روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الرابع 4 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل الرابع 4 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الرابع

رواية قابل للكتمان البارت الرابع

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الرابعة

_________________
في الطابق الخاص بمنذر، طرق بأنامل كفه على الأريكة الجالس فوقها بحركة شارده بينما استند بذراعه الأخر على حافة النافذة متأملاً بفتور الشارع من حوله، فهو لم يذهب إلى أهل العروس المطلوبة بحجة أنهم سيذهبون أولاً لإثارة الموضوع معهم. وأوضح رغبته في الجلوس هنا وحيدا في انتظارهم! لم يعترضوا ورحلوا فعلا، ولكن ليكن صادقاً مع نفسه، فهو لم يذهب معهم لكي يضعهم أمام الأمر الواقع ولم يستطيعوا الرفض بعد ذلك عندما يعلم الاثنان بفارق السن بينهما .
حرك يده لينظر إلى الساعة. فالوقت قد تأخر
و هذا ما أثار قلقه، فربما كان الوضع يسير عكس ما أراد وخطط له كان يعرف موقفه، رغم تعقيداً الوضع. وربما لم يكن من المناسب له أن يرتبط بفتاة تكبره بسبع سنوات! ولا يعرف شيء عنها على الإطلاق.. ولا ينكر أنه تسأل عن أخلاقها ووجد أنها طيبة! لكنه لم يقتنع بذلك، فكانت طلقته الأول كذلك أيضا حيث أخبره والده أنها تتمتع بأخلاق جيدة، لكنه وجد العكس تماماً.
لكن الظرف تلك المرة مختلف، فهو أصبح بوضع ربما يكون هامًا، ووجود زوجه جواره سيكون ضروريًا نوعًا ما. أخرج تنهيدة مطولة من صدره متابعًا تمرير أنظاره على المارة مترقبًا عودتهن ببال طويل، لكن داخله يريد ان يمر الأمر بسلام كما خطط واراد .
فرك رأسه بيده والتفت لليمين تارة ولليسار تارة أخر وهو يتنهد تنهيده خافتة، وبدأ يشرد ويفكر في أمر ليس مناسب بذلك الوقت أو كان يجب ان يفكر به من البدايه وليس بعد أن فاتح والده بالموضوع وهم الان بطريقهم يطلبوها للزواج له؟ فكيف سيكون رده فعلها بعد أن تعلم سبب زواجه بها؟ هل ستوافق وتستسلم للامر ام تعترض؟ لكن يجب ان تستسلم ليس هناك حل آخر!.
وشرد ثانياً في شيء آخر أليس هكذا سيكون ظالم مثل أسرته؟ وقد استغل ضعفه؟ فكان يجب ان يكون صريح معها بالاول وهي تقبل أم ترفض وليس يضعها امام الامر الواقع.
مسح على وجهه بضيق شديد فهو لا يريد ان يسير الوضع كذلك لكن مضطر لفعل ذلك.. ثم إبتلع ريقه بتوجس وحاول أن ينظر الى الوضع من جهه اخرى حتى لا يعذبه ضميره هي كانت تريد شخص للزواج حتى تتخلص من اعباء المجتمع وأسرتها وهو قد حقق لها ذلك ومقابل ذلك هي ستحقق له طلبه أيضا .. مصلحه امام مصلحه! فما المانع بذلك. بمصلحة متبادله من الطرفين!.
لوي ثغره بابتسامة خفيفة بيأس وخيبة امل هو يكذب على نفسه فهو استغل احتياجها للزواج وانتهى الامر ليس هناك مسمى آخر!.
آفاق منذر من شروده وتحرك مبتعدًا خطوة للخلف ليوقف اهتزاز هاتفه المحمول الذي كان يتحرك في جيبه، حدق في عدد المكالمات الفائتة من والده ليفهم ماذا يريد منه.. وأنه بالتأكيد عاد من الخارج.
❈-❈-❈
وفي نفس الوقت، كانت ضحي تجلس أمام عائلتها باندهاش مما اخبروها به للتو! أشارت ملامح وجهها ونظراتها إلى تلك الصدمه التي لم تتوقع حدوثها بشكل سريع هكذا، هي توقعت أن يتقدم لها عريس مره ثانيه بعد سنوات عديده مثل سابق أو ربما لم يحدث أبدا مره أخرى! فهي بالأساس اليوم قد فقدت الامل في ذلك، بدأ يدفعها فضولها للسؤال بطريقة قد تربكها وتنفست عدة مرات بعمق لتضبط انفعالاتها غير مصدقة، وتساءلت بتوتر
= انا مش فاهمه حاجه عيدوا اللي انتم قلتوا كده من شويه؟ انا بجد في عريس كان متقدملي النهارده ولا انتوا بتهزروا .
نفخت أمها مستاءًه من كلماتها وقالت بتوبيخ
= هو ده اللي ركزتي فيه من كل كلامنا؟ بقول لك الواد عنده 28 سنه يعني انتٍ اكبر منه بسبع سنين .. يعني الموضوع اتقفل من قبل ما يتفتح اصلا .
كان فوزى يجلس فوق الأريكة جانبهما فتدخل في الحوار هاتفاً بصوت جاد
= انا سألت جماعه صحابي في المنطقه هنا بالتليفون قالوا بصراحه كل خير عن اهله والعريس و شكلهم ناس محترمين بس هي حكايه السن دي فعلا مشكله .
لوت ثغرها متسائلة بعبوس قوي
= جري إيه يا فوزي وبتسال ليه اصلا من الأساس ما احنا قلنا مش هينفع يعني ايه البنت تتجوز واحد هي اكبر منه! لا وكمان مش سنه ولا اتنين دول سبعه.
بدأ الفضول واضحًا علي ضحي لمعرفة التفاصيل أكثر، وبدت مترددة بدرجة ملحوظة وهي تسأل باهتمام
= وهو شافني فين ده ولا امه هي اللي شافتني وكانت جايه تتقدم؟ لا انا مش قادره استوعب هم كانوا موافقين وعارفين فرق السن وهم جايين يتقدموا
هزت كوثر راسها بعدم مبالاة وهتفت بنزق
= بيقول شافك في الفرح اللي رحتيه من مده تبع نرمين صاحبتك.. و جوزها يبقى صاحبه وشافك هناك وقال لاهله، انا اصلا مش مستريحه للناس دي كلها على بعضها وخصوصا العريس اللي ما شفناهوش ده اكيد 100% في عيب كده ولا كده عشان كده عاوز يتجوز البنت .. ده غير كمان انه كان متجوز ومخلف .
سلط أنظاره عليها بعدم رضا وهو يقول بعتاب
= بلاش سواء الظن ده إحتمال يكون العريس كان مكسوف يجي ولا حاجه قبل ما يعرف موافقتنا .. في ناس دلوقتي بقت تبعت اهلها الاول يشوفوا الموضوع وبعد كده هو يجي.
ألتفتت الزوجه ناحيته مستغربًا رده العجيبة التي أثارت ربيتها رغم تحفظها علي الموضوع و رفضها، ومع ذلك استجاب وبدا يسال عن الأمر أردفت صارخة باستنكار
= مكسوف! هو انت مالك بتتكلم كده وتدافع ولا كأن الموضوع عاجبك .
تنهد الآخر بانزعاج منها وتحدث قائلاً موضحاً بهدوء
= انا ولا بدافع ولا نيله انا بقول رأيي وبعدين بقى عاوزه الصراحه الناس شكلهم كويسين و هيبقى نسب كويس نتشرف بيه ده أنا يا دوبك عملت كام مكالمه وانا قاعد بسال عنهم كله بيشكر فيهم امال لما اطلع بره واسال اكثر
تحولت نظراتها للسخريه هاتفه بصوت منفعل
= انا ما قلتش انهم وحشين يا فوزي بس انت ملاحظ فرق السن بينهم ولا مش واخد بالك من المصيبه دي؟ بنتك هي اللي اكبر منه مش العكس .
بينما كانت ضحي تجلس جانب تتابع حديثهما بصمت، واتسعت حدقتاها بصدمة وهي تفكر في الأمر بعدم تصديق، وشعرت بتلك السخونة المتدفقة إلى وجهها عندما بدات تشعر بأن الأمر بات قريب ربما وزادت سعادتها بانعكاس في عينيها وهي تتسائل نفسها بعدم تصديق
= هو معقول بالسرعه دي اتقدملي واحد ثاني ده انا قلت هاخد يجي سنتين ولا ثلاثه عقبال ما يتقدم لي حد ثاني بس ممكن تكون ماما كلامها صح؟ ويطلع في عيب ولا شكله وحش وبعدين بقى هو انا هتامر ده انا لما صدقت في عريس اتقدم لي تاني هضيع الفرصه دي كمان بقي ولا ايه، يبقى مش هلاقي فرصه ثالثه خالص كده .
آفاقت علي صوت والدها، حيث تنهد فوزي و أجاب ببساطة وهو يهز رأسه نافيا
= ولا مصيبه ولا حاجه في ناس كتير بتتجوز والستات هي اللي بتكون اكبر، الدنيا دلوقتي اتطورت عن زمان وبعدين انتٍ مش واخده بالك ان بنتك عماله تكبر وما كانش في ولا عريس بيتقدم لها إلا ده أول واحد.. فنصيحه مني لازم نفكر مره ثانيه كويس وبلاش نضيع فرصه زي دي كويسه، وبعدين هو احنا هنكذب عليهم ولا حاجه ما هم جايين وعارفين فرق السن وموافقين .. والراي الاول والاخير هيكون لضحى ها قولتي ايه يا بنتي.
التفتت برأسها للخلف لتحدق في وجه ضحي الحائرة، وقبل أن تتفوه بكلمة سألتها كوثر بحدة
= هو انتٍ لسه بتفكري يا بنت أنطقي و قولي رافضه لو وافقتي هتدفعي ثمن موافقتك كثير
بصي لقدام يا حبيبه امك وركزي في فرق السن اللي بينكم لما انتٍ تكبري وهو يفضل صغير وانتٍ مش قادره على طلباته.. ده مش بعيد يكون عينه زايغه ولا يفكر يتجوز غيرك .
لم تستطيع ضحي السيطرة على أعصابها لما أصبحت تتعرض له من مهانه سنوات حياتها كلها وهم لا يدرون بشيء، لتقول هي بتلهف
= اكبر وهو يفضل صغير! جري إيه يا ماما هو انتٍ مش واخدي بالك انا بقى عندي 35 سنه هستنى اكثر من كده اكبر إيه؟ وبعدين انتٍ ليه عماله تطلعي في عيوب وانتٍ لسه ما شفتوش اصلا ما يمكن يكون على راي بابا كويس ما هو سال بنفسه عنه و كله شكر فيه
انتبهت ضحى الى حديثها لتصمت بسرعه وهي تشعر بالحرج والخجل، في حين نفخت كوثر أنفاسها بقوة كبيرة نتيجة انفعالها، صائحًة بغضب حاد
= افهم من كلامك انك موافقه تتجوزي واحد انتٍ اكبر منه بسبع سنين يا بنت ما تبصي لقدام وركزي، الناس هتاكل وشنا لو عرفت حاجه زي دي .
توترت ضحي من نوعية الأسئلة التي تطرحها عليها أمها هي تعلم أنها محقه والفرق بينهما ليس قليل لكنها بنفس الوقت لا تريد ان تضيع الفرصه مجدداً فهم لا يعرفون شيء مما يحدث معها يوميا، بينما تحدث الأب قائلاً بجدية
= جرى ايه يا كوثر ما تهدي على البنت و تسيبيها تختار اللي هي عاوزاه .. وبعدين احنا عمالين نخمن ليه هيطلع وحش ولا حلو هو انتٍ شفتينا جبنة المأذون لسه هنسال عليه اكتر ولسه في خطوبه يعني قدامنا وقت كتير عشان نعرف اي حاجه وحشه فيه.. اسمعيني يا ضحى خدي وقتك وفكري براحتك وانا كمان هاخد وقتي واسال عنه بدل المره 10 .
شعرت ضحي بالارتياح لكون والدها كان معها واعطاها فرصه للتفكير بشكل أفضل بجدية، تنهدت مخرجة من صدرها الكثير من الهموم مع زفيره مشحونة، وهي تتخيل تحقيق تلك اللحظه التي كانت تنتظرها منذ سنوات طويلة وقد بدأت تفقد الأمل في تحقيقها، أن يرق لها الأمل ويلين نحوها حتى وإن طال وقت تحقيقه، لكن وجود بارقة الأمل سيحمسها على الانتظار.
❈-❈-❈
في منزل شاهين بعد أن عاد هو و زوجته من الخارج، اتصل بابنه منذر حتي يهبط له على الفور وقد فعل الآخر وتقدم منهن بكل هدوءا،
فقد شاهين أعصابه وهو يحادث إبنه أول ما رآه أمامه
= انت اتجننت يالا بقى انا تحطني في الموقف ده انا وامك! ما فهمتنيش ليه انها اكبر منك بالسن بس ما هو العيب عليا، انا إللي وثقت فيك.. مع اني كنت شاكك من الأول هو انت عمرك هتختار حاجه عدله صحيح
سأله منذر باستغراب زائف وهو قاطب لجبينه باندهاش مصطنع
= مش فاهم انت ايه اللي مضايقك؟ السن يعني مش مشكله والفرق بيننا مش كبيره اوي ده هم سبع سنين راحوا ولا جم ومش هكون اول ولا اخر واحد يتجوز واحده اكبر منه! اهم حاجه اخلاقها وهي لو كانت وحشه انت ما كنتش رحت من الأول عشان تتطلبها ليا .
تحولت نظراته له شزرًا لكونه مستهون بالأمر هكذا وقد وضعة في موقف محرج مع تلك العائله بينما وضعه أيضًا امام الأمر الواقع فرد بتجهم واضح عليه
= شوف الواد وحريقه الدم بتاعته ما كفهوش الموقف المحرج اللي حطينا فيه قدام الناس وان احنا ما نعرفش معلومه زي دي، لا كمان بيبجح ومش شايف في مشكله! انا مش عارف ازاي نسيت حاجه زي كده مع أني سألت على كل حاجه عنها هي واهلها ونسيت خالص حكايه السن بس انا ما اديتش خوانه ان ممكن حاجه زي كده تحصل .
رمقته أمه بنظرات مزدرية هاتفة بقلق
= ابوك معاه حق يا منذر ما ينفعش حتى لو البنت اخلاقها كويسه الاصول واللي اتربينا عليه من واحنا صغيرين ان الراجل هو اللي بيكون اكبر من الست مش العكس! يا ابني بص لقدام دي عندها 35 سنه فاهم يعني ايه؟ يعني كمان كام سنه وهتكمل ال 40 وهتكبر بدري عنك وفرص الانجاب عندها هتقل ومش هيبقى عندها صحه ولا قادره تربي ولا ترعاك انت نفسك! ده غير حاجات ثانيه كتير ما تفهمها انت لوحدك بقى ما انت شاب وعارف اللي فيها.
أطال شاهين النظر نحو منذر وهو يهتف باستخفاف
= قوليله اصل البيه فاهم الموضوع عادي كده
هنبقى مضحكه وسط الناس آخر مره هقولها لك اصرف نظر عن الموضوع ده وابعد عن البنت دي مش من قله البنات حواليك ما لقيتش غيرها… مش انا في الاول من قبل ما اروح اتقدم قلت لك اوعى تكون زي اللي قبلها وتطلقها وتسيبها بعد سنه من الجواز اهو انا متاكد دلوقتي أن لو وافقت على البنت دي هتطلقها هي كمان ومش هتستحمل العيشه معاها .
تابع الآخر ما يحدث باهتمام لكنه مع ذلك لم يتأثر بالانسحاب والتراجع عن ذلك، ازدرد ريقه الجاف وحاول أن يتمسك برأيه و تسائل هاتفًا بصرامة
= انتم مكبرين الموضوع ليه وعاملين تتخيلوا مشاكل ومصايب ممكن ما تحصلش، تمام جزء من كلامكم ممكن يكون صح بس برده في غيري كتير بيتجوزوا والفرق بيكون اكبر و بينجحوا انا مش شايف الموضوع في مشكله زيكم سبع سنين مش جريمه يعني.. و اذا كان على كلام الناس انا ما ليش دعوه بيهم ومش بهتم وهم مالهم اصلا بحياتي، غير هيعرفوا منين وحتى لو عرفوا ليهم ايه عندي .
راقبه والده بغضب لكنه بادر قائلاً بصوت متعصب وشبه لاهث
= هو انت عاوز تعند وخلاص معايا انت مالك متمسك بالبنت دي أوي كده ليه لو ما كنتش عارفك كويس وعارف انك خايب وقفل و عمرك ما ليك في حكايه انك تتعرف على بنات وتصاحب كنت قلت اكيد بينك وبين البنت دي حاجه، بس انا عارفك كويس وطول الوقت قدامي في المحل بس انا برده فاهمك ليه مختاره دي بالذات عشان تعند معايا وتوريني انك راجل جامد وبتعرف تختار .
أدار منذر رأسه في اتجاه والده الذي كان يرمقه بنظرات تحمل الاستياء الشديد منه و حرك نظره الي والدته فكانت تحمل نظرات الرجاء حتى يتراجع عن قراره، أخرج تنهيدة قوية من صدره مبديا حيرته الطفيفة فلا ينكر بان بدأ ياخذ الموضوع بشكل عناد حتى لو يرد جزء بسيط مما كان يفعله به منذ طفلته، لكن سريعًا ما لبث أن حسم أمره قائلاً بجدية
= هو مش لعب عيال عشان اعند زي ما انت بتقول، ده جواز وانا الوحيد اللي ليا الحق يقول هيتجوز مين وهيكمل مع مين! زمان ما رضيتش اكسفك لما دبستني في جوازه مش عاوزها بس المره دي حضرتك بقى اللي هتدبس توافق وانا اللي هختار.
رد عليه شاهين بصوته المحتد
= يعني ايه يالا قصدك ايه، انت هتفضل مصمم على البنت دي وهتتجوزها غصب عننا ولا ايه حتي و احنا مش موافقين ورغم كل اللي قلناه وانها ما تنفعكش عشان اكبر منك .
لم يعرف شاهين أنه بكلماته الحازمه تلك تزيد من نيران منذر المستعرة بداخله منذ سنوات، خاصة أنه لم يكن يشير في تصرفاته كاب يخاف علي فلذة كبده، بل يرفض و يأمر إياه لأجل مصلحته هو لا اكثر، استدار منذر ناحيته هاتفًا بوجهٍ خالٍ من التعبيرات
= لو كان عندي مشكله في السن زيكم ما كنتش من الأول قلت لك تعالى اطلبها لي من اهلها، والموضوع ده خلاص خلص ومش هفتحه تاني وانا مش صغير! مش دايما حضرتك بتقول لي اتعلم المسؤوليه وبطل تستنى اقول لك تعمل وما تعملش ايه عشان الراجل هو اللي بيمشي حياته بمزاجه! أهو انا بقى بسمع نصيحتك وبعملها دلوقتي زعلان ليه ؟
زادت نظرات منذر حدة وهو يكمل بغموض مريب
= انا اسف ان انا اول مره في حياتي بخرج عن طوعك وبقول لك على حاجه لا! بس انا مش عليا ذنب و روح بنفسك اسال اي شيخ هيقول لك ابنك مش غلطان في حاجه عاوز يتجوز وهو حر طالما بيشتغل وقادر يصرف ويفتح بيت وهو لي الحق يختار اللي هو عاوزها.. ولا حتى موضوع السن هيقول لك في مشكله الرسول عليه السلام ذات نفسه زمان اتجوز السيده خديجه وهي كانت اكبر منه.. وناس كتير بتعمل كده لحد دلوقتي يعني انتوا اللي شايفينها مشكله بس!! انما أنا ما عنديش اي مشكله، عشان كده الجوازه دي هتم .. عن اذنكم .
تفاجأ الاثنين بطريقه حديثه وبالأخص الأب فهذه المره الوحيده التي يعترض أمامه بالفعل ويخرج عن طوعه، كاد أن يرحل لكنه سمع صوت والده الهادر قائلاً بوعيد
= استنى يالا هنا خلاص كبرت عليا وهتمشي كلمتك ماشي براحتك اعمل اللي انت عاوزه، بس البنت دي مش هتتجوزها برده وده مش رايي ده راي اهلها لانهم اول ما عرفوا ان بنتهم اكبر منك قلبه وشهم وبان عليهم الرفض يعني ان شاء الله هتيجي منهم وانا ما حدش يلوي دراعي يا روح امك .
بدت أنفاسه مضطربة نتيجة ما قاله والده و
شعر منذر بالقلق الشديد فهو لم يحسب حساب رفض أسرتها له ولكنه يعلم جيد بانها ستوافق لانها بحاجه الى ذلك، لكن يجب أن يضع في الحسبان ربما هي نفسها ترفض ذلك الوضع ولا ترحب بالقبول حتى وان كانت ترغب في الزواج بأي شكل! وفكر بأن الحل يقابلها ويتحدث معها حتى يؤثر عليها فيجب ان يفعل ذلك قريباً جداً، ثم تسأل محذرًا
= هو انتم قلت لهم ايه لما عرفتوا موضوع فرق السن!
شعرت الأم بتهور الحال بين أبنها وزوجها لذلك تدخلت محاوله التاثر على منذر، واقتربت مايسه تضع ذراعيها علي كتفه وهي ترد بحنق
= عملنا نفسنا نعرف وبعد كده أستاذنا ومشينا بس على رأي ابوك شكلهم هيرفضوا لانهم كان واضح أوي عليهم انهم مش قابلين الموضوع
وبصراحه بقى ابوك معاه حق وانا كمان اصلا ما بقتش مستريحه للبنت دي من قبل ما اشوفها ويعني إيه عندها 35 سنه ولحد دلوقتي لسه متجوزتش.. ان شاء الله الرفض يجي منها هي كمان والبنات موجودين على قفا من يشيل شوفلك واحده بقى من سنك .
صمت منذر ولم يستطيع الرد لكن بدا يفكر بشكل جدي اكثر في الوضع، و على الأرجح يجب هذه المره يعمل علي المقاومه حتى وإن استنفذ كل طاقته، عليه فقط أن يثق في قراره ويفكر بتروٍ قبل أن يسمح لنفسه بالمجازفة .
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين.
منذ رحيل اخوات ديمة وهي تجلس في المنزل تبكي بشدة علي ما حدث معها وكيف ادي الى خسائر فادحه ليس لها حل ولا تصليح فحتى الندم لا يفيد؟ فقد بدأ الأمر واضح امامها أن لا هناك مجال للرجوع كما كانت تلك الفتاة البريئه الطاهره.. لكن عليها السعي قدمًا وإن كان الهلاك قادم لامحال .. فذلك الحقير لم يتركها الا وهو مستنزف كل طاقتها مستغلها بابشع الطرق .
وهي لما تصمت بعد اليوم فيكفي ما حدث و صار ولم تترك نفسها ضعيفه له يفعل ما يشاء؟ فلماذا ستخاف بعد الآن؟ اخواتها وقد علموا بالموضوع كله، ولتكن صريحه مع نفسها هذا افضل شيء قد حدث بانها تحدثت واخيرا عما تحمله داخلها منذ سنوات وهم لا يعلموا .
تعلم بأن لا يفيدها بالنهاية والامر ما زال كما هو لكن على الاقل كسبت خطوه للتحدث عما داخلها، حتي وأنه جرت بأذيال الخيبة الدمار
بعدها و الحزن غمرها كليًا .
بدقات منتظمة ومتناغمة استمعت الى خبط فوق الباب، ظلت مكانها تبكي دون حركه فلم يعد لها رغبه برؤيه أحد! أستمر الخبط فوق الباب حتي استمعت الى صوت شقيقتها الكبيرة تقول بقلق كبير
= ديمه افتحي انا اختك يا حبيبتي! افتحي الباب خلينا نتكلم انا سبتك الايام اللي فاتت لما شفت حالتك صعبه.. افتحي و ما تقلقيش ما حدش فينا بعد كده هيعاتبك لاننا واجب نعاتب نفسنا قبل ما نعاتبك، انتٍ معاكي حق احنا غلطنا وغلطنا غلطه كبيره كمان ما كانش ينفع نسيبك لوحدك تواجهي كل ده؟ واحنا اكتر ناس منك خبره وعارفين الدنيا .
انتبهت ديمة بالداخل الى صوتها ثم وضعت يدها على فمها لتكتم شهقتها قبل أن تخرج من جوفها وهي تشعر بالإنكسار والخزي، بينما تابعت الأخري هاتفه بصوت خفيض
= بس والله كان غصب عننا احنا ما توقعناش الامور ممكن توصل لكده ولا اننا ممكن نسيبك لكلب زي ده يستغل لك، ديمه احنا بنحبك احنا اخواتك وما لناش غيرك وما ينفعش حاجه تفرقنا عن بعض! انا عارفه كويس ان انتٍ ياما كنتي بتحاولي تنبهينا ان احنا مقصرين بس احنا برده ما كناش بناخد بالنا .. بس اوعدك يا حبيبتي اني احاول وكل حاجه تتحل زي زمان
نهضت ديمة بخطوات بطيئة بارهاق واضح عليها لتقف بجانب باب المنزل بصمت وهي تسمع صوتها وتنهيدة عميقة خرجت من جوفها قررت انتشال تلك الصامتة مجدداً قائلة برجاء
= افتحي الباب بقى وردي عليا، انا عاوزه اخدك في حضني واكون جنبك في موقف زي ده والله ما عاوزه اعاتب! او ممكن انا دلوقتي اللي محتاجه احضنك عشان اطمن، افتحي واسمعيني حتى لاخر مره!
تأثرت كثيرا أثر كلماتها ومسحت تلك العبرات التي علقت بأهدابها وهي ترد وأجابتها بإرهاق
= امشي يا ابله رانيا وسيبيني لوحدي انا مش قادره ابص في عين حد بعد اللي عرفتي .. انا ما بقتش زي زمان .. آآ انا ما بقتش بنتك اللي لسه طاهره وشريفه زي الأول .
تخشب جسدها عندما استمعت لـ نبرة صوتها تصدر من الداخل لتبكي على بكاء اختها الصغيره وهي تردف بصوتٍ باكٍ
= بس ما تقوليش على نفسك كده وما تزعليش من حاجه حتى مننا وانتٍ هتفضلي لحد اخر نفس اختي اللي بفتخر بيها و اللي حصل مش هياثر عليا ويخليني ابصلك بنظره تانيه، يا عبيطه انتٍ بنتي قبل ما تكوني اختي الصغيره
هزت رأسها يائسة عندما استمعت صوت بكائها يزداد وهي عادت صامته ولا تريد ان تفتح لها، مسحت دموعها وهي تقول بتردد وقلق
= طب كفايه عياط هحاول اجيلك مره ثانيه بس خلي بالك من نفسك عشان خاطري.. ما تفكريش في اي حاجه وانا اوعدك أن هشوف حل للي حصل.. والكلب ده هيتحاسب على كل حاجه عاملها معاكي.. مش انتٍ كنتي زمان اي مشكله بتجيلي وتحكيلي وانا بعترف المره دي رغم ان انتٍ جيتيلي بنفسك فعلا وحكيتيلي بس ما سمعتكيش بس صدقيني المره دي مش هسيبك .
سمعت خطوات رحيل أختها بالخارج وهي مازالت تكفكف عبراتها بظهر كفها، بينما مالت ديمة برأسها نحو الباب وهي تبكي بقلب موجوع قائله بحسرة
= يارررب!
❈-❈-❈
في اليوم التالي أتصلت ضحى على صديقتها نرمين الوحيده حتى تأتي إليها و قصت لها باختصار ما حدث معها، رفعت نرمين أنظارها للأمام هاتفه بتساؤل جاد
= منذر! وده عرفك منين عشان يطلبك للجواز
هتفت ضحي بلا تأخير
= بيقول شافني في فرح اخو جوزك مش عارفه شافني امتى وازاي من غير ما اخد بالي منه، بس هو بيقول كده كان معزوم على الفرح وان هو صديق جوزك مصطفي.
هزت رأسها بالإيجاب مرادفة بغرابة شديدة
= ايوه هو صديق مصطفى وانا اسمع عنه منه كتير بس مستغربه الموضوع! خصوصا انك لسه قايله لي من شويه ان انتٍ اكبر منه في السن بسبع سنين؟ فاشمعنى انتٍ بالذات يعني
حدقت فيها بأعينها الحزينة المنكسرة وهي عابسة الوجه، لم تنطق بحرف واحد في البداية، لكن نظراتها كانت تحمل الكثير و ضغطت على شفتيها بقوة بعد أن تنهدت بصوت مسموع قائلة بحسرة
= يعني ايه اشمعنا انا بالذات يعني، ناقصه أيد ولا رجل يا نرمين؟ ولا آه عشان هو لسه شاب صغير هيبص لواحده زي ليه ايه الميزه اللي فيها ملقهاش في غيرها كفايه حتى سنها اللي كبر و شكلها اللي مش حلوه أوي وجسمها المليان
عقدت حاجبيها بضيق شديد منها وقالت بتريث عقلاني
= هو ده اللي فهمتيه من كلامي هو انا عمري هقول لك حاجه زي كده برده يا ضحي مالك بقيتي حساسه من الكلام كده ليه انا اكيد ما قصدتش كده، بس مستغربه مش اكتر وقبل ما تفهمي كلامي غلط تاني انا بفكر معاكي بصوت عالي ايه دوافعه عشان يتقدملك ما هي برده حاجه عجيبه من اول مره شافك كده عجبتيه واتقدملك.. وبعدين هو انتٍ مالك حساكي مش ممانعه كده من الموضوع هو انتٍ موافقه بجد تتجوزي واحد انتٍ اكبر منه .
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تنفي مخاوفها الخيالية قائلة بتردد
= وما وافقش ليه ولا حاجه عيب ولا حرام لو هو كويس فعلا زي ما بابا بيقولوا، و سال الناس عنه كله شكر فيه هو وعيلته وبعدين ده انا لحد دلوقتي اصلا مش مصدقه ان في حد اتقدملي تاني بعد اللي اسمه صالح ده زميلي في المدرسه وكان عمال يبيع ويشتري فيا.. أقوم أنا بقي اتبطر و ارفض طالما هو كويس وما فيهوش عيب
أجابتها نرمين وهي تشير بيدها بعدم رضا
= يا بنتي هو انتٍ لا كده لا كده ما فيش وسط خالص، مش قلت لك المره اللي فاتت بلاش ضغط المجتمع عليكي واهلك يخلوكي تقبلي بحاجه انتٍ مش عاوزاها، فكري مره ثانيه يا ضحى فكره انك ترتبطي بواحد انتٍ اكبر منه هتعمل لك مشاكل كتير لقدام انتٍ في غنا عنها.. ممكن دلوقتي تبصي للموضوع ان عادي سبع سنين مش مشكله بس بعد كده لما تكبروا هتفهمي قصدي .
أرجعت رأسها للخلف و رمشت بعينيها بنفاذ صبر من ضغط المجتمع لها حتي ترفض والكل يرى بأن ذلك المدعو منذر ليس مناسب لها، اشاحت وجهها للطرف الآخر بخيبة أمل هاتفه بجمود مريب قد حل عليها من كلماتها المقتضبة تلك
= هو انتٍ و ماما نفس الكلام حتى جابت اخواتي عشان يحاولوا يقنعوني ان انا ارفض و الجواز من الشخص ده غلط، بس انا بقى خلاص تعبت وزهقت من الانتظار مش كل حاجه عاوزينها بتحصل يا نرمين وان استنى شخص مناسب دي مش هتحصل غير في الاحلام يبقى اقبل بقى باللي قدامي طالما ما فيهوش عيب.. العمر عمال يعدي بسرعه وانا تعبت بجد من كل اللي حواليا وخايفه ان انا افضل لوحدي في الآخر وخايفه إن ما لحقاش اخلف بسبب السن وخايفه من حاجات كثير انتم عمركم ما هتفهموني عشان انتم مش مكاني .
وجدت الأخري بأن الحديث ليس له فائده معها لذلك سألتها بجدية
= انا شايفه أن الكلام معاكي ما لوش لازمه و برده مصممه تعيدي نفس الكلام وحطه اعتبار للناس في خطواتك، طب لما انتٍ مكرره كده وموافقه جايباني ليه وبتاخدي رأيي، لو هتساليني عليه عشان صاحب جوزي فانا ما اعرفش عنه حاجه وكنت بشوفه فين وفين صدفه معاه وحتى البيت المره الوحيده اللي جلنا هي ساعه فرح اخوه مصطفى.
رمقتها بنظرات مزعوجه من مماطلتها بالحديث معها ثم هزت رأسها نافية وهتفت ضحي موضحة
= لا انا جايباكي عشان حاجه تانيه عاوزاكي تحاولي تقنعي ماما انها توافق عشان بابا ما عندوش مانع، لما سأل كل الناس عنه ما لقاش حاجه تعيبه بس ماما هي اللي رافضه عشان حكايه فرق السن.
استجابت الأخري لرجائها رغم امتعاضها من موافقتها علي ذلك، ثم أردفت قائلة بفتور
= انتٍ عارفه ان انا ما ليش كلام معاها بس عاوزه نصيحتي طالما والدك موافق هو الوحيد اللي هياثر عليها .
فكرت ضحي مما قالته، فأكدت لها بأن يجب تكون مستخدمة اللين في محاولة إقناعها بحرفية ماهرة، فهزت رأسها بحماس بعد وقت قصير بتفهم.
❈-❈-❈
غفت ديمة بمكانها فوق الأريكة تلف ذراعيها حول نفسها لكنها لحظات و فتحت عينيها يفزع علي صوت طرقات علي الباب اعتدلت وهي تنهض بثقل متجهة نحو الباب وعندما فتحته معتقده أحد من أشقائها لكن تفاجات بحمدي أمامها ذلك الحقير الذي استغلها أبتسم لها بسماجه بينما لم تتوقف هي عن حدجه بنظراتها المزعوجة منه فلن تصفو نيتها نحوه أبدًا، هي تحمله اللوم في تأزم الأمور معها مؤخرًا حتى سوء صحتها أفاقت من شرودها وانتبهت لصوته الغليظ هاتفاً
= وحشتيني بقيلي كتير ما كنتش باجي بس كنت بخلص مصلحه كده، ايه مش هتقوليلي اتفضل و….
ضربت بيدها بعنف على سطح الباب ثم
قاطعته صارخة باهتياج
= وحش لما يلهفك تعرف تغور من هنا مش طايق أشوف وشك انت ايه ما عندكش دم كفايه اللي عملته فيا، وفضحتني قدام اخواتي
أستغرب عصبيتها الزائدة، فعقد حاجبيه بغضب شديد وقال بحده
= ما تتلمي يا بنت وما تعليش صوتك عليا وفضيحه إيه اللي فضحتها قدام اخواتك هم عرفوا منين .
بكت رغمًا عنها وهي تقول بنبرة حادة بين شهقاتها المتحسرة عليها
= عاوز تعرف عرفوا منين؟ عشان اكتشفوا ان انا كنت حامل من واحد حيوان وجبان زيك ربنا رحم أبني ومات عشان ما فيش حاجه تربطني بيك ولا يكون لواحد زيك اب في الدنيا .
تفاجأ الاخر لكنه لم يتأثر مما جعل صبره ينفذ وهو يقول بتجهم
= طب لما هو ربنا خلصك منه ومات عامله قلق ليه؟ وبعدين ما تفتكريش عشان اخواتك عرفوا فانتٍ كده في الأمان لا يا حلوه لسه في ورقه بيضاء انتٍ مضيتي عليها وانا كتبت فيها من بعدك ان انا ليا مليون جنيه عندك!
زاد جنونها ورفضت تصديق كلماته المؤلمة، بينما لم تخاف من تهديده هذه المره لكن قد شعرت باشمئزاز منه فهو لم يتاثر بموت طفله حتي او شعر بالذنب والندم مثلها، فما جـ.ـنس هذا الرجل حقا، تابع الآخر ببرود قائلاً بحذر
= وعشان انا كريم معاكي هستنى عليكي شهر وتجمعيهم بما ان اخواتك كمان عرفوا فاكيد هيساعدوكي لانهم هيخافوا من الفضيحه تطولهم هم كمان
هدرت فيه ديمة بصراخ أشد دافعة صدره بقوة
= انت إيه حيوان ما عندكش دم ولا رحمه كان يوم أسود يوم ما اتعرفت عليك ودخلتك حياتي دمرتني ولسه عاوز تدمرني.
استشاطت نظراته على الأخير، ليحدجها بنظرات نارية وقد اصطبغ وجهه بحمرة قوية، أشار بسبابته بعصبية جامحة
= ما تبطلي جنان بقى اللي بتعمليه ده واتلمي الجيران هيصحوا على صوتك وهتبقى فضيحه من كله! وساعتها انتٍ اللي هتندمي مش أنا.
دنت منه بغضب مهددة بالفتك به وهي تواصل صراخها بجموح هاتفه بحقد مغلول
= هو انا لسه ما ندمتش منك لله ربنا ياخذك ويخلصني منك، إنت السبب في اللي حصلي، ايوه إنت اللي خليت كل ده يجرالي!
توتر الآخر بقلق نوعاً ما مما هي فيه، وفي ثواني هجمت عليه ديمة بكل عنف وشراسة لتطبق على عنقه محاولة خنقه متابعة بجنون مخيف
= انا هندم فعلا لو سبتك عايش تدمر فيا اكتر، إنت لازم تموت!
وفي نفس اللحظه بالاسفل كان آدم يصعد الدرج و انتبه لصوت الصراخ الأتي من الأعلى فارتفعت أبصاره نحو منزل ديمة! فانقبض قلبه بقوة شاعرًا بوجود أمر مريب، أنبئه حدسه بالتحرك من مكانه والصعود إليها ليطمئن.. بالأخص أنه قد علم بأمر حملها وما حدث معها من قبل، فاعتقد ربما تتشاجر مع إخوتها أو العكس!. لذلك أسرع في خطاه نحو الاعلي.
في الاعلي، دفع حمدي الباب خلفه معتقد بانه اغلقه ولكنه لم ينغلق بالكامل، ثم دفعها فوق الأريكة واقترب بقوة عنيفة محاولة الوصول إليها وهو يصرخ بصوت محتد
= عايزه تموتيني ماشي استلقي وعدك مني بقى!. شوفي مين فينا اللي هيندم.. انا هوريكٍ عشان تفكري ثاني مره تقفي قصادي مفكري نفسك قدي؟ أنا حذرتك اكثر من مره بلاش تشوفي غضبي مش هتقدري عليه استلمي بقى!.
ارتجف جسد ديمه لمجرد رؤية نظراته التي كادت تحرقها في مكانها، كذلك هوى قلبها في قدميها بعد سماعها لعبارات التهديد تلك، هزت رأسها برفض وخلال دقائق وضع يديه على ملابسها محاوله ازالتها وهنا فهمت جيد ماذا ينوي فعله!.
حاولت بسرعه بكل قوتها ابعاد قبضتيه المطبقتين عليها لتبعدهما عنها قبل أن ينال غرضه وانفجرت في البكاء بسبب ضعفها وبدأت بالصراخ المهتاج وهي على الأريكة لتبعده عنها لكنها فشلت محاولتها، و شعرت كأنها تقف مكبلة الأيدي عاجزة عن الدفاع عن نفسها مصدومة من حالتها اللا عقلانية، لتردد بتوسل شديد
= لاااا.. بلاش كده.. عشان خاطر ربنا بـــلاش
حد يلحقني .
في تلك اللحظة اقتحم آدم المنزل بعد سماعه للصراخات الأتية من الداخل، سلط أنظاره سريعًا على الزاوية المحاصرة بها ديمة و اتسعت عيناه في هلع حينما رأى ما يحدث، اندفع كالأعمى في اتجاهها صارخًا بصلابة
=ابعد عنها يا كلب!
أنصدم حمدي من دخول ذلك الشخص والتفت نحوه بينما استخدم آدم قوته بالكامل في تحريرها من براثنه ودفعه للخلف بعنف ليشكل بجسده درعًا ليحميها من بطشه، ترنح جسد الآخر من إثر الدفعة، وفقد اتزانه ليفترش الأرض، لكنه لم يتركه اقترب منه وبدأ في ضربه أكثر من مره دفعات متتاليه وكان الاخر ضعيف من هول الصدمة والضربات و لم يستطيع الدفاع على نفسه أمامه.. لذلك استسلم لمصيره.
بينما سعلت ديمة بقوة نتيجة اختناق أنفاسها وبدأت تلم ملابسها الممزقة حولها واختبأت في الأريكة بخوفاً شديد وبكت بلا توقف، فسلطت أنظارها على آدم وما كان يفعله مع ذلك البغيض حتي تركه أخيراً وهو يلتقط انفاسه الثائرة والتفت نحوها باهتمام حتى يطمئن عليها، بلغ ذروة غضبه المنفعل من مظهرها الخارجي البائس متسائلاً بقلق بالغ
= انتٍ كويسه، الحيوان ده عمل لك حاجه؟
رفعت رأسها نحوه ببطء وهي مازالت تبكي بشدة ونهضت بسرعه لتترمي في أحضانه أتسعت عيناه بذهول من فعلتها المفاجئه لكن سرعان ما فهم السبب أثر رجفتها وذعرها إلا أنها تشبثت به أكثر، ثم بعد فتره ضمها آدم باستسلام بذراعيه ليحتويها مستشعرًا تلك الرجفة التي تعتريها من الموقف الصعب.
وبعد دقائق ابتعد عنها أخيرا وطلب منها أنه يتصل بالشرطه لتأخذ ذلك الحقير للسجن، لكن ديمة رفضت وحاولت منعه بسبب خوفها من الفضيحه و لكنه لم يستمع اليها واصر على ذلك لأجلها وحاول أن يقنعها بان ذلك الحل الأمثل له، فاضطرت ديمة ان تخبره بالحقيقه كامله وأنها كانت على علاقه به من قبل وتزوجته عرفي لكن بعد ذلك اكتشفت بانه كان يخدعها وهو ليس نفسه ذلك الشخص الذي كان يحبها بالأول، وأيضاً كيف كان يهددها وبالاخير جعلها تمضي على ورقه بيضاء والآن جاء يطالبها بأموال كثيره إلا سيفضحها هي وأخواتها، كان آدم يسمعها بصمت رغم صدمته فتوسلته بصوتها المتحشرج
= سيبه يا انكل آدم عشان ما يفضحنيش انا واخواتي!
لكن الآخر لم يعبأ بكلماتها بل ظلت أنظاره مثبتة على ذلك الحقير باشمئزاز و نفور ثم أخرج هاتفه واتصل بالشرطه، تحت ذهول وخوف ديمة، في حين نظر لها بطرف عينه بجمود و بصمت! لتخفض رأسها بخجل شديد واعتقدت أنه أصبح ينفر منها و أنصدم بها وباخلاقها فجرجرت ساقيها المنهارتين نحو الأريكة وجلست بانتظار الشرطه .
❈-❈-❈
في ساعات الليل الأولى.. كانت بسمه لا تزال مستيقظة في غرفتها بمفردها و بعض من الأوراق متراكمة والمتكدسة حولها.. بينما كانت تحاول الانتهاء بسرعه قبل أن يأتي زوجها من الخارج و يتسائل عما تفعله؟ أخذت نفس عميق محاولًا بها التخلص من المشاعر السوداء المشحونة في داخلها وهي تفكر بحل فهي تحتاج إلى المال بالوقت القادم حتي يساعدها من الانتهاء مما تفعله لكن بالتأكيد سيتساءل زوجها لماذا تحتاجه، وبالتأكيد أيضا سيطلبه من والده لأنه لا ينفق على المنزل من جيبه.
أبعدت غمامة هذه الأفكار المزعجة ثم لمت الأوراق والكتب التي امامها وفي تلك اللحظه سمعت صوت مقبض الباب يحاول زوجها من الخارج فتحه لكن لم يعمل معه لأنها تغلق الباب من الداخل، ضرب الباب بقدمه وهو يقول بضيق
= بسمه افتحي الباب بسرعه، قلت لك كام مره بطلي تقفلي عليكي من جوه.
تحركت بسرعه تمل كل شيء داخل الدولاب ثم اقتربت لتفتح الباب، أبتسمت له بتوتر وهي ترفع نظرها لعينيه وتسأله محاوله تشتيت ذهنه عن إغلاق الباب
= جيت بدري يعني مش قلت هتسهر بره مع أصحابك .
تحرك بكسلٍ تجاه الفراش متمتما وهو يتمطى
= النوم كبس عليا وما قدرتش اكمل السهره وسبتهم عندك اعتراض ولا حاجه.
اقتربت منه لتجلس فوق الفراش جانبه ثم مدت يدها لتمسك رسغ معاذ وتشده لها ليستجيب ويجلس على السرير بجانبها بينما يسمعها تهمس له بصوت أنثوي مدلل
= اكيد ما عنديش مانع ده انا دايما بحاول معاك تسهر معانا انا وابنك بدل ما تسيبنا بالساعات لوحدنا .
رفع معاذ أنامله يمشط خصلات شعرها المبعثرة وهو يخبرها بصوتٍ رخيم
= اذا كان في البيت ماشي بس بلاش حكايه نخرج بره، بتختاروا اماكن مش بتعجبني .
شعرت بالضيق الشديد لكنها حاولت ان تتمالك أعصابها وتكمل عملها في أثارته حتي يخضع لها وبالنهاية يوافق على طلبها للمال، ثم أفاقت علي صوته وهو يقول بتنحنح بملامح جادة ليستعيد تركيزه قائلا
= مش صحيح منذر عاوز يتجوز واحده اكبر منه بسبع سنين وبابا رافض بس هو مصمم، مش عارف لحق يحبها امتى دي و مصر علي الجوز منها.
اتسعت عينا بسمة بدهشة، وقالت بحيرة مشوبة بالتعجب
= اكبر منه بسبع سنين يعني عندها 35 سنه! وعلى كده كانت متحوزه وعندها أولاد
هز كتفه قبل أن يقول بحيادية
‏= لا ما اتجوزتش قبل كده، بس إصرار منذر عليها عندي احساس انه شكله بيحبها من قلبه، عشان كده مش مهتم بحكايه السن دي .
عقدت حاجبيها باستغراب ساخراً وقالت بامتعاض وهي تشدد على كلماتها
= وأنت تعرف الحب منين يا معاذ و الأمور دي
فنظر لها و رد عليها معاذ بتلقائية
= من أول ما اتجوزتك وحبيتك.
كان قد سبق وأخبرها عدة مرات سابقاً بأنه يحبها لكن الغريب أنها لم تشعر بأي مرة بالحب فعلا ينبض بين كلماته.. أو ربما لأن الحب افعال وليس أقوال فقط!. والى الآن لا يتمكن الأخر الأمر يحتاج الكثير من الاهتمام.. يقولها فقط ويظن هكذا الحب! دون ان يفعل مجهود ليكون في نظرها رجلا بحق و يتحمل المسؤوليه.
تجهمت في وجهه لكنها لم ترد عليه بل اقتربت منه برفق وبدأت تحرك يدها على صدره بلطفٍ بالغ تحاول تخليصه من ذلك القميص الذي يرتدي، في العادة يرفض ذلك لكن عضلاته المؤلمة جعلته يصمت فمنذ الصباح الباكر بدا مجهدا وعند العودة.. بمجرد أن انتهت بدأت أناملها تتراقص على بشرته العارية ليجتاجه شعور لذيذ أجمل من أن يأمرها بالتوقف و الإبتعاد عنه كما هو معتاد عندما تقترب منه، وهمست تطلب بدلال
= حبيبي كنت عاوزه فلوس عشان اروح ازور أختي وبابا واطمن عليهم .
كان مسترخيا لكن فتح عينيه فجأة ينظر لها باحتجاج وقال بشيء من الحنق
= جري ايه يا بسمه ما انتٍ لسه راجعه من ثلاث أيام! مش ملاحظة مشاويرك لابوكي واختك كتير الأيام دي
ابتعدت عنه بتوتر وتلعثمت قائله بكذب
= أصل غاده ابتدأت تزهق من القاعده لوحدها وما بقتش قادره على خدمه بابا عشان كده بتطلب مني اجيلها كل فتره والثانيه.
مال بوجهه باستهجان ثم تساءل بتهكم
= ما تخليكي صريحه معايا احسن يا بسمه بقي انتٍ برده رايحه عشان اختك زهقانه ولا رايحه عشان حاجه ثانيه .
دب الخوف في بسمه أن يكون كشف أمرها لكنها إجابته بهدوء زائف
= قصدك إيه؟
تغضن جبين معاذ بالضيق وقال بحنق ظاهري
= رايحه طبعا تقولي لأختك أن منذر هيتجوز
عشان تحاول ترجعه ليها
تنهدت براحه ثم كتفت ذراعيها تقول معترضة
= و انا مالي يتجوز ولا ما يتجوزش، وبعدين ايه دخل اختي بحاجه زي كده اما خلاص اتطلقوا! وحاجه زي كده متوقعه ان يتجوز ويشوف حياته وغاده كمان اكيد في يوم هتتجوز .. وخلاص كل واحد منهم راح لحاله
من أربع سنين و كلنا فقدنا الامل انهم يرجعوا لبعض في يوم من تاني .. وبعدين دي أسرار عيلتي التانيه واكيد مش هطلعها بره و ربنا يتمم لاخوك على خير .
هز رأسه بعدم مبالاة ثم طبعت قبلةً عميقة على وجنته لتغيير الموضوع وهي تقول بنبرة خافته
= نرجع بقى لموضوعنا هتديني الفلوس إللي عاوزها وتخليني أروح اطمن على بابا ولا لاء
مسح أثر قبلتها العميقة بنفور وكان يريد أن يزجرها لكن فجاه تجهمت ملامح معاذ وهو يعتدل شبه جالس مكانه بحده عندما لاحظ اقترابها الزائد منه وما ترتديه يكشف جسدها الناعم و المثير أكثر ما يخفي.. تحركت له و رسمت تعابير مبتسمة وهي تقول بدلال
= مالك ما وحشتكش ولا ايه.
ضغط على شفتيه بقوة يحاول محي صورتها المثيرة عن عقله بذلك المنظر من ذهنه حتي لا تجعله يشمئز بعد أن تنهد بصوت مسموع قائلاً بارتباك
= احم لا بس.. آآ بس غيري اللي انتٍ لابساه الأول ده والبسي حاجه محتشمه أكثر من كده
.. وبعد كده تعالي.
تسمرت في مكانها مدهوشة حينما سمعت ما قاله للتو، ثم ابتعدت عنة بعدم استيعاب هاتفة بسخط
= محتشمه!! ما البسلك إسدال صلاه أحسن.
لمع بريق مخيف في وجه معاذ، ثم بصرامة لا تحمل شيء من التهاون رفع سبابته يحذرها
= بسمه وبعدين خلاص أنسي الـ…
سارعت بسمة تتناول قميصها المنزلية الكبيرة ترتديه فوقها، مرددة بحنق
= خلاص.. خلاص هعمل لك اللي انت عاوزه! حاضر اووف
أغمضت عينيها تتمالك نفسها بالصبر وهي تعتدل واقفة من عليّ الفراش لتغير ثوبها و تجنب نفسها من رفض ما تريد أو إلي الاستماع لمحاضرة زوجها غريب الأطوار.
بينما تنفست عدة مرات بعمق لتضبط انفعالاتها ثم ضيقت بسمة حاجبيها باستهجان وقالت بهمس بحيرة
= ده إيه الراجل المحترم بزياده ده! حتى مع مراته.. الصبر يا رب .
❈-❈-❈
جلس ثلاثتهن على المقاعد الشاغرة بداخل قسم الشرطه في انتظار دور ديمة التالي للشهاده بعد أن تم القبض على حمدي، كانت رانيا محتضنة اختها ديمة بذراعيها وهي تبكي بين احضانها بصمت، بينما تحدث بعتاب وهو يكز على أسنانه بشراسة
= إزاي يا رانيا تعرفي حاجه زي كده وتفضلي سايبه اختك لوحدها كل الفتره دي؟ تحت رحمه واحد زي ده المفروض اول ما عرفتي تبلغي البوليس على طول .
أرجعت رأسها للخلف قائلة بصوت باهت
= والله عرفت من مده قصيره وكنت بفكر في الحل بس ما كنتش عارفه اعمل ايه؟ انا مش عارفه اشكرك ازاي انك لحقتها لو كان حصل لها حاجه تاني بسبب تقصيري ما كنتش هسامح نفسي ابدا.. انا مش عارفه لو قلنا كل حاجه للبوليس ممكن يفيدنا بايه واختي ما تتفضحش .
لوح لها بإصبعيه هاتفاً بجمود
= ما فيش حاجه ان شاء الله هتحصل اذا قلتي كل حاجه للبوليس وازاي كان بيستغلها ده الحل الوحيد عشان تخلصي من الزباله ده .
رمشت رانيا بعينيها قائلة بتردد
= طب هيكون ايه الدليل على كلامنا ده، ما تنساش ورقه الجواز العرفي اللي اختي مضت عليها والورقه التانيه كمان اللي اجبرها تمضي عليها تحت التهديد ان هيشوه وشها بمياه النار.. ممكن يطالبنا بفلوس تاني وانا ما عنديش مانع ادفع بس اختي ما تتمسش سمعتها .
سحب آدم نفسًا عميقًا، لفظه ببطء محافظًا على ثابته وهو يجيبها بتريث
= هو اللي هيوقع نفسه بنفسه أنسي فكره انك تعرضي عليه فلوس كده بتطمعي اكتر، اولا مفيش جواز حصل بينه وبين اختك لان هو ضحك عليها و طلع باسم حد تاني غير الجواز بالطريقه دي مش شرعي وانا وانتٍ عارفين كده كويس.. ونيجي لحكايه الورقه ودي اهم حاجه لما تقولي انه خلاها تمضي عليها تحت التهديد التقرير هياجي ان الخط في اهتزاز وده اسمه تزوير و التزوير بيوصل ل١٥ سنه سجن أو على حسب القاضي.. اظن بعد المده دي كلها مش هيقدر يفضحك غير ان مش هيكون معاه دليل عشان حد يصدقه، وانا من ناحيتي كمان هعترف ان حاول يعتدي عليها وانا لحقتها .
لمعت عيناها بأمل بعد أن تنهدت بصوت مسموع قائلة بجدية
= يا ريت فعلا كلامك يكون صح ونخلص من الكلب ده ويبطل يهدد اختي .
هز رأسه بهدوء محاوله بث الطمانينه بداخلها
ثم ألقي نظرة على ديمة بعمق قبل أن يتحدث
قائلاً بجدية وهو يحذرها
= ديمه اسمعيني كويس، انا اتصلت بمحامي صديقي وهو جوه دلوقتي مع الضابط بيفهمه الحكايه و هيحتاج بعد كده اقوالك .
أبعدت ديمة وجهها عن عنق اختها بتردد وهي مازالت شاعرة بالحرج منه، فإضاف بصرامة وقد قست نظراته على الأخير
= من غير كلام كثير لازم كل حاجه تحكيها للظابط اللي جوه عشان تخلصي من الزباله ده وما تفتكريش انك لما تداري عليه هيبطل يستغلك وما تخافيش ده افضل حل ليكي ولاخواتك عشان تخلصي منه و من تهديداته ولما يتسجن مش هيقدر يفضحك .
عقب جملته شعرت بالتوجس الذي قشعر لها الأبدان لمجرد تخيل ما يمكن أن يفعله ذلك الحقير مجدداً بها إذا لم تبلغ الشرطه أن تقيده داخل السجن وتخلص منه للأبد، مسحت اختها على ظهرها محاولة امتصاص حالة الخوف التي سيطرت عليها، منحتها عشرات القبلات الأمومية الحانية التي ساعدتها على التهدئة من روعها، أغمضت عينيها بقوة لتنفض صورة هذا الدنيء عن عقلها وهو يحاول اغتصابها و ابتسامته المقززة كانت تبرز لها بوضوح لتنغص عليها سكونها..
لكن مع إصرار آدم و أختها قصت باختصار كل شيء الي الشرطه وتفاجات بأن ذلك المدعو حمدي كان له سوابق جنايه من قبل! و أخبرها المحامي صديق آدم بأن ذلك سيكون جيد وفي مصلحتها بالاضافه أن كل الدلائل ضده.. وقريباً ستنتهي منه للأبد بالفعل .
❈-❈-❈
ألقي منذر بهاتفه المحمول على الفراش بعد تلقيه موعدًا جديدًا مع أهل ضحي لكن هذه المره سيذهب لهم بمفرده محاوله التأثر عليهم للموافقه، حيث استاء من كثرة اعتراض أهله ومن دون جدوى! اعتدل في جلسته واستند بظهره على الفراش شارد بذكرياته السيئة وتساءل نفسه كيف سياثر عليها ويجعلها توافق وتقبل به زوج! وأسرته بالاساس لا تراه رجل مسؤول بل على العكس دائما يشعرونه بالاهانه والتقليل من شانه أمام القريب و الأغراب، فماذا سيعطيها رجل مثله قد انحرم من أشياء كثيره وبسيطه .
أبتسم بمرار فحتى حضن حنون لم يحصل عليه في طفولته لان كان الانشغال الاكثر الى الأبن الأصغر معاذ، لم يعرف ماذا يفعل بل اكتفي بالتحديق أمامه بنظرات حزينه تحمل الحنق والسخط، هو متأكد بكونه تعيس الحظ لم ينل من الحياة إلا القليل.
-في الماضي-
حالة من الخوف المستمر سيطرت عليه بأحد المرات بصورة مقلقة حتى انعكست على ملامحه والتي ضمت الكوابيس المفزعة في أحلامه، ناهيك عن انهياره الباكي المفعم بالهلع والرعب، لم يتجاوب والده معه أو يتأثر بل أستمر صائحًا بإهانة حادة
= بطل عياط زي الولايه وكلمني زي ما بكلمك ياالـ** اخوك فين و اتاخر لحد دلوقتي ليه؟ عملت في ايه أنطق قلتله يروح فين ولا يعمل ايه
ظل في حالة رهبة دائمة منه مما اضطره للابتعاد كي لا يثور عليه أكثر بعد أن يفقد أعصابه لأكثر من مرة معه، ورفض الصغير الحديث مطلقًا عما يخيفه. لكن ذلك لم يعجب والده شاهين بالفعل وبدأ في ضربه مجدداً ليعرف لما تأخر معاذ بالخارج حتى الآن! رغم انه لم يخرج معه وحاول منعه من السهر مع أصدقاء السوء لكن الآخر أصر على الخروج وتجربه الأمر وهو كالعاده هنا يتلقى العقاب مكانه .
فازدرد ريقه الجاف وهو يقول بخوف كبير
= ما اعرفش والله.. ما اعرف هو فين انا قلت له ما تخرجش بس هو ما سمعش الكلام وخرج من وراكم .
وضع شاهين ذراعه محاولاً جذبه إليه بقسوة وهو يرد بحنق
= ولما انت شفته وهو بيخرج ما قلتليش ليه يا واطي يا أبن الكلب هتفضل لحد امتى عديم المسؤوليه كده قلت لك بدل المره الف اخوك مسؤوليتك انت عشان تعبه، كان لازم تمنعه باي طريقه آهو ما رجعش لحد دلوقتي أفرض جريله حاجه وحشه بره، ولله لو ما رجعش سليم و كويس ما هيكفيني فيك موتك
ابتلع ريقه مجددًا وحاول أن يتملص منه لكنه عجز عن الإفلات من قبضتيه المحكمة عليه، وهتف بصوت شبه مذعور
= والله ما عملت حاجه.. انا ما ليش دعوه.. حرام عليك سيبني آآه كفايه .
-في الحاضر-
نفخ منذر مستاءً من عدم مقدرته على تهدئة نفسه بعد أن اعتصر الألم حزنًا على حاله كلما تذكر تلك الذكريات التي لا تذهب أبدا عن عقله، و حاول التهوين علي نفسه بان ذلك حدث بالماضي و لم يحدث مجدداً ؟. لكن ما زال التفريق في المعامله مستمر بينه وبين أخوه معاذ الأصغر .
شعر بدموعه تهبط ومسحها بسرعه وهو يعاتب نفسه فيجب أن يتوقف على تلك العاده بالأخص بعد زواجه فلا يريد ان تاخذ فكره عنه خاطئه وتقلل من شأنه مثل طلقته و… والده .
** ** ** ظلوا الأخوات مع ديمه هذه المره ولم يتركوها ولا لحظه بمنزل العائلة رغم انشغال الاثنين لكن هذه المره خصصوا وقت للجلوس معها للاطمئنان عليها وبدعمها، وبعد أن أوصى آدم المحامي بتسليم ذلك الحقير الشاذ للشرطة ليتم التعامل معه، فقد حرر المحاميه محضرًا ضده ريثما يلقنه هو درسه القاسي بناء على طلب من آدم، كذلك تفاجأ الجميع بانه له عده قضايا أخري من نصب واعتدائه على أشخاص مثل حالة ديمة هكذا وكان يستغل ضعفهم و ابتعاد عائلتهم عنهم فهو كان ذكي حقا في إختيار ضحيته من بين الجميع، وبالطبع استقبله الشرطه بالمخفر بوابل من السباب اللاذع والضربات العنيفة حتى كاد يموت ضربًا بينهم ليعترف بما كان يفعله بديمة وغيرها، ليتم فتح تحقيقات دقيقة في قضيته وبعدها تم حبسه، و أخيراً شعرت ديمة بانها انتهت من ذلك الكابوس السيء وارتاحت بشده.
وكذلك الاخوات شعروا انهم ارتاحوا نوعاً ما من ذلك الشخص وأفعاله بشقيقتهم الصغيره، و شكروا آدم كثيراً فهو من اقترح عليهم فكره حبسه بالقسم حتى ينتهوا منه و شكروا ايضا علي مساعدته الكبيرة معهم، وعلى الجانب الاخر كانت رانيا تشعر بالقلق من القادم وانها لم تتخلص من الأمر كله فشقيقتها لم تعد آنسه وهذا السر بالتاكيد مع الوقت سينكشف بين الجميع.
بينما حاله ديمة لم تكن جيده حتى بعد ان تخلصت من ذلك الحقير وبات في حالة سيئه تفكر بما حدث معها، تشعر أنها مهددة بالموت بين لحظة وأخرى نتيجة تطور وضع الحزن بداخلها، حتى التدخل الجراحي بات غير مجدٍ معها فهي مريضه نفسيه وليس جسديه، بالاضافه الى شعورها بالذنب والندم على ما فعلته في حقها لذلك عكفت على الصلاة داعية المولى أن يهون عليها و ارتفع نحيبها خلال سجودها حتى فرغت من أدائها، ودت رانيا لو استطاعت مد يد العون لها لتخفف عنها ما هي فيه، لكن ليس باستطاعتها شيء، هي رافضة المساعدة من أي شخص، حبيسة داخل غرفتها مجهشة ببكاء يقطع نياط القلوب، لكن مع ذلك لم تتركها هي واختها دون حل .
وفي تلك اللحظة جاءت زينب ومسحت برفق على ظهر رانيا اختها متسائلة بحذر
= مالك يا رانيا إيه اللي شاغل عقلك ما الحمد لله ديمة بقت كويسه والكلب ده اتسجن وراح في داهيه.. مالك بقي مضايقه ليه .
رفعت عينيها الحزينة في وجهها باحثة عن الأمان فيها، فلم تترد في قولها بقلق شديد
= مش عارفه متضايقه ليه هو انتٍ مفكره كده الموضوع خلص يا زينب! اختك ما بقتش زي الأول آنسه وما فيش دليل انها اتجوزت و الجواز في كل الحالات كان باطل وانا مش بحاسبها خلاص اللي حصل حصل واحنا كمان طلعنا غلطانين وادينا جنبها وبنحاول نصلح اللي فات
زفرت بصوت مختنق وهي تضيف بحسرة
= بس هنعمل ايه في اللي جاي؟ كلها كام سنه وتخلص الجامعه ومش هيبقى لينا حجه لما يتقدم لها عريس والتاني واعمامك وكل الناس هيسالوا ليه ما اتجوزتش لحد دلوقتي لان طبعا مش هنقدر نجوزها وهي في الحاله دي .. هتتفضح وتفضحنا ويا عالم اللي هيعرف هيسكت ولا هيفرج الخلق علينا .
إبتلعت الأخري ريقها متوجسة وهي ترد قائله
= انا مش ناسيه ولا حاجه، بس بقول مش وقته لسه بدري واختك صغيره بتقلقيني ليه من دلوقتي وتشيلينا الهم لما يجي وقتها يبقى نفكر .
لوت شفتيها بسخرية مريرة وهي ترد بجدية
= الايام بتجري ولازم نفكر من دلوقتي هنعمل ايه؟ ممكن في اي لحظه اصلا حد يجي من البلد ويقول لنا أختكم لازم تتجوز وما ينفعش تفضل لوحدها اكتر من كده انتٍ عارفاهم يسكتوا يسكتوا ويطلعوا فجاه انما قبل كده ما كناش بنشوف حد منهم خدوا نصيبهم بس من الورث ومشيوا.. بس برده اكيد هنيجي في بالهم في مره.. ودول لو عرفوا ولا شموا خبر بموضوع اختك هيقتلوها علي طول مش هيقعدوا زينا يتعاملوا بهدوء و يدوروا على حل .
أخفضت رأسها بيأس وإحباط وهي تقول بنبرة متوترة
= معاكي حق بس هنعمل ايه، ولا بايدينا ايه نعمله الله يسامحها ويغفر لها على الغلطه اللي وقعتنا فيها دي، ان شاء الله مش هيعرفوا حاجه دول على رايك لو عرفوا هيقتلوها من غير رحمه ولا هيجوزوها جوازه اي كلام عشان يستروه عليها .. غير اللي هيعملوا فينا وهيقول لنا ما طلعتوش قد الامانه ومش هنخلص .
تحركت رانيا في اتجاهها لتشكل بجسدها حائلاً وهي تردف بخوف
= اديكي قلتيها بنفسك هنفتح علينا باب مش هيتقفل عشان كده احنا لازم نشوف حل بسرعه للموضوع
أخفضت رأسها بحيرة عاجزة ومتنهدة بإرهاق وهي تقول بأمل
= ربنا يلطف بيها وبينا وهو اللي عالم بحالنا! ممكن ربنا يبعتلنا حد يساعدنا ذي الأستاذ آدم ويستر عليها .
شردت رانيا في إسم آدم وتذكرت كيف كان يساعدهم الأيام السابقه ولم يتأخر بفعل شيء معهم دون حتى ان يطلبون ذلك، فهو حقا رجل شهم وخلوق! فلما لأ؟ فهي لم تقف كالمتفرج كثيرًا وحياه أختها تضيع أمامها و تعود بعد ذلك نادمة، توجست خيفة أن تفعل أمر خطير لم تحسب تبعاته جيدًا، لكنها هزت رأسها هاتفة بتفكير هامسة
= ليه مش ممكن!.
❈-❈-❈
وصل منذر إلي منزل أسرة ضحي استقبلته والدتها بوجه متجهم ليعلم بان عائلته كانت محقه بأمر رفضهم له بالأخص السيدة كوثر! فوالدها استقبله بترحيب حاره عنها، لكن رغم ذلك استغرب فوزي كثيرًا قدومة بمفرده اليوم!
فربما قد جاء لمفاتحتهم من جديد في مسألة الارتباط الرسمي من أبنته، بدأ الأب في حيرة واضحة فهو حتى الآن لم يأخذ الرد الأخير من ابنته! فلا يعلم بماذا يجيب حين يتحدث مجدداً بنفس الموضوع، وضعت كوثر واجب الضيافه أمامه علي مضض واضح ثم جلست بجانب زوجها، أبتسم فوزي بهدوء وهو يقول
بمجامله
= اتفضل يا ابني اشرب الشاي!.
جاهد منذر ليخفي توتره هاتفاً بصوت منخفض
= شكرا يا عمي! انا آسف لو عطلتكم عن حاجه بس انا قلت لازم اجي لحضرتك لوحدي عشان لو في اي حاجه عاوز تستفسر عليها مني او ما تفهمش يعني حكايه ان انا
ما جيتش مع اهلي غلط .
أجاب فوزي قائلاً بهدوء جاد
= لا عادي ما حصلش حاجه، وانا حتى كنت لسه بقول من كام يوم الكلام ده لكوثر مراتي ان في شباب بتتحرج تيجي مع اهلها اول مقابله ويسيبوا الأهل يتكلموا الأول عشان ما يحصلش حرج من الاثنين .
هز رأسه بالإيجاب وأردف قائلاً بصوت خفيض
=بالظبط هو ده فعلا اللي انا كنت أقصده .
ردت عليه كوثر بحدة بلا تردد
= بس احنا والله لسه بنفكر في الموضوع وما اخذناش وقتنا ده غير ان اهلك بقى لهم اسبوعين بس! متكلمين وموضوع زي ده لازم نفكر فيه مره واثنين وثلاثه .
لاحظ انزعاجها ثم تنحنح بخشونة متحدثاً بتفهم محاولة تلطيف الأجواء
= ايوه طبعاً براحتكم خالص وانا مش مستعجل، انا جاي النهارده عشان غرض ثاني بصراحه، يعني لو تسمحوا لي ممكن اتكلم مع ضحى شويه لوحدنا!.
احتدت نظراتها أكثر وهو تقول بغضب بائن في نبرتها
= نعم عاوز تتكلم مع البنت في ايه وتتكلم معاها علي اي أساس؟ ده انتوا حتى فاتحه
ما قريتهاش.
رد منذر بسرعه موضح بنبرة مرتبكة
= انا والله ما قصدي حاجه وحشه انا حابب اوضحلها اي امر هي عايزه تفهمه مني وبعدين احنا هنقعد معاكم في نفس الشقه والباب هيكون مفتوح اكيد علينا وبعدين هو برده مش لما حد بيروح يتقدم لواحده عادي انهم يقعدوا ويتكلموا مع بعض ولا انا بقول حاجه غلط .
مصمصت شفتيها بسخرية بصمت ونظرت إلى زوجها وهي تهز رأسها نافية، فهي لا تريد ان ترتبط ابنتها برجل هي أكبر منه سنا لذلك لا ترغب في تلك الزيجه تتم .
بينما استمع الأب إلى جدالهما بانزعاج ظاهر على تعبيراته، فرك فروة رأسه بحيرة وهو يتنهد بصوت مسموع، ثم التفت برأسه للجانب قائلاً باستسلام
= خلاص يا كوثر ما فيش مشكله واهو برده قدامنا، ادخلي نادي بنتك وعرفيها .
علي الجانب الآخر لم تصدق ضحي نفسها بأن الشاب الذي يرغب بخطبتها قبل أسابيع ها هو اليوم قادم بنفسه لها! تسمرت في مكانها مدهوشة أكثر عندما أخبرتها والدتها بانه يريد مقابلتها على انفراد! فرحلت الأخري وأعطتها مساحة من الحرية لتختلي بنفسها وتستعد نفسيًا للحديث معه وبعد انصرافها، دق قلبها بعنف كبير حتى توجست خيفة من أن يكون قد أصابها مكروه ما أو تحلم، توترت أكثر للقائها به رغم كونه عاديًا.. لكن ليس عاديًا فهي لم تتعرض لموقف مثل ذلك لكن مؤخرًا تغيرت كثيرًا وصارت تحدث مواقف كانت تتمنى حدوثها بشده.. وهي الآن تعيش تلك المواقف البسيطه في حياتها مثل أي فتاه .
أسرعت بارتداء ثيابها وقد اختارت أفضل شيء من وجهه نظرها ثم تنفست عدة مرات بعمق لتضبط انفعالاتها، لكن ما لم تستطع السيطرة عليها هي تلك الحمرة التي تصبغ وجهها، يئست من إخفائها فاضطرت أسفة أن تخرج من الغرفة على تلك الحالة.
علي الطرف الآخر حاول منذر على قدر المستطاع وتعمد أن يكون هادئًا جديًا معها كي لا يشعرها بالحرج أو القلق منه، لكن عصفت بداخله حربًا هوجاء خارج أرادته بشدة فلاول مره يتعرض لموقف كذلك حتي طلقته السابقه تكلف والد بكفه الأمور عنه دون التدخل، بذل مجهودًا مضاعفًا ليبدو ثابتًا أمامها عندما رآها تدلف له بخطوات بطيئة ليقف علي الفور و أبتسم قائلاً بحذر
= ازيك يا آنسه ضحى .
ردت ضحي بارتباك طفيف وهي تتعمد التحديق في أي شيء إلا وجهه
= الحمد لله!.
طال صمتها بعد ذلك ثم رفعت رأسها للامام ببطء شديد وفضول أكثر تريد رؤيه ملامحه فهي قد خمنت بانها اسوء شيء لذلك قد تقدم إليها هي بالذات لكن تفاجأت بشاب عريض بملامح وسيمه ببشره سمراء وعيون خضراء! أخفضت بصرها متحرجًة وبدأت تشعر بالغرابه فلما شاب كذلك سيتقدم اليها وهي تكبره بالعمر و ليس بها شيء مميز! لاحظ شرودها ثم اعتدل في وقفته وهو يقول بهدوء مشيرًا بيده
= مش هتقعدي عشان نتكلم؟ أكيد يعني مش هنتكلم واحنا واقفين.
انتبهت إلي نفسها ثم هزت رأسها بالإيجاب وجلست بجسدها الممتلئ نسبه فوق الأريكة قائلة بصوت باهت
= اتفضل، أنا سمعاك!
أبتسم بمجاملة وهو يقول بجدية
= أكيد طبعا عرفتي انا هنا ليه؟ واهلي كمان كانوا هنا من فتره بس انا حبيت اجي لوحدي عشان اتكلم معاكي في اي حاجه قلقكٍ او حابه تسالي عنها.. يعني بدل ما دماغك تجيبك وتوديكي نسأل بعض مش كده اريح .
رمشت بعينيها بحياء وعندما طلت نحوه الباب بالخارج لاحظت نظرات والدتها المحذرة لها فتجمدت الكلمات على شفتيها، لكنها حاولت صرف ذهنها عنها وعادت تنظر إليه وهي تشعر بالحرج الشديد منه هاتفة بحيرة
= أسألك عن ايه يعني .
هز كتفه مبتسماً بهدوء ثم أجاب مهتمًا
= اي حاجه تيجي في دماغك اول المفروض الناس اللي بتقعد قاعده زينا يسالوا على بعض .. عشان يطمنوا لبعض.
سألته ضحي بتفكير وهي تنظر بعينيها نحو الخارج بإحراج شديد
= ما فيش حاجه جايه في دماغي دلوقتي بس.. هو انت عارف ان انا اكبر منك بسبع سنين .
تقوس فمه للجانب كون متوقع بانها ستسال سؤال كذلك بالطبع، لكنه أبتسم بهدوء متعمد محاولة تلطيف الأجواء ليرسل لها بأن ليس هناك مشكله في ذلك بالنسبه له
= اكيد عارف لو كان عندي مشكله مع كده.. اكيد ما كنتيش هتلاقيني هنا؟ بس يعني مش شايف انه سن كبير او حاجه ممكن تتكلم فيها مهمه! في ناس كتير بيتجوزوا زينا كده وبينجحوا وبيكملوا مع بعض سنين طويله لاخر العمر .
رمشت بعينيها بخجل طفيف وتساءلت بفضول
= واهلك كمان موافقين
فرك منذر طرف ذقنه هاتفاً بضيق أزعجه
= ما لكيش دعوه بيهم انا اللي هتجوز مش هما وبعدين عشان تطمني اه موافقين ما هم جم بنفسهم و طلبوكي.. زي ما قلت لك الموضوع ما فيهوش مشكله المهم انتٍ بس توافقي.
رأي القلق في نظراتها فقال بهدوء ليبعث الطمأنينة عليها
= هو الموضوع ده يعني مضايقك أوي كده عشان دي الحاجه الوحيده اللي سالتيني عليها
ممكن معاكي حق في اولها بيبان الموضوع غريب بس بعد كده هنتعود وبعدين مش المفروض تسالي عن اخلاقي وانا شخص اعرف اتحمل مسؤوليتك وبشتغل ايه و حاجات زي كده أهم!.
هزت رأسها بالإيجاب مرددة بعفوية
= بابا سال عنك ولسه بيسال! ويعني الناس اكترهم قالوا كل خير عندك
تنهد منذر براحه قائلاً بتلهف
= طب الحمد لله لما هو الموضوع كده اللي لسه قلقك عشان توافقي .
استشعرت خجلها ودهشتها من استعجاله الظاهر للامر، وقالت متوترة بتوضيح
= يعني طبيعي أفكر ده جواز برده! وبصراحه في كذا نقطه بقف عندها كل ما افكر في الموافقه عشان كده بعيد حساباتي تاني
تنهد مطولاً، ثم أردف على مضض
= طب ما انا قلت لك قدامك اساليني عاوزه ايه عشان اريحك .
تورد وجهها بخجل أكبر وهي تقول بنبرة مترددة
= هو انا لو سالتك طلقت ليه ممكن تجاوبني .
ابتلع ريقه مجيب بجمود ظاهر علي ملامحه
= ما لقيتيش غير الموضوع ده مش حابب بصراحه اتكلم فيه، يعني انفصلنا عن بعض وخلاص وكل واحد دلوقتي في حياته ما فيش اي حاجه بتجمعنا دلوقتي ببعض حتى انا بشوفها بالصدفه أصلا.
قطبت جبينها بعدم فهم قائلة بغرابة شديدة
= بتشوفها بالصدفه ازاي مش المفروض بينكم ولد وانت بتشوفه .
سحب يده إلى جواره وتحدث بجمود مريب قد حل عليه من كلماته المقتضبة هاتفاً
= اه فعلا بس هو لازم عشان اشوف ابني اشوفها، انا بشوفه بطرق ثانيه.. بصي لو بتسالي عشان تطمني فاطمني خالص
انا ما ليش علاقه بيها من بعد ما طلقتها والوضع برده هيستمر لو اتجوزنا وحصل نصيب ومش هتحسي بجودها في حياتنا اصلا
استشعرت استياء منه بقوة حينما التقت عيناها بعينيه، وتعجبت بشدة لذلك تساءلت بتردد وقلق
= هو انت ليه اتضايقت أوي لما جبت سيرتها و كلامك عنها كأنك مش طايقها اصلا طب اتجوزتها ليه .. انا اسفه لو بتدخل في حاجه ما ليش فيها بس الموضوع غريب شويه .
هز رأسه بيأس وحسرة داخله وقال لها
بتنهيدة مطولة
= هو فعلا الموضوع غريب وطويل ومش بحب اجيب سيرتها بمشي بالأصول بس صدقيني بعد الجواز لو الموضوع اتفتح تاني هجاوبك او مسيرك هتعرفي كل حاجه لوحدك وأنا وقتها هقول لك السبب وطلقتها ليه .
ظنت أنه يتهرب من الإجابة عليها لرفضه للحديث عنها، فاحتجت على طريقته بحدة طفيفة
= واشمعنا ما اعرفش دلوقتي.
نظر إليها بنظرات عميقة قبل أن يتحدث مبتسماً
= جايز عشان ساعتها هتكوني مراتي ومن حقك تعرفي مواضيع خاصه أوي كده عني .
حافظ على ابتسامته رغم انزعاجه من اسئلتها حول طليقته السابقة وذلك الطفل الذي لا يعني من بعيد او قريب لكن لا أحد يعلم ذلك مع الأسف غيره وبات في نظر بعض الآخرين اب جاحد لا يهتم بطفله الوحيد، وهو بالتاكيد لا يرغب بان تعرف شيء كذلك حتى لا ترفض الزواج منه مقابل شيء ليس له يد فيه، لذلك أضاف قائلاً بصعوبة
= ضحي انا مش عاوزك تقلقي وكل حاجه هتعرفيها في وقتها افضل، او حتى لو اديتيني فرصه نقرب وعملنا خطوبه او نكتب الكتاب هيكون عندنا وقت وساعتها هنا ممكن اعرفك كل حاجه بس لازم يكون في ارتباط رسمي ما بينا .
تنهدت بنظرات حائرة وعندما لاحظ ذلك احنى رأسه نحوها فجاءه ليحدق مباشرة في حدقتيها هامسًا بنبرة ذات مغزى
= أنا بجد محتاجلك! ونفسي تفكري كويس وتوافقي.
ارتجف بدنها من كلماته الموحية والمصحوبة بتنهيداته المعبرة عن ربما وجود شئ ما بداخله نحوها، فأذن لماذا سيستعجل هكذا على الارتباط منها إلا إذا كان ما تفكر فيه صحيح! لكن لا تعرف متى وأين؟
فربما أيضاً تكون تلك أوهام واحتياجه لها بطريقه اخرى؟ لكن كل ما يهمها في تلك اللحظه بأن أخيراً هناك شخص بجانبها يرغب بها ويعترف باحتياجه لها بإصرار.. لتفكر ربما منذر سيكون ذلك الشخص المناسب لها بالفعل بعد طول انتظار.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين، فتحت بسمة الأكياس التي جلبتها عند ذهابها للسوق مع حماتها اليوم وبدأت تحضر الطعام ثم أحضرت الأطباق من رفوفها وبدأت ترتب السفرة، وعندما دخلت تخبر زوجها أنها انتهت من تحضير الطعام وجدت ملابسه كالعادة بالأرض بإهمال تنهدت بانزعاج واقتربت حتى تضعهم بمكانهم لكن سقطت ورقه صغيرة منهم وكانت من الواضح بانها تذكرة الى مكان نزهه.
أخذتها من الأرض لتقرأ ما بها وفي لحظات عبست ملامح وجهها سريعاً ثم اقتربت منه بخطوات عنيفة و قذفت القميص جانبا بقوة، وهي تصيح بنبرة جهورية
= مـعـاذ!.
التفت نحوها قليلاً بتعجب وقبل أن يتسائل ماذا بها،صدر منها صوت ساخراً قبل أن تضيف موبخه إياه
= يعني بتروح حديقه الحيوان اهو ومش شايفها خروجه هيفاء للاطفال بس!.
أبتعد عن جهاز الكمبيوتر الخاص به، وأردف بغضب وبامتعاض
= في ايه مالك بتزعقي ليه وطي صوتك محسساني كانك قفشتيني مع واحده!. كان اقتراح من واحد صاحبي وروحنا ساعتين وما طولناش .. ليكي حاجه بقى عندي .
جاء الطفل مالك بالخلف واستمع إلي الحديث
عبس سريعًا وحل الوجوم على تعبيرات وجهه البريئة قائلاً بحرقة طفل
= انا كنت عاوز اروح اتصور هناك معاك.
زفرت بسمة بصوتٍ عالي ثم تقدمت من ابنها بحنو تخفف عنه، ثم التفتت بوجهها المحتقن
مجدداً له
= ان شاء الله نص ساعه يا بني آدم أنت كنت اتصلت بيا وقلتلي اجهز لك ابنك تاخده معاك
وتتصوروا كام صوره عشان يفرجها لاصحابه .
نظر إليهم متهكما بشيء من الغضب فهو يري أن الأمر عادي ولا يحتاج الى كل ذلك الشيجار وهتف بها باستنكار
= ما تبطلي سخفا انتٍ وابنك يا بسمه صور ايه اللي عاوزاه نتصوروها وهتفرق معاكوا في ايه أصلا.. وبعدين ما انتٍ بتروحي انتٍ وابنك لوحدكم ما تتصوره هو انا منعتكم
شعرت برغبة ملحة في قتله لكنها تمالكت رغبتها المكتومة، ثم ابتعدت عن طفلها صائحًة بصوتها المتهدج
= بطل كل ما اقول لك حاجه عن ابنك عاوزها تقول لي هيفاء و سخيفه، الحاجات دي بتفرق مع الأطفال والحاجه اللي انت شايفها مش مهمه وعاديه بالنسبه لك! بالنسبه له هو مهمه وهتفرق معاه جدآ .. انا مش فاهمه ايه اللي هيجرا لك يعني لو اخذت ابنك معاك خروجه زي اي اب ما بيعمل مع ابنه ما تتحمل المسؤول شويه عني انا تعبت .
تساءل معاذ بلهجة أكثر هدوءً لكن أشد انفعال
= هو احنا مش هنخلص من وجع الدماغ ده ولا ايه رجعتي تاني لنفس الكلام، بسمه خدي بالك لو فضلتي كتير على الوضع ده هتنكدي على نفسك وعلينا وخليكي فاكره انتٍ اللي بتبداي
ردت بسمة بسخرية متشحة بالمرارة والقهر
= هعيش في نكد هو انا كل ده ومش عايشه في نكد انا وابنك، ما انت ليك حق يعتبر عايش مع نفسك ولا دريان بينا تخرج وتتفسح وتروح وتيجي براحتك انما احاول معاك تخرج معانا ان شاء الله ربع ساعه لأ طب خد ابنك ومش مهم انا برده لا!. وتقعد تتحجج لي بحاجات هايفه بتخنق من دوشته مش بيقعد ساكت ما تخرجي انتٍ.. كانه أبني لوحدي ومش مسؤول من مسؤوليتك برده
بقي معاذ صارم الملامح ثم تنهد بقوة بنفاذ صبر وهو يقول بصوتٍ واضح وهادئ بينما يوزع أنظاره لهم مفكر بذلك الشكل سيتخلص من اصرارهم على طلبهم للخروج هم الثلاثه معا.
= لما يبقى يكبر شويه يبقى نشوف حكايه الخروجه دي بعدين ويكون بطل الزن بتاعه وبقى هادي وعاقل عن كده، انما دلوقتي مستحيل.. عاوزاني أجر ابنك في ايدي مع اصحابي كلنا رجاله في بعض ويفضل مكبت حركتي ومش عارف اعمل حاجه منه وهم مبسوطين حواليا.. بالذمه دي اسمها خروجه هو في حد بيعرف يخرج ويتبسط مع عيال برده .
هنا أدركت بسمة أن موجة الغضب التي تجتاحها خرجت عن نطاق سيطرتها فانتفضت تثور عليه أكثر بسخط
= طالما انت عاجبك أوي عيشه العزوبيه وانك ما تبقاش مسؤول عن عيله كنت اتجوزت بدري ليه، بس صحيح أنت تعبان في ايه وهي فين المسؤوليه اللي انت شايلها أصلا ما انت قاعد واكل شارب ومصروفك بيجيلك من ابوك .
كانت عينا تضيقان وتضيقان مع كل كلمة تهتف بها، وهتف بها بصرامة وحزم
= لو ما بطلتيش السيره دي كل شويه تقوليها في وشي هتغبيه عليكي في مره بجد يا بسمه
احترمي نفسك واتعلمي ازاي تتكلمي مع جوزك
كويس..
اتسعت عينا لشهقات إبنه التي تتعالي وهو مستمر في البكاء الذي لا يفشل بإيجاد سبب للبكاء! لكن الأمور البسيطه بالنسبه للكبار تعني للصغار أشياء كثيره لذلك مالك كأن يري التنزه مع والده قيمه كبيره له ويرغب ان يشاركه تلك اللحظات حتى لا يشعر بانه مختلف عن أصدقائه حوله! ارتفع صوته يضيف قاصفا وهو يزجرها
= اتفضلي سكتي ابنك اللي عمال يعيط ده مش ناقص زن ما بحبش عياط العيال بيصدع دماغي
كتفت ذراعيها وحاولت مجدداً الاعتراض بقهر
= هو انت كل حاجه زهقان.. ما بحبش.. مش طايق.. يا اخي بتتجوز ليه وتلزم نفسك بواحده وابنها ما لهمش ذنب! كنت واخدها من بيت ابوها عشان تشيلها المسؤوليه كلها لوحدك وانت كل اللي عليك مجرد اسم في البيت وبس!.
جلس بعصبية خلف جهاز الكمبيوتر هاتفًا بامتعاض
= ثاني! انا مش فاهم عامله كل الدوشه دي كلها ليه انتٍ وابنك كل ده عشان خرجت رحت جنينه الحيوانات مع اصحابي! ايه مش من حقي اخرج انا كمان واشم هوا شويه بعيد عنكم .. محسساني كاتم راحتك أوي ما انا سايبك تشمي هو براحتك وتخرجي
غامت عينا زوجته بحقد عليه وهي تقترب منه تهدر بغل من بين أسنانها
= هو ده كل اللي انت فهمته من كلامي بس
إني عامله كل وجع الدماغ ده عشان خرجت لوحدك؟؟ يا بني ادم بقول لك شيل المسؤوليه شويه عني وابنك نفسه يخرج معاك زي ما بيعرف من صحابوا وهم بيتكلموا على خرجتهم مع ابهاتهم .
هز رأسه بعدم مبالاة وقال معاذ باستخفاف
= مش بقول لك هيفاء وسخيفه انتٍ وابنك، طب ما انتٍ بتخرجي معاه ما يحكي لاصحابه
عن خروجاتكم مع بعض.
ردت باقتضاب وهي ترمش بعينيها بنفاذ صبر
= الأب غير الأم.. أفهم بقي!.
شعر معاذ بالصداع من كلمات زوجته التي لا تتوقف بالإضافة إلى بكاء إبنه الصغير أيضاً لينهض وقبل أن يتحدث تفاجأ الثلاثه بدخول مايسه الأم من باب المنزل، وهي تتسائل بقلق
وفضول
= في ايه يا ولاد صوتكم عالي ليه؟ وانتٍ يا بسمه مالك سامعه صوتك من تحت عماله تزعقي .. وابنك كمان بيعيط هو إيه اللي حصل .
اتسعت بسمة عيناها ببريق غاضب من تدخل حماتها في شؤونها بتلك الطريقه وما اغضبها اكثر دخولها عليهم دون استئذان، لتنظر إلي زوجها بغيظ كونه لم يمنعها من جرأتها حتي الآن في الدخول عليهم بهذا الشكل فهي تحدثت معه كثيراً حتي ياخذ المفتاح منها لكنه ببساطه لا يستطيع ان يرفض الى والدته طلب… عكسها هي وطفلها .
❈-❈-❈
في منزل والد ضحي كتمت أمها شهقة مباغتة خرجت من جوفها بيدها لتستدير برأسها في اتجاه ابنتها مجمدة عينيها اللامعتين عليها، وهتفت بنبرة عالية بعدم تصديق وهي تجذبها من ذراعها نحو الأريكة لتجلسها إلى جوارها
= نعم يا اختي موافقه تتجوزي واحد اكبر منك بسبع سنين انتٍ اتهبلتي يا بت ولا ايه! هو الولد ده لعب في دماغك وقال لك إيه عشان توافقي كده على طول من بعد ما يزورنا
قالت ضحي بامتعاض ظاهر عليها، وهي تنهض من فوق الأريكة
= عادي يعني اتكلم معايا كلام عادي وطمني انه عاوزني بجد وشاريني ومش فارق معاه حكايه السن وأن اهم حاجه الاخلاق
تقوس فمها للجانب بتهكم، وهي ترد باهتياج
= أخلاق إيه يا ام أخلاق! بنت انتٍ اسمعيني كويس انا مش موافقه على الجوازه دي وانتٍ كمان مش هتوافقي ما تخلوش يلعب في دماغك كلها كام سنه ولا شهر حتى وهيبتدي يزهق منك وهترجعي لي مطلقه وتقعدي تعيطي جنبي وهتقوليلي يا ريتني كنت سمعت كلامك يا ماما … فمن اولها كده صحصحي للكلام والجوازه دي ما تنفعكيش .
تنهدت بضيق شديد وأجابتها بغضب
= انا مش فاهمه انتٍ رافضه ليه ما بابا قال لك أنه شخص كويس وسال عليه كثير وسمع عنه كل خير وانا بصراحه استريحت لي و حاسه أنه كويس فعلا ومناسب ليا.. وبعدين انا في النهايه اللي هتجوز مش حد ثاني وانا ادري بمصلحتي .
وقفت كوثر على قدميها لتمسك بابنتها من ذراعها، ثم أدارتها نحوها قائلة بجدية وهي تحذرها
= سامعه نفسك الواد خلاص كل بعقلك حلاوه وانتٍ زي الهبله مشيتي وراه، يا بنت فوقي انا كمان عاوزه مصلحتك مش من قله الرجاله رايحه تتجوزيلي واحد انتٍ اللي اكبر منه يعني صابره كل السنين دي كلها ومش عارفه تصبري شويه كمان يجيلك واحد احسن منه وهو اللي اكبر منك مش العكس!
ابتسمت لها ابتسامة ساخراً بألم وتحشرجت أنفاسها حتى أوشكت على الاختناق وهي تقول بنبرة مقهورة
= استنى حد مناسب ويا ترى اللي هستناه ده هيكون عنده كام سنه 40 ولا 45 ولا 50 اصلا
ويا ترى هيكون ارمل ولا مطلق؟ هيختارني زوجه لي ولا خدامه لعياله.. ولا الشروط اللي هيشرطها عليا وانا غصب عني لازم احط جزمه في بوقي واوافق عشان بقى عندي 35 سنه ولسه ما اتجوزتش وما فيش حد بيتقدم لي، هستحمل إيه اكتر من ضغط و كلام الناس اللي حواليا و ما بيخلص .
أشفقت على حالها كثيرًا، وحاولت احتوائها لكن نبذت عاطفتها جانب الآن هاتفة بسخط
= ما لكيش دعوه بكلام الناس، الناس طول عمرها بتفضل تتكلم ومش بيخلصوا
اندمجت دمعاتها الغزيرة بصوتها الهاتف بحسرة حتى بدا كالأنين، فما أصعب أن ترى نفسها تقبل ما لا تريد لاجل التخلص من ضغط من حولها
= دلوقتي ما ليش دعوه بكلام الناس ولما انتٍ عارفه انهم بيفضلوا يتكلموا ومش بيخلصوا ما جيتيش لي فهمتيني من وانا صغيره اني ما اسمعلهمش لانهم مش صح ما علمتنيش ليه من وانا صغيره ان مخليش كلام الناس يأثر فيا.. وما جيتيش ليه من انا صغيره لحد ما كبرت لما واحده تضايقني بكلمه توقفيها عند حدها وتقوليلها عيب وما يصحش تقولي على بنتي كده؟؟ انتٍ طول عمرك بتسمعي وتبتسمي غصب عنك وتسكتي وتسيبيهم يفضلوا يجرحوا فيا.. عارفه ليه كنتي بتعملي فيا كده عشان انتٍ للاسف كنتي برده زيي بتسمعي لكلامهم ..
أضافت بفتور مكملة عتابها القاسي لنفسها قبل منها ومكفكفة عبراتها الحزينة
= فما تجيش بقى دلوقتي وتقولي لي ما لكيش دعوه بكلام الناس لان انتٍ اصلا رافضه ان انا اتجوز واحد اكبر مني بسبع سنين عشان كلام الناس برده، مش عشان مصلحتي .!
إبتلعت ريقها بتوتر فيصعب أن تري ابنتها تتألم ولا تستطيع مساعدتها ويوجد جزءا صحيح في كلماتها بالفعل، لامت نفسها وهي تقول مرددة بحنق
= حتى لو انا غلط برده ده ما يديكيش الحق انك تعملي كده في نفسك
أغمضت ضحي جفنيها للحظة محبطة من قسوتها المستمرة، هي مهما تحدثت لم تفهم ما الذي تمر به بالفعل وانها قد ملت مما يحدث حولها وترى نفسها قليله الحظ في تلك الحياه وليس هناك فرصة اخرى، تنهدت مطولاً ثم تجاهلت كلماتها كأنها لم تسمعها و أجابتها بإصرار
= اخر الكلام انا هتجوز منذر وهجرب حظي معاه سواء بقى وحش ولا حلو مش هيكون احسن من اللي انا فيه .. على الاقل زي ما هخلص من كلام الناس هخلص من الخناق اللي مش بيخلص كل يوم الصبح فوق دماغي .
❈-❈-❈
نظرت بسمة إلي حماتها محاولة استجدائها في سبيل إيجاد حل في حال معاذ الذي تركهم ورحل غاضب للخارج وذلك جعلها تحقد علي بسمة لانها اغضبته، لكن الأخري كانت كمن ضربت رأسها بصاعقة مباغتة، فتحولت نظراتها للإستنكار والذهول حينما سمعتها تقول بصرامة
= وبعدها لك يا بنت متولي كل يومين والتاني أسمع صوتك العالي مع أبني! هو انتٍ مش عارفه اللي فيها ولا ايه بتتعبيه اكتر ليه دلوقتي.. الخناقه كانت على ايه المره دي؟
لوت بسمة شفتيها بامتعاض ثم أردفت مرددًة ببرود
= أبدا كل ما في الأمر بقول له مش أن الاوان ينزل يشتغل زي اي راجل مسؤول عن بيته وابنه! عشان الولد ابتدا يكبر و يسال ابويا ليه مش بيشتغل زي الابهات التانيه .
نفخت الأخري بضيق شديد وهتفت بإيجاز
= عيل صغير قوليله اي حاجه وهو هيصدق وهيسكت .
اغتاظت بسمة من استخفاف حماتها بالأمر، فردت عليها بحدة
= مع انه لو مش فاهم ما كانش سأل بس همشي على كلامك، و لما يبتدي يكبر ويعرف لوحده أن ابوه ما بيصرفش على البيت من شقايه و عرقه، لا ده بياخد المصروف لسه من ابوه هيكون موقوفه إيه ساعتها لما يعرف اننا بنكذب عليه.
اصطبغت عيناها بحمرة شديدة وقاطعتها قائلة بشراسة وهي تقترب منها
= جري ايه يا بنت ما تقولي لي أي كلمتين و السلام.. ان شاء الله تقوليله الحقيقه و ساعتها مش هتبقي كدابه قولي ان ابوك تعبان والشغل بيتعب قلبه .
استنكرت بسمة إصرار حماتها على إفساد أبنها المدلل، وتحدثت بإشمئزاز بارز على محياها
= حقيقه إيه يا حماتي! ما معاذ بقي ما شاء الله دلوقتي يقدر يروح ويجي ويتحمل.. غير الادويه الكتير اللي كان بياخدها من اول ما اتجوزنا بقى دلوقتي بياخد علاج واحد و الدكتور بنفسه قال له تقدر تمارس حياتك عادي وما بقاش في خطر عليك زي الاول .
شهقت بصرخه مكتومة فزادت شراستها أضعافاً مضاعفة أثر كلماتها تلك، ثم دفعتها بعنف هاتفه بغلظة
= الله اكبر في عينك انتٍ هتنقي على الولد ولا إيه يا بنت؟ ما انتٍ لو كنتي شفتيه زمان كان عامل ازاي اول ما اتولد وحالته الصعبة اللي كنا بنجري انا وابوه على الدكاتره كلها وكلهم شبه قالوا ان حالته خطيره وممكن ما يعيش أصلا ما كنتيش قلتي الكلمتين دول وفهمتي يعني ايه تعب مرضه
ردت عليها بسمة بجدية هاتفة
= هو انا هحسد جوزي يا حماتي ما قلت الله وأكبر انا بتكلم في مصلحته أنتم ليه مش قادرين تفهموا ان اللي بتعملوا ده غلط حتى الخوف الزياده ده بياذيه مش لمصلحته زي ما انتم فاكرين.. تخافوا لدرجه انكم تخلوه ما ينزلش يشتغل خالص ومش عارف يشيل مسؤوليه وانتم معلش في كلمه مش هتعيشوا لي طول العمر.. ولا ما فكرتوش في حاجه زي كده موقوفه هيكون ايه هيشحت ساعتها بقى ولا ايه .
استشاطت نظراتها أكثر، صارخة فيها بصوت غاضب
= يا نهارك أسود، دي مش بس بتنق على الواد لا كمان هتجيب اجلي انا و جوزي انتٍ بتفولي علينا كمان يا بنت متولي.. اسمعيني كويس هي كلمه واحده ما لكيش دعوه بالواد وما تتعبيش قلبه اكثر من كده.. ولما نبقى نموت يا اختي وما تلاقيش فلوس تصرفي منها انتٍ وابنك تبقى ساعتها اتكلمي براحتك.. قله ادب صحيح .
نظرت لها مايسة شزراً ثم التفتت لترحل للخارج بعصبية واضحة، بينما تابعتها بسمة بأعين مليئة بالغضب الشديد وهي تردد بسخط متهكم
= قله ادب! طب لما تبقي تموتي ساعتها يا حماتي هجيبك منين.. طلعتيني قله الادب عشان عاوزه مصلحه جوزي وبيتي.. ماشي!
صمتت للحظة تأخذ أنفاسها من شدة الغضب فلقد أدركت أنها وقعت في مأزق كبير حينما تزوجت من شخصيه كمعاذ! لا يعرف كيف يدير حياته ولا يتحمل المسؤوليه بمفرده بالاضافه الى أسرته التي تساعده على ذلك و التي بدأ أن يرمي عليهم المسؤوليه الكامله فحينما يرتبط الأمر بالتطاول على ابنهم الصغير المدلل تكن النتيجه هكذا !.
تنهدت بصوت لاهث وهي تضيف بصوت خفيض مغتاظ
= كله منك يا معاذ.. منك لله يا أبن مايسة النميسه .
❈-❈-❈
كان آدم يقف أمام الحوض يغسل الصحون المتسخة بالمطبخ لينتهي منها بسرعه في وقت قليل بعد ترتيب المنزل بنفسه كونه يعيش بمفرده، جفف يديه في المنشفة القديمة متنهد بإرهاق وهو يلتفت إلى الخلف وتقدم ليغلف باقية وجبات الطعام التي كانت متبقيه منه بعد الغداء، او بمعنى اصح الطعام الذي لم يكمله بسبب عدم شهيته فبدا مؤخرا يشعر بالاكتئاب يعود حياته من جديد بسبب الوحده و ابتعاد ابنته “رنا” عنه.
شرد في حديث ابن عمه مجدداً عندما ذهب إليه في الأمس واستغل الاخر الوقت في الثرثرة المعتادة و عاود فتح الحديث في ذلك الموضوع الخاص بزوجه رغم اقتناع آدم بنبل نواياه إلا أنه كان رافض فكره ان يظلم شخص معه كونه لا يعرف بماذا سيبادلها او يعطيها من حب واهتمام وهو بحاجه له من الأساس أو قد افتقده بسبب الجفاء الذي اصبح يعيش فيه .
لكن الآخر لم يتركه وحاول ان يقنعه بالامر مجدداً ويتحدث بجدية بانه لم يظل وحيد هكذا ويجب ان ينشأ أسره جديدة وهي التي ستساعده على التخطي من تلك الأزمات الصعبة ونسيان ما حدث وما فعلته أبنته به
عاد بذاكرته لفترات طويلة مضت من حياته دون جديد ليجد بالفعل أنه أضع الكثير من حياته دون فائده فابنته! وخسرها.. زوجته وتوفت منذ سنوات طويله.. واسرته كذلك ايضا معظمهم.. فماذا ظل له حتى يعيش! فلما لا يفكر بالزواج بالفعل حتي يؤسس أسره بسيطه حتى لو كانت مكونه من سيده وطفل واحد يرعاه للامام .
لكن يجب ان يتخذ القرار بسرعه ويجد زوجه مناسبه له، قبل أن يخسر وقت أكثر من ذلك. لكن أين سياجدها وستقبل بأمره هكذا بسهولة؟؟ ليفكر هل يتصل بابن عمه ليخبر زوجته أن تبحث له عن عروسه جيدة لا ترغب غير بالعيش تحت ظلة وتلبي احتياجاته في حياته البسيطه.. واهمهم الإنجاب!.
❈-❈-❈
في منزل شاهين في الصباح كان الأب و الأم و منذر أيضا مجتمعين حول السفره يتناولون الافطار بهدوء، بينما رفع عيناه نحوهم بنظرات مترددًة في الحديث ثم تنهد بقوة باستسلام وتنحنح بخشونة صائحا بنبرة شبه مرتفعة ليلفت الانتباه نحوه
= انا رحت لعم فوزي من أسبوع، و النهارده الصبح اتصل بيا عشان يقول لي قراره النهائي وبلغني أنه بنته خلاص موافقه شوفوا الوقت اللي يناسبكم عشان نروح لهم تاني ونتفق علي كل حاجة .
نهض شاهين واقفًا من على مقعده بصدمة مشيرًا له بيده وهو يقول بنبرة غاضبة
= انت بتعاندني ياض وخلاص ايه اللي خلاك تروحلهم من ورانا وتتفق معاهم من تاني احنا مش قلنا لك مش موافقين على الجوازه دي .
نهضت مايسة هي الأخري قائله بصوت حاد
= ده كمان بيقول لك وافقوا خلاص ما هو لازم يوافقوا صحيح هيلاقوا دهول غير إبنك فين
يا ابني انت عاوز تحرق دمنا وخلاص بعد كل اللي قلناهلك برده مصمم تتجوزها، الجوازه دي مش هتنفعك وبكره هتندم والبنت مش مناسبه
طأطأ رأسه وأجاب قائلاً بهدوء مفتعل وهو يكمل طعامه
= مش مناسبه بالنسبه ليكم مش ليا، انا بالنسبه لي مش شايف أي مشكله.. ما انتم كنتم موافقين من البدايه وكل حاجه كانت ماشيه تمام.. لحد اول ما عرفتوا سنها خلاص بقتوا شايفينها وحشه و مش مناسبه طب عاشورتوها الأول عشان تعرفوا اذا كانت وحشه ولا كويسه وبعدين انتم متاكدين من اخلاقها بالذات أنت يا بابا .. لا إلا ما كنتش وافقت انك تروح تطلبها لي
ليصيح بعصبية في إبنه معاتبًا بغيظ
= كنت ورجعت في كلامي عندك مانع! وبعدين انت اللي ما كنتش صريح معايا من البدايه وما قلتليش على حكاية سنها دي.. واحنا بنرفض دلوقتي عشان مصلحتك مش من قله البنات راح تتجوز واحده اكبر منك هتموت أوي على الجواز كده من بكره نشوفلك اللي احسن منها ومناسبه ليك .
بدت نظرات منذر قاسية للغاية قبل أن يرفعها للامام هاتفاً بازدراء
= آه لا معلش بطلناه جو انك تختار الست اللي هكمل معاها حياتي وهتفضل معايا طول العمر انا بعد كده اللي هختار وده من حقي وانا اللي هتجوز في النهايه مش انتم ولو في اي حاجه غلط حصلت بعد كده انا اللي هشيلها في النهايه برده مش انتم.. مش انت يابا دايما تقول لي انا بختارلك عشان شايفك عديم المسؤوليه ومش بتفهم في حاجه ولو أخترت يبقي تتحمل نتيجه اختيارك اديني بقى هتحمل نتيجه اختياري .
ضجرت والدته من عدم الحصول على رفض واضح منه، فهتفت بنفاذ صبر وهي تربت على فخذيها بتعب
= انا مش فاهمه مالك مصمم على البنت دي أوي كده وعمال تعند معانا! تكونش سحرتلك قابلتها فين ولا تعرفها منين عشان تتعلق بيها أوي كده.. يا ابني اسمعني كويس وريحنا المشكله مش حكايه انها اكبر منك المشكله انها عندها 35 سنه الأيام لما تعدي هي اللي هتكبر ومش هتعرف تسندك بدل ما انت اللي تتسند عليها واذا خلفت انت اللي هتشيل مش هي و…
تنهد منذر بانهاك وهو يقاطعها بضجر
= سبق وقلتلي الكلام ده وانا برده مقتنع باللي انا بعمله، عشان مش شايف في مشكله او مش شايف الموضوع بنفس الطريقه اللي انتم مصممين تشوفوها.. وبعدين انتٍ أش ضمنك يا أمي لما اتجوز واحده صغيره ولا في نفس سني هتسندني وهتعرف تشيل مسؤوليتي ومسئوليه العيال ضمنا منين انها هتكون كويسه معايا وهتصون شرفي وعمرها ما هتسيبني ولا تغدر بيا.. وبعدين هنروح بعيد ليه ما انا سبق واتجوزت الصغيره وشفت اسوء ايام حياتي معاها .
أشار له شاهين برأسه قائلاً بصلابة
=وهي غاده كانت عملت لك ايه عشان ما تطيقهاش اوي كده ولا حتى بتروح تشوف ابنك هو احنا عارفين سبب خناقكم ولا طلقتها ليه، ده انت لحد دلوقتي مش راضي تقول لنا وكل اللي عليك كانت اسوء جوازه اتجوزتها
وانت السبب عشان جوزتها لي .. طب يا فالح اديني سبتك تختار وما عرفتش و رايح تشوف واحده اكبر منك.
أجابه بغموض وهو يشير له بعينيه
= مش ممكن تكون اللي اكبر مني دي هي اللي مناسبه ليا وهي اللي هتنفعني بجد، على الاقل اللي اكبر مني دي ما فيش حد عينه منها و هيسبقني ويروح يجوزها لابنه! من غير ما يفكر فيا، رغم انه عارف ان انا كان عيني منها ومتكلم عليها.. بس هنقول بقى ايه قله أصل .
لطمت أمه على صدرها هاتفة بتوجس فهي تفهم جيد الى ماذا يلمح
= انت قصدك ايه ياض بتلمح على ايه ما تخليك دغري .
لوي فمه للجانب ساخراً، وقطب جبينها مبدي اشمئزازه الصريح قبل أن ينطق بنفور
= لا ما تاخديش في بالك انتٍ ياما ده حوار قديم كده ابويا عارفه كويس..ولا اوعي تكون نسيت! أصلا انا لسه فاكر كويس أوي ذي ما يكون حصل امبارح .
تجمدت أنظار شاهين عليه متسغربًا ما يدور في عقل إبنه لكنه بدأ سريعًا يخمن أن هناك شيء خطير يحدث داخل عقله اذا لم يوافق على تلك الزيجه قبل أن تتأزم الأوضاع بتلك الصورة المميتة التي يلمح لها الاخر. لم يعلق عليه بل اكتفي بالتحديق فيه بنظرات غامضة تحمل الحنق والسخط.
بينما الاخر ألتفت ليرحل وهو على يقين تام بأنه سيفكر مجدداً وتلك المره سيوافق بعد أن جعله يشعر بالخوف من أن يكون مازال يفكر في بسمه زوجه أخيه.. هز رأسه بسخرية مريرة من عدم ثقه اهله به لكنه سيستغل هذا لمصلحته هذه المره حتى يجعله يخضع لما يريد، طالما لم يرق قلوبهم نحوه رغم مرور السنوات.
وبالفعل اضطر شاهين أن يستسلم لإلحاح إبنه خوفا من أن تحدث عواقب ويندم عليها بعد ذلك فزفر قائلا باستياء رغم شراسة نظراته
= استنى عندك حددت ميعاد معاهم ولا اتصل بابوها واحدد أنا .
❈-❈-❈
صفت سيارة تاكسي جانب زوايا في الشارع وهبطت منها نسمة وهي شبه تركض الى الأمام بعد ان دفعت اجره التاكسي وتحركت بخطوات سريعه حتى تلحق فهي تاخرت على الموعد المحدد، بعد ان تركت ابنها الصغير مالك لدي اختها غادة التي لم تكف عن الاسئله لها الى اين تذهب في ذلك الموعد ولما تترك الصغير عندها وترفض ان تصطحبها الى مكان ما تذهب.. بصعوبه تركتها ورحلت بعد ان تحججت باي حجه لها، وهي متاكده بانها بدأت تشك بأمرها ولم تصدقها بالطبع! لكن كل ذلك اصبح لا يهمها فهي ستكمل الطريق طالما بدات .
وقفت امام المكان المنشود تطلعت حولها حتى تتاكد بان لا احد يراقبها ثم خلعت خاتم الزواج لتخبئه بداخل الحقيبه فهي لا تريد ان يعرف أحد عن هويتها شيء بالداخل، حتى عندما يحاولون التقرب منها اول الاستفسار عنها تعطيهم اجابات كاذبه لا صحه لها او تتهرب من الاقتراب نحوهم فهي هنا بهدف واحد فقط !!.
وهو؟ إكمال تعليمها بالسر ..!
خطت داخل الجامعه التي التحقت بها منذ حوالي سنتين لتكمل تعليمها من جديد دون ان يعرف عنها أحد شيء حتى زوجها بالطبع أو أختها أو والدها، لانها على يقين كبير بان الجميع سيرفض ذلك وهي باتت متاذمه من ذلك الوضع ! الجميع يتحكم بها ويؤسسوا حياتها الخاصه كما هم يريدون ولم يسالها احد يوماً ماذا تريد.
لذلك لم تجد غير ذلك الحل ان تلتحق بجامعتها من جديد دون ان تبلغ احد بذلك، كانت بانتظارها شابه تدعي مروة وعندما رأيتها اقتربت منها وهتفت بغيظ
= اتاخرتي كده ليه هو ده اللي مش هغيب النهارده كمان وهاجي احضر المحاضره .
كانت تلك صديقتها الوحيده التي تعرف عنها كل شيء، واضطرت بسمه ان تقص عليها حقيقتها لانها تساعدها أحيانا في نقل المحاضرات التي تفوتها لانها بالتاكيد لم تاتي كل يوم حتى لا يشك احد بامرها، فسألتها بتلهف
= معلش غصب عني، بس هي المحاضره ابتدت ولا ايه؟ انا اتاخرت اوي كده .
جذبتها صديقتها مروة من يدها وهي تردف بضيق
= لا ما تاخرتيش ولا حاجه بس لو فضلتي هنا دقيقه كمان هنتاخر يلا بسرعه .
❈-❈-❈
في اليوم التالي تفاجأ آدم بمجيه رانيا إليه منذ الصباح الباكر، لم يطول تعجبه واستقبلها بابتسامة ودودة وصنع لها واجب الضيافه بنفسه كونه يعيش بمفرده، بينما ظلت رانيا مقتضبة في حديثها مما دفع آدم للاستغراب و للاسترسال معها، لكنها أعطته إجابات مختصرة شارده ولاحظ تحديقها المستمر به بنظرات غامضه بالاضافه الى ارتباكها الواضح. فركت يدها بارتباك لتنظر إليه هاتفة بهدوء وابتسامة صغيرة متشكلة على محياها
= اخبار بنت حضرتك ايه؟
ظهر الاسي علي ملامحه و تنهد هامسًا
= عادي ما فيش جديد بقابلها ايوه بس لسه بعيده عني، الحمد لله اديني بحاول اتعايش مع الأمر وانسى أن بنتي في يوم تجيلي وتعيش معايا .
فركت يدها بارتباك بشكل ملحوظ وهتفت مبتسمة بصعوبة
= ان شاء الله ربنا يقرب البعيد، ويجمعك بيها على خير .
لاحظ آدم توتر الأخري كأنها تريد قول شيء لكنها تخشى من شيء ما، لذلك تحدث قائلاً بجدية
= اشربي القهوه يا مدام رانيا وقولي اللي انتٍ عاوزه تقوليه وعماله قاعده مش على بعضك انا قلت لك لو عايزه مساعده انا هكون موجود
و ما تخافيش عمري ما هقول لحد حاجه لو لسه خايفه وقلقانه من كده .
هزت رأسها برفض وردت عليه بامتنان كبير
= لا خالص انا عارفه ان حضرتك شخص محترم وابن اصول وعمرك ما هتعمل حاجه زي كده وانا والله واثقه فيك .. إلا ما كنتش جيتلك وانا عاوزك تساعدني مره ثانيه ونفسي
ما تكسفنيش .
استغرب من طلبها ذلك وهو يرد بإيجاز
= لو بايدي صدقني مش هتاخر انا بعتبركم زي اخواتي بجد وامانه كمان في رقبتي من بعد وفاة الوالد انتٍ ما تعرفيش هو كان بالنسبه لي ايه؟ انا كنت بعتبره زي والدي وهو ياما ساعدني ولي افضال كتير عليا و انا مش ناسيها .
اخذت أنفاسها بعمق فهي تشفق على حياه أختها كثيرًا كانت قليلة الحظ، وعاشت حياة تعيسة في أيامها السابقة، تحركت أنظارها نحوه هاتفه بصوت مرتبك
= ما هو انا عشان كده متعشمه فيك خير ومن ساعه ما جيت في بالي وانا بفكر في المشكله اللي عملتها ديمه! قلت لازم اجيلك واقترح عليك العرض ده .
عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول بغرابة
= انتٍ شغلتيني والله يا مدام رانيا.. ايه هو الموضوع قولي وما تتكسفيش ولا تخافي من حاجه.
صمتت للحظات مترددًة في الحديث معه بما تريده، بالطبع هو متفهم للظروف الطارئة التي جدت على العائلة ولقد قدم المزيد من المساعدات، لكن ما تريده هذه المره صعب حقا وربما يرفض! ثم قالت بصوت شبه مختنق
= هو انت الحمد لله عملت اللي عليك وزياده وانا والله عمري ما هنسالك الجميل ده والحمد لله إن سمعنا كلام حضرتك فعلا وبلغنا البوليس و الولد ده اتحبس ودلوقتي هيتحاكم بكل اللي عمله في اختي بس للاسف المشكله لحد هنا وما خلصتش.. وانت اكيد عندك علم باللي اختي عملته كله وان الولد ده ضحك عليها ازاي واستغل ان احنا كنا بعيد عنها وانشغلنا في حياتنا ونسيناها وانا بعترف بغلطتي ومش هنكر أن برده جزء من اللي هي فيه انا السبب .
رمقها بنظرات مزعوجه من مماطلتها دون فهم ماذا تريد منه بالضبط، ومع ذلك هتف قائلاً بتريث عقلاني للتخفيف عنها
= ده نصيبها يا مدام رانيا سواء انتم قريبين ولا بعيد عنها ده اللي كان هيحصل مش هيفيد في حاجه بقي انك تقعدي تلومي نفسك المهم انك عرفتي غلطك وبتصلحيه وما تبعدوش عنها تاني.
أجابته بنبرة حزينة وهي تمسح علي وجهها بتعب
= ان شاء الله ادينا بنحاول، بس موضوع انها ما بقتش آنسه وان مسيرها هيتقدم لها عرسان وهتتجوز وطبعا مش هنقدر نوافق بسبب اللي هي فيه و انت اكيد فاهمني! ده غير في البلد اعمامها لو عرفه حاجه زي كده هيموتوها على طول او هجوزوها لاي حد عندهم يستر عليها وهتعيش طول عمرها متعذبه هناك وانا مش هقدر اعمل لها حاجه ولا افتح بوقي معاهم انت ما تعرفهمش هم صعبين قد ايه.. ده احنا يوم وفاه بابا وماما ما شفناهمش غير مره لما جم اخذوا الورث ومشيوا بس مع ذلك هيخافوا على سمعتهم ولو عرفوا حاجه زي كده مش هيسكتوا .
عبس سريعًا، وحل الوجوم على تعبيرات وجهه صائحًا بحدة
= هم ما لهمش حاجه عندكم اصلا واختك كلها كام سنه ومش هتبقى قاصر ليه يموتوها ولا يجوزوها بالغصب دي جريمه وما تسمحيش انهم يعملوا حاجه زي كده في اختك احنا عايشين فين .! هو لسه في ناس بتفكر بالطريقه دي .
ردت عليها بخيبة أمل كبيرة مبدية انزعاجها
= لو قعدت من هنا للصبح تحاول معاهم مش هيقتنعوا واللي في دماغهم في دماغهم هم صحيح فيهم كل العبر الا عند الموضوع ده بالذات الحل عندهم بالدم، وانا والله مش عاوزه اسيب اختي ليهم ومن ساعتها عماله نايمه صاحيه بفكر هعمل ايه؟ عشان كده جيت لك اول ما جيت في دماغي ممكن تنجدني والحل يبقي في ايدك
أشار لها آدم برأسه قائلاً بجمود
= انا متفهم كلامك والله يا مدام رانيا بس انا برده مش فاهم انا في ايدي إيه ممكن اعمله .
صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها ثم تحدثت بنبرة محذرة بجدية
= بص انا فكرت ان احنا نخليها تعمل عمليه وترجع انسه من تاني بس رجعت وقلت انا مش هرخص اختي لوضع زي ده غير ان ما اعرفش حاجه زي كده نعملها ازاي وفين ومش عاوزه احطها في موقف زي ده غير كمان اكيد حد من الجيران هنا ولا في المستشفى إللي اجهضت فيها اختي سمع خبر وممكن يوصل لهم في البلد فانا كده ما حليتهاش برده عشان كده فكرت اني .. آا يعني.
هز رأسه بمعني تكمل ناظرا لها باهتمام، فتابعت موضحة بنبرة شبة باكية من الذل و المهانه التي تشعر بها، هاتفه بصعوبة بالغة
= فكرت أن آآ حضرتك تتجوزها كام شهر ولا سنه وبعد كده تطلقها على الاقل تبقى إسمها مطلقة!
أتسعت عيناه بذهول عجيب من طلبها عليه ليجد نفسه حائر في إيجاد الرد المناسب عليها فهي تتحدث معه في جزئية حساسة للغاية، و لم يستطيع استيعاب طلبها من الأساس رغم انه يعلم جيد غرضها من ذلك لكن سيظل الأمر فوق توقعاته حقا. وقبل أن يجيب أضافت رانيا قائلة بحرج ظاهر في نبرتها
=انا عارفه ان الموضوع غريب واكيد اتصدمت بس انا ما لقيتش حد غيرك يساعدني في كده وانا ما طلبتش الطلب ده غير وانا واثقه فيك ان انت هتحمي اختي وعمرك ما هتضرها وهتفضل عندك هنا متصانه زي ما هديها لك..
اضطر أن يصمت قسرًا لتنظر في وجهه بحرج شديدة فالموقف صعب عليها حقا لكنها حتما يجب أن تجد حل لتنقذ شقيقتها التي وضعتها في ذلك الموقف المهين! استشفت الأخري احتمالية رفضه لطلبها، فتابعت وهي تتوسله باستعطاف باكٍ
= انا اسفه لو بطلب حاجه منك مش هتقدر تعملها انت طبعا اكيد ممكن ترفض وتعتبر نفسك ما سمعتش حاجه انت كتر خيرك عملت معانا الواجب وزياده بس انا والله ما لاقيه غيرك يساعدني انا حقيقي وقع في مشكله كبيره .. والجواز هو الحل واللي هيحميها ويحمينا من الناس واهلنا ومن الفضيحه اللي هتحصل في أي وقت .
بدأ آدم أكثر جمودًا وصلابة وهو يستمع اليها بصمت دون تعبير محدد أو رد! بينما اختنق صوتها متأثرة، وهي تضيف بتوسل أشد
= طبعا حضرتك ممكن تاخد وقت تفكر وترد عليا زي ما انت عاوز، و والله لو رفضت حقك وانا مش هزعل اكيد.. بس عشان خاطري فكر كويس وبلاش تستعجل في الرفض عشان خاطر اختي الغلبانه دي ما هو ما فيش حل غير كده انها تتجوز حد وتطلق منه وانا عمري ما هثق في حد غيرك خصوصا انك كده كده تعرف الموضوع .. انا همشي بقى عن اذنك .
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى