روايات

رواية في هواها متيم الفصل الرابع عشر 14 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الفصل الرابع عشر 14 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الجزء الرابع عشر

رواية في هواها متيم البارت الرابع عشر

رواية في هواها متيم الحلقة الرابعة عشر

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به
١٤–” زوجًا و واصيًا”
بعد إنتهاءه من تأدية فرضه ، ظل جالساً مكانه على سجادة الصلاة ، رفع يديه يثنى على الله بالدعاء ، وبعدما فرغ من دعاءه ، أستقام بوقفته و بحث عن هاتفه ، وجده على الكومود بجوار الفراش ، فتح الهاتف وبحث عن إسم شقيقه مالك ، ليطمئن على أحوال المنزل والعمل ، فهو يعلم أنه بذلك الوقت لابد أنه إستفاق من نومه ويستعد للذهاب إلى العمل
أنتظر لحظات وجاءه الرد على الطرف الأخر بصوت ناعس :
– ألو يا أبيه
صاح رفيق قائلاً :
– هو أنت لسه نايم يا أستاذ
سمع مالك تلك الجملة من رفيق ، فأنتفض من مكانه ، يحاول أن يقمع غضب شقيقه ، قبل أن يسمع منه عبارات الإستياء
فرد مالك قائلاً :
– أبدا والله يا أبيه أنا صحيت أهو بس أصل أمبارح رجعت من الشركة متأخر فى ضغط شغل جامد أوى هو أنت ناوى ترجع أمتى بقى أنا قربت أفرفر
لم يسع رفيق سوى الابتسام على قول شقيقه ، فأطلق نهدة بقلة حيلة وهو يقول :
– أه منك أنت يامالك طب لو أنا جرالى حاجة هتعمل إيه وهتمشى الشغل إزاى
بسرعة البرق رد مالك وهو يقول بخوف :
– بعد الشر عليك يا أبيه ربنا ما يحرمنا منك ابدا احنا من غيرك منقدرش نعيش دا أنت أبونا وأخونا وكل حاجة لينا فى الدنيا
صوت شقيقه المتودد له بعبارات المحبة ، إستطاع تسكين غضبه منه ، فعائلته نقطة ضعفه الوحيدة ، وبالأخص مدللته رهف ، التى يهاتفها يومياً ، وتسمعه عبارات التبرم والتذمر ، من تأخره كل هذا الوقت خارج المنزل
– المهم خلى بالك من نفسك ومن ماما ورهف وأنا إن شاء الله ممكن أرجع البيت النهاردة أخر النهار
قالها رفيق بهدوء ، بينما شعر مالك بأن صوت أخيه يحمل هماً وألماً ، فهم يعلمون سبب تأخره بسبب عمل ألح عليه بالبقاء بتلك البلدة التى سافر إليها ، ولم يمنحهم رفيق تفاصيل أكثر من ذلك
ولكن قبل أن يقدم على سؤاله ، أسرع رفيق القول:
– سلام دلوقتى ويلا يا مالك قوم شوف شغلك ، أحسن لما أرجع أنا أشوف شغلى معاك
إبتسم مالك قائلاً بطاعة :
– حاضر يا أبيه قايم أهو وترجعلنا بالسلامة إن شاء الله سلام
أنهى حديثه مع شقيقه ، فوضع الهاتف مكانه ، وفكر بالخروج للحديقة ، لعله يراها قد إستيقظت من نومها ، فمازال قلبه يرجف من الخوف ، منذ رؤيتها ساقطة مغشياً عليها ، فكلما حاول منع نفسه من التفكير بها ، يجد قلبه متمرداً ولا ينصاع لأوامره ، فماذا فعلت به بتلك الأيام الماضية التى قابلها بها ؟ فما فعلته هى ، لم تفلح أخريات بفعله طوال سنوات
نقم على نفسه من التفكير بها هكذا ، فهل هو مراهق لتفتنه رؤية أنثى ؟ علاوة على ذلك فهو يكبرها بسنوات عدة ، فحتما أصيب بالجنون
بداخل المنزل …وعلى فراشها الذى ظلت تتقلب عليه يميناً ويساراً ، يجافيها النوم وأصابها الأرق ، ويأست من محاولة جلب النوم لعينيها ، فهل ستقضى باقى أوقاتها هكذا ؟ نفخت بضيق من نفسها ، وتركت الفراش ،ولكن قبل خروجها للشرفة ، سمعت رنين هاتفها ، نظرت بالهاتف ، وعيناها تحدق بالإسم الذى ينير الشاشة ، فالمتصل لم يكن أحد سوى ماجد ، ولكن لما يهاتفها بوقت مبكر كهذا ، فعقدت ذراعيها أمام صدرها ، كمن تمنعها من الامتداد وإلتقاط الهاتف
ففرت عبرة حارة من إحدى عينيها وهى تتمتم :
– سامحنى يا ماجد
مدت يدها وأغلقت الهاتف وأمتنعت عن إجابته ، فلا شئ أصبح كالسابق ، فكل شئ تغيير ، وكل هذا بكلمة واحدة خرجت من بين شفتيها ، ولكنها لم تنطق بتلك الكلمة إلا من أجل جدتها الراحلة ، فهى أخذت عليها وعداً وعهداً بأن تستمع لما تقوله ، وهذا ما كان ، فهى أعطتها وعداً جعلها تترك كل أحلامها وأمنياتها جانباً
_________________
أثناء وجوده بغرفته ينتهى من ارتداء ثيابه للذهاب إلى عمله ، وجد باب غرفته يفتح تدلف منه شقيقته بملامح وجه غاضبة
فعقد حاجبيه قائلاً بتساؤل :
–:” ياستير يارب مالك قالبة وشك ليه كده على الصبح يا رورو”
كزت رهف على أنيابها وهى تقول :
–:” مضايقة يا مالك هفرقع هموت من الملل يا أخى”
سألها مالك بدهشة :
–:” من إيه يا أختى كفى الله الشر”
جلست رهف على حافة الفراش ، وهى تقضم أظافرها بغيظ :
–:” أبيه رفيق مش عايز يرجع بقى سافر وقال يوم وراجع دلوقتى بقاله أكتر من اسبوع ومرجعش يا مالك شغل إيه اللى أخره لحد دلوقتى مش عارفة”
نظر مالك بالمرآة ومشط شعره وهو يقول:
:” فى ايه يا بنتى بيقولك عنده شغل متبقيش عاملة زى العيال كده يارهف ثم هو كلمنى الصبح وقالى إنه إن شاء الله ممكن يرجع البيت النهاردة على أخر النهار ”
أبتهجت رهف بما سمعته من شقيقها ، فتبسمت قائلة :
–:” بجد يا مالك ده أحلى خبر سمعته على الصبح أنت عارف يا مالك أن أبيه رفيق مش أخويا وبس دا كل حاجة فى دنيتى ”
أماء مالك برأسه وهو يقول بهدوء:
–:” عارف بس انا زعلان يعنى انا مش مكفيكى يارهف”
أقتربت منه رهف وهى تمسد على ذراعه بلطف وقالت :
–:” انت حبيبى يا مالك متقولش كده بس انا من ساعة عينى ما فتحت على الدنيا دى فتحتها على أبيه رفيق عمره ما حسسنى إن أبونا مات وإن ملناش سند ثم أنا ليا مين بعد ربنا غيركم أنتوا”
أخذ مالك نفساً عميقاً وقال :
–:” عارف يا رهف كفاية أنه ضحى ومدخلش كلية عالية علشان يوفرلنا احنا تعليم أحسن ودخل تجارة ، علشان يقدر يدرس ويشتغل ويجبلنا فلوس ، وهو كان ممكن يدخل كلية هندسة ، تصدقى ساعات بحس كأننا كاتمين على نفسه ومش عارف يعيش حياته ، كل تفكيره فينا وازاى يعيشنا فى مستوى أحسن ، حتى مش راضى يتجوز وانا أصغر منه بكام سنة وخاطب وهتجوز ، ومع ان ساعات بنضحك على اصرار ماما علشان تجوزه بس هى فعلا معاها حق إزاى يفضل حياته كده عايش من غير ما يتجوز ويخلف أولاد ويكون أسرة ويعيش حياته طبيعى ”
حركت رهف رأسها بحركات متتابعة وقالت :
–:” عندك حق والله يا مالك فى كل اللى قولته تصدق نفسى موت يتجوز ويخلف أولاد وأبقى أنا عمتو وأحب ولاده زى ما بحبه دول أكيد هيبقوا يجننوا من حلاوتهم زى أبوهم دا أنا هاكولهم أكل كده”
دلفت والدتهما الغرفة بابتسامة بعد سماعها حديثهما عن شقيقهما الأكبر ، فتقدمت منهما وهى تقول :
–:” ياسلام على حبايبى لما يبقوا عاقلين وحلوين كده”
قبلها مالك على وجنتيها وهو يقول :
–:” منمن حبيبة قلبي صباح الخير ايوة كده يومنا هيبقى فل إن شاء الله علشان شوفت القمر ده”
ضربته منى بخفة على ذراعه :
–:” صباح الورد عليكم أنت مش هتبطل بكش يا واد أنت”
نظرت رهف لوالدتها وقالت :
–:” ماما أنا راحة مع مالك الشركة”
نفض مالك أذنيه ، لعله لم يستمع جيداً لما قالته ، فهتف بها قائلاً:
–:” نعم يا أختى راحة معايا فين”
إبتسمت رهف قائلة بوداعة :
–:” راحة معاك الشركة سلامة ودانك يا مالك”
هز مالك رأسه رافضاً وقال :
–:” لاء مش هتيجى معايا خليكى هنا”
تحدثت والدته بلطف وقالت:
–:” ماتخليها تروح معاك يا مالك وفيها إيه”
أنتفخت أوداج مالك وهو يقول بغيظ :
–:” يا ماما دى بتيجى بتقلب الشركة بالسوبر ماركت اللى شيلاه معاها فى شنطتها اللى رايح واللى جاى تديله لبان يا ماما”
لوت رهف شفتيها وهى تقول بإمتعاض :
–:” أنا غلطانة يعنى بفرفش الموظفين ايه ده لا حمد ولا شكرانية ايه الناس دى”
حاول مالك إنهاء هذا الجدل فقال :
–:” يلا علشان افطر خلينى الحق شغلى مش فاضيلك يا ست رهف”
فكسا الحزن وجهها وهى تقول :
–:” اخس عليك يا مالك خدنى معاك بقى يا أخى”
نظرت اليه بوداعة ، كقطة صغيرة تتلمس العطف من صاحبها فلم يطاوعه قلبه ان يخيب رجاءها له
فزفر قائلاً بقلة حيلة:
–:” أمرى لله البسى وتعالى وحسك عينك تعملى حركة قرعة من حركاتك فى الشركة انتى فاهمة”
ضحكت رهف وقالت :
–:” ابداً يا حبيبى انا هقعد ساكتة وغلبانة ومؤدبة وكيوتة وربنا يسامحني على الكدب اللى بقوله ده”
تبسمت منى على قولها وهى تقول:
–:” يبقى شكلك ناوية تطينيها يا سوسة”
مطت رهف شفتيها ، كأنها على وشك البكاء قائلة :
–:” أنا سوسة يا مامتى ماهو أنا بقالى أكتر من أسبوع أهو غلبانة ومش لاقية أبيه رفيق علشان أفتن على أى حاجة”
استغل مالك انشغال شقيقته بالحديث مع والدته ، فتسلل من الغرفة حتى يستطيع أن يلوذ بالفرار منها
ولكنها لمحته فصاحت به:
–:” انت بتتسحب كده ورايح فين انت ها”
إلتفت إليها مالك قائلاً بحنق :
–:” استغفر الله العظيم شكل يومى النهاردة طويل”
فردت رهف قائلة بتفكه :
–:” أطول من حبل الغسيل كمان ”
لم تكف عن المزاح والمشاكسة هى وشقيقها ، فذهبت سريعاً إلى غرفتها لارتداء ثيابها ، حتى تذهب معه ، قبل أن يتركها ويذهب بدونها ، فهناك مرح ينتظرها اليوم فى …الشركة
______________
تتسابق دقات قلبه قبل قدميه فى الخروج من المنزل ، حتى يذهب الى عمله لرؤيتها ، رؤية فتاة أصبحت كنسمة هواء لطيفة ، تنسيه ولو مؤقتاً تلك المأساة التى يعيش بها ،أوقفته زوجته بصوتها وهى تناديه ، فتيبست يده على مقبض الباب ، فهو يريد الخروج من سجنه ، الذى يعيش به معها
إلتفت إليها يقلب عينيه بتأفف ، فماذا تريد فهو لم ينسى تلك المشاجرة ، التى حدثت بينهما البارحة عندما أخبرته بنيتها فى السفر الى اليونان مع اصدقاء لها ، فتذكر حدة صوته عندما شرع يذكرها بأبنتها وبأنه زوجها ويجب ان تضع ذلك ببالها عوضاً عن نمط حياتها المتفاخر
فألحت بنداءه قائلة
–:” أكمل”
نفخ أكمل بضيق قائلاً :
–:” أفندم نعمين خير”
أشتعلت عيناها بلهيب الغضب وقالت :
–:” ايه أسلوبك ده فى الكلام ما تتكلم كويس يا أكمل”
عقد أكمل ذراعيه وإبتسم إبتسامة سخيفة وهو يقول :
–:” أنتى عايزة إيه فى يومك ده يا شهيرة ورايا شغل كتير”
جلست شهيرة على مقعد واضعة ساق على الأخرى وهى تهتف به:
–:” عايزة افكرك ان النهاردة عيد جوازنا”
رفع أكمل حاجبيه قائلاً بسخرية:
–:” وده من ايه كفى الله الشر”
نقرت بأصابعها على ذراع المقعد وهى تقول:
–:” انت بتقول ايه ، بقى أنا بقولك النهاردة عيد جوازنا تقولى كده”
عاد أكمل لسخريته ثانية وهو يقول :
–:” قولى عيد خيبتنا عيد وكستنا عيد مأستنا مش عيد جوازنا”
ألتوى ثغرها وهى تقول :
–:”ما تقولها كده بصراحة يا أكمل انت تعرف واحدة تانية ولا متجوز عليا وخايف أعرف بس صدقنى لو ده حصل فعلاً متتخيلش ممكن أعمل فيك إيه أو أخلى بابى يجبلى حقى منك إزاى”
حاول أكمل مسايرة سخريتها ، فرد قائلاً:
–:” متجوز! مش لما أبقى افلح فى جوازى منك ابقى اتجوز تانى سلام يا شهيرة علشان الحق شغلى عطلتينى على الفاضى”
داعبت أطراف شعرها وهى تقول:
–:” يعنى أنت مش هتحضر البارتى اللى عملته دا أنا خلاص عزمت الناس”
تجمدت أطرافه على مقبض الباب إلا إنه استطاع القول :
–:” وكمان عاملة بارتى وعازمة الناس وأنا آخر من يعلم لما ضيوفك ييجوا ويسألوا عليا قوليلهم جوزى مات”
لم يزد كلمة اخرى ، فخرج صافعاً الباب خلفه ، فيكفى ما يحدث منها الى هذا الحد ، فهو لن يتحمل اكثر من ذلك ، فلو بامكانه ، كان ذهب إلى تلك الفتاة يرجوها ، أن تاخذه هو وابنته ، إلى ذلك الحى الفقير ، الذى شعر فيه براحة لم يجدها فى حياة الغنى والرفاهية ، التى يحيا بها مع تلك المرأة المسماه …زوجته
_________________
ظلت الصباح بأكمله فى غرفتها ، كأنها تخشى أن تخرج من الغرفة ، فهى كأنها ملاذها ، واذا تخطت باب الغرفة ، ستدخل الى الجحيم ، كأن هناك نيران تنتظرها ستلتهم روحها
سمعت طرق على باب غرفتها ، خشيت أن يكون الطارق ذلك الرجل الدنئ المدعو فاروق ، قد عاد مرة أخرى فاستطاعت كلمة واحدة مرتجفة ان تخرج من حنجرتها قسراً وهى تسأل من الطارق ، فقالت بخوف لم تستطيع إخفاءه
:” مين اللى بيخبط”
جاءها صوت شقيقها باسم وهو يقول :
– : ” دا انا يا ليان انا باسم”
تنهدت بارتياح كبير ، عندما سمعت صوت شقيقها ، فنهضت من على فراشها ، وأدارت المفتاح بمقبض الباب ، نظرت لباسم وهى تقول بتساؤل :
–:” ايوة يا باسم فى ايه”
إبتسم لها شقيقها وقال:
–:” جايلك علشان تنزلى تاكلى ماما حضرت الأكل وأنتى حابسة نفسك فى أوضتك من الصبح دا حتى عم محسن وماجد جم تحت هم كمان”
وكأن هذا ما كان ينقصها ، أن يكون حاضراً وشاهداً على تلك الكارثة ، التى ربما ستحل على رأسها بعد قليل ، فماذا تفعل هى الآن؟
فهى لم تكن تريد أن يكون حاضراً بذلك الجمع ، حتى يتسنى لها فيما بعد أن تبرر له ماحدث ،ولكن ربما أملها هذا لن يتحقق
فأماء برأسها وهى تقول:
–:” ماشى يا باسم هغير هدومى وجاية”
رد باسم قائلاً:
–:” هسبقك وابقى تعالى هروح أنادى لأستاذ رفيق هو كمان علشان يفطر”
غص حلقها بعد ذكر إسمه ولكنها لم تتفوه سوى بكلمة واحدة:
–:” ماشى”
ولجت إلى المرحاض ، ونظرت الى تلك المرآة المعلقة على الجدار ، رأت عيناها قد كساها الحزن ، فأصبحت باهتة وذابلة فتحت صنبور الماء تغترف منه بيديها ، تغسل وجهها مراراً وكأن الماء سيزيل ذلك الحزن ، الذى قبع فى مقلتيها
خرجت من المرحاض وأدت صلاتها ، وشرعت بإرتداء ثياب الحداد السوداء التى لم تزد وجهها سوى بهاء وجمال رغم حزنها
خرجت باقدام مرتجفة ، وهبطت الى الطابق السفلى ، وجدتهم مجتمعين ، كأنهم باجتماع مغلق سيحدد مصيرها هى وشقيقها
ولكنها لم تلمحه جالساً معهم ، فلم تدوم حيرتها طويلاً ، ورأته قادماً ، فدلف رفيق من الباب بملابس أنيقة و ملامح وسيمة وهيبة رجولية ، وقلب يكاد يؤلمه من شده خفقاته ، عندما وقع نظره علي تلك الساحرة الصغيرة
تعجب الحاضرين من وجوده حتى الآن ، فهم ظنوا أنه رحل بالصباح الباكر ، قبل أن يفيقوا من نومهم ، ولكن لما زال موجوداً هنا ولم يرحل ؟
تقدم رفيق بخطواته حتى أصبح بمنتصف الصالة ، فهتف بهم بهدوء
– :” السلام عليكم”
رد جميعهم قائلين :
–:” وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”
أقتربت منه إلهام تشير له بالجلوس وهى تقول:
–:” اهلا يا استاذ رفيق اتفضل كويس أنك لسه موجود علشان تفطر معانا”
نظر له فاروق بإمعان ، فهو يريد الانتهاء من هذا الأمر ، قبل أن يرحلوا عن هذا المنزل ، الذى سيصبح بعد وقت قليل ، كأنه مهجور ولن يكون أحداً مقيماً به
فشبك يديه قائلاً بنفاذ صبر ظهر بوضوح بصوته :
–:” اهلا يا أستاذ كنت عايز اتكلم معاك علشان اشوف أنت دفعت تكاليف قد ايه فى العزا علشان اديهملك”
حرك رفيق رأسه برفض قاطع وقال :
– :” شكراً انا مش عايز حاجة كلها حاجات بسيطة ، الله يرحمها الحاجة علية”
وكزت إلهام زوجها فاروق بكتفه وهى تقول :
–:” مش وقته الكلام ده يا فاروق خلينا ناكل اللقمة الأول”
حدجها فاروق بنظرة غاضبة وهو يقول من بين أسنانه :
–:” أنا بس عايز أدفعله اللى هو صرفه فى العزا ، علشان احنا كمان راجعين بيتنا وياعالم هنتقابل تانى ولا لاء”
لم يكن يعنى ماجد من تلك الجلسة سوى سؤال واحد ، لما رفيق مازال هنا ؟ فلم يكبح جماح فضوله فقال :
–:” هو أنت ليه فضلت قاعد هنا لحد ما العزا خلص مرجعتش بيتكم ليه يا أستاذ رفيق مش كنت بتقول انك مسافر مسافرتش ليه”
وكزه والده بكتفه ، حتى يكف عن حديثه السخيف ، فهذا ليس من آداب إكرام الضيف
فأقترب محسن من أذن إبنه قائلاً :
–:” ماجد ايه اللى بتقوله ده عيب كده أنت ايه اللى جرالك كل ما تشوفه تقول كلام زى الدبش”
رد ماجد قائلاً بإستياء :
–:” هو أنا عملت ايه يعنى يا بابا أنا بسأله عادى ”
–:” كده عادى طب قلة الذوق تبقى ازاى دا أنت كأنك مش ماجد إبنى اللى أعرفه”
قال محسن عبارته ، التى لم تخلو من التقريع والتأنيب لولده ، فلم يتفوه ماجد بكلمة اخرى ، فهو حقا قد تمادى فى حديثه معه ، وهو ليس له أى حق مشروع فى مخاطبته بتلك اللهجة الغير مهذبة على الاطلاق
ولكن بعد لحظات أجابه رفيق وهو ينظر لليان نظرة ذات مغزى :
–:” أنا خلاص إن شاء الله مسافر دلوقتى”
أشارت إلهام لتلك المائدة ، التى وضعت عليها طعام الفطور وهى تقول:
–:” طب اتفضل علشان تاكل قبل ما تسافر اتفضلوا يا جماعة يلا الفطار جاهز”
مثلما حدث بذلك اليوم ، من تجمعهم حول المائدة بعد أنتهاء اليوم الأول بالعزاء ، فاليوم تجمعوا أيضاً ولكن تلك أخر جلسة لهم سوياً ، فكل منهم سيذهب بطريقه
فالتفوا جميعهم حول المائدة ، وكأن كل فرد منهم فى عالم خاص به ، ولكن عالم تلك الحورية ، لم تستبين ملامحه حتى الأن ، فهناك ثلاثة أزواج من العيون تراقبها ، فنظرة خبيثة من زوج والدتها ، ونظرة غاضبة من ماجد ، ونظرة شاردة من رفيق
قبل أن يتمعن أكثر بالتحديق بها ، سمع رفيق رنين هاتفه فاعتذر منهم وهب واقفا ، بعد ان لمح اسم صديقه أكمل ينير الشاشة ، فخرج الى حديقة المنزل
رد رفيق قائلاً:
–:” أيوة يا أكمل خير فى إيه”
أجابه أكمل وهو يقول بغرابة :
–:” ايه يا أبنى أنت أستحليت القاعدة عندك ولا ايه ، أنت ناوى تقعد عندك بقية السنة لو كده عرفنى ، أنت روحت وقولت عدولى”
حك رفيق جبهته قائلاً بإرهاق :
–:” اسكت يا أكمل دى كانت سفرية لها العجب والله أنا حاسس أن الأيام اللى فاتت دى أن كنت بحلم”
شعر أكمل بالقلق فسأله :
–:” ليه يا ابنى حصل ايه انت قلقتنى”
أجابه رفيق قائلاً بصوت هادئ :
–:” لما أرجع هحكيلك على كل حاجة دى حاجة متتقلش على التليفون يا أكمل”
ضحك أكمل وقال :
–:” ليه هى حاجة عيب ولا ايه عملت ايه يا رفيق”
إبتسم رفيق على مزحة أكمل فرد قائلاً:
–:” أتلم ياض أنت أنا مش ناقصك بس غريبة أنت بتهزر وبتضحك يا أكمل ، هى مراتك نسيت تنكد عليك النهاردة ولا ايه”
أغتمت ملامح وجه أكمل فقال :
–:” الله يسامحك انت بتفكرنى ليه يا رفيق”
تغضن جبين رفيق وهو يقول :
–:” ليه هو أنت نسيتها ولا إيه شكل وراك مصيبة يا أكمل”
إبتسم أكمل قائلاً :
– :” الظاهر كده ومصيبة هتجيب أجلى واحتمال أجلك معايا كمان”
صاح رفيق بإستنكار :
–:” نعم يا أخويا وأنا مالى تجيب أجلى ليه هو أنا عملت حاجة”
ندت عن أكمل زفرة حارة وهو يقول:
–:” أنت ناسى عامر الرفاعى يا رفيق ، حمايا العزيز ممكن يعمل ايه علشان خاطر ننوسة عينه”
رد رفيق قائلاً بثقة :
–:” مش أنا اللى بخاف يا أكمل دا ياما دقت على الرأس طبول هجى دلوقتى وأخاف من أى حد أنا بخاف من ربنا وبس”
حاول أكمل تغيير دفة الحديث ، فقال متسائلاً :
–:”المهم سيبك من ده كله دلوقتى فى عملاء مهمين هييجوا بكرة وانت لازم تبقى موجود ”
أجابه رفيق قائلاً :
–:” إن شاء الله أنا راجع النهاردة متقلقش سلام دلوقتى”
– :” مع السلامة”
انهى مكالمته مع صديقه ، وعاد الى الداخل مرة أخرى وجدهم انتهوا من تناول الطعام ،فرفعت بصرها إليه ، لاتحيد بعينيها عنه ، ولكن نظرة تحمل كل معانى الألم والشقاء والكراهية ، نظرة تكاد تشبع قلبه طعناً بتلك السهام المسمومة الكارهة التى تنفذ من عينيها ، والتى لا تخفى عنه
فهو يعلم مدى كرهها له ، ويكاد يصاب بالجنون من كثرة تفكيره فى سبب كرهها له هكذا ، فهو لا يصدق أن السبب هو شراءه أرض أبيها الراحل ، فهو يشعر أن هناك سبب خفى، لا يعلم ماهو ، وهذا ما يجعلها تكرهه ولا تنفك أن تتشاجر معه تسمعه تلك الكلمة ( أنا بكرهك) بقوة وهى تضغط على يديها وتكز على أسنانها ، وكأنها تريد أن تحمل خنجراً بيدها تطعنه به تراه مسجى بدماءه تحت قدميها
فنظر لهم قائلاً بهدوءه المميت كعادته :
–:” انا مضطر أسافر دلوقتى علشان ورايا شغل ومصالح كتير يلا يا ليان أنتى وباسم علشان نمشى الطريق طويل من هنا للقاهرة”
أنتفض فاروق من مكانه وهو يصرخ بوجهه حانقاً:
–:” يمشوا معاك على فين يا أستاذ أنت ، أنت جرالك ايه هو علشان قعدت يومين معاهم وساعدتهم أفتكرت نفسك من بقية أهلهم ، متشكرين على شهامتك يا سيدى بس يلا أتفضل بقى كفاية كده ، وأنتى يا إلهام يلا هاتى ولادك خلينا نمشى ”
أنتظر رفيق حتى أنتهى فاروق من صب جام غضبه عليه ، فحاول قدر إستطاعته قمع ذلك الغضب ، الذى طفا على سطح وجهه ، فرد قائلاً ببرود :
–:” يمشوا معايا علشان هييجوا يعيشوا معايا فى بيتى ماهو مش معقول هسافر وأسيب مراتى وأخوها هنا لوحدهم أو أخلى حد غيرى ياخدهم
أعين متسعة على أخرها ، وأفواه فاغرة باندهاش ، ووجوه مصدومة ، وعقول لا تعى ما قاله ، فاغمضت ليان عينيها بتعب ،و تسللت دموعها من بين أهدابها ، فأول من وقع بصرها عليه بعد ذلك الخبر المدوى ، الذى ألقاه رفيق لتوه هو ماجد
فتحركت رأسه لا إرادياً ، كأنه ينفض عن أذنيه ما سمعه ، فخرج صوته قائلاً بصدمة :
–:” أنت بتقول إيه يا استاذ أنت أنت جرا لمخك حاجة ”
أفتقر ماجد للذوق ، الذى يجعله يهذب حديثه مع من هو أكبر منه سناً ، ولكن بعد ذلك التصريح ، الذى سمعه منه ، تخلى عن كل معانى الأدب والكياسة
فحدجه رفيق بنظرة نارية مستاءة ، إلا أنه أستطاع القول ببرود :
–:” قولت مش همشى إلا مع مراتى وأخوها وأظن يا أستاذ ماجد تحترم نفسك وأنت بتكلم حد أكبر منك ولا إيه وفعلا زى ما سمعت كده ليان مراتى على سنة الله ورسوله”
أرادت الصراخ لتجعله يكف عن قول تلك الكلمة ، التى وضعت النهاية فى حكاية خيالية لم يكتب لها ان تستمر أكثر من ذلك ، فقصور أحلامها التى شيدتها من أمانيها ، تهدمت فوق رأسها ، وكل هذا يرجع سببه لذلك الرجل المسمى رفيق ، فلا يوجد غيره تستطيع تحميله ذنب ماحدث ، حتى وإن لم يكن مذنباً
بعد أن خر فاروق ساقطاً على المقعد خلفه بعد سماع قول رفيق ، خرج صوته خافتاً من جوفه الذى نشبت به نيران الخوف من أن يكون رفيق محقاً بقوله :
–:” ممراتك ازاى يعنى مش فاهمين وأمتى وإزاى ده حصل”
قلب رفيق عينيه بملل قائلاً :
–:” هو ايه اللى ازاى! مراتى على سنة الله ورسوله واتجوزتها لما كانت جدتها فى المستشفى ”
تبسم فاروق بسخرية وهو يقول :
–:” وانت بقى فاكرنا هبل وهنصدق كلامك ده مش كده شوفلك لعبة تانية ألعبها”
بذلك الوقت أقتربت إلهام من إبنتها ، لعل هى من ستضع حداً فاصلاً لذلك القول ، فمدت يدها ورفعت وجهها لها متسائلة :
–:” الكلام ده بجد ياليان”
شعرت ليان بجفاف فى حلقها ، فابتلعت لعابها عدة مرات ، حتى خرج صوتها غريباً على مسامعها وهى تقول :
–:” أيوة أنا أبقى مراته وهو جوزى”
خرج والد ماجد عن صمته ، فرمق ليان بتساؤل :
–:” طب ليه مقولتوش وخبيتوا علينا ”
ردت ليان قائلة :
–:” دى كانت رغبة تيتة الله يرحمها ”
لم ينتظر ماجد أن يسمع كلمة أخرى ، فخرج سريعاً يتبعه والده ، الذى لم تقل دهشته عن الحاضرين ، فكيف حدث كل ذلك ؟
حاول فاروق التشبث بالأمل لأخر دقيقة ، فهتف برفيق :
–:” أنا مش مصدق كل الكلام اللى بتقولوه ده ايه اللى يثبت كلامكم ده”
رد رفيق بهدوء كعادته دائماً:
– :” حضرتك ممكن تسأل المحامى والسمسار اللى كانوا شاهدين على عقد جوازنا وكمان المأذون لأن قسيمة الجواز لسه مش معايا دلوقتى حتى الحاجة علية اتنازلتلى عن الوصاية على باسم وبرضه الورق مع المحامى وممكن نبعتله ييجى وتسأله براحتك”
وضع يديه بجيبى بنطاله ، بإنتظار قرارهما الأخير ، بشأن إستدعاء المحامى والسمسار ، لتأكدهما من الأمر ، ففاروق اخذت عيناه تطوف بوجه ليان ، وحديث رفيق يرن بأذنيه واضعاً الحد الفاصل لاحلامه ، التى كانت قريبة التحقيق ، فتلك الزيجة هدمت احلامه الوردية
فعقدت إلهام ذراعيها أمام صدرها ، وهى تقول بتبرم واضح :
–:” لازم المحامى ييجى يا فاروق ونفهم كل حاجة ماهو مش أى حد ييجى يقولنا أنه اتجوز بنتى يبقى خلاص هصدقه وهسيبهاله”
فحالها لم يكن يفرق عن حال زوجها كثيراً ، فكل شئ تم تخطيطه قد أنتهى قبل أن يبدأ ، حاول فاروق الإقتراب من ليان ، إلا انه وجد رفيق يسد عليه الطريق ، بقامته الطويلة وجسده الضخم ، فتلك القابعة خلفه ، أصبحت ملكية خاصة ولا يصح لأحد الإقتراب منها أو لمسها
رفع فاروق وجهه لرفيق ، نظراً لقصر قامته أمامه ، ففح بصوت كريه :
– أنت واقف ليه كده فى طريقى أبعد ، أنا لازم أفهم منها إيه اللى حصل
أنحنى رفيق برأسه إليه فهمس بأذنه حريص على ألا يسمعهما أحد :
– ليان خلاص بقت مراتى وتشيلها من دماغك خالص هى وأخوها ، لأن أنت لسه متعرفنيش ، ومتفتكرش إن أنا إبن أكابر وذوق والكلام ده ، لاء دا أنا جبتها من تحت أووى ، ومولود ومتربى فى حارة ، يعنى أعرف أمتى أبقى ذوق مع الذوق وأمتى أبقى بلطجى مع اللى يحاول يقرب على حاجة تخصنى ماشى يا أستاذ فاروق ، وليان واخوها دلوقتى يخصونى
لم ينبس فاروق ببنت شفة ، بل إستمع لتحذيره للنهاية ، فتلك الثقة التى يتحدث بها ، جعله يتيقن من أن ذلك الشاب ، ربما يعلم شيئاً عما حدث بالماضى ، فهل من الممكن أن تكون علية أخبرته بما حدث ؟
__________
تنتقل من مكتب لآخر ، تحدث فوضى وجلبة عارمة بمزاحها مع العاملات بالشركة ، حتى خرج أخيها على إثر سماعه صوت ضحكات عالية ، تأتى من أمام غرفة مكتبه
ففتح مالك الباب قائلاً بتساؤل :
–:” ايه ده فى ايه ، وايه أصوات الضحك العالية دى أنتى بتعملى إيه يا رهف”
أنكمشت ملامحها بأسف وهى تقول بوداعة ، لتنقذ نفسها من براثن شقيقها الغاضب :
–:” سورى يا مالك كنت بهزر مع نسرين شوية ونسينا نفسنا متزعلش يا حبيبى”
وضع مالك يديه بخصره وهو يقول :
–:” لا والله عال صوت الضحك عمال يرن فى الشركة كلها ، دا زمان كمان الناس اللى حوالينا سمعونا ”
أطرقت نسرين برأسها أرضاً وهى تقول بإعتذار :
–:” آسفة يا مستر مالك بس والله دى رهف اللى دمها زى العسل ومقدرتش أمسك نفسى”
قفزت رهف من على سطح المكتب ، الذى كانت جالسة عليه ، فإبتسمت إبتسامة عريضة وهى تقول ببلاهة :
–:” ايه ده أنت اسمك مستر مالك يا لوكا”
جحظت عيناه من قولها ، فرد قائلاً بغضب :
–:” لوكا! بت أنتى إحنا مش ف البيت أنتى فاهمة اسكتى خالص”
لوت رهف فمها فما لبثت أن ردت قائلة :
–:” خلاص سكتنا يا أخويا”
وصل مالك إلى حافة صبره منها ، فقال من بين أسنانه بغيظ :
–:” تعالى معايا يا أم دم خفيف”
قام بسحبها من رسغها يجرها خلفه ، حتى وصل الى مكتبه فنظر اليها بغضب شديد وهو يقول:
–:” حلو كده يا رهف عمالة تضحكى وبتقوليلى قدام السكرتيرة يا لوكا أنتى فكرانا فين هنا أنا أستاهل ضرب الجزمة أن جبتك معايا ”
نفخت رهف بضيق وملل وقالت :
–:” دا ايه الملل ده انا هروح ياعم معندكوش حاجة مسلية خلى السواق يروحنى يلا خلاص أنا قفلت من الخروجة الناشفة دى”
تهلل وجه مالك وهو يقول:
–:” يا فرج الله بجد هتروحى هطلبك السواق حالا بس كده عيونى”
ضيقت رهف عينيها وهى تقول بتفكه :
–:” يا سلام على الندالة عايز تسربنى زى القطة الضالة يا مالك ومصدقت أقولك عايزة أروح”
تبسم مالك بدون مرح قائلاً :
–:” ماهو لو مسربتكيش دلوقتى أنا اللى هتشل منك يرضيكى اخوكى حبيبك يتشل”
مطت رهف شفتيها وهى تقول بلطف :
– :” بعد الشر عليك يا لوكا”
كمن سكبت مزيداً من الوقود على نيران مشتعلة ، فصرخ بها :
–:” الله يحرق ده دلع يا شيخة اللى يجيب قلة القيمة ده”
تجاهلت رهف ثورته عليها وعادت تقول :
–:” طب وحياتك انت لوكا لايقة عليك أوى”
كور مالك قبضة يده وقال :
–:” رهف غورى روحى يلا ”
دبت رهف الأرض بقدميها قائلة:
–:” ماشى هغور فينك يا أبيه رفيق تشوف مالك بيعمل فيا إيه وأنت مش موجود”
دفعها مالك برفق صوب الباب وهو يقول :
–:” يلا من هنا وكملى فقرة التمثيل بتاعتك دى فى البيت بلاش استعباط عطلتينى عن الشغل ولو أبيه رجع ملقاش كل حاجة تمام هيعمل منى بطاطس محمرة”
وصلت رهف لمقبض الباب ، ولكن قبل خروجها ، عادت تنظر لوجه شقيقها فقالت :
–:” حتى الاستعباط ممنوع ايه ده فين الاخوة فين المحبة فين الباب يا مامااااا”
فهى رأت شقيقها يتطاير الشر من عينيه بسبب مزاحها ، وربما هو على وشك إلقاءها خارجاً ، فهى قد تسببت بتعطيله عن عمله اليوم ، الذى إذا عاد أخيه الاكبر ، ولم يجده قد أنجز ما عليه من مهام ، فسيسمعه كلاماً لا يريد أن يسمعه منه ،فخرجت رهف وفرت هاربة من المكتب ، وهى مازالت تضحك على شقيقها، الذى كان على وشك الانفجار ، من أفعالها الطفولية
رأته نسرين يركض خلف شقيقته ، فتعلقت عيناها به ، ولكن خفضتها سريعاً ، فلما هى تصر على تعاسة قلبها أكثر بتعلقها بشخص ، ربما ستكون هى أخر فتاة يفكر بها فى يوم من الأيام ؟ وهل نسيت سريعاً ذلك العهد الذى أخذته بالإقلاع عن أوهامها والتفكير بمستقبلها ؟ فتباً لقلبها الخائن للعهد
_________________
يكاد يقتلع شعر رأسه من جذبه المتكرر له ، فهو حتماً سيصاب بالجنون الآن ، فكيف حدث هذا ؟ وكيف أستطاع ذلك الرجل أن يأخذ تلك الفتاة من بين يديه ؟ وكيف يأخذ من دق قلبه لها ؟ تكاثرت الأسئلة برأسه ، للبحث عن إجابات ، فلم يجد سوى الاجابات التى مزقت قلبه
فتلك الفتاة رسم أحلاماً عديدة تجمعه بها ، فهو كان يحلم بأنها ستكون زوجته ، حتى أنه فكر أين سيعيشان بعد زواجهما ، و بات يفكر فى أسماء لأولاده منها ، فكل شئ قد أنهار امام عيناه ،فقد هدم ذلك الرجل عالمه بكلمة واحدة ، خرجت من فمه وأصابت قلبه بسهم مسموم
فدلف والده تتبعه والدته ، فهى قد علمت بما حدث ، ولا يخفى على أحد تلك السعادة المرسومة على وجهها والمتملكة من قلبها ، بابعاد تلك الفتاة عنه
رأى والده حيرته ، فأقترب منه قابضاً على ذراعه قائلاً بمواساة :
–:” أهدى يا ماجد مش كده يا حبيبى”
نظر إليه ماجد وعيناه ملتمعة بالدموع قائلاً :
–:” أهدى ! أهدى إزاى يعنى يا بابا إزاى ده حصل وليه اصلاً حصل أنا هتجنن هتجنن”
ضربت صابرة كفيها ببعضهما البعض وهى تقول:
–:” وفيها إيه يعنى يا أبنى لما تتجوز ربنا يسعدها إحنا مالنا بيها”
حول ماجد بصره لوجه والدته ، التى لم تأخذها الشفقة عليه كوالده ، فخرج صوته ملتاعاً بألم :
–:” إحنا مالنا إزاى يعنى يا ماما وأنتى عارفة أن أنا بحبها”
ردت صابرة قائلة ببرود وجمود:
–:” واديها اتجوزت يا دكتور هتعمل ايه يعنى ها خلاص موضوع وخلصنا منه وخليك فى مستقبلك دا أنا إن شاء الله هجوزك ست ستها وواحدة تشرفك ، أنا ياما قولتلكم أن بنت إلهام ملهاش أمان زى أمها محدش صدقنى ، أديها أهى مع أول فرصة جتلها وقعت واحد غنى وأتجوزته ”
لم يستساغ محسن ما سمعه منها ، وخاصة شقها الأخير من حديثها ، فرد قائلاً:
– خلاص يا صابرة ملوش لازمة كلامك ده الله أعلم كانت ايه الظروف لجوازهم مش عايزين نظلم حد
ترك الحديث مع زوجته ، فعاد لولده قائلاً بلين :
–:” جايز أمك عندها حق بخصوص أن موضوعك مع ليان خلاص خلص لحد كده ”
رد ماجد قائلاً بإصرار :
–:” لاء مخلصش يا بابا وأنا لازم أعرف كل حاجة وايه اللى حصل بالظبط”
تجهمت ملامح والدته وهى تقول :
– :” وهتعرف ازاى يعنى يا ماجد خلاص بقى يا أبنى متوجعش دماغك”
عاد ماجد لإصراره ثانية وهو يقول :
–:” لاء يا ماما ، أنا لازم اتكلم مع ليان”
هم ماجد بالخروج من الغرفة ، فقبض والده على ذراعه ينهرهُ عن فعل ذلك قائلاً :
–:” أهدى يا ماجد وبلاش جنان ليان دلوقتى على ذمة راجل يا ابنى ومظنش انه هيسمحلك تقعد تتكلم معاها”
أفلت ماجد ذراعه من قبضة يد والده وهو يقول :
–:” ميهمنيش جوزها ولا غيره”
قال ماجد عبارته وخرج سريعاً من المنزل يريد رؤيتها لتمنحه تفسيراً لكل ما حدث ، فأسرعت صابرة بوكز زوجها بذراعه لعله يلحق بإبنهما ، قبل أن يرتكب حماقة ، أو أن يصيبه ضرر من لقاءه مع زوج ليان
_____________
يتبع ….!!!!!
أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين ❤️❤️❤️
فى قراء استغربوا ليان محجبة وإزاى رفيق حضنها وشاف شعرها ومسك إيديها ، أظن دلوقتى عرفتوا أن ده كله حلال ، هى مراته وهو جوزها 😂 ، وأنا الحمد لله معنديش تجاوزات ، يعنى مش معقول أكتبها محجبة وملتزمة وأى حد تسكتله على أنه مسك إيدها أو قرب منها
إزاى بقى علية جوزت ليان لرفيق ده هتعرفوه فى الفلاش باك لما رفيق يحكى لوالدته عن كل حاجة ، الصبر حلو يا جماعة
إزاى رفيق مش فاكر ليان ، أولاً هو دكتور فى الجامعة والكلية فيها أربع دفعات وكل دفعة فيها مئات الطلاب والطالبات هيفتكر مين ولا مين ، وكمان هو طرد ليان فى أول الدراسة وفات كام شهر وامتحنوا الترم الاول كمان ، وهو مش من عادته يدقق فى وش حد ، وقولت كده فى السرد ، يعنى طبيعى جدا أنه ميفتكرهاش ، هو لازم البطل تكون ذاكرته فلاذية ومبينساش حد 😂 عادى والله انا ممكن اقابل حد ودقيقتين وأنساه ، أعتبروا أنه عنده ذاكرة سمك 😂😂
إن صبر القارئ على الكاتب هيقول كل حاجة لوحده ، وده مثل أنا مألفاه 😂😂
بحبكم في الله ❤️♥️❤️

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى