مانع كل منهم يخرج بمفرده! تداركت الأمر بسرعه وتنهدت بتعب ثم قالت مواسية بحجه غير حقيقيه وهي تطبطب فوق شعره
= لا يا حبيبي ما تقولش كده بابا بس مشغول بيشتغل عشان يجيبلك كل الحاجات الحلوه اللي انت بتحبها لكن هو اكيد بيحبك .
لمعت عينيه بالدموع الخفيفة وهو يقول بغضب طفوله
= مشغول فين ما هو دايما قاعد في البيت بيلعب على الكمبيوتر انا عمري ما شفته أصلا بيروح الشغل! زي كل الابهات .
تدلى فك بسمة ذاهلا لما سمعته.. فالى هنا لا تعرف ماذا تقول بالفعل هو محق! معاذ لا يذهب الى العمل مثل باقي الرچال المتزوجون فالجميع يعارضها عندما تشتكي من ذلك الامر رغم أن عائلته لم يقصره معها في شيء لكن لا أحد يفهمها هي ترى الرجل الحقيقي الذي يعمل ويكون مسؤول فعلا عن بيته وبه الاشخاص الملزمه منه، وحتي أيضاً لا تتعرض لموقف كذلك من أبنها فماذا عندما يكبر طفلها ويجد والده هكذا طول حياته أمامه بالتاكيد سيصبح مثله بيوم! ضيقت عينيها بإحباط وهي تقول بقله حيلة
= الله يسامحك يا معاذ علي اللي عامله فيا وفي ابنك .
❈-❈-❈
أتسع أعين شاهين بدهشة بعد أن أخبره معاذ بحديث منذر.. فلم يصدق هل يواعد فتاة دون أن يخبره؟! التقط انفاسه المتأججة وهو يعدل جلسته وقال بغضب شديد
= نعم في باله واحده ومين بقى سعيده الحظ اللي اختارها ما انا عارف ما جايبه، شافها فين ولا عارفها امتى؟ وليه ما يقوليش على حاجه زي كده مستني ايه عشان يطلبها
أجابته زوجته موضحاً بهدوء
= ابنك معاذ بيقول ان قال له شافها في فرح اخو صاحبه مصطفى وبيسال دلوقتي عنها وعن اهلها .
حرك رأسه بالإيجاب ثم لوح لها بيده هاتفاً بازدراء
= ايوه افتكرت اليوم ده استاذن مني بدري وقال لي هروح الفرح اعمل الواجب ساعه وجاي ومش هتاخر وساعتها اليوم ده اتاخر وما جاليش غير على بالليل وانا اديت له كلمتين وسابني ومشي ومهتمش.. هو ده بقى اللي اخره في الفرح السنيوره اللي ما نعرفش اهلها ولا فصلها مين لحد دلوقتي .
رفعت مايسه حاجبيها وصاحت بتهكم
= جرى إيه يا شاهين، انت مالك رافض الموضوع كده ليه من قبل ما يبدأ هو احنا لسه عرفناها ما ممكن تطلع كويسه، مش احنا لسه من كام يوم كنا بنقول أن لازم نجوزه بدل ما هو قاعد كده مع نفسه من ساعه ما طلق اللي ما تتسمى غادة .
تدخل معاذ بالحديث قائلاً بضجر
=بمناسبه غاده صحيح هو قافل تماماً انه يرجعلها عشان تشيلوا الموضوع ده من دماغكم. انا مش عارف البنت ده عملت له ايه بالظبط كل ما بيسمع اسمها فما حدش يفتح معاه الموضوع ده، وشكله فعلا ناوي على واحده غيرها وطليقته مش في دماغه .
مصمصت مايسة شفتيها بامتعاض
= محدش اصلا كان عاوزه يرجعلها غير هو ابوك اللي كان عاوز يلم الشمل عشان العيل اللي بينهم بس احسن أنها جت منه بنت ما بقبلهاش ولا بتنزل لي من زور.. اسمع كلامي يا شاهين خلينا نكمل الموضوع للاخر ونشوف البنت دي هتطلع مين
عقد معاذ حاجبيه وتمتم بتساؤل بغرابة
= هو انت ليه يابا صحيح رافض الموضوع مع أن ده جواز و المفروض منذر هو اللي يختار أصلا، وبصراحه انا كان مضايقني اصلا ان انت دبسته في واحده ما طلبهاش منك فبلاش تضغط عليه في الموضوع ده كمان
حرك رأسه بالنفي وهو يقول مبرطم بكلمات مزعوجة موضحاً قاصداً عدم ثقته في إختيار إبنه البكري
=يا جماعه انا مش رافض البنت وانا لسه ما شفتهاش اصلا ولا اعرفها على رايكم، بس مش عاوزه يقع في واحده مش كويسه ولا تضحك عليه عشان كده كان نفسي انا اللي اختار لي المره دي كمان، احسن ده لا بيعرف يختار ولا بيعرف يبقى مسؤول عن حاجه وكمان خايف يعمل نفس اللي عمله مع غاده وبعد ما يخلف منها يسيبها.. عشان المره دي انا ناويله على نيه سوداء لو عملها تاني
نفخت مايسه صائحة بنفاذ صبر
= بلاش تشائم واحنا لسه ما دخلناش في الجد، وخليه المره دي هو اللي يختار عشان لما تحصل حاجه ونيجي نعاتبه يبقى عملنا اللي في ايدينا والغلط كله عليه وما يقالكش زي المره اللي فاتت انت اللي اخترتها لي وانا ما كنتش عاوزها.. وبعدين احنا لما صدقنا أخيرا النحس اتفك وابنك عجبته واحده بدل ما احنا كل ما نفتح الموضوع معاه يفضل يقول مش هتجوز وهفضل كده طول عمري .
برزت ابتسامته الغير محببة على ثغره مسلطًا أنظاره عليهم، ثم لوح لهم بأصابعه قائلاً بثبات
= ماشي لما نشوف اخرتها مع اني بقولها لك أهو؟ من أولها مش مرتاح لاختيار إبنك من قبل ما أعرفه .
❈-❈-❈
تجول في ذلك المنزل بعد أن حصل على ما يريد وهو متباهيًا بمآثره، فقد تمكن من حصوله علي الأموال من ديمة عدد لا بأس به من تلك الفتاه عديمة الخبرة في تلك الأمور
الشاذة المشينة التي يرتكبها في حقها وهي ولا حول ولا قوه تستجيب له حتى لا يفضحها هي و اخواتها، لقد استدرجها ببراعة محنكة حقا.
انحنى حمدي فجاه يحاوط من خصرها بيديه، ثم أمال رأسه على وجهها طابعًا قبلة صغيرة على وجنتها كانت ترتعد بشدة وهي تطالعه بنظراتها الخائفة، ثم وضع يده على فخذها الذي برز من أسفل تنورتها القصيرة معمقًا لمساته وقبل ان يتمادى ابتعدت عنه ديمه بانفعال شديد صائحه
= ابعد عني مش هتلمسني تاني.. قلت لك لا مش عاوزه
نظر لها بحدة وهو يجيبها بانفعال كبير
= هو ايه اللي مش عاوزه يا روح امك هو انا باخد رايك اصلا انتٍ هتعمليلي فيها شريفه ما انتٍ من حوالي أسبوعين كنتي في حضني وراضيه اشمعنا النهارده؟ عشان عرفتي اللي فيها يعني! ما هو انا لو ما كنتش قلتلك كنتي هتفضلي لسه بتحبيني وبتسلميلي نفسك .
بدت ارتعاشتها واضحة في نبرتها وهي ترد قائله ببكاء حارقة
= انا ولا بحبك ولا نيله وبقيت ما بكرهش حد قدك وسواء عرفت ولا ما عرفتش حقيقتك القذره برده كنت هرفض اللي حصل قلت لك لحظه ضعف ومش هعدها تاني كفايه الفلوس اللي نازل طالع تاخدها مني بالعافيه وبتهددني انك هتفضحني.. حرام عليك انا كل يوم بموت من عذاب الضمير ان انا سلمت نفسي لواحد زيك .
بدأت تتجمع الدموع في عينيها و أضافت بصوت نادم يوشك علي البكاء مجدداً
= كل الحكايه اني ندمت ان انا سلمتك نفسي في الحرام، حتى لو ما كنتش كده من البدايه بس للاسف بعد فوات الاوان
اقترب منها وصفعها بقوه مرددًا بحنق من بين شفتيه المضغوطتين
= واحد زيي يا زباله مش عاجبك دلوقتي الله يرحم زمان لما كنتي بتترمي فحضني عشان اهلك مش معبرينك ولا بيسالوا فيكي انتٍ مالك يا بنت سايقه عليا العوج ليه اوعي تكوني قلتي لحد حاجه من اخواتك عني! والله العظيم لو طلع شكي صح لا هفضحك انتٍ وهم.
تألمت ديمه من ضربته التي لا تعرف عددها للمره الكام يعنفها، وهتفت قائلة بصوت باهت
= ابعد عني وما تخافش ما قلتش لحد حاجه انا ما بقتش في دماغهم اصلا وانت عارف ده كويس وللاسف بتستغله.. كان يوم اسود يوم ما قابلتك ووثقت فيك وفكرتك غيرهم و هتعوضني فعلا اتاريك طلعت اسوء حاجه في حياتي .
جز علي أسنانه بعنف هاتفاً بهمس شرس
= هي بقت كده ماشي طالما بقيت أسواء حاجه في حياتك بقى عاوزك زي الشطره كده طالما مش عاوزاني اقرب منك يبقى تمضي لي على الورقه دي .
نظرت إلى تلك الورقه البيضاء الذي وضعها فوق الطاوله أمامها، و سرعان ما حركت رأسها بالنفي وهي ترد باعتراض وعدم ثقة
= ورقه إيه؟ انت اتجننت مش كفايه اللي اخدته مني، انا مستحيل اعمل كده واعمل اللي انت عاوزه انا زهقت منك وقرفت بقى
أخرج من جيبه علبه زجاجيه مغلفة، هاتفاً بازدراء
= ممم ماشي بس خليكي فاكره انتٍ اللي ابتديتي .. وانا لحد دلوقتي عمال اتكلم معاكي بالهداوه وصدقيني كل اللي عملته فيكي ما يجيش نقطه في بحر من اللي ناوي اعمله فيكي تاني لو ما سمعتيش كلامي .
ارتجفت أطرافها بقوة حينما رأت حمدي يقترب منها بطريقة مريبة تجمدت في مكانها مذعورًا وهي تقول بنبرة خائفة
= إيه القزازه اللي في ايدك دي انت ناوي على ايه؟ قلتلك ما تقربش مني ابعد .
توهجت نظراته بوميض جعل الأخري ترتعش أكثر منه فقد تجاوز الأمر مخيلتها الضئيلة، و هو بالغ في طلباته لان لدي يقين بانها لم تستطيع الحديث او الاعتراض! لامس خصلات شعرها بعبث موضحًا لها بدهاء ماكر
= مالك خايفه كده ليه يا حبيبتي وانتٍ لسه ما عرفتيش اللي فيها على العموم القزازه الحلوه دي فيها ميه نار! وخلال خمس دقائق بالظبط لو ما مضتيش على الورقه دي هتلاقيها على وشك الجميل ده وابقي وريني بقى هتعملي ايه
شعر بانتفاضة جسدها بين ذراعيه المقيدين لها، فتيقن من وصول رسالته إليها وشعرت بالخوف منه، انفجرت باكيًه وهي تقول بخوف
= لا انت مستحيل تعمل كده؟ هيثم عشان خاطري كفايه اللي انت بتعمله فيا وسيبني انت ليه مصمم تدمرني كفايه إني خسرت شرفي وسمعتي ومش انا لوحدي اهلي كمان عاوز تعمل فيا ايه اكتر من كده حرام عليك
ابعد بقى وسيبني في حالي هو انا مش هعرف اخلص منك طول حياتي .
هزها بعنف وهو يهددها بنبرة أقرب لفحيح الأفعى
= الدقيقه الأولي خلصت! وبلاش جوه الصعبانيات ده عشان انتٍ عارفه و متاكده أنه مش بياكل معايا يلا عشان دخلنا في الدقيقه الثانيه وانا مش بهدد
هبطت دموعها أكثر وهي تقول بنبرة متوسلاً عل قلبه يرق نحوها
= ما كفايه ورقتين الجواز العرفي اللي معاك والفلوس اللي بتاخدها مني كل يوم وشرفي اللي ضيعته عاوز تعمل فيا ايه تاني؟ على فكره انا ممكن اصوت والم عليك الناس لو فكرت تعمل حاجه زي كده .
تقوس فمه للجانب مبرزًا ابتسامة شيطانية مهلكة وهو يرد بعدم مبالاة ولم يظهر عليه خوفاً من تهديدها
= طب ما تصوتي هو انا ماسكك عقبال ما حد يطلع وينقذك مني اكون عملت عملتي وهربت ده إذا حد سامعك اصلا.. ما هو انا ماشي بمبدأ في الحياه الحاجه اللي مش هتفيدني اخلص منها وطالما مش هتفيديني يبقى اشوهلك وشك .
كان بالفعل محق بالأمر هذا! فاذا حاولت الصراخ لتستنجد بأحد احتمال كبير ان ياتي متاخر او لم ياتي بالأساس بعد ان يكون فعل فعلته وهرب، غمز لها بعينه اليسرى متابعًا بتسلية
= فاضل اخر دقيقه ووشك الجميل ده هتودعيه ومش هيبقى موجود غير واحده مشوهه الكل قرفان يبصلها .. يعني مش هتخسري سمعتك وشرفك وبس؟ لا كمان جمالك اللي هيتحول لمسخ.. هاه فكرتي ولا…
حركت رأسها بالإيجاب خوفًا منه، فقد نجح ببراعة في بث الرعب في نفسها حتى كادت تموت من فرط الهلع الذي عاشته خلال تلك الدقائق العصيبة، خوفاً ان يضع ذلك السائل على وجهها ويحرق ملامحها، أزاح يده بعيد ليمسح على رأسها قائلاً بابتسامة مهددة
= طب يلا مستنيه إيه ولا تكوني رجعتي في كلامك، القزازه في ايدي لو لسه عاوزه تفكري تاني!….
❈-❈-❈
وفي داخل المدرسة التي تعمل بها ضحى كانت تسير بخطوات بسيطة شاردة الذهن في قبول أو رفض عرضاً زميلها الأستاذ صالح بخصوص الزواج وشرطه العسير، تعلم أنها أخذت وقت طويل للتفكير في الأمر جيد و حتى الآن لم تستطيع الإختيار الصحيح رغم كل الأمور والازمات والنقاش أمامها توضح لها اجابه واحده وهي الرفض! لكنها تعود لنقطه الصفر عندما تفكر في حديث الناس والمجتمع وأنها ما زالت آنسه ولم تتزوج بعد وقد تخطت عمر الخامسه والثلاثون عام دون ارتباط بأحد واذا رفضت هذا العرض ربما او إحتمال كبير لم تجد عرض آخر وتضيع آخر فرصه لها بالارتباط .
لكن هل ستهدر كرامتها لتتحمل فكرة زوجه ثانية بحياتها الزوجيه القادمه، مقابل أقوال المجتمع الذي لا يمل من الحديث.. أو سترفض وربما تأتيها فرصه أخرى أفضل مثل ما اخبرتها صديقتها نرمين! لكن متى ستأتي هذه الفرصه فلقد انتظرت كثير وكثير دون فائدة! واصابها الاحباط الشديد.
وبمجرد أن دلفت الغرفة الخاصه بالمدرسين وجدت في وجهها المدرس صالح يتطلع لها بوجوم إبتلعت ريقها بتوتر فكانت الفتره السابقه تتهرب منه حتى تفكر براحه أكثر تعلم أنها تأخرت في الرد ويجب أن تعطيه الجواب الأخير لقرارها مهما كان اليوم، تفوهت بتوتر تخشي من ردة فعله
= ازيك يا استاذ صالح اخبارك ايه .
تأفف بضيق شديد ثم قال بصوت ساخراً
= تمام، مش ملاحظه انك اتاخرتي اوي في الرد عليا مع اني الموضوع يعني مش محتاج كل التفكير ده ولا إيه؟ يا اه يا لأ ومهما يكون ردك اكيد مش هغصبك على حاجه .
حدقت إليه نظرة استغراب من طريقته الساخره ثم أجابت قائله بنبرة مترددة نوعاً ما
= مع حضرتك حقك انا اسفه ان عطلتك ، بس كان عندي شويه ظروف هي اللي اخرتني في الرد عليك .
لوي شفتيه بتهكم ثم رد هو بزهو كأنه واثق في قرارها بالموافقه عليه
= خير أن شاء الله اتمنى بس الظروف اللي عندك ما تطولش وتشوفي ميعاد مناسب عشان اجي اقدملك واطلبك رسمي من والدك
أخفضت رأسها و بملامح متألمة أخبرته بندم
= لا ما هو أنا آآ .. مش موافقه
رمقها بإزدراء عدة ثواني يستوعب رفضها له، فهو كان على يقين بانها ستوافق لذلك اختارها هي بالأخص عن الجميع، فتاه لم يسبق لها الزواج وقد تخطت عمر الثلاثين ومناسبه جدا له وستوافق على جميع شروطه دون اعتراضا لكنها حقا فجاءته برفضها، أردف بغضب و بصوت أجش
= نعم يا اختي هو إيه إللي مش موافقه! يعني بقيلك اكتر من شهر بتفكري وفي الاخر تقولي لي مش موافقه؟ واصلا الموضوع ما كانش محتاج كل التفكير ده ومع ذلك قلت لنفسي زي بعضه هتعمل نفسها عروسه بقى وخطبها كتير ومحتاره، وبعد ده كله ترفضي هو انتٍ هتشوفي نفسك عليا ولا ايه .
رفعت ضحي وجهها إليه بعدم تصديق وقاحته وتحوله المفاجئ الى شخص غير مهذب، لتعلم بان صديقتها كانت محقه هو كان يستغل ضعفها للمجتمع ليضغط عليها لترضخ اليه بكل سهولة! نظرت إليه نظرة غضب عكس ندمها الذي كان قبل قليل تشعر به، ثم قالت بنبرة حادة
= من فضلك يا استاذ حاسب على كلامك هو انت مش لسه من شويه برده قايلي مهما يكون ردك هحترمه؟ والجواز مش بالعافيه وأنا فكرت كويس في الموضوع ولقيت ان العرض بتاع حضرتك مش مناسب ليا خالص واكيد هتلاقي غيري كثير ممكن يوافقوا بس انا مستحيل اوافق!
تطلع فيها بغيظ شديد، وهي صمتت تلتقط أنفاسها من أسلوبه البغيض بعدما ابتلعت غصتها تضيف بفتور
= خصوصا بعد اسلوبك اللي شفته من شويه عن أذنك .
❈-❈-❈
بداخل حي السيده زينب، وفي أحد القهاوي المشهوره الشعبية على النواصي بالمنطقة كان منذر يجلس مع صديقة متوتر نوعاً ما فيما يريد أن يتحدث به معه! فلقد أخذ القرار و أنتهي الأمر بالنسبة له لكن لا يعرف راي الآخرين فيما يريد! بينما يجب ان يعاجل في الأمر بسرعه أكبر بعدما رمي الطعم الى معاذ ليصل الى عائلته بأنه أختار العروس بنفسه هذه المره دون رأي أحد ولا باختيارهم .
ولم ينسى أيضا بأن يوجد عريس يريد خطبتها بالوقت الحالي! قبل منه وهي مازالت تفكر لذلك يجب ان يتدخل ويشتت افكارها لتوافق عليه، التفت نحو صديقه قائلاً بجدية
= بقول لك ايه يا مصطفى هي البنت اللي شفتها كانت واقفه مع مراتك في فرح اخوك وقلتلك عليها كانت اسمها ايه؟
عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول بعدم تذكر
= اي واحده هو انا عارف كل الناس اللي كانت في الفرح من اللمه ما نرمين كانت واقفه مع كذا حد في الفرح فكرني اني واحده
عبست ملامح منذر وطالعه قائلا بحنق
= البنت اللي فكرتها اختها وانت قلتلي ان مراتك ملهاش أخوات، لسه برده مش فاكر انت قلتلي اسمها بس انا نسيت.. البنت اللي كانت مليانه شويه دي ببشره قمحاويه .
اقترب مصطفى من منذر واردف متذكر بخشونة
= ايوه، ايوه افتكرتها يبقى أكيد قصدك ضحى بنت الأستاذ فوزى، ما فيش غيرها واقرب صديقه لنرمين من أيام الجامعه لحد دلوقتي.. غير انهم كانوا ساكنين في عمارة واحده قبل ما اتجوز نرمين بس بتشوفها لما بتروح تعمل زيارات لاهلها.. بس انت مالك مهتم بالبنت دي ليه ثاني مره تسالني عليها، وانت اصلا عمرك ما اهتميت بحاجات زي كده في حياتك .
حك طرف ذقنه متسائلاً بخشونة باهتمام
= وهو والدها الاستاذ فوزي ده بيشتغل ايه هم ساكنين في نفس المنطقه معانا هنا .
جلس جانبه بهدوء وبدأ يجيب عليه متحدث
= ده يا سيدي كان راجل موظف بس دلوقتي طلع على المعاش و قاعد في البيت، هم مش في نفس المنطقه معانا بالظبط يعني بعد شارعين من هنا.. عشان انا عارفها كويس و بشوفها على طول مع نرمين مراتي وكمان كانت بتيجي تدي لاولادي دروس في البيت اصلها مدرسه بس مش فاكر بصراحه بتدرس إيه بالضبط، اصلها كانت بتدي لاولادي كل المواد و كانت بتستنى عليا في المصاريف بصراحه عشان كده اتعاملنا معاها مده طويله .
حرجًا من فكره أنها متعلمه وهو لا! ليضع يده على شعره عابثًا به وهو يرد بضيق
= هي بتشتغل! و طلعت مدرسه كمان؟
تعجب من اهتمامه الكبير نحوه تلك الفتاه دون مبرر، ليقول مستنكراً بصوتٍ خفيض
= لا انا عاوز افهم بقى الحكايه انت مالك مهتم اوي بالبنت دي وعيلتها ليه؟ انا فكرت في الاول عاوز تتفق معاها على درس لابن اخوك لكن انت لسه عارف دلوقتي انها مدرسه مني يبقى ايه الحكايه ؟.
إبتلع ريقه بتوتر خفي، وقال بصوت هادئ
= عادي يعني كل خير ان شاء الله، اصل بفكر يعني لو هي محترمه فعلا وبنت ناس اتقدم لها
أتسعت عيناه بذهول وقال صديقه بحزم
= نعم ده مستحيل طبعاً.
ازداد تجهم وجه منذر بغضب قائلاً بضجر
= مستحيل ليه ان شاء الله ايه اللي يعيب البنت، ما انت لسه من شويه عمال تشكر فيها.. ولا في حاجه ما اعرفهاش هو حد متكلم عليها ولا حاجه انا خدت بالي انها مش لابسه دبله في ايديها يعني مش متجوزه ولا مخطوبه .
صاح بصلابة شديدة ونبرة تحذير التقطها منذر بسهولة
= هي فعلا مش مخطوبه ولا متجوزه و لسه عند رأيي ما شفتش منها حاجه وحشه بس ما تنفعكش للجواز يا منذر انت بالذات لاسباب كثير، في فرق بينكم في مستوى التعليم والسن!.
ازداد اقتضابه من إجابته ووجد نفسه يتحدث بغضب
= طب التعليم وفهمناها ومش هكون أول ولا اخر واحد يعني يتجوز واحده مكمله تعاليمها وهو لأ، ما اعرف ناس كتير وعايشين عادي.. واذا كان على السن يعني انا اكبر منها بقد ايه.
تغَّضن جبينه بالضيق قائلاً بتهكم
= لا وانت الصادق هي اللي اكبر منك بقد ايه؟
انا لسه من شويه قايل لك ان هي ونرمين متخرجين مع بعض يعني هي في عمر مراتي! وحسب ما أنا متاكد يعني انها عندها 35 سنه دلوقتي يعني الفرق بينكم هيكون حوالي سته ولا سبعه تقريباً.
تفاجأ من كلماته حقا رغم أنه يعلم بانها قد تخطت سن الثلاثون فهكذا كانت تقول الى صديقتها لكن لم تقول عمرها بالضبط، فامتعض وجهه بشدة من هول الصدمة وبدأ يحسب عمره وعمرها ليعرف الفارق بالضبط بينهما ثم هتف مندهشًا
= أكبر مني بسبع سنين! انا كنت فاكر العكس ما توقعتش حاجه زي كده ولا فكرت فيها.
هز رأسه بالإيجاب قبل أن يتنهد بقوة هاتفاً
بتوضيح جاد
= عرفت ليه بقول لك انها ما تنفعكش هو صحيح في ستات كتير متجوزه أكبر من ازواجهم عادي، بس أكيد الموضوع بالنسبه لك هيكون صعب شويه الفرق اللي بينكم برده مش بسيط مش سنه ولا اتنين ولا ثلاثه ولا خمسه حتى .
اندهش مصطفى من شرود صديقة منذر دون تعليق فحلّ الصمت قليلاً ثم قال الآخر بوجوم
= منذر انت سرحت في ايه؟ هو انت بتفكر توافق تتجوز واحده اكبر منك ولا إيه.
لم يرد منذر بينما زافرًا بصوت مختنق من فساد ترتيباته بالكامل، فهو قد توقع كل شيء إلا أنها تكون أكبر منه بالعمر وبالاخص بسبع سنوات! لكن ماذا سيفعل الآن؟ أسرته وباتت تعلم بأنه يريد الزواج من احدهم وقد اختار واذا عاد اليهم واخبرهم بأنه اصرف نظر عن هذا الأمر بالتأكيد سيسرعوا في زواجه بغيرها باختيارهم.. أو ربما يضغط والده عليه حتى يعود الى غاده وهذا من رابع المستحيلات ان يفعله.. فماذا إذن سيفعل .
** ** **
جلست نرمين إلى جوار ضحي المكلومة في منزلها فقد جاءت لزيارتها لتطمئن عليها، كانت حالتها ليس جيده بالفعل لتضمها إلى صدرها تواسيها وتشاطرها حزنها الكبير، أحاطتها نرمين بذراعها وراقبتها بنظرات أسفة قبل أن تردد
= دبست العيال في مصطفى النهارده لما عرفت أنه قاعد من الشغل وقلت اجاي اطمن عليكي بقيتي احسن دلوقتي .
ابتعدت عنها وهي تجيب عليها بصوت فاتر
= زي ما انا مفيش جديد! مافيش بس غير موضوع العريس اللي رفضته لما فكرت كويس في الموضوع واديني اهو زي ما انا وهرجع تاني استنى واحد غيره يتقدم ويكون كويس ومناسب ده إذا اتقدم غيره أصلا! ده انا خلال ال 35 سنه ما تقدمليش غير واحد امال الثاني هيتقدم امتى لما اكون عديت 60 ولا 70
هتفت الأخري بعبوس قليل وبصوت حازم
= يا ضحي بلاش تتجوزي عشان رغبتك في الهروب من ظروفك او من بيت اهلك، إللي كل يوم بتصحي على خناقه جديدة ولا أن ما فيش قاعده ما حدش بيسالك هتتجوزي امتى! ولا علشان يتقال عنك انك اتجوزتي او علشان اصحابك اتجوزوا ولقيتي نفسك لوحدك هروبك من الوحدة هتدفعي تمنه غالي، السبب الوحيد اللي يخليكي تتجوزي… هو انك تكوني عايزه تتجوزي الشخص ده. مش اي حد والسلام. مش سد خانة ، الإختيار الصح من الأول هو أساس العلاقة كلها
تابعت نرمين قائله بجدية شديدة
=ولما حد ثاني مره يقول لك هي الناس اتعمت ولا ايه؟ قولي لهم لأ انا اللي مفتحة وعشان غاليه ومش عاوزه اخد اي حاجه والسلام! ولما يقولوا لك هنفرح بيكي امتى؟ قولي لهم ما تفرحوا بيا انتو مش فرحانين بيا إن انا كويسة إن انا بشتغل إن انا مؤدبة ما تفرحوا يا حبايبي على فكرة فيه حاجات تانية في الدنيا تفرح..
أجابت ضحي بصعوبة وهي تحرك عينيها نحو أمرها المستحيل
= الكلام سهل يا نرمين انما الفعل صعب،
يعني يا ريت فعلا المجتمع يرحمنا.. يا ريت لما نكون قاعدين وسط ناس يبطلوا يحرجوني ويسالوني احسن انا اتطورت في شغلي ولا لاء! مش يسالوني على العرسان ليه مش بيتقدموا لي كأنها حاجه بايدي.
أمسكت يدها بدعم وهي تردد بتريث
= صدقني انا حاسه ومتفائله خير ومتاكده ان اللي جاي هيكون أحسن، وبعدين يعني خلينا صراحه اللي فات ما كانش احسن ولا حاجه
انك ترفضي واحد عينه زيغه وهيحرمك من الخلفه ومن كل حقوقك دي مش فرصه تبكي عليها ولا إيه؟.
شردت في أمر ذلك المدرس الذي تقدم لها هي بالأخص ليفرد سيطرته عليها ويجعلها خاضعة لكل اوامره لأنها تخطت عمر الجواز وبالتالي ستقبل أي أمر وهذا ما كان يفكر فيه، ولا تنكر بان الأمر اتضح امامها بالكامل ولم تعد نادمه على هذا القرار بعد ان كشفت حقيقته الخبيثة وبالتاكيد كانت ستندم أكثر بعد حين على هذا القرار، لذلك ردت مستسلمة
= ما ده اللي انا فكرت فيه عشان كده رفضت ولا هقبل اكون شايفه واحده تانيه في حياتي بتشاركني جوزي ولا احرم نفسي من الخلفه اللي لسه عندي امل حتى بعد ما عديت ال 35 إني أبقي أم.
❈-❈-❈
تململت ديمة فوق الأريكة بمنزل أختها مصدرًا أنينًا موجعًا متنهدا و مترددة أيضا! حيث أنها جاءت إلي هنا منذ الصباح الباكر بنية الإعتراف عما فعلته بحق نفسها فالأمر بدأ إتخاذ منعطف خطير في البلوغ وبدأت تشعر بالخوف الشديد من ذلك المدعو هيثم أو حمدي أو غيره وأنها أصبحت متاحة للجميع للاستغلال، و شعرت بالمذلة الشديدة و الفضيحة المنتظرة مع فارق عرض تلك اللحظة المهينة في بثٍ حي على معارفها كلتيهما، ليزداد إحساسها بالإذلال والخزي من موقفها أمامهم حتماً سيكون موقف صعب للغاية.
شعرت بالرهبة تجتاحها بعنف، فقد شاهدت بأم عينيها حجم الكارثة التي حطت على رأسها حين جعلها ذلك الحقير تستسلم له وتعطيه نفسها بصدر رحب دون التفكير بالعواقب في الفضيحة و الخوف من أسرتها و.. ربها، لقد باعت نفسها بالمعني الحرفي الي شخص لا يستحق التنازل عن شرفها ولا أن تغضب ربها لأجله! بالإضافة إلى استغلاله لها بعد ذلك بالأموال التي يأخذها منها يومياً.. وما زاد الأمر سوءا الورقة التي جعلها تمضي عليها تحت التهديد .
اقتربت رانيا أختها منها متسائلة بتعجب
= مالك يا ديمه بقيلك ساعه قاعده ساكته ما تقولي يا حبيبتي عاوزه ايه؟
رمشت بعينيها بتوتر مستشعرة تلك السخونة الطفيفة التي تنبعث من وجنتيها كدليل على خوفها بشدة فهي قررت أنها ستعترف بالحقيقة ويحدث ما يحدث أفضل من تطور الأمر أكثر بطريقة صعبة الحل، وكانت لديها أمل طفيف بأنهم ربما سيتفهمون الأمر و سيعيدون لها حقها المسلوب من شخص حقير مثله استغلها بأبشع الطرق، رفعت رأسها نحوها مرددًه بتوتر كبير
= هاه آآ انا كنت جايه عشان اقول لك حاجه بس عاوزاكي تسمعيني للاخر وتفهميني . أنا آآ
كانت نبرتها مهتزة رغم وضوحها لكنها لم تلاحظ كل ذلك حتى ملامحها الباهته، ثم أردفت بنفاذ صبر و استعجال
= ديمه أنا شويه والمفروض اخرج عشان شغلي فقولي عاوزه ايه بسرعه انا ما عنديش وقت
تقوست شفتاها بابتسامة باهتة غير راضية عما تقوله وعدم اهتمامها بأمرها، لتقول بصوت مختنق
= ايه الجديد طول عمرك مشغوله عني انتٍ واختك، ومش دريانين ولا واخدين بالكم من اللي بيحصل حواليكم .
أطالت ديمة النظر نحوها وقد تراجعت عما كانت ستفعله وشعرت بانها لا تريد التحدث والاستنجاد بها كما كانت تريد، فعدم اهتمامها لأمرها جعلها تصاب بإحباط و خيبة أمل كبيرة بأخواتها فهي أيضا لم تنسي، بوقت لاحق عندما أرادت أن تكون صريحة معها من البداية جاءت لها وأخبرتها بنفسها بأنها تحب شاب! حينها أمرتها أختها بأسلوب شديد اللهجة أن تقطع علاقتها به علي الفور دون أن تفهمها خطورة الأمر الذي أصبحت فيه وقد تمنت بشدة لو أن أشقائها قريبون منها بحد بالغ حتي لا تقع تحت يد من لا يرحم!. نظرت إليها أختها بعدم فهم من كلماتها الغير مفسرة فتمتمت تضيف قائله بأنفاسٍ متهدجة
= ما تاخديش في بالك انا كنت جايه لك عشان محتاجه فلوس للجامعه
❈-❈-❈
في وكالة الحاج شاهين، كان منذر يعمل لفترات طويلة وهو يفكر في أمر الزواج من تلك الفتاه التي تكبره بسبع سنوات! ليكن صريح مع نفسه عندما ينظر الى ظروفة الصعبة يشعر بأن لا هناك مشكله في العمر وهو مجرد رقم بالنهاية والاهم أخلاقها، واذا فكر في نظريه المجتمع والناس لم يهتم لهم أيضا! لكن نظره اهله بالتاكيد ستكون صعبه المواجهه !.
واذا فكر في التراجع عن الأمر و الابتعاد عن فكره الزواج، فلم يرتاحوا الا إذا زوجوه! وهو قد أخذ القرار هذه المره ستكون العروس من اختياره ولا يريد ان يتدخل احدهم في شؤون حياته مجدداً.. لكن ماذا سيفعل في هذه الحيره حقا .
ترك ما بيده وصار بالخارج ليلتقط قطعه قماش يجفف يده بها، وعاود التحديق أمامه بالشارع يراقب الأجواء ولاحظ فجاه بأن نفس تلك الفتاه كانت تمر أمام عينه وهي تتقدم لطريق منزلها بهدوء وتنظر بالأرض دون الاهتمام لمن حولها.
دون الشعور بنفسه تقدم ليراها بوضوح أكثر وبدأ يفكر في الأمر مجدداً فهل تلك ربما اشاره له؟. لاتخاذ خطوه جديه
وفي ذلك الأثناء كان شاهين يمر بالدكان ليجد إبنه منذر غير موجود التفت برأسه للخلف يبحث عنه فوجده يقف بجواره باب الوكالة وعندما اقترب أكثر لاحظ نظراته المهتمه نحو تلك الفتاه التي تمر بالمنطقة، احمرت عيناه بذهول وغضب عارم وهو يقول بانفعال
= هي وصلت لكده يا زباله يا واطي بتبصبص علي بنات منطقتك؟ لما انت كده مش قادر تمسك نفسك ما تتنيل تتجوز وتخلصنا .
شحب وجه منذر فجاه وهو ينظر إلى أبيه الغاضب والذي تفهم أمره بشكل خاطئ، تحركت أعينه نحو وجهه المكفهر، فشعر بما يعتريه من مشاعر مشتعلة، لذلك أشار له بيده قائلاً سريعاً
= يابا إيه اللي انت بتقوله ده بنات مين اللي ببصلها هو انا وش كده انت فاهم غلط .
هز رأسه بعدم إقتناع وهو يقول بصوت منفعل
= طب ما تفهمني الصح يا اخويا مين اللي كنت بتبص عليها دي وهي ماشيه هو انت فاكراني مش شايفك ياض، و عينك اللي كانت هتطلع عليها و مركز اوي معاها .. ايه بتشبه عليها.
سحبه بعيدًا عن نظرات العمال الذين ينظرون نحوه وذلك اشعره بالحرج والغيظ من والده وأفعاله وهو يتهمه بانه يتحرش بنظره بالفتيات، هتف قائلاً باستنكار ممتصًا لغضبه الثائر
= أنا مش بعاكس حد ولا عمري كانت عيني على واحده بالطريقه اللي انت بتفكر فيها دي وقلت لك انت فاهم الموضوع غلط وانا فعلا كنت ببص على البنت دي عشان كنت بشبه عليها، لانها هي دي اللي انا قلت لمعاذ ان انا عاوز اخطبها .
نظر له بجمود رغم اشتعال نظراته مزال، كان حديثه يعكس الكثير ليردف بصوت خشن
= ده الموضوع بقى طلع صح ومش مجرد كلام بترمي لمعاذ عشان نحل عنك ونبطل كل شويه نفتحك في موضوع الجواز .
تلك المرة صاح منذر مرددًا بقوة مستنكرة طريقته في استجوابه وكأنه متهم
= لا اطمن الموضوع صح واللي انا قلته لمعاذ هو اللي حصل انا شفتها في الفرح وسالت مصطفى عليها لانها تكون صاحبة مراته وهو قال انها ساكنه في المنطقه هنا بشارعين وانا لما شفتها من شويه كنت بتاكد انها هي ولا لا .
عقد شاهين حاجبيه متنهدا وهو يقول باهتمام
= افهم من كلامك انك خلاص خدت القرار وعاوز تتقدم ليها رسمي .
هز رأسه بالإيجاب دون حديث، بينما تنفس الآخر بعمق ليخرج بعدها زفيرًا قويًا، ثم هتف مرددًا بجدية أكثر
= وأنا معنديش مانع بس اعمل حسابك مش هروح اتقدم معاك إلا لما اسال انا كمان زيك عن اهلها وعنها كويس! عشان لو طلع في حاجه كده ولا كده، البنت دي تنساها خالص من دماغك اتفقنا؟ عشان احنا برده مش هناسب اي حد .
توتر منذر من نوعية الأسئلة التي يطرحها عليه، بينما أجاب بثقة زائفة وهو يهز رأسه
= أسأل براحتك هتلاقي كل خير ما تقلقش.. هي واهلها ناس محترمين .
لوي شفتيه بسخرية لاذعه وهو يقول بصرامة شديدة
= واثق أوي كده! ماشي هنشوف لو طلع كلامك صح على آخر الشهر ده هنروح نتقدم لها واطلبهلك رسمي بس على الله تعمر معاها وما تقوليش بعديها بكام يوم أنك طلقتها كده من غير اسباب.. عشان اللي حصل مع غاده ما عنديش استعداد تاني انك تعيده وتخلف وترمي عيالك.. كانت حجتك اللي فاتت ان احنا اللي غصبناك على الجوازه واديك اهو المره دي بتختار انت، يعني ما لكش حجه .
أدار وجهه عنه بتوتر شديد، وهو يبلع ريقه
متوقع الأسوأ. عندما يعلم والده بفارق السن بينهما بالتأكيد لن يتقبل ذلك، ولكن هذه المرة يجب أن يصر على تلك الفتاة بالذات، فهو لم يجد أي شخص آخر مناسب له ولظروفه الخاصة، وستحتفظ سره! .
❈-❈-❈
بعد مرور شهرين…..
عادت ديمة من جامعتها وهي تسير بغير هدى تلفتت حولها متأملة أوجه الناس بشرود وهي لا تعرف الى من تلجأ يساعدها في ذلك المآزق فان لم تحل امرها مع ذلك الحقير سيظل يستغلها الى طوال عمرها، لكن اذا كان اخواتها غير مهتمين اليها فلماذا ستذهب، هزت راسها بيأس وبعد فترة وصلت إلى عمارتها وصعدت على الدرج بخطوات بطيئة من آلام الظاهر عليها، وفي نفس اللحظة انتبهت لصوت صفق باب ما بقوة ونزل آدم على الدرج بغير اهتمام فقد نسى هاتفه بداخل سيارته وهبط لياتي به من الأسفل .
لاحظ وجوه ديمة أمامه فهو يعرفها بحكم الجيره التي بينهما لسنوات ويعرف والدها المرحوم أيضاً جيد، اتجه نحوها وقال مبتسماً
= ازيك يا آنسه ديمه عامله ايه واخبار اخواتك ايه .
سندت بيديها المرتعشتين فوق السور وحاولت رسم ابتسامة بصعوبة بالغة هاتفه بصوت منخفض
= اهلا بحضرتك يا انكل آدم الحمد لله كلنا كويسين حضرتك عامل ايه .
تفرس في وجهها بنظرات دقيقة ولاحظ شحوبها، ثم أردف قائلاً بلهجة مهتمة
= مالك يا ديمة يا بنتي انتٍ كويسه، شكلك زي ما يكون تعبانه
شعرت بالانكسار والحزن لأن الغريب لاحظ تعبها ولم يلاحظها أقاربها. إبتلعت ريقها وأجابت بإرتباك يشوب نبرتها
= لا انا كويسه ما تقلقش حضرتك شويه إجهاد بس من المذاكره مش اكثر عن اذنك .
واصلت بعدها الصعود الى الاعلى دون ان تنتظر اجابته حتى لا يلاحظ اكثر ما بها، بينما هو لم يقتنع بحديثها لكنه لم يهتم بالأمر كثيراً وهبط حتى يحضر هاتفه من السياره .
بعد فتره، عاد آدم يصعد على الدرج بخطوات بطيئة ليصل إلى طابقه، لكن قبل أن يبلغ وجهته تسمر في مكانه حينما رأى ديمة متكورة على نفسها في جانب وفاقدة لوعيها. أسرع نحوها وجثى على ركبته أمامها ثم مد ذراعه نحوها ليرفع رأسها عن الدرج وهو يهتف بقلق
= انسة ديمة مالك، فوقي !
لكنها لم تكن مدركة لما يحدث حولها فقد تهاوت قدماها وانهارت بتعب مستسلمه الى مصيرها المزعوم وهي متاكده أنها ستكون المذنبة الوحيدة في نظر الجميع، ظل آدم جوارها وضرب هو برفق على وجنتيها محاولاً إفاقتها قائلاً بصوت لاهث شبه خائف
= ردي عليا يا آنسه ديمة، إنتٍ سمعاني ! مالك بس إيه اللي حصلك يا نهار ابيض دي مش بترد وشكلها خلصانه و عاوزه تروح مستشفى
اقترب في اللحظة الاخيرة وأسند رأسها على صدره وقـام بحملها بين ذراعيه ثم اعتدل في وقفته، واتجه بها نحو باب بوابة العمارة ليدقه بعنف و تحرك إلي سيارته ليضعها في الخلف وفي ذلك الأثناء شاهد بواب العماره ما يحدث واقترب منه متسائلاً بتوجس
= ايه اللي حصل يا استاذ ادم هي مش دي برد الآنسة ديمة
نظر إليه آدم بإنزعاج كبير و بدأ وجهه متشنجاً
وهو يقول باختصار
= ايوه هي لقيتها مغمى عليها على السلم بسرعه اتصل بحد من اخواتها يسبقوني على المستشفى اللي في اخر الشارع .
ركض البواب بسرعه الى الداخل ليفعل ما أمره به، بينما اعتدل آدم حتى يغلق الباب ويلتفت الى باب السائق لكنه نظر إلي نفسه بذهـول ، وأخفض بصره نحو تلك التي وضعها فوق مقعد سيارته وشهق متسائلا بخوف
= إيه ده آآ ده دم! دي بتنزف .
❈-❈-❈
و خلال تلك الفترة لم يتوقف شاهين عن السؤال عن تلك الفتاه التي تدعي ضحي و أسرتها وقد تساءل عنها في المنطقه وخارج المنطقة ولم يجد الا كل خير عنها وعن أسرتها و بالأخص هي! الجميع قد شكر في أخلاقها فوجد ان الكثير من الأسر هنا كانت تعرفها حيث كانت تعطي الى اولادهم دروس بالمنزل
لكن رغم كل تلك الاقوال الجيده أستمر شاهين بالتساؤلات باصرار وعلى نطاق اوسع فهو لا يأمن باختيار إبنه لكن حقا تفاجأ تلك المره بأنه أحسن الإختيار!. لكن بالتأكيد لم يخبر ابنه بذلك واعترف بها بينه وبين حاله .
بينما منذر كان قد نفذ صبره ولا يعرف لما والده كلما يخبره عن الأمر يعترض بأن يذهب ليطلبها له بالوقت الحالي و يخبرة بانه ما زال يسأل عنها وعن أسرتها، وذلك جعله يشعر بالاحباط واليأس وبأنه سيرفض بالنهاية ويقترح عليه عروسه أخرى من اختياره هو كالسابق! ويفاجئ بالامر بعد ان يذهب ويطلبها له.. لذلك كان طول الوقت يشعر بالقلق من صمت والده الغامض !.
وفي ذلك اليوم كان منذر يعمل بالوكاله بوجه ممتعاض ومستاء من رفض والده إلي زواجه،
حتي أقترب شاهين وتطلع فيه عده لحظات ثم أخبره بسخرية هاتفاً
= للدرجه دي هتموت وتتجوز ما انا كنت بتحايل عليك انا وامك طول السنين اللي فاتت من ساعه ما اتطلقت هي البنت واكله عقلك للدرجه دي.
ترك ما بيده بضيق شديد و أردف قائلاً بوجه متجهم
= من غير تلاقيح من فضلك يا حج قلت لك بدل المره الف انا مش كده، انا اصلا ما شفتهاش غير مرتين مره ساعه الفرح ومره ثانيه لما شفتني وانا ببص عليها بالصدفة لما عديت قدام الوكالة ولا فكرت اروح اكلمها ولا اعمل اي حاجه حرام وقلت لك على طول ان انا عاوز اتجوزها وتعالى معايا.. وانا أهو سايبك كل ده تسال عنها بلاش بقى تقول كلام ما لوش لازمه .
أخذ نفسًا عميقًا ببطء ثم تحدث وهو يجيبه بجدية
= طب اهدى على نفسك خلاص، يوم الخميس ان شاء الله هروح انا وامك ولو عاوز تيجي معانا و نروح نتقدملها، انا لسه قافل مع أبوها و قلت له ان احنا هنعمل زياره عندك بكرة .
❈-❈-❈
خلال ساعة لج الإثنين رانيا وأختها زينب إلى داخل المستشفى التي تقطن بها اختها ديمة بعد ما اخبرهم البواب بما حدث معها، دخلوا يبحثون عنها مثل المجانين بخوف عليها حتي
وقعت أنظارهم علي آدم وهو يقف جانب غرفة، أسرعت زينب تتسائل بلهفة وخوف
= استاذ آدم طمني مالها ديمه ايه اللي حصل لها، ابوس ايدك طمني على اختي وما تخبيش عني حاجه .
وعلى مقربة منهما وقفت رانيا الاخت الكبرى تطالعهما بنظرات دامعة، وأردفت برعب عليها
= ايه اللي حصلها ما كانت عندي من فترة وكويسه إيه اللي تعبها فجاه كده .
التفت آدم برأسه للجانب بعطف عليهم فهو بالأساس شعر بالاشفاق عليها وهي بين ذراعيه تنزف الدماء، أجابهم بصوت جاد وهو يشير بيده
= يا بنات اهدوا انا والله ما اعرف ايه اللي حصل لها زيكم، انا وانا طالع فجاه لقيتها على السلم مغمى عليها حاولت افوقها ولما مافقتش شلتها بسرعه على المستشفى وجريت بيها وقلت للبواب يتصل بيكم .. ما تقلقوش ان شاء الله حاجه بسيطه والدكتور دلوقتي هيطلع ويطمنكم .
هزت رأسها كلا منهما بقله حيلة ولم يتوقف لسانهم على الدعاء لها، ثم جلست زينب الاخت الوسطى على المقاعد المعدنية المقابله و سحبت حقيبتها نحوها مفسحة المجال إلي اختها لتجلس، لكنها قبل ان تقترب خرج الطبيب ونظر إليهم هاتفاً بصوت خشن
=مين اهل المريضه .
اقترب الجميع منه، وسألته رانيا بتوجس
= ايوه يا دكتور احنا اخواتها طمني على اختي الله يخليك مالها ايه اللي حصل لها .
تحدث الطبيب قائلاً بهدوء
= الحمد لله قدرنا نوقف النزيف في الوقت المناسب حالتها كانت صعبه فعلا.. والاستاذ جابها في الوقت المناسب بس هتفضل هنا اسبوع تحت الرعايه .
تبادل الاثنان الإخوات نظرات غريبة عقب جملته تلك، وانقبض قلب رانيا بقوة وهي تسأله بعدم فهم
= ما تفهمني اكتر يا دكتور نزيف إيه اللي حضرتك بتتكلم عليه وليه اصلا يحصل لها نزيف دي عمرها ما اشتكت من حاجه .
عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول بجدية
= هو انتم ما كنتوش عندكم علم انها كانت حامل وفقدت الجنين ولا إيه؟ دي كانت حامل في شهرين وثلاث أسابيع
خلال ثواني مرت تعذر رانيا عليها التنفس فشحب لون وجهها، وتشنجت تعبيراتها معلنة عن دخولها مرحلة الهلاك مما سمعته للتو! صغيرتها وطفلتها التي تربت على يديها حامل بدون زواج! كيف؟ تحشرجت أنفاسها وهي تقول بعدم تصديق
= يا نهار أسود ومنيل، ايه المصيبه دي حامل يعني ايه؟ ومنين؟ وازاي؟ واحنا كنا فين.. يعني ايه كانت حامل !!!.
تحركت نحو اختها ترمقها بنظرات شبه مذعورة، فتوسلتها بصوتها المتحشرج بأن تنفي ما سمعته بأنه صحيح
= زينب انا سمعت صح مش كده؟ ليه كده يا ديمه ليه تعملي في نفسك وفينا كده .
وضعت الأخري يدها فوق رأسها بصدمه كبيرة وقالت بصوت متألم
= مش قادره أصدق؟ ديمة أنا اختي الصغيره كانت حامل؟؟.
بينما الصدمه لم تختلف على آدم كثير صحيح رغم أنه ليس من ضمن افراد العائله لكنه كان على مقربة شديدة منهما بالسابق ويعرف جيد اخلاق تلك العائله، لذلك شعر بالصدمه من فكره ان تكون تلك الصغيره حامل! لكن حاول أن لا يتدخل فيما لا يعني ولا يتسرع بالحكم فربما تكون متزوجه بالسر، سحب نفسًا عميقًا، لفظه ببطء محافظًا على ثابته و حمحم بحرج من ذلك الموقف الذي حدث امامه وهتف قائلاً بتريث
= احم طب الحمد لله انها بخير انا لازم امشي دلوقتي عن اذنكم.. بس لو احتاجتوا أي حاجه انا هكون موجود وما حدش منكم يتردد لو احتاجني في اي حاجه .
تحركت رانيا إليه بسرعه وتقطع صوتها واختنق على الأخير وهي تقول بإحراج شديد
= استاذ آدم لحظه بالنسبه يعني للي حصل وحضرتك سمعته ما ينفعش حد يعرف و…
رفع آدم أنظاره للأمام و قاطعها بجمود جاد
= من غير ما تقولي يا مدام رانيا انا ما ليش دعوه ولا عرفت حاجه من الأساس، ما تخافيش وانا بعتبر نفسي اصلا واحد من العيله و والدك الله يرحمه ياما ساعدني زمان ولي عليا افضل كتير.. وانا مش عشان السبب ده بقول لك مش هتكلم! لا لان هو ده الصح
أخفضت رأسها تبكي بعجز بألم، وتنهد مجددًا مخرجًا من صدره الكثير من الهموم مع زفيره مشحونة، وأضاف بصدق
= المهم انتٍ بس ربنا يعينك وتعرفي تحلي الموضوع وبالراحه حاولي تفهمي من اختك اللي حصل احتمال تكون كانت متجوزه ولا حاجه افهمي منها الاول.. وبقول لك ثاني لو احتجتي اي حاجه ما تتردديش تطلبيها مني .. عن أذنك.
❈-❈-❈
في منزل معاذ، جلست بسمة فوق الفراش الواسع تلاعب شعرها الأسود المجعد بأنامل يدها وبيدها الأخرى تمسك الهاتف وتتحدث مع صديقتها مروه التي كانت تسألها بفضول
= جوزك عمل إيه لما رجعتي متاخره المره اللي فاتت
هزت بسمة كتفها تقول ببساطة
= ولا حاجه ما خدش باله اني اتاخرت اصلا وكان مشغول في اللعب علي الكمبيوتر .. ولما سالني قلت له ان بابا تعب وكان لازم افضل جنب اختي وما تبقاش لوحدها لحد ما اطمن عليه
قالت لها مروة بصدمة
= معقول ما خدش باله خالص ولا بيلاحظ تاخيرك كل مره ولا واثق فيكي للدرجه دي ولا مهملك ومش فارقه معاه أصلا.
همهمت لها نافية ثم قالت بنبرة باترة
= مش موضوع فارقة معاه بس ما يجيش في دماغه خالص اللي انا بعمله، عشان كده بيقعد يزعق شويه على التأخير ويعاتبني وبعد شويه بيعدي الموضوع.. وبعدين أصلك ما تعرفيش معاذ شخص كوسلي جدآ ولما بزنقه في الكلام و بقول له لو مش عاجبك تعالى وصلني وجبني من عند بابا بيغير الموضوع ويطنش ويقول لي خلاص اعملي إللي تعملي بس بعد كده ابقي خلي بالك المره الجايه .
عادت الأخري تقول لها محذرة
= طب طالما الموضوع كده ما تواجهيه بدل ما يعرف بالصدفه أحسن
ارتعشت شفتي بسمة بتفكير ثم سارعت تقول
بقلق
= لا طبعا انا مش عاوزه مشاكل انا لو دخلت في مواجهه زي دي هكون انا الخسرانه والكل هيغلطني، وبعدين معاذ على قد ما بيكبر دماغه وبيتعامل مع المواضيع الكبيره بعدم مبالاة برده في حاجات بيقف معايا فيها وبيقلب الدنيا لما بيعرف..
مطت شفتها السفلى قائلة بضحكة ساخراً
= بس بصراحه يا بختك انا لو معايا واحد زي جوزك ده مكبر دماغه مني خالص واروح واجي براحتي يبقى افكر على كده اتجوز قريب.
غمغمت بسمة بامتعاض
= ما تاخديش بالمظاهر العيشه مع بني آدم سلبي وانتٍ مش فارقه معاه و شايفاه قدام عينيك مش مسؤول ولا بيتعب عشانك انتٍ وابنك نظرتك لي هتتغير وهتكوني قرفانه منه طول الوقت .
هزت كتفها مروة بعدم مبالاة وهتفت ببساطة
= ما تكبريش الموضوع أوي كده يا بسمه ما انتٍ كل اللي انتٍ عاوزاه بيجيلك من اكل وشرب ولبس، وبتعرفي تطلعي منه فلوس شويه عشان الموضوع اياه !. مش فارقه بقى يشتغل ولا ما يشتغلش وأنه بياخد المصروف من ابوه لحد دلوقتي .
زفرت بسمة بضيق ورفعت يدها الأخرى تبعثر شعرها الأسود المجعد لتقول بقهر
= لا طبعاً بتفرق امال الراجل اسمه راجل ليه مش اما يكون اسمه مسؤول وبيصرف على بيته من جيبه هو !.
تمتمت صديقتها بنبرة متهكمة
= طب لما انتٍ متضايقه أوي كده من العيشه معاه ما تطلقي وتريحي نفسك
تنهدت بعجز وقلة حيلة ثم قالت ساخطة
= هو انا لو بايدي اعمل حاجه ذي كده كنت هستنى تقوليلي؟ ابويا هيرفض لو طلبت منه يطلقني وهيقولي هو انا كنت بجوزك انتٍ واختي عشان تقعدوا جنبي، و غير لو قلت اسبابي محدش هيهتم بيها وهيكونوا شايفين الأمر بسيط وعادي زي اهله ما بيعملوا… ما قداميش حل غير أن ادعي ربنا يتعدل وما يعرفش حاجه عن سري!
❈-❈-❈
في اليوم التالي، عادت ديمة الى منزلها رغم انها لم تكمل فترة علاجها بالمشفى لكنها رفضت ان تظل اكثر من ذلك هناك، واخواتها لم يتركوها هذه المره بمفردها وحينها شعرت هي بالسخرية المريرة فكانت قبل ذلك تتمنى ذلك الأمر بشده قرب اشقائها وان يظلوا جانبها لكن لقد حدث ذلك متاخر جدآ .
بينما الأمر بالنسبه اليهم لم يكن جيد على الإطلاق فقد كان العبوس واضحاً على أغلبهم. وكلما حاولت رانيا ان تقترب من أختها لتعرف كيف فعلت ذلك ومن والد الطفل الذي اجهضته تقابلها بالصمت التام! لكن اليوم لم تستطع الصبر حتى تعرف ما الذي حدث معها
واقتربت منها بانفعال كبير هاتفه بصوت عالٍ
= لا بقى انا زهقت مش قادره استحمل اكتر من كده ولازم تتكلمي واعرف ازاي قدرتي تعملي فينا كده وفي نفسك ومن ابو إللي كان في بطنك ده؟ انتٍ داريه بالمصيبه اللي عملتيها ولا لاء يا بنت انتٍ
ركضت زينب مهرولة إلى داخل الغرفة بقلق كبير وهي تمسك كتف اختها قبل ان تتهور قائله بنبرة محذراً
= رانيا وطي صوتك واهدي عشان ما حدش يسمعنا، مش ناقصين فضايح اكتر من كده
حالة من الهياج والعصبية سيطرت عليها كلما تفكر في الوضع الذي أصبحت فيه فهي تعتبر الآن المسؤوله عنهم ويجب ان تحل الأمر لكن لم تجد أي حل مطلقاً فاختها وضعتها في وضع صعب حقا، كزت على أسنانها قائلة بجنون
= اهدي! هي بعد عامله اختك بقى فيها اهدي هو انتٍ مفكره الفضيحه كل ده وما طالتناش وأن الناس مش هتعرف؟ انا مش عارفه لو ما كنش دلوقتي نزل اللي في بطنك كنت هتصرف ازاي ولا اعمل ايه ولا ما انا برده في مصيبه ثاني، هنتصرف ازاي بعد اللي عملته ما تنطقي وتقوليلي ايه اللي حصل ومين أبوه اللي في بطنك انا مش هفضل مستحمله سكوتك ده كتير .. أنطقي واتكلمي قصرنا معاكي في ايه عشان تحطينا في البلوه دي .
نظرت ديمة إليهم وشعرت برجفة جسدها المرتعش وهي تنهض ببطء وتعب أمامهم، و بدأت تدمع عينيها أكثر بحزن عميق بارز على محياها
= هو أنتم بجد بتسالوا قصرتوا في ايه؟ و واثقين أوي كده ان انتم عملتوا اللي عليكم و زياده بالذات انتٍ يا استاذه رانيا يا اختي الكبيره واللي ابوك وامك وصوكي عليا قبل ما يموتوا.. عايزه تعرفي الفضيحة والمصيبه اللي بجد إيه اللي انتم وصلتوني ليها؟ المصيبه والفضيحه بجد ان انتم نسيتوني من حياتكم من ساعه لما كل واحده بقيلها حياتها ودلوقتي حتي خايفين على مصلحتكم مش خايفين عليا.
بكت ديمة بقهر حينما بدأت تعيد ذكرياتها كل ما حدث وابتلعت ريقها بتوجس خطير وبدا وجهها شاحباً للغاية وهي تردف بتهكم مرير
= عاوزه تعرفي مين أبو اللي كان في بطني وازاي قدرت اعمل كده؟ ابوه الشاب اللي انا جيتلك وحاولت اكون صريحه معاك وما اخبيش عليكي حاجه وقلت لك ان انا بحبه! ومن غير ما تعرفي مني تفاصيل ولا اي حاجه زعقتي فيا وامرتيني أن اقطع علاقتي بيه وابطل هبل وما فيش حاجه اسمها حب وانا في السن ده واركز مع مذاكرتي ودراستي أحسن! ومن بعدها لما كنت بحاول افتح معاك الموضوع تاني ولا ايه حاجه زي كده كنتي برده بتعملي نفس التصرف وتزعقيلي وما فكرتيش تسمعيني ولا مره أو حتى تفهميني الغلط فاللي انا عملته وقتها.
شعرت فجاه بوخــز كبيره في صدرها وأكملت قائلة بنشيج
= بس انا بعد كده عرفت الغلط فين لما بقيت اواجه كل حاجه لوحدي، انا ما قدرتش ابعد عنه رغم ان انا حاولت زي ما انتٍ قلتيلي عشان ما كنتش عاوزه ازعلكم بس ما قدرتش هو مش موضوع ان انا بحبه ومش قادرة ابعد عنه؟ لا انا ما بقتش قادره استغنى! ما بقتش قادره أعيش الحياه دي لوحدي طول الوقت والكل بعيد عني و زياره كل شهرين ولا ثلاثه مره ولا مرتين او ساعات اصلا تنشغلوا وما تجوش خالص وعشان تريحوا ضميركم تطمنوا عليا بمكالمه لمده دقيقتين! ياااه في الدقيقتين دول بتعرفوا ان انا باكل كويس؟ ونايمه مرتاحه وما عنديش مشاكل ولا خايفه ولا تعبانه من اي حاجه.. وفي الدقيقتين دول بتناموا وتحطوا راسكم على المخده وانتم ضميركم مرتاح ان انتم بتصونوا الامانة اللي سابها لكم ابوكم وامكم.. وفي الدقيقتين دول برده بتكونوا متأكدين ان انا بخير مش عارفه إزاي؟ وبالدقيقتين دول اطمنتي يا ابله رانيا ان انا فعلا قطعت علاقتي مع الولد ده و سمعت كلامك! وبعد كل ده بتسالوني احنا قصرنا في إيه .
هربت الدمـاء من وجه الاختين وهم يسمعون معاناتها فهي تواجههم امام انفسهم بأنهم كانوا جزء من تلك الكارثة بسبب إهمالهم لها.. لكن رفضت رانيا ان تعترف بذلك وبصعوبة بالغة تمكنت من إمساك نفسها نسبياً عن ضربها على تهورها الغبي وصاحت فيها موبخة إياها
= انتٍ مش هتجيبيها فينا مهما قصرنا زي ما انتٍ بتقولي ما فيش واحده محترمه ومتربيه تعمل اللي انتٍ عملتيه ده ولا مستنيه انا واختك نقول لك ان ده غلط .. وبعدين انا عاوزه اعرف علاقتك اتطورت مع الكلب ده ازاي اللي انا رغم حذرتك فضلتي برده مكمله معاه
لم تعبأ ديمة بتعنيف أختها لها فقد كانت في حالة صعبة للغاية، ثم ردت عليها بنبرة ثقيلة
= ما انا لو كنت في اهتماماتك يا أبله رانيا كنتي اتاكدتي وعرفتي انا علاقتي اتطورت ازاي عايزه تعرفي حاضر! الشاب ده اصلا كان السواق بتاع الاتوبيس اللي بيوصلني للمدرسه قرب مني وابتدى يعرفني عليه واحده واحده العلاقه بينا اتطورت حسيت ان انا مش واعي كفايه للي بيحصل حواليا ما كنتش مرتاحه أن بعمل حاجه من وراكم؟ وفكرت فيكي انتٍ اول واحده جريت عليكي احكيلك كل حاجه عشان توعيني وتفهميني!!! بس اتفاجئت من رده فعلك لما ما سمعتنيش ولا فهمتيني وامرتيني بغضب أن لازم أبعد عنه من غير حتى ما تفهميني وتوعيني كفايه اضرار الموضوع وأن ممكن ياذيني ازاي؟
أخذت أنفاسها وهمست مجدداً بصوت مختنق مقهور ومتقطع ناظرة نحوهم بنظرات مشوشة
= ولا حتى تفهمي الشاب ده مين ولا هو قريب مني لاي درجه، كل خطوه كنت بخطيها معاه كان جوايا إحساس مش مريح و ان انا غلطانه بس مع ذلك ما كنتش بنسحب! ما كنتش فاهمه نفسي في الاول بس فهمت متاخر بالذات لما بقيت اركز في تصرفاته بعد ما عرفت حقيقته ان هو كان كل ده بيلعب بيا عشان ياخد مني فلوس وان هو عمره ما حبني وأنه كان بيقرب مني عشان مصلحته هو كمان .. و أن كنت في حياته ولا حاجه واخر اهتماماته زي غيره
شعرت للحظة بالإنكسار والخزي، وبمهانة من الصعب محوها من الذاكرة بعد أن أدركت أنها وقعت في مأزق كبير، صـاحت بهما بعنف
= لما لقيت نفسي لوحدي حبيت القرب ده رغم أنه كان غلط ولاني برده لوحدي كنت بحكيله كل حاجه كان نفسي احكيها لكم بس انتم مش موجودين، ودي كانت اكبر غلطة انه عارف عني كل حاجه ونقطة ضعيفه كمان.. عارفه كنت كل ما ارفض حاجه غلط عاوزني أعملها ولا افكر أبعد ولا اعترض كان بيعمل إيه؟ كان بيستخدم معايا أسلوب حقير! انه يقفل تليفونه ويختفي من حياتي ويحسسني بالخوف ان هو كمان مشي من حياتي ذيكم.. وانا كنت زي المغيبه بتجنن وعاوزه اوصل له بأي طريقه؟ وبعد أسبوع ولا ايام يظهر لي وانا اوفق على طلبه مضطره.. لحد ما طلب مني الزواج العرفي بحجه ان انتم عمركم ما هتقبلوه به في حياتي لانكم رافضين تسمعوني ولانه هو شاب على قد حاله وانا اقتنعت فعلا انك هترفضوا حاجه زي كده واتجوزني عرفي مع الأسف بعد طبعاً ما استخدم نفس اسلوبه في الاختفاء عشان يحسسني بالخوف وان انا اللي محتاجاه .
بدوا الاثنين ينظرون إليها باهتمام بالغ خوفاً على حياتها مما بدأت تسرد عليهم، فهم لا يعرفون ما تعرضت له و أن تلك الأحداث العصيبة حدثت معها بمفردها وهم كانوا بعيد عنها و يظنون أنها بخير وليس أصبحت تحصد خسائر فادحة، غطت ديمة وجهها بين يدها باكية بحرقة وندم على ما افتريته بحقها
ثم هزت رأسها بعنف وهي تضيف بحسرة شديدة
= وفي نفس اليوم اللي قرب مني! كشفلي عن حقيقته وان عمره ما حبني وكان بيقرب مني عشان طمعان فيا مش اكتر وابتدى يهددني ويضربني عشان ياخد مني فلوس! وكان بيقول لي دايما لما احاول اهرب ولا اهدده زي ما بيعمل ان اضعف من ان اعمل كده لوحدي و جبانه وما حدش عمره هينقذني منه، وحتى اخواتك اللي نسيوكي ولا بيسالوا عليكي ولا دريانين باللي بيحصل لك عشان كده هتفضلي تحت رحمتي واوعي تفكري تعترضي علي طلباتي.. وانا كنت ضعيفه قدامه فعلا لوحدي! حتى لما هددني بميه النار اللي هيشوي بيها وشي عشان امضي على ورقه بيضاء استسلمت وما قدرتش ادافع عن نفسي.. و فضلت كده طول الوقت بتعرض لأساليب ابتزاز منه وانا مش قادره اقوم ولا اقول لكم ولا اعترض على طلباته.. حتى موضوع حملي اكتشفته بالصدفه اصلا في المستشفى زيكم بس احسن انه مات انا ما بقيتش بكره حد في حياتي قده ولا طايقاه ونفسي اخلص منه ومش عارفه.
شهقت زينب مفزوعة لاطمة على صدرها مما تسمعه، مرددة بصدمة
= إيه!.
بينما اتسعت حدقتي رانيا بفزع كبير حينما أدركت حجم الخطر المحيط باختها منذ فترة طويلة وهي كانت لا تعلم به! خفق قلبها بتوتر كبير وهي تتخيل كل ذلك حدث بالفعل مع أختها الصغيرة وتحفزت حواسها بالكامل بعد سماعها كل ذلك وكيف استغلها ذلك الخبيث وكان يهددها بأبشع الطرق..
نظر إليهم فجاه بقسوة، ثم رددت عليهم من بين شفتيها بصوت متشنج مرير
= وانتم كمان بقيت بيكرهكم ومش عاوزاكم في حياتي و انتم اصلا اللي ابتديتوا تنشغلوا في حياتكم وتنسوني يلا اتفضلوا بره وافضلوا زي ما انتم واعملوا نفسكم مشغولين وطمنوا نفسكم بمكالمه آخر الليل مدتها دقيقتين عشان تعرفوا تحطوا راسكم على المخده وانتم ضميركم مرتاح.. ومش حاسين ولا دريانين باللي بيحصل لي واللي انتم كنتم جزء منه.. يلا بره مش عاوزه اشوفكم اخرجوا من حياتي زي ما انتم خرجتوني…. يلا بره مش طايقاكم ولا عاوزاكم في حياتي برررره.
❈-❈-❈
تحركت بسمة إلي خارج المطبخ ثم وضعت طبق الحلوى الذي أعدته إلي زوجها فوق المنضدة بقوة، ثم وقفت متخصرة أمام التلفاز الذي كان يتابعه زوجها باهتمام هادرة
= اتفضل الحلو اللي طلبته.
نظر لها بانزعاج وهو يلوح لها بيديه جانبا كي تبتعد
= خلاص مش حطيتيه.. اوعي بقي من قدام التلفزيون عاوزه اتابع الماتش .
نظرت إليه نظرة حقد ثم استدارت تغلق التلفاز من الزر المخصص له ببساطة ثم عادت تنظر لزوجها متجهمة بينما تكتف ذراعيها، انتفض
وهو يعتدل جالسا على الأريكة فزعق بها باستنكار
=انتٍ بتقفلي التلفزيون ليه هو انتٍ مستقصداني مره تقفلي عليا النت ومره التلفزيون افتحيه دلوقتي حالا .
ازدادت ملامحها غضب وهي تقترب منه ثم أردفت تتحدث بجدية
= طالما انت قاعد فاضي كده ومش لاقي حاجه تضيع فيها وقتك اتفضل اخرج مع ابنك شويه وفسحه زي ما كل الابهات بتعمل.. الولد ابتدى يزهق ويسال انت ليه مش بتخرج معاه
ضيق معاذ عينيه متسائلا باستهجان
= امال انت كل جمعه بتاخديه وتروحي فين مش بتفسحي وبعدين هو مش في مدارس! عرفي ابنك يا هانم مش كل حاجه لعب طالما عليه التزامات تانيه .
تمتمت بسمة له باقتضاب مغتاظ
= طب ما انت شاطر اهو وعارف التزامات غيرك عقبال ما تعرف التزامات نفسك، اسمعني كويس يا معاذ انا مش كل حاجه فوق دماغي لوحدي! مطنش تساعد في البيت وخلاص جبت اخري منك وانت مش راضي قلت ماشي لكن مش ابنك كمان هتهمل فيه.. الولد ابتدا يفكرك انك مش بتحبه، انت كل يوم والثاني بتنزل تقعد على القهوه مع اصحابك بالساعات خصص لنفسك ساعه واحده بس هتفرق معاه .
جلس مجدداً فوق الأريكة وبرر معاذ وجهة نظره باقتضاب
= مش بحب مين؟ كل ده عشان مش عاوز اخرج معاه ما انا جربت مره خرجت معاكم وندمت هو انا لسه عيل صغير هروح معاكوا حديقة الحيوان ولا النادي اكل ايس كريم واتصور مع الحيوانات! ايه الخروجات الهايفه بتاعتكم دي.. ومع ذلك ما منعتكيش وقلتلك روحي زي ما انتٍ عاوزه فسحيه وما لكيش دعوه بقى اخرج و اروح فين أنا.
زمّت شفتيها حانقة، وأردفت بتوضيح جاد
= اهي الهيفاء اللي بالنسبه لك دي مهمه لابنك ده طفل عاوزه يروح يقعد فين؟ علي القهوه يشرب شيشه ويلعب دومنيك مع اصحابة
ويقعد بالساعات يلعب قدام الكمبيوتر
استبد الغضب به مما تتحدث به فقال لها محذرا وهو يلوح أمامها بسبابته
= بسمه بطلي تلاقيح كلام واتلمي وما تدخليش في اللي ما لكيش فيه اعمل اللي انا عاوزه، انا ما بدخلش في تربيه ابنك وسايبلك تعملي اللي انتٍ عاوزاه بس الظاهر انك ابتديتي تدلعيه زياده عن اللزوم
حادت بعينيها عن عينيه متخاذلة إلا أنها أصرت أن تفرغ ما بجعبتها فعادت تنظر له هاتفة بانفعال
= وانا ما قلت لكش سيب المسؤوليه كلها عليا تعالى ساعدني هو انا رفضت ده انا شويه وهبوس ايدك انك تساعد في اي حاجه في البيت ده، وبعدين مش انا تربيتي غلط وبدلع ابنك اتفضل اتدخل بقي هو انا حوشتك قبل كده.. وبعدين شوف مين بيتكلم على الدلع خلينا ساكتين أحسن.
تنهد معاذ تنهيدة طويلة فاقد الصبر ليجيبها بشيء من البديهيات
= لا وتسكتي ليه ما انتٍ لازم تنكدي على اللي جابوني هو انا مفيش يوم يعدي غير لما تقعدي تنكدي عليا كده! عاوزاني اقعد اعمل معاه ايه يعني قلتلك ما برتاحش في خروجاتكم هي عافيه .
رفعت بسمة عينين بملل وتأفف نحوه ثم قالت بجفاء
= ما قلتلكش عافيه ومش لازم حتى تروح الأماكن اللي مش عاجباك معاه، خرجه في الاماكن اللي انت شايفها كويسه بس اقعد معاه شويه حسسه بوجودك.. إبنك حساس ولما بيشوف صحابه في المدرسه بيقعدوا يتكلموا على رحلاتهم مع ابوهاتهم وصورهم مع بعض بيزعل و نفسيته بتتعب..
ثم كتفت ذراعيها أمام صدرها و أضافت متحدية بصلابة
= ده غير كمان دلوقتي بقى يتكلم ويستغرب قعدتك في البيت من غير شغل ومع أن نص اصحابه في المدرسه بعضهم بيشتغلوا؟؟. وحتى اخوك كمان بيشتغل رغم انه مش متجوز دلوقتي، وبدأ يسأل ليه بابا الوحيد إللي مش بيشتغل زي عمو منذر
هدأت ملامح معاذ واستكانت قليلا لدرجة السكون المزعج والغير معبر عن شيء وهو يمعن النظر في وجهها حتى أن ذراعيها تراختا إلى جانبيها وهي تعقد حاجبيها باهتمام قبل أن يرد أمامها بنبرةٍ خفيضة مبهمة
= قوليله أن بابا بيشتغل بالليل وقت ما تكون نايم وخلصي موضوعك عشان انا مش ناقص صداع كثير .
ضيقت عينيها وكاد الشرر يتطاير منهما وهي تقول بغل مهددة
= آه تقصد اكدب على ابنك يعني، طب لو دخلت عليه دلوقتي مع ان ابنك مع الوقت هيفهمها لوحده لما يكبر موقفك هيكون ايه؟
وهو شايفك طول حياتك مش بتشتغل و مستني تاخد المصروف من ابوه.. وبطل اسطوانه بتاعه كل مره بشتغل وانتٍ ما بتشوفنيش عشان انا مش معشراك يوم ولا
ثلاثه دول سنين يا حبيبي وكفايه أوي افهم اللي فيها .
أخذ طبق الحلوى الذي أحضرته له على وجه الخصوص وبدأ يأكل أمامها دون اهتمام، بينما سقطت بعض فتات الحلوى على ملابسه، لكنه بدأ في زلقها على الأرض ولم يهتم بتنظيفها! فمنذ صغره كانت أمه تنظف كل ما خلفه دون أن يزعج نفسه، فكانت تقوم هي وتنظف ما يفعله من فوضى! خوفاً علي صحته من أي مجهود بسيط يقوم به بسبب مرضه.. والآن بدأت بسمة تقوم بهذا الدور تحت الإكراه!!
عاد يستقل على الأريكة ليخبرها بنبرة خانقة وعدم مبالاة، وهو يلوح لها بيده الممسكة بجهاز التحكم بالتلفاز عن بعد
= طب ما تفهمي اللي فيها، انتٍ مالك انتٍ وابنك اشتغل ولا ما اشتغلش مش كل اللي انتم عاوزينه بيجي لكم ما لكيش فيه بقى.. و في النهايه فلوس ابويا هي فلوسي! يعني اذا ماكنتش انا اللي هصرفها مين اللي هيصرفها؟ وهو كمان اللي بيديها لي بايده و راضي فاطلعي انتٍ منها بقى وسيبيني اكمل الماتش .
عاد الغضب والكراهية إلى وجهها عندما تحدث بتلك النبرة الغير مهتمة فقد ظنت أنها عندما تخبره أن طفله بدأ يفكر فيه بهذه الطريقة الدونية، أو أنها تعرف ما كان يحدث طوال سنوات زواجهما وأنه كأن يأخذ مصروف المنزل من والده دون عمل…!! سيشعر بالحرج ويغير الترتيبات اللازمة له بسبب ذلك للأفضل! لكن يبدو أن لا مفر من تفكيره وعجزه ليظل بهذه الطريقة يسقط من نظرها، ومع الوقت سيسقط من نظر ابنه أيضا.
❈-❈-❈
بداخل مرحاض المدرسة، أغلقت ضحى الباب خلفها وهي تستند بيدها على الحائط الأبيض تتنفس الصعداء بثقل كأنها كانت تهرب من شيء ما؟ حيث بالخارج وجدت زميلتها بالعمل والاصغر منها سنا أيضا توزع بطاقات دعوه زفاف على الزملاء كلهم لحضور حفل زفافها! لم تكن الشخصية التي ربما تشعر بالغيره من ذلك أو الحقد لكن فرت هاربة دون ان يلاحظ أحد لأنها تعرف تلك المواقف التي تتعرض لها دوماً من الآخرين..
سيبدأ كل منهما يسألها لما هي أيضاً لم تتزوج
حتي الآن؟ وهل يوجد شيء لا يعرفون؟ وهل الرفض يأتي منها أو منهم؟ أو ربما هي من ترفض فكره الزواج كلها؟ أو تتدلل عليهن؟
أو لا يتقدم لها أحد من الأساس!.
ثم بعدها ستبدأ فقر التعاطف والشفقة و النصائح بالطريقه اللاذعه، يجب أن تسرع في الأمر حتى لا تجد نفسها وحيده بتلك الدنيا وتتوقف العرسان على طلبها او تجد نفسها لا تستطيع الإنجاب.. و تندم بعد فوات الأوان.
وسوف تظل هكذا تدوم فقره الاسئله دون توقف أو ملل دون ان يلاحظوا ما يفعلون بها بتلك الكلمات القاسية، لذلك وجدت الهروب من امامهم أفضل حل مؤقتاً!. فلا يعرف احد منهم ما تعانيه كل فتاه مثلها من تلك الضغوطات التي لا ترحمها أبدا.
مسحت علي وجهها بتعب ويأس فبسبب تلك الأسباب كانت ستوافق على الفرصه الوحيده التي جاءتها وليس مناسبه! من طرف شخص يريد استغلال ظروفها لتوافق أن ترتبط به مقابل الموافقه على زواجه للمره الثانيه .
لوت شفتيها بسخرية مريرة وهي تتذكر رده فعله عندما رفضت إياه وهنا ظهرت حقيقته وجعلتها لا تندم على رفضه، لكن بنفس الوقت لا تعرف متى ستتخلص من تلك الأشياء السيئه التي تمر فيها من حياتها، و متى سيأتي العريس المناسب!. أو ربما لم يأتي وستظل طول حياتها هكذا فالعمر يمر دون توقف، فهل بيدها شئ من الأساس تفعله؟ فليس من الفتيات التي ترخص نفسها وتركض خلف الشباب وتتنازل عن أخلاقها مقابل الارتباط .
لتفكر بجدية فمن الواضح بأنها ستقضي طول حياتها هكذا بالفعل دون زواج، و ربما لو استسلمت لتلك الفكره ستتخلص جزءا من معاناتها اليومية بسبب الزواج و العمر الذي يمر منها.
بينما في الخارج بحثت عنها صديقتها بالعمل داخل المرحاض وتنهدت بحيرة وهي تحرك أنظارها في الإتجاهات أمامها هاتفه بقلق
= ضحى هو انتٍ اللي في الحمام مالك طولتي كده ليه هو انتٍ تعبانه ولا حاجه .
رفعت رأسها نحوه باب المرحاض بخوف وأجابت بإرتباك يشوب نبرتها
= لا انا كويسه ما فيش حاجه، طالعه اهو .
جاءه صوتها مجدداً تردف بهدوء قبل أن ترحل للخارج
= طب بسرعه عشان كنت عاوزه اديكي دعوه الفرح بتاعي، ومش عاوزه اي اعذار لازم تيجي
زفرت ضحي بصوت مختنق وهي تتحرك للخروج، فمن الواضح ليس هناك مفر من تلك المواجهه .
❈-❈-❈
في نفس الوقت، حملت كوثر أكواب الشاي ثم تحرك بخطوات متمهلة نحو غرفة الضيوف ولجت للداخل باحثة بعينيها عن الضيوف الذين يجلسون مع زوجها، جاءت من خلفهم وهي تضع صينية الشاي وعضت على شفتها السفلى مبتسمة بإبتسامة خفيفة قائله
= أهلا وسهلا نورتونا اتفضلوا .
اكتفي شاهين بالإبتسام، بينما التفتت مايسة نحو الأم والاب لتجد يطالعها بنظرات عادية، ثم أخفضت رأسها نحوه زوجها قائله بنبرة تعجب
= بقولك يا شاهين هو انت مش قلت لهم ان احنا جايين نزورهم النهارده ولا لاء؟ اصل حساهم كده بيتعاملوا معانا ولا اكنهم يعرفوا حاجه
هز رأسه بإيماءة جادة ثم أجاب موضحًا بغلظة
= انا قلت لهم ان احنا جايين نعمل لهم زياره جايز ما فهموش، دلوقتي هيعرفوا سبب زيارتنا اسكتي.
ضغط فوزى على شفتيه متمتماً بضيق خفي
= نورتونا يا جماعه، لا مؤاخذه يعني في الكلمه انا لحد دلوقتي ما اعرفش سبب زيارتكم وبصراحه انا ما اعرفكش يا حاج شاهين معرفه سابقه حتى ولا سمعت عنك وانا مش بقلل منك ولا حاجه بس حقيقي انا طول عمري في حالي ومش بختلط حتى بالجيران اللي في نفس عمارتي
رد عليه شاهين بنبرة عادية وهو يهز كتفيه
= لا ولا يهمك انا مقدر الموقف بس ان شاء الله هنتعرف على بعض اكتر الفتره الجايه وعشان اوضحلك اكثر واقصر عليك وعليا
انا جي أطلب أيد الانسه ضحى بنتك لابني منذر .
فغر فوزى شفتيه مصدوماً من ذلك التصريح قائلاً بدهشة
= هاه نتشرف أكيد بس انت فاجئتني بصراحه وما توقعتش خالص زيارتك تكون للسبب ده !. بس غريبه انت لسه قايل لي ان انت برده ما كنتش تعرفنا فابنك ده أتعرف علي بنتي فين
أبتسمت كوثر الأم بسعادة كبيرة وعدم تصديق لأجل ابنتها فأخيرًا انفكت العقده عنها وتقدم لها شاب برغبة الزواج منها، حاولت أن تتمالك أعصابها بصعوبة بالغة من الفرح! بينما أسرعت مايسة تهتف بتوضيح جاد
= شفها في فرح واحد صاحبه اسمه مصطفى وأخوه كان العريس ومرات مصطفى دي تبقى
تقريبا صاحبه بنتك هي اسمها نرمين وهو سأل من هنا وعرف اصلها وفصلها .
هز رأسه الأب بتفهم وبدا يشعر بالراحه نوعا ما تجاههم لكنه مازال لا يعرفهم جيد لذلك أردف قائلا بلهجة صارمة
= ايوه فعلا احنا نعرف نرمين دي بتيجي هنا كتير تزور بنتي.. طب عشان نقصر على بعض زي ما انتوا خدتوا وقتكم وسالتوا على بنتنا احنا كمان محتاجين نعرف معلومات عن ابنك ده ونسال عنه برده، و اظن ده حقنا .
أمعن شاهين النظر جيداً في بتفهم ثم قال بجدية
= اكيد طبعاً اسال براحتك عليه وعلينا و هتلاقي كل خير أن شاء الله، وانا برده ممكن اديك دلوقتي تفاصيل عن الموضوع وبرده زياده تاكيد أسأل براحتك عشان تتاكد من كلامي.. منذر ابني الكبير هو ما كملش تعليمه بحكم يعني أن كان لازم حد يقف جنبي في الدكان ويشتغل معايا ويشرب الصنعه ما هو في الاول وفي الاخر كله لي هو واخوه.. وهو بسم الله ما شاء الله ايده تتلف في حرير و شاطر أوي في الحكايه دي.. وعشان برده اكون صريح معاك اكتر منذر سبق واتجوز بس ما حصلش نصيب وطلق ولي كمان طفل عنده أربع سنين!
لاحظت مايسه ملامح الأم تبدلت بتجهم عندما ذكر زوجها بأن أبنها سبق وتزوج لكنها شعرت بأنها محقه قليلاً فابنتها مازالت آنسه ولم يسبق لها وتزوجت و بالتأكيد مثل أي أم تريد الصالح لأولادها، بينما أضاف عليه شاهين بصوت قاتم وهو يري ملامح الأب بدأت منزعجة
= ويعني العلاقه بينهم كويسه الحمد لله عشان الطفل اللي بينهم وما فيش مشاكل، اظن كده اديتك لمحه عن الموضوع واه بالنسبه للسن عشان ما تفتكرش أنه كبير لما قلت لك انه سبق واتجوز هو عنده 28 سنه حالياً .
نظرت له كوثر شزراً وهي تعلق بسخط متهكم
= نعم قلت كام؟ ابنك عنده 28 سنه .
رمقتها مايسه بنظرات مزدرية هاتفة بحده طفيف
= ايوه فيها حاجه يا مدام؟ اشمعنا يعني دي الحاجه الوحيده اللي ركزتي فيها.. ابني منذر بسم الله ما شاء الله عليه ما يغركيش سنه ده شاطر أوي ومن صغره وهو بيشتغل وعارف المسؤوليه .
نظرت لها بتأفف مرددة بنبرة غير واضحة
= انا مش بسال على السن عشان كده يا مدام الظاهر انكم مش واخدين بالكم من حاجه ولا واخدين بالكم والموضوع عادي بالنسبه لكم مش عارفه، بس أكيد حاجه زي ده هتفرق معانا
نظرت مايسة إلي شاهين بغرابة وارتفع حاجباها بعدم فهم، فتحولت نظرات الأب للإستنكار والذهول حينما سمع العمر أيضاً،
اضطربت أنفاس شاهين وهو يتسال متوجساً
= هو انا بصراحه مش فاهم حاجه ممكن حضرتك توضحي اكتر هو ايه الموضوع اللي هيفرق معاكم ومش فارق معانا .
أردفت الأم قائلة بعدم رضا بارز على محياها
= الموضوع إن بنتي ضحى عندها 35 سنه وانتم بتقولوا أن ابنكم ده عنده 28 سنه وده معناه أن ضحى بنتي أكبر من ابنكم بسبع سنين!!.
** ** **

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى